أي مضنى يمدها باكتئاب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أيّ مضنى يمدّها باكتئاب

​أيّ مضنى يمدّها باكتئاب​ المؤلف معروف الرصافي



أيّ مضنى يمدّها باكتئاب
 
أنة ً تترك الحشا في التهاب
يتشكى والليل وحف الاهاب
 
ضمن بيت جثا على الاعقاب
تسمع الأذْن منه صوتاً حزيناً
 
راجفاً في حشا الظلام كمينا
يملأ الليل بالدعاء أنينا
 
ربّ كن لي على الحياة معينا
وجعٌ في مفاصلي دقَّ عظمي
 
ودهاني ولم يرِق لعُدمي
عاقني عن تكسبي قوت يومي
 
ربِّ فارحم فقري بصحة جسمي
يا طبيباً وأين منيّ الطبيب
 
حال دون الطبيب فقرٌ عصيب
لا أصاب الفقيرَ داء مصيب
 
إن سقم الفقير شيء عجيب
رجل معسر يسمى بشيرا
 
طرفها كالسها يَبين ويخفي
كاسبا قوته زهيداً يسيرا
 
مالكاً في المعاش قلباً شكورا
 
عانساً جاوز الزواج سنيها
لزمت بيت أمها وأبيها
 
مع أخيها تعيش عند أخيها
كلّ يوم له ذهاب ومأتى
 
في معاش من كدّه يتأتى
هكذا دأبه مَصيفاً ومشتى
 
فاعتراه داء المفاصل حتى
بينما كان في فواه صحيحاً
 
ساعيا في ارتزاقه السقام طريحا
بات يبكي إذا له الليل آوى
 
بعيون من السهاد نشاوى
فترى وهو بالبكا يتداوى
 
قطرات من عينه تتهاوى
إن سقماً به وعُقماً ألمَّا
 
تركاه يذوب يوماً فيوما
فهو حيناً يشكو الى السقم عُدما
 
وهو يشكو حيناً إلى العدم سقماً
ظل يشكو للأخت ضعفاً وعجزاً
 
اذ تعزيه وهو لا يتعزى
أيها الأخت عزَّ صبرَى عزّا
 
إن للداء في المفاصل وخزا
قد تمادى به السقام وطالا
 
في فِراش به على الموت أوفى
اذ قلاباً به السقام استحالا
 
كانَ هيناً فصار داء عضالا
ظلَّ ملقى واعوزته المطاعم
 
موثقاً من سقامه بالداهم
منفقا عند ذاك بعض دراهم
 
ربحتها من غزالها الاخت فاطم
قال والأخت أخبرته بأن قد
 
كرَبت عندها الدراهم تنفَدْ
اخبري السقم علَّه يتبعَّد
 
أيها السقم خلّ عيشي المنكد
لا تعقني مرضيني
 
او على الناس للمبيع اعرضيتي
رام خبزاً والجوع أذكى الأوارا
 
في حشاه فعلَّلتهُ انتظارا
ثم جاءت بالماء تبدي اعتذارا
 
وهل الماء وهو يطفىء نارا
خرجتْ فاطمٌ إلى جارتيها
 
وهي تُذرى الدموع من مقلتيها
فأبانت برقَّة حالتيها
 
من سَقام ومن سعار لديها
فانثنت وهي بين ذل وعزّ
 
تحمل التمر في يد فوق خبز
وبأخرى دهناً وبعض أرزِ
 
منحوها به وذو العرش يجزي
ليلة تنشر العواطفُ ذعراً
 
ثكلت روح أمه وأبيه
ذا هزيمٍ يمجّ في الاذن وقرا
 
حين تبدى صوالج البرق تتري
يا أخي أنت ساكن أفجوعا
 
حيث يغضي طرفاً ويفتح طرفا
فدعته والعين تُذرى الدموعا
 
اخته وهي قلبها قد ريعا
يا أخي أنت ساكت أفجوعا
 
ساكت أنت يا أخي أم هجوعا
فرأت منه أنه لا يجيب
 
فتدانت والدمع منها صبيب
ثم أصغت وفي الفؤاد وجيب
 
ثم هابت والموت شيء مهيبُ
خرجت فاطم من البيت ليلا
 
حيث ارخى الظلام سدلا فسدلا
وهي يبكي والغيث يهطل هطلا
 
مثل دمع من مقلتيها استهلا
رب ادرك بالللطف منك شقيقي
 
وامنع الغيث ربّ إثرَ بريق
قرعت في الظلام باب الجار
 
وهي تبكي الأسى بدمع جار
ثم نادت برقة وانكسار
 
أُمَّ سلمى الا بحق الجوار
