البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/حديث فاطمة بنت قيس في الدجال
قال مسلم: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، وحجاج [ص:128]ابن الشاعر، كلاهما عن عبد الصمد، واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد، حدثني أبي، عن جدي، عن الحسين بن ذكوان، حدثنا ابن بريدة، حدثني عامر بن شراحيل الشعبي، شعب همدان، أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله ﷺ لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل، حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة، وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله ﷺ فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول الله ﷺ وخطبني رسول الله ﷺ على مولاه أسامة بن زيد، وكنت قد حدثت أن رسول الله ﷺ قال «من أحبني فليحب أسامة». فلما كلمني رسول الله ﷺ قلت؟ أمري بيدك، فأنكحني من شئت. فقال: «انتقلي إلى أم شريك». وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان. فقلت: سأفعل. فقال: «لا تفعلي; إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، وإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم». وهو رجل من بني فهر، فهر قريش، وهو من البطن الذي هي منه. فانتقلت إليه، فلما [ص:129]انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله ﷺ ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله ﷺ فكنت في النساء اللاتي يلين ظهور القوم، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: «ليلزم كل إنسان مصلاه». ثم قال: «أتدرون لم جمعتكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «إني، والله، ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال; حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك، ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة. قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه، بالحديد. قلنا: ويلك، ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: [ص:130]نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك، ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير; فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة، ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج [ص:131]فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا، يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها». قالت: قال رسول الله ﷺ، وطعن بمخصرته في المنبر: «هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة». يعني المدينة. «ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك؟» فقال الناس: نعم. «فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو». وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول الله ﷺ.
ثم رواه مسلم من حديث سيار، عن الشعبي، عن فاطمة، قالت. فسمعت النبي ﷺ، وهو على المنبر يخطب، فقال: «إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر». وساق الحديث.
ومن حديث غيلان بن جرير، عن الشعبي، عنها، فذكرته: أن تميما الداري ركب في البحر، فتاهت به السفينة، فسقط إلى جزيرة، فخرج إليها يلتمس الماء، فلقي إنسانا يجر شعره، واقتص الحديث، وفيه: فأخرجه رسول الله ﷺ إلى الناس، فحدثهم، قال: «هذه طيبة، وذاك الدجال».
[ص:132]حدثني أبو بكر بن إسحاق، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا المغيرة، يعني الحزامي، عن أبي الزناد، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، أن رسول الله ﷺ قعد على المنبر، فقال: «أيها الناس، حدثني تميم الداري أن أناسا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم، فانكسرت بهم، فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة، فخرجوا إلى جزيرة في البحر». وساق الحديث، وقد رواه أبو داود وابن ماجه، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن مجالد، عن الشعبي، عنها، بنحوه.
ورواه الترمذي من حديث قتادة، عن الشعبي، عنها، وقال: حسن صحيح غريب، من حديث قتادة، عن الشعبي.
ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عنها بنحوه، وكذلك رواه الإمام أحمد، عن عفان، وعن يونس بن محمد المؤدب، كل منهما عن حماد بن سلمة به.
وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا مجالد، عن عامر، قال: قدمت المدينة، فأتيت فاطمة بنت قيس، فحدثتني أن زوجها طلقها على عهد [ص:133]رسول الله ﷺ فبعثه رسول الله ﷺ في سرية، فقال لي أخوه: اخرجي من الدار. فقلت: إن لي نفقة وسكنى حتى يحل الأجل. قال: لا. قالت: فأتيت رسول الله ﷺ، فقلت: إن فلانا طلقني، وإن أخاه أخرجني، ومنعني السكنى والنفقة. فأرسل إليه، فقال: «ما لك، ولابنة آل قيس؟» قال: يا رسول الله، إن أخي طلقها ثلاثا جميعا. قالت: فقال رسول الله ﷺ: «انظري يا ابنةآل قيس، إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها، ما كانت له عليها رجعة، فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى، اخرجي فانزلي على فلانة». ثم قال: «إنه يتحدث إليها، انزلي على ابن أم مكتوم; فإنه أعمى لا يراك». ثم قال: «لا تنكحي حتى أكون أنا أنكحك».
