الدين والعلم والنعماء والشرف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

الدينُ والعلمُ والنَّعماءُ والشرفُ

​الدينُ والعلمُ والنَّعماءُ والشرفُ​ المؤلف ابن الرومي


الدينُ والعلمُ والنَّعماءُ والشرفُ
تأبى لجارك أن يُمنَى له التَّلفُ
مؤيَّداتٌ من الأركان أربعةٌ
يأوي إليهن محرومٌ ومُضْطعَفُ
أبا عليٍّ وأنت المرءُ ليس لنا
جارٌ سواه إذا خِفْنا ولا كنَفُ
أشكو إليك ظُلاماتٍ يُتَابعُها
من ليس يَحْسُن منه الظُّلم والجنَفُ
مُؤَمَّلِي والذي أُشجي الخطوبَ به
أضْحى وأمسى وأدنَى ظُلمْه سَرفُ
أظلّني سوءُ رأيٍ منه متَّصِلٌ
وليس لي من بلاءٍ سيِّءٍ سلفُ
إلا مدائح ما تنفكُّ سائرةً
لركْبها كل يوم نيَّة قذفُ
وخدمةً سبقَتْ أيامَ دولتِه
ما مثلُها زُلْفَة إن عُدَّت الزُّلف
يَمَّمْتُه إذ وجوه الناسِ كُلهِمُ
فيها إلى الجانب المعمور مُنْصَرفُ
مازلت ممتَطيا تلقاءه قدمي
لا يَطبينيَ عنه السَّعي والحَرفُ
أُهدِي له الأنسَ في أيام وحشتِه
وعنديَ الصَّبْرُ والتأميلُ والظَّلفُ
لا أجتدِيه ولا أمتاحُ نائله
ولا أزولُ ولي في الأرضِ مُصْطَرفُ
حتى إذا فتح اللَّهُ الفتوحَ له
أصبحتُ لولا استتاري كِدْت أخْتَطفُ
ظلماً توحَّدني منه بلا سبب
وليس لي منه أن حاكمتُ منتصَفُ
تظاهرتْ غُمَمٌ سودٌ وليس لها
إلا بوجهك بعد اللَّهِ مُنْكَشَفُ
ولم تزل يا ابن بدرٍ بدرَ مُضْحيةٍ
يبدو فيَنْجَابُ للساري به السُّدفُ
فداوِ حالي بما فيه مَصَحَّتُها
فإن حالي حالٌ داؤها الدَّنَفُ
كَلِّم رئيسي كلاماً في تعطُّفِه
إن الكرام إذا ما اسُتْعطِفوا عَطَفوا
وليس دهْرِي إلا أنْ يتَاركني
بِحَيْثُ لا جفوةٌ منه ولا لَطَفُ
لا رغبة عن مُطيف بالمطيف به
لكنَّ نفسي شَموسٌ حين تُعْتَنَفُ
وإنني لبَصيرُ العين ثاقبُها
أنْ لا نظيرَ له في الناسِ يُؤْتَنَفُ
لكنه عمَّ تجوِيداً وتوفيةً
وخصَّني منه سوءُ الكيلِ والحشَفُ
وإنني لَلضَّنين القبضتين به
وللضَّنينُ بقدري حين أُعْتَسَفُ
وإن تركيَ حظّاً من صحابته
لحاجة قُرنتْ في النفس والأسفُ
ممن لحاني بظهر الغيب قلت له
لا تُشغِلَنَّك عن أعمالك الكُلَفُ
مولايَ لا عِوضٌ منه ولا خَلَفٌ
والقدْر لا عوضٌ منه ولا خَلَفُ
ها إنها خُطبة قام الخطيبُ بها
بكْرٌ ولكنها في حزمها نَصَفُ
وقد قصدتُك كالصادي أُليح له
في مهمهٍ ماء مُزنٍ صانه رصَفُ
فليس لي يا ابنَ بدر عنك مُنْصرَفُ
ولا بُودِّي وشُكْرِي عنك مُنحرَفُ
وكيف لي بخلافٍ فيك أركبُهُ
وليس في فضلك المشهور مُختَلَفُ
فاحشُد لغائر قدرٍ إن حشدْت له
نما وزاد وإلا فهو مُنْتَسَفُ
يامن إذا ماأناخ المُستضامُ به
أضحى يقاتل عنه العز والأنَفُ
يامن إذا اهتُضم القدر استقاد له
فلم يَبِتْ وهْو مطلولٌ ولا طلفُ
ما عُفْرُ شابة في أعلى معاقله
ولا عُقَابُ شَرَوْرَى ضمَّها لَجَفُ
يوماً بأمنعَ منِّي يومَ تَمْنَعُني
كَلاَّ ولا قَسْورٌ في أذنِه غَضَفُ
دوني الدروعَ إذا ماكنتَ لي وزراً
والبَيْضُ والبِيض والخطي والحجف
فإنني لعزيز يومَ تنصُرني
وفيك عند اعتداء الدهر مُنْتَصَفُ
يا أبعد الناس غوراً حين نَسْبُرُه
وأقربَ الناس غَوْرا حين يُغْتَرَفُ
أصبحتَ بحر غَناءٍ غيرَ منتزفٍ
لاقَاهُ بحرُ ثناءٍ ليس يُنْتَزَفُ
فالْفَظْ بِدُرِّ نثيرٍ ما له صدفٌ
أَلْفَظْ بدرِّ نظيمٍ ما له صدفُ
كن لي كما كنتَ للراجين كُلِّهِمْ
لازال قَصْرك بالرَّاجِين يُكْتَنَفُ
قل للكرامِ بني وهب معاقِلنِا
قَوْلاً يقرُّبه طوْعاً ويُعْتَرفُ
العادلين موازيناً إذا حكموا
والرَّاجحين إذا ما شالت الكِففُ
يا آل وهبٍ أدام اللَّهُ دولتكم
لقد رعيتُم فلا خوفٌ ولا عَجفُ
حتى غدوتم لآمالِ الورى قِبَلاً
لها عليها طوالَ الدهرِ مُعْتكفُ
فما لعبدِكُمُ المسكين بينكُمُ
كأَنَّه لَمرامِي دهره هدفُ
وأنتُمُ النخلةُ الطُّولى التي بسقَتْ
قِدْماً وبورك منها الأصل والطَّرفُ
ولم تزل ليَ آمال مسلَّفةٌ
وفيكم الآن للخُرَّافِ مُخترفُ
فإن زوى عني الجُمَّارُ طلعَته
فلا يُصِبْني بحدّي شوكه السَّعفُ
أمري وأمْركم بازٌ على علمٍ
مرمَّق بعيون الناسِ مشْتَرفُ
فاللَّه اللَّه في أحدوثةٍ حَسُنَتْ
لا تَهدِموها بظُلْمٍ إنها الشرفُ