الدهر إن أملى فصيح أعجم
المظهر
الدّهرُ إنْ أمْلى فَصِيحٌ أعْجَمُ
الدّهرُ، إنْ أمْلى، فَصِيحٌ أعْجَمُ،
يعطي اعتبارِي ما جهِلتُ، فأعلمُ
إنّ الذي قَدَرَ الحَوادِثَ قدْرَهَا،
ساوَى لَدَيْهِ الشّهْدَ مِنْها العَلْقَمُ
ولقد نظرْتُ، فلا اغترابٌ يقتضي
كدَرَ المآلِ، ولا تَوَقّ يَعْصِمُ
كم قاعدٍ يَحظى، فتُعجِبُ حالُهُ،
من جاهدٍ يَصِلُ الدّؤوبَ، فيُحرَمُ
وأرَى المساعيَ كالسّيوفِ تبادَرَتْ
شأوَ المَضاء، فمُنْثَنٍ وَمُصَمِّمُ
ولكمْ تسامى، بالرّفيعِ نصابُهُ،
خطرٌ، فناصبَهُ الوضيعُ الألأمُ
وأشدُّ فَاجِعَةِ الدّواهِي مُحْسِنٌ
يسعى، ليعلِقَهُ الجريمةَ مجرِمُ
تَلَقى الحسودَ أصمَّ عن جَرْسِ الوفا،
ولَقد يُصِيخُ، إلى الرُّقاةِ، الأرْقَمُ
قُلْ للبُغاةِ المُنْبضِينَ قِسِيَّهُمْ:
سَتَرَوْنَ مَنْ تُصْمِيهِ تلكَ الأسهُمُ
أسررْتُمُ، فرأى، نجيَّ عيوبكُمْ،
شَيحانُ، مَدّلُولٌ عليها، مُلهَمُ
وعبَأتُمُ للفِسْقِ ظُفْرَ سِعايَةٍ
لم يعدُكُمْ أنْ ردَ، وهوَ مقلَّمُ
ونبذْتُمُ التّقْوَى وراء ظهورِكُمْ،
فغدا، بغيضَكُمُ، التّقيُّ الأكرَمُ
ما كانَ حِلْمُ مُحمّدٍ لِيُحِيلَهُ
عن عهدِهِ دغِلَ الضّميرِ، مذمَّمُ
مَلِكٌ تَطَلّعَ للنّواظِرِ غُرَّةً،
زهراءَ، يبديهَا الزّمانُ الأدْهَمُ
يَغْشَى النّواظِرَ من جَهِيرِ رُوائهِ،
خَلقٌ، يُرَى ملءَ الصّدورِ، مُطَهَّمُ
وسنَا جبينٍ يستطيرُ شعاعُهُ،
يُغني، عن القَمَرَينِ، مَن يَتَوَسّمُ
صلْتٌ،تودُّ الشّمسُ لوْ صيغتْ لهُ
تاجاً، ترصِّعُ جانبَيْهِ الأنْجُمُ
فضَحَتْ مَحاسِنُهُ الرّياضَ بكَى الحَيا
وهناً عليهَا، فاغتدَتْ تتبسّمُ
بالقَدْرِ يَبْعُدُ، والتّواضُعِ يَدني،
وَالبِشْرِ يَشْمِسُ، وَالنّدى يَتَغَيّمُ
جذلانُ، في يومِ الوغَى، متطلِّقٌ
وَجْهاً إلَيْهَا، والرّدَى مُتَجَهِّمُ
بأسٌ، كمَا صالَ الهِزَبْرُ، إزَاءَهُ
جودٌ، كما جاشَ الخضمُّ الخضرِمُ
نفسِي فداؤكَ، أيّها الملكُ، الذي
كلُّ المُلوكِ لَهُ، العَلاءَ، تُسَلِّمُ
سدتَ الجميعَ، فليسَ منهمْ منكرٌ،
أنْ صِرْتَ فَذَّهُمُ الذي لا يُتْأمُ
