الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب البيع/باب السلم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



باب السلم


هو نوع مخصوص من أنواع البيع فلا يجوز أن يكون المالان مؤجلين لأن ذلك هو بيع الكالىء بالكالىء ، وقد تقدم المنع منه فلا بد أن يكون رأس المال مدفوعاً عند العقد .

أن يسلم رأس المال في مجلس العقد وقد وقع الإتفاق على أنه يشترك فيه ما يشترط في البيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس ، وقد شرط في السلم جماعة من أهل العلم شروطاً لم يدل عليها دليل .

على أن يعطيه ما يتراضيان عليه معلوماً إلى أجل معلوم لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قدم النبي () المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال : من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وأخرج أحمد والبخاري من حديث عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى قالا : كنا نصيب المغانم مع رسول الله () وكان يأتينا أبناط من أنباط الشأم فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجل مسمى قيل : أكان لهم زرع أو لم يكن ؟ قال : ما كنا نسألهم عن ذلك وفي لفظ لأحمد وأهل السنن إلا الترمذي وما نراه عندهم في شرح السنة : السف له معنيان في المعاملات أحدهما القرض ، والثاني السلم ، ومعناه عند الشافعي لو كان مؤجلاً اشترط معرفة الأجل ، ولو كان مكيلاً أو موزوناً إشترط معرفة الكيل أو الوزن وفهم معرفة الجنس والوصف بالأولى . وفي الوقاية : يصح فيما يعلم قدره وصفته لا فيما لا يعلم قدره وصفته كالحيوان . وشروطه بيان جنسه ونوعه وصفته وقدره معلوماً وأجله معلوماً وأقله شهر . وفي الحجة البالغة : قدم رسول الله () المدينة وهو يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال : من أسلف في شئ فليسلف في كيل ووزن إلى أجل معلوم وذلك لترتفع المناقشة بقدر الإمكان ، وقاسوا عليها الأوصاف التي يبين بها الشئ من غير تضييق ، ومبنى القرض على التبرع من أول الأمر ، وفيه معنى الإعارة فلذلك جازت النسيئة وحرم الفضل انتهى .

أقول : أما إعتبار الجنس والصفة فليس في الحديث ما يدل عليه ، وكذلك إشتراط تعيين المكان ليس في الحديث ما يدل عليه ، وإنما اعتبر تعيين هذه الأمور لرفع التشاجر من بعد . ولا يخفى أن الرجوع إلى النوع المعهود ، أو الصفة المعهودة ، أو إلى الأوسط من ذلك يرفع التشاجر ، وكذلك يرفع التشاجر في تعيين المكان إلى الاصل ، وهو عدم وجوب الإيصال على المسلم إليه والرجوع إلى البلدة التي هي وطنه أو بلد إقامته يرفع ذلك أيضاً .

فالحاصل : أن شروط السلم تعيين جنس المسلم فيه وكونه معلوماً بكيل أو وزن ، وكونه إلى أجل معلوم فهذه ثلاثة شروط ولم يدل الدليل على إشتراط غيرها .

ولا يأخذ إلا ما سماه أو رأس ماله لحديث ابن عمر عند الدارقطني قال : قال رسول الله () : من أسلف شيئاً فلا يشرط على صاحبه غير قضائه وفي لفظ من أسلف في شئ فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله قال مالك : الأمر عندنا فيمن أسلف في طعام بسعر معلوم إلى أجل مسمى فحل الأجل فلم يجد المبتاع عند البائع وفاء مما إبتاع منه فأقاله فإنه لا ينبغي له أن يأخذ إلا ورقه أو ذهبه أو الثمن الذي دفع إليه بعينه .

ولا يتصرف فيه قبل قبضه لما أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله () : من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره وفي إسناده عطية بن سعيد العوفي وفيه مقال . والمعنى : أنه لا يحل جعل المسلم فيه ثمناً لشئ قبل قبضه ولا يجوز بيعه قبل القبض . وقد اختلف أهل العلم في ذلك قال مالك : لا يشتري منه بذلك الثمن شيئاً حتى يقبضه منه ، وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي دفع إليه أوصرفه في سلعة غير الطعام الذي ابتاع منه فهو بيع الطعام قبل أن يستوفي . قلت : وعليه أهل العلم . في الوقاية : ولم يجز التصرف في رأس المال والمسلم فيه كالشركة والتولية قبل قبضه . وفي المنهاج : ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه ولا الاعتياض عنه

الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب البيع
تعريف البيع | باب الربا | باب الخيارات | باب السلم | باب القرض