انتقل إلى المحتوى

الاستقامة/17

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


ثم كل من الاقسام الثلاثة المأمور به والمحظور والمشتمل على الامرين قد يكون لصاحبه نية حسنة وقد يكون متبعا لهواه وقد يجتمع له وهذا وهذا

فهذه تسعة اقسام في هذه الامور في الاموال المنفقة عليها من الاموال السلطانية الفئ وغيره والاموال الموقوفة والاموال الموصى بها والاموال المنذورة وانواع العطايا والصدقات والصلات

وهذا كله من لبس الحق بالباطل وخلط عمل صالح واخر شيء والسيء من ذلك قد يكون صاحبه مخطئا او ناسيا مغفورا له كالمجتهد المخطىء الذي له اجر وخطؤه مغفور له وقد يكون صغيرا مكفرا باجتناب الكبائر وقد يكون مغفورا بتوبة او بحسنات تمحو السيئات او مكفرا بمصائب الدنيا ونحو ذلك الا ان دين الله الذي انزل به كتبه وبعث به رسله ما تقدم من ارادة الله وحده بالعمل الصالح

وهذا هو الاسلام العام الذي لا يقبل الله من احد غيره قال تعالى ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين سورة آل عمران 85

وقال تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ان الدين عند الله الاسلام سورة آل عمران 18 19

والاسلام يجمع معنيين احدهما الاستسلام والانقياد فلا يكون متكبرا والثاني الاخلاص من قوله تعالى ورجلا سلما لرجل سورة الزمر 29 فلا يكون مشتركا وهو ان يسلم العبد لله رب العالمين كما قال تعالى ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الاخرة لمن الصالحين اذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون سورة البقر 130 132

وقال تعالى قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا اول المسلمين سورة الانعام 161 163

والاسلام يستعمل لازما معدى بحرف اللام مثل ما ذكر في هذه الايات ومثل قوله تعالى قالت رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين سورة النمل 44

ومثل قوله تعالى وأنيبوا الي ربكم واسلموا له من قبل ان يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون سورة الزمر 54

ومثل قوله أفغير دين الله يبغون وله اسلم من في السموات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون سورة آل عمران 83

ومثل قوله قل اندعوا من دون الله مالا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد اذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له اصحاب يدعونه الى الهدي ائتنا قل ان هدى الله هو الهدي وامرنا لنسلم لرب العالمين وان اقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي اليه تحشرون سورة الانعام 71 72

ويستعمل متعديا مقرونا بالإحسان كقوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون سورة البقرة 111 112

وقوله تعالى ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا سورة النساء 125 فقد انكر الله ان يكون دين احسن من هذا الدين هو اسلام الوجه لله مع الاحسان واخبر انه كل من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون سورة البقرة 112 اثبت هذه الكلمة الجامعة والقضية العامة ردا لما زعمه من زعمه انه لا يدخل الجنة الامتهود او متنصر

وهذان الوصفان وهما اسلام الوجه لله والاحسان هما الاصلان المتقدمان وهما كون القول والعمل خالصا لله صوابا موافقا للسنة والشريعة وذلك ان إسلام الوجه لله هو يتضمن اخلاص القصد والنية لله كما قال بعضهم ... استغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد اليه الوجه والعلم

وقد استعمل هنا اربعة الفاظ اسلام الوجه واقامة الوجه كقوله تعالى واقيموا وجوهكم عند كل مسجد سورة الاعراف 29 وقوله تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها سورة الروم 30 وتوجيه الوجه كقول الخليل وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين سورة الانعام 79

وكذلك كان النبي يقول في دعاء الاستفتاح في صلاته وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين سورة الانعام 79

وكان يقول اذا اوى الى فراشه اللهم اسلمت نفسي اليك ووجهت وجهي اليك رواه البراء بن عازب في الصحيح ايضا

فالوجه يتناول المتوجه بكسر الجيم والمتوجه بفتح الجيم اليه ويتناول التوجه نفسه كما يقال أي وجه تريد أي أي جهة وناحية تقصد وذلك انهما متلازمان فحيث توجه الانسان توجه وجهه ووجهه مستلزم لتوجهه وهذا في باطنه وظاهره جميعا فهي اربعة امور والباطن هو الاصل والظاهر هو الكمال والشعار فاذا توجه قلبه الى شيء تبعه وجهه الظاهر فإذا كان العبد قصده ومراده وتوجهه الى الله فهذا صلاح ارادته وقصده فإذا كان مع ذلك محسنا فقد اجتمع له ان يكون عمله صالحا وان يكون لله تعالى

