صفحة:محاضرات في تاريخ الدولة العباسية.pdf/96

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
۹٥
الفصل الثامن

الصراع بين الأمين والمأمون

خلافة الأميـن

۱۹۳ - ۱۹۸هـ / ٨٠٨ - ٨١٣م

المقدمات:


بموت الرشيد أوشكت الدولة العباسية أن تنقسم إلى قسمين ينازع كل منهما الآخر: الجزء الغربي حيث مدينة الخلفاء، بغداد، وعلى رأسه الأمين - والجزء الشرقي أي خراسان والولايات الشرقية حيث يقيم المأمون بمدينة مـرو. ويعود الفضل في هذا التقسيم إلى الرشيد، كما رأينا، بل ولربما تحقق الانفصال فعلاً بين مشرق الدولة ومغربها عقب وفاته مباشرة لو أن كلاً مـن الابنين احترم وصية أبيه. والظاهر أن هذا الانفصال كان لا بد منه إذ أن المشرق الإيراني كانت له أمانيه وآماله السياسية التي يعمل على تحقيقها، والتي ظهـرت جلياً بقيام الدولة العباسية نفسها. وسنرى فعلاً أن المشرق الإيراني سيحــق استقلاله فعلاً - إن لم يكن شكلاً على عهد الطاهرين وعلى أيام المأمون.

ويفهم من ذلك أن مسألة الصراع بين أبناء الرشيد لن تأخذ شكل نـزاع عائلي من أجل وراثة العرش بل سيكون لها شكل النزاع الشعوبي أو العصبي بيـن العرب والفرس. وعلى ذلك فلن يكون للمطالبين بالخلافة رأي كبير في سير الحوادث هذا على أن ظفر المأمون، وغلبته على الأمين، إن هو إلا انتصـار للمشرق الإيراني على المغرب العربي، يعيد إلى الأذهان قيام أمر العباسيين على أكتاف الخراسانية وزحف هؤلاء نحو الغرب وتغلبهم على العالم العربـي الشامي. أحس بذلك وزير المأمون الفضل بن سهل الإيراني الأصل، الحديث الإسلام (منذ خمس سنوات) فكان يشبه أصحابه بنقباء الحركة العباسية الأولى1، "كان يقول للتميمي نقيمك مقام موسى بن كعب، وللربعي نقيمك مقـام أبي داود، وخالد بن إبراهيم نقيمك مقام قحطبة"2.

بدأ الاختلاف بين الأمين الذي له بالخلافة وبين المأمون عندما رفض الأمين - بصفته صاحب السلطان - الاعتراف بما أوصى به الرشيد، مــن:


  1. انظر، أ.د. سعد زغلول، التاريخ العباسي والأندلسي، ص ١١٤.
  2. ابن الأثیر، الکامل ،ج ٥، ص ۱۳۷ (ذكر ابتداء الخلاف بين الأمين والمأمون).