انتقل إلى المحتوى

ألم تسأل اليوم الظباء الكوانس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ألم تُسأل اليوم الظباءُ الكوانسُ

​ألم تُسأل اليوم الظباءُ الكوانسُ​ المؤلف ابن الرومي


ألم تُسأل اليوم الظباءُ الكوانسُ
متى ظَعنتْ أشباهُهنَّ الأوانسُ
لئن أضمرتْهُنَّ الحدوجُ ولن ترى
بدوراً بدتْ ليست لَهُنَّ حنادِسُ
لَربَّت يومٍ جَلاَهُنّ لي ضُحىً
وللأرض من وشي الربيع ملابس
يَسُفن الخُزامى بين أكناف عازبٍ
غَذته الغواذي وهو بالماء راغسُ
كَسَاهُ من النُّوار أبيضُ ناصعٌ
وأحمر قِنوانٌ وأصفرُ وارس
تشب خزاماه إذا الشمسُ طَفَّلتْ
مصابيحُ لم يقبِس لها النار قَابس
يُغَازلن منه روضةً بعد روضةٍ
زَرَابيُّها مبثُوثةٌ والطَّنافس
يظل بها النوار للشمس راكعاً
يَدورُ إذا دارت له وهو ناكس
وتصرفُ أحياناً عن الشمس وجهَهُ
وجوهٌ تضاهي الشمس بل لا تجانس
إذا الشمس يوماً قابلتهنَّ لم يكد
يُميزها مِنهُنَّ إلاّ المُقايس
خرجن يُبارينَ الربيع وروضَهُ
بما هُنَّ من تلك البُرودِ لوابس
يَرُدن خلال الروض واليومُ داجنٌ
على أنّ يوم الدَّجن مِنهن شَامس
كأن العناقيدَ الجِعادَ تهدَّلتْ
بهنَّ على أعْجازهنَّ الفَرادس
بدورٌ وكثبانٌ تُواصل بينها
غصونٌ رَوِيَّات المُتون مَوَائس
غصونٌ غَذَاهُنَّ النعيم بمائه
ولم يُسقهنَّ الماء في الأرض غَارس
حملن ثُدِيا لم يجدنَ بِدرَّةٍ
ولم تَبْتذلهنَّ الأكفُّ اللوامس
غرائر ما لم يدَّرين لريبةٍ
نوائرُ من هُجْر الحديث شوامِس
عليهنَّ من إحسانهنَّ ملابسٌ
طَواهرُ لم تعْلق بِهن المدانِس
بأمثالهنَّ انقاد ذو الحلم للهوى
جَنيباً وأبكتهُ الرسومُ الدوارس
بني طاهر ما من رأى ما بلغتُمُ
بمستنكرٍ أن يلمس النجم لامسُ
إذا عُدِّدت آلاؤُكم آل طاهرٍ
أقرَّ بها منا مَسُوس وسائس
بلغتم من العلياء والمجد رُتبةً
طوى كشحه من رَامها وهو يائس
ولِمْ لا وأثمانُ المعالي لديكُمُ
رِغابُ العطايا والنفوسُ النفائس
مسامعكم نَصبٌ لداعي كريهةٍ
تساقي المنايا رحلُها والفوارس
وطوراً لملهوفٍ تَعرَّق لحمهُ
عن العظم ذؤبانُ الخطوبِ النَّواهسُ
تَجيبون كلتا الدَّعْوتين كأنكمْ
غيوثٌ وأحياناً ليوثٌ عنابسُ
لأيديكُمُ في الموْطنين كليهما
نقائذُ من أيدي الردى وفرائس
مكارم للماضين منكم تقدَّمت
وأخرى على الباقين منكم حبائس
سأُثني على الدهر المذَمم إذ أتى
بأمثالكم أولاً فإنيَ باخس
تضمَّنتُ أن لا يبخل الدهرُ بعدها
بأي نفيسٍ بعدكم هو نافس
بِكم نَعشَ الله الخلافةَ بعدما
هوى جَدَّها من حالق وهو تاعس
تدارك ذاتَ البيْنِ إصلاحُ طاهرٍ
وقد شمَّرت غِبراءُ تَجري وداحس
إذ الدين هَرْجٌ والخلافةُ فِتْنَةٌ
يُبلِّدُ منها الأحزمُونَ الأَكايس
ولما أبت بغداذ إلا شِمَاسها
ولجَّ بها من جِنة النفر ناخس
تخمَّطها بالبيض والسُّمر عُنوةً