فأتتها مُعْدى وقد عرفتها
 
وعن الخطب في الدجى سألتها
ثم سارت من بعد ما أعلمتها
 
تقتفيها وبنتها تبعتها
جئن والسحب اقلعت عن حياها
 
وكذاك الرعود قلَّ رغاها
حيث يأتي شبه صداها
 
غير ان البروق كان ضياها
فدخلن الملَّ وهو مخيف
 
حيث إن السكوت فيه كثيف
وضياء السراج نزر ضعيف
 
وبه في الفراش شخص نحيف
قالت الاخت أُمَّ سلمى انظريه
 
ثكلت روح التردد فيه
وجمت حيرة وبعد قليل
 
رمقت فاطماً بطرف كليل
فيه حملٌ على العزاء الجميل
 
فعلا صوت فاطم بالعويل
فاستمرت حتى الصباح توالي
 
زفرات بنارها القلب صال
فأتاها ودمعها في انهمال
 
بعض جاراتها وبعض رجال
وقفوا موقفاً به الفقر ألقى
 
منه ثِقلا به المعيشة تشقي
فرأوا دمع فاطم ليس يرقا
 
واخوها ميت على الارض ملقى
فغدت فاطم ترَنّ رنينا
 
ببكاء أبكت به الواقفينا
ثم قالت لهم مقالا حزينا
 
أيها الواقفون هل ترحمونا
ايها الواقفون لاغ تهملوه
 
دونكم أدمعي بها فاغسلوه
ثم بالثوب ضافياً كفنوه
 
وادفنوه لكن بقلبي ادفنوه
بعد ان ظل لافتقاد المال
 
وهو ملقى الى اوان الزوال
جاد شخص عليه بعد سؤال
 
بريالٍ وزاد نصف ريال
كفنوه من بعد ما تم غُسلا
 
وتمشوا به إلى القبر حملا
فترى نعشهُ غداة استقلا
 
نعش من كان في الحياة مقلا
ناحت الاخت حين سار وصاحت
 
اختك اليوم لو قضت لاستراحت
ثم سارت مدهوشة ثم طاحت
 
ثم قامت ترنو له ثم راحت
أيها الحاملوه لامشى ركِض
 
ان هذا يوم الفراق الممض
فاسألوه عن قصده أين يمضي
 
انه قد قضى ولم يكُ يقضي
إن قلبي على كريم السجايا
 
طاح واللَّهِ من أساه شظايا
قاتل الله يا بن امي المنايا
 
أنا من قبل مذ حسبت الرزايا
إن ليلى وليس من رافديهِ
 
كلما جاءني وذكرنيهْ
قلت والدمع قائِل ليَ إيهِ
 
يا فقيداً أعاتب الموت فيه
رحت يوماً وقد مضت سنتان
 
اتمشى "بشارع الميدان"
مشي حيران خطوه متدانِ
 
اثقلته الحياة بالاحزان
بينما كنت هكذا أتمشى
 
عرضت نظرة ٌ فابصرت نعشا
بادياً للعيون غير مغشَّى
 
نقش الفقر فيه للحزن نقشا
قلت سراً والنعش يقرب مني
 
ايها النعش أنت انعشت حزني
رحت أسعى وراءه مذ تعدّى
 
مسرعاً في خطايَ لم آل جهداً
مع رجال كأنجم النعش عدا
 
هم به سائرون سيرا مجدا
مذ لحدنا ذاك الدفين وعدنا
 
قلت والدمع بلَّ مِنَى ردنا
ان هذا هو الذي قد وعدنا
 
فأبينوا من الذي قد لحدنا
قال إن الدفين أخت بشير
 
اخت ذاك المسكين ذاك الفقير
بقيت بعده بعيشٍ عسير
 
وبطرفٍ باكٍ وقلبٍ كسير
قلت أقصِر عن الكلام فحسبي
 
منك هذا فقد تزلزل قلبي
ثم ناجيت والضراعة ثوابي
 
ربِّ رحماك ربّ رحماك ربّ
رب إن العباد أضعف أن لا
 
وإذا مسك الطَّوى فارفضيني
فاعف عن أخذهم وإن كان عدلا
 
انت يا ربّ انت بالعفو اولى
قد وردنا والأرض للعيش حوض
 
واحدٌ كلنا لنا فيه خوض
فلماذا به مشوب ومحض
 
عظمة حكمة الإله فبعض
ايها الاغنياء كم قد ظلمتم
 
نِعم الله حيث ما إن رحِمتم
سهر البائسون جوعاً ونمتم
 
بهناء من بعد ما قد طعمتم
كم بذلتم اموالكم في الملاهي
 
وركبتم بها متون السفاه
 
ايها الموسورون بعض انتباه