القرن العشرون ما كان وما سيكون/الباب الأول/الطعام والطاقة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


١ – الطعام والطاقة

طعام الانسان يؤخذ مباشرة أو بالواسطة من النبات ، وهو ذو خاصة تحويل ثاني أكسيد الكربون من الجو الى المركبات الكيمية الضرورية لتغذية الانسان ، ونحن نأكل بعض النبات كالحبوب والخضر مباشرة ، ونأكل بعضه بعد تحوله الى اللحم واللبن والبيض في الحيوانات المدجنة . ويمكن أن يقال بعبارة أخرى : « كل لحم نبات »

ولابد للمفرد الانساني ليعيش عيشة صحيحة عاملة آلاف سعر حرارة في اليوم ، وعليه اذن أن يستنفد كل يوم ما يساوى نحو رطل وثمانية أعشار الرطل من النبات يحتوى سبعة أعشار الرطل من الكربون ، وهو داخل على أشكال كثيرة في التركيبات التي يتكون منها النبات . فلابد للمفرد الانساني اذن من مائتين وستين رطلا من الكربون كل سنة ... ويتحول على ظهر الأرض في كل سنة نحو مائة وخمسين بليون طن كربون من ثاني أكسيد الكربون الى مادة نباتية ، وهو مقدار اذا استنفده الناس وخلصت فائدته كله للتغذية كان كافيا لتموين عدد من السكان يساوي خمسمائة ضعف الموجودين على الأرض في الوقت الحاضر . ولكن مصدره من ضوء الشمس يذهب كثير منه – لسوء الحظ – الى ماء البحر ولا ينتفع به الانسان في طعامه ، ولو بقى ما يقع على اليابسة من مصدره الشمسى وقفا على الغذاء لكان كافيا لعدد الناس يساوي خمسين مثلا سكان الأرض الموجودين. اذ كان عادات الانسان في التغذية أن يقصر طعامه على النبات المزروع والحيوان الذي يتغذى به ، ولا يستنفد هذا ولا ذاك أكثر من ربع مصادر الغذاء الضوئية التي تنصب على سطح الكرة الأرضية ، على أن هذا القسط لو خلص أيضا للتغذية لكان كافيا لعشرة أمثال - سكانها . « فمحصول الأرض الزراعية لا يكفينا الآن لما يصاب به من ألوان النقص في نظام تدبيرنا للأطعمة . اذ يستخدم نصف المحصول على وجه التقريب في الطعام الحيوانات الداجنة ، وانما يأكل الحيوان جزءا من النبات ويعطينا منه أغذية حيوانية كاللحم واللبن والبيض ونحوها مما يتألف منه عشر أسعار الحرارة ، أي أنا نعطي الحيوان مائة . سعر يستنفد تسعين منها ويعطينا عشرة . « ويعرض للمحصول نقص آخر من أن الانسان لا يأكل جميع النبات . بل يأخذ حبة القمح مثلا ويدع القشور والجذور ويقدر ما يأكله بنحو عشرين في المائة جملته . وليس الغذاء بعد هذا خالصا للانسان والحيوان الداجن ، لأن الأحياء الأخرى من الحشرات وجراثيم الأوبئة محصول النبات الذي كان للإنسان أن يستأثر من تلتهم نحو لولا ذاك ، ولهذه العوارض لا يقى من محصول الأرض الا ما يكاد یکنی سكانها الموجودين ، « والعالم في الواقع يربى محصوله من المادة الغذائية الصالحة على الحاجة الضرورية ، اذ هو ينتج مائة وخمسين طنا لكل فرد انساني لا تزيد حاجته منها على ثلاثة أعشار الطن الواحد ، فلولا تلك الموارض لكان لدينا وفر من الطعام . ۱۶ به . « ويجرى توزيع الطعام على حسب المواقع الأرضية . فيبلغ على الأرض الآن بليونين وأربعة أعشار البليون من الأفدنة المزروعة ، أي فدان على وجه التقريب لكل انسان ، ولكن سكان الأرض موزعون توزيعا سيئا على هذه