العقد الفريد (1953)/الجزء الأول/كتاب اللؤلؤة في السلطان/المشورة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


المشورة

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ماندم من استشار، ولا شقي من استخار.

من كلام الله تعالى

وقد أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بمشاورة من هو دونه في الرأي، فقال: ﴿وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ؛ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ.

عثمان وثقيف لما همت بالارتداد

ولما همّت ثقيف بالارتداد بعد موت النبي صلّى الله عليه وسلّم استشاروا عثمان بن أبي العاصي، وكان مطاعا فيهم؛ فقال لهم لا تكونوا آخر العرب إسلاما وأولهم ارتدادا؛ فنفعهم الله برأيه.

لبعض الحكماء فيما ينفع ويضر

وسئل بعض الحكماء: أيّ الأمور أشدّ تأييدا للفتى1 وأيها أشد إضرارا به؟ فقال: أشدها تأييدا له ثلاثة أشياء: مشاورة العلماء، وتجربة الأمور، وحسن التثبّت. وأشدها إضرارا به ثلاثة أشياء: الاستبداد، والتهاون، والعجلة.

بين حكيم وحكيم

وأشار حكيم على حكيم برأي فقبله منه. فقال له: لقد قلت بما يقول به الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمرّه، وسهله بوعره، ويحرّك الإشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح وقبلته؛ إذ كان مصدره من عند من لا يشكّ في مودّته وصفاء غيبه ونصح جيبه. وما زلت بحمد الله إلى الخير طريقا واضحا، ومنارا بيّنا.

للراسبي في الرأي الفطير

وكان عبد الله بن وهب الراسبيّ يقول: إياكم والرأي الفطير.وكان يستعيذ بالله من الرأي الدَّبَرِيّ2 الخمير.

لعلي في رأي الشيخ

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: رأي الشيخ أحسن من مشهد3 الغلام.

لابن هبيرة يوصي ابنه

وأوصى ابن هبيرة ولده فقال: لا تكن أول مشير، وإياك والهوى والرأي الفطير. ولا تشيرنّ على مستبد [ولا على وغد ولا على مسكون ولا على لجوج، وخف الله في موافقة هوى المستشير]4، فإن التماس موافقته لؤم، والاستماع منه خيانة.


وكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول : دعوا الرأي يغب حتى يختمر العاص بن الخطيب وإياكم والرأي الفطير . نريد الأناة في الرأي والتثبت فيه . ومن أمثالهم في هذا قولهم : لا رأي لمن لا يطاع . من أمثالمي وكان المهلب يقول : إن من الله أن يكون الرأي بيد من ملك دون الذهاب في الرأي من يبصره . العتبي قال : قيل لرجل من عبس : ما أكثر صوابكم ؟ قال : نحن ألف رجل ليس في الحزم وفينا حازم واحد ، فنحن نشاوره ، فيتا ألف حازم . قال الشاعر : البعض الشعراء د الرأي الليل مسو؛ جوانبه، والليل لا ينجلي إلا بإسباح قاضي مصارح آراء الرجال إلى : مصباح رأيك مزدة ضو، وهاج التي قال : أخبرني من رأي عبد الله بن عبد الأعلى وهو أول داخل على عبد الله بن الخليفة وآخر خارج من عنده ، قال : ثم رأيته و إنه ای کا العير الأجرب، عبد الأعلى بعد . لقي كما يتقي . فقال لي : يا أخا العراق ، اتهمنا القوم في سرير تنا، ولم يقبلوا منا علانيتنا ، ومن ورائهم ووراتنا حكم عذل . ومن أحسن ما قيل فيمن أشير عليه فلم يقبل ، قول شبع لأهل اليمامة بعد شيع في أهل ۲۰ إيقاع خالد

يا بني حنيفة ، بدا لكم كما بعدت عاد و ثمود . أما والله لقد

أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه ، كأني أسمع چرسه و أبصر به ، ولكنكم أيتم النصيحة فاجتنيتم الندامة . وإني لما رأيكم تهمون الصبح وتهون الحليم ، استشعرت 4 المنامة er

(1) منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. والله ما منعكم الله التوبة ولا أخذكم على غرّة، ولقد أمهلكم حتى ملّ الواعظ ووهن الموعوظ، وكنتم كأنما يعنى بما أنتم فيه غيركم، فأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق، ومن نصيحتي الندامة؛ وأصبح في يدي من هلاككم البكاء، ومن ذلّكم الجزع. وأصبح ما فات غير مردود، وما بقي غير مأمون.

للقطاميّ

وقال القطاميّ في هذا المعنى:

ومعصية الشّفيق عليك ممّا
يزيدك مرّة منه استماعا
وخير الأمر ما استقبلت منه
وليس بأن تتبّعه اتّباعا
كذاك وما رأيت الناس إلا
إلى ما جرّ غاويهم سراعا
تراهم يغمزون من استركّوا
ويجتنبون من صدق المصاعا5

وكان يقال: لا تستشر معلما ولا حائكا ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء. وأنشد في المعلمين:

وكيف يرجّى العقل والرأي عند من
يروح إلى أنثى ويغدو إلى طفل

وكان يقال: لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها. وكان يقال: لا رأي لحاقن ولا حازق: وهو الذي ضغطه الخف. ولا الحاقب وهو الذي يجد رراّ في بطنه. وينشد في الرأي بعد فوته:

وعاجز الرأي مضياع لفرصته
حتى إذا فات أمر عاتب القدرا

شعر للمؤلف

ومن قولنا في هذا المعنى:

فلئن سمعت نصيحتي وعصّيتها
ما كنت أول ناصح معصيّ

لحبيب

وقال حبيب في بني تغلب عند إيقاع مالك بن طوق بهم:

لم يألكم مالك صفحا ومغفرة
لو كان ينفخ قين الحيّ في فحم

  1. في نهاية الأرب (۷۰:٦) : «للعقل».
  2. الرأى الدبري : الذي يسنح فوات الفرصة.
  3. كذا في بعض الأصول وعيون الأخبار والذي في سائر الأصول ونهاية الأرب «جلد»
  4. التكملة من البيان والتبيين .
  5. المصاع: المقاتلة والمجالة بالسيف