انتقل إلى المحتوى

تاريخ اليعقوبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تاريخ اليعقوبي
Wikipedia logo اقرأ عن تاريخ اليعقوبي في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة



الفهرس

[عدل]
  • 1 آدم عليه السلام
  • 2 شيث بن آدم
  • 3 أنوش بن شيث
  • 4 قينان بن أنوش
  • 4 مهلائيل بن قينان
  • 4 يرد بن مهلائيل
  • 5 أخنوخ بن يرد
  • 5 متوشلح بن أخنوخ
  • 6 لمك بن متوشلح
  • 6 نوح عليه السلام
  • 7 سام بن نوح
  • 9 أرفخشد بن سام
  • 9 شالح بن أرفخشد
  • 9 عابر بن شالح
  • 10 فالغ بن عابر
  • 10 أرغو بن فالغ
  • 11 ساروغ بن أرغو
  • 11 ناحور بن ساروغ
  • 11 تارخ بن ناحور
  • 12 إبراهيم عليه السلام
  • 13 إسحاق بن إبراهيم
  • 16 يعقوب بن إسحاق
  • 16 ولد يعقوب
  • 17 موسى بن عمران
  • 18 أنبياء بني إسرائيل وملوكهم بعد موسى
  • 27 داود
  • 30 سليمان بن داود
  • 33 رحبعم بن سليمان والملوك بعده
  • 36 ملوك السريانيين
  • 48 ملوك الموصل ونينوى
  • 49 ملوك بابل
  • 49 ملوك الهند
  • 50 اليونانيون
  • 57 ملوك اليونانيين والروم
  • 88 ملوك الروم
  • 90 ملوك الروم المتنصرة
  • 94 ملوك فارس
  • 97 المملكة الثانية من أردشير بابكان
  • 98 ممالك الجربى
  • 110 ملوك الصين
  • 110 ملوك مصر
  • 113 ممالك البربر والأفارقة
  • 116 ممالك الحبشة والسودان
  • 117 مملكة البجة
  • 117 ملوك اليمن
  • 119 ملوك الشأم
  • 126 ملوك الحيرة من اليمن
  • 127 حرب كندة
  • 133 ولد إسماعيل بن إبراهيم
  • 136 أديان العرب
  • 158 حكام للعرب
  • 160 أزلام العرب
  • 161 شعراء العرب
  • 163 أسواق العرب
  • 167 مولد رسول االله
  • 170 الفجار
  • 175 حلف الفضول
  • 176 بنيان الكعبة
  • 177 المبعث
  • 178 الإسراء
  • 181 النذارة
  • 181 مهاجرة الحبشة
  • 182 حصار قريش لرسول االله وخبر الصحيفة
  • 183 وفاة القاسم ابن رسول االله
  • 184 ما نزل من القرآن بمكة
  • 184 وفاة خديجة وأبي طالب
  • 186 عرض الرسول نفسه على القبائل
  • 186 قدوم الأنصار مكة
  • 187 خروج رسول االله من مكة
  • 188 قدوم رسول االله المدينة
  • 189 افتراض الصوم والصلاة
  • 190 ما نزل من القرآن بالمدينة ونزل عليه
  • 190 وقعة بدر العظمى
  • 191 وقعة أحد
  • 192 وقعة بني النضير
  • 194 وقعة الخندق
  • 194 وقعة بني قريظة
  • 195 وقعة بني المصطلق
  • 196 غزوة الحديبية
  • 196 وقعة خيبر
  • 197 فتح مكة
  • 198 وقعة حنين
  • 201 غزاة مؤتة
  • 203 الغزوات التي لم يكن فيها قتال
  • 203 الأمراء على السرايا والجيوش
  • 205 وفود العرب الذين قدموا على رسول االله صلى االله عليه وسلم
  • 212 كتاب النبي
  • 212 أزواج رسول االله
  • 215 مولد إبراهيم ابن رسول االله
  • 216 خطب رسول االله ومواعظه
  • 218 حجة الوداع
  • 229 الوفاة
  • 231 صفة رسول االله
  • 233 المشبهون برسول االله
  • 234 نسب الرسول وأمهاته إلى إبراهيم
  • 234 تسميه من ولدنه من الفواطم
  • 236 خبر سقيفة بني ساعدة
  • 237 أيام أبي بكر
  • 240 أيام عمر بن الخطاب
  • 247 أيام عثمان بن عفان
  • 262 خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
  • 272 خلافة الحسن بن علي
  • 296 أيام معاوية بن أبي سفيان
  • 297 وفاة الحسن بن علي
  • 302 أيام يزيد بن معاوية
  • 313 مقتل الحسين بن علي
  • 314 أيام معاوية بن يزيد بن معاوية
  • 321 أيام مروان بن الحكم
  • 321 أيام عبد الملك بن مروان
  • 330 أيام الوليد بن عبد الملك
  • 339 أيام سليمان بن عبد الملك
  • 346 أيام عمر بن عبد العزيز
  • 351 وفاة علي بن الحسين
  • 352 أيام يزيد بن عبد الملك
  • 356 أيام هشام بن عبد الملك بن مروان
  • 360 وفاة أبي جعفر محمد بن علي
  • 362 أيام الوليد بن يزيد
  • 369 أيام يزيد بن الوليد بن عبد الملك
  • 371 أيام إبراهيم بن الوليد
  • 372 أيام مروان بن محمد
  • 372 أيام أبي العباس السفاح
  • 379 أيام أبي جعفر المنصور
  • 389 أيام المهدي
  • 406 أيام موسى بن المهدي
  • 413 أيام هارون الرشيد
  • 414 وفاة موسى بن جعفر
  • 419 أيام محمد الأمين
  • 431 أيام المأمون
  • 437 وفاة الرضا علي
  • 443 أيام المعتصم باالله
  • 455 أيام هارون الواثق باالله
  • 459 أيام جعفر المتوكل
  • 462 أيام أحمد المستعين
  • 469 أيام المعتز باالله
  • 472 أيام محمد المهتدي بن هارون الواثق باالله
  • 475 أيام أحمد المعتمد على االله

الفصل الأول

[عدل]

بسم االله الرحمن الرحيم آدم عليه السلام على آدم، فلم يطاوعه شيء مما خلق االله جل وعز إلا الجنة، فلما رأى آدم ما في الجنة من النعيم قال: لو كان سبيل إلى الخلود؟ فطمع فيه إبليس لما سمع ذلك منه، فبكى ونظر إليه آدم وحواء يبكي، فقالا له: ما يبكيك؟ قال: لأنكما تفارقان هذا، وما اكما ربكما عن هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين، أو تكونا من الخالدين، وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين. وكان لباس آدم وحواء ثيابا ً من نور، فلما ذاقا من الشجرة، بدت لهما سوآما، فزعم أهل الكتاب أن مكث آدم في الأرض، قبل أن يدخل الجنة، كان ثلاث ساعات، ومكث هو و حواء في النعيم والكرامة، قبل أن يأكلا من الشجرة فتبدو لهما سوآما ،ثلاث ساعات، فلما بدت لآدم سوأته أخذ ورقة من الشجرة، فوضعها على نفسه، ثم صاح: ها أنا يا رب عريان قد أكلت من الشجرة التي يتني عنها، فقال االله: ارجع إلى الأرض التي منها خلقت، فإني مسخر لك ولولدك طير السماء، ونون البحار. وأخرج االله آدم وحواء مما كانا فيه، فيما يقول أهل الكتاب، في تسع ساعات من يوم الجمعة، وهبطا إلى الأرض، وهما حزينان باكيان، وكان هبوطهما على أدنى جبل من جبال الأرض إلى الجنة، وكان ببلاد الهند، وقال قوم: على أبي قبيس، جبل بمكة، ونزل آدم في مغارة في ذلك الجبل سماها مغارة الكتر، ودعا االله أن يقدسها. وروى بعضهم أن آدم لما هبط كثر بكاؤه، ودام حزنه على مفارقة الجنة، ثم ألهمه االله سبحانه أن قال: لا إله إلا أنت، سبحانك، وبحمدك، عملت سوءا ً وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم! فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه واجتباه، وأنزل له من الجنة، التي كان فيها، الحجر الأسود، وأمره أن يصيره إلى مكة، فيبني له بيتا ً، فصار إلى مكة وبنى البيت، وطاف به، ثم أمره االله أن يضحي له، فيدعوه ويقدسه، فخرج معه جبريل حتى وقف بعرفات، فقال له جبريل: هذا الموضع أمرك ربك أن تقف له به. ثم مضى به إلى مكة، فاعترض له إبليس، فقال: ارمه! فرماه بالحصى، ثم صار إلى الأبطح، فتلقته الملائكة ،فقالت له: بر حجك يا آدم! لقد حججنا هذا البيت قبلك ألفي عام. وأنزل االله، عز وجل، الحنطة على آدم، وأمره أن يأكل من كده، فحرث وزرع، ثم حصد، ثم داس، ثم طحن، ثم عجن، ثم خبز، فلما فرغ عرق جبينه، ثم أكل، فلما امتلأ ثقل ما في بطنه، فترل إليه جبريل ،ففجه، فلما خرج ما في بطنه وجد رائحة تكره، فقال: ما هذا؟ قال له جبريل: رائحة الحنطة. ووقع آدم على حواء، فحملت، وولدت غلاما ً وجارية، فسمي الغلام قابيل، والجارية لوبذا، ثم حملت فولدت غلاما ً وجارية، فسمي الغلام هابيل والجارية إقليما. فلما كبر ولده وبلغوا النكاح، قال آدم لحواء: مري قابيل، فليتزوج إقليما التي ولدت مع هابيل، ومري هابيل فليتزوج لوبذا التي ولدت مع قابيل ،فحسده قابيل أن يتزوج بأخته التي ولدت معه. وقد روى بعضهم أن االله عز وجل أنزل لهابيل حوراء من الجنة، فزوجه ا، وأخرج لقابيل جنية، فزوجه ا، فحسد قابيل أخاه على الحوراء، فقال لهما آدم: قربا قربانا ً! فقرب هابيل من تين زرعه، وقرب قابيل أفضل كبش في غنمه الله، فقبل االله قربان هابيل، ولم يقبل قربان قابيل، فازداد نفاسة وحسدا ً، وزين له الشيطان قتل أخيه، فشدخه بالحجارة، حتى قتله، فسخط االله على قابيل ولعنه، وأنزله من الجبل المقدس إلى أرض يقال لها نود. ومكث آدم وحواء ينوحان على هابيل دهرا ً طويلا ً، حتى يقال إنه خرج من دموعهما كالنهر. ووقع آدم على حواء، فحملت، فولدت غلاما ً، بعد أن أتى له مائة وثلاثون سنة، فسماه شيئا ً، فكان أشبه ولد آدم بآدم، ثم زوج آدم شيئا ً، فولد له غلام بعد أن أتت عليه مائة وخمس وستون سنة، فسماه أنوش ثم ولد لأنوش غلام، فسماه قينان، ثم ولد لقينان غلام، فسماه مهلائيل، فهؤلاء ولدوا في حياة آدم وعلى عهده. ولما حضرت آدم الوفاة جاءه شيث ابنه وولده وولد ولده، فصلى عليهم ودعا لهم بالبركة، وجعل وصيته إلى شيث وأمره أن يحفظ جسده ويجعله، إذا مات، في مغارة الكتر، وأن يوصي بنيه وبني بنيه ،ويوصي بعضهم بعضا عند وفام، إذا كان هبوطهم من جبلهم، أن يأخذوا جسده حشمة، فيجعلوه وسط الأرض، وأمر شيثا ً ابنه أن يقوم بعده في ولدهم، فيأمرهم بتقوى االله وحسن عبادته، وينهاهم أن يخالطوا قابيل اللعين وولده، ثم صلى على بنيه أولئك وأولادهم ونسائهم، ثم مات لست خلون من نيسان، يوم الجمعة، في الساعة التي خلق فيها، وكانت حياته تسعمائة سنة وثلاثين سنة اتفاقا ً. شيث بن آدم وقام بعد موت آدم ابنه شيث، وكان يأمر قومه بتقوى االله، سبحانه، والعمل الصالح، وكانوا يسبحون االله ويقدسونه، وأبناؤهم ونساؤهم ليس بينهم عداوة، ولا تحاسد، ولا تباغض، ولا مة، ولا كذب، ولا خلف، وكان أحدهم إذا أراد أن يحلف قال: لا ودم هابيل. فلما حضرت وفاة شيث أتاه بنوه وبنو بنيه، وهم يومئذ أنوش، وقينان، ومهلائيل، ويرد، وأخنوخ ،ونساؤهم وأبناؤهم، فصلى عليهم، ودعا لهم بالبركة، وتقدم إليهم، وحلفهم بدم هابيل ألا يهبط أحد منهم من هذا الجبل المقدس، ولا يتركوا أحدا ً من أولادهم يهبط منه، ولا يختلطوا بأولاد قابيل الملعون وأوصى إلى أنوش ابنه، وأمره أن يحتفظ بجسد آدم، وأن يتقي االله، و يأمر قومه بتقوى االله وحسن العبادة ،ثم توفي يوم الثلاثاء لسبع وعشرين ليلة خلت من آب على ثلاث ساعات من النهار، وكانت حياته تسعمائة واثنتي عشرة سنة. أنوش بن شيث وقام أنوش بن شيث، بعد أبيه، بحفظ وصية أبيه وجده، وأحسن عبادة االله، وأمر قومه بحسن العبادة، وفي أيامه قتل قابيل الملعون، رماه لمك الأعمى بحجر، فشدخ رأسه، فمات. وكان قد ولد لأنوش قينان بعد أن أتت له تسعون سنة. و لما حضرت أنوش الوفاة اجتمع إليه بنوه وبنو بنيه: قينان، ومهلائيل، ويرد ، وأخنوخ، ومتوشلح، ونساؤهم وأبناؤهم، فصلى عليهم، ودعا لهم بالبركة، واهم أن يهبطوا من جبلهم المقدس، أو يدعوا أحدا ً من بنيهم أن يختلطوا بولد قابيل اللعين، وأوصى قينان بجسد آدم، وأمرهم أن يصلوا عنده ويقدسوا االله كثيرا ً، وتوفي لثلاث خلون من تشرين الأول، حين غابت الشمس، وكانت حياته تسعمائة وخمسا ً وستين سنة. قينان بن أنوش وقام قينان بن أنوش، وكان رجلا ً لطيفا ً ،تقيا ً، مقدسا ً، فقام في قومه بطاعة االله وحسن عبادته، واتباع وصية آدم وشيث، وكان قد ولد له مهلائيل بعد أن أتت عليه سبعون سنة. فلما دنا موته اجتمع إليه بنوه وبنو بنيه مهلائيل، ويرد، ومتوشلح، ولمك، ونساؤهم وأبناؤهم، فصلى عليهم، ودعا لهم بالبركة، فأقسم عليهم بدم هابيل أن لا يهبط أحد منهم من جبلهم المقدس إلى ولد الملعون قابيل، وجعل وصيته إلى مهلائيل، وأمره أن يحتفظ بجسد آدم. ومات قينان وكانت حياته تسعمائة سنة وعشرين سنة. مهلائيل بن قينان ثم قام بعد قينان مهلائيل بن قينان، فقام في قومه بطاعة االله تعالى، واتباع وصية أبيه، وكان قد ولد له يرد، بعد أن أتت عليه خمس وستون سنة. فلما دنا موت مهلائيل أوصى إلى ابنه يرد وأوصاه بجسد آدم، ثم توفي مهلائيل لليلتين خلتا من نيسان ،يوم الأحد، على ثلاث ساعات من النهار، وكانت حياته ثمانمائة سنة وخمسا ً وتسعين سنة. يرد بن مهلائيل ثم قام بعد مهلائيل يرد، وكان رجلا ً مؤمنا ً، كامل العمل الله، سبحانه، والعبادة له، كثير الصلاة بالليل والنهار، فزاد االله في حياته، وكان قد ولد له أخنوخ، بعد أن أتت عليه اثنتان وستون سنة، وفي الأربعين ليرد تم الألف الأول. ولما مضى من حياة يرد خمسمائة سنة نقض بنو شيث العهود والمواثيق التي كانت بينهم، فجعلوا يترلون إلى الأرض التي فيها بنو قابيل، وكان أول نزولهم أن الشيطان اتخذ شيطانين من الإنس اسم أحدهما يوبل ،والآخر توبلقين، فعلمهما أصناف الغناء والزمر، فصنع يوبل المزامير والطنابير والبرابط والصور. وصنع توبلقين الطبول والدفوف والصنوج، ولم يكن لبني قابيل عمل يشغلهم، ولا ذكر لهم إلا أمام الشيطان ، وكانوا يركبون المحارم والمأثم، ويجتمعون على الفسق، وكان ذوو السن من رجالهم ونسائهم أشد في ذلك من شبام. فكانوا يجتمعون، فيزمرون ويضربون بالطبول والدفوف والبرابط والصنوج. ويصيحون ،ويضحكون، حتى سمع أهل الجبل من بني شيث أصوام، فاجتمع منهم مائة رجل على أن يهبطوا إلى بني قابيل، فينظروا ما تلك الأصوات، فلما بلغ ذلك يرد أتاهم، فناشدهم االله، وذكرهم وصية آبائهم ،وحلف عليهم بدم هابيل، وقام فيهم أخنوخ بن يرد، فقال اعلموا أنه من عصى منكم أبانا يرد، ونقض عهود آبائنا، وهبط من جبلنا لم ندعه يصعد أبدا، فأبوا إلا أن يهبطوا، فلما هبطوا اختلطوا ببنات قابيل ،بعد أن ركبوا الفواحش. فلما دنا موت يرد اجتمع إليه بنوه وبنو بنيه أخنوخ، ومتوشلح، ولمك، ونوح، فصلى عليهم، ودعا لهم بالبركة، واهم أن يهبطوا من الجبل المقدس، وقال: إنكم لا محالة بطون إلى الأرض السفلى، فأيكم كان آخر هبوطا ً فليهبط بجسد أبينا آدم، ثم ليجعله وسط الأرض، كما أوصانا، وأمر أخنوخ ابنه ألا يزال يصلي في مغارة الكتر، ثم توفي يوم الجمعة لليلة خلت من آذار، حين غابت الشمس، وكانت حياته تسعمائة سنة واثنتين وستين سنة. أخنوخ بن يرد ثم قام بعد يرد أخنوخ بن يرد، فقام بعبادة االله، سبحانه ولما أتت له خمس وستون سنة ولد له متوشلح ، وأخذ بنو شيث ونساؤهم وأبناؤهم في الهبوط، فعظم ذلك على أخنوخ فدعا ولده متوشلح ولمكا ً ونوحا ً ،فقال لهم: إني أعلم أن االله معذب هذه الأمة عذابا ً عظيما ً ليس فيه رحمة. وكان أخنوخ أول من خط بالقلم، وهو إدريس النبي، فأوصى ولده أن يخلصوا عبادة االله، ويستعملوا الصدق واليقين، ثم رفعه االله بعد أن أتت له ثلاثمائة سنة. متوشلح بن أخنوخ ثم قام متوشلح بن أخنوخ بعبادة االله تعالى وطاعته وكان لما أتت عليه مائة وسبع وثمانون سنة، ولد له لمك فأوحى االله إلى نوح في عصره وأعلمه أنه باعث الطوفان على الناس وأمره أن يعمل السفينة من الخشب ولما كملت لنوح ثلاثمائة سنة وأربع وأربعون سنة تم الألف الثاني. وتوفي متوشلح في إحدى وعشرين من أيلول يوم الخميس وكانت حياته تسعمائة وستين سنة. لمك بن متوشلح فقام لمك بعد أبيه بعبادة االله وطاعته، وكان قد ولد له بعد أن أتت عليه مائة واثنتان وثمانون سنة وكثرت الجبابرة في عصره وذلك أنه كان لما وقع بنو شيث في بنات قابيل ولدت منهم الجبابرة. ثم دنا موت لمك، فدعا نوحا ً وساما ً وحاما ً ويافثا ً ونساءهم ولم يكن بقي من أولاد شيث في الجبل أحد غيرهم إلا هبطوا إلى بني قابيل، فكانوا ثمانية أنفس ولم يكن لهم أولاد قبل الطوفان، فصلى عليهم ودعا لهم بالبركة، ثم بكى. وقال لهم: إنه لم يبق من جنسنا أحد إلا هؤلاء الثمانية الأنفس وأسأل االله الذي خلق آدم وحواء وحدهما ثم كثر ولدهما، أن ينجيكم من هذا الرجز الذي أعد للأمة السوء ويكثر ولدكم حتى يملأوا الأرض ويعطيكم بركة أبينا آدم، ويجعل في ولدكم الملك وأنا متوفى ولن يفلت من أهل الرجز غيرك يا نوح، فإذا أنا مت فاحملني واجعلني في مغارة الكتر، فإذا أراد االله أن تركب السفينة فاحمل جسد أبينا آدم فاهبط به معك ثم اجعله وسط البيت الأعلى من السفينة ثم كن أنت وبنوك في طرف السفينة الشرقي، ولتكن امرأتك وكنائنك في طرف السفينة الغربي وليكن جسد آدم بينكم، فلا تجوزوا إلى نسائكم ولا تجز نساؤكم إليكم ولا تأكلوا ولا تشربوا معهن ،ولا تقربوهن حتى تخرجوا من السفينة، فإذا ذهب الطوفان وخرجتم من السفينة إلى الأرض، فصل أنت عند جسد آدم، ثم أوص ساما ً أكبر بنيك ، فليذهب بجسد آدم حتى يجعله في وسط الأرض، وليجعل معه رجلا ً من أولاده يقوم عليه، وليكن حبرا ً الله حياته لا ينكح امرأة، ولا يبني بيتا ً، ولا يهريق دما ً، ولا يقرب قربانا ً من الدواب، ولا الطير، فإن االله مرسل معه ملكا ً من الملائكة يدله على وسط الأرض ويؤنسه. وتوفي لمك لسبع عشرة ليلة خلت من آذار يوم الأحد، على تسع ساعات من النهار، وكانت حياته سبعمائة وسبعا ً وسبعين سنة. نوح عليه السلام وأوحى االله عز وجل إلى نوح في أيام جده أخنوخ، وهو إدريس النبي، وقبل أن يرفع االله إدريس، وأمره أن ينذر قومه، وينهاهم عن المعاصي التي كانوا يركبوا ويحذرهم العذاب، فأقام على عبادة االله تعالى والدعاء لقومه، وحبس نفسه على عبادة االله تعالى والدعاء لقومه، لا ينكح النساء خمسمائة عام، ثم أوحى االله إليه أن ينكح هيكل بنت ناموسا بن أخنوخ، وأعلمه أنه باعث الطوفان على الأرض وأمره أن يعمل السفينة التي نجاه االله وأهله فيها، وأن يجعلها ثلاثة بيوت سفلا ً ووسطا ً وعلوا ً، وأمره أن يجعل طولها ثلاثمائة ذراع بذراع نوح وعرضها خمسين ذراعا ً وسمكها ثلاثين ذراعا ً ويصير حواليها رفوف الخشب ويكون البيت الأسفل للدواب والوحش والسباع ويكون الأوسط للطير ويكون الأعلى لنوح وأهل بيته ويجعل في الأعلى صهاريج الماء وموضعا ً للطعام فولد له بعد أن أتت عليه خمسمائة سنة. ولما فرغ نوح من عمل السفينة وكان ولد قابيل، ومن اختلط م من ولد شيث، إذا رأوه يعمل الفلك سخروا منه، فلما فرغ دعاهم إلى الركوب فيها، وأعلمهم أن االله باعث الطوفان على الأرض كلها حتى يطهرها من أهل المعاصي، فلم يجبه أحد منهم فصعد هو وولده إلى مغارة الكتر فاحتملوا جسد آدم ، فوضعوه في وسط البيت الأعلى من السفينة يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من آذار، وأدخل الطير البيت الأوسط، وأدخل الدواب والسباع البيت الأسفل وأطبقها حين غابت الشمس. وأرسل االله الماء من السماء، و فجر عيون الأرض، فالتقى الماء على أمر قد قدر وأخذ الأرض كلها والجبال وأظلمت الدنيا وذهب ضوء الشمس والقمر حتى كان الليل والنهار سواء وكان الطالع في ذلك الوقت الذي أرسل االله تعالى فيه الماء فيما يقول أصحاب الحساب: السرطان والشمس والقمر وزحل وعطارد والرأس، مجتمعة في آخر دقيقة من الحوت، فاتصل الماء من السماء والأرض أربعين يوما ً حتى علا فوق كل جبل خمس عشرة ذراعا ً ثم وقف بعد أن لم تبق بقعة من الأرض إلا غمرها الماء وعلاها. ودارت السفينة الأرض كلها حتى صارت إلى مكة، فطافت حول البيت أسبوعا ً ثم انكشف الماء بعد خمسة أشهر فكان ابتداؤه لسبع عشرة ليلة خلت من أيار إلى ثلاث عشرة ليلة خلت من تشرين الأول. وروى بعضهم أن نوحا ً ركب السفينة أول يوم من رجب، واستوت على الجودي في المحرم فصار أول الشهور يعده وأهل الكتاب يخالفون في هذا. ولما استوت على الجودي وهو جبل بناحية الموصل أمر االله تعالى ماء السماء فرجع من حيث جاء وأمر الأرض فبلعت ماءها فأقام نوح بعد وقوف السفينة أربعة أشهر ثم بعث الغراب ليعرف خبر الماء فوجد الجيف طافية على الماء. فوقع عليها ولم يرجع، ثم أرسل الحمامة فجاءت بورقة زيتون، فعلم أن الماء قد ذهب فخرج لسبع وعشرين من أيار، فكان بين دخوله السفينة وخروجه سنة كاملة وعشرة أيام، فلما صار إلى الأرض هو وأهله بنوا مدينة، فسموها ثمانين. ولما خرج نوح من السفينة ورأى عظام الناس تلوح غمه ذلك وأحزنه وأوحى االله إليه: أني لن أرسل الطوفان على الأرض بعدها أبدا ً. ولما خرج نوح من السفينة أقفلها بقفل ودفع المفتاح إلى سام ابنه ثم زرع نوح وغرس كرما ً وعمر الأرض. وأن نوحا ً يوما ً لنائم إذ انكشف ثوبه، فرأى حام ابنه سوأته فضحك، وخبر أخويه ساما ً و يافثا ً فأخذا ثوبا ً حتى أتياه به، ووجوههما مصروفة عنه، فألقيا الثوب عليه، فلما انتبه نوح من نومه، وعلم الخبر دعا على كنعان بن حام، ولم يدع على حام، فمن ولده القبط والحبشة والهند. وكان كنعان أول من رجع من ولد نوح إلى عمل بني قابيل، فعمل الملاهي والغناء والمزامير والطبول والبرابط والصنوج، وأطاع الشيطان في اللعب والباطل. وقسم نوح الأرض بين ولده، فجعل لسام وسط الأرض، والحرم وما حوله واليمن وحضرموت إلى عمان إلى البحرين إلى عالج ويبرين، ووبار والدو والدهناء وجعل لحام أرض المغرب والسواحل فولد كوش ابن حام وكنعان بن حام النوبة والزنج والحبشة. ونزل يافث بن نوح ما بين المشرق والمغرب، فولد له جومر وتوبل وماش وماشج ومأجوج فولد جومر الصقالبة، وولد توبل برجان وولد ماش الترك والخزر وولد ماشج الأشبان وولد مأجوج يأجوج ومأجوج وهم في شرقي الأرض من جهة الترك وكانت منازل الصقالبة، وبرجان أرض الروم قبل أن يكون الروم فهؤلاء ولد يافث. وعاش نوح، بعد خروجه من السفينة ثلاثمائة وستين سنة، ولما حضرت وفاة نوح اجتمع إليه بنوه الثلاثة سام و حام ويافث وبنوهم فأوصاهم وأمرهم بعبادة االله تعالى وأمر ساما ً أن يدخل السفينة إذا مات ولا يشعر به أحد فيستخرج جسد آدم ويذهب معه بملكيزدق بن لمك بن سام فإن االله اختاره ليكون مع جسد آدم في وسط الأرض في المكان المقدس وقال له: يا سام إنك إذا خرجت أنت وملكيزدق بعث االله معكما ملكا ً من الملائكة يدلكما على الطريق ويريكما وسط الأرض فلا تعلمن أحدا ً ما تصنع فإن هذا الأمر وصية آدم التي أوصى ا بنيه وأوصى ا بعضهم بعضا ً حتى انتهى ذلك إليك فإذا بلغتما المكان الذي يريكما الملك فضع فيه جسد آدم ثم مر ملكيزدق ألا يفارقه ولا يكون له عمل إلا عبادة االله سبحانه وتعالى وأمره أن لا ينكح امرأة ولا يبني بنيانا ً ولا يهريق دما ً ولا يلبس ثوبا ً إلا من جلود الوحش ولا يقص شعرا ً ولا ظفرا ً و ليجلس وحده وليكثر حمد االله ثم مات في أيار يوم الأربعاء وكانت حياته تسعمائة سنة وخمسين كما حكى االله تعالى ألف سنة إلا خمسين عاما ً. سام بن نوح وقام سام بن نوح، بعد أبيه، بعبادة االله تعالى وطاعته، وكان قد ولد له ارفخشد، بعد أن أتت عليه مائة سنة وسنتان، ثم انطلق، وفتح السفينة، فأخذ جسد آدم، فهبط به سرا ً من أخويه وأهله، ودعا أخويه يافثا ً وحاما ً، فقال لهما: إن أبي أوصى إلي وأمرني أن آتي البحر، فأنظر في الأرض ثم ارجع، فلا تتحركوا حتى آتيكم، واستوصوا بامرأتي وبني خيرا ً، فقال له أخواه: اذهب في حفظ االله، فإنك قد علمت أن الأرض خربة ونخاف عليك السباع. قال سام: إن االله تعالى يبعث ملكا ً من الملائكة، فلا أخاف، إن شاء االله تعالى، شيئا ً. ودعا سام ابنه لمكا ً فقال له ولامرأته: يا وزدق! أرسلا معي ابنكما ملكيزدق يؤنسني في الطريق. فقالا له: اذهب راشدا ً! فقال سام لأخويه وأهله وولده: قد علمتم أن أبانا نوحا ً قد أوصى إلي ،وأمرني أن أختم السفينة، فلا أدخلها أنا، ولا أحد من الناس، فلا يقربن السفينة منكم أحد. ثم إن ساما ً خرج ومعه ابنه، فعرض لهما الملك، فلم يزل معهما حتى صار ما إلى الموضع الذي أمروا أن يضعوا جسد آدم فيه، فيقال إنه بمسجد منى عند المنارة، ويقول أهل الكتاب: بالشأم في الأرض المقدسة ،فانفتحت الأرضون، فوضعوا الجسد فيها، ثم انطبقت عليه. وقال سام لملكيزدق ابن لمك بن سام: اجلس ها هنا، وأحسن عبادة االله، فإن االله يرسل إليك في كل يوم ملكا ً من الملائكة يؤنسك، ثم سلم عليه ، وانصرف، فأتى أهله، فسأله ابنه لمك عن ملكيزدق. فقال: إنه قد مات في الطريق، فدفنته، فحزن عليه أبوه وأمه. ثم حضرت ساما ً الوفاة فأوصى إلى ابنه أرفخشد. ومات سام يوم الخميس لسبع خلون من أيلول. وكانت حياته ستمائة سنة. أرفخشد بن سام ثم قام أرفخشد بن سام بعبادة االله تعالى وطاعته، وكان قد ولد له شالح بعد أن أتت عليه مائة وخمس وثمانون، سنة وقد تفرق ولد نوح في البلاد، وكثرت الجبابرة والعتاة منهم، و أفسد ولد كنعان بن حام، وأظهروا المعاصي. ولما حضرت أرفخشد الوفاة جمع إليه ولده وأهله وأوصاهم بعبادة االله تعالى ومجانبة المعاصي، وقال لشالح ابنه: أقبل وصيتي، وقم في أهلك بعدي عاملا ً بطاعة االله تعالى. ومات يوم الأحد لسبع بقين من نيسان وكانت حياته أربعمائة وخمسا ً وستين سنة. شالح بن أرفخشد ثم قام شالح بن أرفخشد في قومه يأمرهم بطاعة االله تعالى، وينهاهم عن معاصيه، ويحذرهم ما نال أهل المعاصي من الرجز والعذاب. وكان قد ولد له عابر بعد أن أتت عليه مائة وثلاثون سنة، ثم حضرته الوفاة، فأوصى إلى ابنه عابر بن شالح، وأمره أن يتجنب فعل بني قابيل اللعين، ومات يوم الإثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من آذار، وكانت حياته أربعمائة وثلاثين سنة. عابر بن شالح ثم قام عابر بن شالح يدعو قومه إلى طاعة االله تعالى، ويحذر بني سام بن نوح أن يختلطوا بولد كنعان بن حام، المغير دين آبائه، والمرتكب للمعاصي. وكان قد ولد له فالغ، بعد أن أتت عليه مائة وأربع وثلاثون سنة، ثم حضرته الوفاة، فأوصى إلى ابنه فالغ، فقال له: يا بني! إن ولد قابيل اللعين، لما أكثروا العمل بمعاصي االله، سبحانه وتعالى، ودخل معهم ولد شيث بعث االله عليهم الرجز، فلا تدخل أنت ولا أهلك في ملة بني كنعان. ومات عابر يوم الخميس لثلاث وعشرين من تشرين الأول، وكانت حياته ثلاثمائة وأربعين سنة، وقيل مائة وأربعا ً وستين سنة. فالغ بن عابر ثم قام بعد عابر فالغ ابنه يدعو الناس إلى طاعة االله تعالى، فكان في زمانه اجتماع ولد نوح ببابل، وذلك أن ماش بن إرم بن سام بن نوح صار إلى أرض بابل، فولد نمرود الجبار، ونبيط، وهو أبو النبط، وهو أول من استنبط الأار، وغرس الأشجار، وعمر الأرض، وكان لسام جميعا السرياني، وهو لسان آدم، فلما اجتمعوا ببابل قال بعضهم لبعض: لنبنين بنيانا ً أسفله الأرض وأعلاه السماء! فلما أخذوا في البنيان قالوا: نتخذه حصنا ً يحرزنا من الطوفان، فهدم االله حصنهم، وفرق االله ألسنهم على اثنين وسبعين لسانا ً، و تفرقوا على اثنتين وسبعين فرقة من موضعهم ذلك، فكان في ولد سام تسعة عشر لسانا ً، وفي ولد حام ستة عشر لسانا ً، وفي ولد يافث سبعة وثلاثون لسانا ً، فلما رأوا ما هم فيه اجتمعوا إلى فالغ بن عابر فقال لهم: إنه لا يسعكم أرض واحدة مع افتراق ألسنتكم فقالوا: أقسموا الأرض بيننا، فقسم لهم فصار لولد يافث بن نوح الصين والهند والسند والترك والخزر والتبت والبلغر والديلم وما والى أرض خراسان، وكان ملك بني يافث في ذلك الزمان جم شاذ. وصار لولد حام أرض المغرب وما وراء الفرات إلى مسقط الشمس. وصار لولد سام الحجاز واليمن وباقي الأرض. وكان قد ولد له أرغو بعد أن أتت عليه ثلاثون سنة، وحضرت فالغ الوفاة، فأوصى إلى ابنه أرغو، ومات فالغ يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من أيلول، وكانت حياته مائتي سنة و تسعا ً وثلاثين سنة. أرغو بن فالغ ثم قام أرغو بن فالغ بعد أبيه، وقد تفرقت الألسن على اثنتين وسبعين فرقة، لبني سام تسع عشرة فرقة ،ولولد حام ست عشرة فرقة، ولولد يافث سبع وثلاثون، وكان في زمانه نمرود الجبار، وكان مسكنه ببابل، وكان الذي ابتدأ بناء الصرح، وأول من عمل التاج، وملك سبعا ً وستين سنة. وكان قد ولد لأرغو ساروغ، بعد أن أتت عليه اثنتان وثلاثون سنة، ولما أتت لأرغو أربع وسبعون سنة من عمره كمل الألف الثالث. وحضرت أرغو الوفاة، فأوصى ابنه ساروغ، وتوفي أرغو يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من نيسان ،وكانت حياته مائتي سنة. ساروغ بن أرغو