قالت: فخطبني رجل من قريش، فأتيت رسول الله ﷺ أستأمره، فقال: «ألا تنكحين من هو أحب إلي منه؟» فقلت: بلى، يا رسول الله، فأنكحني من أحببت. قالت: فأنكحني من أسامة بن زيد. قال: فلما أردت أن أخرج، قالت: اجلس حتى أحدثك حديثا عن رسول الله ﷺ.
قالت: خرج رسول الله، ﷺ، يوما من الأيام، فصلى صلاة الهاجرة، ثم قعد ففزع الناس، فقال: «اجلسوا أيها الناس، فإني لم أقم مقامي هذا لفزع، ولكن تميما الداري أتاني فأخبرني خبرا منعني من القيلولة; من الفرح وقرة العين، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم. أخبرني أن رهطا من بني عمه ركبوا البحر، فأصابتهم ريح عاصف، فألجأتهم الريح إلى [ص:134]جزيرة لا يعرفونها فقعدوا في قويرب سفينة، حتى خرجوا إلى الجزيرة، فإذا هم بشيء أهلب كثير الشعر، لا يدرون أرجل هو أو امرأة؟ فسلموا عليه، فرد عليهم السلام، فقالوا: ألا تخبرنا؟ فقال: ما أنا بمخبركم، ولا بمستخبركم، ولكن هذا الدير الذي قد رهقتموه فيه من هو إلى خبركم بالأشواق أن يخبركم ويستخبركم. قالوا: قلنا: ما أنت؟ قال: أنا الجساسة. فانطلقوا حتى أتوا الدير، فإذا هم برجل موثق شديد الوثاق، مظهر الحزن كثير التشكي، فسلموا عليه، فرد عليهم، فقال: ممن أنتم؟ قالوا: من العرب. قال: ما فعلت العرب؟ أخرج نبيهم بعد؟ قالوا: نعم. قال: فما فعلوا؟ قالوا: خيرا، آمنوا به وصدقوه. قال: ذلك خير لهم. قال: فكان له عدو فأظهره الله عليهم؟ قال: فالعرب اليوم إلههم واحد، ودينهم واحد، وكلمتهم واحدة؟ قالوا: نعم. قال: فما فعلت عين زغر؟ قالوا: صالحة، يشرب منها أهلها، تسقيهم، ويسقون منها زرعهم. قال: فما فعل نخل بين عمان وبيسان؟ قالوا: صالح، يطعم جناه كل عام. قال فما فعلت بحيرة الطبرية؟ قالوا: ملأى. قال: فزفر ثم زفر ثم زفر، ثم حلف: لو خرجت من مكاني هذا ما تركت أرضا من أرض الله إلا وطئتها غير طيبة، ليس لي عليها سلطان». قال: فقال رسول الله ﷺ: «إلى هذا انتهى فرحي». ثلاث مرات. «إن طيبة المدينة، إن الله، عز وجل، حرم [ص:135]حرمها على الدجال أن يدخلها». ثم حلف رسول الله ﷺ: «والله الذي لا إله إلا هو ما لها طريق ضيق ولا واسع في سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة، ما يستطيع الدجال أن يدخلها على أهلها».
قال عامر: فلقيت المحرر بن أبي هريرة، فحدثته بحديث فاطمة بنت قيس، فقال: أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة، غير أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنه في نحو المشرق». قال: ثم لقيت القاسم بن محمد، فذكرت له حديث فاطمة، فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك فاطمة غير أنها قالت: «الحرمان عليه حرام، مكة والمدينة».
وقد رواه أبو داود وابن ماجه، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن مجالد، عن عامر الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، بسطه ابن ماجه، وأحاله أبو داود على الحديث الذي رواه قبله، ولم يذكر متابعة أبي هريرة، وعائشة، كما ذكر ذلك الإمام أحمد.