أبو الطَّيب الليثُ الهِزبر الخُنابس
فجاسَ بخيل النصر عُقرَ ديارها
وما جاسها من قبلِ ذلك جائس
به أَلَّف الله القلوبَ فأصبحت
مَقاومُ تلك الحرب وهْي مَجالس
وما زال منكم للخلافة مِدرةٌ
يُناضل عنها تارةٌ ويُرادس
أوائلكُمْ داووا أوائلَ دائِها
وأنتم لها إن تاح للداء ناكس
بأحكامِكم تَمضِي السيوف مضاءها
وتقضي قضاياها الرماحُ المداعِس
إذا القومُ راموا شأْوَكُم خلَّفتْهُم
جدودٌ لِئامٌ أو جدودٌ قواعِس
أَعُمُّكُمْ مدحاً وأختصُّ منكُمْ
فتاكم عبيدَ الله والرأسُ رائس
همام له في المجد والخير مِقْيسٌ
طويلٌ إذا ما طاولتْه المَقايس
رأى الملكانِ الهاشميان فضلَهُ
برأيٍ جَلَتْ عن صفحتيه المَداوس
وكيف بأن تخفَى محاسن مِثله
وهُنَّ لأبصار القلوبِ مَقابسُ
إلى مِثله تُلقى الرعاءُ عِصِيَّها
إذا عاثَ في الشاء الذئاب اللَّعاوس
فتى غيرُ مفزاع إذا الحربُ زمجرتْ
زماجِرَها وارتاعَ منها الضغابِس
سواء عليه عندها أَتَرنَّمتْ
مَزاهرُ قيْناتٍ له أو معاجس
مَهيب إذا ما كان في القوم أمْسكتْ
عن الهدر والخطر القُروم القَناعس
له هيبةٌ لم يكْتَسبْها بكلْفةٍ
إذا اكتسبتْ ذاك الوجوهُ العوابس
حَييٌ وفيه جُرأةٌ وصرامةٌ
إذا هابَ حوماتِ الأُمورِ المُغامس
وليس يَعيبُ السيفَ لينُ مَهَزِّه
إذا كان عَضْباً تجتويه الأَيابس
يُساهي مُساهيه كريماً مُغَفَّلاً
وأمَّا مُداهيه فحوتاً يُقامس
له خُلُقا خيرٍ ونفعٍ كلاهما
يُحاذره عاتٍ ويَرجُوه يائس
من لمبْشرين المؤْدَمِين خلائقاً
له تحت أيدي اللاّمسين مَلامس
يلين لمن أعطاه سمعاً وطاعةً
ويخشنُ محموداً على من يمارس
له عزماتٌ ليس للسيف مِثلُها
مضاءً ولا للسيل والسيلُ مارس
ورأْيٌ كرأي العين صدقاً وصحةً
إذا أخطأتْ بالحادسين المَحادس
يرى آخر العقبى بأول نظرةٍ
وبينهما غيبٌ من الليل دامس
حياةٌ لمن واله حتفٌ على العدى
مُصابُ الرمايا لا تَوقاهُ تارس
هو الأجل القاضي على كل حائن
وفيه لمن أَمْلى له الله حارس
وفيٌّ وتلكم شيمةٌ طاهريةٌ
له سلفٌ فيها قديمٌ قُدامس
يرى الوعدَ مثل العهد سِيان عنده
إذا خاس بالوعد المؤكدِ خائس
جميلُ المحيا بين عينيه غرةٌ
تُضيء لساري الليل والنجمُ طامس
جوادٌ إذا سامَ المكارمَ نفسه
فليس له منها شريكٌ مشاكس
وكم من يدٍ تُعطي اللهى ووراءها
ضميرٌ بما جادت به متقاعسُ
إذا بذل المعروفَ أَغْضى جُفُونَهُ
وطأْطأ رأساً لم يذلِّله عاكس
لكي لا يرى في وجه حُرٍّ مذلةً
على أنها من يُغض والوجه عابس
يُساجل أنواءَ الربيع إذا جَرَتْ
ويخلُفُها في المحْل والعودُ يابس
وحُقَّ لمن بين النجوم مقامُهُ
مُبَاراتُها إن النظير منافس
كفى الماحلين السائلين بجوده
وأغنى تِجار الحمدِ عمَّن يُماكس
به صدَّق الله الأماني حديثَها
وقد مرّض دهرٌ والأماني وساوس