وقام ساروغ بن أرغو في ولد سام، بعد موت أبيه، وقد كثرت الجبابرة، وعتت في الأرض. وكان في زمن ساروغ أول ما عبدت الأصنام. وكان أول شأن الأصنام أن الناس كان إذا مات لأحدهم الميت الذي يعز عليهم من أب أو أخ أو ولد صنع صنما ً على صورته، وسماه باسمه، فلما أدرك الخلف الذي بعدهم ظنوا، وحدثهم الشيطان، أنه إنما صنعت هذه لتعبد، فعبدوها، ثم فرق االله دينهم، فمنهم من عبد الأصنام، ومنهم من عبد الشمس، ومنهم من عبد القمر، ومنهم من عبد الطير، ومنهم من عبد الحجارة ،ومنهم من عبد الشجر، ومنهم من عبد الماء، ومنهم من عبد الريح ، وفتنهم الشيطان وأضلهم وأطغاهم. وكان قد ولد له ناحور، بعد أن أتت عليه مائة وثلاثون سنة. ولما حضرت ساروغ الوفاة أوصى ابنه ناحور، وأمره بعبادة االله تعالى، ومات ساروغ لثلاث بقين من آب يوم الأحد، وكانت حياته مائتين وثلاثين سنة. ناحور بن ساروغ وكان ناحور مكان أبيه، فكثرت عبادة الأصنام في زمانه، فأمر االله سبحانه الأرض، فزلزلت عليهم زلزلة شديدة حتى سقطت تلك الأصنام، فلم يكترثوا بذلك، وأعادوا أصناما ً مكاا. وفي زمانه ظهر السحر، والكهانة، والطيرة، وذبح الناس أولادهم للشياطين، وجعلت المكاييل والموازين. وكانت حياة ناحور مائة وثمانيا ً وأربعين سنة، وكانت جبابرة ذلك العصر عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكانوا قد انتشروا في البلاد، وكانت منازلهم بين أعالي حضرموت إلى أودية نجران، فلما عاثوا وعتوا بعث االله تبارك وتعالى هود بن عبد االله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، فدعاهم إلى عبادة االله تعالى، والعمل بطاعته، واجتناب المحارم، فكذبوه، فقطع االله عنهم المطر ثلاث سنين، فوجهوا وفدا لهم إلى البيت الحرام يستسقي لهم، فأقاموا يطوفون بالبيت ويسعون أربعين صباحا ً. ثم رفعت لهم سحابتان: إحداهما بيضاء فيها غيث ورحمة، والأخرى سوداء فيها عذاب ونقمة، وسمعوا صوتا ً يناديهم: اختاروا أيتهما شئتم! فقالوا: اخترنا السوداء! فمرت، وهي على رؤوسهم، فلما قربت من البلاد قال لهم هود: إن هذه السحابة فيها عذاب قد أظلكم! فقالوا: بل هو عارض ممطرنا، فأقبلت ريح سوداء لا تمر بشيء إلا أحرقته، فما نجا منهم إلا هود، ويقال إنه نجا لقمان بن عاد، وعاش حتى عمر عمر سبعة نسور. ولما مضت عاد صار في ديارهم بنو ثمود بن جازر بن ثمود بن إرم بن سام بن نوح، وكانت ملوكهم تترل الحجر، فلما عتوا بعث االله إليهم صالح بن تالح بن صادوق بن هود نبيا ً، فسألوه أن يأتيهم باية، فأخرج االله لهم ناقة من الأرض معها فصيلها، فقال لهم صالح: إن لهذه الناقة يوما ً ترد فيه الماء، ولكم يوما ً ،فاحذروا أن تصدوها عن الماء! فكذبوه، فقام رجل منهم يقال له قدار، فعقرها وضرب عرقوا بالسيف ،فارتفع فصيلها على نشز من الأرض، ثم رغا ،فبعث االله عليهم العذاب، فما فلت منهم إلا امرأة يقال لها الذريعة، وضرب العرب بقدار المثل. تارخ بن ناحور وكان تارخ بن ناحور، هو أبو إبراهيم خليل االله، في عصر نمرود الجبار، وكان نمرود أول من عبد النار و سجد لها، وذلك أنه خرجت نار من الأرض، فأتاها، فسجد لها، وكلمه منها شيطان، فبنى عليها بنية ،وجعل لها سدنة. وفي ذلك العصر تعاطى الناس علم النجوم، وحسبوا الكسوف للشمس والقمر والكواكب السائرة والراتبة، وتكلموا في الفلك والبروج. وكان الذي علم نمرود ذلك رجلا ً يقال له تبطق، وكان تارخ، وهو آزر أبو إبراهيم، مع نمرود الجبار ، فحسب المنجمون لنمرود، فقالوا له: إنه يولد في مملكته مولود يعيب دينه، ويزري عليه، ويهدم أصنامه ،ويفرق جمعه، فجعل لا يولد في مملكته مولود إلا شق بطنه، حتى ولد إبراهيم، فستره أبواه، وأخفيا أمره ،وصيراه في مغارة حيث لا يعلم به أحد، وكان مولده بكوثا ربا، وكان مولد إبراهيم بعد أن أتت لتارخ مائة وسبعون سنة، وعاش تارخ أبوه مائتي سنة وخمس سنين. إبراهيم عليه السلام

ونشأ إبراهيم في زمان نمرود الجبار، فلما خرج من المغارة التي كان فيها قلب طرفه في السماء، فنظر إلى الزهرة، فرأى كوكبا ً مضيئا ً، فقال: هذا ربي، فإن له علوا ً وارتفاعا ً، ثم غاب الكوكب، فقال: إن ربي لا يغيب، ثم رأى القمر لما طلع، فقال: هذا ربي، فلم يلبث أن غاب القمر، فقال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما جاء النهار طلعت الشمس، فقال: هذا ربي، هذا أنور وأضوأ، فلما غابت الشمس قال: غابت، وربي لا يغيب، كما قص االله خبره وأمره، فلما كملت سنة جعل يعجب إذ رأى قومه يعبدون الأصنام، ويقول: أتعبدون ما تنحتون؟ فيقولون: أبوك علمنا هذا. فيقول: إن أبي لمن الضالين! فظهر قوله في قومه، وتحدث الناس به، وأرسله االله نبيا ً، وبعث إليه جبريل، فعلمه دينه، فجعل يقول لقومه: إني بريء مما تشركون. وبلغ خبره نمرود فأرسل إليه فيها، ثم جعل إبراهيم يكسر أصنامهم، فيقول: ادفعي عن نفسك، فألهب نمرود نارا ً ووضعه في منجنيق ورمى به فيها، فأوحى االله إليها: أن كوني بردا ً وسلاما ً على إبراهيم ،فجلس وسط النار ما تضره، فقال نمرود: من اتخذ إلها، فليتخذه مثل إله إبراهيم، فامن معه لوط، وكان لوط ابن أخيه خاران بن تارخ. وأمر االله، عز وجل إبراهيم أن يخرج من بلاد نمرود إلى الشام الأرض المقدسة، فخرج إبراهيم وامرأته سارة بنت خاران بن ناحور عمه، ولوط بن خاران، مهاجرين حيث أمرهم االله، فترلوا أرض فلسطين، وكثر ماله ومال لوط، فقال إبراهيم للوط: إن االله قد كثر لنا مالنا وماشيتنا، فانتقل منا حتى تترل مدينتي سدوم وعمورة، بالقرب من الموضع الذي كان فيه إبراهيم، فلما صار لوط إلى مدينة سدوم وعمورة ونزلها أتاه ملك تلك الناحية، فقاتله، وأخذ ماله، فمضى إبراهيم حتى استنقذ ماله. ووسع االله، عز وجل، على إبراهيم في كثرة المال، فقال: رب ما أصنع بالمال، ولا ولد لي؟ فأوحى االله ،عز وجل، إليه: إني مكثر ولدك، حتى يكونوا عدد النجوم. وكان لسارة جارية يقال لها هاجر، فوهبتها لإبراهيم، فوقع عليها، فحملت، وولدت إسماعيل، وإبراهيم يومئذ ابن ست وثمانين سنة، وقال االله: إني مكثر ولدك وجاعل فيهم الملك الباقي مدى الدهر، حتى لا يدري أحد ما عددهم. فلما ولدت هاجر غارت سارة، وقالت: أخرجها عني وولدها، فأخرجها، ومعها إسماعيل، حتى صار ما إلى مكة، فأنزلهما عند البيت الحرام، وفارقهما، فقالت له هاجر: على من تدعنا؟ قال: على رب هذه البنية فقال: اللهم إني أسكنت ابني، بواد غير ذي زرع، عند بيتك المحرم. ونفد الماء الذي كان مع هاجر، فاشتد بإسماعيل العطش فخرجت هاجر تطلب الماء، ثم صعدت إلى الصفا، فرأت بقربه طائرا ً واقفا ً فرجعت فإذا بالطائر قد فحص برجله الأرض ،فخرج الماء، فجمعته لئلا يذهب، فهي بئر زمزم. وعمل قوم لوط المعاصي، وكانوا يأتون الذكران من العالمين، وذلك أن إبليس، لعنه االله تعالى، تراءى لهم في صورة غلام أمرد، ثم أمرهم أن ينكحوه، فاشتهوا ذلك حتى تركوا نكاح النساء، وأقبلوا على نكاح الذكران، فنهاهم لوط، فلم ينتهوا، و جاروا في الأحكام حتى ضرب م في الجور المثل، وقالوا: أجور من حكم سدوم! وكان الرجل منهم، إذا نال أحدا ً بمكروه، فضربه، أو سحه، قال له: أعطني أجرا ً على فعلي بك. وكان لهم حاكمان يقال لهما شقرى وشقرونى يحكمان بالجور والظلم والعدوان. ولما كثر عمل قوم لوط وجورهم بعث االله، عز وجل، ملائكة لهلاكهم، فترلوا بإبراهيم، وكان يضيف الأضياف، ويعمل القرى، فلما نزلوا به قرب إليهم عجلا ً مشويا ً، فلما رآهم لا يأكلون نكرهم، فعرفوه بأنفسهم، وقالوا: أنا رسل ربك لهلاك أهل هذه القرية، يعنون سدوم القرية التي كان فيها قوم لوط ، فقال لهم إبراهيم: إن فيها لوطا ً، قالوا: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله، إلا امرأته. وكانت سارة امرأة إبراهيم واقفة، فعجبت من قولهم، فبشروها بإسحاق فقالت: أألد وأنا عجوز، وهذا بعلي شيخ كبير؟ وكان إبراهيم ابن مائة سنة، وهي بنت تسعين، فلما أتوا إلى لوط، ورأم امرأته دخنت لقومها، فجاءوا إلى لوط، فقالوا ادفع إلينا أضيافك! فقال: لا تفضحون في ضيفي: فلما أكثروا صدهم جبريل، فأعماهم، فقالوا له: أنا مهلكوهم، قال: فمتى؟ قالوا: الصبح. قال: تؤخروم إلى الصبح؟ قال له جبريل: أليس الصبح بقريب؟ فلما كان السحر قال له جبريل: اخرج، ثم قلبها عليهم، ويقال نزلت عليهم نار، فلم ينج منهم أحد، وكانت امرأة لوط فيهم فمسخت ملحا ً، فما بقي منهم مخبر. ووهب االله لإبراهيم إسحاق بن سارة، فعجب الناس من ذلك، وقالوا: شيخ ابن مائة سنة، وعجوز بنت تسعين سنة! فخرج إسحاق أشبه شيء بإبراهيم. وكان إبراهيم يزور إسماعيل وأمه في كل وقت. وبلغ إسماعيل حتى صار رجلا ً، ثم تزوج امرأة من جرهم ،فزارة إبراهيم مرة، فلم يلقه، وكانت أمه قد ماتت، فكلم امرأته فلم يرض عقلها، وسألها عن إسماعيل ،فقالت: في الرعي! فقال: إذا جاء فقولي له غير عتبة بابك! فلما انصرف إسماعيل من رعية قالت له امرأته: قد جاء هنا شيخ يسأل عنك: فقال إسماعيل: فما قال لك؟ قالت: قال لي. قولي له غير عتبة بابك. قال: أنت خلية! فطلقها، و تزوج الحيفاء بنت مضاض الجرهمية، فعاد إليهم إبراهيم من الحول ،فوقف ببيت إسماعيل، فلم يجده، ووجد امرأته، فقال: كيف حالكم؟ قالت بخير! قال: هكذا فليكن! أين زوجك؟ قالت: ليس بحاضر، انزل! قال: لا يمكنني. قالت: فأعطني رأسك أقبله! ففعل ذلك، وقال: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وقولي له: تمسك بعتبة بابك. فلما انصرف جاء إسماعيل، فأخبرته امرأته بخبر إبراهيم، فوقع على موضع قدمه يقبلها. ثم إن االله تعالى أمر إبراهيم أن يبني الكعبة، ويرفع قواعدها، ويؤذن في الناس بالحج، ويريهم، مناسكهم ،فبنى إبراهيم وإسماعيل القواعد حتى انتهى إلى موضع الحجر، فنادى إبراهيم أبو قبيس: أن لك عندي وديعة! فأعطاه الحجر، فوضعه، وأذن إبراهيم في الناس بالحج، فلما كان يوم التروية قال له جبريل: ترو من الماء، فسميت التروية، ثم أتى منى، فقال له: بت ا، ثم أتى عرفات، فبنى ا مسجدا ً بحجارة بيض، ثم صلى به الظهر والعصر ثم عمد به إلى عرفات، فقال له: هذه عرفات فاعرفها، فسميت عرفات. ثم أفاض به من عرفات، فلما حاذى المأزمين قال له: ازدلف، فسميت المزدلفة، وقال له: اجمع الصلاتين ،فسميت جمع، وصار إلى المشعر، فنام عليه، فأمره االله أن يذبح ابنه، فالرواية تختلف في إسماعيل وإسحاق ،فيقول قوم: إنه إسماعيل لأنه الذي وضع داره وبيته وإسحاق بالشام، ويقول قوم: إنه إسحاق لأنه أخرجه وأخرج أمه معه، وكان يومئذ غلاما ً، وإسماعيل رجل قد ولد له. وقد كثرت الروايات في هذا وهذا، واختلف الناس فيهما، فلما أصبح إبراهيم صار إلى منى وقال للغلام: زورني بالبيت، وقال لابنه: إن االله أمرني أن أذبحك! فقال: يا أبت افعل ما تؤمر! فأخذ السكين، وأضجعه على جمرة العقبة، وطرح تحته قرطان حمار، ثم وضع الشفرة على حلقه، وحول وجهه عنه، فقلب جبريل الشفرة، فنظر إبراهيم، فإذا الشفرة مقلوبة، ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم نودي: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. وأخذ جبريل الغلام، وانحط الكبش من قلة ثبير، فوضعه، تحته فذبحه فأهل الكتاب يقولون: إنه كان إسحاق، وإنه فعل به هذا في برية الأموريين بالشام، فلما فرغ إبراهيم من حجه وأراد أن يرتحل أوصى إلى ابنه إسماعيل أن يقيم عند البيت الحرام، وأن يقيم للناس حجهم ومناسكهم، وقال له: إن االله مكثر عدده. ومثمر نسله. وجاعل في ولده البركة والخير. وتوفيت سارة عند مصيرهم إلى الشأم، فتزوج إبراهيم قطورة، فولدت له أولادا ً كثيرا ً، و هم: زمرن ،ويقشن، ومدن، ومدين، ويشباق، وشوح، وتوفي إبراهيم، وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر خلون من آب، وكانت حياته مائة وخمسا ً وتسعين سنة. إسحاق بن إبراهيم ولما توفي إبراهيم بالشام قام إسحاق بعده وتزوج رفقا بنت بتوئيل، فحملت فثقل حملها، فأوحى االله، عز وجل، إلى إسحاق: أني مخرج من بطنها شعبين وأمتين، فاجعل الأصغر أعظم من الأكبر! فولدت رفقا عيصو ويعقوب توأمين، وخرج عيصو أولا ً، وخرج يعقوب بعده، وعقبه مع عقب عيصو، فسمي يعقوب. وكان إسحاق يوم ولد له ابن ستين سنة، وكان إسحاق يحب عيصو، ورفقا تحب يعقوب، وسكن إسحاق وادي جارر، وكان قد ذهب بصره، فقال لابنه عيصو: خذ سيفك وقوسك، واخرج، فصد لي صيدا ً حتى آكل وأبارك عليك قبل أن أموت، فسمعت رفقا أمه ذلك، فقالت ليعقوب: اصنع لأبيك طعاما ً! اذهب إلى الغنم، فخذ جديين، فاصنع طعاما ً، وقربه لأبيك، حتى تقع عليك البركة. فقال: أخاف أن يلعنني. فقالت: إن لعنك كانت لعنتك علي، فمضى يعقوب، وأخذ جديين، فذبحهما، وطبخهما ،وقرما إليه. وكان عيصو مشعر الذراع، فأخذ يعقوب جلد الجديين، فوضعهما على ساعديه، فلما قرب الطعام من أبيه قال: النغمة نغمة يعقوب، والمسحة مسحة عيصو. ثم بارك عليه، ودعا له، وقال له: كن رأسا على إخوتك. وجاء عيصو بصيده، فقال له إسحاق: من قدم إلى الطعام فباركته ومباركا ً يكون؟ قال: خدعني أخي يعقوب! قال له إسحاق: قد جعلته رأسا عليك، وعلى إخوته. ثم دعا له، وقال: على سميه الأرض تترل. وأمر إسحاق يعقوب أن يصير إلى حران، فيكون عند لابان بن بتوئيل بن ناحور، أخي إبراهيم، وخاف إسحاق عيصو عليه، وأمره أن لا يتزوج من نساء الكنعانيين، فصار إلى حران إلى خاله لابان، فكانت حياة إسحاق مائة وخمسا ً وثمانين سنة. يعقوب بن إسحاق ثم إن إسحاق قال ليعقوب: إن االله قد جعلك نبيا ً، وجعل ولدك أنبياء، وجعل فيك الخير والبركة، وأمره أن يسير إلى الفدان، وهو موضع بالشام، فسار إلى الفدان فلما دخلها رأى امرأة معها غنم على البئر تريد أن تسقي غنمها، وعلى رأس البئر حجر لا يرفعه إلا عدة رجال، فسألها: من هي؟ فقالت: أنا بنت لابان، وكان لابان خال يعقوب، فزحزح يعقوب الحجر، وسقى لها، و سار إلى خاله، فزوجه إياها ،فقال يعقوب: إن التي كانت مسماة لي راحيل أختها. فقال: هذه أكبر، وأنا أزوجك أيضا ً راحيل ،فتزوجهما جميعا ً. ودخل بليا أولا ً، فأولدها روبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، ويشاجر، وزفولون، وجارية يقال لها دينا ً ،ثم زوجه خاله بابنته الأخرى، وهي راحيل، فأبطأ عليها الولد، حتى عظم ذلك عليها، ثم وهب االله ،سبحانه وتعالى، يوسف، وبنيامين. ووقع يعقوب بزلفا جارية كانت لليا، فولدت منه كاذ، وآشر، ونفتالي. ووقع بوليدة راحيل، فولدت دان، وقال قوم إن يعقوب تزوج راحيل قبل ليا، وقال أهل الكتاب تزوجهما جميعا ً في وقت واحد، فماتت راحيل، وبقيت ليا. وكان يوسف أحب ولد يعقوب إلى يعقوب لأنه كان أجملهم وجها ً، وكانت أمه أحب نسائه إليه ،فحسده إخوته ذلك، فأخرجوه معهم، وكان من خبرهم ما قصة االله، عز وجل، في كتابه العزيز، حتى بيع، واستعبد، وغاب عن أبيه أربعين سنة، ثم رده االله، سبحانه، عليه، وجمعهم ويوسف بمصر على ما قد قصة االله في كتابه. وولد ليوسف بمصر عدة أولاد، فأقام يعقوب بمصر سبع عشرة سنة، ولما حضرته الوفاة أوصى يوسف ولده ألا يدفنه بمصر. وتوفي وله مائة وأربعون سنة. ولد يعقوب وكان ليعقوب من الولد اثنا عشر ذكرا ً: روبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، ويشاجر، وزفولون ،ويوسف، وبنيامين، وكاذ، وآشر، ودان، ونفتالي، فهؤلاء بنو يعقوب، وهم بنو إسرائيل، وهم الأسباط. وكان لروبيل من الولد: خنوخ، وفلو، وحصران، وكرمي. وكان لشمعون من الولد: نموئيل، ويامين، وشاوول وكان للاوي من الولد: جرشون، وقهث، ومراري. وكان ليهوذا من الولد: عار، وأونان ، وشيلا، وفارص، وزارح. وكان ليشاجر من الولد: تولع، وفوا، ويوب، وشمرون. وكان لآشر من الولد: يمنا، وأشوا، وأشوى، وبريعا، وسارح. وكان لزفولون من الولد: سارد، وإيلون، ويحلائيل. وولد ليوسف بأرض مصر: إفرائيم، ومنشى. وكان لبنيامين: بالع، وبخر، وأشبال، ونعمان، وأوخي، ومفيم، وحفيم، وأرد. وكان لكاذ من الولد: صفيان، وشوني، وأصبون، وعاري، وأرودي، وارايلي. وكان لنفتالي من الولد: يحصيل، وغوني، ويبصر، وشاليم. فهؤلاء أولاد يعقوب وولد ولده، الذين اجتمعوا بمصر عند يوسف، مع ولدي يوسف اللذين ولدا بمصر ،وأعطاهم أرضا، وقال: ازرعوا، فما خرج فلفرعون الخمس. ولما حضرت يعقوب الوفاة جمع ولده وولد ولده، فبارك عليهم، ودعا لهم، وقال لكل واحد منهم قولا ،وأعطى ليوسف سيفه وقوسه. وقرب إليه يوسف ابنيه منشى وإفرائيم، فصير منشى عن يمينه وإفرائيم عن شماله، لأن منشى كان أكبر ،فقلب يده اليمنى على إفرائيم ، وأوصى يوسف أن يحمله ويدفنه إلى جنب قبر إبراهيم وإسحاق. ولما توفي يعقوب قاموا يبكون عليه سبعين يوما ً، ثم حمله يوسف، وأخرج معه غلمانا ً من أهل مصر ،وصار به إلى أرض فلسطين، فدفنه إلى جنب قبر إبراهيم وإسحاق. ولما فرغوا من دفن يعقوب قال لإخوته: ارجعوا معي إلى أرض مصر! فخافوه، فقالوا له: قد أوصاك أبوك يعقوب أن تغفر خطيئتنا. قال: لا تخشوني! فإني أخشى االله. فاطمأنت قلوم، فرجعوا إلى أرض مصر ،فأقاموا ا. وعاش يوسف بمصر دهرا ً، ثم حضرته الوفاة، فجمع بني إسرائيل، وقال: إنكم تخرجون بعد حين من أرض مصر، إذا بعث االله رجلا ً يقال له موسى بن عمران من ولد لاوي بن يعقوب، وسيذكركم االله ،ويرفعكم، فأخرجوا بدني من هذه الأرض، حتى تدفنوني عند قبور آبائي. ومات يوسف وله مائة وعشر سنين، فصير في تابوت حجارة، وصير في النيل. وكان في ذلك العصر أيوب النبي ابن أموص بن زارح بن رعوئيل بن عيصو ابن إسحاق بن إبراهيم ، وكان كثير المال، فابتلاه االله تعالى بخطيئة أخطأها، فشكر االله وصبر، ثم رفع االله عنه البلاء، ورد إليه ماله وأضعف له. موسى بن عمران وولد موسى بن عمران بن قهث بن لاوي بن يعقوب بمصر في زمان فرعون الجبار، وهو الوليد بن مصعب، ويقال: كان اسمه ظلمي، وبنو إسرائيل يومئذ بمصر قد أقاموا من زمان يوسف في الرق والعبودية. وكان سحرة فرعون وكهنته قد قالوا له: يولد في هذا الوقت مولود من بني إسرائيل يفسد عليك ملكك ،ويكون به هلاكك. وكان فرعون قد ملك مصر دهرا ً طويلا ً ممتعا ً بالسلامة، حتى قال: أنا ربكم الأعلى ،فأمر فرعون، فوضع على كل امرأة حامل من بني إسرائيل حرسا ً، فكانت لا تلد منهن امرأة غلاما إلا قتل ولدها، فلما جاء أم موسى المخاض قالت لها القابلة: إني أكتم عليك! فلما ولدت قالت للحرس: إنما خرج منها دم. وأوحى االله إلى أم موسى أن اعملي تابوتا ً، ثم ضعيه فيه، وأخرجيه ليلا ً، فاطرحيه في نيل مصر! ففعلت ذلك، وضربته الريح، فطرحته إلى الساحل، فرأته امرأة فرعون، فدنت منه حتى أخذته ،فلما فتحت التابوت ورأت موسى وقع عليه منها محبة، فقالت: لفرعون نتخذه ولدا ً، وطلبت له من ترضعه، فلم يأخذ من المرضعات، حتى جاءت أمه، فأخذ منها، وشب أحسن شباب، وبلغ في أسرع وقت ما لا يبلغ الصبيان. وكان يوسف قد قال لبني إسرائيل: إنكم لن تزالوا في العذاب حتى يأتي غلام جعد، من ولد لاوي بن يعقوب، يقال له موسى بن عمران. فلما طال الأمر على بني إسرائيل ضجوا و أتوا شيخا ً منهم، فقال لهم: كأنكم به! فبيناهم، ذلك إذ وقف عليهم موسى، فلما رآه الشيخ عرفه بالصفة، فقال له: ما اسمك؟ فقال: موسى قال ابن من؟ قال: ابن عمران. فقام هو والقوم و قبلوا يديه ورجليه، واتخذهم شيعة. ودخل يوما ً مدينة من مدائن مصر، فإذا رجل من شيعته ينازع رجلا ً من آل فرعون، فوكزه موسى ،فقتله، ونذر به فرعون وآل فرعون وأرادوا قتله، فلما علم ذلك خرج وحيدا ً على وجهه، حتى صار إلى مدين، وأجر نفسه من شعيب النبي ابن نويب بن عيا ابن مدين بن إبراهيم على أن ينكحه إحدى ابنتيه. فلما قضى موسى الأجل سار بامرأته يريد بيت المقدس، على ما قص االله، عز وجل، من خبره في كتابه العزيز، فبينا موسى يسير في طريقه إذ رأى نارا ً، فقصد نحوها، وخلف أهله، فلما دنا منها إذا شجرة تضطرم من أسفلها إلى أعلاها نارا ً، فلما دنا منها تأخرت نفسه، ووجل واشتد رعبه، فناداه االله جل وعلا: يا موسى أقبل لا تخف! إنك من الآمنين. فسكن عنه رعبه، وأمره االله أن يلقي عصاه، فألقاها، فإذا هي حية كالجذع، فأمره االله أن يأخذها، فصارت عصا. وبعثه االله تعالى إلى فرعون، وأمره أن يأتيه، ويدعوه إلى عبادة االله، فعظم ذلك في قلب موسى، فقال االله: إني آمرك إلى عبد من عبيدي بطر نعمتي وأمن مكري، وزعم أنه لا يعرفني، وإني أقسم بعزتي لو لا العدل والحجة التي وضعتها بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار تغضب لغضبه السموات والأرض. فقال: اللهم اشدد عضدي بأخي هارون، وإني قتلت منهم نفسا، فأخاف أن يقتلون! فقال له االله: قد فعلت ذلك، فاذهب أنت وأخوك بآياتي، فأخرجا بني إسرائيل! هذا أوان إخراجي إياهم من الرق والعبودية. فرد موسى امرأته إلى أبيها، وصار إلى فرعون هو وأخوه هارون، وأعلمه ما بعثه االله به، وخبر بني إسرائيل، فعظم سرورهم، وعلموا أن يوسف صدقهم. ثم ساروا إلى باب فرعون، وعليه مدرعة صوف، وفي وسطه حبل ليف، وفي يده عصا، فمنع من الدخول، فضرب الباب بالعصا، فانفتحت الأبواب، ثم دخل، فقال لفرعون: أنا رسول رب العالمين، بعثني إليك لتؤمن به، وتبعث معي بني إسرائيل. فأعظم فرعون ذلك، فقال له: إيت بآية نعلم ا صدقك! فألقى عصاه، فإذا هي ثعبان عظيم قد فتح فاه ،وأهوى نحو فرعون، فسأل موسى أن ينحيه عنه، ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها بيضاء من غير سوء برص. وكان فرعون أراد أن يصدقه، فقال له هامان: أما في عبيدك، أيها الملك، من يعمل مثل هذا؟ فأحضر السحرة من جميع البلاد، وخبروا بخبر موسى، فأقاموا حينا ً يعملون من جلود البقر حبالا ً مجوفة وعصيا ً مجوفة، ويزوقوا، ويصيرون فيها الزيبق، ثم أحموا المواضع التي أرادوا أن يلقوا فيها الحبال والعصى، ثم جلس فرعون، وأحضره، فألقى السحرة حبالهم وعصيهم، فلما حمي الزيبق تحرك، ومشت الحبال والعصى، فألقى موسى عصاه، فأكلت ذلك كله، حتى لم يبق منه شيء، ونكص السحرة، فقتل فرعون من قتل منهم. وبعث االله موسى بآيات إلى فرعون: العصا، ثم اليد التي خرجت من جيبه بيضاء، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم وموت الأبكار، فلما اتصل م هذا قال له فرعون: إن كشفت عنا الرجز آمنا وأخرجنا معك بني إسرائيل. فكشف االله عنهم، ولم يؤمنوا. وأمر االله موسى أن يخرج بني إسرائيل، فلما أرادوا الخروج طلب جسد يوسف بن يعقوب ليحمله معه ،كما أوصى يوسف بني إسرائيل، فأتته شارح بنت آشر بن يعقوب، فقالت: تضمن لي البقاء حتى أدلك عليه؟ حتى ضمن ذلك لها فصارت به إلى موضع من النيل، فقالت له: هو ها هنا! فأخذ موسى أربع صفائح ذهب، فصور في واحدة صورة نسر، وأخرى صورة سبع، وأخرى صورة إنسان، وأخرى صورة ثور، وكتب في كل صفيحة اسم االله الأعظم، وألقاها في الماء، فطفا تابوت الحجارة الذي كان فيه جسد يوسف، وبقيت في يد موسى صفيحة واحدة فيها صورة ثور، فوهبها لشارح بنت آشر، و حمل التابوت. وقفل موسى ببني إسرائيل، وهم ستمائة ألف إنسان بالغ، واتبعه فرعون وجنوده، فغرقهم االله جميعا ً ،وكانوا ألف ألف فارس، وقيل هبط جبريل، وفرعون وأصحابه يحاولون الدخول أثرهم، وإذ قد نزل جبريل بعد أن لم يجزع من خيل فرعون فرس واحد، وكان تحت جبريل مهره، وكان تحت فرعون فرس طويل الذنب، فدخل جبريل البحر، فنظر فرس فرعون إلى مهرة جبريل، فاقتحم أثرها البحر، وتبعه أصحابه فغرقوا كلهم، أعني فرعون وجميع أصحابه، وانطبق البحر عليهم، وصار موسى إلى التيه. وجعل بنو إسرائيل يستعجلونه ليدخل إلى الأرض المقدسة، فأوحى االله إلى موسى أا محرمة عليهم أربعين سنة، فأقاموا في التيه، واشتد م العطش، فأوحى االله إلى موسى أن يضرب بعصاه الحجر، فقام موسى مغضبا، فضرب الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين يشربون منها، فأوحى االله إلى موسى أنك ضربت الحجر قبل أن تقدسني، ولم تذكر اسمي، وأنت أيضا ً فلا تخرج من التيه، وأمره أن يبني فيه قبة الزمان، ويجعل فيها الهيكل، ويجعل في الهيكل تابوت السكينة، ويكون هارون كاهن ذلك الهيكل الذي لا يدخله غيره، فجمع غزول نساء بني إسرائيل، فنسجت، وجمع الحلي، وعمل سرادقا طوله مائة ذراع في صدره الهيكل وفي صدر الهيكل تابوت السكينة. وكان عمله ذلك في السنة الثانية من خروجه من مصر، وجعل فيه مائدة من ذهب، وجعل للقبة أجراس ذهب، وكلل القبة بالجوهر، وجعل فيها مجمرة ذهب للدخنة، وجعل فيها منارة ذهب مكللة بالجوهر ،فكان هارون وحده يدخل القبة ويقدس االله، وموسى على الستر، وسائر بني إسرائيل في السرادق. وكانت غمامة تجلل القبة، ولا تبرحها، وأمرهم االله أن يقربوا قربام، وقال لموسى: قل لبني إسرائيل يقربون قربانا سليما ً من العيوب من البقر والغنم، ويجعلون شحم القربان، على المذبح، وينضحون الدم أيضا ً عليه، وما كان من القربان فهو حل لبني هارون خاصة، حرام على غيرهم، ومن أذنب منهم ذنبا ً ،فليقرب قربانا ً الله عند المذبح على قدر ما يجد بقرا ً، أو غنما ً، أو شفنينين، أو فرخي حمام. فأوحى االله عز وجل إلى موسى أن يكتب العشر الآيات في لوحي زمرد، فكتبها على ما أمره االله، وهذه العشر الآيات: قال االله: إني أنا الرب الذي أخرجتك من أرض بيت الرق والعبودية، و لا يكون لك إله آخر دوني، ولا تتخذ تمثالا ً، ولا صنما ً مشبها بي من فوق السماء، ولا تحت الأرض، ولا تسجد لها، ولا تعبدها من أجل أنا الرب الملك القاهر قاضي ديون الآباء عن الأبناء، نقمي على الثلاث والرباع لمبغضي ،وأصنع نعمي لمحبي وحافظ وصيتي إلى ألوف الآلاف من المحبين لي، الحافظين لوصيتي. لا تحلف باسم الرب كاذبا لأن االله لا يزكي من حلف باسمه كاذبا ً. واذكر يوم السبت لتطهره، اعمل ستة أيام، واسع في أعمالك كلها، واليوم السابع سبت الرب إلهك لا تعمل فيه شيئا ً من الأعمال أنت وابنك وابنتك وعبدك و أمتك ونعمك وائمك والساكن في قراك، لأنه في ستة أيام خلق االله السماء و الأرض والنجوم وجميع ما فرع في السماء، فلهذا بارك االله اليوم السابع وطهره. وأكرم أباك وأمك لتطول أيامك في الأرض التي أعطاكها الرب إلهك. ولا تقتل. ولا تزن. ولا تسرق. ولا تشهد على صاحبك شهادة كاذبة. ولا تشته بيت صاحبك ولا زوجة صاحبك، ولا عبده، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئا ً من مال صاحبك. وصعد موسى طور سيناء فأقام أربعين يوما ً، فكتب التوراة، فاستبطأه بنو إسرائيل. فقالوا لهارون: إن موسى قد ذهب، ولا نظنه يرجع، ثم عمدوا إلى حلي نسائهم، فعملوا منها عجلا مجوفا، وكانت الريح تدخله فتخور فيه، فقال االله لموسى: إن بني إسرائيل قد اتخذوا عجلا ً وعبدوه من دوني: فدعني أهلكهم. فدعا لهم موسى، وقال يا رب! احفظ فيهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولا تشمت م أهل مصر. وهبط موسى من الجبل بعد أربعين يوما ً، فلما رأى العجل ورآهم عكوفا ً عليه، اشتد غضبه، فألقى الألواح، فكسرها، وأخذ برأس أخيه هارون، فنظر إلى العجل يخور، فكسره وسحقه، حتى صيره كالتراب، وذرأه في الماء، وقال لبني لاوي: جردوا سيوفكم واقتلوا من قدرتم عليه ممن عبد العجل! فجرد بنو لاوي سيوفهم، وقتلوا في ساعة واحدة خلقا ً عظيما ً، وقال االله لهم: أبيدوا من اتخذ إلها غيري. وأمر االله موسى أن يعد بني إسرائيل، ويجعل على كل سبط رجلا ً خيرا ً، فاضلا ً، وكان عددهم ممن بلغ العشرين سنة، فما فوقها إلى الستين، ممن يحمل السلاح: ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين رجلا ً، وكان عدة إياهم بعد خروجهم من مصر بسنتين، فكان رئيس بني يهوذا نحشون بن عمينذاب ،وعدد من معه من سبطه أربعة وسبعون ألفا ً وستمائة رجل. ورئيس بني يشاجر نثنيل بن صوعر، وعدد من معه أربعة وخمسون ألفا ً وأربعمائة رجل. ورئيس سبط زبلون الياب بن حيلون، وعدد من معه سبعة وخمسون ألفا ً وأربعمائة رجل. ورئيس سبط بني روبيل اليصور بن شذياور، وعدد من معه سبعة وأربعون ألفا ً وخمسمائة رجل. ورأس بني شمعون شلوميال بن صوري شذاي، وعدد من معه تسعة وخمسون ألف رجل وثلاثمائة رجل. ورأس بني كاذ اليسف بن دعوال، وعدد من معه خمسة وأربعون ألفا ً وستمائة وخمسون رجلا ً. ورأس بني إفرائيم اليشمع بن عميهوذ، وعدد من معه أربعون ألفا ً وخمسمائة رجل. ورأس بني منشا جمليال بن فداصور، وعدد من معه اثنان وثلاثون ألفا ً ومائتا رجل. ورأس بني بنيامين أبيذان بن جذعوني ،وعدد من معه خمسة وستون ألفا ً وأربعمائة رجل. ورأس بني دان أخيعازر بن عميشذاي، وعدد من معه اثنان وثلاثون ألفا ً وسبعمائة رجل. ورأس بني آشر فجعيال بن عنحرن، وعدد من معه أحد وأربعون ألفا ً وخمسمائة ورجل. ورأس سبط نفتالي أخيرع بن عينان، وعدد من معه ثلاثة وخمسون ألفا ً وأربعمائة رجل. وكان بنو لاوي خدام قبة الزمان وحرسها، فلم يدخلوا معهم، وكانوا مخصوصين بالكرامة والقدس، وخدمة قبة الزمان والتطهير ،فهذا عدد بني إسرائيل واسم رئيس كل سبط منهم، وما كان معه من سبط على ما في السفر الرابع من التوراة. وأمر االله، سبحانه، موسى أن يقول لرؤساء أسباط بني إسرائيل أن يقرب كل عظيم منهم قربانا ً فكان قربان، كل رجل منهم صحفة فضة من مائة وثلاثين مثقالا ً، ومصفاة فضة من سبعين مثقالا ً، وملء الصحفة سميذ ملتوت بدهن، ومدهن ذهب من عشرة مثاقيل مملوءا ً طيبا ً، وثورا ً، وكبشا ً، وحملا ً حوليا ً ،وحولية من المعزى، وكان الذبح الكامل ثورين وخمسة أكبش وخمسة جداء وخمسة حملان حولية. وأمر االله، عز وجل، موسى أن يقول لبني إسرائيل أن يذبحوا بقرة صفراء مسلمة لا عيب فيها، ثم يأخذ دمها فيرشه على حبال قبة الزمان، ثم يحرقها وجلدها، ثم ليأت رجل آخر، فليجمع الرماد، وليصيره في موضع، فإذا أراد أحد أن يطهر، فليجعل في الماء من ذلك الرماد، فيكون طهورا ً. وأقام موسى وبنو إسرائيل في التيه دهرا ً، وكان طعامهم المن، وكان المن مثل حب الكسبرة يطحنونه بالأرحاء ويجعلونه أرغفة، فيكون طعامهم طيبا ً أطيب من كل شيء، وكان يترل عليهم بالليل، ويجمعونه بالنهار، فضجوا وبكوا، وجعلوا يقولون: من يطعمنا لحما ً؟ أما تذكرون ما كنا نأكل بمصر من النون ،والقثاء، والبطيخ، والكراث، والبصل، والفوم؟ فاشتد غم موسى لذلك، وجعلوا يقولون: أطعمنا لحما ً! فقال موسى: اللهم إني لا أقوى على بني إسرائيل! فأوحى االله إليه أني مطعمكم لحما، فبعث لهم السلوى ،وأعلمهم االله أنه يخرجهم إلى الشام، فبعث موسى إلى الشام بيوشع ابن نون وغيره إلى أرض بني كنعان ليأتوه بخبرها، فقالت بنو إسرائيل: لا طاقة لنا بحرب الجبابرة. وأذن االله لموسى أن ينتقم من أهل مدين، فوجه باثني عشر ألف رجل من بني إسرائيل، فقتلوا جميع أهل مدين، وقتلوا ملوكهم، وكانوا خمسة ملوك، أوى، ورقم، وصور، وحور، وربع، وقتل بلعام بن باعور في الحرب، وكان نبيا ً، فأشار على ملك مدين أن يوجه بالنساء على عسكر بني إسرائيل، حتى يفسدوهم ،فغضب موسى من ذلك، فأمر االله موسى أن يقسم تلك الغنائم بين بني إسرائيل، ويأخذ منهم من كل خمسين واحدا، فيجعله الله يدفعه إلى ولد هارون، ثم أمره االله أن يوجه بني إسرائيل إلى الشام يقاتلون من ا، فوجه جيشا ً عظيما ً، فجعلوا يسيرون قليلا ً قليلا ً، ويترلون، ويقولون: إنا نخاف الجبارين فأقاموا بجبل ساعير، فقال االله تعالى لموسى: إن بني إسرائيل عصوا أمري، فليشتروا الطعام بالثمن، وليخضعوا الآن لمن كان يخضع لهم. وكان ذلك بعد أن قتل موسى سيحون ملك الأموري واستباح أرضه. ولما كان في سنة الأربعين من مقامهم في التيه، وهي برية سينا، أوحى االله إلى موسى: إني قابض هارون إلي، فاصعد به الجبل لتأتي ملائكتي فتقبض روحه! فأخذ موسى بيد هارون أخيه، فلما صعد به الجبل لم يكن معه إلا اليعازر بن هارون، فلما صار على الجبل إذ سرير عليه ثياب، فقال له موسى: البس يا أخي هذه الثياب المطهرة، التي أعدها االله لك، لتلقاه فيها، فلبسها هارون، ثم تمدد على السرير فمات، وصلى عليه موسى. فلما لم ير بنو إسرائيل هارون. ضجوا، وقالوا: أين هارون؟ قال لهم موسى: قبضه االله إليه ،فاضطربوا. وكان هارون محببا ً فيهم، لين الجانب لهم، فرفعه االله لهم على السرير، حتى رأوا وجهه، فعلموا أنه قد مات، وكانت سنو هارون يومئذ مائة وثلاثا ً وعشرين سنة، وكان له من الولد أربعة: نادب، وأليهو ،واليعازر، وإيتمر، وتوفي في حياته نادب، وأليهو، وبقي اليعازر، وإيتمر. وصار اليعازر مكان هارون يقدس في قبة الزمان. ودعا موسى يوشع بن نون. وقال له: بين يدي بني إسرائيل سر، وشد قلبك فإنك تدخل ببني إسرائيل إلى أرض بني كنعان التي ورثهم االله، وهذه التوراة ادفعها إلى كهنة بني لاوي، الذين كانوا يقومون بتابوت السكينة، ووقروا مقام االله. واحفظوا وصاياه، التي بينها لكم في التوراة، وأوصاهم أن يتبعوا ما فيها، وبرك عليهم. وكان مما أوصى االله عز وجل به لبني إسرائيل على لسان موسى أن قال لهم: اذكروا اليوم الذي قمتم فيه قدام االله إذ قال االله لي: اجمع هذا الشعب قدامي، فأسمعهم كلامي ليخشوني أيام حيام، فقمتم في أسفل الجبل، والجبل يتوقد نارا ً إلى قلب السماء، وكلمني االله من جوف النار، فسمعتم الصوت، ولم تروا الشبه، وأوصاكم االله أن تتعلموا العشر الآيات. وأوصاني أن أعلمكم السنن والقضاء، فتعملوا بذلك في الأرض التي تصيرون إليها، فاحتفظوا بأنفسكم ولا تصنعوا أصناما مما يشبه ذكرا، ولا أنثى، ولا شيئا ً مما يدب على الأرض ،ولا مما يكون في البحر، ولا ترفعوا رؤوسكم إلى السماء فتعبدوا النجوم! إن االله قد أقسم لا أدخل الأرض الصالحة، فأنا ميت ذه الأرض، ولست أعبر الأردن، ولكنكم ستعبرون وتصيرون إلى الأرض الصالحة، التي جعلها االله لكم ميراثا ً، فلا تضلوا ميثاق االله ربكم الذي واثقكم به، فتصنعوا الأصنام، ولا تعملوا أعمال السوء قدام إلهكم لو قد صرتم إلى الأرض الصالحة، فتوشكوا، إن عصيتم أن لكوا ،وتفرقوا بين الشعوب، وإن عبدتم ما تعمله أيدي البشر من خشب وحجارة لا يبصرون، وتدعون، فلا يسمع لكم دعاء، إن االله الرحيم بكم يسمع أصواتكم، وإن من سمع من االله مثل الذي سمعتم، ورأى مثل الذي رأيتم، لا ينبغي أن يعصي االله، لقد رأيتم ما صنع االله بأهل مصر، وأنتم تنظرون، فإن االله هو الرب الذي ليس غيره، الذي بصركم ناره، وأسمعكم صوته، وأحب آباءكم فاجتبى خلوفهم، وأهلك لكم قوما ً كانوا أعظم وأشد منكم، وإن االله سيدخلكم الأرض الصالحة، ويجعلها ميراثا ً لكم، فاحفظوا سننه التي أوصاكم ا وأمركم ا ليحسن إليكم وإلى خلفكم من بعدكم، ويكثر أيامكم في الأرض، اقبلوا وصية االله التي أمركم ا لا تزيغوا عنها يمينا ً ولا شمالا ً، واسلكوا كل طريق أوصاكم ا ربكم ليحسن إليكم. أحبوا االله من كل قلوبكم ومن همكم ومالكم، وقصوهن على أولادكم، وأتموها، واتلوها في بيوتكم ، اجعلوها علامة بين أعينكم، واكتبوها في منازلكم، إن االله سيعطيكم قرى عظاما ً لم تبنوها، وبيوتا ً مملوءة من الخير لم تملأوها، وآبارا ً مطوية لم تحفروها، وكروما ً، وزيتونا ً لم تغرسوها، فلا تنسوا االله، واخشوه ،واعبدوه، واحلفوا باسمه، ولا تتبعوا إلها ً آخر. احذروا غضب االله الذي يبيدكم عن وجه الأرض، ولا تخونوا االله، واقبلوا أمره، واعملوا خيرا ً وصدقا ً. اذكروا إذ كنتم عبيدا لفرعون، فأخرجكم االله بيد شديدة، وآيات معجزات عظام ساقت فرعون وأصحابه إلى الهلكة، وأنتم تنظرون. إن االله يقول لكم سأعطيكم البلاد الصالحة وأقدركم على الأمم التي بين أيديكم، وأظفركم بالجبارين ،والجرشيين، والأموريين، والكنعانيين، والفرازيين، والحوبيين، والنابلسيين، هؤلاء السبع الأمم الذين هم أكثر منكم وأشد، فإذا ظفركم االله م، فاضربوهم، وارجموهم، ولا ترحموهم، ولا تعطوهم ميثاقا ً، ولا تنكحوهم بناتكم لكيلا يكونوا لكم عثرة، فيزيغون أولادكم عني، فيعبدون إلها غيري، فيشتد عليكم غضبي، فأبيدكم عاجلا ً، ولكن اكسروا أصنامهم، واعقروا مذابحهم، واهدموا أنساكهم، وأوقدوها! إنكم إن سمعتم وصيتي، وعملتم بقضاياي، فسأحفظ لكم نعمكم والميثاق الذي واثقت آباءكم، وأكثركم ،وأثمر زرعكم وماشيتكم. اجعلوا الله نصيبا ً في أموالكم، فواسوا منه اليتيم، والأرملة، والمسكين، والضعيف، والساكن معكم الذي لا زرع له. إذا قضيتم بين اثنين، فاعدلوا، ولا تأخذوا الرشا، فإن الرشوة تعمي عيون الحكام، ولا تغرسوا شجرة عند مذبح، ولا تذبحوا قربانا فيه عيب من ثور ولا كبش، واقتلوا من يعمل الأصنام التي تعبد من دون االله ،وإذا بلغكم أن أحدا ً يسجد للشمس والقمر والنجوم، أو شيء من الأنوار، فافحصوا عنه، فإذا علمتم صحته، فارجموه بالحجارة حتى يموت. ولا تقبلوا في الأحكام الموجبة للقتل شهادة واحد، ولكن شهادة شاهدين، أو ثلاثة، وإذا شهد الشهود على من يجب عليه القتل، فليبد الشهود فليبسطوا أيديهم إلى الذي يقتل، فإذا أشكل عليكم الحكم، فارجعوا إلى الأحبار والكهان. ومن قتل رجلا خطأ، ولم يرده، فليفر من ولي الدم حتى لا يدركه. ولا تسفكوا دم بريء، أيما رجل قتل رجلا ً بريئا ً تعمدا ً، فليقتل، ولا تقتلوا أحدا ً حتى تقوم عليه شهادة عند الحبر، والقاضي، فإن وقف القاضي على أن أحدا شهد بزور فعل بالشاهد ما أراد أن يفعله بالمشهود عليه، والنفس بالنفس، والعين بالعين ،واليد باليد ،والرجل بالرجل. وإذا أردتم قتال قوم فأتيتم قريتهم، فأدعوهم إلى السلم، فإن أجابوكم، فاجعلوا عليهم ضريبة، فإن لم يسلموا قتلتم كل من يحمل السلاح، و لا تفسدوا شجرها. وقال االله عز وجل لموسى: إذا خرجت لقتال عدوك، فأمكنك االله منهم، فرأيت في السبي امرأة، وأحببت أن تتخذها لنفسك، فأدخلها إلى بيتك، واكشف عن رأسها، وقص أظفارها، وانزع عنها ثياا التي سبيت فيها، وأقعدها في بيتك ثلاثة أشهر تبكي على أبيها وأمها، ثم استحلها، فإن كرهتها بعد أن تمسها ،فأخرجها، ولا تبعها، ولا تأخذ لها ثمنا بعد أن وقعت عليها. وأيما ابن عصى أباه، ولم يطعه، ولم يقبل أمره، فليخرجه أبوه إلى شيوخ سبعة، فيرجموه حتى يذهب الشر والفظيعة منكم، ويحذر أمثاله من بني إسرائيل. وإذا وجد أحد منكم ضالة قد ضلت من صاحبها من نعجة، أو ثور، أو حمار، فليردها على صاحبها، فإن لم يجده، فليحبسها في بيته حتى يحضر صاحبها. ولا تلبسوا ثوبا ً منسوجا ً بقطن وصوف جميعا ً، واصنعوا خيوطا ً في أطراف أكسيتكم. وأيما رجل قذف امرأته ورماها بفجور، فلم يصح عليها، فليغرم مائة درهم، وتكون امرأته آخر الدهر ،وإن كان ما قذفها به حقا ً، فلترجم، وأيما رجل وجد يزني بامرأة لها زوج فليقتلا كلاهما. وأيما رجل غلب امرأة على نفسها، فليقتل الرجل، وأي رجل وقع على جارية تكون في حجر أبيها ،فافتضها، وأحبها، فليعط أباها خمسين مثقالا ً فضة، ولتكن امرأته آخر الدهر، ولا يخل سبيلها. ولا يحل لرجل أن يمس امرأة قد مسها أبوه، ولا ينظر إلى عورا، ولا يدخل الرجل الجنب مسجدا ً من مساجد االله ولا تأكلوا ربا لفضة، ولا ذهب، وإذا نذرتم نذرا ً، فلا تؤخروا قضاءه، وأوفوا بالعهد، إذا عاهدتم، ولا تنقضوا العهد، فإن االله يحب من وفى بعهده. اعتزلوا من كان به برص، وتباعدوا منه، ولا تحبسوا أجر الأجير، ولا تأخذوا أبا بذنب ابنه، ولا ابنا بذنب أبيه، وأدوا زكاة أموالكم وثمراتكم إلى الحبر قربانا ً، وأعطوا الفقراء، والأرامل، واليتامى ،والمساكين، وبني السبيل. وإذا دخلتم الأرض الصالحة، فاعملوا مذبحا ً للقدس من حجارة مستوية، فليقل أحبار بني إسرائيل: ملعون من يضل الأعمى عن الطريق. ملعون من يحيف في القضاء على المساكين، واليتيم، والأرملة. ملعون من يضاجع امرأة أبيه. ملعون من يضاجع دابة. ملعون من يضاجع أخته وأمه. ملعون من يضاجع أم امرأته. ملعون من يأكل لحم أخيه سرا ً. ملعون من يأخذ رشوة في قتل نفس زكية ظلما ً. ملعون كل من لم يعمل بوصية االله. ثم قال لهم موسى: قد بلغتكم وصايا االله، وعرفتكم أمره، فاتبعوا ذلك، واعملوا به، فقد أتت لي مائة وعشرون سنة، وقد حانت وفاتي، وهذا يوشع ابن نون القيم فيكم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا أمره، فإنه يقضي بينكم بالحق، وملعون من خالفه وعصاه. وكانت بين وفاة هارون إلى أن حضرت موسى الوفاة سبعة أشهر، ثم صعد موسى إلى جبل نابون، فنظر إلى الشام، وقال االله له: هذه الأرض التي ضمنت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب أن أعطيها خلفهم، و قد أريتكها بعينك، ولكنك لن تدخلها! فمات موسى في ذلك الموضع، فقبره يوشع بن نون، ولم يدر أين قبره. أنبياء بني إسرائيل وملوكهم بعد موسى وكان موسى لما حضرته وفاته أمره االله، عز وجل، أن يدخل يوشع بن نون، وكان يوشع بن نون من شعب يوسف بن يعقوب، إلى قبة الزمان، فيقدس عليه، ويضع يده على جسده لتتحول فيه بركته ،ويوصيه أن يقوم بعده في بني إسرائيل، ففعل موسى ذلك، فلما مات موسى قام يوشع بعده في بني إسرائيل، ثم خرج من التيه بعد وفاة موسى بيوم، وقال بعض أهل الكتاب: ثلاثين يوما ً، وصار إلى الشام ،و فيها الجبابرة، ولد عمليق بن لاود بن سام بن نوح، وكان أول من ملك منهم السميدع بن هوبر ، فصار من أرض امة إلى الشام يريد غزو بني إسرائيل، فوجه إليه يوشع بن نون من قتله، ثم قام بعده من بني أبيه جماعة، فقتلهم يوشع. وسار يوشع حتى انتهى إلى البلقاء، فلقي رجلا يقال له بالق، وبه سميت البلقاء، فجعلوا يخرجون يقاتلونه ،فلا يقتل منهم رجلا واحدا، فسأل عن ذلك: فقيل له: إن في مدينته امرأة منجمة تستقبل الشمس بفرجها: ثم تحسب ،فإذا فرغت عرضت عليها الحيل، فلا يخرج يومئذ من حضر أجله، فصلى يوشع ركعتين، ثم دعا أن يؤخر االله الشمس ساعة، فأخرت له ساعة، فاختلط عليها حساا، فقالت لبالق: انظر ما كانوا يسألونك، فأعطهم، فإن حسابي قد اختلط على! قال: تصفحي آلتك، واخرجي منها، فإنه لا يكون صلح إلا بقتال! فتصفحت الحيل على غير علم منها لاختلاط الأمر عليها، فقتلوا قتلة لم يقتلها قوم، فسألوا يوشع الصلح، فأبى عليهم، حتى يدفعوا إليه المرأة، فقال بالق: لا أدفعها! فقالت: ادفعني إليه! فدفعها إليه، وصالح، فقالت له: هل تجد فيما أنزل على صاحبك قتل النساء؟ قال لا! قالت: فإني قد دخلت في دينك. قال: فاسكني في مدينة أخرى فأنزلها مدينة أخرى. ولما افتتح يوشع بن نون البلقاء أكثر بنو إسرائيل الزنا، وشرب الخمور، ووقعوا على النساء، وكثرت فيهم الفاحشة، فعظم ذلك على يوشع بن نون وخوفهم االله، وحذرهم سطوته، فلم يحذروا، فأوحى االله ،عز وجل، إلى يوشع بن نون: إن شئت سلطت عليهم عدوهم، وإن شئت أهلكتهم بالسنين، وإن شئت بموت حثيث عجلان. فقال: هم بنو إسرائيل، ولا أحب أن تسلط عليهم عدوهم، ولا يهلكوا بالسنين ،ولكن بموت حثيث. فوقع فيهم الطاعون فمات في وقت واحد سبعون ألفا ً. وكانت أيام يوشع في بني إسرائيل، بعد موسى بن عمران، سبعا ً وعشرين سنة. ثم كان على بني إسرائيل بعد يوشع بن نون دوشان الكفري، فلبث فيهم ثماني سنين، ثم كان بعد دوشان عثنايل بن قتر، أخي كالب، من سبط يهوذا ابن يعقوب، أربعين سنة، وقد كان كثر ظلم بني إسرائيل وعتوهم، فسلط االله عليهم كوشان جبار مؤاب، فلما ملك عثنايل قتل كوش، وملك أربعين سنة. ثم ارتدت بنو إسرائيل إلى الكفر، فسلط االله عليهم عقلون ملك مؤاب، خمس عشرة سنة، ثم تابوا، فبعث االله لهم رجلا يقال له أهود بن جيرا، من سبط إفرائيم، فقتل عقلون ملك مؤاب، وكان يقاتل بشماله ويمينه، فسموه ذا اليمينين، وهو أول من طبع السيوف ذوات الحدين، وكانت قبله ذوات أقفية، وفي زمانه بنيت البنية بالشام، وفي خمس وعشرين سنة من ملك أهود تم الألف الرابع. ثم ارتدت بنو إسرائيل بعد أهود، فسلط االله عليهم يابين ملك كنعان، عشرين سنة، وكان سمحر بن عانات قد ملك على بني إسرائيل قبل، فقتل من أهل فلسطين ستمائة رجل، ثم إن االله رحمهم، فبعث إليهم رجلا ً يقال له بارق بن أبينعم، من سبط نفتالي، فملكهم أربعين سنة. ثم ارتدت بنو إسرائيل إلى الكفر، فسلط االله عليهم أهل مدين سبع سنين، ثم إن االله تعالى رحمهم، فبعث إليهم رجلا يقال له جدعان بن يواس، من سبط منشى، وكان صالحا ً، وهو الذي بيت أهل مدين، فقتل منهم مائتي ألف وخمسة وثمانين ألفا ً، وملكهم أربعين سنة، ثم ملك بعده ابنه ابيملك بن جدعون، وكان ابن سوء، وهو الذي قتل سبعين أخا كانوا له، فقتلته امرأة، ورمته بحجر من فوق باب المدينة، فشدخته ،وكان ملكه ثلاث سنين. ثم ملك تالع بن فواي، من سبط يشاجر، فأقام ثلاثا ً وعشرين سنة، ثم ملك جلعاد من سبط منشى ،وكان له ثلاثون ابنا ً يركبون معه على ثلاثين مهرا ً، وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة، ثم ارتدت بنو إسرائيل إلى الكفر، فسلط االله عليهم بني عمون، سبع عشرة سنة، وفي زمانه بنيت مدينة صور بالشام ،وسامهم سوء العذاب. ثم إن االله تعالى رحمهم، فبعث لهم رجلا ً من أهل جلعاد اسمه يفتح، فقتل من بني إسرائيل من آل إفرائيم اثنين وأربعين ألفا ً، وكان من سبط منشى، وكان ملكه ست سنين، ثم كان عليهم أبيصان الذي يدعى نخشون، سبع سنين، ثم كان عليهم إيلان، من سبط زبولون، عشرين سنة، ثم كان عليهم عكران ثماني سنين، ثم كان عليهم الانكساس، فسامهم سوء العذاب، وسلط عليهم أشد التسليط، أربعين سنة، ثم كان عليهم شمسون عشرين سنة، ثم لبثوا ليس عليهم أحد اثنتي عشرة سنة، ثم كان عليهم عالي الأحباري أربعين سنة. ثم كان عليهم شمويل النبي، وهو الذي ذكره االله تعالى إذ قالوا لنبي لهم: ابعث لنا ملكا ً نقاتل في سبيل االله ،فلما قالوا لشمويل النبي: سل االله أن يبعث لنا ملكا ً حتى يقاتل عدوه، وقال: إنه لا وفاء لكم، ولا صدق نية، وقالوا: بلى! قال: فإن االله قد بعث لكم طالوت ملكا ً، واسمه شاول، قالوا: واالله ما هو من سبط الملك والنبوة، ما هو من ولد لاوي، ولا يهوذا، وإنما هو من سبط بنيامين. قال شمويل: فليس لكم أن تختاروا على االله، فدعا شمويل شاول، وهو طالوت، فقال له: إن الرب أمرني أن أبعثك ملكا ً على بني إسرائيل، واالله يأمرك أن تنتقم من عمليق، فأهلك عمليق وكل ما له، ولا تبق له شيئا ً من رجل، ولا امرأة، ولا صبي رضيع، ولا عجل، ولا شاة، ولا بعير، ولا حمار. وأوصى الجماعة كلها ذا، وكان عددهم أربعمائة ألف مقاتل، فأقبل شاول إلى عمليق، فقتل أصحاب عمليق، وأسر أغاغ ملك العمالقة، فأخذه حيا، فاستبقاه، وامتنعوا من إتلاف شيء من البقر، والغنم ،وأبقوا لأنفسهم، فأوحى االله تعالى إلى شمويل: أن شاول عصاني، ولم يهلك عمليق، وكل ما حواه ملكه. فقال شمويل لشاول: إن االله قد غضب من فعلك! فدعا شاول باغاغ، فقال: ما أمر الموت؟ قال: الذبح! فذبحه، ثم قال شاول لشمويل: امض معي لنسجد بين يدي االله تعالى، فامتنع، فأمسك رداء شمويل فخرقه، فقال شمويل: كذا ينخرق ملكك. وارتفعت النصرة عن شاول، ودخلته ريح سوء، وكان يضطرب، ويتغير لونه، فقال له أصحابه: لو أتيت بإنسان حسن الصوت، من الشعارير، يقرأ عليك، إذا دخلتك هذه الريح السوء! فأرسل إلى إيشا: ابعث إلى داود ابنك، فبعث به إليه، فكان إذا خنق شاول أخذ داود قيثارة بيده، وتكلم عليها، فيذهب عنه الريح السوء. ثم اجتمع الحنفاء الذين كانوا في وقت شاول، فقاتلهم، وهم عبدة النجوم، وخرج إليهم شاول في جموعه، فخرج منهم رجل طوله خمس أذرع يقال له غلياث، وهو جالوت، فقال: يبرز لي منكم رجل واحد، فقال داود لشاول: أنا أبرز إليه! فقال لداود: انطلق، والرب يكون معك! فأخذ عصا وخمسة أحجار، وخرج إلى غلياث، فلما رآه احتقره، فقال له: إلى كلب خرجت بعصا وحجر؟ فقال له: إلى أشد من الكلب، ثم أخذ حجرا ً من مخلاته ورماه به حتى غاب الحجر في جبهة جالوت، وسقط ،فسعى إليه داود، فأخذ سيفه، وحز رأسه، وأخذ راجعا ً، فازم عسكر غلياث، واشتد سرور بني يهوذا ،فاغتم شاول وحسد داود، فطرده عنه، وصيره رئيسا على ألف، ونفاه بمكان بني يهوذا، وتزوج ميخل بنت شاول. وكان شاول يريد قتل داود، فكان يوجهه يقاتل الحنفاء عبدة النجوم، فيفتح االله عليه، فهم أن يقتله بغير حيلة، فهرب داود، فجاء إلى شمويل النبي، فخبره بخبر شاول، ولم يزل شاول يحاول قتل داود حتى هرب ،فمر باخيش ملك جات، فلما رآه عرفه، فتحيل عليه داود حتى أطلقه، فصار إلى سارع، فترلها. ولما علم شاول أنه قد فاته قتل الكهنة الذين كانوا يقدسون، وقال: قد علمتم به ولم تخبروني، ثم خرج شاول في طلب داود، حتى أدركه، فدخل داود مغارة، فلما صار شاول عند المغارة نزل لحاجته، فدخل المغارة ،وهو لا يعلم أن داود فيها، فقام داود، فتوارى، فقال له أصحابه: يا داود أقتله! فقد أمكنك االله منه. قال: ما كنت لأفعل. وتوفي شمويل النبي، فاجتمعت بنو إسرائيل، وأعظموا ذلك، وناحوا عليه ثلاثين يوما ً. وخرج شاول يقاتل الحنفاء، والتحم القتال بينهم، فهزموا بني إسرائيل، وقتل منهم خلق عظيم، وكان داود بن إيشا يقاتل العماليق مع قومه من ولد يهوذا، فلما ازم عن شاول جميع بني إسرائيل، قام هو وولده يحارب، ثم قال لصاحبه الذي يحمل سلاحه: خذ سيفك فاقتلني به لئلا يقتلني هؤلاء القلف، و يلعبوا بي، فلم يفعل، فأخذ شاول سيفه، فأقامه، ثم ألقى نفسه عليه، فمات، وقتل أولاده الثلاثة، وكان ملك شاول أربعين سنة. داود

ولما مات شاول، وهو طالوت، انصرف داود من قتال عمليق إلى سقلاغ، فأقام ا يومين، ثم أتاه الخبر بموت شاول، فحزن لذلك، وأظهر جزعا ً، وملك داود على بني يهوذا، وكان لداود عدة نسوة قد ولدن منه أولادا ً، فكان أكبر أولاده: أمنون، وأمه شيتموم، والثاني دالويا بن إربيخايل، والثالث أباشلوم بن موخا، والرابع أرنيا بن دحات، والخامس سفاطيا بن ابيطال، والسادس ناتان بن اغلا، فهؤلاء الستة من ست نسوة، و لم تلد ميخل بنت شاول، فهربت من داود إلى أصحاب شاول. واجتمعت بنو إسرائيل من الأسباط على تمليك داود، فملكوه بعد سبع سنين ملكها على بني يهوذا خاصة، إلى أن ملكته جميع أسباط بني إسرائيل. ونزل داود مدينة صيون، وهي بيت المقدس، وبنى ا مترلا ً، وتزوج النساء، فولد له بعد أن ملك: سمون، وسوباب، ونوتان، وسلامان، ويابار، واليشوس ،ونافاق، ويافيا، واليشماس، والسنايا، واليفلات، فكثر أولاد داود، وعز ملكه، وأعظمته بنو إسرائيل. وسمع الحنفاء أن داود قد ملك على بني إسرائيل، واجتمعوا لقتاله، فقاتلهم داود، فقتل فيهم قتلا كثيرا ً ، حتى أبادهم، فلما فرغ من قتالهم حمل تابوت السكينة على عجل، حتى أدخله مدينة بيت المقدس، وصنع طعاما ً لبني إسرائيل، لرجالهم ونسائهم. وكان في ذلك العصر ناتان النبي، فأوحى االله إلى ناتان: قل لعبدي داود: ابن لي بيتا ً، فقد ملكتك على بني إسرائيل، بعد أن كنت في صيرة الغنم، و قتلت أعداءك، فقال ناتان النبي لداود، فعظم في قلب داود ،ويقال: إن ناتان كان ابن داود. وقاتل داود الحنفاء فهزمهم، وقاتل أهل مؤاب وهزمهم، وقاتل اددازار ملك سوبا فهزمه، وأخذ له ألف مركب وسبعة آلاف من الخيل. واجتمع أهل الشام ودمشق مع اددازار ليقاتلوا داود، فقتل منهم اثنين وعشرين ألفا، واستحوذ على الأرض، فكان أهل الشأم جميعا ً عبيدا ً له، ثم اجتمعوا جميعا ً على محاربة داود، فوجه إليهم يؤاب ابن أخته ،وابيشا أخاه، ثم خرج داود حتى عبر ر الأردن، فقتل من القوم أربعين ألفا ً، وقتل أشان رأس القوم ثم وجه يؤاب ابن أخته لقتال بني عمون إلى أسافل الشأم، ورجع إلى بيت المقدس، فقام يمشي على سطح له إذ نظر إلى برسبا بنت إليات، امرأة أوريا بن حنان الشطي، فسأل عنها، فأخبر بحالها، وأا امرأة أوريا بن حنان، فوقعت في قلبه، فأرسل إلى أوريا بن حنان، فأقدمه عليه، ثم كتب إلى يؤاب ابن أخته أن قدم أوريا أمام الخيل يحارب، فقدمه يؤاب، فقاتل، فقتل. وأرسل داود إلى امرأته، فتزوجها وأحبلها، فأرسل االله إليه الملكين، على ما قص في كتابه جل وعز ،وأرسل إليه ناتان النبي فقال له، يا داود، ألم يأمرك االله أن تعدل في القضاء، وتحكم بالحق، ولا تتبع الهوى؟ قال: بلى! قال: فهذان رجلان يسكنان مدينة واحدة أحدهما غني والآخر فقير، وكان للغني مواش وبقر كثيرة، ولم يكن للفقير شيء إلا رخلة واحدة صغيرة رباها، فشبت معه ومع أولاده، فكانت تأكل من طعامه، وتشرب من كأسه، وتنام في حجره. ونزل بالغني ضيف، فلم يأخذ من بقره وغنمه شيئا ً ،وأخذ رخلة الفقير، فهيأها لضيفه، فغضب داود، وقال: أهل أن يموت، ويغرم بتلك الرخلة سبعة أضعاف. فقال ناتان النبي لداود: أنت الرجل الذي فعلت هذا! إن الرب إلهك يقول لك: أنا الذي جعلتك ملكا ً على بني إسرائيل، بعد أن كنت راعي غنم، وأنقذتك من يدي شاول، وأعطيتك بيت إسرائيل، وبيت يهوذا، ففعلت هذا، فلأنتقمن منك بشر ولدك، ولأسلطنه عليك وعلى نسائك! فعظم ذلك على داود، فقال له ناتان: إن االله قد تجاوز عن سبيلك، فلن تموت، ولكنه ينتقم منك بشر بنيك ،وأعلمه االله أن ولده الذي ولدته المرأة يموت، فجزع داود، واشتد جزعه، واشتكى الصبي، فلما اشتدت علته صام وقام ليصلي ويبكي، ويتمرغ بالشعر على الأرض، فلما توفي الصبي أعظم خول داود أن يخبروه بذلك، حتى سمع بوشوشتهم، فعلم، فغسل وجهه، ولبس ثيابه، وجلس في مجلسه، ودعا بطعامه، وقال: إنما كنت أحزن قبل أن يهلك: فأما الساعة، فإن حزني لا يرده إلي بل أنا أذهب إليه. ثم واقع برسبا ،فحملت غلاما ً، فسماه سليمان. ثم إن أبيشالوم بن داود قتل أخاه أمنون، وذلك أنه امه بأخت له من أمه، فقتله، وخرج على داود ،وكان أبيشالوم عظيم الجسم، كثير الشعر، فبعث إليه داود من رده حتى رجع، ثم خرج عليه ثانية، فهرب منه داود ماشيا ً على رجليه، حتى صعد عقبة طور سينا، وبلغ منه الجوع حتى لحقه رجل معه خبز وزيت ،فأكل منه، ودخل أبيشالوم مدينة أبيه، وصار إلى داره وأخذ سراري أبيه، فوطئهن، وقال: ملكني االله على بني إسرائيل، وخرج ومعه اثنا عشر ألفا ً، فطلب داود ليقتله، فهرب داود حتى جاز ر الأردن، فلما جاز اجتمع إليه جماعة من أصحابه ولفيف من القرى، فوجه يؤاب ولده ليحارب أبيشالوم، وقال له: خذه لي حيا ً صحيحا ً! فخرجوا، وحاربوه، وكان أبيشالوم على بغل، فدخل تحت شجرة بطم، فتعلق ا، فاندقت عنقه، ورماه يؤاب بثلاثة أسهم، وطرحه في جب، فلما أتى داود الخبر جزع عليه جزعا ً شديدا ً، ورجع داود إلى موضعه. وخرج على داود بعد ذلك أزلا، ومعه جبابرة، فحارم، فقتلهم، فلما قتلهم، وأنقذه االله منهم، قام يقدس االله ويسبحه، فقال في تقديسه: إياك يا رب أعبد، ولك أخلص محبتي، فإنك قوتي وعدتي، وملجأي و مخلصي، بعد أن أحاطت بي سكرات الموت، وقربت مني، واحتوت على أحداث الهلكة، فدعوتك في ضيقي واستعنت بك يا إلهي، فسمعت صوتي فاستنقذتني من الذين اعتوروني واضطهدوني، وكنت ناصري، فأخرجتني من الضيق إلى الفرج، فما أعدلك يا رب، وأنصرك للمتوكلين عليك، لأنه لا رب غيرك، فألهمني القوة، وبصرني طريق الرشد، وثبت قدمي بين يديك، وشدد ساعدي، ولا تقدر على أعدائي، وهب لي طاعة بني إسرائيل، وصيرهم خولا ً خاضعين، وألهمني شكرك. وكان داود إذا سبح االله ذا الكلام رفع صوتا ً حسنا ً لم يسمع مثله، وكان إذا قرأ الزبور قال: طوبى لرجل في سبيل الأثمة لم يسلك، وفي مجالس المستهزئين لم يجلس، ولكن هواه سنة االله، وبسننه تعلم الليل والنهار، يكون كشجرة غرست على شط الماء، تؤتي أكلها كل حين، ولا يتناثر ورقها، وليس كذلك المنافقون في القضاء، ولا الخاطئون في مجمع الأبرار، من أجل أن االله يعلم سبيل الأبرار وسبيل الأئمة يبطل. ثم يقول: سبح الله من في السماء، وليسبحه من في العلى، ولتسبحه ملائكته كلها، ولتسبحه جنوده كلها ،ولتسبح له الشمس والقمر، ولتسبح له الكواكب والنور، وليسبح لاسم ربنا الماء الذي فوق السماء ،وذلك بأنه قال لكل شيء: كن فكان، وهو خلق كل شيء وبرأه، وجعلهن دائمات الأبد، وقدر كل شيء منهن تقديرا ً، وجعل لهن حدا ً ومنتهى لا يجاوزنه، فليسبح االله من في الأرض، والنار، والبرد، والثلج، والجليد، فإنه خلق الريح العاصف بكلمته. سبحوا االله تسبيحا ً حديثا ً في مسجد الصديقين، وليفرح إسرائيل بخالقه، وأن بني صيون يكبرون ربكم ، ويسبحون اسمه بالدف، والطبل، والكبر، يكبرونه من أجل أن يسر االله بشريعته، ويعطي المساكين النصر ،ليشيد الصديقون بالكرامة، ويسبحون على أسرم، ويكبرون االله على حناجرهم، وسيف ذو شفيرتين بأيديهم، لينتصروا على الشعوب ويتعظ الأمم فيوثقوا ملوكهم في القيود، وذوي الكرامة بسلاسل من حديد، ليفعل م القضاء الذي كتب، والحمد الله لكل الصديقين. سبحوه في مقدسة، سبحوه في سماء عزته، سبحوه بحوله وقوته، سبحوه بعظمته، سبحوه بصوت العزف ،سبحوه بالقيتار والكبر، سبحوه بالبرابط والزمر، سبحوه بالأوتار والكبر الطويل الخليلات، سبحوه في صلاصل السمع، سبحوه بالأصوات العلى والنداء، سبحوا ربنا تسبيحا ً خالصا ً، كل نفس بنفس. ثم يقول داود في آخر الزبور: إني كنت آخر إخوتي وعبد بيت أبي، وكنت راعي غنم أبي، ويدي تعمل الكبر ،وأصابعي تقص المزامير، فمن ذا الذي حدث ربي عني؟ هو ربي، وهو الذي سمع مني وأرسل إلى ملائكته فأنزعني من غنم إخوتي، هم أكبر مني وأحسن، فلم يرضهم ربي، فبعثني للقاء جنود جالوت، فلما رأيته يعبد أصنامه أعطاني النصر عليه، فأخذت سيفه، فقطعت رأسه. ثم إن بني إسرائيل وقعوا في داود، فاشتد غضب االله عليهم، فأمر االله داود أن يحصي عدد بني إسرائيل ،فأحصاهم، فوجدهم ثماني مائة ألف رجل بطل، وعدد بني يهوذا خمسمائة ألف رجل، فبعث االله حيرام النبي إلى داود، وقال له: قل لداود اختر واحدة من ثلاث: إما أن يكون جوع سبع سنين، وإما أن تدفع إلى أعدائك فيعزونك ثلاثة أشهر، ويطرحونك من سلطانك، وإما أن يكون موت شديد ثلاثة أيام؟ فضاق داود لذلك، وقال: ربنا أولى بنا من خلقه! فسلط االله عليهم الموت، فمات في ساعة واحدة سبعون ألف رجل، فقال داود: يا رب! إني أنا أسأت، فما ذنب هؤلاء الذين يشبهون البهائم؟ فأوحى االله إليه: أن ابن لي هيكلا ً في بيدر اليبوساني، فصعد داود الجبل، حتى اشترى البيدر بخمسين أستارا ً، وابتنى هناك مذبحا، فكف الموت عن بني إسرائيل. وكان داود قد أسن وضعف بدنه، وكان له ابن يقال له أدونياس، فاستمال يؤاب صاحب حروب داود وقوما ً من قواد داود، وقال لهم: قد كبر الملك داود، وأنا أولى أن أقوم مقامه، فلما بلغ داود ذلك أرسل إلى سادوق الكاهن وناتان النبي، وقال لهم: أجمعوا أهل المملكة، واحملوا سليمان ابني على بغلتي ، وأجلسوه على منبري، فقد جعله االله رأسا ً على بني إسرائيل، واالله يعظم ملكه، ويرفع شأنه! فمضوا مع سليمان حتى علا منبر داود، واجتمع عليه أهل المملكة، فقال داود: هكذا أعلمني االله أن يملك سليمان ابني، وعيناي تنظران إليه، وكان سليمان يومئذ ابن اثنتي عشرة سنة. ثم اشتدت على داود علته، فأوصى سليمان، وقال: أنا ماض في سبيل كل أهل الأرض، لا ثمان، فاعمل بوصايا الرب إلهك، واحفظ مواثيقه وعهوده ووصاياه التي في التوراة المترلة على موسى بن عمران، ومات داود وله مائة وعشرون سنة، وكان ملكه أربعين سنة. سليمان بن داود ولما قبض االله، عز وجل، داود قام مكانه سليمان نبيا ً، وملكا ً، فسخر االله له الجن والإنس، والرياح والسحاب، والطير والسباع، وآتاه ملكا ً عظيما ً، كما قص في كتابه العزيز. ومال يؤاب صاحب حروب داود، وقوم من أصحابه، مع أخوه سليمان، ليفسدوا على سليمان ملكه ،فقتلهم سليمان من عند آخرهم، وقتل أدونياس أخاه، فصلح الملك لسليمان، وثبت سلطانه، وتزوج بنت فرعون ملك مصر، ودخل ا في بيت داود. وجمع سليمان بني إسرائيل ليقرب قربانا، فقرب ألف ذبيحة، فرأى سليمان في ليلة كان الرب يقول له: سل ما أحببت لأعطيك! فقال سليمان: أنت يا رب أنعمت على داود النعمة العظيمة. وصيرت عبدك سليمان ملكا بعده، فأعطني قلبا ً حكيما ً لأحكم بين عبادك بالعدل، وأفهم الخير والشر. فقال االله: لأنك طلبت هذا الأمر، ولم تطلب مالا ً، ولم تطلب أنفس أعدائك، ولم تطلب طول العمر لكنك طلبت حكمه تفهم ا الحكم والقضاء. فقد استجبت لك، وأعطيتك قلبا ً فهيما ً، بصيرا ً إلى الأمر الذي لم يكن لأحد قبلك، ولا يكون بعدك مثلك، وأعطيتك ما لم تطلب من الأموال، والعتاق، والكرامة، وأنت إن سلكت في طريقي، وحفظت شرائعي ووصاياي، كما حفظ داود أبوك، أطيل عمرك، وأعظم أمرك. فكان سليمان يجلس للقضاء، ويحكم بين بني إسرائيل، فيعجبون لحكمه، وعدل قضائه، وقوله، وحسن لفظه ،وكان لسليمان قواد، ووزراء، وكتاب، ووكلاء، فكان وزيره زابود بن ناتان، وعلى حروبه بنايا بن بويادع، وخازنه أبيشار، وعلى الخراج أدونيرام بن عبدا، و كان له اثنا عشر وكيلا ً على نفقاته يقوم كل وكيل بنفقة شهر، وكانت نفقاته على أسباط بني إسرائيل، وكانت وظيفته كل يوم ثلاثين كرا ً من الدقيق السميذ، وستين كرا ً من دقيق الخشكار، وعشرة ثيران معلوفة، وعشرين ثورا، ومائة كبش، وكان له أربعون ألف أرى معلق عليها دوابه، وكان معجبا بالخيل، وقد قص االله من خبره فيها ما قص. وابتدأ سليمان في بناء بيت المقدس، وقال: إن االله أمر أبي داود أن يبني بيتا ً، وإن داود شغل بالحروب ،فأوحى االله إليه أن ابنك سليمان يبني البيت باسمي، فأرسل سليمان في حمل خشب الصنوبر وخشب السرو، ثم بنى بيت المقدس بالحجارة، فأحكمه، ولبسه الخشب من داخل، وجعل الخشب منقوشا ً، وجعل له هيكلا ً مذهبا ً، وفيه آلة الذهب، ثم أصعد تابوت السكينة، فجعله في الهيكل، وكان في التابوت اللوحان اللذان وضعهما موسى. ولما وضع سليمان تابوت السكينة قام بين يدي الهيكل، وقد اجتمعت جموع بني إسرائيل، فسبح االله وقدسه، وأثنى عليه بآلائه إذ ملكه على بني إسرائيل، وأجرى بناء بيت المقدس على يده، وكان يجتمع إليه بنو إسرائيل، ويقول: تبارك وتعالى الرب الذي وهب الراحة لإسرائيل، وتمت كلماته الصالحة، فلم يسقط شيء منها مما قاله لعبده موسى، ونسأل االله ربنا أن يكون معنا كما كان مع آبائنا، ولا يرفضنا، ولا يخذلنا، بل يقبل بقلوبنا إليه لنسلك الطريق التي يرضاها، ونحفظ سننه، وعهوده، ووصاياه، وأحكامه التي أمر آباءنا ا، ويجعل قولنا قريبا ً منه، ورضيا عنده، وقلوبنا سالمة له، حافظة لأمره. ولما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس عمل عيدا ً، وقرب فيه الذبائح فأقام أربعة عشر يوما يفعل ذلك ، وقد جمع إليه بني إسرائيل، فإذا فرغ من إطعامهم قام، فقدس االله، وسبحه، فلما فرغ أوحى االله إليه: أني قد سمعت صلاتك، ورأيت قربانك، فإن دمت على طاعتي وصلت لك ملكك ولولدك بعدك، فقدست هذا البيت آخر الدهر، وإن حدتم عن أمري، أو نقض أحد منكم عهودي سلبته ملكه، وخربت هذا البيت إلى آخر الأبد. وقدمت بلقيس ملكة سبإ على سليمان، وكان من أمرها ما قد قصة االله في كتابه العزيز، ولما قدمت عليه جاءته بجمال موقرة ذهبا وعنبرا، وقالت له، لقد بلغني من أمرك ما لم أصدق به حتى رأيته، ثم انصرفت إلى بلدها. وكان سليمان معجبا ً بالنساء، فتزوج، فيما يقال، سبعمائة امرأة، فيهن بنت فرعون ملك مصر، وعدة من نساء بني عمون، وعدة من نساء أهل مؤاب جبابرة الشام، ومن أدوم، ومن الجثانيين، وهم الصيدانيون، ومن الشعوب التي قد كان االله ى عن مخالطتهم، وكان له سبعمائة، واتخذت امرأة من نساء سليمان تمثالا ً على صورة أبيها، فلما رأى ذلك غيرها من نسائه فعلن كفعلها، فعاتب االله سليمان، وقال له: تعبد الأصنام في بيتك، ولا تغضبك، لأسلبنك ملكك، ولأنزعن العز من يدك، ولأفرقن الأسباط من ولدك، ولكني أحفظ أباك داود فيك، فلا أسلبك الملك بقية عمرك، ولا أسلب جميع الأسباط، ولكني أدع في يدك سبطين لئلا يذهب ذكرك. وإن سليمان لجالس على كرسيه المعمول من الذهب، المكلل بالجوهر، إذ انتزع خاتمه من يده، فأخذه شيطان، من الشياطين فوضعه في يده، ونحي سليمان عن كرسيه، وجلس عليه الشيطان، ونزع ثياب سليمان ولبسها، فمر سليمان على وجهه وعليه جبة صوف، وفي يده قصبة، فكان يستطعم، ويقول: أنا ملك بني إسرائيل، سلبني االله ملكي، فيسخر منه من يسمعه، وينكرون قوله، فكان يقف على الصيادين الذين على البحر، فيطلب منهم ما يطعمونه. وأنكر آصف صاحب سليمان وغيره أمر ذلك الشيطان، ولم يروه يذكر االله، فهرب الشيطان، وطرح الخاتم في البحر، وأقام سليمان مسلوب الملك أربعين يوما ً، فإنه بعد أن كملت له الأربعون يمشي على شط البحر حائرا ً، إذ قال له بعض الصيادين، تعال يا مجنون، فخذ هذا الحوت، فأعطاه حوتا قد تغيرت رائحته، فصار به إلى البحر، فغسله، و شق بطنه، وإذا في داخله حوت آخر، فشق بطن الحوت الآخر ،فإذا خاتمه في جوفه، فلبسه، وحمد االله، ورد االله عليه ملكه. وأقام ملكا ً على بني إسرائيل، وعلى ما وصف االله، جل وعز، من ملكه، وتسخيره له الطير والجن و الإنس يعملون له أعاجيب الصنعة، ويشيدون له البنيان، ويطيعونه في كل أمره، أربعين سنة، ثم توفي ، ودفن إلى جانب قبر داود، وكان لسليمان يوم ملك اثنتا عشرة سنة، فمات وله اثنتان وخمسون سنة. رحبعم بن سليمان والملوك بعده ولما مات سليمان بن داود ملك رحبعم بن سليمان، فاجتمع إليه أسباط بني إسرائيل، و قالوا له: إن أباك قد كان غلظ علينا، واستعبدنا استعبادا ً شديدا ً، فخفف أنت الآن عنا! فقال لهم رحبعم: انصرفوا عني اليوم وجيئوني بعد ثلاثة أيام، فانصرفوا عنه، فاستشار المشيخة من أصحاب أبيه، فقال: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تحسن إجابة بني إسرائيل، وتلين لهم القول، حتى تملكهم بعد اليوم، فترك قول مشيخة بني إسرائيل، واستشار أحداثا ً نشئوا معه، فقالوا له: نرى أن تغلظ القول لهم ليستقيم لك أمرهم، كما استقام لأبيك. فلما كان اليوم الثالث اجتمعوا إليه ليسألوه عما ذكروا له، فقال لهم: إن خنصري أثقل من إام أبي. فلما قال لهم هذا انصرفوا عنه، وتفرقوا في قراهم، فلم يبق معه من أسباط بني إسرائيل إلا سبط يهوذا وسبط بنيامين. وملكت الأسباط العشرة عليهم يوربعم بن ناباط، وكان قد هرب من سليمان إلى مصر، فلما اختلفت بنو إسرائيل على رحبعم بن سليمان قدم، وجمع رحبعم ابن سليمان من سبط يهوذا، وسبط بنيامين، ألف رجل يطلب محاربة يوربعم ابن ناباط ومن معه. وأوحى االله إلى سمعيا النبي أن قل لرحبعم ومن معه: لا تحاربوا بني إسرائيل! فسمعوا قوله، وانصرفوا ،وكان ملك رحبعم سبع عشرة سنة. وملك يوربعم بن ناباط على العشرة الأسباط من جبل فاران، فقالت بنو إسرائيل: إنا نريد أن نقرب قرابيننا إلى االله، فكره يوربعم أن يصعدوا إلى بيت المقدس، فيستميلهم آل يهوذا، فيدخلوا في ملكهم ، فقال ليست بكم حاجة إلى الصعود، وأنا أعمل لكم مذبحا ً، فعمل لهم مذبحا ً، وصير فيه عجلا ً من ذهب ،وقال: هذه آلهتكم التي أصعدتكم من أرض مصر، واتخذ للعجل أحبارا ً، وعمل عيدا ً، وقرب الذبائح للعجل، فأتاه نبي بني إسرائيل، فوعظه، فمد يده إليه فيبست، فقال له: ادع االله أن يرد يدي! فدعا له النبي، فرجعت يد يوربعم، وأقام يوربعم على طريقة لم يرجع عنها، وأهلك االله يوربعم، وكل من كان معه، وقتله ودمر عليه، وكان ملكه عشرين سنة. ثم ملك إبيام بن رحبعم، فسلك سبيل أبيه، وأظهر الفواحش، وارتكب القبيح، فبتر االله عمره، وكان ملكه ثلاث سنين، ثم ملك اسا، فأظهر العمل بطاعة االله تعالى، ومنع الزنا، وعاقب عليه وعلى الريب ،وأخرج من كان يعبد الأصنام من مملكته، حتى طرد أمه لما بلغه أا تعبد الأصنام. وفي زمانه صار زارح ملك الحبشة، وأقبل ملك الهند إلى بيت المقدس، فبعث االله عذابا ً، فأهلك زارح وملك الهند، وكان ملك اسا أربعين سنة، ويقال إن بني إسرائيل أوقدوا من خشب أسلحة أصحاب الهند، لما قتلهم اسا، سبع سنين. ثم ملك بعده ابنه يهوشافط، فسلك سبيل أبيه، وكان ناسكا ً صديقا ً، فملك العشرة الأسباط، وكان مرضيا ً في جميع بني إسرائيل، وكان ملكه خمسا ً وعشرين سنة. ثم ملك بعده يورام ابنه، فكفر، ورجع قومه إلى عبادة الأصنام، وتزوج امرأة أطغته وأضلته، وكان ملكه أربعين سنة، ثم ملك أحزيا، بعد أبيه، فسلك سبيله، وكان العشرة الأسباط قد اعتزلت، وملكت منهم ملكا ً يقال له يهو، فحارب أحزيا، حتى قتل من قومه مقتلة عظيمة، ثم سلط االله عليهم ملك سورية ،ففعل م مثل ذلك، وكان ملك أحزيا سنة واحدة. ثم ملكت عتلايا بنت عمري، فقتلت ولد داود، حتى لم يبق من نسل داود أحد إلا غلام يقال له يواش ،وأخذته امرأة من بني عمه، يقال لها يوشبع عمته وكان يرضع. وأفسدت عتلايا، وأظهرت الفواحش، وأفسدت البلاد، واجتمعت بنو إسرائيل إلى يويدع الأحباري ،فاشتكوا إليه الذي تفعل م، فاجتمعوا، فقتلوها، وكان ملكها سبع سنين. وملك بعد عتلايا الغلام الذي كان بقي من بني داود، وهو يواش، وكان يوم ملك له سبع سنين ،فصلحت أمور بني إسرائيل، وظهر فيهم العدل، وارتفعت الفواحش، وتركوا عبادة الأصنام، ثم ظلم في آخر عمره، واستعمل القتل، حتى قتل أولاد الأحبار، وقتل ولد يويدع الأحباري الذي ملكه، ثم مات وكان ملكه أربعين سنة، وهدم من سور بيت المقدس أربعين ذراعا ً، وانتهب كل ما كان فيه. ثم ملك بعده أمصيا، وكان يشبه مذهب يواش في أول أمره، ثم ظلم وجار، وكان ملكه سبعا ً وعشرين سنة. ثم ملك عزيا بن أمصيا، وكان في