وقال أبو داود: حدثنا النفيلي، ثنا عثمان بن عبد الرحمن، ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس، أن رسول الله ﷺ أخر العشاء الآخرة ذات ليلة، ثم خرج فقال: «إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل في جزيرة من جزائر البحر، فإذا أنا بامرأة تجر شعرها، قال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى ذلك القصر. فأتيته، [ص:136]فإذا رجل يجر شعره، مسلسل في الأغلال، ينزو فيما بين السماء والأرض، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الدجال، خرج نبي الأميين بعد؟ قلت: نعم. قال: أطاعوه أم عصوه؟ قلت: بل أطاعوه». قال: ذاك خير لهم. فهذه متابعة للشعبي، عن فاطمة بنت قيس ببعضه، ثم أورد أبو داود حديث عبد الله بن بريدة، عن عامر الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، بطوله كنحو مما تقدم.
ثم قال أبو داود: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا ابن فضيل، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ ذات يوم على المنبر: «إنه بينما أناس يسيرون في البحر، فنفد طعامهم، فرفعت لهم جزيرة، فخرجوا يريدون الخبز، فلقيتهم الجساسة». قلت لأبي سلمة: وما الجساسة؟ قال: امرأة تجر شعر جلدها ورأسها. فقالت: في هذا القصر. وذكر الحديث، وسأل عن نخل بيسان، وعين زغر. قال: هو المسيح. فقال لي ابن أبي سلمة: إن في هذا الحديث شيئا ما حفظته. قال: شهد جابر أنه ابن صياد. قلت: فإنه قد مات. قال: وإن مات. قلت: فإنه أسلم. قال: وإن أسلم. قلت: فإنه قد دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة. تفرد به أبو داود، وهو غريب جدا.
[ص:137]وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا أبو عاصم سعد بن زياد، حدثني نافع مولاي، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ استوى على المنبر، فقال: «حدثني تميم». فرأى تميما في ناحية المسجد، فقال: «يا تميم، حدث الناس ما حدثتني». فقال: كنا في جزيرة، فإذا نحن بدابة لا يدرى قبلها من دبرها. فقالت: تعجبون من خلقي، وفي الدير من يشتهي كلامكم! فدخلنا الدير، فإذا نحن برجل موثق في الحديد، من كعبه إلى أذنه، وإذا أحد منخريه مسدود، وإحدى عينيه مطموسة، والأخرى كأنها كوكب دري. قال: من أنتم؟ فأخبرناه، فقال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا: كعهدها. قال: فما فعل نخل بيسان؟ قلنا: بعهده. قال: لأطأن الأرض بقدمي هاتين، إلا بلدة إبراهيم وطابا. فقال رسول الله ﷺ: «طابا هي المدينة». وهذا حديث غريب جدا.
وقد قال أبو حاتم: أبو عاصم هذا ليس بالمتين.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه، طالعة ناتئة، فأشفق رسول الله ﷺ أن يكون الدجال، فوجده تحت قطيفة يهمهم، فآذنته أمه فقالت: يا عبد الله، هذا أبو القاسم قد [ص:138]جاء فاخرج إليه. فخرج من القطيفة، فقال رسول الله ﷺ: «ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين».