كما قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا الكهف 110

وهو قول عمر رضي الله عنه اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا

والعمل الصالح هو الاحسان وهو فعل الحسنات وهو ما امر الله به والذي امر الله به هو الذي شرعه الله وهو الموافق لكتاب الله وسنة رسوله فقد اخبر الله تعالى انه من اخلص قصده لله وكان محسنا في عمله فإنه مستحق للثواب سالم من العقاب

ولهذا كان ائمة السلف رحمهم الله يجمعون هذين الاصلين كقول الفضيل بن عياض في قوله تعالى ليبلوكم أيكم احسن عملا سورة الملك 2 قال اخلصه واصوبه فقيل له يا ابا على ما اخلصه واصوبه فقال ان العمل اذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقل واذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص ان يكون لله والصواب ان يكون على السنة

وقد روى ابن شاهين واللالكائي عن سعيد بن جبير قال لا يقبل قول الا بعمل ولا يقبل قول وعمل الا بنية ولا يقبل قول وعمل ونية الا بموافقة السنة ورويا عن الحسن البصري مثله ولفظ ما روى عن الحسن لا يصلح مكان لا يقبل

و وهذا فيه رد على الذين يجعلون مجرد القول كافيا فأخبر أنه لا بد من قول وعمل المرجئة اذا الايمان قول وعمل لا بد من هذين كما قد بسطناه في غير هذا الموضع وبينا ان مجرد تصديق القلب ونطق اللسان مع البغض لله وشرائعه والاستكبار على الله وشرائعة لايكون ايمانا باتفاق المؤمنين حتى يقترن بالتصديق عمل صالح

واصل العمل عمل القلب وهو الحب والتعظيم المنافي للبغض والاستكبار ثم قالوا لا يقل قول وعمل الا بنية وهذا ظاهر فإن القول والعمل اذا لم يكن خالصا لله لم يقبله الله تعالى ثم قالوا لا يقبل قول وعمل ونية الا بموافقة السنة وهي الشريعة وهي ما امر الله به ورسوله لأن القول والعمل والنية الذي لا يكون مسنونا مشروعا قد امر الله به يكون بدعة وكل بدعة ضلالة ليس مما يحبه الله فلا يقبله الله ولا يصلح مثل اعمال المشركين واهل الكتاب

ولفظ السنة في كلام السلف يتناول السنة في العبادات وفي الاعتقادات وان كان كثير ممن صنف في السنة يقصدون الكلام في الاعتقادات وهذا كقول ابن مسعود وابي بن كعب وابي الدرداء رضى الله عنهم اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة وامثال ذلك

فصل في الإكراه وما يتعلق به

[عدل]

ان الله سبحانه أمرنا بالمعروف وهو طاعته وطاعة رسوله وهو الصلاح والحسنات والخير والبر ونهى عن المنكر وهو معصيته ومعصية رسوله وهو الفساد والسيئات والشر والفجور وقيد الايجاب بالاستطاعة والوسع واباح مما حرم ما يضطر المرء اليه غير باغ ولا عاد فقال تعالى اتقوا الله حق تقاته سورة آل عمران 102 وقال فاتقوا الله ما استطعتم سورة التغابن 16

وثبت في الصحيح عن النبي انه قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه واذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فأوجب مما امر به ما يستطاع وكذلك فإن النبي قال في حديث اخر انكم لن تحصوا او تستطيعوا كل ما امرتم به ولكن

وقال ان هذا الدين يسر ولن يشاد الدين احد الا غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا وقال تعالى في صفة هذا النبي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم سورة الاعراف 157

وهذا العام المجمل فصله فقال لما اوجب الصيام ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر سورة البقرة 185

وقال لما ذكر التيمم ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم سورة المائدة 6

وقال وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج سورة الحج 78

وقال لما اوجب الجهاد ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج اذا نصحوا لله ورسوله سورة التوبة 91

وقال لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر سورة النساء 95

وقال في الهجرة ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم الى قوله الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله ان يعفوا عنهم وكان الله عفوا غفورا سورة النساء 98 99

وقال تعالى في الانفاق يسألونك ماذا ينفقون قل العفو سورة البقرة 219

وقال في العموم لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا الاية سورة البقرة 286

وثبت في الصحيح ان الله تعالى قال قد فعلت وان النبي لم يقرأ بحرف منها الا اعطيه

وقال لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا سورة الطلاق 7

وقال والذين امنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا الا وسعها سورة الاعراف 42

وقال واوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها سورة الانعام 152

وقال وداود وسليمان اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما سورة الانبياء 78 79

