أرى ابن حريث لا يبالي عضيهتي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أرى ابنَ حريثٍ لا يُبالي عضيهتي

​أرى ابنَ حريثٍ لا يُبالي عضيهتي​ المؤلف ابن الرومي


أرى ابنَ حريثٍ لا يُبالي عضيهتي
ومازال قِدما بالعضيهة راضيا
ولو نكت أيضاً لم يبالني
كما أنه لم يلتبِس بهجائياً
وماضرَّه ألا يُبالي بعدها
ركوبي إياها بحيث يرانيا
لساني وأيري لوتبيَّن أمرَه
سواءٌ إذا ما قنَّعاهُ المخازيا
هما الطرفان العارمانِ كلاهما
سواءٌ على من كان غيران حاميا
ألم تر أن اللهَ حَدَّ عليهما
بحدٍّ وكان اللَّهُ بالعدل قاضيا
أيا بنَ حريثٍ نكت أمك في استها
تصبَّرُ مهجوراً وأجزعُ هاجيا
فدونك فاصبِرْ للهجاء فإنني
زعيمٌ به ما أصبح النيلُ جاريا
إذا لم يبالِ المرءُ عَبطَ أديمِهِ
فعابطُهُ أحرى بأنْ لا يُباليا
هجائيكَ يَشفيني وإن لم تُبالِه
وحَسبُك داءً أن أنال شِفائيا
حلفتُ لئن أصبحت تضحكُ هازئاً
بشعري لقد أمسى ضَميرُك باكيا
وإنك في تنبيح شِعْري وقد بدَتْ
نواقدُه من صفحتك دواميا
لَكا لكلب في تَعضيضه قرنَ قِرنه
وقد أنفَدَتْه طعنةٌ هي ماهيا
وأصبحَ يُخفي ما به مُتَجَلِّدِاً
وإن كان لا يُخفي بذلك خافيا
تكلَّف حِلماً ليس منه سَجيةً
وأَغضى على أقذائه مُتغاضيا
ليُبلِغَني عنه رباطةَ جأشِه
فيكسُر في ذَرْعي ويُكْسَفُ باليا
وما احتالَ إلا بعدما عيلَ صبرُه
وأَوْلى بداهٍ أن يُخادعَ داهيا
كأني أراهُ حين قَدَّر أمرَهُ
فأمَّر نفسيه هنا لك خاليا
فقالت له إحداهما إنَّ ذِلةً
من المرءِ أن يُحمي وألا يُحاميا
ولستَ من القومِ الذين إذا حَمَوا
فلا تتعرضْ للذي لستَ كافيا
وقالتْ له الأخرى ومانصحتْ له
بلى وارْكب الغوْصاءَ واغشَ المغاشيا
فزاولها عن كيدِها ونكيرِها
فلم يرَ إلا التُّرَّهاتِ اللواهيا
فأصغى إلى أمرِ التي نصحتْ له
وإمّا أتى رشداً فما ذاك غاويا
عسى ابن حُريثٍ تستريحُ ظنونُه
إلى أنني عانيتُ فيه القوافيا
فيَشفي جواهُ أو يُنفِّس كَربه
تظنِّيهِ أنْ قد شقَّني وعنانيا
فلا يتخيلْ فيَّ ذاك بجهله
فلستُ لما أهدي إليه مُعانيا
وأنَّى أعاني فيه شعراً أقوله
وهاجيهِ لا يبغي إله المرَاقيا
وذاك لأن الشتْم في كلِّ ساقط
يجيءَ مجيءَ السيل يطلبُ واديا
سيولٌ دعاها مستقَرٌ وقادها
مَسيلٌ فجاءت مُفْعَمات طواميا
بَلى إنما المَرقَى الكؤود على امرىء
تطلَّع أشرافَ الجبالِ العواليا
كأهل الندى والبأس والعِلم والحجى
سقى اللَّه هاتيك الذُّرى والروابيا