صفحة:محاضرات في تاريخ الدولة العباسية.pdf/67

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ٦٦ -

بالسكان، وبنى بعد الانتهاء من المدينة المدورة وخارج أسوارها الشرقية قصراً ثانياً هو قصر الخلد، وحدث شغب بين أهل السوق فاضطر الخليفة أن يخرج أهـل الأسواق من المدينة وأن يسكنهم في منطقة الكرخ في الجنوب. وبنى أيضاً المنصــور الجزء الشرقي من بغداد وأنشأ في هذا المكان الجديد وشمال القصر الذي خصص لیكون معسكراً لولي العهد المهدي قصر "الرصافة"1 ووزعت الأراضي المحيطة بالمدينة كإقطاعات لأقارب المنصور ولمواليه ولكبار رجال الحاشية.

ومن هذا الوصف يمكن أن نرجح أن المنصور عندما بنى مدينته كان يهدف إلى بناء معسكر لجنده الخراسانية بعيداً عن مدينة الكوفة. بمعنى أن نشأة بغــداد كانت أشبه ما تكون بنشأة المدن التي بنيت في صدر الإسلام مثل: الكوفة والبصرة والفسطاط والقيروان، التي أسست لتكون قواعد عسكرية للجند العربي في تلـك الأقاليم.

بـعـض مظاهر نظم الدولة:


وظهرت المدينة الجديدة بمظهر يختلف عن مدينة دمشق حاضرة الأموييـــن، فالخليفة العباسي ظهر بمظهر الإمام أولاً وقبل كل شيء. وكلمة الإمام هنا لها معنى دينياً أكثر من كلمة الخليفة أو كلمة أمير المؤمنين، فالإمام هنا مشتقة من إمامة الصلاة.

وعمل العباسيون على تأكيد صفتهم الدينية هذه فكانوا يرتدون البردة التي كان يلبسها الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا في الوقت الذي عهدوا فيه بجزء كبيـر من سلطانهم الزمني إلى الوزير. ووظيفة الوزير تعتبر تجديداً عباسياً فيما يتعلـق بإدارة الدولة، وذلك أن اللقب لم يعرف عند الأمويين قبل ذلك، كان اللقب عند الأمويين هو لقب الكاتب2.

وأحاط الخليفة العباسي نفسه بمظاهر الأبهة والعظمة.


  1. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ٣٣ - ٣٤.
  2. انظر، الجهشیاري، کتاب الوزراء والكتاب، ص ٢٤، ص ٨٤ – ٨٥.