وقال واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة سورة النساء 101

وقال في القرآن فأقرؤوا ما تيسر منه سورة المزمل 20

وفي الصحيح عن النبي انه قال انزل القرآن على سبعة احرف فأقرأوا ما تيسر منه

وقال في المحرمات انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم سورة النحل 115 وفي الاية الاخرى قل لا اجد فيما اوحى الى محرما على طاعم يطعمه الاان يكون ميتة او دما مسفوحا او لحم خنزير فإنه رجس او فسقا اهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم سورة الانعام 145 وهاتان في السورتين المكيتين الانعام والنحل

وقال في السورتين المدينيتن يا أيها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الى قوله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم سورة البقرة 172 173

وفي الاية الاخرى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وان تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دين فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم سورة المائدة 3

فهذا في تحريم المطاعم قد رفع الاثم عمن اضطر غير باغ ولا عاد والباغي والعادي قد قيل انهما صفة للشخص مطلقا فالباغي كالباغي على امام المسلمين واهل العدل منهم

كما قال تعالى فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ الى امر الله سورة الحجرات 9

والعادي كالصائل قاطع الطريق الذي يريد النفس او المال وقيل انهما صفة لغير المضطر فالباغي الذي يبغى المحرم مع قدرته على الحلال والعادي الذي يتجاوز قدر الحاجة

كما قال فمن اضطر في مخمصةغير متجانف لإثم سورة المائدة 3

وقال في المناكح ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات سورة النساء 25 الى قوله يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم سورة النساء 26 يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا النساء 28

وقال ايضا في محظورات العبادات كالإحرام ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى مجله فمن كان منكم مريضا او به اذى من رأسه ففديه من صيام او صدقة او نسك فاذا امنتم فمن تمتع بالغمرة الى الحج فما استيسر من الهدى سورة البقرة 196 ثم قال ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا الاية سورة البقرة 196

وفي الصلاة الخوف قال واذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا اسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة اخرى الاية سورة النساء 102

وقال في محظور الكلام بالكفر من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم سورة النحل 156

وقال لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة سورة آل عمران 28

وقال في محظور الفعال ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد اكراههن غفور رحيم سورة النور 33

فأباح سبحانه عند الاكراه ان ينطق الرجل بالكفر بلسانه اذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان بخلاف من شرح بالكفر صدرا وأباح للمؤمنين ان يتقوا من الكافرين تقاة مع نهيه لهم عن موالاتهم وعن ابن عباس ان التقية باللسان

ولهذا لم يكن عندنا نزاع في ان الاقوال لا يثبت حكمها في حق المكره بغير حق فلا يصح كفر المكره بغير حق ولا ايمان المكره بغير حق كالذمي الموفى بذمته كما قال تعالى فيه لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي سورة البقرة 256

بخلاف المكره بحق كالمقاتلين من اهل الحرب حتى يسلموا ان كان قتالهم الى الاسلام او اعطاء الجزية ان كان القتال على احدهما كما قال تعالى فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الى قوله فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم سورة التوبة 5

وكما قال النبي امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فاذا قالوها عصموا منى دماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله ولهذا لم صح بيع المكره بغير حق وشراؤه وسائر عقوده المالية ولا نكاحه وطلاقه وسائر عقوده البضعية ولا يمينه ونذره وسائر العقود التي اكره عليها بغير حق بخلاف ما اكره عليه بحق كالدين اذا وجب عليه بيع ماله لوفاء دينه

وكما في الصحيح عن ابي هريرة قال بينما نحن عند النبي اذ خرج علينا رسول الله فقال انطلقوا الى يهود فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدارس فقام النبي فناداهم فقال يا معشر يهود اسلموا يسلموا قالوا قد بلغت يا ابا القاسم فقال ذلك اريد ثم قال الثانية فقالوا قد بلغت يا ابا القاسم ثم قال الثالثة فقال اعلموا انما الارض لله ورسوله واني اريد ان اجليكم من هذه الارض فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه والا فاعلموا ان الارض لله ورسوله

وكالمبايع للنبي ما امره الله ان يبايع عليه وعلى هذا يخرج المكره على البيعة للأمير اذا كان مكرها هل هو مكره بحق او بغير حق وهل هو مبايع على ما امره الله ان يبايع عليه او على غير ذلك وقد يتأول بعض اهل الاهواء هذه الآيات على غير تأويلها كتأويل الرافضة انهم هم المؤمنون وان سواهم كافرون فقد يستعملون معهم التقية ولهم في ذلك من الباطل ما ليس هذا موضعه