ثم قال: «يا ابن صياد ما ترى؟» قال: أرى حقا، وأرى باطلا، وأرى عرشا على الماء. قال: فلبس عليه. فقال: «أتشهد أني رسول الله؟». فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله ﷺ: «آمنت بالله ورسله». ثم خرج وتركه، ثم أتاه مرة أخرى، فوجده في نخل له يهمهم، فآذنته أمه، فقال: يا عبد الله، هذا أبو القاسم قد جاء. فقال رسول الله ﷺ: «ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين». قال: فكان رسول الله ﷺ يطمع أن يسمع من كلامه شيئا؟ ليعلم أهو هو أم لا؟ قال: «يا ابن صياد ما ترى؟». قال: أرى حقا، وأرى باطلا، وأرى عرشا على الماء. قال: «أتشهد أني رسول الله؟». قال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله ﷺ: «آمنت بالله ورسله». فلبس عليه، ثم خرج وتركه. ثم جاء في الثالثة أو الرابعة ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب في نفر من المهاجرين والأنصار وأنا معه. قال: فبادر رسول الله ﷺ بين أيدينا، ورجا أن يسمع من كلامه شيئا، فسبقته أمه إليه، فقالت: يا عبد الله، هذا أبو القاسم قد جاء. فقال رسول الله ﷺ: «ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين». فقال: «يا ابن صياد ما ترى؟». قال: أرى حقا، وأرى باطلا، وأرى عرشا على الماء. قال: «أتشهد أني رسول الله؟». قال: أتشهد [ص:139]أنت أني رسول الله؟ فقال رسول الله ﷺ: «آمنت بالله ورسله». فلبس عليه. فقال له رسول الله ﷺ: «يا ابن صياد، إنا قد خبأنا لك خبيئا، فما هو؟». قال: الدخ، الدخ. فقال له رسول الله ﷺ: «اخسأ اخسأ». فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لي فأقتله يا رسول الله. فقال رسول الله ﷺ: «إن يكن هو فلست صاحبه، إنما صاحبه عيسى ابن مريم، وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد». قال - يعني جابرا -: فلم يزل رسول الله ﷺ مشفقا أنه الدجال. وهذا سياق غريب جدا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن سليمان الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله ﷺ نمشي إذ مر بصبيان يلعبون، فيهم ابن صياد، فقال رسول الله ﷺ: «تربت يداك، أتشهد أني رسول الله؟» فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ قال: فقال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: دعني فلأضرب عنقه. قال: فقال رسول الله ﷺ: «إن يكن الذي تخاف فلن تستطيعه». والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة، وفي بعضها التوقف في أمره، هل هو الدجال أم لا؟ فالله أعلم. ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يوحى إلى رسول الله ﷺ في شأن الدجال وتعيينه، وقد تقدم حديث تميم الداري في ذلك، وهو فاصل في هذا المقام، وسنورد من الأحاديث ما يدل على أن الدجال ليس بابن صياد. والله سبحانه أعلم؟ فقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا [ص:140]الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله ﷺ قال: «بينا أنا نائم أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم، سبط الشعر، ينطف - أو: يهراق - رأسه ماء، قلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم. ثم ذهبت ألتفت، فإذا رجل جسيم، أحمر، جعد الرأس، أعور العين، كأن عينه عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال، أقرب الناس به شبها ابن قطن، رجل من خزاعة».
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يخرج الدجال في خفة من الدين، وإدبار من العلم، فله أربعون ليلة يسيحها في الأرض، اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه، عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا، فيقول للناس: أنا ربكم. وهو أعور - وإن ربكم ليس بأعور - مكتوب بين عينيه: كافر، ك ف ر مهجاة، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب، يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة; حرمهما الله عليه، وقامت الملائكة بأبوابها، ومعه جبال من خبز، والناس في جهد إلا من اتبعه، ومعه نهران - أنا أعلم بهما منه، [ص:141]نهر يقول: الجنة. ونهر يقول: النار. فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهو النار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهو الجنة». قال: «وتبعث معه شياطين تكلم الناس، ومعه فتنة عظيمة، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس، لا يسلط على غيرها، ويقول للناس: هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل؟» قال: «فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحاصرهم، فيشتد حصارهم، ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى ابن مريم، فينادي من السحر، فيقول: يا أيها الناس، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جني. فينطلقون، فإذا هم بعيسى ابن مريم فتقام الصلاة، فيقال له: تقدم يا روح الله. فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم. فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه» قال: «فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشي إليه فيقتله، حتى إن الشجرة والحجر ينادي: يا روح الله، هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله». تفرد به أحمد أيضا، وقد رواه غير واحد، عن إبراهيم بن طهمان، وهو ثقة.