فتىً آنس الآدابَ من بعد وحشةٍ
وجدَّد منهاجَ العلا وهو دارس
رأى الشعرَ ديوان المكارم فاغتدى
يُدارس منه أهْلَهُ ما يدارس
فتى لو تُجاري الريحُ في المجد أَوْلَهُ
غدا شأْوُها عن شأوه وهو خانس
دعا الصمَّ حتى أسمع الصمَّ جُودُهُ
وأنطق حتى قال فيه الأَخارس
تطاول أفلاكٌ فقصَّر جدُّهم
ونال الثريا عفوهُ وهو جالس
غدا والعلا أفعالُهُ وخصالُهُ
وهن لأقوامٍ هُمومٌ هواجس
لعمرِي لئن طابتْ عُصارةُ عوده
لقد كرمتْ أعراقه والمغارس
زهى الملكُ والإسلامُ ممن مضى له
بخمسةِ آباءٍ لهم منه سادس
فأوَّلهم قاد الجيوش وذادها
زُريقٌ وعبد الله للقوم خامس
أولئك آباءٌ بمثل تُراثهم
تَشَاوس وسط المحفل المتشاوس
وكم من ملوكٍ قَبلهم سَلفوا لهُ
لياليَ كانت تملكُ الناسَ فارس
لتهْنك يا ابن الأكرمين إمارةٌ
بطالع سعدٍ جانبتْه المنَاحسُ
مَقَالةُ لا مُسْتَعْظمٍ ما وَليتَهُ
ولو كان ما هبَّتْ عليه الروامس
وإن التي سُرْبلتها لتطُولُها
إذا قاسَهَا يوماً بقدرِك قائس
يَدُل على إقبال أمْرك أنه
غريسةُ حينٍ فيه تحيا الغَرائس
فَقُلِّدتَ ما قُلِّدتَ والعودُ مورقٌ
بجدته والعرق ريانُ قالس
وليتَ التي تهوى إليها نَوازعاً
قلوبُ الورى واليعمُلات العرامس
ولما تولاها اسمُكَ الخير أصبحت
وجانبُها الوحشي باسمك آنس
تَلَقَّتْكَ في بَزِّ الربيع وحَلْيهِ
تِهامةُ والأنجادُ وهي عرائس
ولو زُرتها في وغرة القَيْظ أمرْعت
بوَجْهِكَ وانهلّ الغمامُ الرواجس
وأضحى وأمس كل ما بين بَلْدحٍ
به حرماً حتى القفارُ البسابس
تَجلَّلها أمنٌ وعدلٌ فظبيُها
مع الذئبِ راعٍ كيف شاء وكانس
إليك ذعرتُ الوحشَ من كل مأمنٍ
لهن به عن سَخْلهن مَلاحس
إليكَ تداعتني القوافي ولم أقل
إليك تداعتني الفيافي البسابس
أتيْتُك من أدنى مزاري يخبُّ بي
إليك رجائي لا القِلاصُ العرامس
أجاوزُ بيتاً بعد بيتٍ وأمتطي
هواجسَ فكرٍ بعدهُنَّ هواجس
دعوتُ غريب الشعر باسمك فارعوي
إليَّ مُجيباً وهو باسمك آنس
فألَّفت منه إذ تجمَّع وحشُهُ
وهنَّ رُتوعٌ بالفلا وكوانس
فجاءتْ قوافيه تُباري صدورَهُ
كما تتبارى القاربات الخوامس
مَنْحتُكَها تحدو المطيَّ على الونَى
وتنفي الكرى عن ذي السُّرى وهو ناعس
من اللائي لا يُخزي الوجوه نَشيدُها
إذا منشدٌ باهَى بها من يُجالسُ
تهزُّ قناةَ الظهر عن أرْيَحيَّةٍ
كما هز رُمحاً للطِّعانِ مُداعس
وما زلت لَبَّاساً مديحاً تَحُوكُهُ
مساعيك لم يَلبسْه قبلك لابس
ولا مدحُ ما لم يمدح المرءُ نفسهُ
بأفعال صدقٍ لم تَشُبها الخسائس
ليأمنْ صروفَ الدهرِ من أنت جارُهُ
فقد أفلَتْ عنه النجومُ النواحس
إذا ما بنو الحاجات كان مجازُهم
على ملك كانت عليك المحابسُ
وينصرف العافُون تُثْني عيابهُمْ
عليك ولم ينبسْ من القوم نابس
فعش سالماً لا زال مجدُك باقياً
وإن رغمتْ من حَاسدِيك المعاطس