المساحة ، فيخص الساكن في الولايات المتحدة قدانان مزروعان ، ويخص الساكن في كندا حيث تتسع الأرض ويقل السكان ثلاثة أفدنة وستة أعشار الفدان لكل ساكن : على حين أن ا الساكن في اليابان لا تزيد حصته على خمسی فدان من الأرض المزروعة ، ولا تزيد حصة الساكن في القارة الأسيوية على خمسي فدان . أما في أوربة الغربية فحصة الانسان الفرد أقل من فدان المحاصيل من الأرض الزراعية في العالم على أساليب متفاوتة في الانتاج ، فنحن في الولايات المتحدة تحصل يوميا على نحو مادة الغذاء أربعة آلاف سعر من من الفدان الواحد ، وهو مقدار يزيد على انتاج آسيا الذي يبلغ أربعة آلاف سعر مع الفرق بين تربة الشرق والجنوب الشرقي حيث تزيد الأولى على الثانية ، وتحصل أورية العربية بوسائلها المركزة على مقدار يتفاوت بين سبعة آلاف وثمانية آلاف . وأشد ما يكون تركيز الوسائل الزراعية في اليابان حيث يؤتى الفدان ثلاثة عشر ألف سعر ، أي نحو ثلاثة أمثال ونصف المثل من متوسط انتاج الفدان في العالم ، وهو ثلاثة آلاف وثمانمائة . والأمريكي يطعم حيواناته معظم محصول أرضه من القمح والشوفان ولا يستنفد طعام الانسان منهما على حالتهما الطبيعية غير من النزر القليل . اذ يأخذ الأمريكي نحو الثلث من أسعار غذائه من اللحم واللبن والبيض ، وعلى خلاف ذلك الآسيوي الذي يأكل معظم نباتاته ولا يزيد غذاءه المواد الحيوانية على خمسة في المائة ، ويأتي الأوربي وسطا بينهما فيعطى الحيوانات ما يزيد على النصف بقليل ، ويأخذ عشرين في المائة أسعار الغذاء المواد الحيوانية . وترتبط عادات التغذية بنسبة مساحة الأرض المزروعة فلا يقدر السكان على ترف استخلاص م - 3 القرن العشرون . ۱۷ الغذاء من الحيوان الا حيث تزيد حصة الفرد الواحد من « ولا يبدو أن الاختلاف في مقادير المحصول راجع الى أسباب تتعلق بالخصب والاقليم ، وانما يرجع على الأرجح الى درجة المعرفة الفنية ووفرة السكان . فنحن في الولايات المتحدة تعلم كل ما يعلمه اليابانيون من أساليب الزراعة ولا نعني مثل عنايتهم بتركيزها لأن هذا التركيز لا تدعو اليه الضرورة بعد ، مع زيادة حصة الفرد من الأفدنة . أما في آسيا عدا اليابان - فالناس يجوعون ، والحاجـة تدعو الى مضاعفة الانتاج ، ولكنهم لا يستخدمون وسائل التركيز لنقص المعرفة الفنية وصعوبة الحصول على أدواتها التي يحصل عليها في أوربة الغربية. « ويستعمل الأوربي مقدارا من المخصبات يساوي أكثر ما يستعمله الأمريكي ، وما يستعمله الياباني يساوي ضعف ما يستعمله الأوربي منها ، وقلما تستعمل المخصبات في الهند لندرتها وقلة ما يعلمه الفلاح الهندي عنها . ويقال مثل ذلك عن الخبرة بتحسين النبات على حساب وسائل انسائه وتربيته ووقايته من الآفات والأوبئة ، مما يجهله أبناء الأمم المتخلفة .. وقد ساعد ارتقاء الآلات كما ساعد ارتقاء وسائل التربية والوقاية على توفير محاصيل النبات . ولكننا حريون ألا نبالغ في جدوى الآلات فيما يتعلق بغلة القدان ، فان أكبر ما تجديه الآلات أن تزيد المحصول بنسبة اليد العاملة وتنقص ساعات العمل ، فيخلو الوقت للاشتغال بأعمال الصناعة ، وتلاحظ في الواقع علاقة وثيقة حيث تتقدم الصناعة بين