واما الاكراه على الافعال المحرمة فهل يباح بالاكراه على قولين هما روايتان عن احمد احداهما لا تباح الافعال المحرمة كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر بالإكراه بخلاف الاقوال كما قال ابن عباس انما التقية باللسان ولأن الافعال يثبت حكمها بدون القصد حتى من المجنون وغيره بخلاف الاقوال فإنه يعتبر فيها المقصد

والثانية وهي اشهر انها تباح بالإكراه كما تباح المحرمات بالأضطرار فإن المكره قد يخاف من القتل اعظم مما يخاف المضطر غير باغ ولا عاد ولأن المضطر يتناوله الاضرار لفظا او معنى فإنه مضطر غير باغ ولا عاد

وقد دل على ذلك قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد اكرههن غفور رحيم سورة الانور 33

وهذا في الافعال المحرمة لحق الله فيها فأما قتل المعصوم فلا يباح بالاكراه بلا نزاع لانه ليس له ان يحيى نفسه بموت ذلك المعصوم وليس ذلك بأولى من العكس بل طلبه احياء نفسه بالاعتداء على غيره ظلم محض واذا كان المضطر الى إطعام نفسه ليس لغيره ان يأخذه منه عند الاضطرار فليس لأحد ان يقتل غيره ليحيى هو نفسه بل هذا ظلم وعدوان وهو موجب للقود على المكره والمكره في مذهب احمد والمشهور من مذهب الشافعي لاشتراكهما في الفعل هذا بالمباشرة المحرمة وهذا بالتسبب المفضىالى الفعل غالبا وقيل انما يجب على المكره الظالم لأن المكره قد صار كالآلة وهذا قول ابي حنيفة وقيل بالعكس وهو قول زيد وهو قول ردئ فإنه لحظ ظاهر المباشرة او السبب وهذا في المكره الذي يفعل بإرادة اكراه عليها

ولهذا صح ان يقال في هذا المكره هو مريد مختار وصح ان يقال ليس بمختار فان المختار من له اختيار وارادة وهذا المكره ارادته واختياره الذي هو فيه ان لا يفعل ذلك الفعل الذي اكره عليه ولكن لما الجئ بما يوقع به من العذاب الى احداث اختيار اخر وارادة اخرى يفعل بها ما اكره عليه صح اثبات الاختيار والارادة له باعتبار ما احدثه الاكراه فيه وصح نفي ذلك باعتبار انه من نفسه ليس له اختيار ولا ارادة بل ارادته واختياره في نفي ذلك الفعل

وحقيقة الأمر ان له ارادتين الارادة الاصلية ان لا يفعل هذا بل هو كاره له مبغض له نافر عنه ولا طريق له الى ذلك الا فعل ما اكره عليه فصارت فيه ارادة ثانية تخالف الاولى لهذا السبب فهذا المكره وان كان عاقلا انما يفعل بغير ارادته واختياره الاصلي فهو يفعل بإرادة اخرى واختيار اخر ويفعل ايضا بقدرته ولهذا صح ان يرد على فعله الامر والنهى والاباحة فيقال يباح له التكلم ويحرم عليه قتل المعصوم واما ان اكره الرجل على الزنا فإذا قال بعض الفقهاء انه لا يكون مكرها اذ انه فاعل بقدرة واختيار لم يصح ذلك وكذلك الجائع الفقير الذي سرق ليأكل لا اثم عليه وقد اضطر الى تلك الارادة والاختيار لمخمصته فالضرر الذي لحقه ألجأه الى هذه الارادة والفعل

فأما المفعول به الفعل الذي هو محل غيره وآلة له مثل المرأة أو الصبي الذي يشد ويربط ويفجر به ومثل الذي يوجر الخمر ويلذ بها من غير قصد اصلا ولا فعل اصلا كما يلذ النائم الذي لا شعور له وكما يحقن المريض النائم الذي لم يشعر بالحقنة فهذا لا فعل له اصلا بل هو محل لفعل غيره وآله له واذا لم يكن منه فعل لم يقل انه فعل محرما ولا غير محرم بل غيره فعل فيه او به محرما فالإثم حينئذ على ذلك الفاعل لكن ان صدر منه نوع تمكين بأن لا يستفرغ وسعه في الامتناع او نوع ارادة بأن لا تكون ارادته جازمة في الامتناع فذلك فيه نوع فعل

والارادة الجازمة هي التي يقترن بها القدرة فالمكره على شيء انما يمتنع بمقدار ما يقدر عليه من الامتناع عما يفعل به فمتى كانت ارادة الانسان جازمة في الامتناع فلا بد ان يفعل مقدوره ومتى فعل مقدوره كان بمنزلة الممتنع الكامل الامتناع الذي لم يفعل به شيء فإن الارادة الجازمة المقترن بها كمال القدرة يجري صاحبها مجرى الفاعل التام في الثواب والعقاب

