انتقل إلى المحتوى

إعجب من الغيم كيف ارفض فانقشعا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

إعجب من الغيم كيف ارفض فانقشعا

​إعجب من الغيم كيف ارفض فانقشعا​ المؤلف البحتري


إعجبْ من الغَيمِ كيفَ ارْفضّ فانقشعا،
وَصَالحِ العيشِ كيفَ اعتيقَ فارْتُجعَا
لَوْلا الفَقيدُ، الذي عَمّتْ نَوَافِلُهُ،
ما ضَاقَ مِنْ جانبِ الأيّامِ ما اتّسَعَا
فَجيعَةٌ، من صرُوفِ الدّهرِ مُعضِلةٌ،
لوْ يَعلَمُ الدّهرُ فيها كُنهَ ما صَنَعَا
خَلّى أبُو القاسِمِ الجُلّى عَلى عُصَبٍ،
إنْ حاوَلوا الصّبرَ فيها بَعدَهُ امتَنَعَا
إنّ النّعيّ بِمَرْوِ الشّاهِجانِ غَدَا
لباعثٍ رَهَجاً، في الشّرْقِ، مُرْتَفِعَا
تَنْثَالُ أنْجِيَةُ الوَادي إلى خَبَرٍ،
بَنُو سُوَيْدٍ عَلَيْهِ عاكفونَ مَعَا
يُخفونَ ما وَجدُوا منهُ، وَبينَهُمُ
وَجْدٌ، إذا أطفأُوا مَشبوبَهُ سَطَعَا
لأبكِيَنّ ضُيُوفاً فيكَ، حَائِرَةً
أسبابُها، وَرَجَاءً منكَ مُنْقَطِعَا
وَكيفَ تُنسَى، وَما استُنزِلتَ عن خطرٍ،
وَلا نَسيتَ النُّهَى خَوْفاً وَلا طَمَعَا
لا تَحسَبَنّي اغتَفَرْتُ الرُّزْءَ فيكَ وَلا
ظَلِلْتُ فيهِ لرَيْبِ الدّهْرِ مُنخَدِعَا
وَقدْ تَقَصّيتُ عُذْرِي في التَّحمُّلِ لوْ
أحمَدْتُ غايَتهُ وَالحزْنَ لوْ نَفَعَا
نَفَسٌ سلَكْتُ بهَا التّهجينَ رَائدَةً،
فَما رَأتْ جَلَداً أغنى، وَلا هَلَعَا
كَلَّفْتُها الصّبرَ، فاعتَاضَتْ مُمانِعَةً،
وَسامَحتْ لكَ، إذْ كَلّفتَها الجَزَعَا
وَالدّمعُ سَيْلٌ مَتَى عَلّيتَ جَرْيَتَهُ
أبَى الرّجوعَ، وَإنْ صَوّبتَهُ انْدَفَعَا
تَنَكّرَ العَيشُ، حتّى صَارَ أكْدَرُهُ
يَأتي نِظَاماً، وَيَأتي صَفْوُهُ لُمَعَا
وَآنَسَتْ مِنْ خطوبِ الدّهرِ كَثرَتُها،
فلَيس يَرْتاعُ من خَطبٍ، إذا طَلَعَا
قُلْ لأبي صَالحٍ، إمّا عَرَضْتَ لَهُ،
تَحْمَدْهُ قَائِلَ أقْوَامٍ، وَمُستَمِعَا
قَدْ آنَ للصّبرِ أنْ تُرْجَى مَثُوبَتُهُ،
وَمُولَعٍ بهُمُولِ الدّمعِ أنْ يَدَعَا
فَقْدُ الشّقيقِ غَرَامٌ ما يُرَامُ، وَفي
فَقْدِ التّجمّلِ وَهنٌ يُعقِبُ الظَّلَعَا
كِلاهُما عِبْءُ مكرُوهٍ، إذا افتَرَقَا،
فكَيفَ ثِقلُهُما المُوهي إذا اجتَمَعَا
لَيسَ المُصِيبَةُ في الثّاوِي مَضى قدَراً،
بَلِ المُصِيبَةُ في الباقي هَفَا جَزَعَا
إنّ البُكَاءَ على المَاضِينَ مَكْرُمَةٌ
لَوْ كانَ ماضٍ، إذا بكّيتَهُ، رَجَعَا
صُعُوبَةُ الرُّزْءِ تُلقَى في تَوَقّعِهِ
مُستَقبَلاً، وَانقِضَاءُ الرُّزْءِ أن يقَعَا
وَفي أبيكَ مُعَزٍّ عَنْ أخيكَ، إذا
فكّرْتَ فيهِ، وَفي الوَفْدِ الذي تَبِعَا
هُمُ وَنحنُ سَوَاءٌ، غَيرَ أنّهُمُ
أضْحَوْا لَنَا سَلَفاً نُمسِي لهمْ تَبَعَا
قَدْ رَدّ في نُوَبِ الأيّامِ شِرّتَهَا،
إنْ لم تَكُُنْ غَمَراً فيها وَلا ضَرَعَا
عَزِيمةٌ منكَ إنْ جَشّمتَها جَشَمَتْ،
وَرُكنُ رَضْوَى إذا حَمّلتَه اضْطَلَعَا