الطين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

الطين

​الطين​ المؤلف إيليا أبو ماضي


نسي الطين ساعة أنه طين
حقير فصال تيها و عربد
و كسى الخزّ جسمه فتباهى،
و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي،
ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير
الذي تلبس و اللؤلؤ الذي تتقلّد
أنت لا تأكل النضار إذا
جعت و لا تشرب الجمان المنضّد
أنت في البردة الموشّاة مثلي
في كسائي الرديم تشقى و تسعد
لك في عالم النهار أماني،
وروءى و الظلام فوقك ممتد
و لقلبي كما لقلبك أحلا
م حسان فإنّه غير جلمد
أأماني كلّها من تراب
و أمانيك كلّها من عسجد؟
و أمانيّ كلّها للتلاشي
و أمانيك للخلود المؤكّد!؟
لا. فهذي و تلك تأتي و تمضي
كذويها. و أيّ شيء يؤبد؟
أيّها المزدهي. إذا مسّك السقم
ألا تشتكي؟ ألا تتنهد؟
و إذا راعك الحبيب بهجر
ودعتك الذكرى ألا تتوحّد؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى
و في حالة المصيبة يكمد
أدموعي خلّ و دمعك شهد؟
و بكائي ذلّ و نوحك سؤدد؟
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه؟
و ابتسامتك اللآلي الخرّد؟
فلك واحد يظلّ كلينا
حار طرفي به و طرفك أرمد
قمر واحد يطلّ علينا
و على الكوخ و البناء الموطّد
إن يكن مشرقا لعينيك إنّي
لا أراه من كوّة الكوخ أسود
ألنجوم الني تراها أراها
حين تخفي و عندما تتوقّد
لست أدنى على غناك إليها
و أنا مع خصاصتي لست أبعد
أنت مثلي من الثرى و إليه
فلماذا، يا صاحبي، التيه و الصّد
كنت طفلا إذ كنت طفلا و تغدو
حين أغدو شيخا كبيرا أدرد
لست أدري من أين جئت، و لا ما
كنت، أو ما أكون، يا صاح، في غد
أفتدري؟ إذن فخبّر و إلاّ
فلماذا تظنّ أنّك أوحد؟
ألك القصر دونه الحرس الشا
كي و من حوله الجدار المشيّد
فامنع اللّيل أن يمدّ رواقا
فوقه، و الضباب أن يتلبّد
وانظر النور كيف يدخل لا
يطلب أذنا، فما له ليس يطرد؟
مرقد واحد نصيبك منه
أفتدري كم فيك للذرّ مرقد؟
ذدتني عنه، و العواصف تعدو
في طلابي، و الجوّ أقتم أربد
بينما الكلب واجد فيه مأوى
و طعاما، و الهرّ كالكلب يرفد
فسمعت الحياة تضحك منّي
أترجى، و منك تأبى و تجحد
ألك الروضة الجميلة فيها
الماء و الطير و الأزاهر و النّد؟
فازجر الريح أن تهزّ و تلوي
شجر الروض – إنّه يتأوّد
و الجم الماء في الغدير و مره
لا يصفق إلاّ و أنت بمشهد
إنّ طير الأراك ليس يبالي
أنت أصغيت أم أنا إن غرّد
و الأزاهير ليس تسخر من فقري،
و لا فيك للغنى تتودّد
ألك النهر؟ إنّه للنسيم
الرطب درب و للعصافير مورد
و هو للشهب تستحمّ به
في الصيف ليلا كأنّها تتبرّد
تدعيه فهل بأمرك يجري
في عروق الأشجار أو يتجعّد؟
كان من قبل أن تجيء؛ و تمضي
و هو باق في الأرض للجزر و المد
ألك الحقل؟ هذه النحل تجي
الشهد من زهرة و لا تتردّد
و أرى للنمال ملكا كبيرا
قد بنته بالكدح فيه و بالكد
أنت في شرعها دخيل على الحقل
و لصّ جنى عليها فأفسد
لو ملكت الحقول في الأرض طرّا
لم تكن من فراشة الحقل أسعد
أجميل؟ ما أنت أبهى من الور
دة ذات الشذى و لا أنت أجود
أم عزيز؟ و للبعوضة من خدّيك قوت
و في يديك المهند
أم غنيّ؟ هيهات تختال لولا
دودة القز بالحباء المبجد
أم قويّ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك
و الليل عن جفونك يرتد
وامنع الشيب أن يلمّ بفوديك
و مر تلبث النضارة في الخد
أعليم؟ فما الخيال الذي يطرق ليلا؟
في أيّ دنيا يولد؟
ما الحياة التي تبين و تخفى؟
ما الزمان الذي يذمّ و يحمد؟
أيّها الطين لست أنقى و أسمى
من تراب تدوس أو تتوسّد
سدت أو لم تسد فما أنت إلاّ
حيوان مسيّر مستعبد
إنّ قصرا سمكته سوف يندكّ،
و ثوبا حبكته سوف ينقد
لايكن للخصام قلبك مأوى
إنّ قلبي للحبّ أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك و أحرى
من كساء يبلى و مال ينفد