نسبة التركيز وعدد الأيدي المتفرغة للزراعة . ففى اليابان التي تبلغ نسبة التركيز فيها أقصاها يستخدم نصف قوتها العاملة في انتاج هذه النسبة ، ويستخدم في أوربة الغربية عدد يتراوح بين الربع والثلث ، ولا يزيد عمال الزراعة في الولايات المتحدة على تسعة من كل ۱۸ . مائة عامل . فلا غنى لتركيز وسائل الزرع من تركيز القوى العاملة « ويفهم من المقارنة اذن أن المقصود هو أن يكون من المتيسر رفع نسبة الانتاج في الأرض الصالحة للزراعة وأن يتيسر ذلك بنشر المعرفة الفنية ونشر أدواتها بين أبناء البـلاد المتخلفة ، وينبغي أن تنيسر المضاعفة وأكثر المضاعفة برفع نسبة الانتاج هناك الى مثل نسبتها في بلاد أوربا الغربية . « ولنسأل : ما مبلغ السرعة التي تترقبها نتيجة لنشر المعرفة الفنية وأدواتها الفعالة ? فعلينا لمواجهة هذا البحث أن نراجع مدى التقدم حيث تستخدم هذه الأدوات الآن . فاليابان بدأت فيها الثورة في أساليب الزراعة منذ منتصف القرن التاسع عشر وظل عـدد سكانها من قبل سنة 1870 ثابتا كما ثبتت مثله مقادير انتاج الأرز ومقادير انتاج المواد الغذائية ، ويمكن الرجوع الى الاحصاءات منذ سنة 1878 الى الآن ... فمن عشرة السبعين ارتفع محصول الأرز ارتفاعا بطيئا مطردا حتى زاد على الضعف خلال فترة من خمسين الى ستين سنة ، وجاء ذلك نتيجة لزيادة غلة المحصول من كل فدان ، تبعا لزيادة المخصبات وزيادة العناية بتوليد النباتات ، وقد قوبلت زيادة الغلات اليابانية خلال القرن الأخير – من القرن التاسع عشر وربع القرن الأول من القرن العشرين بما يوازنها في غلات أوربة العربية . فكانت نسبة الزيادة هنا وهناك بمقدار اثنين في المائة كل سنة تؤدى الى ضعف المحصول بعد خمسين أو ستين سنة ، مما يفهم منه أن زيادة الزراعة بطيئة بالقياس الى زيادة الصناعة ، اذ قد علمنا أن محصول الحديد والصلب في اليابان كان يتضاعف كل خمس سنوات خلال هذه الفترة . ولنلاحظ أن الانتـاج الزراعي يترقى من مستوى هابط الى حده الأعلى ، فلم تتغير النسبة الا قليلا في اليابان منذ سنة 1935 على الرغم من جهود التركيز الفنية . « ففى الماضى اذن كانت زيادة الانتاج الزراعي بنسبة اثنين في المائة كل سنة ، سواء في آسيا أو أوربة الغربية ، فهل ينتظر الوصول الى نسبة أكبر من هذه النسبة في المستقبل بعد تقدم المعرفة الفنية وتقدم وسائل النشر والتلقين ؟ وجواب هذا السؤال أننا نعلم فعلا كيف نزيد مقدار الغذاء وكيف نزيد سرعة انتاجه ، ولكن زيادة غير كبيرة ، ففى الولايات المتحدة مثلا زاد الانتاج الزراعي خلال العشرين سنة الأخيرة بنسبة اثنين في المائة كل سنة ، بعد ما توافر لدينا من المعرفة بعلوم الحياة وعلوم الزراعة ووسائل الارشاد والمشورة ، وتكاد نسبة الزيادة في الطعام – على هذا – تضارع نسبة الزيادة في عدد السكان . ومن المعلوم أن سكان الولايات المتحدة يحصلون على الكفاية من الغذاء فلا تلح الحاجة بتعجيل النظر في مضاعفة المنتجات . فلنوجه النظر اذن الى بلد معرض لنقص الأرزاق والثمرات . - « لقد أفاد برنامج حسن التحضير من مؤسسة روكفلر في زيادة الانتاج بأرض المكسيك بنسبة ثمانين في المائة خلال عشرين سنة ، تعادل