انتقل إلى المحتوى

ألوى بقلبك من غصون الناس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ألوَى بقلبك من غُصون الناسِ

​ألوَى بقلبك من غُصون الناسِ​ المؤلف ابن الرومي


ألوَى بقلبك من غُصون الناسِ
غصنٌ يتيه عل غصون الآسِ
بل شادنٌ ذو نعمةٍ في نعمةٍ
يكتنُّ منها في أكنِّ كناسِ
ظبيٌّ يصيد ولا يُصاد مُحاذرٌ
نَبْلَ الهوى وحبَائل الإيناسِ
غِرٌّ شَموس إن أحسَّ بريبةٍ
أعجِبْ بجامع غِرةٍ وشماسِ
يسبي القلوبَ بمقلة مكحولةٍ
بفتورِ غُنْجٍ لا فتور نعاسِ
ومقبَّلٍ عذبٍ كأن نسيمَهُ
وَهْناً نسيم منابت البَسباسِ
أُثني عليه بطيب فيه ولم أنلْ
منه نوالاً قط غير خِلاس
قمر يجود بأن أراه حسرةً
ويضن بالإرشاف والإلماسِ
يُذكي الجوى ويذودني عن مشربٍ
خَصر العُلالةِ للجوى مسَّاسِ
وإذا شكوت إليه طول عذابه
فأقلُّ قاسٍ رحمةً لمُقاسي
لقد استوى تَقْويمه ولقد غَدا
لا تستوي حالاهُ عند قياسِ
يتحمل الأوزارَ لا يعيَ بها
في كل مأسورٍ بدار تناسي
وإذا خطا أعياه ثقْل مؤَزَّرٍ
يرتجُّ تحت موشَّحٍ ميَّاسِ
فتراه يمشي في الدِّهاس وإنما
يمشي فيجذبه كثيبُ دَهاس
يا للرجال ألا معينَ لأَيِّدٍ
صبّ الفؤاد على ضعيفٍ قاس
أيَضيمُني خَنِث الشمائل لو نضا
عنه غِلالته حَساهُ حاس
ومن العجائب أن تحل ظُلامةٌ
بفتى أناسٍ من فتاة أناس
ولقد ينال من القويِّ ضعيفُهُ
ككُليبٍ الطاغي وكالجسَّاس
إن أَصلَ من نارَيْ هواه وهجره
ما قد أملَّ حديثُه جُلاَّسي
فقد اصطلى ناري هوى وعقوبة
قبلي سُحيم في ابنة الحَسْحاس
إن الكتابة أصبحت عربيةً
زهراء ترغب عن بني الأكداس
خطبت شريفاً طاهراً وتنزهت
عن أدنياء علمتُهم أرجاس
قد كانت الأقلام في أيامهم
حُمراً فعادت أيَّما أفراس
تجري إلى الغايات في حَلَباتها
وتجوسُ دار الكفرِ كلَّ مَجاسِ
بأغرَّ أبلجَ لم تزل أيامهُ
مشغولةً بالكَيس لا بالكاس
بين الحداثة والرثاثة سِنُّهُ
وكذاك سنّ البازلِ القِنعاس
لقي التجارب غانياً عن عُونها
بقريحةٍ أذكى من النِّبراس
ذاك الذي استكفاه رِعيةَ أمره
كافي الخلائف من بني العباس
فغدا له في زَينه وغنائه
كالعين وهي أعزُّ ما في الراس
ألقى مراسيَهُ لديه وما له
إلاّ المحبة والوفاء مَراسي
يُمضي مكائدهُ إلى أعدائِه
كالنَّبل صادرةً عن الأَعْجاسِ
بل كالمقادر إن تحصَّن دونها
مُتحصِّن هجمتْ مع الأنفاس
لله إسماعيلُ واحد عصره
من جارح في النائبات وآس
