انتقل إلى المحتوى

إيه يا بلبل ما هذا الجمود

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

إيه يا بلبل ما هذا الجمود

​إيه يا بلبل ما هذا الجمود​ المؤلف إبراهيم الأسطى


إيه يا بلبل ما هذا الجمود
أين تغريدك ما بين الشجر
ابعث الألحان في هذا الوجود
واملأ الدنيا نشيدا أو سمر
لا تطق هما لحرب أو سلام
واترك الدنيا بأهليها تموج
في عراك دائم أو في خصام
تحت سطح البحر أو فوق المروج
سيمرون كما مر الكرام
في طريق ما لهم منه عروج
لهف نفسي هل ترى الخير يسود
فيه عدل اللَه ما بين البشر
أم يسود الشر والدنيا تعود
لحياة ليس فيها مستقر
إيه يا بلبل قد طال الأمد
عن لقانا يوم كنا في وفاق
كنت في دنيا جمال استمد
منك وحي الشعر في حسن السياق
فغشى بعدك عيني الرمد
وأصاب القلب هم لا يطاق
وغدا الجسم نحيلا مثل عود
وكسى الرأس بياض مزدهر
هكذا أحيا وفكري في شرود
حائرا بين قضاء وقدر
عن لي يا طير من لحنك ما
يبعث الآمال في النفس اليؤوس
واحك لي هل زرت قوما حكما
دهرنا فيهم بأحكام المجوس
هل رأيت الوكر أم قد هدما
وغدا سكانه تحت الرموس
قل لي الحق ولا تخشى وعيد
واسقني الكأس بحلو أو بمر
إنما الدنيا نحوس وسعود
طعمها سيان عند المصطبر
فانبرى البلبل يشدو نغما
لا كشدو الطير أيام الربيع
إنه السحر بفيه انسجما
بفصيح اللفظ في نظم بديع
قال والحزن عليه ارتسما
وبدت في العين آثار الدموع
ارع لي سمعا ومولاي شهيد
إن في القصة ما يدمي الحجر
عشت دهرا وسط غاب لا وجود
فيه للحب ولا جنس الثمر
ذئبه يعوي إذا جن الظلام
فتصيح البوم مثل المنذرة
وزئير الأسد في تلك الأكام
مثل غارات الليالي المقمرة
وإذا الشمس رمت بعض السهام
أصبحت غربانه منتشرة
وعلت في الجو صيحات القرود
والذي في باطن الأرض ظهر
عالم لا خير فيه وصعيد
ساءت العشرة فيه والمقر
مرت الأيام في طول السنين
حافلات بالمآسي المؤلمة
ذات صبح برح الوجد الكمين
فسرت في الغاب منى نغمه
هي تسبيح وشكوى وأنين
وهي للقلب صلاة قيمه
تبعث الإيمان في النفس الشرود
وتعيد الصبر للقلب الضجر
ردد الغاب صدى ذاك النشيد
في سكون الفجر كالسحر انتشر
سمعوا اللحن فهاجوا ثائرين
ثم قالوا وسط صيحات الغضب
اقتلوا الساحر أيان يكون
ابحثوا عنه أذيقوه العطب
قبلما يمسخكم مستأنسين
إنه الساحر يأتي بالعجب
فاعتراني منهم خوف شديد
وتواريت بأوراق الشجر
وإذا الشحرور يأتي من بعيد
وينادي يا عصافير السفر
حمت في الجو فألفيت الرفاق
جوقة من عندليب وهزار
وشحارير ضناها الاشتياق
وبخاتي وقعاري وكنار
طرن أسرابا غداة الجو راق
صادحات بأناشيد الفخار
مسرعات في هبوط وصعود
في ضياء الشمس في نور القمر
قاصدات وطن الشيخ الشهيد
فارس الهيجا وحاميها عمر
كبرت أسرابنا لما رأت
روضة أنهارها من سلسبيل
جنة أشجارها قد أينعت
جوها صاف وواديها جميل
طيرها شاد بأنغام شجت
سامعيها بعد صمت مستطيل
فدخلنا الوكر في يوم سعيد
وقضيناها سويعات غرر
بينما نحن على الماء ورود
إذ ينادي النحس فينا بالصدر
فرق البين ولم أقض وداع
وتركت القلب في الوكر رهين
عدت للغاب ولو تدري السباع
أنني عدت لهاجت في العرين
غير أن الصمت وهو المستطاع
يخفني عنهم فبي لا يشعرون
هكذا الدنيا إذا والت فعيد
وإذا ولت فشر مكفهر
حسبنا الصبر لها حتى تجود
بالمنى والدهر ولاد العبر
أطرق البلبل في صمت عميق
ورأيت الدمع في العينين جال
قلت لا تيأس ففي الجو بروق
لامعات وغيوم في الشمال
فإذا ما ارعدت فهي حريق
تسعر الأعداء في تلك التلا
وإلى أوطاننا ثان نعود
إن يشاء الله في وقت مسر
قال أستودعك اللَه المجيد
وإلى أن نلتقي أخرى وفر
فتلفت يمينا وشمال
باحثا عن بلبل في حيرتي
وإذا البلبل من نسج الخيال
وخيالي حلم في يقظتي
لم أجد غير تلال ورمال
كنت فيها هائما في وحدتي
باكيا حينا كما يبكي الوليد
صابرا طورا على وخز الإبر
ساخطا آنا على هذا الوجود
يائسا حينا وطورا منتظر