فالمستكره على الزنا به من امرأة او صبي يكون استكراهه اما بالكراهة حتى لا يريد التمكين وهو القاسم الاول واما بأن يفعل به مع كمال امتناعه وهو كمال ارادته في الامتناع بحيث يفعل مقدوره في الامتناع ولو لم يمتنع حتى فعل به كان مطاوعا وكان زانيا وان لم يطلب ذلك لان الله اوجب عليه كمال النفور عن ذلك والغيرة منه والبغض له بحيث يقرن بذلك كمال الامتناع فإذا لم يوجد منه هذا النفور وهذا الامتناع كان مطاوعا فان دفع الصائل علىالحرمة واجب بلا نزاع

واما دفع الصائل على النفس الذي يريد قتل المعصوم بغير حق اذا لم يكن القتال في فتنة فهل يجب دفعه فيه قولان هما روايتان عن احمد ان الممكن ليس بفاعل بل ولو اراد مريد قتله وجب عليه ذلك كما يجب عليه الاكل من الميتة عند المخمصة فكما يحرم عليه قتل نفسه يجب عليه فعل ما لا تبقى النفس الا به من طعام وشراب ودفع ضرر بلباس ونحو ذلك فإذا امكنه الهرب ونحوه وجب عليه ذلك

واما اذا كان دفع الصائل عن نفسه يحتاج الى قتال الصائل فهنا فيه محذور اخر وان كان جائزا وهو قتل الاخر فلهذا خرج الخلاف في وجوب دفعه عن نفسه

وأصل هذا أن الذى لم يرد الفعل المحرم به عليه ان يبغضه بغضا تاما يقترن به فعل المقدور من الدفع فإذا لم يوجد ذلك فهو تارك لما وجب عليه من البغض والدفع وهل يكون مريدا له فالمزني به من غير فعل ولا إرادة ولا كمال بغض ودفع هل يقال إنه مريد زان وهل يقال عن المقتول من غير فعل منه ولا إرادة ولا كمال بغض ودفع إنه مريد لقتل نفسه قاتل أو يقال بل ليس بمبغض ولا ممتنع وهل انتفاء البغض والامتناع مستلزم للإرادة والفعل

وسبب الاشتباه ان الانسان قد يخلو عن ارادة الشيء وكراهته وحبه وبغضه كما يخلو عن التصديق بالشيء والتكذيب له فكم من امور يحبها من وجه ويبغضها من وجه

فالأقسام اربعة اما مراد واما مكروه واما مراد مكروه واما غير مراد ولا مكروه ولكن اذا كان المقتضى لإرادة المقدور قائما فإنما يوجب وجود ارادته وفعله الا لمانع وكذلك اذ كان المقتضى لبغض فعل المحرم به والامتناع من ذلك قائما

فإذا لم يوجد البغض والامتناع فلا بد من معارض مانع وذلك هو المقتضى للإرادة والتمكين فالإنسان قد لا يريد الشيء ولا يكرهه لعدم سبب الارادة والكراهة فأما مع وجود المقتضى فلا بد من وجود مقتضاه الا لمانع فلهذا من لم يبغض ولم يمتنع عن فعل المحرم به مع قدرته على الامتناع فأنه يكون مريدا فاعلا ولهذا يقال انه مطاوع وان كان قد يجتمع في قلبه البغض لذلك والارادة باعتبارين كما يجتمع في قلب المكره على الشيء ارادة فعل المكره عليه وكراهة ذلك باعتبارين

فمن أوجر طعاما محرما يقدر على الامتناع منه فلم يفعل او فعل به فاحشة يقدر على الامتناع منها فلم يفعل كانت معصيته بترك ما وجب عليه من الكراهة والامتناع وبفعل ما نهى من الارادة والمطاوعة ولا يكون غير مريد ولا فاعل الا اذا كان كارها تام الكراهة وذلك يوجب فعل المقدور عليه من الامتناع

فأما اذا كان كارها كراهة قاصرة فإن الارادة تصحب مثل هذه الكراهة وفي مثل هذا يصحبها الفعل لا محالة لأن المقتضى لكمال الكراهة قائم وهو ما في ذلك من الحرمة والعقوبة فإذا لم تحصل هذه الكراهة فإما لضعف المقتضى وهو العلم في ذلك من الحرمة والعقوبة واما لوجود المانع وهو نوع من الارادة عارض للبغض او سببه اما وجود لذة من الفعل واما رغبة في عوض واما رهبة اوجبت ارادة المكره وحينئذ فيكون بمنزلة الفاعل لرغبة او رهبة لا يكون بمنزلة عديم الفعل