لا غَرْوَ، أُمُّ المَجدِ، في بِكْرِ الحِجى
من أن يُضافَ إلَيكَ صِنوٌ، أعقَمُ
فاحسِمْ دواعيَ كُلّ شَرّ دُونَهُ؛
فالدّاءُ يسرِي، إنْ عدا، لا يحسَمُ
كم سقطِ زندٍ قد نما، حتى غدا
بركانَ نارٍ، كلَّ شيءٍ تحطِمُ
وكذلكَ السّيلُ الجحافُ، فإنّما
أُولاهُ طَلٌّ، ثُمّ وَبْلٌ يَثْجُمُ
وَالمالُ يُخرِجُ أهْلَهُ عَنْ حَدّهمْ؛
وافهَمْ فإنّكَ بالبواطنِ أفهَمُ
واذكرْ صنيعَ أبيكَ، أوّلَ أمرِهِ،
في كلّ متّهمٍ، فإنّكَ تعلمُ
لم يبقِ منهُمْ منْ توقّعَ شرَّهُ،
فصفَتْ لهُ الدّنيا، ولذّ المطعمُ
فعلامَ تنكُلُ عنْ صنيعٍ مثلِهِ؛
ولأنتَ أمضَى في الخطوبِ، وأشهَمُ
وَجَنابُكَ الثَّبْتُ، الذي لا يَنْثَني؛
وحسامُكَ العضْبُ، الذي لا يكهمُ
والحالُ أوسعُ، والعوالي جمّةٌ؛
وَالمَجدُ أشمَخُ، وَالصّرِيمَةُ أصرَمُ
لا تتركَنْ للنّاسِ موضعَ شبهةٍ،
وَاحْزُمْ، فمِثلُكَ في العَظائمِ أحزَمُ
قَدْ قالَ شاعرُ كِندَةٍ، فِيما مَضى،
بيتَاً على مرّ اللّيالي يعلَمُ:
لا يَسْلَمُ الشّرفُ الرّفيعُ منَ الأذَى
حتّى يراقَ على جوانبِهِ الدّمُ
فرقٌ عوَتْ، فزأرْتَ زأرَةَ زاجرٍ،
راعَ الكليبَ بها السَّبنتى الضّيغَمُ
يا ليتَ شعرِي! هل يعودُ سفيهُهم،
أمْ قد حَماهُ النّبحَ، ذاك، المِكْعَمْ؟
لي منكَ، فليذُبِ الحسودُ تلظيّاً،
لطفُ المكانةِ، والمحلُّ الأكرَمُ
وَشُفُوفُ حَظٍّ، لَيس يفْتأُ يُجْتَلى
غَضَّ الشّبابِ، وَكُلُّ حظٍّ يَهرَمُ
لم تُلفَ صَاغِيتي، لدَيكَ، مُضاعَةً،
كلاّ ولا خفيَ اصطناعي الأقدَمُ
بلْ أوْسَعَتْ حفظاً، وصدقَ رعايةٍ،
ذِمَمٌ مُوَثَّقَةُ العُرا، لا تُفْصَمْ
فليخرِقَنّ الأرضَ شكرٌ منجدٌ
مني، تَنَاقَلُهُ المَحافِلُ، مُتْهِمْ
عَطِرٌ، هوَ المِسكُ السَّطوعُ، يطيبُ في
شَمّ العُقُولِ أرِيجُهُ المُتَنَسَّمُ
وإذا غُصُونُ المَكْرُماتِ تَهَدّلَتْ،
كانَ، الثّناءَ، هَدِيلُهَا المُتَرنِّمُ
الفخرُ ثغرٌ، عن حفاظِكَ، باسمٌ؛
والمجدُ بُرْدٌ، من وَفائِكَ، مُعَلَمُ
فاسلَمْ مَدَى الدّنيا، فأنْتَ جَمالُها،
وَتَسوّغِ النُّعْمَى، فإنّكَ مُنْعِمُ