أربعة في المائة كل سنة . وقد ارتفعت نسبة الطعام بحساب الفرد الواحد ارتفاعا مناسبا مع تكاثر عدد السكان بنسبة ثلاثة في المائة كل سنة ، وهذه الزيادة الملحوظة انما تيسرت بتوسيع مساحة الأرض المزروعة نتيجـة لتحسين الرى وتعليم الزراعة وشتى المباحث الفنية ، وحصلت المكسيك أثناء ذلك على معون نة فنية من الولايات المتحدة ساعدت على انجاز هذا التطور ، ومنه نرى مبلغ ما تترقبه - حدا أقصى – للتقدم الزراعي على الأقل في حالة الافتقار الى التطورات الاجتماعية . أما البلاد الآسيوية فقد كان التقدم فيها دون هذا في السرعة ولم تتجاوز نسبته نسبة ۲۰ الزيادة في عدد السكان الا بشيء يسير . ويصدق هذا حتى على بلاد کالهند بذلت فيها ولا تزال تبذل مجهودات قوية لتحسين أحوال التغذية اذ يبلغ المال المخصص للزراعة في مشروع السنوات الخمس نحو خمس نفقات المشروع كله ، فتقررت أعمال الرى وأنشئت معامل السماد ونشرت دروس التعليم ، وأدت هذه الجهود الى زيادة نحو خمس عشرة في المائة ، أي بمعدل ثلاثة في المائة كل سنة ، ولا يزال نصيب أهل الهند هذا أقل مما كان قبل الحرب العالمية الثانية ، اذ بقى انتاج من الغذاء م الطعام على حاله اثنتي عشرة سنة قبل الابتداء في مشروع السنوات الخمس على حين كان عدد السكان مستمرا في الزيادة . وقد علم من جداول الاحصاء والمقابلة أن زيادة الانتاج بوسائل الزراعة التقليدية لا تزال ترتفع حتى تنتهى الى مستوى يصعب المزيد عليه . فمما يسوغ لنا الأمل في مضاعفة الغـلات أن كثيرا من المساحات الزراعية في العالم لا تزال بحالتها الهابطـة قابلة للمزيد من التحسين ، فكم من الناس على ظهر الكرة الأرضية نستطيع أن نزودهم بالمئونة الكافية بعد الانتهاء الى الحد الأقصى ؟ بعد تذليل الصعوبات الاقليمية في مناطق الأرض المختلفة يمكن تقدير المساحة التي يتم استصلاحها بنحو بليون فدان تظهر فوائدها الكبرى في القارتين الأمريكتين حيث تزداد المساحة بمقدار خمسين أو سنتين في المائة ، وأقل من ذلك فوائدها للقارة الآسيوية حيث تقدر الزيادة بثلاثين في المائة . فاذا تم ارتفاع الانتاج في هذه المساحات على النسبة المعهودة بالقارة الأوربية بلغ محصولها نحو ضعفی محصول الكرة الأرضية في الوقت الحاضر واحتاج اتمام العمل فيه الى زمن يتراوح بين ثلاثين وخمسين سنة والى مقدار المال يبلغ نحو خمسمائة ...) . . ۲۱ بليون دولار تنفق لاقامة مراكز الارشاد على جوانب الكرة الأرضية وانشاء معامل السماد ونشر التعليم ... ويكفى المحصول – متى تمت جميع هذه المجهودات لتسوين عدد السكان يتراوح بين أربعة بلايين أو خمسة ، وهذا على اعتبار أن سكان آسيا يظلون في تغذيتهم مكتفين بنسبة قليلة من المواد الحيوانية ، وأن سائر سكان العالم يظلون من ا مكتفين بتمثيل عشرين في المائة من أسعار الحرارة في الأغذية الحيوانية ، وهو مقدار مناسب ملائم للصحة ، وان لم يكن على أحسن ما يشتهى في ألوان الطعام . « ... ولكن ماذا ينتظر متى بلغت غلة الفدان في العالم ما يقارب غلته في أوربة الغربية ? هل لنا أن نأمل مزيدا من ارتفاع النسبة على أساس التجربة في اليابان ? قد نجازف بجواب عن هذا السؤال وننتظر