مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/22

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.

الفصل الثاني والعشرون. حاجي بابا يطلب من الطبيب أجراً، والرد على طلبه[عدل]

كنت أعيش في بيت الطبيب ومكانتي أقرب إلى مكانة صديق، لا الخادم؛ إذ كان يسمح لي بالجلوس في حضرته ويطعمني معه مما يأكل بل يعطيني أركيلته لأدخنها، وفي الوقت نفسه كنت بين خدمه آكل وأشرب وأدخن معهم. ولكنني وجدت أن هذه العيشة تتعارض مع نفسيتي ومع توقعاتي. فلم أستلم خلال خدمتي عنده إلا قطعتي الذهب المذكورتين، وكان فضل ذلك لا يعود سوى إلى حيلتي، وأوحت الأيام التالية أن تانك القطعتين كانتا أول وآخر مال أقبضه منه. فقررت التفاهم مع الحكيم، واستفدت من الفرصة عندما كان مبتهجاً بانتصاره على غريمه الطبيب الأوروبي ففاتحته بما في قلبي.

كان الطبيب قد عاد من البلاط بعد مقابلة الشاه، وكانت معاملة الشاه له في غاية اللطف، إذ لم يتركه واقفاً على قدميه حافياً عند حوض النافورة سوى ساعتين وليس ست ساعات كعادته. وصاح الميرزا: «ما أحسن هذا الملك وكم هو دمث وطيب القلب! أعجز عن التعبير عن مدى لطفه إلي. فقد شتم الطبيب الأوروبي فأثلج صدري، وقال أنه لا يستحق أن يحمل حذائي، ثم أمر ساعيه بأن يأخذ إلي هدية حجلتين اصطادتهما صقور جلالته!»

فجاملته قائلاً: «كل الحق مع الشاه. فمن يضاهيك في بلاد فارس؟ وما أسعد الشاه أن يحظى بكنزٍ مثل حضرتك! من هم الفرنجة ليتكلموا عن الطب؟ إن أرادوا العلم والحكمة فليطلبوهما من الميرزا أحمق!»

وتابعت كلامي: «إن شاء الله أحظى بحصة في مجد سمعتك. ولكني لا شيء كالكلب، بل إنني أقل من قطعة تراب تأتي ريحها من مجاورة وردة طيبة.»

فسألني الطبيب: «ما هذا الكلام يا حاجي! أراك مثبط العزيمة؟»

فأجبته: «أرجو أن تحكم بنفسك، وسأحكي لك حكاية. في قديم الزمان كان هناك كلب يشبه الذئاب في مظهره وأخلاقه، فكان الذئاب يعتبرونه واحداً منهم. وكان يأكل ويشرب ويسرق الغنم معهم، أي كان ذئباً كسائر الذئاب. وفي الوقت نفسه كان يعاشر قومه الكلاب ويعيش معهم. ومع الزمن شعرت الكلاب أنه يعاشر الذئاب فنبذوه، وعرفت الذئاب أنه كلب فطردوه؛ فبات ذاك الكلب المسكين معزولاً ومشؤوماً، وضاق ذرعاً بوضعه المبهم فقرر أن يصبح إما ذئباً أو كلباً. وأنا ذلك الكلب! فأنت تسمح لي بالجلوس والتدخين معك، وأنت أعلى مني بمراتب؛ تتكلم معي وتستشيرني، بل تدعوني إلى مجالس أصدقائك؛ ولكن ماذا ينفعني لطفك؟ فأنا لا أزال خادماً دونما استفادة من موقع الخادم، إذ لا أحصل على أجر. فأتوسل إليك أن تضعني في موقعي في خدمتك وأن تحدد لي أجراً ثابتاً.»

فصاح الطبيب متعجباً: «أجر! إني لا أدفع أجوراً أبداً، وخدمي يعيشون على ما ينجحون في ابتزازه من مرضاي، وتستطيع أن تحذو حذوهم. إنهم يأكلون فضلات مائدتي وأهدي كل واحد منهم معطفاً في عيد رأس السنة (النوروز)، فماذا يريدون أكثر؟»

وفي هذه الساعة دخل ساعي الشاه يحمل في يديه صينية فضية وعليها الحجلتان اللتان أكرم جلالته بهما الميرزا أحمق، فسلمهما بكل وقار إلى يدي الحكيم الذي قام عن مقعده ورفع الصينية إلى رأسه وهتف: « بارك الله بكرم ملك الملوك وزاد ماله وأطال عمره!»

وهنا نودي ليعطي إكرامية للساعي، فأرسل إليه أولاً خمسة قروش ردّها الساعي مستنكراً؛ فأرسل إليه توماناً فردّه أيضاً؛ وفي النهاية أرسل إليه خمسة تومانات بعد تلميح إلى أن هذا هو مبلغ الإكرامية المعتاد في هذه المناسبات. وقد بددت هذه الحادثة تماماً فرحة الحكيم بالهدية عينها فلفظ كلماتٍ لو بلغت الشاه لوقع الطبيب في مصائب هائلة، إذ قال: «تباً هذه الهدية! أجارني الله من أمثالها في حياتي وبعد مماتي! هكذا ندفع أجور خدم الشاه، هذه العصابة من الأوغاد الطمّاعين لا خجل عندهم ولا ضمير! والأسوأ أن عليك أن تكرمهم بسخاء، وإلا إن قدِّر لك أن يُحكَم عليك بفلقة فلن يرحموك أبداً. وما أجمل حكمة سعدي حين قال: لا يصحُّ لك أن تعتمدَ على صداقة الملوك ولا يلزمُ أن تَغتر بحسن صوتِ الأحداث لأن ذاك يتبدَّل بخيال الأوهام وهذا يتغير عند الاحتلام.»1

وهنا شعر الطبيب بالقلق بسبب ما قاله في بداية حديثه، كما بدا أنه تقبّل بالتسليم خسارة خسمة تومانات مقارنةً بأهوال الفلقة التي لا يضمن أحد أن يسلم منها.

رأيت أن اللحظة غير مؤاتية لاستئناف الحديث عن توقعاتي فأجلته إلى فرصة أخرى قد تسنح في المستقبل؛ ولكنني سمعت ورأيت ما يكفي لأقرر أن أترك «لقمان الزمان» في أول فرصة، وأن أقبل في الحاضر بالبقاء لا كلباً ولا ذئباً.


هوامش[عدل]

  1. مصدر الترجمة: «گلستان روضة الورد»، تأليف سعدي الشيرازي، ترجمة محمد الفراتي. منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، 2012، ص. 260. (ملاحظة المترجم)