انتقل إلى المحتوى

أيها الليل! يا أبا البؤس والهو

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ

​أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ​ المؤلف أبو القاسم الشابي


أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ
لِ،! ياهيكلَ الحَياةِ الرَّهيبِ!
فِيكَ تَجْثُو عرائسُ الأَمَلِ العذْ
بِ، تُصلَّي بصَوتِها المحبوبَ
فَيُثيرُ النَّشِيدُ ذكرى حياةٍ
حَجَبَتها غيومُ دَهر كَئيبِ
وَتَرُفُّ الشُّجونُ مِنْ حول قلبي
بسُكُونٍ، وَهَيْبَةٍ، وَقُطُوبِ
أنتَ ياليلُ! ذرَّةٌ، صعدت للكونِ،
من موطئ الجحيمِ الغَضوبِ
أيُّها الليلُ! أنت نَغْمٌ شَجِيُّ
في شفاهِ الدُّهورِ، بين النَّحيبِ
إنَّ أُنشودة السُّكُونِ، التي ترتجّ
في صدرك الرّكود، الرحيب
تُسْمِعُ النَّفْسَ، في هدوء الأماني
رنةَ الحقَّ، والجمال الخلوبِ
فَتَصوغُ القلوبُ، منها أَغَارِيداً،
تَهُزُّ الحياةَ هَزَّ الخُطُوبِ
تتلوّى الحياةُ، مِنْ أَلَم البؤْ
س فتبكي، بلوعة ونحيبِ
وَعَلى مَسْمَعيكَ، تَنْهلُّ نوحاً
وعويلاً مُراً، شجون القلوبِ
فأرى بُرقعاً شفيفاً، من الأو
جاع، يُلقي عليك شجوَ الكئيبِ
وأرى في السُّكون أجنحة الجبَّـ
ـبارِ، مخلصةً بدمعِ القُلوبِ
فَلَكَ اللَّهُ! مِنْ فؤادٍ رَحيمٍ
ولكَ الله! من فؤادٍ كئيب
يهجع الكونُ، في مابيبةِ العصفور
طفلاً، بصدركَ الغربيب
وبأحضانك الرحيمةِ يستيقظُ، في
نضرة الضَّحُوكِ، الطَّرُوبِ
شَادياً، كالطُّيوبِ بالأَملِ العَذْ
بِ، جميلاً، كَبَهْجَةِ الشُّؤْبُوبِ
ياظلام الحياة!يا روعة الحزنِ!
ن! وَيَا مِعْزَفَ التَّعِيس الغَرِيبِ
فَيكَ تنمُو زَنَابِقُ الحُلُمِ العذْ،
بِ، وتذوِي لدَى لهيبِ الخُطوبِ
أَمْ قُلُوبٌ مُحِطَّاتٌ عَلَى سَا
بُ ظِلالُ الدُّهورِ، ذَاتَ قُطوبِ
وَبِفَوْديكَ، فِي ضَفَائِرِكَ
ـودِ، تدَّب الأيامُ أيَّ دَبيبِ
صَاحِ! إنَّ الحياةَ أنشودةُ الحُزْ
نِ، فرتِّلْ عَلَى الحياةِ نَحِيبي
إنَّ كأسَ الحياةِ مُتْرَعَةٌ بالذَّمْـ
مْعِ، فاسْكُبْ على الصَّبَاحِ حَبيبي
إنّ وادِي الظَّلامِ يَطْفَحُ بالهَوْ
لِ، فما أبعد ابتسام القلوبِ!
لا يُغرّنَّك ابتسامُ بني الأر
ضِ فَخَلْفَ الشُّعاعِ لَذْعُ اللَّهِيبِ
أنتَ تدري أنَّ الحياةَ قطو