مضاعفة النسبة بالاعتماد على مزيد من التركيز واستخدام التجـارب العلمية والاكثار من جهود الأيدي العاملة . فاذا تأتي لنا بهذه الوسائل أن نرفع النسبة في ثلث المساحة المزروعة من الكرة الأرضية وأن نبلغ بثلثيها ما يعادل النسبة الحاضرة في أوربة العربية أمكننا نظريا – أن نزود بالمؤونة عددا يتراوح بين سبعة بلايين وثمانية على معدل مناسب من التغذية الصالحة - « والخلاصة أن توفير الأزواد الغذائية مستطاع بالتوسع في تطبيق الأساليب الفنية ، وأن مضاعفة الغلات الزراعية تتأتى بزيادة الرى ، وزيادة المخصبات ، وزيادة المطهرات من الحشرات وجراثيم الآفات ، وزيادة التحسين في أنواع النبات ، وزيادة التركيز على المثال المتبع في اليابان . ونسبة هذه الزيادة في السنة بين اثنين وأربعة في المائة كل سنة ينبغي أن تجرى على وتيرة الزيادة في عدد سكان العالم ، ومتى وصلنا الى هذا ۲۲ المستوى في زمن يقدر بما بين خمس وسبعين سنة ومائة سنة يكون عدد السكان قد بلغ مستوى الاستقرار . وكل هذا والزراعـة . الأطعمة التقليدية ووسائل التحضير الشائعة في الري « غير أننا نستطيع أن نعالج بالكيمياء أجزاء من النبات تنبـذ ولا تؤكل من قبيل الخشب والهشيم الممكن أن تعالج هذه النفايات بالأحماض الحارة فنجني منها شرابا عسليا بمقدار النصف من زنتها ، ويكلفنا ذلك عشرة أمثال تكاليف العمل الذي نستخرجه من السكر والبنجر ، بل يمكن بعد ذلك أن تعالج هذه الأشرية بالخمائر لنجني منها مادة غنية بالبروتين ، كما أن الخسائر المستخرجة من العسل تصلح لتغذية الانسان . من « والخطوة العملية التي تجدي في تحقيق الغاية الثابتة من تنمية الغذاء العالمي ينبغي أن تتصل بتدبير الماء . اذ هناك بقاع شاسعة تشر الغذاء الوافر اذا استطيع تخصيبها بالأمواه الكافية . فالبقاع المزروعة الآن بالوسائل التقليدية تساوى مساحتها نحو أحد عشر في المائة الأرض المزروعة ، وهي تزداد زيادة سريعة في أمريكا الجنوبية وآسيا ، ويقدرون أن أربع عشرة في المائة من الأرض يروى بتلك الوسائل التقليدية اذا تصريف أمواه الأنهار في أرجاء العالم ، وقد يرتفع هذا المقدار الى عشرين في المائة ، يجرى ريها وزرعها بالنفقات العادية ، وقلما تكفي مياه الأنهار والينابيع لزراعة مساحة أكبر من تلك المساحة ، فلا أمل اذن في تخصيب الصحاري والسهوب بالوسائل التقليدية وهي تزيد في اتساعها على مثلى سعة الأرض المزروعة ، وعلينا أن نلجأ الى ماء البحر لاستخدامه في اصلاح الأرض البور وزرعها ، فكيف يتأتى ۲۳ ذلك بالطرق الاقتصادية ? ان تكاليف الفدان الواحد من ماء البحر بعد تصفيته واعداده للرى تساوي ضعف ثمن الغلة التي تجنى منه ، فضلا تكاليف الأقنية والقناطر والأنابيب الموصلة للماء ، ولكن اصلاح الصحاري البور يظل مع هذا بابا مفتوحا عند الاضطرار . الطاقة اللازمة فان الوقود الذي يستنفده العالم ... أما عن بقى على حاله ولم يطرد في الزيادة – يظل كافيا الى زمن غير محدود . حتى لو نفدت موارد الفحوم والحفريات ، وذلك باستخدام القوى المائية والانتفاع بأحطاب الغابات ، ولكن هذا الوقود اذا ازداد عليه الطلب كما رأينا وامتد الازدياد بعد نفاد البترول