أهاج الجوى برقا أغار وأنجدا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أهاج الجوى برقاً أغارَ وأنجدا

​أهاج الجوى برقاً أغارَ وأنجدا​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


أهاج الجوى برقاً أغارَ وأنجدا
أرقت عليه الدمع مثنىً وموحدا
وبت وفي قلبي لهيبٌ كنارهِ
تضرّمَ في جنح الدجى وتوقّدا
تذود الكرى عن مقلتي عبراتها
فتشرق فيها العين والقلب في صدى
فكيف وكم لي زفرة بعد زفرة
تصيّر مني فضة الدمع عسجدا
أحاول من سلمى زيارة طيفها
وأنى يزور الطيف جفناً مسهدا
وما أطولَ الليلَ الذي لم تصل به
كأنْ جعلت ليل المتيم سرمدا
إلامَ أداري لوعتي غير صابر
وتمنعني يا وجدُ أنْ أتجلدا
أما آن للنار الّتي في جوانحي
من الوجد يوماً أن تَقَرَّ وتخمدا
ولو كان غير الوجد يقدح زنده
بأحشاي من تذكار ظمياء أصلدا
وما هو إلاّ من سنا بارق بدا
أقام له هذا الفؤاد وأقعدا
يذكرني تبسام سُعدى فلم أجد
على الوجد إلاّ مدمع العين مسعدا
وأيامنا الّلاتي مَرَرْنَ حوالياً
بعقد اجتماع الشمل حتى تبددا
وللَّه هاتيك المواقيت إنّها
مضت طرباً فالعمر من بعدها سدى
وردنا بها ماءَ المودّة صافياً
وكنّا رعينا العيش إذ ذاك ارغدا
شربنا نمير الماء عن ثغر العس
غداة اجتنينا الورد من خدّ أغيدا
وما كان عهدُ الخَيف إلاّ صبايةً
فيا جاده عهد المواطر بالجدا
وصبّت عليه الغاديات ذنوبها
وأبرق فيها حيث شاء وأرعدا
وساق إلى تلك المنازل باللوى
من المزن ما ليست تميل إلى الحدا
تجعجع مثل الفحل هاج وكلّما
أُرِيع بضرب السَّوْط أرغى وأزبدا
فحيّى رسوم الدار وهي دوارس
إلى أن تراها العين مخضلّة الندى
على الدار أنْ تستوقف الركب ساعة
بها وعلى الأحزان أن تتجددا
وليل كأنّ الشهب في أخرياته
تمزق جلباباً من الليل أسودا
أنال وأولاك الجميل وأرفدا
تذرّ به مقلة النجم إثمدا
هصرت به غضباً من البان يانعاً
وقلت لذات الخال روحي لك الفدا
يلين إلى حلو الشمائل جانبي
على أنّني ما زلت في الخطب جلمدا
تقلد أجياد الكرام قلائدي
وتكسو لئيم القوم خزياً مؤبدا
وإنّي متى ما شئت أن أنل الغنى
وأبلغ آمالي مدحت محمدا
فتى من قيش لم تجد ما يسره
سوى أنْ تراه باسطاً للندى يدا
تودّد بالحسنى إلى كلِّ آمل
وشأن كرمِ النفس أن يتودّدا
إذا جئته مسترفداً نيل بره
أنال وأولادك الجميل وأرفدا
فلو أنّني خيرّت بالجود موردا
لما اخترت إلاّ جود كفَّيْه موردا
وما كان قطر المزن يوماً على الظما
بأمرا نميراً من نداه وأبردا
وما زال يسعى سعي آبائه الألى
مفاتيح للجدوى مصابيح للهدى
فأضحى بحمد الله لمّا اقتدى بهم
لمن شمل الدين الحنيفي مقتدى
وما كان إلاّ مثل ماصار بعدما
وما ضرَّ قدرَ العضب إنْ كان مُغْمَدا
وهب أنَّ هذا البدر يحيكه بالسنا
فمن أين يحكيه نجاراً ومحتِدا
تنقّل في أوج المعالي منازلاً
وشاهد في كلٍّ من الأمر مشهدا
فما اختار إلاّ منزل العزّ منزلاً
ولا اختار إلاّ مقعد المجد مقعدا
له الله مسعود الجناب مؤيداً
زجرت إليه طائر اليمن أسعدا
يساعدني فيما أروم بلوغه
إذا لم يكن لي ساعد الدهر مسعدا
وجرّدت منه المشرفيَّ ولم يزل
على عاتق الأيام عضباً مجرداً
فتى هاشم قد ساجد بالجود والندى
فيا سيّداً لا زال بالفضل سيّدا
لك الهمة العلياء في كلِّ مطلب
فلو كنت سيفاً كنت سيفاً مهنّدا
أبى اللَّه إلاّ أنْ تُسرَّ بك العلى
وتحظى بها حتى تغيظ بها العدى
بلغت الأماني عارفاً بحقوقها
فأرغمت آنافاً وأكبتَّ حسُدَّا
وصيّرتني بالرقّ فيما أنلتني
وقد تصبح الأحرار بالفضل أعبدا
فما راح من والاك إلاّ منعّماً
ولا عاش من عاداك إلاّ منكدا
وهذا لساني مطلق لك بالثنا
عليك وفي نعماك أمسى مقيدا
يصوغ لك المدح الذي طاب نشره
يخلّد فيك الذكر فيمن تخلّدا
فمن ثمَّ أقلامي إذا ما ذكرتها
تخرّ له في صفحة الطرس سجدا
مناقب إحسانٍ حسانٌ ضوامنٌ
لعلياك أنْ تثني عليك وتحمدا
فدتك الأعادي من كريم مهذّبٍ
غزارٍ أياديه وقلَّ لك الفدا
نُصِرْتُ على خصمي به ولطالما
خذلت به خصمي علاءً وسؤددا
وأرغمتُ أنف الحاسدين بمجده
فلا زال في المجد العزيزَ الممجدا