المستضاءُ الوجه في بُهَم الدّجى
والمستضاءُ الرأي في الأبئاس
تجري الأمورُ على السَّداد إذا جرت
أقلامُهُ في ساحةِ القِرطاس
أقلامُ ميمونِ النقيبةِ حازمٌ
يجرين بالإنعام والإبئاس
ما انْفكَّ يُرعِفها دماً ويمجُّها
عسلاً مدادهما من الأنفاس
يا سائِلي عنه سألتَ عن امرىءٍ
تلْقاهُ وهو من الفضائل كاس
تلقى مُغِيماً مُشمِساً في حالةٍ
هَطِل الإغامة نيِّر الإشماس
فلنا ندى من كفِّهولنا هدىً
من رأيه في الليل ذي الأغباس
ما ضرَّ مهتدياً به في حندسٍ
عُدُم الهداةِ وغيبةُ الأقباس
ماءٌ بلا رنقٍ إذا ما استُعرضت
أخلاقهُنار بغير نُحاس
جمع السلامةَ والشهامة إنه
شخصٌ يحوز محاسنَ الأجناس
لَذكاؤه لهبُ الحريقِوحلمُهُ
أندى وأبرد من ندى الأغلاس
وترى شهيداً ظاهراً من جوده
بمغيِّبٍ من جوده هجاس
قد قلت حين رأيتُ باطن كفِّه
أندى من المتحلِّب الرجاس
ورأيت جمرةَ ذهنه ولهيبَها
في ساعةِ التبليد والإبلاس
عجباً لأقلامِ الوزيروكيف لا
تستبدل الإيراق بالإيباس
بل كيف لا تأتجُّ في آلاته
نيرانُ هاجسةٍ بغير مساس
لَحَقَقْنَ أن يُورِقن من ذاك النَّدى
أو يحترقن بذلك المِقباسِ
قدِّمه إن ذكر المكارمَ ذاكرٌ
فحظوظه منهن غير خِساس
قصد المحامدَ حين أكسد تَجْرها
فابتاع كاسدها بغير مِكاس
ورأى العلا مهجورةً فأوى لها
وحنى عليها والقلوبُ قَواس
وأما وإسماعيلَ حلفة صادقٍ
راعي الرعاةِ وسائسِ السُّواس
لولا شجاعتهُ لهاب طريقةً
خشناء مقفرةً من الأُنَّاس
ولمثلُه ركب المهيبة وحدَهُ
وتحمل العظمى بغير مَواس
فيه اثنتان يقلّ من يحويهما
في دهرنا ويجلّ في المقياس
ينسى صنيعته ويذكر وعدَهُ
أكرِمْ بذلك من ذَكورٍ ناس
أضحت به الدنيا رياضاً كلها
والدهر كالأعياد والأعراس
وكأنما آباؤهُ وجدودهُ
نُشِروا به طراً من الأرماسِ
برجائه اكتست الركابُ رحالها
وبجودِه عَريتْ من الأحلاس
صرف السماعُ نوى المقلِّد نحوهُ
وحدا القياسُ إليه بالقَيَّاس
فكلاهما صَدَقَتْهُ عنه شُهودُهُ
واستبدل الإدراكَ بالإيجاس
عند امرىءٍ حُرِسَ الأنامُ بحزمه
وكأن ثروته بلا أحراس
يا أيها الغيث الذي بغياثه
أضحت عَواري الأرض وهي كَواس
أنا من سؤالك بين ميسور الغنى
لا شك فيهوبين مُلك الياسص ستُنيلُني الآمال أو ستردني
ملكاً بيأس من جميع الناس
من ذا تخيبُهُ فتطمع نفسُهُ
في رفد غيرِك آخرَ الأحراس
أم من تَهشُّ له فيرجفُ قلبهُ
خَوفَ المفاقر غير ذي وسواس
أعتقتَ من أعطيته وحرمتهُ