فلا مناص للانسان من اللجوء الى أنواع من الطاقة غير أنواعها التقليدية . ونعرض لأنواع الطاقة المحتلة – فنرى أن ما كان منها من قبيل حرارة الأرض وقوى الرياح والتيارات المائية – على أحسن ما يرجى منها الفائدة ، اذ المواقع التي يستفاد فيها من تسخير هذه القوى قليلة اليوم بين أرجاء المسكونة ، وهي متى حسبت تكاليفها تبين أنها أقل بكثير مما يتطلبه سكانها ، ولنذكر على نطاق واسع أن معولنا الأكبر يزداد هذه - محدود ... >> ٢٤ شيئا فشيئا على الطاقة المستمدة من الشمس والطاقة النووية ، وكلتاهما كما نعلم الآن من الوجهة الفنية ميسور الاستغلال ، وانما المسألة في أيهما أوفر تفعا تئول الى المسألة الاقتصادية .. وقد وضعت ترکیبات شتى لتحويل الطاقة الشمسية الى كهربا ولكنها كانت كلها كبيرة النفقة ، ففي الأقاليم الحارة يستطاع استبدال الطاقة الشمسية بوقود الحفريات في توليد الكهربا من تسخين الماء ، وينبغى لتحقيق ذلك أن تقام الصفائح المعدنية لاستجماع الأشعة ، وربما بلغت نفقات العدد المقامة على كل فدان نحو عشرين ألف دولار ، تربی تکالیف كهربائها على جميع التكاليف . - اذا . المعهودة . ويمكن توليد الكهرباء أيضا من تسليط الأشعة على ما يشبه الموصلات الكهربائية Semi Conductors ، وينتفع بها في بعض الصناعات الصغيرة ، ولكن توسيع العمل بها يقتضى من النفقات ما لا يطاق . « وبين وسائل الانتفاع بالطاقة الشمسية غرس الأشجار في الشمس واحراق أحطابها ، أو تخمير السكر الذي تحصل عليه من غرس القصب والبنجر ، ويستخرج منه الكحول أو الغازات والسوائل لاستخدامها في توليد الكهرباء ، ولكن الحاجة الى الأرض المزروعة لتدبير الطعام لا تبقى من مساحاتها بقية تذكر لغرس أشجار الوقود . وثمة وسيلة بارعة وضعت أخيرا لتوليد الطاقة من طحلب يربى في مناطق مشبعة بثاني أكسيد الكربون ، ويجمع الطحلب ويخمر لتكوين الميثين والهيدروجين ، ثم تحرق هذه الغازات لتوليد الكهرباء ، ثم يرد ثاني أكسيد الكربون لتربية الطحلب ، ويتأتى بهذه المثابة في الاحوال الملائمة أن يتحول الى ثلاثة في المائة الطاقة الشمسية الى كهرباء ، والجهاز الذي يقام على هذا الأساس يمكن أن تحصل منه على الكهرباء بسعر يتراوح بين سنتين ونصف سنت و بين خمسة سنتات للكيلووات في الساعة ، وتقدر قيمة الوقود السائل المستخرج منه بمائة وخمسين دولارا للطن الواحد ، الشك في امكان مزاحمة الطاقة الشمسية للطاقة النووية في توليد من واحد الكهرباء في نطاق واسع يلوح لنا أنها نافعة جدا في النطاق المحدود والأرجح أن أهم وجوه النفع من الطاقة الشمسية في المستقبل انما يقوم على تدفئة الفضاء ، ونحن نعلم أن المنازل يمكن أن تبني في الأقاليم الحافلة بالسكان بحيث يعتمد في تدفئتها على الطاقة الشمسية دون غيرها الى ما يوازى مدينة بوسطنف الشمال ، وربما حالت التكاليف الاضافية اللازمة التشييد المساكن دون استخدامها على سعة ، ولكن المأمول عندما ۲۵ تعلو أسعار الوقود أن يبنى معظم المساكن بحيث تنتفع غاية الانتفاع بالطاقة الشمسية . من « واننا لعلى يقين معقول الآن من امكان الحصول على الكهرباء الطاقة النووية بسعر يقل عن سنت واحد للكيلووات