بٌ وَخُطُوبٌ، فَما حَيَاةُ القُطُوبِ؟
إنّ في غيبةِ الليالي، تِباعاً
لخَطيبٌ يمرُّ إثر خطوبِ
سَدَّدَتْ في سكينةِ الكونِ، للأعما
قِ، نفْسي لخطأ بعيدَ الرُّسوبِ
نَظْرةٌ مَزَّقَتْ شِغَافَ اللَّيالي
لي فرأتْ مهجةَ الظْلام الهيوبِ
ورأتْ في صميمِها، لوعةَ الحزْ
نِ، وأَصْغَتْ إلى صُراخِ القُلُوبِ
لا تُحاوِلْ أنْ تنكرَ الشَّجْوَ، إنّي
قد خبرتُ الحياةَ خُبرَ لبيبِ
فتبرمتُ بالسّكينة والضجّـ
ـة، بل فد كرهتُ فيها نصيبي...
كنْ كما شاءَت السماءُ كئيباً
أيُّ شيءٍ يَسُرُّ نفسَ الأَريبِ؟
أنفوسٌ تموتُ، شاخِصَةً بالهو
لِ، في ظلمةِ القُنوطِ العَصيبِ؟
حلِ لُجِّ الأَسَى،
ـجِّ الأَسى، بموْجِ الخُطوبِ؟
إنما النّاسُ في الحياة طيورٌ
قد رَمَاهَا القَضَا بِوادٍ رَهِيبِ
يَعْصُفُ الهولُ في جَوَانبه السو
دِ فيقْضي على صَدَى العندليبِ
قَدْ سَألتُ الحياةَ عَنْ نغمةِ الفَجْـ
ـرِ، وَعَنْ وَجْمة المساءِ القَطُوبِ
فسمعتُ الحياةَ، في هيكلِ الأحزا
نِ، تشدو بِلَحْنِها المحبوبِ:
مَا سُكوتُ السَّماءِ إلا وُجُومٌ
مَا نشيدُ الصَّبَاحِ غيرُ نحيبِ
لَيْسَ في الدَّهْرِ طَائرٌ يتغنّى
في ضِفَافِ الحياةِ غَيْرَ كَئيبِ
خضَّبَ الإكتئابُ أجنحةَ الأيّا
مِ، بِالدَّمْعِ، والدَّم المَسْكُوب
وَعَجيبٌ أنْ يفرحَ النّاسُ في كَهْـ
ـفِ اللَّيالي، بِحُزْنِهَا المَشْبُوبِ!»
كنتُ أَرْنو إلى الحياةِ بِلَحْظٍ
باسمٍ، والرّجاءُ دونَ لغوبِ
ذَاكَ عَهْدٌ حَسِبْتُهُ بَسْمَةَ الـ
ـفَجْر، ولكنَّه شُعاع الغُروبِ
ذَاكَ عَهْدٌ، كَأَنَّه رَنَّةُ الأفرا
ح، تَنْسَابُ منْ فَمِ العَنْدَليبِ
خُفِّفَتْ ـ رَيْثَما أَصَخْتُ لَهَا بالقَلْـ
ـبِ، حيناً ـ وَبُدِّلَتْ بَنَحيبِ
إن خمر الحياة ورديةُ اللونِ
ولكنَّها سِمامُ القُلوبِ
جرفتْ من قرارةِ القلبِ أحْلا
مي، إلى اللَّحْدَ، جَائِراتُ الخُطُوبِ
فَتَلاشَتْ عَلَى تُخُومِ الليالي
وتهاوَت إلى الجحيم الغضوبِ
وسوى في دُجنّة النّفس، ومضٌ
لم يزل بين جيئَةٍ، وذُهوبِ
ذكرياتٌ تميسُ في ظلمةُ النَّفـ
ـسِ، ضئالاً كرائعاتِ المشيبِ
يَا لِقَلْبٍ تَجَرّعَ اللَّوعةَ المُرَّ
ةَ منْ جدولِ الزَّمانِ الرَّهيبِ!
وَمَضَتْ في صَمِيمِهِ شُعْلَةُ الحُزْ
ن، فَعَشَّتْهُ مِنْ شُعَاعِ اللَّهيبِ..