ولهذا مضت الشريعة بأن المطاوعة زانية وكذلك المفعول به من الذكران كما قال تعالى الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة والزانية لا ينكحها الا زان او مشرك وحرم ذلك على المؤمنين سورة النور 3

ولو ادعي مدع ان المفعول به اذا لم يوجد منه ارادة ولا حركة في الفعل لم يكن فاعلا لم يقبل ذلك بل يقال لولا وجود ارادة توجب البغض المقتضى للامتناع لم يكن فاعلا

وقد ذكر الفقهاء الملموس هل تنتقض طهارته كاللامس على قولين هما روايتان عن احمد وكذلك الموطوءة في رمضان هل تجب عليها كفارة اخرى على هذا يظهر الفرق في الاحكام بين الممكن من فعل الفاحشة به والممكن من قبل نفسه

وفي الجملة فإن فعل الفاحشة حرام لا يباح بحال ولا يباح بما يقال انه ضرورة بخلاف تمكين الانسان من قبل نفسه فإن جنس هذا يباح بل كما فعل عمار والاول حال أكابر الصحابة

وقد اخرجا في الصحيحين عن خباب بن الارت قال شكونا الى رسول الله وهو متوسط بردة له في ظل الكعبة فقلنا يا رسول الا تستنصر لنا الا تدعو لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الارض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخاف الا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تعجلون

ومعلوم ان هذا انما ذكره النبي في معرض الثناء على اولئك لصبرهم وثباتهم وليكون ذلك عزة للمؤمنين من هذه الامة

وقد دل على ذلك ايضا ما ذكره الله في قصة اصحاب الاخدود حيث قال ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات سورة البروج 10 الاية

وقد روى مسلم في صحيحه عن صهيب قصتهم مبسوطة فيها ان الراهب صبر حتى قتل وان الغلام امر بقتل نفسه لما علم ان ذلك سبب لايمان الناس إذا رأوا تلك الآية وأن الناس لما آمنو فتنهم الكفار حتى يرجعوا عن دينهم فلم يرجعوا حتى ان المرأة التي ارادت ان ترجع انطق الله صبيها وقال اصبري يا اماه فإنك على الحق

وقال الله تعالى ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم الاية سورة البقرة 217

وقال تعالى قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا او لتعودن في ملتنا قال اولو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها وما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين سورة الاعراف 88 89

وقال تعالى وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا فأوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد سورة ابراهيم 13 14

وقال كذبت قبلهم قوم نوح والاحزاب من بعدهم وهمت كل امة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب سورة غافر 5

وقال قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين سورة الاعراف 128

وقال ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين سورة الانعام 34

وقال واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين سورة آل عمران 54

وقال ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله الا ان نصر الله قريب سورة البقرة

وهكذا اخبار هذه الأمة من السلف والخلف كالممتحنين من السابقين الاولين والتابعين لهم بإحسان مثل الذين انزل الله فيهم القرآن حيث قال وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا سورة النساء 75

وفي الهجرة قال الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله ان يعفو عنهم سورة النساء 99

وفي الصحيحين عن ابي هريرة ان النبي كان يدعو في صلاته اللهم انج عياش بن ابي ربيعة وسلمه بن هشام اللهم انج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف

وفي الصحيح ايضا في حديث الحديبية قصة ابي جندل بن سهيل بن عمرو لما جاء يوسف في قيوده ورده النبي اليهم وقصة ابي بصير وغيرهما من المستضعفين

وكذلك في الصحيح عن سعيد بن زيد انه قال لقد رأيتني وان عمر موثقي على الاسلام ولو انقض احد مما عملتم بعثمان كان محقوقا ان ينقض

فهؤلاء كلهم اختاروا القيد والحبس على النطق بكلمة الكفر وقد اوذى النبي وابو بكر وعمر وغيرهما بأنواع من الاذى بالضرب وغيره وصبروا على ذلك ولم ينطق احد منهم بكلمة كفر بل قد سعوا في قتل النبي بأنواع مما قدروا عليه من السعي وهو صابر لأمر الله كما امره الله تعالى وان كان النبي قد اخبر في اثناء الامر بان الله يعصمه من الناس فلم يكن قد اخبر اولا بانه يعصم من انواع الاذى