من مطمع أبداً ومن إفلاس
من تُعْطه يسعدْ ومن لا تُعطه
يسعدْ بصَوْنِكَهُ عن الأدناسِ
وكذا الكريمُ حباؤهُ وإباؤهُ
أمران ما بكليهما من باس
وهابُ يأسٍ أو إياس مُنفسٍ
ولربَّ يأس قد وَفَى بإياس
والرفدُ يُمنَحه الفتى حظاً له
واليأسُ يُكْساهُ أعزَّ لِباس
أنت الذي إن جادَ عادوإن أبى
ترك الكِذاب لمعشرٍ أنكاس
يَعِدون راجيهم مَواعدَ لا يَني
منهن في تعبٍ وطولِ مِراس
ويَدِرُّ دَرُّكَ للأُلى يبغونَهُ
عفواً بلا مسح ولا إبساس
مهما أُتيتَ فأنت فيه مسدِّدٌ
سهمَ الصوابِ لكفةِ البُرجاس
فالناس من تكرارِ وصفك بالحجا
ومن الثناء عليك في مدراس
من قائلٍ اكرِمْ به أو قائل
أحزِم به في المَتْحِ والإمراس
إلاّ عدواً أخرستْهُ ضغينةٌ
لا زال منها الدهرَ في إخراس
ولقد أقول لحاسدٍ لك لن يرى
عُتَبي سوى الإرغامِ والإتعاس
ما أنت ويبكَ من أبي الصقر الذي
تركتْ تَعَاطيه مُنى الأكياس
سلِّم لإسماعيل إني ناصحٌ
لك والْهُ عن وَسْواسِك الخناس
حاوِلْ مَعاطِفهُ فهن نواعمٌ
واترك مَكاسِرهُ فهن عَواس
وكذا عهدتك ليِّناً ذا ميعةٍ
يَسَر الخلائق مُحصَد الأمراس
ممن تراعى الوحشُ حول فنائه
وتُراعُ منهُ الأسد في الأخياس
يهتزّ عودك للنسيم وإن جرت
نُكبَاً مُعَصِّفةً فعودك عاس
وتَخفُّ للداعي اللهيف وإن بدا
روعٌ يخفُّ له فطودُك راس
كم خفَّ نهضُك للدعاة وكم رَسَتْ
قدماك في يومٍ عَراك عماسِ
لك عدلُ ذي تقوى وظلم أخي ندى
لا ظلم غصَّابٍ ولا بخّاس
فإذا وهبت ظلمت مالك مُحسناً
وإذا حكمت وزَنْت بالقسطاس
إن كنتَ يوماً مدرِكي بإغاثةٍ
فاليوم يا ابن السادة الرُّواس
أنا بين أظفار الزمان وخائف
منه شبا الأنياب والأضراس
والنائبات لمن نسيت ذواكرٌ
لكنهن لمن ذكرتَ نَواس
فامنُنْ عليَّ بنظرةٍ تنجِي بها
شِلوي من الفَرّاسة النُّهّاس
فكم اشتليتَ من امرىءٍ مُستلحمٍ
وفرستَ من مستأسدٍ فراس
وهب الإله لما بنيتَ من البُنا
شَرَف الذُّرى ووثاقة الآساس
خذها وإن قلّت لمثلك تُحفةً
من فاخرات ملابس اللُّباس
إن شئت قلت مليحةٌ ما ضرّها
أن لم يقلها المكتني بنُواس
أو شئتَ قُلتَ جميلةٌ ما عابها
أنْ لم يقلها المكتنِي بفراس
يا حُسنها بكراً وعند ولادِها
ما أنت مانحها وذاتَ نِفاس
هل أنتَ ذاكرُ موعدٍ قدَّمتهُ
أم أنت ناسٍ ذاك أم متناس
بي من درورِكَ واختصاصك جانبي
بالجدب حرُّ صَلاً وحَزُّ مَواس
طال الغليل وقد سقيتَ معاشراً
دوني وما صبروا على الإخماس
ن