انتقل إلى المحتوى

ابنة الفجر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ابنة الفجر

​ابنة الفجر​ المؤلف إيليا أبو ماضي


أنا أن أغمض الحمام جفوني
ودودي صوت مصرعي في المدينة
و تمشي في الأرض دارا فدارا
فسمعت دويّه ورنينه
لا تصيحي واحسرتاه لئلّا
يدرك السّامعون ما تضمرينه
و إذا زرتني و أبصرت وجهي
قد محا الموت شكّه و يقينه
و رأيت الصّحاب جاثين حولي
يندبون الفتى الذي تعرفينه
و تعال العويل حولك ممّن
مارسوه و أصبحوا يحسنونه
لا تشقي على ثوبك حزنا
لا و لا تذرفي الدموع السخينه
غالبي اليأس و أجلسي عد نعشي
بسكون، إنّي أحبّ السّكينه
إنّ للصمت في المآتم معنى
تتعزّى به النّفوس الحزينة
و لقول العذّال عنك (بخيل)
هو خير من قولهم (مسكينة)
و إذا خفت أن يثور بك الوجد
فتبدو أسرارنا المكنونه
فارجعي و اسكبي دموعك سرّا
و امسحي باليدين ما تسكبينه
يا ابنة الفجر من أحبّك ميّت
و لأنت بمثل هذا مهينه
زايل النور مقلتيه و غابت
تحت أجفانه المعني المبينه
فأصيخي! هل تسمعين خفوقا
كنت قبلا في صدره تسمعينه؟
وانظري ثمّ فكّري كيف أمسى
ليس يدري عدوّه من و خدينه
ساكتا لا يقول شيئا و لا يس
مع شيئا و ليس يبصر دونه
لا يبالي أأدعوه الثريا
أم رموه في حمأة مسنونه
و إذا الحارسان ناما عياء
و رأيت أصحابه يتركونه
فتعالى و قبّلي شفتيه
و يديه و شعره و جبينه
قبل أن يسدل الحجاب عليه
و يوارى عنك فلا تبصرينه
واحذري أن نراك عين رقيب
و لئن كان رجل ما تحذرينه
فاذا ما أمنت لا تتركيه
قبلما يفتح الصّباح جفونه
و إذا السّاعة الرّهيبة حانت
و أريت حرّاسه يحملونه
و سمعت النّاقوس يقرع حزنا
فيردّ الوادي عليه أنينه
زوّدي الرّاحل الذي مات وجدا
بالذي زوّد الغريق السينة
نظرة تعلم السماوات منها
أنّه مات عن فتاة أمينه
طوت الأرض من طوى الأرض حيّا
و علاه من كان بالأمس دونه
و اختفى في التراب وجه صبيح
و فؤاد حرّ و نفس مصونه
و إذا ما وقفت عند السّواقي
و ذكرت وقوفه و سكونه
حيث أقسمت أن تدومي على العه
د و آلى بأنّه لن يخونه
حيث علّمته القريض فأمسى
يتغنّى كي تسمعي تلحينه
فاذكريه مع البروق السّواري
واندبيه مع الغيوث الهتونه
و إذا ما مشيت في الروض يوما
ووطأت سهوله و حزونه
و ذكرت مواقف الوجد فيه
عندما كنت بالهوى تغرينه
حيث علّمته الفتون فأضحى
يحسب الأرض كلّها مفتونه
حيث وسّدته يمينك حتّى
كاد ينسى شماله و يمينه
حيث كنت و كان يسقيك طورا
من هواه و تارة تسقينه
حتّى حاك الربيع للروض ثوبا
كان أحلى لديه لو ترتدينه
فالثمي كلّ زهرة فيه إنّي
كنت أهوى زهوره و غصونه
ثمّ قولي للطير: مات حبيبي!
فلماذا يا طير لا تبكينه!
و إذا ما جلست وحدك في اللّي
ل و هاجت بك الشّجون الدّفينه
و رأيت الغيوم تركض نحو الغر
ب ركضا كأنّها مجنونه
و لحظت من الكواكب صدا
و نفارا و في النسيم خشونه
فغضبت على اللّيالي البواقي
و حننت إلى اللّيالي الثّمينه
فاهجري المخدع الجميل وزوري
ذلك القبر ثمّ حيّي قطينه
وانثري الورد حوله و عليه
واغرسي عند قلبه ياسمينه