واما السابقون فلم يخبروا بذلك وكذلك خبيب بن عدي الذي صلبه المشركون حين اخرجوه من الحرم ولم يتكلم بكلمة الكفر وقصته في الصحيح لكن قد يقال ان هذا لم يكن قصدهم منه ان يعود الى دينهم فإنه كان من الانصار وكانوا يقتلونه بمن قتل منهم يوم بدر بخلاف اقاربهم وحلفائهم ومواليهم فإنهم كانوا يحبونهم ويكرمونهم ولم يكونوا يريدون منهم الا الكفر بعد الايمان

وقد ذم الله في كتابه من يرتد ويفتتن ولو اكره وهذا هو الذي ذمه الله بقوله ولكن من شرح بالكفر صدرا سورة النحل 106 وكذلك يذم من يترك الواجب الظاهر ويفعل المحرم الظاهر عندما يصيبه من الاذى والفتن كما قال ولا يزالون يقاتلونكم سور البقرة 217 الاية كما تقدم

وقال تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين سورة الحج 11

وقال آلم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين الاية الى قوله ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا اوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن انا كنا معكم او ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين سورة العنكبوت 1 10

وقال ام حسبتم ان تدخلوا الجنةولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية سورة البقرة

وقال ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين سورة آل عمران 142

وقال لما ذكر الردة التي استثنى منها المكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة وان الله لا يهدي القوم الكافرين سورة النحل 106

ثم قال ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم سورة النحل 110 نزلت في الذين فتنهم المشركون حتى اصابوهم ثم هاجروا بعد ذلك وجاهدوا وصبروا فأخبر الله انه غفر لهم ورحمهم فعلم ان تلك الفتنة كانت من ذنوبهم وذلك اما لعدم الاكراه التام المبيح للنطق بكلمة الكفر واما لعدم الطمأنينة بالإيمان فلا يستحق صاحبه الوعيد

وعلى من اكره على الخروج في العساكر الظالمة مثل ان يكره المستضعفون من المؤمنين على الخروج مع الكافرين لقتال المؤمنين كما اخرج المشركون عام بدر معهم طائفة من المستضعفين فهؤلاء اذا امكنهم ترك الخروج بالهجرة او بغيرها والا فهم مفتونون وفيهم نزل قوله تعالى ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها سورة النساء97 – لأنهم فعلوا المحرم مع القدرة على تركه

وقد روى البخاري في صحيحه عن ابي الاسود قال قطع على اهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة فأخبرته فنهاني اشد النهي ثم قال اخبرني ابن عباس ان اناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله فيأتى السهم فيرمي به فيصيب احدهم فيقتله او يضربه فيقتله فأنزل الله ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم سورة النساء 97

واما اذا كانوا غير قادرين على الترك بحيث لو لم يخرجوا لقتلهم المشركون ونحو ذلك فهؤلاء غير مأثومين في الاخرة لما روى ان النبي قال يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الارض اذ خسف بهم فقالت ام سلمة ففيهم المكره يا رسول الله قال يحشرون على نياتهم

وفي الصحيح عن حذيفة عن النبي قال ستكون فتنة القاعد فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه فمن وجد ملجأ او معاذا فليعذ به وفي رواية فإذا وقعت فمن كان له ابل فليلحق بإبله ومن كان له غنم فليلحق بغنمه ومن كانت له ارض فليلحق بأرضه فقال رجل يا رسول الله أرأيت ان اكرهت حتى ينطلق بي الى احد الصفين يضربني رجل بسيفه ويجئ سهم فيقتلني قال يبوء بإثمه وإثمك ويكون من اصحاب النار

فقد امر بالهجرة الى حيث لا يقاتل وبإفساد السلاح الذي يقاتل به في الفتنة واخبر ان المكره لا اثم عليه ولما كان القتال في الفتنة كان قاتله قاتلا له بغير حق فباء بإثمه واثم صاحبه

واما المكره الذي يقاتل طائفة بحق كالذي يكون في صف الكفار والمرتدين والمارقين من الاسلام فلا اثم على من قتله بل هو مثاب على الجهاد وان افضى الى قتله كما قال النبي للعباس اما ظاهرك فكان علينا واما سريرتك فإلى الله

وقد اخرجا في الصحيحين عن ابن عمر ان النبي قال اذا انزل الله بقوم عذابا اصاب العذاب من كان فيهم ثم يبعثون على نياتهم فهذا ايضا دليل على ان المكره على تكثير سواد المقاتلين بغير حق وان اصابة عذاب الدنيا فإنه يحشر في الاخرة على نياته

فهذا كله يدل على انه ليس كل مكره على فعل محرم يأثم به كأشهر الروايتين وهو الذي عليه جمهور العلماء

