التقية/المقام الأول

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
التقية المؤلف مرتضى الأنصاري

المقام الأول: في حكمها التكليفي تقسيم التقية إلى خمسة أقسام


أما الكلام في حكمها التكليفي: فهو أن التقية تنقسم إلى الأحكام الخمسة:

  • فالواجب منها: ما كان لدفع الضرر الواجب فعلاً، وأمثلته كثيرة.
  • والمستحب: ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر: بأن يكون تركه مفضيا تدريجا إلى حصول الضرر، كترك المداراة مع العامة وهجرهم في المعاشرة في بلادهم، فإنه ينجر غالباً إلى حصول المباينة الموجب لتضرره منهم.
  • والمباح: ما كان التحرز عن الضرر وفعله مساويا في نظر الشارع، كالتقية في إظهار كلمة الكفر على ما ذكره جمع من الأصحاب، ويدل عليه الخبر الوارد في رجلين أُخذا بالكوفة وأُمرا بسب أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
  • والمكروه: ما كان تركها وتحمل الضرر أولى من فعله، كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار كلمة الكفر، وأن الأولى تركها ممن يقتدي به الناس، إعلاء لكلمة الاسلام، والمراد بالمكروه حينئذ ما يكون ضده أفضل.
  • والمحرم منه: ما كان في الدماء.

وذكر الشهيد في قواعده: أن

  • المستحب: إذا كان لا يخاف ضرراً عاجلاً، ويتوهم ضرراً آجلاً أو ضرراً سهلاً، أو كان تقية في المستحب، كالترتيب في تسبيح الزهراء صلوات الله عليها وترك بعض فصول الأذان.
  • والمكروه: التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا، ويخاف منه الالتباس على عوام المذهب.
  • والحرام: التقية حيث يؤمن الضرر عاجلاً وآجلاً، أو في قتل مسلم.
  • والمباح: التقية في بعض المباحات التي ترجحها العامة ولا يصل بتركها ضرر، انتهى.

وفي بعض ما ذكره تأمل. ثم الواجب منها يبيح كل محظور من فعل الواجب وترك المحرم. والأصل في ذلك: أدلة نفي الضرر، وحديث رُفع عن أمتي تسعة أشياء، ومنها: «ما اضطروا إليه»، مضافاً إلى عمومات التقية، مثل قوله في الخبر: «إن التقية واسعة، ليس شيء من التقية إلا وصاحبها مأجور»، وغير ذلك من الأخبار المتفرقة في خصوص الموارد.

وجميع هذه الأدلة حاكمة على أدلة الواجبات والمحرمات، فلا يعارض بها شيء منها حتى يلتمس الترجيح ويرجع إلى الأصول بعد فقده، كما زعمه بعض في بعض موارد هذه المسألة.

وأما المستحب من التقية فالظاهر وجوب الاقتصار فيه على مورد النص، وقد ورد النص: بالحث على المعاشرة مع العامة، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، والصلاة في مساجدهم، والأذان لهم، فلا يجوز التعدي عن ذلك إلى ما لم يرد فيه النص من الأفعال المخالفة للحق، كذم بعض رؤساء الشيعة للتحبب إليهم.

وكذلك المحرم والمباح والمكروه، فإن هذه الأحكام على خلاف عمومات التقية، فيحتاج إلى الدليل الخاص.