في الساعة ، ( عشرة ملات Mills ) ... وفي مؤتمر المصالح السلمية للطاقة النووية الذي انعقد بمدينة جنيف سنة 1955 هبط التقدير الى أربعة ملات ، والمنظور في الولايات المتحدة أن يساوى في المستقيل من أربعة ملات الى ستة ، وقد درس سـابير Sapir ، وفان هیننج Van Hyning حالة الطاقة النووية في اليابان فتبين لهما أنه من الممكن الحصول على الكيلووات في الساعة عشرة ملات حوالي سنة 1960 وبسعر سبعة ملات حوالي منتصف سنة 1970 تقارب تكاليفه خمسة ملات ويقابل هذا السعر ستة أو سبعة ملات لما يستخرج من الفحم حديثا في الولايات المتحدة وثمانية عشر ملا في اليابان . ويرى – من ثم – أن الطاقة النووية قد تنافس الفحم في مستقبل غير بعيد وأنها وشيكة أن تعم أقطار العالم في حينها . « وتختلف الأحوال في معظم بلاد العالم عما هي عليه في الولايات المتحدة فيما يتعلق بوفرة الوقود .. فاذا أضيف الى هذا الاختلاف بعض العوامل الأخرى كان للفارق مظهر أدعى الى الالتفات ، وأحد هذه العوامل فرق العملة الأجنبية . فان البلاد التي تعاني أزمة التوريد وتتكلف الكثير لمقابلة الواردات من الفحـم والبترول بما يساوي قيمتها من محصولاتها قد ينتهي بها الأمر الى تفضيل الاعتماد على الطاقة النووية ارتفاع سعرها . وهناك عامل آخر من عوامل الاختلاف يرجع الى اجتهاد كل أمة في تدبير وسائل الكفاية الذاتية ، وليس تدبير أمر البترول ۲۶ بالأمر الموثوق به ، اذ كان شطر كبير من ينابيع بترول العالم كامنا في الشرق الأوسط حيث تغلب الحساسية لأطوار العلاقات الدولية ، وكثير من الأمم تحتمل التكاليف العالية لاستخدام الطاقة النووية وتفضل ذلك على مورد أرخص منها ولكنه غير مضمون . « ويظهر أن الاتحاد السوفيتي له حالة خاصة فيما يتعلق بلوازم الطاقة الذرية - فان بلاد الاتحاد عـلى ما تملكه من مناجم الفحم يقع فيها معظم هذه المناجم بين أرجاء سيبريا ، وتظل بقيتها مفتقرة إلى الوقود ، ولهذا يستورد في كل سنة على ما يظهر نحو خمسة عشر مليون طن من الفحم من قره غنده وقازاقستان الى روسيا الأوربية ، وهي مسافة تبلغ من ألف وخمسمائة ميل الى ألفي ميل ، وهذا أحد الأسباب التي حملت الحكومة السوفيتية على الاهتمام بتصنيع سبيريا ، وهو كذلك أحد الأسباب التي دعت الى اقامة خمس محطات لتوليد الطاقة النووية في موسكو ولننجراد وجبال الأورال تقدم يرى جليا أن الطاقة النووية سيكون لها دور هام في بقاع كثيرة من العالم وبخاصة في أوربة وأمريكا الجنوبية والشرق الجنوبي من آسيا واليابان ، وان ذلك يتم حالما يتهيأ اعداد الأجهزة الصالحة لتوليد الكهرباء بسعر عشرة ملات للكيلووات الواحد في الساعة أو أقل من ما تقد ذلك . ومن سخرية المصادفات أن الولايات المتحدة التي تملك على الأرجح – أتم المعدات الفنية لاستخدام الطاقة النووية لا تشعر بالحاجة اليها في الوقت الحاضر الا فيما يلزم للمقاصد العسكرية ، وانها عندما تشعر بالحاجة اليها سوف يأتي ذلك على بطء بالقياس الى الكثير من بلدان العالم . « .. وكلما قاربت ودائع العالم من البترول أن تنفد كثر الاقبال على استخراج الوقود السائل من الصفائح الصخرية ورمال القطران - - ۲۷ وتقطير