ومن ذلك مقام المسلمين بين المشركين مستضعفين وقد دل القرآن على هذا وعلى هذا

ومنه استئسار المسلم اذا اكرهه الكافر وقال ان لم تستأسر والا قتلتك فإن دخوله في اسره محرم لولا الاكراه وقد فعل ذلك خبيب بن عدي وغيره وهم في ذلك كالمستضعفين

وقد دل على ذلك نص القرآن بقوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد اكراههن غفور رحيم سورة النور 33 فإذا كان هذا في الاكراه على البغاء فالاكراه على شرب الخمر واكل الميتة دون ذلك فان الزنا من اكبر الكبائر بعد القتل كما دل النبي على ذلك عندما سئل أي الذنب اعظم قال ان تجعل لله ندا الحديث الى قوله ثم أي قال ان تزاني بحليلة جارك ثم قرأ والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون سروة الفرقان 68

ومعلوم ان المكرهات من الاماء على البغاء كما كان ابن ابي وامثاله يكرهون اماءهم على الاكتساب بالبغاء ليس هوان يفعل بها بلا فعل منها بل هو ان تكره حتى تقصد ذلك وتفعله ولهذا سماه بغاء وذلك القسم ليس فيه بغاء ولهذا قال لتبتغوا عرض الحياة الدنيا سورة النور 33 وذلك انما يحصل في العادة لمن تفعل لا بمن تربط حتى يفعل بها ولان ذلك هو العادة المعروفة التي تزل القرآن عليها فهذه الاية في فعل الفاحشة وتلك الاية في الدخول تحت حكم الكفار وكلاهما من الافعال

وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر قال كان عبد الله بن ابي ين سلول يقول لجارية له اذهبي فابغينا شيئا قال فأنزل الله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء الاية سورة النور 33

وفي رواية ان جارية لعبد الله بن ابي يقال لها مسيكة واخرى يقال لها اميمة كان يريدهما على الزنا فشكيا ذلك الى رسول الله فأنزل الله هذه الاية

وقد ذكر البخاري ما رواه الليث عن نافع ان صفية بنت ابي عبيد اخبرته ان عبدا من رقيق الامارة وقع على وليدة من الخمس فاستكرهها حتى اقتضها فجلده عمر الحد ونفاه

ولم يجلد الوليدة من اجل انه استكرهها وقال الزهري في الامة البكر يفترعها الحر يقيم ذلك الحكم من الامة العذراء بقدر ثمنها ويجلد وليس في الامة الثيب في قضاء الائمة غرم ولكن عليه الحد

وهذه مسألة المستكرهة على الزنا والامة المطاوعة والكلام في المهر ليس هذا موضعه

وذكر ما في الصحيحين عن ابي هريرة قال قال رسول الله هاجر ابراهيم بسارة دخل بها قرية فيها ملك من الملوك او جبار من الجبابرة فأرسل اليه ان ارسل الى بها فأرسل بها فقام اليها فقامت تتوضا وتصلي فقالت اللهم ان كنت آمنت بك وبرسولك فلا تسلط علي الكافر فغط حتى ركض برجله

ومن المعلوم ان الذين كانوا يكرهون الاماء لم يكن بوعيد القتل بل بالضرب ونحوه فإذا اكرهت المرأة او الصبي على الفجور به بمثل ذلك فإن الله من بعد اكراههن غفور رحيم سورة النور 33 ولهذا قيل في المطلقة ثلاثا اذا كتم الزوج طلاقها ولم يكن لها حجة انها تقيم عنده لأنها مكرهة على ذلك ولا يحل لها قتله

والمستكرهة على الزنا في وجوب المهر فلها ان تأخذ ما اعطاه من مهرها ومن لم يوجب لها المهر فهل لها ان تأخذ ذلك اذا اعطته طوعا ام يكون من مهر البغي وانما الاجود اذا لم يحل ذلك ان يأخذ ما يعطيه الفاجر ويصرفه في مصالح المسلمين او يتركه او فأما اذا اخذ العوض لأجل المستقبل فهذا مطاوعة اللهم الا اذا كان الاكراه مستمرا والمكره مستمر الكراهة لما يفعل به لا يحمله الا مجرد الاكراه وهذا يدخل فيه من يقهر من المماليك واليتامى وغيرهم على الفاحشة به

ومن أسره العدو من المسلمات فزنوا بهن فإن منهم من يكون كارها لذلك تام الكراهة لا يفعل ذلك الا مكرها فهذا لا يستحق العقوبة ومنهم من تجتمع فيه الرهبة والرغبة فيخاف في الامتناع من العذاب ويعطى على المطاوعة العوض