مع أن المعرفة هي بنت الحياة الشاعرة وتقوم على التجربة والاختبار ، والمعرفة تعلم
و بالمعتقد نسير ، ولو ألزم الانسان اكتساب المعرفة قبل أن يسير لاعترته البطالة
والجمود زمنا طويلاً ، وقد ظلت المعتقدات وحدها أدلاء البشر قرونا عديدة ، فهي
التي أنارت لهم السبل في جميع المسائل ، ولم تكن الأديان منشـأ احتياج الناس الى
الايمان ، بل إن هذا الاحتياج هو بالمكس علة الأديان ، فمتى ترك المرء دينه لم يلبث
أن يعتنق بغريزته معتقداً آخر صنا كان أم سحراً أم خرافة سياسية الخ .
عدم التسامح في أمر المعتقدات .
عدم التسامح هو احدى صفات المعتقدات العامة الثابتة ، وكلما كان المعتقد
قويا قل تساهله ، فالناس بعد أن يدخل إيمان في قلوبهم لا يصطبرون على من ليس
عليه ، هذه هي سنة أجرت حكمها في جميع الأجيال ولا تزال تجربه ، وكل يعلم درجة
ما يصل اليه المعتقدون من صولة دينية كفاراً كانوا أم قانتين ، فالحروب الدينية
ومحكمة التفتيش وملحمة السان بارتلمي والغاء مرسوم نانت والهول الأكبر واضطهاد
الأكابروس في الوقت الحاضر الخ أمثلة على تلك الصولة .
t
وإذا كان لتلك السنة شواذ نادرة سهل إيضاحها ، فالرومان لم يعترفوا بآلهة
مختلف الشعوب التي دخلت في ذمتهم إلا لأن هذه الآلهة في نظرهم عبارة عن سلسلة
من الموجودات العلوية يجب اجتذابها بالعبادة ، وكذلك البوذية فانها لم تؤد الى
اضطهاد ، إذ هي متساهلة بما تأمر الناس به من التجرد عن الرغائب والشهوات و باعتبارها
الآلهة والموجودات أوهاما لا أهمية لها ، وليس من سبب يجعلها عدية التسامح .
ا
إذا مثل هذه الشواذ توضح نفسها بنفسها ، وليس فيها ما يناقض الناموس العام
القائل إن المعتقد عديم التساهل بحكم الضرورة .
ا
والمعتقدات السياسية في كالمعتقدات الدينية في عدم تسامحها ، فليس من يجهل
الشدة التي أباد بها رجال العهد الذين اعتقدوا أنهم على الحق المطلق خصوم ايمانهم
السياسي ، وأنصار إلاهة العقل في الوقت الحاضر هم کهؤلاء شدة وتعصبا وتعطشا الى
القرابين البشرية ، وستظل كلمة القديس ( طوماس ) الآنية مبدأ لكل مؤمن حقيقي
ا
صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/141
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
- ١٤١ -