الفحم ، ومن حوالي سنة 1975 ينتظر أن تتسع الفجوة بين البترول والفحم باعتبارهما ينابيع أولية لتوليد الطاقة ، وينبغى بعد سنة 1980 أن تكون للطاقة النووية نسبتها المحسوسة باعتبارها بديلا للوقود المستفيد من المستخرج من الحفريات في توليد الكهرباء ، وقد تبلغ هذه النسبة ثلث الطاقة حوالي نهاية القرن العشرين فاذا قارب القرن المقبل منتصفه ، فالغالب أن يكون المعول على الطاقة النووية في أكثر ما نحتاج اليه مع الاحتفاظ بودائع الفحم لتوليد الوقود السائل وبعض المواد الكيمية . « ولنسأل الآن : كم من الزمن تنتظر أن تبقى في الكرة الأرضية ذخائرها من . الأورانوم وعنصر الثوريوم صالحة لتزويد هذا العالم الصناعي بالوقود ?.. ان هذين العنصرين هما – كالفحم والبترول – من وقود الحفريات ، تكونت كلها مع تكوين العناصر الأرضية ولا يتكونان الآن من جديد ، فمقدار ما نحصل عليه منهما محدود ، ولكنهما – على هذا الطاقة أضعاف ما يحتويه الفحم ينتجان والبترول ، ويرجع ذلك الى أن العنصرين موجودان في الطبقات السفلى بمقادير وافرة من بقية القشرة الأرضية .

TA .. - « وتحتوى القطعة العادية من الصخر المحبب – الجرانيت – أجزاء عنصر الأورانيوم بنسبة أربعة من المليون وأجزاء عنصر الثوريوم بنسبة اثنى عشر من المليون ، الا أن كلا من العنصرين في الطن المتوسط يحتوى ما يساوى طاقة خمسين طنا من الفحم ، ومن الطبيعي ان هذه الطاقة ليست كلها ميسرة للانتفاع بها لما تستلزمه عملية اخراج العنصرين من التكاليف بين كسر الحجارة وسحقها ونقل صفوتها الى المعمل الكيمي ، ولا حاجة الى القول بأن هذه العملية لا تجدى شيئا اذا تساوت تكاليف العنصرين. اذ الطاقة اللازمة لها وتكاليف الطاقة التي تستمد بعد ذلك « على أنه قد تبين أن العنصرين يوجدان في الصخر على نحو يجعل الطاقة اللازمة لاستخلاصها جد قليلة ، ويستطاع لهذا أن يستخلص من طن الصخر ما يعادل الطاقة المستمدة خمسة عشر طنا من الفحم بتكاليف معقولة من الوجهة الاقتصادية ومعنى هذا أن الانسان غير مفتقر الى استخدام أجود أنواع الأورانيوم والثوريوم لتوليد الكهرباء ، يستطيع أن يعول على الموجود منهما في القشرة الأرضية . « ويحتمل على طول المدى أن تتولد الطاقة من تفاعل الحرارة والطاقة النووية ، أي من التحام الهيدروجين باعتباره عملا مستقلا عن انشقاق الأورانيوم ، ولا يعلم الى الآن كيف تجرى هذه العملية وان كان امكانها حقيقة مسلمة ، فإذا تمكن العلم من تذليل المصاعب الفنية فكل ما على الأرض من البحار مدد صالح للانتفاع به في توليد هذه الطاقة . وقد تكون هذه العملية أكبر كلفة عملية شق الأورانيوم . الا أنها حاضرة للانتفاع بها في حينها يوم يحتاج اليها . « ... ويتضح في الختام أن ذخائر الطاقة التي يعتمد عليها الانسان موفورة الى زمن بعيد ، وعلينا أن نحول هذه الذخائر من قوة مخزونة الى قوة فعالة ، وأن السؤال عن امكان هذا التحويل في الوقت المناسب لسؤال حقيقي بالتوجيه والتأمل . اذ يتوقف جوابه على خليط مشتبك من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية » (1) (۱) هذا الفصل ملخص بتصرف من كتاب « مائة السنة التالية » . ۲۹