زمانه أشعيا النبي، فأحسن عبادة االله، والعمل بطاعته، غير أنه أخذ امر ودخل الهيكل، ولم يكن ذلك يصلح لأحد إلا للأحبار، فعاقبه االله فبرص، وعاقب أشعيا النبي لأنه لم ينهه عن ذلك، فترع االله منه النبوة، حتى مات عزيا، وكان ملكه اثنتين وخمسين سنة. ثم ملك يوتام لما برص أبوه، وكان ملكه ست عشرة سنة. ثم ملك احاز ابنه، فكفر، فعبد الأصنام فسلط االله عليه تغلتفلسر ملك بابل، فسباه، واستعبده، وضرب عليه الجزية، وأخرب مدينة العشرة الأسباط بفلسطين، وهي سبسطية، وسبى أهلها، فدخل م إلى أرض بابل، ثم أرسل إلى المدينة قوما ً من قبله، فعمروها وبنوها، فهم الذين يدعون السامرة بفلسطين والأردن ،فلما سكنوها سلط االله عليهم الأسد، ثم بعث إليهم رجلا ً من أحبار بني إسرائيل، من ولد هارون ،يعلمهم دين بني إسرائيل، فلما دخلوا في دينهم تركهم الأسد، وصاروا سامرة فقالوا: لا نؤمن بنبي إلا بموسى، ولا نعرف إلا ما في التوراة، وجحدوا نبوة داود، وأنكروا البعث والنشور، وامتنعوا من مجالسة الناس والاختلاط م، ومن تناول شيء منهم، ومن حمل الموتى، ومن حمل ميتا ً اعتزل سبعة أيام، يعتزل في الصحراء لا يختلط م، ثم يغتسل، وكذلك من تناول شيئا ً لا يحل له، ولا يؤوون الحائض منازلهم ،وجعلوا رئيسهم من ولد هارون يسمونه الرئيس، ويتوارثون على التوراة، فليس هم في بقعة من بقاع الأرض إلا بجند فلسطين، وكان ملك احاز ست عشرة سنة. ثم ملك بعد احاز حزقيل ابنه، فأحسن عبادة االله تعالى، وكسر الأصنام، وهدم بيوا، وكان في زمانه سنحاريب بن سراطم ملك بابل، فسار إلى بيت المقدس، فسبى بقية الأسباط، فرشاه حزقيل بثلاثمائة قنطار فضة، وثلاثين قنطار ذهب، على أن ينصرف، فأخذها، ثم غدر، فلما فعل ذلك دعا االله أشعيا النبي وحزقيل على سنحاريب، فأجاب االله دعاءهما، فسلط االله على أصحاب سنحاريب القتل، فقتل منهم في ساعة واحدة مائة ألف وخمسة وثمانين ألفا ً، فرجع سنحاريب مهزوما ً، حتى صار إلى بابل، وقتله ولده شر قتله. وأمر االله سبحانه أشعيا النبي أن يعلم حزقيل أنه ميت، فليوص، فلما أعلمه االله ذلك دعا االله أن يزيد في حياته، حتى يهب له ولدا يملك بعده، فزاد االله في حياته خمس عشرة سنة، حتى ولد له ولد. وفي أيام حزقيل رجعت الشمس نحو مطلعها خمس درجات، وكان ملك حزقيل سبعا ً وعشرين سنة. ثم ملك بعد حزقيل منشا بن حزقيل، فكفرت بنو إسرائيل في أيامه، وكفر، وعبد الأصنام، و كان شر ملك في بني إسرائيل، وبنى للأصنام مسجدا ً، واتخذ صنما ً له أربعة أوجه، فنهاه أشعيا، فأمر به فنشر بالمنشار من رأسه إلى رجليه، فسلط االله على منشا قسطنطين ملك الروم، فحاربه، وأسره، فأقام في الأسر، زمانا ً ثم تاب إلى ربه، فرده االله إلى ملكه، فكسر الصنم، وهدم بيوت الأصنام، وكان ملكه خمسا ً وخمسين سنة، وأيام أسره عشرين سنة. ثم ملك أمون بن منشا، فأعاد الأصنام حتى كثرت، وكان ملكه ست عشرة سنة. ثم ملك بعده يوشيا ابنه، فأحسن عبادة االله، وكسر الأصنام، وهدم بيوا، وقتل سدنتها، وأحرقهم، وكان في العدل وحسن عبادة االله تعالى وجميل مذهبه يشبه داود وسليمان، وكان ملكه ثلاثين سنة. ثم ملك يهواخز ابنه ثلاثة أشهر، ثم أسره فرعون الأعرج ملك مصر، ووضع على بلاده الخراج، وصير عليها ملكا ً من قبله، وأخذ يهواخز، فذهب به إلى مصر فمات هناك. ثم ملك بعده يويقيم أخوه، وهو أبو دانيال النبي، وفي عصره سار بخت نصر ملك بابل إلى بيت المقدس ،فقتل في بني إسرائيل، وسباهم، وحملهم إلى أرض بابل، ثم صار إلى أرض مصر، فقتل فرعون الأعرج ملكها. وأخذ بخت نصر التوراة، وما كان في الهيكل من كتب الأنبياء، فصيرها في بئر وطرح عليها النار ،وكبسها، وكان في ذلك العصر إرميا النبي، فلما علم بقدوم بخت نصر، أخذ تابوت السكينة، فخبأه في مغارة حيث لم يعلم به أحد، ولم ينج من بخت نصر إلا إرميا. وكان عدة من حمل بخت نصر إلى أرض بابل ثمانية عشر ألفا ً، فيهم ألف نبي، وملكهم يحنيا بن يهوياقيم ،فمنهم اليهود الذين بالعراق، ويقال إن إرميا النبي قال: اللهم! إني لأعلم من عدلك ما لا يعلمه غيري ، فعلام سلطت بخت نصر على بني إسرائيل؟ فأوحى االله إليه: أني إنما أنتقم من عبادي، إذا عصوني، بشرار خلقي. ولم يزل بنو إسرائيل في الأسر تحت يد بخت نصر حتى تزوج امرأة منهم يقال لها ملحات أخت زربابل ،بنت سلتائيل، فسألته أن يرد قومها إلى بلدهم، فلما رجع بنو إسرائيل إلى بلدهم ملكوا عليهم زربابل بن سلتائيل، فبنى مدينة بيت المقدس، وبني الهيكل، وأقام على بنائه ستا ً وأربعين سنة، وفي زمانه مسخ االله بخت نصر يمة أنثى، فلم يزل ينتقل في أجناس البهائم سبع سنين، ثم يقال إنه تاب إلى االله، عز وجل ،فأحياه بشرا ً، ثم مات. وكان زربابل الذي أخرج التوراة وكتب الأنبياء من البئر التي دفنها فيها بخت نصر، فوجدها بحالها لم تحترق، فأعاد نسخ التوراة و كتب الأنبياء وسننهم وشرائعهم، وكان أول من رسم هذه الكتب. وكانت شريعة بني إسرائيل توحيد االله، والإقرار بنبوة موسى وهارون ابني عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل االله، وكان صيامهم في كل سنة ستة أيام أولها في رأس السنة، وهم يعدون رأس السنة أول يوم من تشرين، فإذا مضى من تشرين عشرة أيام صاموا يوما واحدا، وهو اليوم الذي نزلت فيه الألواح الثانية على موسى بن عمران. ويصومون لعشر خلون من كانون الآخر يوما ً واحدا ً، وهو يوم نجى االله بني إسرائيل من هامان. ويصومون لسبعة عشر يوما ً من تموز يوما ً واحدا ً، وهو اليوم الذي نزل فيه موسى من الطور. ويصومون لتسعة أيام من آب يوما ً واحدا ً، وهو اليوم الذي كان فيه خراب بيت المقدس. ويصومون لثلاثة أيام من تشرين، وهو الذي قتل فيه قدريا بن أخيقام. ولهم أربعة أعياد في السنة: عيد الفطير، وهو اليوم الذي خرج فيه موسى ببني إسرائيل من مصر، فحملوا عجينهم، ولم يختمر، فأكلوه فطيرا ً، وهو لخمسة عشر يوما ً من نيسان، وأيامه سبعة أيام، ثم عيد لستة عشر يوما ً يمضي من حزيران، وهو يوم أنزلت التوراة على موسى، فذلك يوم عيد عندهم معظم، ثم عيد أول يوم من تشرين، وهو رأس السنة عندهم، ثم عيد في خمسة عشر يوما ً من تشرين، وهو عيد المظلة ،ومعناها أن االله، عز وجل، أمر موسى أن يأمر بني إسرائيل أن يبنوا عريشا بالسعف والجريد، فهم يقيمون ثمانية أيام يتخذون في كنائسهم ظلالات من السعف والجريد. و صلوام ثلاث صلوات: صلاة بالغداة، وصلاة عند غروب الشمس، وصلاة بعد الغروب، فإذا وقف أحدهم للصلاة جمع عقبيه، وجعل يده اليمنى على كتفه اليسرى، ويده اليسرى على كتفه اليمنى، وهو مطرق، يركع خمس ركعات لا يسجد فيهن، ثم يسجد في الآخرة سجدة واحدة، ويسبح بمزامير داود في أول الصلوات، ويقرأ في صلاة المغيب من التوراة، ومعتمدهم في سننهم وشرائعهم على كتب علمائهم ،و هي الكتب التي يقال لها بالعبرانية، وهي اللغة التي صارت لهم لما عبروا البحر. وسنتهم في مناكحهم ألا يتزوجوا إلا بولي وشاهدين، وأقل مهورهم للبكر مائتا درهم، وللثيب مائة درهم ذا الوزن لا يكون أقل منه، والطلاق مباح متى كرهوا، ولا يكون إلا بشهود. وسنتهم في ذبائحهم ألا يأكلوا ما ذبحه غيرهم، وأن يكون الذي يتولى الذبائح عالما ً بالشرائع، ثم يأتي بالسكين كلما أراد أن يذبح ا، إلى الكاهن، فإذا رضي حدها أطلق له الذبح ا، و إلا أمره أن يحدها، أو يأتي بغيرها ،فإذا ذبح لم يقرا من حائط تضطرب عليه، فإذا فرغ منها نظر إلى الحلقوم، فإن وجده لم يرغ الغلصمة ،ووجد الذبح مستويا ً لم يؤكل حتى ينظر إلى الرئة، فإن وجد ا عيبا، أو علة، أو شقا، أو بثرة، أو ورما ً ،لم تؤكل الذبيحة، فإن سلمت الرئة نظر إلى الدماغ، فإن وجد فيه علة لم تؤكل، وإن سلم الدماغ نظر إلى القلب، فإن وجد فيه علة لم يأكله، وإن سلم ما في البطون والثرب من الشحم، فلا يأكله، ولا العروق، وأكل ما سوى ذلك. وتاريخهم على حسام، من خراب بيت المقدس، فعلى هذا يحسبون، ولا بد لهم في كل يوم أن يذكروا اليوم الذي خرب فيه بيت المقدس، وكم له إلى يومه ذلك. المسيح عيسى بن مريم وكانت حنة امرأة عمران قد نذرت إن وهب االله لها ولدا ً أن تجعله، الله فلما ولدت مريم دفعتها إلى زكرياء بن برخيا بن بشوا بن نحرائيل بن سهلون بن أرسوا بن شويل بن بعود بن موسى بن عمران، وكان كاهن المذبح، فلم يزل، كذلك حتى إذا كملت سبع عشرة سنة بعث االله إليها الملك ليهب لها ولدا زكيا، فكان من خبرها ما قد قصة االله، عز وجل، حتى اشتملت على الحمل، فلما كملت أيامها طرقها المخاض، على ما قال االله، عز وجل، ووصف من حالها وحاله، وكلامه من تحتها ،وكلامه في المهد. وكان مولده بقرية يقال لها بيت لحم من قرى فلسطين، وكان ذلك يوم الثلاثاء لأربعة وعشرين يوما خلت من كانون الأول. قال ما شاء االله المنجم: كان الطالع للسنة التي ولد فيها المسيح في الميزان ثماني عشرة درجة، والمشتري في السنبلة إحدى وثلاثين دقيقة راجعا ً، وزحل في الجدي ست عشرة درجة و ثمانيا ً وعشرين دقيقة ،والشمس في الحمل دقيقة، والزهرة في الثور أربع عشرة درجة، والمريخ في الجوزاء إحدى وعشرين درجة وأربعا وأربعين دقيقة، و عطارد في الحمل أربع درجات وسبع عشرة دقيقة. وأما أصحاب الإنجيل فلا يقولون إنه تكلم في المهد، ويقولون: إن مريم كانت مسماة برجل يقال له يوسف من ولد داود، وإا حملت فلما قرب وضع حملها سار ا إلى بيت لحم، فلما ولدت ردها إلى ناصرة من جبل الجليل، فلما كان في اليوم الثامن ختنه على سنة موسى بن عمران، وقد وصف الحواريون أخبار المسيح، وذكروا حاله، فأثبتنا مقالة واحد واحد منهم، وما وصفوه به، وكان الحواريون اثني عشر من أسباط يعقوب وهم: شمعون بن كنعان من سبط، ويعقوب بن زبدي، ويحيى بن حابر بن فالي من سبط زبلون، وفيلفوس من سبط اشر، ومتى من سبط أشجر بن يعقوب، وسمعي من سبط هرام بن يعقوب، ويهودا من سبط يهوذا بن يعقوب، ويعقوب من سبط يوسف بن يعقوب، ومنسي من سبط روبيل بن يعقوب، وكان دون هؤلاء سبعون رجلا ً، وكان الأربعة الذين كتبوا الإنجيل: متى ومرقس ولوقا ويوحنا، اثنان من هؤلاء الاثني عشر، واثنان من غيرهم. فأما متى فإنه قال في الإنجيل في نسب المسيح إيسوع بن داود بن إبراهيم إلى أسفل، حتى انتهى إلى يوسف بن يعقوب بن ماثن بعد اثنين وأربعين أبا، ثم قال: وكان يوسف بعل مريم، وإن المسيح ولد في بيت لحم من قرى فلسطين، وملك فلسطين يومئذ هيرودس، وإن قوما ً من اوس ساروا إلى بيت لحم ،وعلى رؤوسهم نجم يهتدون به، حتى رأوه، فسجدوا له، وإن هيرودس ملك فلسطين أراد أن يقتل المسيح، وإن يوسف أخرجه وأخرج أمه إلى أرض مصر، فلما مات هيرودس رده، فأنزله ناصرة جبل الجليل، وإنه لما كمل المسيح وبلغ تسعا ً وعشرين سنة صار إلى يحيى بن زكرياء ليصطنعه، فقال له يحيى بن زكرياء: أنا أحوج إليك منك إلي! فقال له المسيح: اترك هذا القول، فإن هكذا ينبغي أن يتم البر، فتركه يحيى، وإن إيسوع خرج بتأييد روح االله إلى البرية فصام أربعين يوما ً، فاقترب إليه الشيطان، فقال: إن كنت الآن ابن االله فمر هذه الحجارة أن تصير خبزا! فقال إيسوع: إنه ليس بالخبز وحده يحيا البشر ،ولكن بكلمة االله، فحمله، فصيره على جناح الهيكل، ثم قال له الشيطان: فألق نفسك إلى الأرض، فإنك إن كنت ابن االله تكنفتك ملائكته. فقال المسيح: إنه مكتوب لا تجرب االله بك، ثم قال للشيطان: اذهب فأنا الله أسجد وإياه أعبد. فتركه الشيطان وذهب، ثم إن ملائكة االله، جل وعز، اقتربت منه، فجعلوا يخدمونه، ثم إن تلامذته اقتربوا إليه، فجعل يكلمهم بأمثال ووحي، و بغير أمثال. وكان أول ما تكلم به من الإنجيل، على ما في إنجيل متى: طوبى للمساكين القانعة قلوم بما عند رم، بحق أن لهم ملكوت السماء، طوبى للجياع العطاش في طاعة االله، طوبى للصادقين في قولهم، التاركين للكذب، الذين هم ملح الأرض ونور العالم. لا تقتلوا، وتسخطوا أحدا، وارضوا من سخط عليكم، وصالحوا خصمكم، ولا تزنوا، ولا تنظروا إلى غير نسائكم، فإن كانت عينكم اليمنى تدعوكم إلى الخيانة، فاقلعوها حتى تنجوا بأبدانكم، ولا تطلقوا نساءكم من غير زنية، ولا تحلفوا باالله صادقين ولا كاذبين، ولا بسمائه، ولا بأرضه، ولا تقاوموا الشر، ولكن من لطمك على عارضك الأيمن، فأقبل إليه بعارضك الأيسر، ومن أراد أن يترع قميصك، فأعطه أيضا رداءك، ومن سخرك ميلا، فانطلق معه ميلين، ومن سألك فأعطه، ومن استقرضك فأقرضه ولا تحرمه. قد سمعتم أنه قد قيل: أحبب قريبك وأبغض عدوك! أما أنا فإني أقول لكم: أحبوا أعداءكم وصلوا من قطعكم، وافعلوا الخير إلى من بغضكم. إن كنتم تحبون الذين يحبونكم فأي أجر لكم؟ لا تظهروا صدقاتكم بين أيدي البشر، لا تعلم شمائلكم بما عملت أيمانكم، لا تراؤوا الناس بصلاتكم، وإذا صليتم فادخلوا بيوتكم، وأغلقوا أبوابكم، ولا يسمعكم أحد، وإذا صليتم فقولوا: أبانا الذي في السموات يقدس اسمك، ويأتي ملكوتك، تكون مشيئتك كما في السماء وعلى الأرض، خبزنا كفافنا أعطنا اليوم، واترك لنا الذي علينا كمثل ما نترك نحن لغرمائنا، ولا تدخلنا في تجربة يا رب! ولكن نجنا من الشرير. ولا تظهروا صيامكم للبشر، إذا صمتم الله ربكم، و لا تغيروا وجوهكم ليراكم الناس، فإن ربكم يعلم بحالكم. لا تدخروا الذخائر حيث السوس والأرضة الأكلة يفسدن، وحيث اللصوص يحفرون، ولكي تكون ذخائركم عند ربكم الذي في السماء حيث لا سوس يعدو، ولا لص يسرق. ولا تموا بمعاشكم، ولا ما تأكلون، ولا ما تشربون، ولا ما تلبسون، وانظروا إلى طير السماء لا يزرعن ،و لا يحصدن، ولا يجمعن في البيوت، فإن االله يرزقهن، وأنتم أكرم على االله من الطير. لا تموا لأولادكم، فإم مثلكم كما خلقتم خلقوا، وكما رزقتم رزقوا. ولا تقل لأخيك أخرج القذى من عينك، وفي عينك أنت جذع، لا تنظروا في عيوب الناس وتدعوا عيوبكم، لا تعطوا القدس ولا اللؤلؤ للخنازير، فتدوسه بأرجلها! سلوا ربكم يعطكم وابتغوا إليه، فإنكم تجدونه رحيما ً بكم، واقرعوا بابه يفتح لكم، أما الباب فإنه معرض، والطريق بين، وهو يبلغ الناس التلف ،وما أصغر الباب، وأضيق الطريق التي تبلغ الناس النجاة. تحفظوا من أهل الكذب الذين يشبهون الذئاب الضارية، كما لا تستطيعون وتقطفون العنبة من الشوك ،ولا التين من الحنظل، هكذا لا تجدون شجرة سوء تخرج نباتا ً صالحا ً، ولا شجرة صالحة تخرج ثمرة سوء. كل من يسمع كلامي ثم يفهمه، فإنه يشبه رجلا ً حليما ً بنى بيته في مكان صلب شديد، فجاء المطر ودرت الأار، وارتفعت الرياح فسقط البيت. وفي ذلك الزمان كان الملك هيرودس قد أخذ يوحنا فسجنه، وذلك أنه كان يأتي امرأة أخيه فيلفوس ،فنهاه يوحنا أن يأتي ذلك، وكان يريد أن يقتله، ويتقي لأم كانوا يعظمون يوحنا، فقالت له امرأة أخيه: اقتل يوحنا! فوجه إلى السجن، فقطع رأس يوحنا ووضعه على طبق، واقترب تلاميذه، وأخذوا جثته فقبروها، وجاءوا المسيح فأخبروه، فخرج إلى أرض قفر، وجعل يأمر أصحابه: لا تخبروا أحدا ً. إنجيل مرقس: فأما مرقس فإنه قال في أول إنجيله: إيسوع المسيح ابن االله، كما هو مكتوب في أشعيا النبي: أني مرسل ملاكي قدام وجهك لأصلح سبيلك، وإن يحيى بن زكرياء كان يعمد المعمودية للتوبة، وكان لباسه وبر الإبل، وكان يشد حقوته بغرفة من جلود، وإن المسيح جاءه من ناصرة الجليل يعمده في الأردن، فلما عمده خرجت روح القدس على الماء كالحمامة، وصوت من السماء ينادي، أنت ابني خليلي الذي بك سررت. وانصرف إلى جبل الجليل، فإذا قوم يصطادون السمك، فيهم شمعون وأندراوس، فقال لهما: ألحقاني أجعلكما تصطادان البشر! فمضيا معه، فدخل قرية فأبرأ مرضاها وبرصها، وفتح أعين عميان ا، فاجتمع إليه قوم وجعل يكلمهم بأمثال ووحي، ويقول: بحق أقول لكم، لا تذهب القبيلة حتى يذهب السماء والأرض، وكلامي لا يذهب. إنجيل لوقا فأما لوقا: فإنه يقول في أول الإنجيل: من أجل أن كثيرا ً من الناس أحبوا أن يكتبوا القصص والأمور التي عرفناها رأيته يحق على أن أكتب شيئا ً علمته بحقه. أنه كان في أيام هيرودس الملك كاهن يسمى زكرياء من خدام آل أبيا وامرأته من بنات هارون تسمى اليسبع، وكانا جميعا ً بارين قدام االله، عاملين بوصاياه، غير مقصرين في طاعته، ولم يكن لهما ولد، وكانت اليسبع عاقرا ً، وزكرياء عاقرا ً قد كبرت سنهما، فبينا زكرياء يكهن الدخنة، فدخل الهيكل، وجماعة خارج الهيكل، فتراءى لزكرياء ملك الرب قائما ً عن يمين المذبح، فارتعد زكرياء حين أبصره، وحلت عليه الخشية، فقال له الملك: لا ترهبن يا زكرياء! فإن االله قد سمع صلواتك، وأجاب دعاءك، فيهب لك ابنا تسميه يحيى، ويكون لك فيه الخير والفرح، ويكون عظيما ً عند االله، ولا يشرب خمرا ً، ولا سكرا ً، ويمتلىء من روح القدس، إذ هو في بطن أمه، ويقبل إلى االله بكثير من آل إسرائيل، ويحل عليه الروح الذي حل على الياء النبي ليقبل بقلوب الآباء على أبنائهم، ويكونوا الله شعبا ً كاملا ً. فقال زكرياء للملك: كيف لي أن أعلم هذا، وأنا شيخ، وامرأتي كبيرة السن؟ فقال له الملك: إني أنا جبريل القائم بين يدي االله، عز وجل، أرسلني لأبشرك ذا، فمن الآن، فكن صامتا ً لا تتكلم حتى اليوم الذي يكون فيه هذا لأنك لم تصدق، ولم تؤمن بقولي الذي يتم في حينه. وكان الشعب قياما ً ينتظرون زكرياء، ويتعجبون من لبثه في الهيكل، فلما أن خرج لم يقدر أن يكلمهم، فعرفوا، وأيقنوا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل، فكان يومىء إليهم إيماء، ولا يتكلم. فلما تمت أيام خدمته انصرف إلى بيته، وحبلت اليسبع امرأته، وأقامت تخفي نفسها أشهرا ً خمسة، وتقول: هذا الذي صنع إلى الرب في أيام نظره إلي ليمحو عني عاري في البشر. ولما كان في الشهر السادس من حمل امرأة زكرياء أرسل االله جبريل الملك إلى جبل الجليل إلى مدينة تدعى ناصرة، إلى فتاة عذراء مملكة برجل يسمى يوسف من آل داود، اسمها مريم، فدخل إليها الملك، وقال لها: السلام عليك أيتها المملوءة من النعمة، أيتها المباركة في النساء! فلما رأته فزعت من كلامه، وجعلت تفكر، وتقول: ما هذا السلام؟ فقال لها الملك: لا ترهبي يا مريم! قد لاقيت ووافيت عند االله نعمة، بحق أنك تقبلين حبلى، وتلدين ابنا، وسميه إيسوع، ويكون عظيما، وابن الأعلى يدعي، ويعطيه الرب إلهه كرسي داود أبيه، ويملك على آل يعقوب إلى الدهر، و لا يكون لملكه فناء، ولا انقطاع. فقالت مريم للملك: كيف يكون هذا، ولم يمسسني رجل؟ قال لها الملك: روح القدس يحل عليك، وهذا الذي يولد منك قدوس، وابن االله يدعى، وهذه اليسبع نسيبتك، فهي أيضا ً حبلى بابن، على كبرها، وهذا الشهر هو السادس لتلك التي تدعى عاقرا ً، لأنه لا يعجز االله شيء! فقالت مريم: إني أمة االله، فليكن لي كما قلت. ودخلت مريم إلى بيت زكرياء، وسألت عن سلامة اليسبع، فلما سمعت امرأة زكرياء كلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت من روح القدس، قالت لمريم: مباركة أنت في النساء؟ بحق أنه لما وقع صوت سلامك في مسمعي، بفرح عظيم ارتكض الجنين في بطني. وولدت اليسبع امرأة زكرياء ابنا ً، وختنوه يوم الثامن، وسموه يوحنا، ومن ساعته انفتح فوه، و تكلم وبرك االله تعالى، وامتلأ زكرياء من روح القدس، وقال: تبارك الرب إله إسرائيل، الذي أبلى شعبة، وأطلقهم بالخلاص، وأقام لنا قرن الخلاص من آل داود، كالذي تكلم على السنة أنبيائه الطاهرين. ولما كملت لمريم أيامها صعد ا يوسف إلى جبل الجليل، فولدت ابنها البكر، فلفته في الخرق، وأضجعته في الأرى من أجل أنه لم يكن لها مكان حيث كانا نازلين فأتاهم ملك الرب، ومجد االله أشرق عليهم ،فخافوه خوفا شديدا، وقال لهم ملك الرب: لا تخافوا، ولا تحزنوا! بحق إني أبشركم بفرح عظيم يعم العالم. ثم نسب المسيح من يوسف إلى آدم، وإنه لما تمت له ثمانية أيام أتوا به ليختنوه، كسنة موسى، وسموه إيسوع، وختنوه، وأتوا به إلى الهيكل، وأتوا بذبيحة زوج يمام وفرخي حمام ليقرب عنه، وكان هناك رجل يقال له شمعان من الأنبياء، فلما دنوا من المذبح ليقربوا عنه احتمله شمعان، وقال: قد أبصرت عيناي حنانك، يا رب، فمن الآن فتوفني. وكان أهله يصعدونه في كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح، وكان يخدم العظماء، ويعجبون به لما يرون من حكمته. وإن المسيح لما كملت له ثلاثون سنة دخل إلى الهيكل يوم السبت، وقام ليقرأ كعادته، وأعطى سفر أشعيا النبي، ففتح السفر، فوجد فيه مكتوبا: روح الرب علي من أجل ذلك اصطفاني، ومسحني لأبشر المساكين، وأرسلني لأشفى المنكسرة قلوم، ولأبشر المسبيين بالخلاص، والعميان بالبصر، وإن أجبر المنكسر ،وأبشر المسيء بالعفو والمغفرة، وإن أبشر بالسنة المتقبلة للرب، وطوى السفر ودفعه إلى الخادم، وتنحى، فجلس، فعجب الناس لفعله، وقالوا: أليس هذا ابن يوسف؟ إنجيل يوحنا: وأما يوحنا السليح، فإنه يقول في أول إنجيله في نسبة المسيح: قبل كل شيء كانت الكلمة ،وتلك الكلمة عند االله، واالله كان هو الكلمة، هذه كانت قبل كل شيء وكان ا، كانت الحياة، والحياة هو نور البشر، وذلك الضياء في الظلام، والظلام لم يدركه. كان إنسان، كان أرسله االله، اسمه يوحنا، أتى للشهادة ليشهد على النور ليهتدي الناس، ويؤمنوا على يده، ولم يكن هو النور ،فإن نور الحق لم يزل يضيء ويبين في العالم، والعالم كان في يده، والعالم لم يعرفه، إلى خاصته أتى وخاصته لم تقبله، فأما الذين قبلوه، وآمنوا به، فأعطاهم االله سلطانا ً ليكونوا يدعون أبناء االله، أولئك الذين يؤمنون باسمه الذي لا من الدم، ولا هو من هوى اللحم، ولا من شهوة المرء ولد ،ولكن من االله ولد، والكلمة صارت لحما ً وحلت فينا، ورأينا مجدها مجدا ً كالوحيد الذي من الأب المملوء من النعمة والقسط. ويوحنا شهد عليه ونادى وقال: هذا قلت إنه يأتي من بعدي: وقد كان قبلي من أجل أنه أقدم مني، ومن تمامه كلما نلنا نعمة فاضلة بدل النعمة الأولى، لأن التوراة على يد موسى أنزلت، فأما الحق والنعمة فبايسوع المسيح الكلمة التي لم تزل في حضن أبيها. فهذا قول الأربعة التلاميذ، أصحاب الإنجيل، في نسبة المسيح، ثم وصفوا بعد ذلك ما كان من أخباره ، وأنه أبرأ المرضى والبرص، وأقام المقعد، وفتح عيون العميان، وإنه كان له صاحب يقال له العازر في قرية تدعى بيت عنيا، في ناحية بيت المقدس، وإنه مات، فصير في مغارة، فأقام أربعة أيام، ثم جاء المسيح إلى تلك القرية، فخرجت أختان للعازر، فقالتا له: يا سيدنا إن خليلك العازر قد مات، فحزن المسيح عليه، و قال: أين قبره؟ فأتوا به إلى المغارة وعليها حجر، فقال: نحوا الحجر! فقالوا: قد نتن منذ أربعة أيام! فدنا من المغارة، فقال: رب لك الحمد! إني أعلم أنك تعطي كل شيء، ولكني أقول من أجل الجماعة الواقفة ليؤمنوا ويصدقوا إنك أنت أرسلتني، ثم قال للعازر: قم! فقام يجر خمارا ً عليه، ويداه و رجلاه مشدودة ،وقد كان معهم قوم من اليهود، فأمنوا به وأقبلوا ينظرون إلى العازر ويتعجبون منه. فاجتمع عظماء اليهود وأحبارهم، فقالوا: إنا نخاف أن يفسد علينا ديننا ويتبعه الناس، فقال لهم قيافا ً ، رئيس الكهنة: لأن يموت رجل واحد خير من أن يذهب الشعب بأسره! فأجمعوا على قتله. ودخل المسيح إلى أورشليم على حمار، وتلقاه أصحابه بقلوب النخل، وكان يهوذا بن شمعان من أصحاب المسيح، فقال المسيح لأصحابه: إن بعضكم يسلمني ممن يأكل ويشرب معي، يعني يهوذا بن شمعان، ثم جعل يوصي أصحابه، ويقول لهم: قد بلغت الساعة التي يتحول ابن البشر إلى أبيه، وأنا أذهب إلى حيث لا يمكنكم أن تجيئوا معي، فاحفظوا وصيتي، فسيأتيكم الفارقليط يكون معكم نبيا ً، فإذا أتاكم الفارقليط بروح الحق والصدق، فهو الذي يشهد علي، وإنما كلمتكم ذا كيما تذكروه إذا أتى حينه، فإني قد قلته لكم، فأما أنا فإني ذاهب إلى من أرسلني، فإذا ما أتى روح الحق يهديكم إلى الحق كله، وينبئكم بالأمور البعيدة، ويمدحني، وعن قليل لا تروني، ثم رفع المسيح عينه إلى السماء، وقال: حضرت الساعة! إني قد مجدتك في الأرض، والعمل الذي أمرتني أن أعمله فقد تممته، ثم قال: اللهم إن كان لا بد لي من شرب هذه الكأس ،فهوا علي، وليس كما أريد يكون، ولكن ما تريد يا رب. ثم مضى المسيح مع تلاميذه إلى المكان الذي يجتمع هو وأصحابه فيه، وكان يهوذا أحد الحواريين يعرف ذلك الموضع، فلما رأى الشرط يطلبون المسيح ساقهم والذين معهم من رسل الكهنة، حتى وقف م على الموضع، فخرج إليهم المسيح، فقال لهم: من تريدون؟ فقالوا: إيسوع الناصري! فقال لهم إيسوع: أنا هو! فرجعوا، ثم عادوا، فقال لهم المسيح: أنا إيسوع الناصري فإن كنتم تريدوني، فانطلقوا بي لتتم الكلمة. وكان مع شمعان الصفا سيف فاخترطه، ثم ضرب عبد سيد الكهنة، فقطع يده اليمنى، فقال المسيح: يك شمعان! رد السيف إلى غمده، فإني لا أمتنع من شرب الكأس التي أعطاني ربي. فأخذ الشرط المسيح ،وأوثقوه، وجاءوا به إلى قيافا رئيس اليهود، الذي كان أشار بقتله. وكان شمعان الصفا يمشي خلفه، فدخل مع الأعوان، فقيل له: أنت من تلاميذ هذا الناصري؟ قال: لا! ولما أدخل المسيح على رئيس اليهود جعل يكلمه، والمسيح يجيبه بما لا يفهمه، فضربه بعض الشرط على فكيه، ثم أخرجوا المسيح من عند قيافا إلى فرطورين، فقال له: أنت ملك اليهود؟ فقال له المسيح: أمن نفسك قلت هذا أم أخبرك آخرون عني؟ وجعل يكلمه، ويقول: إن ملكي ليس من هذا العالم. ثم إن الشرط أخذوا إكليلا ً من أرجوان، فوضعوه على رأسه، وجعلوا يضربونه، ثم أخرجوه وعليه ذلك الإكليل، فقال له رؤساء الكهنة: أصلبه! فقال لهم فيلاطوس: خذوه أنتم فاصلبوه، فأما أنا، فلم أجد عليه علة! فقالوا: قد وجب عليه الصلب والقتل من أجل أنه قال: إنه ابن االله، ثم أخرجه، فقال لهم: خذوه أنتم فاصلبوه! فأخذوا المسيح، وأخرجوه، وحملوه الخشبة التي صلبوه عليها. هذا في إنجيل يوحنا، فأما متى ومرقس ولوقا فيقولون: وضعوا الخشبة التي صلب عليها المسيح على عنق رجل قرنانى، وصاروا به إلى موضع يدعى الجمجمة، ويسمى بالعبرانية ايماخاله، وهو الموضع الذي صلب فيه، وصلب معه اثنان آخران: واحد من هذا الجانب، والآخر من هذا الجانب، وكتب فيلاطوس في لوح: هذا إيسوع الناصري، ملك اليهود، فقال له رؤساء الكهنة: اكتب الذي قال إنه ملك اليهود! فقال لهم: ما كتبت، وقد كتبت. ثم إن الشرط اقتسموا ثياب المسيح، وكانت أمه مريم، ومريم بنت قلوفا، ومريم ادلانية قياما ينظرن إليه ،فكلم أمه من فوق الخشبة. وجعل أولئك الشرط يأخذون إسفنجة فيها خل يقربوا إلى أنفه، فيتكرهها، ثم أسلم روحه، فجاءوا إلى ذينك المصلوبين معه، وكسروا سوقهما، وأخذ واحد من الشرط حربة، فطعنه في جنبه، فخرج دم وماء ،ثم كلم فيه أحد التلاميذ لفيلاطوس، حتى أنزله، وأخذ حنوطا ً من مر وصبر، ولفه في ثياب كتان وطيب ،فكان في ذلك الموضع جنان، وفيه قبر جديد، فوضعوا المسيح فيه، وكان ذلك يوم الجمعة. فلما كان يوم الأحد، فيما يقول النصارى، بكرت مريم ادلانية إلى القبر، فلم تجده، فجاءت شمعان الصفا وأصحابه، فأخبرم أنه ليس في القبر، فمضوا فلم يجدوه، وجاءت مريم ثانية إلى القبر، فرأت في القبر رجلين عليهما ثياب بياض، فقالا لها: لا تبكي! ثم التفتت خلفها، فرأت المسيح، وكلمها وقال لها: لا تدنين إلي لأني لم أصعد إلى أبي ،ولكن انطلقي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم، وإنه لما كان عشية الأحد جاءهم وقال لهم: السلام معكم! كما أرسلني أبي كذلك أرسلكم ،وإن غفرتم ذنوب أحد، فهي مغفورة، فقالوا: هذا الذي يكلمنا روح وخيال، قال لهم: انظروا إلى آثار المسامير بإصبعي وإلى جانبي الأيمن، ثم قال لهم: طوبى للذين لم يروني وصدقوا بي. وجاءوه بقطعة سمك، فأكل، وقال لهم: إن أنتم صدقتم بي، وفعلتم فعلي، يحق ألا تضعوا أيديكم على مريض إلا برىء، ولا يضره الموت، ثم ارتفع عنهم، وكان له ثلاث وثلاثون سنة. هذا ما يقول أصحاب الإنجيل وهم يختلفون في كل المعاني، قال االله، عز وجل، ما قتلوه، وما صلبوه ، ولكن شبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن، وما قتلوه يقينا بل رفعه االله إليه. ولما رفع عيسى المسيح اجتمع الحواريون إلى أورشليم، في جبل طور الزيتون، وصاروا إلى عليه كان فيها بطرس، ويعقوب، ويوحنا، وأندراوس، وفيلبس، وتوما، وبرتلموس، ومتاوس، ويعقوب فقام شمعان على الحجر، فقال: يا معشر الإخوة! قد كان ينبغي أن يتم الكتاب الذي سبق فيه روح القدس، وأرادوا أن يجعلوا رجلا ً يتم به الاثنا عشر، فقدموا متى وبرسبا، وقالوا: اللهم أظهر لنا من نختاره! فوقع على متى ،فأصابتهم ريح شديدة، امتلأت الغرفة التي كانوا فيها، ورأوا مثل لسان النار، فتكلموا بالسن شتى، ثم قالوا لبطرس: ما ذا تصنع؟ فقال لهم بطرس: قوموا واعمدوا كل إنسان منكم باسم المسيح، وتنحوا عن هذه القبيلة المعوجة. وأقام بطرس ويوحنا كلما دخلا الكنيسة ذكرا أمر المسيح، ووصفا فعله، ودعوا الناس إلى عبادته، فأنكر ذلك عليهم اليهود، وأخذوهم، فحبسوهم، ثم أطلقوهم، وقالوا: نختار سبعة رجال يقدسون االله ، ويذكرون حكمته ومسيحه، فاختاروا إصطفانس، وفيلبس، وأبرحورس، ونيقانور، وطيمون، وبرمنا ،ونيقولاوس الأنطاكي، وأقاموهم، فصلوا عليهم، وقدسوهم، فجعلوا يصفون أمر المسيح، ويدعون الناس إلى دينهم. وكان بولس أشد الناس عليهم، وأعظمهم إيذاء لهم، وكان يقتل من يقدر عليه منهم، ويطلبهم في كل موضع، فخرج يريد دمشق ليجمع قوما ً كانوا ا، فسمع صوتا ً يناديه: يا بولس، كم تضطهدني! ففزع حتى لم يبصر، ثم جاءه حنانيا، فقدس عليه حتى انصرف، وبرأت عينه، فصار يقوم في الكنائس، فيذكر المسيح، ويقدسه، فأرادت اليهود قتله، فهرب منهم، وصار مع التلامذة يدعو الناس، ويتكلم بمثل ما يتكلمون به، ويظهر الزهد في الدنيا، والتقليل منها، حتى قدمه الحواريون جميعا على أنفسهم، وصيروه رأسهم. وكان يقوم فيتكلم، ويذكر أمر بني إسرائيل والأنبياء، ويذكر حال المسيح، ويقول: ميلوا بنا إلى الأمم ،كما قال االله للمسيح: إني وضعتك نورا ً للأمم، فتصير إخلاصا ً إلى أقطار الأرض، فتكلم كل رجل منهم برأيه، وقالوا: ينبغي أن يحتفظ بناموس، وأن يرسل إلى كل بلد من يدعو إلى هذا الدين، وينهاهم عن الذبائح للأوثان، وعن الزنا، وعن أكل الدم. وخرج بولس ومعه رجلان إلى أنطاكية ليقيموا دين المعمودية، ثم رجع بولس، وأخذ، فحمل إلى ملك رومية فقام فتكلم، وذكر حال المسيح، فتحالف قوم على قتله لإفساده دينهم، وذكره المسيح وتقديسه عليه. ملوك السريانيين وكان أول الملوك بعد الطوفان بأرض بابل ملوك السريانيين، فأول من ملك منهم، وعقد التاج على رأسه: شوسان، وكان ملكه ست عشرة سنة، ثم ملك بعده بوير ابنه عشرين سنة، ثم ملك اسماشير بن ألول سبع سنين، ثم ملك بعده عمرقيم ابنه عشر سنين، ثم ملك أهريمون ابنه عشر سنين، ثم ملك سمادان ابنه عشر سنين، ثم ملك سبير ابنه ثماني سنين، ثم ملك هريمون ثماني عشرة سنة، وملك ابنه هوريا اثنتين وعشرين سنة، ثم ملك أرود وحلحابيس كلاهما اثنتي عشرة سنة. ملوك الموصل ونينوى وكان أول من ملك منهم بالوس اثنتين وثلاثين سنة، وملك نينوس بن بالوس اثنتين وخمسين سنة، وبنى مدينة نينوى، ثم ملكت امرأة يقال لها شميرم أربعين سنة، ثم ملك لاوسنسر خمسا ً وأربعين سنة، ثم ملك خمسة عشر ملكا ً لا تاريخ لهم، ولا قصص. ملوك بابل فكان أول ملوك بابل، بعد السريانيين، نمرود الجبار، فملك تسعا ً وستين سنة، وملك كودس ثلاثا ً وأربعين سنة، وملك أرقو عشر سنين، وملك بولس اثنتين وستين سنة، ثم ملك سميرم اثنتين وأربعين سنة ،وملك قوسميس تسعا ً وستين سنة، وملك أنيوس ثلاثين سنة، وملك ليلاوس اثنتي عشرة سنة، وملك اطلوس اثنتين وثلاثين سنة، و ملك سفردس ثلاثين سنة، ثم ملك حازم بودس ثلاثين سنة، ثم ملك سعالوس ثلاثين سنة، وملك سبطاس أربعين سنة، وملك اسنطرس أربعين سنة، وملك دمنوطوس خمسا ً وأربعين سنة، وملك العروس ثلاثين سنة، وملك المقرندوس اثنتين وخمسين سنة، وملك قاربوس ثلاثين سنة، وملك باباوس خمسا ً وأربعين سنة، وملك شرسبا أدوموس أربعين سنة، وملك دارافوس ثمانيا ً وثلاثين سنة، وملك لاوبس خمسا ً وأربعين سنة، وملك فطريس، ثلاثين سنة، وملك فرطاوس عشرين سنة، وملك افرطا ستين سنة، وملك قولا خمسا ً وثلاثين سنة، وملك بعنطس خمسا ً وثلاثين سنة، وملك اسبعلو سرفتم أربع عشرة سنة، وملك اسرعون سبع سنين، وملك قيم حدوم ثلاث سنين، وملك فردوح سبعا ً وأربعين سنة، وملك سنحاريب إحدى و ثلاثين سنة، وملك معرسا ً ثلاثا ً وثلاثين سنة، وملك بخت نصر خمسا ً وأربعين سنة، وملك فرمورج سنة واحدة، وملك سط سفر ستين سنة، وملك ماسوسا ثماني سنين، وملك معوسا سبعة أشهر، وملك داريوش إحدى وثلاثين سنة، وملك كسر حوش عشرين سنة ،وملك فرطنان سبعة أشهر، وملك منحسمت إحدى وأربعين سنة، وملك سعلس سبعة أشهر، وملك داريوش، وهو الذي قتله الإسكندر، تسع عشرة سنة، وملك أرطحشاست سبعا ً وعشرين سنة. هؤلاء الملوك ملوك الدنيا، وهم الذين شيدوا البنيان، واتخذوا المدن، وعملوا الحصون، وشرفوا القصور ،وحفروا الأار، وغرسوا الأشجار، واستنبطوا المياه، وأثاروا الأرضين، واستخرجوا المعادن، وضربوا الدنانير، وصاغوا وكللوا التيجان، وطبعوا السيوف، واتخذوا السلاح، وعملوا آلات الحديد، وصنعوا النحاس والرصاص، واتخذوا المكاييل والموازين، واختطوا البلدان، وقلموا الأقاليم، وأسروا الأعداء ،واستعبدوا الأسراء، واتخذوا السجون، ووصفوا الأزمنة، وسموا الشهور، وتكلموا في الأفلاك والبروج والكواكب، وحسبوا، وقضوا بما يدل عليه الاجتماع والافتراق، والتثليث والتربيع، وااسدات. ملوك الهند قال أهل العلم: إن أول ملوك الهند الذي اجتمعت عليه كلمتهم: برهمن الملك الذي في زمانه كان البدء الأول، وهو أول من تكلم في النجوم، وأخذ عنه علمها، والكتاب الأول، الذي تسميه الهند: السند هند ،وتفسيره دهر الدهور، ومنه اختصر الأرجبهر واسطي، ثم اختصروا من الأرجبهر الأركند، ومن اسطي كتاب بطليموس، ثم عملوا من ذلك المختصرات والزيجات وما أشبهها من الحساب، ووضع التسعة الأحرف الهندية التي يخرج منها جميع الحساب والتي لا تدرك معرفتها، وهي 1 2 3 4 5 6 7 8 9، فالأول منها واحد، وهو عشرة ومائة، وهو ألف، وهو مائة ألف ، وهو ألف ألف، وهو عشرة آلاف ألف، وهو مائة ألف ألف، وعلى هذا الحساب أبدا فصاعدا، والثاني، وهو اثنان، وهو عشرون ،وهو مائتان، وهو ألفان، وهو عشرون ألفا ً، وهو مائتا ألف، وهو ألفا ألف، وعلى هذا الحساب يجري التسعة الأحرف، فصاعدا، غير أن بيت الواحد معروف من العشرة، وكذلك بيت العشرة معروف من المائة، وكذلك كل بيت، وإذا خلا بيت منها يجعل فيه صفر، ويكون الصفر داره صغيرة. وجعلوا الدنيا سبعة أقاليم: فالإقليم الأول الهند، وحده مما يلي المشرق: البحر، وناحية الصين إلى الديبل مما يلي أرض العراق، إلى خليج البحر مما يلي أرض الهند، إلى أرض الحجاز. والإقليم الثاني: الحجاز، حده: هذا الخليج إلى عدن إلى أرض الحبشة مما يلي أرض مصر، إلى الثعلبية مما يلي أرض العراق. والإقليم الثالث: مصر، حده: مما يلي أرض الحبشة إلى أرض الحجاز، إلى البحر الأخضر مما يلي الجنوب ،إلى المغرب، إلى الخليج الذي يلي الروم، إلى نصيبين مما يلي أرض العراق. والإقليم الرابع: وهو العراق، حده مما يلي الهند: الديبل، ومما يلي الحجاز: الثعلبية، ومما يلي أرض مصر والروم: نصيبين، ومما يلي أرض خراسان: ر بلخ. والإقليم الخامس: الروم، حده مما يلي أرض مصر: الخليج، ومما يلي المغرب: البحر، ومما يلي الترك: يأجوج ومأجوج، ومما يلي أرض العراق: نصيبين. والإقليم السادس: يأجوج ومأجوج، حده مما يلي أرض المغرب: الترك، ومما يلي الخزر: البحر، ومفاوز بينه وبين بحور الشمال، ومما يلي المشرق: أرض نصيبين، ومما يلي خراسان: ر بلخ. والإقليم السابع: الصين، حده مما يلي المغرب: يأجوج ومأجوج، ومما يلي المشرق: البحر، ومما يلي الهند: أرض قشمير، ومما يلي خراسان: ر بلخ، وقالوا كل إقليم من هذه الأقاليم يسع مائة فرسخ في مثلها. وذكروا أن قطر الأرض ألفان ومائة فرسخ، ومدها ستة آلاف وثلاثمائة فرسخ، وام قدروا هذا الفرسخ على ستة عشر ألف ذراع. وذكروا أن الذراع الذي يحيط بأسفل دائرة النجوم، وهو فلك القمر، مائة ألف فرسخ وخمسة وعشرون ألفا وستمائة وأربعة وستون فرسخا ً، وأن قطرة من حد رأس الحمل إلى حد رأس الميزان أربعون ألف فرسخ، بتقدير هذه الفراسخ التي قدروا ا الأرض فساعات طول النهار في الإقليم الأول: ثلاث عشرة ساعة، وفي الثاني: ثلاث عشرة ساعة ونصف، وفي الثالث: أربع عشرة ساعة، وفي الرابع: أربع عشرة ساعة ونصف، وفي الخامس: خمس عشرة ساعة، وفي السادس: خمس عشرة ساعة ونصف، وفي السابع: ست عشرة ساعة. و كل مدينة كانت في مقادير طول ارها في هذا القدر، فهي متوسطة الإقليم الذي هي فيه، وما كان فيما بين هذه الأقدار، فهي من الإقليم الذي هي إليه أقرب في مقدار الساعات، فصار وسط الإقليم الأول، على مسيرة نحو من ثلاثين ليلة من خط الاستواء، بأرض اليمن مدينة سبإ وما والاها إلى المشرق والمغرب، وذلك، فيما دون عدن، أبين بقدر عشرة أيام، ووسط الإقليم الثاني مكة وما والاها من المشرق إلى المغرب، ووسط الإقليم الثالث الإسكندرية وما والاها من ناحية الكوفة والبصرة من المشرق والمغرب ،ووسط الإقليم الرابع أصفهان وما والاها مما هو في مثل عرضها من المشرق إلى المغرب، ووسط الإقليم الخامس في أداني أرض مرو وما والاها مما هو في مثل عرضها من المشرق إلى المغرب، ووسط الإقليم السادس برذعة وما والاها مما هو في مثل عرضها ما بين المشرق إلى المغرب، ووسط الإقليم السابع بجبال الترك وما والاها مما هو في مثل عرضها مما بين المشرق والمغرب. وقالت الهند إن االله، عز وجل، خلق الكواكب في أول دقيقة من الحمل، وهو أول يوم من الدنيا، ثم سيرها من ذلك الموضع في أسرع من طرفة العين، فجعل لكل كوكب منها سيرا ً معلوما ً حتى يوافي جميعها، في عدة أيام السند هند، إلى ذلك الموضع الذي خلقت فيه كما كانت كهيئتها الأولى، ثم يقضي االله، تبارك وتعالى، ما أحب، فقالوا: إن جميع أيام الدنيا من السند هند، منذ أول ما دارت الكواكب إلى أن تجتمع جميعا ً في دقيقة الحمل، كما كانت يوم خلقت: ألف ألف ألف ألف، وخمسمائة ألف ألف ألف، وسبعة وسبعون ألف ألف ألف، وسبعمائة ألف ألف، وستة عشر ألف ألف، وأربعمائة ألف ،وخمسون ألف يوم، يكون ذلك شهورا ً ستين ألف ألف ألف، وثماني مائة ألف ألف، وأربعين ألف ألف شهر، ويكون من السنين أربعة آلاف ألف ألف، وثلاثمائة ألف ألف، وعشرين ألف ألف سنة كاملة بسني الشمس على مدارها، والسنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما ً وربع يوم و خمس ساعات، وجزء من أربعمائة جزء من ساعة. ثم اضطرب أمر الملك بالهند، فأقام زمانا ً طويلا ً وهو ممالك مفترقة في البلاد، لكل طائفة مملكة، حتى غزم الملوك فخافوا أن يدخل عليهم الوهن، وكانوا أهل حكمة ومعرفة وعقول، مجاوزين ا مقدار غيرهم من الأمم فأجمعوا على تمليك رجل واحد، فملكوا زارح، وكان عظيم الشأن، جليل القدر، فعظم ملكه، و جل سلطانه، حتى سار إلى أرض بابل، ثم تجاوزها إلى ملوك بني إسرائيل، وهو الذي غزا بني إسرائيل، بعد أن مات سليمان ابن داود بعشرين سنة، وملك إسرائيل يومئذ رحبعم بن سليمان، فضجت بنو إسرائيل إلى االله تعالى، فسلط االله على زارح وجيشه الموت، فانصرف إلى بلاده. ومن ملوكهم فور، وهو الذي غزا بلاده الإسكندر لما قتل ملك الفرس، وغلب على أرض العراق وما والاها مما كان في مملكة داريوش، وذلك أنه كتب إليه يأمره بالدخول في طاعته، وكتب إليه فور أنه يزحف إليه بالجيوش، بدر الإسكندر، فصار إلى بلاده، وخرج إليه فور، فحاربه، وأخرج فور الفيلة وكان العلو على الإسكندر، فكانت لا يقف لها شيء، فعمل الإسكندر تماثيل من نحاس، ثم حشاها بالنفط والكبريت، وأشعل النار في داخلها، ثم صيرها على عجل، وألبسها السلاح، ثم قدمها أمام الصفوف، فلما تلاقوا دفعتها الرجال إلى الفيلة، فلما قربت حملت عليها الفيلة بخراطيمها، فكانت تلف الخراطيم على ذلك النحاس وهو يلهب فتشتوي، وتنصرف منهزمة، فتفل كراديس الهند، ولكهم، ثم دعا الإسكندر فور ملك الهند إلى أن يبارزه، فبرز له، فقتله الإسكندر مبارزة بعدله، واستباح عسكره. ومن ملوكهم كيهن، وكان رجلا حكيما، ذكيا، أديبا، فملكه الإسكندر بعد فور على جميع أرض الهند ،وكان كيهن قد استعمل الفكر، فكان أول من قال بالتوهم، وإن الطبيعة تنصرف إلى ما تتوهمه، فما توهمت أنه ينفعها نفعها وإن كان ضارا ً، وكان كيهن يأكل البيش، وهو السم القاتل، ثم يتوهم أن على قلبه أحمال ثلج، فلا يضره ذلك البيش، حتى احترقت رطوبته، وكان من أصح خلق االله ذهنا، وأحفظه وأذكاه. ومن ملوكهم دبشليم، وهو الذي وضع في عصره كتاب كليلة ودمنة، وكان الذي وضعه بيدبا حكيم من حكمائهم، وجعله أمثالا ً يعتبر ا، ويتفهمها ذوو العقول، ويتأدبون ا، فكان أول باب منها باب السلطان الذي سعى إليه البغاة بخاصته وأصحابه المقدمين عنده، وكيف ينبغي أن يستعمل الأناة والتثبيت ،ولا يعجل بقول السعاية، وهو باب الأسد والثور. الباب الثاني باب الفحص عن الأمور، وكيف تكون العواقب فيها، وما يؤدى إليه البغي و التهور والكيد من سوء العاقبة، وهو باب الفحص عن خبر دمنة. الباب الثالث باب الأعداء والتحرز منهم والحيلة لهم، والكلام الذي يكسب العداوة، وما يجب من مداراة الأعداء، وانتهاز الفرصة فيهم عند إمكان الأمر، والتضرع لهم حتى يمكن الانتقام منهم، وهو باب البوم والغربان. الباب الرابع باب المشاورة للعلماء والاستعانة بأهل الحزم والأمانة، وإفشاء الأمور إلى أهل العقل، وهو باب بلاذ. الباب الخامس باب المعروف وإلى من ينبغي أن يصطنع وكيف يفسده سوء الشكر إذا وضع غير موضعه ،وحمله من لا يستحقه، وكيف يعرف موضعه عند أهله الذين يشكرونه، وهو باب السلحفاة والببر والقرد والنجار. الباب السادس باب الظفر بالأمر، وإضاعته بعد إمكانه، والعجز عن حفظه بعد القدرة عليه، وهو باب القرد والغيلم. الباب السابع باب المداراة ومصانعة أهل الشأن، واحتراز مودم، واستماله أهل الانحراف حتى يتخلص من السوء، وهو باب السنور والجرذ. الباب الثامن باب معرفة السلطان بأعوانه وأقربائه وأهل دخلته، واستصلاحه من نالته جفوته منهم ،واجتلاب ردئه، والاستعانة على أموره بأهل العفاف والمودة، وتفقد أحوال أعوانه وحاشيته، ومكافأة المحسن، ومعاقبة المسيء على الإساءة، وهو باب الأسد وابن آوى. الباب التاسع باب الإخوان والمتصادقين على صحة مودام، ومقدار الإخوان، وعظم النفع م ،ومعاونتهم على أمور الشدة والرخاء، وهو باب الحمامة المطوقة. الباب العاشر باب طلب نفع الناس بضر النفس، والتفكر في العاقبة، وهو باب اللبؤة والأسوار. وقال بعض علماء الهند إن أهل بلاد الهند تواتر عليهم الموت، حتى ذهب علماؤهم، وضعف الملك، وإنه لما ملك هشران طلب من يحيى له شرائع دين آبائه، فأتاه قفلان، وكان داهية، فقال له: إن الناس جزء من الحيوان، وإن الحيوان جزء من النامي، وإن النامي من الطبائع الأربع التي هي: النار والهواء والأرض والماء ،وإن النامي ينقسم على ثلاثة أقسام: أحدها النبات، وله النمو فقط، والثاني ما يكون في البحر من الأصداف وما أشبهها، وله نمو وحس، والثالث الحيوان البري، وله نمو وحس وحركة، وإن الحيوان أقل وأحقر من أن يدبرهم الخالق، وإنما يدبرهم ويصرفهم الفلك. فقال له الملك: أرني صورة ما تقول وبرهانه! فوضع النرد، وقال: اتفق الناس على أن دور الزمان سنة ،ومعناها اثنا عشر شهرا ً، ومعناها البروج الاثنا عشر، وعلى أن أيام الشهر ثلاثون يوما ً، ومعناها لكل برج ثلاثون درجة، وعلى أن الأيام سبعة، ومعناها الكواكب السبعة السيارة، ثم جعل تشبيها لذلك، فوضع عرصة شبيهة بالسنة، وصير فيها أربعة وعشرين بيتا ً عدد ساعات الليل والنهار، في كل ناحية اثنا عشر بيتا ً تشبيها بشهور السنة والبروج، وصير لها ثلاثين كلبا ً تشبيها بأيام الشهر ودرج البروج، وصير الفصين تشبيها بالليل والنهار، وفي كل فص ست جهات لأنه عدد تام له نصف وثلث وسدس، في كل فص، إذا سقط من أعلاه وأسفله، سبع نقط: تحت الست واحدة، وتحت الخمس اثنتان، وتحت الأربع ثلاث ،تشبيها ً بعدد الأيام والكواكب السبعة السيارة، وهي: الشمس، والقمر، وزحل، والمشتري، والمريخ ،وعطارد، والزهرة، ثم جعلها محنة بين رجلين، وأعطى كل واحد فصا ً، وقال: من أعطيته هذه السبع النقط من أعلاها أكثر من صاحبه بدا، فاجتمع له الفصان، فضرب، وما ظهر من الفصين تقلب الكلاب عليه، وجعل ذلك تمثيلا ً للحظ الذي يناله العاجز بما جرى له الفلك، والحرمان الذي يبتلي به الحازم، على حسب ما يجري له الفلك، فلما ظهر ذلك قبله الملك، وفشا في أهل المملكة، وصار أهل الهند تجري أمورها بما تدبره الكواكب السبعة السيارة. وملك بلهيت وقد غلب على أهل المملكة هذا الدين، وكان له عقل ومعرفة، فلما رأى ما عليه أهل مملكته ساءه ذلك، وبلغ منه، ثم سأل: هل بقي رجل على دين البرهمية؟ فدل على رجل له عقل ودين ،فأرسل إليه، فلما أتاه أكرمه، ورفع درجته، ثم ذكر له ما قد فشا في أهل مملكته، فقال: أيها الملك! أنا أقيم برهانا ً اضطر به، ويعرف به فضل الحازم، وموضع تقصير العاجز، واجعلها صورة بين اثنين ليبين فضل الحازم على العاجز، واتهد على المقصر، والمحتاط على المضيع، والعالم على الجاهل، فوضع الشطرنج، وتفسيرها بالفارسية هشت رنج، وهشت ثمانية، ورنج صفح، وصيرها ثمانية في ثمانية، فصارت أربعة وستين بيتا ً، وصيرها اثنين وثلاثين كلبا ً، مقسومة بين لونين، كل لون ستة عشر كلبا ً، وقسم الستة عشر على ست صور فالشاة صورة، والفرز صورة والفيلان صورة، والرخان صورة، والفرسان صورة ،والبيادق صورة، فاشتق ذلك من زوج الزوج، وهو أحسن ما يكون من الحساب لأن الأربعة والستين ،إذا قسمتها، كان لها نصف، وهو اثنان وثلاثون، وهي عدة جميع الكلاب، وإذا نصفت الاثنين والثلاثين كان لها نصف، وهو ستة عشر، وهو ما لكل واحد من الكلاب، وإذا نصفت الستة عشر كان لها نصف، وهو ثمانية، وهي عدة بيادق كل واحد، فإذا نصفت الثمانية كان لها نصف، وهو أربعة، وهو الرخان والفرسان من كل واحد فإذا نصفت الأربعة كان لها نصف، وهو اثنان، فقد انقسمت أزواجا ً ولم يبق في القسم بعد الأزواج إلا الواحد الذي يقسمها كلها آحادا ً، وهو ليس بعدد، ولا معدود، ولا زوج، ولا فرد، لأن أول أعداد الفرد ثلاثة. ثم قال الحكيم: ليس شيء أجل من الحرب، لأنه يبين فيها فضل التدبير، وفضل الرأي، وفضل الحزم ،وفضل الاحتياط، وفضل التعبية، وفضل المكيدة، وفضل الاحتراس، وفضل النجدة، وفضل البأس، وفضل القوة، وفضل الجلد، وفضل الشجاعة، فمن عدم منه شيء من هذا عرف موضع تقصيره لأن خطأها لا يستقال، والعجز فيها متلف للمهج، والجهل مبيح للحمى، وترك الحزم ذهاب الملك، وضعف الرأي جلب للعطب، والتقصير سبب الهزيمة، وقلة العلم بالتعبية داعية الانكشاف، وقلة المعرفة بالمكيدة ور إلى الهلكة، وترك الاحتراس زه للعدو، وجعلها على مثال الحرب، فإن أصاب ظفر وإن أخطأ هلك. فلما رأى الملك صحة البرهان، وتبين فضل حكمة الحكيم، وعلم أن قد أصاب وأحسن التمثيل، وأبان عما قد عمي عنه، جمع أهل مملكته، فعرفهم ما كشف االله عنهم من الغم، وأمرهم أن يقيموها ويتأملوها ،وقال لهم، قد علمنا أن ليس في العالم حي ناطق، مفكر، ضاحك عاقل إلا الإنسان، فالإنسان عليه مدار جميع ما في العالم، لأن الفلك بجميع ما فيه خلقه الخالق للإنسان ليعرف به ما يحتاج إليه من زمانه وأوقاته، وكذلك ذلل له جميع ما في الأرض، وكل ما خلق االله مما في قعر البحر، وجو السماء ورؤوس الجبال فلما ملك الإنسان جميع ما خلق قسم ذلك الإنسان ثلاثة أقسام فأكل ثلاثا ً، وسخر ثلاثا ً، وقتل ثلاثا ً: فأكل الطير والسمك وما شاء من النعم والإبل، وسخر البقر والحمير والدواب، وقتل السباع والحيات والهوام، ثم جعل فيه آلات يعلم ا، ويعقل ا، ويدرك ا، ويفهم، ففضل الناس بعضهم بعضا بالعلم والعقل والفهم. وقد زعم علماء من علماء الهند أنه لما ملكت حوسر بنت بلهيت خرج عليها خارجي، وكانت جارية عاقلة، فوجهت ابنا ً لها، وكان لها أربعة أولاد، فقتل ذلك الخارجي ابنها، فعظم ذلك أهل مملكتها ، وأشفقوا من أخبارها، فاجتمعوا على حكيم من حكمائهم يقال له قفلان، وكان ذا حكمة وفطنة ورأي ،فذكروا ذلك له، فقال: أنظروني ثلاثا ً! ففعلوا ذلك، وخلا ً مفكرا ً، ثم قال لتلميذ له، أحضرني نجارا ً وخشبا ً من لونين مختلفين، أبيض وأسود، فأحضره نجارا ً فارها، وخشبا ً من لونين مختلفين، أبيض وأسود ،فصور صورة الشطرنج، وأمر النجار، فنجرها، ثم قال له: أحضرني جلدا ً مدبوغا ً! فأمره أن يخط فيه أربعة وستين بيتا ً، ففعل ذلك، فنصب ناحية، ثم تجاولا حتى فهماها وأحكماها، ثم قال لتلميذه: هذه حرب بلا ذهاب أنفس. ثم حضره أهل المملكة، فأخرجها لهم، فلما رأوها علموا أا حكمة لا يهتدي لها أحد، وجعل يجاول تلميذه، فيقع شاة مات، وشاة غلب، فأخبرت الملكة بخبر قفلان ،فأحضرته، وأمرته أن يريها حكمته ،فأحضر تلميذه، ومعه الشطرنج، فنصبها بينه وبينه، فلعبا فغلب أحدهما صاحبه، فقال، شاه مات! فانتبهت، وعلمت ما أراداه، وقالت لقفلان: أقتل ابني؟ قال: أنت قلت! فقالت لحاجبها: أدخل الناس ،يعزوني فلما فرغت أحضرت قفلان وقالت له: سل حاجتك! فقال: أسأل أن أعطى قمحا ً بعدد بيوت الشطرنج، أعطى في البيت الأول حبة وفي الثاني اثنتين، ثم يضعف ذلك لي في البيت الثالث على الثاني ،ثم على هذا الحساب إلى آخرها. قالت: وما مقدار هذا؟ ثم أمرت بالحنطة أن تحضر، فلم يقم لذلك شيء حتى أنفدت قموح البلد، ثم قوم القمح بالمال حتى فنى المال، فلما كثر ذلك قال: لا حاجة لي به! إن قليل الدنيا يكفيني. ثم سألته عن عدد الحب الذي سال، فقال لها: يكون ذلك عددا ً، وهذا ما في الشطرنج من العدد: السطر الأول مائتان وخمسة وخمسون. الثاني اثنان وثلاثون ألفا ً وسبعمائة وثمانية وستون. الثالث ثمانية آلاف ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانون ألفا وستمائة وثمانية. الرابع ألفا ً ألف ألف، ومائة وسبعة وأربعون ألف ألف، وأربعمائة وثلاثة وثمانون ألفا ً، وستمائة وثمانية وأربعون. الخامس خمسمائة وتسعة وأربعون ألف ألف ألف، وسبعمائة وخمسة وخمسون ألف ألف، وثماني مائة ألف، وثلاثة عشر ألفا ً، وثماني مائة وثمانية وثمانون. السادس مائة وأربعون ألف ألف ألف، و سبعمائة وسبعة وثلاثون ألف ألف ألف، وأربعمائة وثمانية وثمانون ألف ألف، وثلاثمائة وخمسة وخمسون ألفا ً، وثلاثمائة وثمانية وعشرون. السابع ستة وثلاثون ألف ألف ألف ألف ألف، وثمانية وعشرون ألف ألف ألف ألف، وسبعمائة وسبعة وتسعون ألف ألف ألف ،وثمانية عشر ألف ألف، وتسعمائة وثلاثة وستون ألفا ً، وتسعمائة وثمانية وستون. الثامن تسعة آلاف ألف ألف ألف ألف ألف، ومائتان وثلاثة وعشرون ألف ألف ألف ألف ألف ،وثلاثمائة واثنان و سبعون ألف ألف ألف ألف، وستة وثلاثون ألف ألف ألف، وثماني مائة وأربعة و خمسون ألف ألف، وسبعمائة وخمسة وسبعون ألفا ً، وثماني مائة وثمانية، يكون جميع ذلك في الشطرنج الثمانية ثمانية عشر ألف ألف ألف ألف ألف ألف، وأربعمائة وستة وأربعين ألف ألف ألف ألف ألف ،وسبعمائة وأربعة وأربعين ألف ألف ألف ألف، وثلاثة وسبعين ألف ألف ألف، وسبعمائة وتسعة آلاف ألف وخمسمائة وواحدا ً وخمسين ألفا ً وستمائة وخمسة عشر. ومنهم كوش الملك الذي كان في زمان سندباذ الحكيم، وكوش هذا وضع كتاب مكر النساء. والهند أصحاب حكمة ونظر، وهم يفوقون الناس في كل حكمة، فقولهم في النجوم أصح الأقاويل، وكتام فيه كتاب السند هند الذي منه اشتق كل علم من العلوم مما تكلم فيه اليونانيون والفرس وغيرهم، وقولهم في الطب المقدم، ولهم فيه الكتاب الذي يسمى سسرد فيه علامات الأدواء، ومعرفة علاجها وأدويتها، وكتاب شرك، وكتاب ندان في علامات أربعمائة وأربعة أدواء ومعرفتها بغير علاج، وكتاب سند هشان، وتفسيره صورة النجح، وكتاب فيما اختلفت فيه الهند والروم من الحار والبارد و قوي الأدوية وتفصيل السنة، وكتاب أسماء العقاقير كل عقار بأسماء عشرة، ولهم غير ذلك من الكتب في الطب، ولهم في المنطق والفلسفة كتب كثيرة في أصول العلم منها: كتاب طوفا في علم حدود المنطق، وكتاب ما تفاوت فيه فلاسفة الهند والروم، ولهم كتب كثيرة يطول ذكرها ويبعد عرضها. ودين أهل الهند البرهمية، وفيهم عبدة الأصنام، ولهم ممالك مختلفة وملوك متفرقة لسعة البلد في طوله وعرضه، فأول ملوكهم مما يتاخم البلاد التي هي اليوم في دار الإسلام: دانق، وهو ملك عظيم القدر ،واسع المملكة، كثير العدة، ثم من بعده رهمي، وهو أعظم قدرا ً وأعز بلادا ً، وهو على بحر من البحور ، وفي بلده الذهب وما أشبهه، ثم مملكة بلهري، ثم الكمكم ومن عندهم يأتي الساج، ولهم اتساع في البلاد، ثم مملكة الطافن، وهم قوم بيض الوجوه، ثم مملكة كنباية، ومملكة الطرسول، ومملكة الموسة، ومملكة المايد، وهذه الممالك تتاخم الصين، وهم يحاربون الصين، ثم مملكة سرنديب، ثم مملكة قمار، وهي مملكة جليلة القدر، عظيمة الأمر، يتقدم لملكهم الملوك، ثم مملكة الديبل، ثم الفاريط، ثم مملكة الصيلمان، ولهم بعض ممالك يليها النساء. اليونانيون وكان لليونانيين حكماء متفلسفون، وفلاسفة متكورون، ومنهم من تكلم في الطب، ومنهم من تكلم في حقائق الأمور، ومنهم من تكلم في الحساب والأعداد، ومنهم من تكلم في الأفلاك و النجوم، ومنهم من تكلم في الحساب والقسمة، ومنهم من قال في الهندسة والفلاحة، ومنهم من قال في الصنعة والإكسيرات ،ومنهم من قال في الفراسة، ومنهم من قال في الطلسمات والآلات فيقال إن أول حكيم وضع كتابا ً ، ودون علما ً، أبقراط مقليدس بن أبقراط، فبفلسفته يتفلسف الحكماء في الطب، وإليه يرجعون في المعرفة ،وله من الكتب: كتاب الفصول، وكتاب البلدان والمياه و الأهوية، وكتاب ماء الشعير، وكتاب تقدمة المعرفة، وكتاب الجنين، وكتاب الأركان، وكتاب الغذاء، وكتاب الأسابيع، وكتاب أوجاع النساء ،وكتاب أبيذيميا، فهذه مشهورات من كتبه، وله بعد ذلك كتب كثيرة، فالكتب التي لا بد للمتطببين من معرفتها من كتب أبقراط أربعة، وهي: كتاب الفصول، و كتاب تقدمة المعرفة، وكتاب الأهوية والأزمنة ،وكتاب ماء الشعير. فأما كتاب الفصول، فإنه قال في كل وجه من العلم قولا جامعا، في سبعة وخمسين بابا ً، وهي التي تسمى التعليمات: فالتعليم الأول في الصنعة وصنفها قال أبقراط: العمر قصير، والصناعة طويلة، والزمان حديد ،والتجربة خطرة، والقضاء عسر. التعليم الثاني في أصناف الطعام للمرضى وتقديره قال أبقراط: الأطعمة اللطيفة دقيقة جدا ً ليست في الأمراض المزمنة، ولا في الحادة، والأطعمة أيضا ً التي على أقصى حد اللطافة ردية مثلما أن الماء الذي على الحد الأقصى ردي. التعليم الثالث في اهتياج الحمى قال أبقراط: ينبغي أن يتحفظ في الطعام، وإن الزيادة منه مضرة، وكل ما يعرض من الأمراض في الحين بعد الحين، فينبغي التحفظ عند اهتياجها. التعليم الرابع في علامات الأمراض قال أبقراط: الدليل على حال الأمراض ما يظهر من لفظ الجسد فيها: مثل من به ذات الجنب، إن ظهر منه نفث عاجل من أول المرض قصر مرضه، وإن ظهر ذلك متأخرا ً طال مرضه، وفي مثل البول والبراز والعرق، إذا ظهر على الوجه الذي يجري عليه القضاء بالفرج، أو على خلاف ذلك على قصر الأمراض وطولها. التعليم الخامس قال أبقراط: كلما نشت، يعني ذوات الأرواح، فهو كثير الحرارة الغريزية، ولذلك يحتاج إلى كثرة الطعام وإلا بلي جسده. التعليم السادس فيما ينبغي أن يطعم للمحمومين من الطعام، قال أبقراط: التدبيرات الرطبة بجميع المحمومين أمثل، ولا سيما للصبيان ولغيرهم من الذين اعتادوا ذلك التدبير، لبعض مرة، ولبعض اثنتين وأكثر وأقل، ومرة بعد مرة، وأعطوا الساعة والعادة والبلاد والسن حقها. التعليم السابع في معرفة الموقت قال أبقراط فيما يتفرج وما قد تفرج: ينبغي أن لا يحرك، ولا يحدث به حدث لا بأدوية، ولا بغيرها، مما يهيج ذلك. التعليم الثامن في النوم قال أبقراط: في أي مرض كان إن جاءه النوم بوجع، فذلك يموت، وإن نفع النوم ،فليس بميت، وإن رد النوم ذهاب العقل، فذلك صالح. التعليم التاسع في سقي الدواء قال أبقراط: ينبغي لمن أراد تنقية الأجساد أن ينقيها قبل ذلك أي إذابة ما فيها من الكيميوس الغليظ. التعليم العاشر في البراز قال أبقراط: إن وقع في الجسد وجع، أو خرجت في الجسد خراجات، فعند ذلك ينبغي أن ينظر في البراز، فإن كانت مرة صفراء فالجسد كله مريض، وإن كان شبيها ببراز الأصحاء فالطعام الحشد. التعليم الحادي عشر قال أبقراط في الأمراض الحادة لأا ربما أسرعت إلى الدماغ، أو إلى القلب، أو الكبد، فتهلك، وربما أسرع انحطاطها فتبرأ. التعليم الثاني عشر في القضاء في الفرج قال أبقراط: الأمراض الحادة يقضي عليها بالفرج في أربعة عشر يوما ً. التعليم الثالث عشر قال أبقراط: عند ابتداء الأمراض إن رأيت أن تحرك شيئا ً، فحرك، و إن صعدت العلة، فلزوم الكف أفضل، أي إن رأيت موضعا للعلاج، فقبل أن تصعد العلة. التعليم الرابع عشر في معرفة صالح الأمراض وطالحها قال أبقراط: في كل مرض صحة عقل المريض حسن، وقبوله ما يقضي خير، وخلاف ذلك شر أي ما يجد العليل في الدماغ والمعدة. التعليم الخامس عشر في المخنوقين قال أبقراط: الذين يخنقون ويخلون قبل أن يموتوا إن ظهر في أفواههم زبد لم يسلموا. التعليم السادس عشر في إضمار الجسد والعناء قال أبقراط: في كل تحريك الجسد، إذا بدا بتعب، ثم ودعته مكانك لم يضر التعب. التعليم السابع عشر في انقلاب الساعات قال أبقراط: انقلاب الساعات عن عظم البرد والحر وغير ذلك مما يجري مجراه أي انقلاب ساعات الزمان من أجزاء السنة. التعليم الثامن عشر في العرق قال أبقراط: إذا كان الزمان شبيها بالصيف يعني الربيع فعند ذلك ينبغي أن يتوقع كثرة العرق مع كل حمى تعرض. التعليم التاسع عشر في الساعات قال أبقراط: إن كان الشتاء يابسا ً بلا رطوبة، وكانت رياحا ً شمالا ً، كان الصيف، يعني الربيع، ممطورا ً، وكانت رياحة يمانية، فلا بد أن يكون في القيظ حميات حادة، ووجع العين واختلاف من الأعفاج، وعامة ذلك في النساء والذين في طبيعتهم رطوبة. التعليم العشرون في تدبير السنين قال أبقراط: السنة اليابسة أوبأ من الممطورة الرطبة، عامتها حميات طويلة، وسيلان البطون، وخروج متماشية، وجنون، وفالج، وذبحه، وأما أمراض السنة اليابسة، فقرح في الرئة، ووجع العيون والمفاصل، وتقطير البول، واختلاف من خراج الأعفاج. التعليم الواحد والعشرون في أمراض الساعات والأسنان قال أبقراط: في الساعات على ما يكون من الأمراض في الصيف وأول القيظ: الغلمان والذين يتلوم في السن أصحاء، وحسن حالهم أفضل من غيرهم، وفي القيظ، وبعض الربيع: الشيوخ أحسن حالا ً، وفي سائر الربيع والشتاء: أهل النصفة في السن أفضل حالا ً. التعليم الثاني والعشرون في الأمراض التي تصيب الإنسان فيبدأ بالولدان قال أبقراط: الأمراض التي تصيب الولدان الصغار قرح وسعال، وسهر وفزع، وورم في السرر، ورطوبات الأذنين. التعليم الثالث والعشرون قال أبقراط: والأمراض التي تصيب الصبيان، إذا كبروا: وجع اللوزتين، ور، و حصاة، ودود عراض ،ودود طوال، ودود مثل دود الخل، وثاليل، وغلظ في أبشارهم، وخنازير وخراجات أخر، والذين أكبر منهم ممن قد راهق الاحتلام: يصيبهم أمر آخر، ويقضي عليهم بالفرج إلى أربعين يوما ً، بعضها إلى سبعة أشهر، ومنها إلى سبعين يوما ً، ومنها إذا راهقوا الاحتلام. وكل أمراض لا تنجلي عن الصبيان إلى الاحتلام، وعن الجواري إلى أن يطمثن، فتلك أمراض تثوي زمانا ً طويلا ً. التعليم الرابع والعشرون في معرفة ما تداوي به النساء الحوامل، قال أبقراط: النساء الحوامل يداوين لأربعة أشهر فما دون ذلك من صغر الولد، وأما ما زاد من كبره، فينبغي أن يحذر علاجهن. التعليم الخامس والعشرون قال أبقراط: ينبغي أن يداوي ما فوق في الصيف و ما أسفل في الشتاء، يعني ما كان فوق الرأس والمعدة، وما كان أسفل من المرة الصفراء، وما أسفل من الخام وما أشبهه. التعليم السادس والعشرون في ذي المشي قال أبقراط: عند شرب الأدوية والخربق ينبغي أن يرطب أجساد الذين لا تخف التنقية عليهم من فوق قبل الدواء بكثرة الطعام. التعليم السابع والعشرون في الاختلافات طوعا ً قال أبقراط: إذا جاء الاختلاف طوعا ً كأنه دم أسود مع حمى، أو غير حمى، فذلك اختلاف سوء، وإن كان اختلاف كثير الألوان منتقل من ألوان صالحة إلى ألوان ردية، فذلك اختلاف سوء أيضا ً، وإن جاء الأول بدواء، فهو أمثل، والكثير الألوان فلا بأس به. التعليم الثامن والعشرون في الفراغ من حيث كان قال أبقراط: كل محموم يعرض له اختلاف لأن كثرة إفراغ الدم ترخي الكبد ثم تسقم النضج. التعليم التاسع والعشرون في العرق قال أبقراط: العرق في المحمومين خير إن جاء في اليوم الثالث، أو الخامس أو السابع عشر، أو الواحد والعشرين، أو الواحد والثلاثين، أو الرابع والثلاثين، لأن هذا يفرج عن المريض، فأما الذي يكون في غير هذه الأيام، فذلك عرق مؤذن بوجع وطول مرض ونكسه. التعليم الثلاثون في الحميات اللازمة قال أبقراط: الحميات اللازمة التي لا تقلع بل تشتد في اليوم الثالث، فتلك أقرب إلى الهلاك، والتي تقلع إلى أي وجه كان من الأقلاع، فتلك أبعد إلى الهلاك. التعليم الحادي والثلاثون في علامات الموت قال أبقراط: الحميات اللازمة التي لا تقلع، إن كان ظاهر الجسد باردا وداخله يحترق، وكان بصاحبه عطش، فتلك علامات موت. التعليم الثاني والثلاثون في الانقباض والكزاز قال أبقراط: من أصابه انقباض، أو كزاز، فتبعت ذلك الحمى انحل مرضه. التعليم الثالث والثلاثون قال أبقراط: من كانت به حمى، فأصابه حر شديد في جوفه ووجع في قلبه فذلك شر. التعليم الرابع والثلاثون قال أبقراط: من كانت به حمى، فورمت شراسيفه، وأشرفت وظهرت به قرقرة في جوفه، فأصابه مع ذلك وجع صلبه، فلم يتفرج بأرواح تخرج منه، أو ببول كثير، أو يتفرج باختلاف هلك. التعليم الخامس والثلاثون في شرب الخربق قال أبقراط: من أصابه انقباض من كثرة الاختلاف على شرب الخربق فذلك ميت. التعليم السادس والثلاثون في القروح في الرئة، والضمر في الرئة، يكون ذلك في ثمانية عشر إلى خمسة وثلاثين. التعليم السابع والثلاثون في الماء الحار والبارد قال أبقراط: الماء الحار، إذا أدمنت عليه يرخي اللحم ،ويذهب بشدة العصب، ويخدر العضل، ويهيج الرعاف، ويضعف النفس، وإن دام ذلك مات، والبارد يأتي بكزاز وتسود، ويأتي بنافض وحمى. التعليم الثامن والثلاثون في معرفة المياه قال أبقراط: الماء الحار ينضج المدة، وليس في كل جرح، ولنضج المدة علامات كثيرة، وهي لين الجلد، وضم الورم، وإذا كان الماء الحار يفعل ذلك يذهب الوجع ،ويسكن النافض والانقباض والكزاز، ويحل وجع الرأس. التعليم التاسع والثلاثون في أمور النساء قال أبقراط: البخور بالطيب جلاب لطمث النساء، نافع لذلك ،ولأشياء كثيرة غير ذلك، إلا أنه يهيج وجعا في الرأس وصداعا ً. التعليم الأربعون قال أبقراط: أيما امرأة ليست بحبلى، ولا مرضعة، وتجد في ثدييها لبنا ً، فذلك دليل على أن دم طمثها قد انقطع. التعليم الحادي والأربعون قال أبقراط: إن الأولاد الذكور أكثر ما يكونون في يمين الأرحام، والإناث في يسراها. التعليم الثاني والأربعون قال أبقراط: النساء الحبالى اللاتي تصيبهن الحمى، فتصلب عليهن فأولئك من غير علة معروفة تبين، فإن ذلك دال على هلاك، ويسقطن، فيهلكن. التعليم الثالث والأربعون قال أبقراط: أعط اللبن لمن يشتكي رأسه ولمن به عطش، وأيضا ً لمن به اختلاف من مرة صفراء وحمى حادة، ولمن اختلف دما كثيرا ً، وهو موافق أن يعطي لمن به ضمر وقرح في رئته، إذا لم يكن محموما جدا ً، ويعطي لمن كانت حماه لينة، فاترة، مزمنة، من غير أن يكون به شيء من العلامات التي ذكرنا ويكون جسده ناحلا ً جدا ً. التعليم الرابع والأربعون في إزلاق الأمعاء قال أبقراط: من أصابه زلق الأمعاء وطال به، ثم تبع ذلك ، جشاء حامض لم يكن به قبل ذلك فذلك علامة خير، وهو مرض يكون له ثلاثة أسباب: من قبل ضعف المعدة، أو من قبل بلغم بل المعدة، أو من قبل قرح يكون في المعدة. التعليم الخامس والأربعون قال أبقراط: من أصابه وجع في رأسه وضربان شديد، فذلك إن سال من أنفه، أو من أذنيه، أو من فمه قيح ،أو ماء، حل وجعه. التعليم السادس والأربعون قال أبقراط: من أصابه انقطاع في مثانة، أو دماغ، أو قلب، أو صفاق، أو شيء من الأمعاء الدقاق، أو في معدة، أو في كبد، فذلك كله مميت. التعليم السابع والأربعون قال أبقراط: من أصابه فزع، أو خبث نفس زمانا ً كثيرا ً دائما ً، فذلك يصير إلى المرة السوداء. التعليم الثامن والأربعون قال أبقراط: شرب الخمر صرفا، والكماد الحار، وقطع العروق، وشرب الدواء يحل وجع العينين. التعليم التاسع والأربعون قال أبقراط: ترك كل خراج سرطاني لا يعالج أفضل، فإن أصحابه إن عولجوا هلكوا سريعا ً، فإن لم يعالجوا بقوا زمانا ً. التعليم الخمسون قال أبقراط: الخراج الذي ينتأ سنة، وأكثر من ذلك، فلا بد من أن يقلع منه عظام ،ويبقى آثارها كالجرب. التعليم الحادي والخمسون قال أبقراط: ذهاب العقل الذي يأتي الضحك معه يؤثر به، وذهاب العقل مع الحزن والعبوس لا يؤثر به. التعليم الثاني والخمسون قال أبقراط: في الأمراض الحادة، إذا بردت الأطراف، فذلك شر. التعليم الثالث والخمسون قال أبقراط: من خرج في كبده خراج، ثم تبعه فواق، فذلك شر. التعليم الرابع والخمسون قال أبقراط: من كانت به حمى، وكان ببوله ثفل غليظ شبيه بدشيش الطحين ،فذلك دليل على أن مرضه يطول. التعليم الخامس والخمسون قال أبقراط: من قاء دما ً من غير أن تصيبه غلبة، فهو يتخلص، فإن أخذته غلبة حمى، فهو خبيث، وينبغي أن يعالج بكل دبوغ، أي من الأدوية الدابغة. التعليم السادس و الخمسون قال أبقراط: من كان يتقيأ القيح، فكوى، وخرج القيح أبيض نقيا ً سلم صاحبه، وإن خرج منتنا ً وسخا ً هلك صاحبه، وإن كان بكبده خراج قد قيح، وكوى، وخرج القيح نقيا ً أبيض سلم لأن القيح في صفاق الكبد، وإن خرج القيح شبه ماء الزيتون هلك صاحبه. التعليم السابع والخمسون قال أبقراط: العطاس يكون من قبل الرأس، إذا سخن الدماغ، أو برد، أو ترطب ما بين الدماغ وصفاقه، وامتلأ فيفرغ ذلك الهواء، ويكون له نغنغة لأن مخرجه من ضيق، فهذه أبواب كتاب الفصول. و أما كتابه في تقدمة المعرفة فهو ثلاثة فصول وعشرون تعليما ً: الأول يخبر أبقراط كيف ينبغي للطبيب أن ينتحل تقدمه المعرفة ، فإنه الذي يخبر المرضى بما م، وما أصام قبل ذلك، وما هو آت مما يصيبهم، وما أغفل المرضى ذكره، وإن قوا وأسباا، وإن كانت من اختلاط الجسد، أو غيره، ونحو هذا. التعليم الثاني يخبر فيه كيف ينبغي للطبيب أن يحسن النظر في الأمراض الحادة، وكيف ينظر في وجوه المرضى إن كانت تشبه وجوه الأصحاء، وعلامات الوجوه الدالة على الموت ونحو هذا. التعليم الثالث يقول فيه: إن كان للمرضى ثلاثة أيام، وأربعة والوجوه على حال وجوه الأصحاء، وغير ذلك ينبغي أن يحسن الفكر في الآيات والعلامات على ما تقدم ذكره، وفي علامات العينين وأشفارهما، والأنف ،وانضجاع المريض، وكيف ينبغي أن يعمل وما المهلك من علاماته. التعليم الرابع يصف رجلي المريض وأحوالهما، وانضجاعه، وحك الأسنان بعضها ببعض مع الحمى ،والدلائل في ذلك، وإن كان بالمريض خراج أصابه في مرضه، أو قبل مرضه، وما يدل عليه، ويصف اليدين واضطراما، وما تدلان في ذلك. التعليم الخامس يذكر النفس الكثير السريع، وما يدل عليه، ويذكر أفضل العرق في الأمراض الحادة ، والعرق الفاضل، والعرق البارد، والعرق المتخبث، ويذكر أن العرق يكون إما من ضعف الأجساد، وإما من دوام خراج. التعليم السادس يذكر صحة الشراسيف، وإذا لم تكن صحيحة، وضربان عروقها، وما يدل في ذلك، والأورام التي بجنب الشراسيف، ويخبر عن الأورام وما يصيبها. التعليم السابع يذكر فيه الخراجات، وإذا أزمنت كيف ينبغي أن ينظر فيها وينعت مقاديرها وما يخرج منها، وكيف ينبغي أن يخرج. التعليم الثامن يذكر فيه الحبن الذي يكون مع الأمراض الحادة، والذي يكون من البزاق، والذي من الكبد، وما يصيب أصحاب الحبن من الأعراض اللاحقة م من أجله، وعلامات تدل على الموت من اسوداد الأصابع والأرجل ونحو هذا. التعليم التاسع يذكر فيه تقابض الخصيتين و الذكر، ويذكر السبات والنوم وكيف ينبغي أن يكون، والبراز وكيف ينبغي أن يكون. التعليم العاشر يذكر فيه البراز كيف يجب خروجه وأسبابه، وكيف ينبغي أن يكون البطن في كل مرض ،وألوان البراز الدالة على الموت وغير ذلك، ويصف الرياح والقراقر ونحو ذلك. التعليم الحادي عشر يخبر عن البول الصحيح ثم عن البول إذا تغير وأصناف أثفال الأبوال من جهة المثانة. التعليم الثاني عشر يذكر فيه القيء وأسبابه، والنخمة، وكيف تنفث، ومما تختلط، و لوا، ويذكر العطاس في جميع الأمراض التي تلي الرئة، وما الميمت في ذلك، وما المؤذن بانحلال المرض. التعليم الثالث عشر يصف فيه النخامة في أمراض الرئة ولوا وألوان النخامات، ويذكر فيه البول والبراز والعرق وما يدل كل واحد من هذا عليه. التعليم الرابع عشر يذكر الخراجات المقيحة وأوقاا التي تنفجر فيها، ويصف كل ما يخرج منها، وكوا في كل إنسان. التعليم الخامس عشر يذكر الخراجات الثابتة فيما يلي الآذان وما يحدث ذلك في الذين م أمراض الرئة ،وكيف الدلائل على ذلك، والخراجات التي في سوق الذين م أمراض وما يلحقهم في ذلك. التعليم السادس عشر يذكر الأوجاع الردية الذاهبة بالعقل، ويذكر الحميات وأسباا في أيامها. التعليم السابع عشر يذكر تقدمة المعرفة في الأمراض الحادة العسرة المزمنة، و يذكر حميات الربع، وما يلحق أصحاا من أجلها، والأيام التي تكون فيها، ويذكر أوجاعا ً تكون في الصدغين والجبهة، ووجع الآذان وما يلحق المرضى. التعليم الثامن عشر يذكر أوجاع الحلق المخنقة، والحمرة في الرقبة والصدر، والثقب، وما يلحق المريض من علامات الهلاك في ذلك، ويذكر أسباب الغرغرة وخراجات تكون ووجع مؤلم في المفاصل، وذكر الخراجات الثابتة في الشباب، وشيئا من أسباب الحمى. التعليم التاسع عشر يذكر فيه الحمى ووجع الفؤاد والأيام التي تطول فيها الحمى مع أوجاع تكون في الحمى. التعليم العشرون يخبر كيف ينبغي لمن أراد أن يحكم تقدمه المعرفة أن يعرف ما ينجلب من الأمراض التي لا تزال مؤلمة، وكيف يعلم، وخبر الأركان والعلامات وأجزاء السنة وأسباب البلدان، فهذه تعليمات كتاب تقدمة المعرفة لابقراط. فأما كتابه في الأهوية والأزمنة والمياه والأمصار، فإنه يخبر بما يعتري أهلها من الأمراض الخاصة والعامة، والمؤتلفة والمختلفة، بحدود ثابتة ومعالم بينة: فالباب الأول يقول: إنه ينبغي لمن أراد طلب الطب طلبا ً صادقا ً أن يفحص أولا ً عن أزمنة السنة ،وما يحدث فيها، لأن بعضها لا يشبه بعضا ً بل بعضها مخالف لبعض، وقد تختلف أيضا في انقلاا بذاا. الباب الثاني يقول: إن السنين اللاتي تحفظ أزمنتها على اعتدالها ومراجعها، فإن الأمراض التي تحدث فيها تكون شبيها وعلى استوائها، غير مخالفة ولا مشبهة، أما الأزمنة الكثيرة الانتقال، فإن الأمراض تعرض غير مستوية، ولا متواتية، وانحلالها عسر شاق. الباب الثالث يقول: إن الرياح الحارة والباردة العامة فيها تغير الأبدان. الباب الرابع يقول: ينبغي للطبيب أن يفكر في قوى المياه لأا متخالفة في المذاقة والوزن، وكذلك تختلف في القوة اختلافا شديدا ً. الباب الخامس يقول في المياه: كيف هي؟ أ راكدة أو لينة، أو خاشنة سائلة أم نواحي مشرفة صخرية أم صالحة رطبة النضج. الباب السادس يقول: إنه ينبغي للطبيب أن يفكر في الأرضين إن كانت جرداء، عديمة الماء، أو شعراء ،كثيرة الماء، أو عامرة، أو غامرة، أو مشرفة باردة. الباب السابع قال: ينبغي أن يذكر غذاء الناس في أي شيء لذام أفي كثرة الشرب والأكل وحب الدعة أم حب العمل والأكل؟ وأن يفحص عن كل واحد من هذه الأشياء في كل بلد. الباب الثامن قال: إن مضى شيء من الزمان والسنة، فإن الطبيب سيخبر بكل مرض عام يعرض لكل واحد من أهلها من قبل تغير أغذيتهم. الباب التاسع قال: إذا لم تكن الأمراض من فساد الهواء فإنه لا يترل بأهل المدينة عامة، ولكنه يكون متفرقا ً، فإذا فكر الطبيب في هذا النوع وفي هذه الأشياء، فعلم علما ً شافيا ً كيف تكون الأزمنة، كان حريا ً أن يكون علمه صوابا، فإن علم النجوم ليس بجزء صغير من علم الطب. وأما كتابه في الأهوية والبلدان، فإنه وصف البلدان ومياهها وخواصها: فالقول الأول في المدن، وهي أربع مدائن: فالأولى على سمت الاستواء، والثانية على سمت الفرقدين، والثالثة بإزاء المشرق، والرابعة بإزاء المغرب. فالأولى قال: كل مدينة موضوعة بإزاء الرياح الحارة هي التي وسط شرق الشمس الشتوي وغربة، فإا ب إليها هبوبا ً دائما ً، وتكون في كن من إزاء الفرقدين، ومياه هذه المدينة كثيرة حارة تسخن في القيظ وتبرد في الشتاء، ورؤوس سكان هذه المدينة رطبة بلغمية، وبطوم كثيرة الاختلاف دائمة، و نساء هؤلاء الناس مرضى، ذوات أسقام أبدا ً بكثرة طمثهن، ولا يسقطن ،وليس ذلك من طبيعتهن، ولكن من قبل أمراضهن، فإن حبلن أسقطن أكثر ذلك، وأما الصبيان فيصيبهم الكزاز، والربو، والسقم، ورجالهم يعرض لهم البطن، واختلاف الدم، والسقم الذي يدعى ابيالوس، وحمى طويلة شتوية وليليه، وبواسير في المقاعد، وتعرض لهم الحمى المتلهبة، والأمراض الحادة، والرمد الطويل ،فإذا أتت لهم خمسون سنة عرضت لهم الترلات من الدماغ، فهيج م الفالج العارض في جميع البلدان. والمدينة التي ناحية الشمال قال: إن كل مدينة موضوعة بإزاء ناحية الرياح الباردة مما يلي ناحية المغرب والمشرق والقطبين، فإن هذه الرياح رياحها البلادية، وتكون مستورة من الرياح الحارة، ومياهها يابسة بطيئة النضح حلوة أكثر ما تكون، وسكان هذه المدينة أكثرهم أشداء أقوياء، سوقهم إلى الدقة اضطرارا ً ،وبطوم خاشنة، ورؤوسهم صلبة يابسة شديدة، وينالهم الفتق، وأسقامهم ذات الجنب، والعلل الحادة ،وكثرة القيح، وعروقهم تنقطع، ويأكلون كثيرا ً، ولا يعرض الرمد سريعا ً، فإذا مرضوا تصدعت أعينهم ،ويصيبهم إذا بلغوا ثلاثين سنة رعاف كثير، ولا تعرض لهم الأسقام الكاهنية، فإن عرضت كانت شديدة وتطول أعمارهم، وأخلاقهم وحشية غير ساكنة ولا هادنة، ونساؤهم يكن عواقر لبرد الماء ويبسه، وذلك أن الطمث ربما لم يكن على ما ينبغي، فإذا حبلن اشتد عليهن الولاد، ولا يسقطن، ويقل غذاء أولادهن لبرد الألبان، ويعرض لهن الكزاز، ووجع الرئة، ويعرض للصبيان الماء الأصفر في الأنثيين، فإذا كبروا ذهب، ويبطىء احتلامهم. والمدينة الموضوعة سمت الرياح التي من المطلع القيظي والشتوي قال أبقراط: كل مدينة موضوعة ناحية شرق الشمس تكون أصح من المدينة الموضوعة ناحية الفرقدين ومن الموضوعة ناحية الرياح الحارة ،والحرارة والبرودة فيها أقل وأيسر، وأمراض أهلها قليلة، والمياه الكائنة سمت طلوع الشمس نيرة مضيئة ،صافية، طيبة المشم، لينة، لأن الهواء لا يكون فيها غليظا، فالشمس تحول بينه وبين أن يغلظ، وصورة سكان هذه المدينة حسنة الألوان، نيرة ضوية، وأصوات رجالهم صافية حديدة، يغضبون سريعا ً، ونباا وأعشاا أقوى وأصح، وهي في ذاا وهيئتها تشبه فصل الربيع في قلة الحر والبرد، وأسقامها قليلة ضعيفة ،ونساؤها يعلقن كثيرا ً، ويلدن بغير مشقة. والمدينة الرابعة سمت المغرب هي في كن من الرياح الشرقية، وب إليها الرياح الحارة والباردة من ناحية الفرقدين، فتكون كثيرة الأمراض، ومياهها غير نقية، ولا صافية، وأن علتها الهواء الكائن عند الأسحار ،وذلك أن أسحار هذه المدينة تطول جدا ً، والشمس لا تشرق فيها أول ما تشرق، حتى ترتفع وتعلو ، وب فيها رياح باردة في القيظ، ويكون رجالها مصفارين، مرضى تضيرهم الأمراض كلها، وأصوام بح وارهم ردي في أيام الخريف لكثرة تغيره، فهذا الباب الأول في المدن الأربع. والقول الثاني في المياه، وهي أربعة أصناف: أولها المياه الراكدة، مثل البطائح التي لا تجري، والثاني العيون النابعة، والثالث المياه التي تكون من الأمطار، والرابع المياه التي تكون من الثلوج. قال أبقراط: المياه الظاهرة المستوية على وجه الأرض، التي لا تجري، والأمطار تمطر عليها، وتقوم معها ولا تترع، والشمس دائمة الإشراق عليها، والاحتراق ا، فتكون ردية لا لون لها، تولد المرة، وتكون في الشتاء باردة جامدة، كدرة بلغمية، تورث من يشرب منها البحوحة والطحال وتكون بطوم خاشنة ،وزل التراقي والوجوه وتنقحها، ويكثر أهلها الطعم، ويدفع ظمأهم وعطشهم، ويلزمهم المرض في الشتاء والصيف، ويعرض لهم الماء الأصفر، ويعرض لهم في القيظ اختلاف الأغراس، وحمى ربع طويلة مزمنة. وشباب هؤلاء القوم تعرض لهم أوجاع الرئة وأسقام تخثر عقولهم، وأما الشيوخ، فإنه تعرض لهم حمى اللهبية يدل على تحرقهم يبس بطوم، وأما نساؤهم، فيعرض لهن أنواع الورم من قبل بلغم أبيض، فلا يحبلن إلا بعد عسر، ولا يلدن إلا بمشقة، ويكون أولادهن عظاما ً، وكلما عزلوا هزلوا ودقوا، ويعرض للصبيان أدرة، وللرجال سقم وقروح في سوقهم، ولا تكون الأعمار فيها طويلة، ويدخل عليهم الكبر سريعا ً في ضمن الأزمان، وربما أصاب النساء ما يتوهمن أنه حبل ثم يبطل. ومياه العيون النابعة من بعض الصخور ردية لأا خاشنة، والعيون النابعة من أرض حارة، ومن أرض معادن الحديد والنحاس والفضة والذهب والكبريت والشب والزفت والنطرون، فإن هذه كلها إنما تكون من شدة الحرارة، فلا تكون من هذه الأرضين مياه نافعة مصلحة بل تكون عامتها خاشنة، يعرض منها ومن شرا عسر البول، وشدة الاختلاف. والمياه التي تنصب عن مواضع مشرفة، ومن تلال ترابية، أفضل المياه وأصحها، وهي حلوة لا تحتاج لكثرة مزاج الشراب، وتكون في الشتاء حارة، وفي الصيف باردة، فهذه حالة المياه النابعة من العيون الغائرة. وخير هذه المياه السائلة من أفق الشمس، ولا سيما الشرق الصيفي، لأا بيضاء براقة، طيبة الريح، وكل ما كان من المياه مالحا ً، بطيء النضح، خاشنا ً، فإن الذين يشربون منه بلا حاجة إليه ليس بنافع لهم، وإن بعض الطبائع والأسقام ربما انتفعت به، وكلما كان طعم المياه إلى الملوحة، فكلها ردية مفسدة، وكل عين تكون سمت شرق الشمس، فماؤها خير المياه. ثم بعدها العيون التي بين أفق الشمس القيظي والغرب القيظي، وأفضلها المائلة إلى الشرق ثم التي بين مغرب الشمس الشتوي والقيظي، وأرداها العيون التي في ناحية الجنوب، فأما العيون التي تترل أفق الشرق الشتوي والغرب الشتوي، فما كان منها ناحية الجنوب، فهي ردية جدا ً، وما كان منها ناحية الشمال ،فهو خير، فمن كان خاشن البطن، فإن المياه الخفيفة الصافية له نافعة، ولمن كان بطنه لينا ً لدنا بلغميا ً ضاره، فإن المياه المالحة تسهل البطن، فقد أخطأ ومياه الأمطار خفيفة عذبة، والشمس تخطف من الماء رقيقة وخفيفة، وتصعد الماء من الأار والبحور والمواضع الرطبة، ولذلك صارت مياه الأمطار تعفن وتنشر رائحة ردية لأا اجتمعت من رياح شتى، فصارت أسرع عفنا ً وتغيرا ً، فإن الرطوبة التي تنشفها الشمس متفرقة لا تزال معلقة في الهواء، فإذا اجتمعت كلها، والتفت بالرياح المتضادة اللاقية بعضها بعضا ً، أنصبت حينئذ، ولا سيما إذا كانت المقايسة كما ينبغي، وأكثر ما يكون هذا إذا استحكم اجتماع السحاب، واستقبلته ريح أخرى، فمزقته، وإذا تزاحمت سحابة أخرى على السحابة الأولى، وقطعتها ،انحدرت حينئذ الرطوبة من ثقلها، وتمزقها الرياح، فتكون الأمطار السابغة، فهذه المياه، أفضل المياه إلا أنه ينبغي أن تكون رائحتها ردية، ويعرض لمن شرب منها البحة والسعال، وثقل الصوت، وإذا طبخت لم يغن عنها الطبخ شيئا ً. وأما المياه التي تكون من الثلوج والجليد، فكلها ردية لأا، إذا جمدت مرة، لم ترجع إلى طبيعتها الأولى لأن ما كان من الماء خفيفا، عذبا ً، صافيا ً، نقيا ً، أفلت من الجمود، وطار، وما كان من الماء كدرا ً بقي على حاله، ويعرف ذلك بأنه لو صير في إناء في أيام الشتاء، وكيل بكيل معلوم، ووضع تحت السماء جمد، فإن وضع في الشمس حتى ينحل ثم كيل ذلك الماء، وجد وقد نقص نقصانا ً بينا ً، فذلك العلامة أن لطيف الماء يتنفس، ولا يقع عليه الجمود، ولا يتنفس، ولا يبرح وماء الثلوج أردأ المياه، وإذا شرب الناس المياه المختلفة عرض لهم الأسر والحصاة في المثانة، ووجع الخاصرة، ووجع الوركين، وفي الأنثيين أدرة ، ولا سيما إذا شربوا من مياه أار تنصب من أار واسعة، أو من بحيرة ينصب فيها من سيول شتى مختلفة ،لأن منها العذب، والمالح، والشبي، ومنها ماء السيل من مواضع حارة، فإذا شربت عرضت الأسقام ،واللبن الردي يولد الحجارة في مثانات المرضعين، والنساء لا تصيبهن الحصاة لأن مبالهن واسع. والقول الثالث في الأزمنة، إذا كانت سقيمة، أو سليمة قال أبقراط: إنه إن كان طلوع الكواكب وغيرها على ما ينبغي، وكانت مياه كثيرة في الخريف، وفي الشتاء يسيرة، ولا يكون الصحو كثيرا ً، ولا البرد فوق المقدار، فكانت مياهها معتدلة في الربيع وفي القيظ، كانت سليمة صحيحة، ويصح الهواء. وإذا كان الشتاء يابسا ً شماليا ً، والربيع كثير الأمطار جنوبيا ً، عرض للناس في الصيف الحمى و الرمد، واختلاف الأغراس لكل ذي طبيعة رطبة، وإذا كان في وقت طلوع الكوكب الذي يدعى الكلب ،وهو الشعري، مطر كثير، وشتاء، وهبت الرياح على أنواثها، كفت الأسقام، ورجى أن يكون الخريف صحيحا ً، فإن لم يكن ذلك كان الموت في الصبيان وفي النساء، وقل في المشيخة، فمن نجا عرضت له الحمى الربع، وربما آل إلى جمع الماء الأصفر. وإذا كان الشتاء جنوبيا ً كثير الأمطار، والربيع يابسا ً شماليا ً، فإن النساء الحوامل يسقطن في فصل الربيع فإن ولدن كان أولادهن مسقومين، إما يموتون من ساعتهم، وإما يعيشون مهازيل، وأما سائر الناس ،فمنهم من يعرض له الاختلاف ورمد يابس، ومنهم من يعرض له الترلات من رأسه إلى رئته، فأما المبلغمون والنساء فيعرض لهم اختلاف الأغراس، وأما أصحاب المرة الصفراء فتعرض لهم النوازل لسخافة جلودهم، وذبولة عصبهم، وربما ماتوا فجأة، وربما يبس جانبهم الأيمن. وما كان من الأمصار يقابل شرق الشمس، ورياحة سليمة، ومياهه غائرة، فقل ما يضيره تغير الهواء ،وكل مدينة يشرب أهلها ماء ساخنا ً، بطاحيا ً، وليست موضوعة سمت الشرق، وليست رياحها سليمة ،ضير بأهلها تغير الهواء، وإن كان الصيف يابسا ً عاما ً ذهبت الأمراض سريعا ً، وإن كان كثير الأمطار طالت الأمراض وإن عرض لأحد من الناس قرحة في هذه الأسقام، أو البطن، أو الماء الأصفر، هلك. وإذا كان الصيف كثير الأمطار، وكان جنوبيا ً، والخريف، كمثل ما كان الشتاء، يابسا ً سقيما ً، فتعرض للمبلغمين والشيوخ أبناء أربعين سنة حمى تسمى القوسوس، وأما أصحاب المرة الصفراء، فيعرض لهم ذات الجنب، ووجع الرئة. وإذا كان الصيف يابسا ً جنوبيا ً، وكان الخريف كثير الأمطار شماليا ً، عرض للناس وجع الرأس، وسعال ،وبحوحة، وزكام، وعرض لبعضهم السل. وإذا كان الصيف يابسا ً شماليا ً ولم يمطر عند طلوع الشعري نفع أصحاب البلغم والرطوبات، وأضر بأصحاب المرة الصفراء، وربما نقلهم إلى المرة السوداء، والتغير الكثير يكون في تصرف الشمس ،والتصرف الصيفي أكثر تغيرا ً من الشتوي، والخريفي أكثر تغيرا ً من الربيعي، وكل بلد يكثر تغير زمانه لا يكون مستويا ً، ويكون فيه جبال طوال، سامية شامخة، وكل بلد يقل تغير زمانه فهو مستو. ثم يذكر أبقراط اختلاف صور الناس في أحوالهم واعتدال خلقهم، والسبب الذي أشبه بعضهم بعضا ً ،وإن ذلك باتفاق الزمان والمطالع، ويذكر حال الرجال والنساء في كثرة الأولاد و قلتهم، وما يوجب النسل ويقطعه، ويقولون: إن سكان البلاد الشاهقة، المستوية، الكثيرة المياه، تكون صورهم حسنة وأجسامهم جسيمة، وتكون غرائزهم إلى اللين والتؤدة، وليسوا بأهل بأس وشجاعة، ومن سكن أرضا ً رقيقة قليلة المياه، جرداء، وكان مزاج هوائها غير معتدل، كانت صورهم خاشنة، وألوام إلى الصفرة، أو إلى السواد، وأخلاقهم ردية، وغضبهم شديد، و طباعهم مخالفة بعضها بعضا ً، لأن باختلاف الأزمان يكون اختلاف الطبائع، ثم بعد الأزمان والبلاد الغذاء بالمياه لأن غذاء الإنسان، من بعد البلاد بالمياه. ثم يتكلم أبقراط بعد ذلك في الرياح وهبوا، والتي ب من موضع إلى موضع، و قسمها أربعة أقسام ، ويقول: إن الريح من تخلل الهواء، وإنما نشوءها من اصطكاك أجرام الهواء، فهذه أغراض كتاب أبقراط في الأهوية والأزمنة، الذي فسره جالينوس، وشرح ما ذهب إليه أبقراط في فصل فصل ومعنى معنى. فهذه كتب أبقراط التي عليها يعتمد وإليها يرجع، وهذه أغراضها، وقد فسرها جالينوس وشرح كل ما فصله له، وذهب إليه، وأبان عن قوله، وترجم معانيه وأوضحها. فأما كتاب ماء الشعير، فإنه يذكر فيه الأمراض الحادة التي تسمى: وجع الجنب والرئة، والبرسام، والحمى المحرقة، وأخبر كيف يشرب ماء الشعير، والأيام التي يكون شربه فيها، وكيف يدبر، ومتى الأوقات التي ينبغي أن يشرب فيها، والأوقات التي يمنع منها، وما يكون الطعام عليه، وذكر صنوفا ً من العلل الحادة والأمراض المحرقة، وقال في كل صنف منها. وأما كتابه الذي يسميه كتاب الأركان فإن معنى الأركان ،أي الطبائع الأربع: الحرارة و الرطوبة، والبرودة واليبوسة، وأركان البدن وهي العصب والعروق ،والعظام، والجلد، والدم، فهذه أركان ا قوام العالم. قال أبقراط: إن الأجسام لو كانت شيئا ً واحدا ً لم تصل الأوجاع إليها أبدا ً، ولكنها من أشياء مختلفة وطبائع متباعدة، مضر بعضها ببعض، وطبيعة الإنسان وسائر الحيوان، إذا صارت على هذه الصفة، فمن الضرورة ألا يكون الإنسان شيئا ً واحدا ً بعينه، وكذلك سائر الطبائع، إنما قوامها بالرطوبة واليبس، والحر و البرد، ويتكلم في هذا بكلام واضح. وكان لأبقراط تلاميذ ترجموا كتبه، وبعضهم عمل كتبا ونسبها إليه إقرارا له بالعلم والفضل، فمنهم دياسقوريدس صاحب كتاب الأشجار والعقاقير، فإنه وضع كتابا ً في منافع الأشجار، وصور كل شجرة بصورا، وذكر ما تنفع له تلك الشجرة، ومنهم أرسجانس صاحب الكناش الذي فيه صفة البدن. فكان أحكم حكيم بعده، وأهم عالم بالطب، وأفهمه، لما فسر من كتاب أبقراط، هو جالينوس، على تباعد ما بينهما من السنين، فإن بينهما زمانا ً طويلا ً، غير أنه كالذي تلا أبقراط في الحكمة، ولحق به في العلم، وفسر كتبه، وعمل كتبا ً كثيرة من كتب الطب التي عليها المعول، وإليها يرجع، وكان رجلا ً فيلسوفا ً، منطقيا ً، حكيما ً. فأول كتب جالينوس: كتاب في فرق الطب المخالفة بعضها بعضا ً في الجنس، وهي فرقة الرأي والفكر والقياس، والفرقة الثانية فرقة التجارب، والثالثة فرقة الحيل. وكتاب في الطعام. وكتاب في نبض العروق. وكتاب في تشريح العصب. وكتاب في تشريح العروق والأوراد. ومقالتان في علل النفس. وأربع مقالات في الصوت. وكتاب في منافع الأعضاء سبع عشرة مقالة. وكتاب في تشريح الرحم. وكتاب في علامات العين. وكتاب في طب أصحاب التجارب. وثلاث مقالات في ركة الرئة والصدر. وكتاب التشريح الكبير في خمس عشرة مقالة فالمقالة: الأولى في العضل والرطوبات التي في اليدين. والثانية في العضل الذي في الرجلين. والثالثة في العصب والعروق والأوراد التي في اليدين والرجلين. والرابعة في العضل الذي يحرك الخدين والشفتين، والعضل الذي يحرك اللحي الأسفل إلى ناحية الرأس ،وإلى ناحية الرقبة، وإلى ناحية الكتفين. والمقالة الخامسة في عضل الصدر، والعضل الذي على المتنين، وعضل عظم الصلب. والمقالة السادسة في آلات الغذاء، وهي الأمعاء، والبطن، والكبد، والطحال، والكلي، والمثانة، والمرارة، وما أشبه ذلك. والمقالة السابعة في تشريح الفؤاد. المقالة الثامنة في أجزاء الصدر. المقالة التاسعة في تشريح الفؤاد. المقالة العاشرة في تشريح العينين واللسان والمريء وما يتصل به. المقالة الحادية عشرة في الحنجرة والعظم الذي يتصل ا، والعصب الذي تحتها. المقالة الثانية عشرة في تشريح آلات التوليد يعني آلات المنى، والرحم، والمذاكير. المقالة الثالثة عشرة في تشريح العروق النابضة، وهي الشريانان والعروق التي لا تنبض. المقالة الرابعة عشرة في العصب المنبت من الدماغ. المقالة الخامسة عشرة في العصب المنبت في الصلب. وله كتاب التشريح غير هذا في عدة مقالات قد ذكر فيها الجلد، والشعر، و الأظفار، واللحم، والشحم ،ولحم الوجه، والأغشية التي تغشى بعض الأعضاء مثل غشاء القلب، والمعدة، و الكلي، والكبد ،والصفاقات، والعضلة الفاصلة بين الصدر والبطن، وااري، والعروق النابضة، وفصد العروق، ومن أين تبتدىء العروق، ومجاري البول فيما بين الكليتين، والمثانة إلى الذكر، ومجراه من المثانة إلى السرة في الطفل، وأوعية المرة الصفراء والمسام، والمنخرين وااري الخارجة من الأذنين، وقصبة الرئة، وما ينبت فيها وينبت في الرئة و الأوعية التي في الثديين، التي فيها اللبن، وباقي الأشياء المفرعة التي في البدن، التي تحويها الأوعية من أي شيء من الرطوبات، والأشياء المفرغة في أي شيء من الأوعية، وما في الرأس من الشؤون والالتحام، وغير ذلك والشؤون التي في الوجه واللحي الأسفل، وما فيه من النقب والالتحام ،والأسنان، والعظم الذي على رأس قصبة الرئة، وما يتصل به من جنبتي الموضع، والعظم العريض الذي في البطن، والورك، والأضلاع، والكتفين، والمنكبين، وعظم الترقوتين، والعضد، وعظم الساق، وعظام الكف والأصابع، وعظم الفخذ، والقصر، والذي على الركبة ،وعظم الساق، وعظام القدم، واشتراك قحف الرأس بالأغشية التي على الدماغ، والعصب الذي ينبت في الوجه كله، والعضل الذي في الصدغين، والعضل الذي به يكون المضغ، والعضل الذي يحرك الخدين والشفتين واللسان، وما يحركه من العضل، والعضل الذي يحرك العينين، ويذكر الفم والشفتين، واللسان ،واللثة، واللهاة، وطبق الحلقوم، والنغانغ، والأنف، والمنخرين، والأذنين، والرقبة، والعضل الذي فيها ،والعضلة التي على الأصابع، والعضلة التي تحت الترقوة، وطبيعة الرقبة، وعضل الحجاب والساعد، ويقول في التشريح قولا هذا غرضه فيه. ومقالتان في علل النفس. وكتاب القوى الطبيعية في الأفعال النفسانية. ومقالة في البول من الدم. ومقالة في الأدوية المسهلة. وكتاب يسميه آراء أبقراط وأفلاطون في قوى النفس الناطقة وهي التخيل، والفكر، والحفظ، ويقول: إن الدماغ مبتدأ العصب، والقلب مبتدأ العروق النابضة، والكبد مبتدأ العروق التي لا تنبض، والقوى التي يقوم ا البدن في عشر مقالات، ومنافع الأعضاء في سبع عشرة مقالة. كتاب العناصر يخبر فيه أن الحار والبارد، والرطب واليابس، عناصر عامية لجميع الأجسام التي تقبل الكون، والفساد، والعناصر: الأرض والنار و الهواء والماء، وعناصر بدن الإنسان: دم وبلغم، والمرتان الصفراء والسوداء، والعنصر هو أقصى جزء في الشيء الذي هو له عنصر. وكتاب الأمزجة، وهو ثلاث مقالات في تصنيف أمزجة أبدان الناس، وتركيب البدن الفاضل، وخصب البدن، والمزاج الردي الذي ليس يستوي، وقوى الأدوية المركبة والأدوية التي يسهل وجودها. وكتاب حفظ الأصحاء. وكتاب في الأطعمة. وكتاب في الكيموس الجيد والردي. وكتاب في التدبير الملطف. ومقالة في تصنيف الأمراض. ومقالة في علل الأمراض. ومقالة في تصنيف الأمراض. ومقالة في الغلظ الخارج من الطبيعة. ومقالة في الامتلاء. ومقالتان في تصنيف الحميات والأمراض الباطنة. وكتاب في إزمان الأمراض. وكتاب في عسر النفس. وكتاب في البحرانات. وكتاب في نبض العروق ومعرفة كل واحد من أجناس النبض. والأسباب الفاعلة لأصناف النبض. وتقدمه معرفة في ست عشرة مقالة. وكتاب حيلة البرء، وهو كتاب بين فيه طريق شفاء جميع الأمراض، واتبع ذلك في هذا الفن. ومقالة في العلل الواصلة، وهي العلل القريبة التي تصل ما بين العلة البعيدة والمريض. ومقالة في البول من الدم في البدن. وكتاب في فرقة أصحاب الحيل. ومقالة في السل. ومقالة في علاج صبي يرضع. ومقالة في تدبير أبقراط للأمراض الحادة. ومقالة في فصد العروق، وفسر كتب أبقراط، في فصل فصل، وقول قول، وبين الحال الحال فيه. والذي تلا أبقراط من رؤساء الحكماء سقراط، رأس الحكماء، وأول من لفظ بحكمته ما حفظ عنه وسمع منه. وحكي أن طيماوس قال له: أيها المعلم! لم لا تدون لنا حكمتك في المصاحف؟ قال له: يا طيماوس، ما أوثقك بجلود البهائم الميتة، وأشد متك للجواهر الحية الخالدة، وكيف وجود العلم من معدن الجهل ،والسبب منه من عنصر العقل؟ فقال له إيعطبطش تلميذه: لو أمليت على كتابا ً يخلد عنك؟ فقال: الحكمة لا تحتاج إلى جلود الضأن. وقال بعض تلامذته: لو زودتنا كتابا ً من حكمتك تسبر به عقولنا؟ قال له سقراط: لا ترغبن في تدوين حكمه في جلود الشاء، حتى يكون ذلك أبلغ عندك من علمك ولسانك. فلما حضرته الوفاة سأله تلاميذه أن يزودهم حكمة يرجعون إليها، فتكلم في أخلاق النفس، ثم تكلم في الفلك، وقال إنه كري، وكان قد سقي سما ً فمات. وبعده فيثاغورس، وهو أول من نطق في الأعداد والحساب والهندسة، ووضع الألحان، وعمل العود، وكان في زمن ملك يقال له أغسطس، فهرب منه، فتبعه، وركب فيثاغورس البحر حتى صار إلى هيكل في جزيرة، فأحرقه الملك عليه بالنار. وكان لفيثاغورس تلميذ يقال له أرشميدس، فعمل المرايا المحرقة، فأحرقت مراكب العدو في البحر. ومنهم بلينوس النجار الذي يقال له اليتيم، وهو صاحب الطلسمات، وهو الذي جعل لكل شيء طلسما ً. ومنهم أوجانس صاحب الهندسة والقسمة، وأنواع الفلسفة، وكان يقال له ديوجانس الكلب، وقيل له: لأي شيء سميت الكلب؟ قال: لأني أهر على الأشرار، وأبصبص للأخيار، وآوي الأسواق. ومنهم افليمون صاحب مخانيقا ً، وهي الحركات التي تكون بالماء مثل الصورة تعمل، فيحركها الماء من غير أن يحرك شيء منها، ويخرجها من موضع، ويحطها في موضع، والآلات التي تحرك بالماء من غير أن تحرك ،فتخرج فيبتلعها، وتخرج أيضا ً، وترتحل محققة، وله أشكال في ذلك تعمل فتصح. ومنهم افليمون صاحب الفراسة، وكتاب بين فيه ما تدل عليه الفراسة في الخلقة والأصوات، والشمائل ،وبرهن ذلك. ومنهم ديمقراطيس، وهو الذي يزعم أن العالم مركب من هباء، وله كتاب في طبائع الحيوان، وما يوافق منها طبائع الإنسان. ومنهم أفلاطون، وكان تلميذا ً لسقراط، وهو الذي تكلم في النفس وصفاا مثل ما تكلم به أبقراط في الجسد وصفاته فقال: إن للنفس ثلاث قوى: إحداها في الدماغ، وبه يكون الفكر و الروية، والثاني في القلب، وبه يكون الغضب والشجاعة، والثالث في الكبد، وبه تكون الشهوة والمحبة، ثم اطرد الكلام في الروح النفسانية حتى وصف الأعضاء كلها، ثم ذكر ما يصلح النفس وما يفسدها، فقال: إن كل عيب مضاد خلاص النفس، فلا ينبغي أن نعد الحياة صالحة فقط، ولكن موتا ً صالحا ً، وينبغي أن نعد الحياة والموت صالحين. ومنهم إقليدس صاحب كتاب إقليدس في الحساب، وتفسير إقليدس: المفتاح، على ما قال بطليموس، إنه تقدمه لمعرفة الحساب، ومفتاح علم كتاب اسطي في النجوم، ومعرفة الأوتار التي تقع على قسي قطع الدوائر التي هي أفلاك الكواكب، التي يسميها المنجمون الكردجات، لتعديل مسير الكواكب في الطول والعرض، وسرعتها، وإبطائها، واستقامتها، ورجوعها، و تشريقها، وتغريبها، ومساقط شعاعها، وعلم ساعات الليل والنهار، ومطالع البروج، واختلاف ذلك في أقاليم الأرض، وحساب القران والاستقبال ،وكسوف الشمس والقمر، واختلاف النظر من آفاق الأرض في جميع نواحي السماء. وكتاب إقليدس ثلاث عشرة مقالة، ولها من الأشكال في هذه الثلاث عشرة مقالة أربعمائة واثنان وخمسون شكلا ً بالبرهان والشرح الذي، إذا فهمه من يطلب علم الحساب، سهل عليه كل باب من الحساب، وانفتح له. فيبتدىء بذكر الأسباب التي منها يزلف العلم، وبمعرفتها يحاط بالمعلوم، وهي: الخبر ،والمثال، والخلف، والترتيب، والفصل، والبرهان، والتمام، فأما الخبر، فهو خبر المقدم على الجملة، قبل التفسير، وأما المثال، فهو صورة الأشكال المخبر عنها، المدلول بصفتها على معنى الخبر، وأما الخلف، فهو خلاف المثال، وصرف الخبر إلى ما لا يمكن، وأما الترتيب، فهو تأليف العمل المتفق على مراتبه في العلم ،وأما الفصل، فهو الفصل بين الخبر الممكن وغير الممكن، وأما البرهان، فهو الحجة على تحقيق الخبر، وأما التمام، فهو تمام العلم بالمعلوم. والمقالة الأولى في النقطة التي لا جزء لها، والخط الذي هو طول بلا عرض ،وهو سبعة وأربعون شكلا ً. المقالة الثانية في كل سطح متوازي الأضلاع، قائم الزوايا، يحيط به الخطان المحيطان بالزاوية القائمة، وهي أربعة وأربعون شكلا ً. المقالة الثالثة في الدوائر المتساوية التي أقطارها متساوية، والخطوط التي تخرج من مراكزها إلى الخطوط المحيطة ا، والخط المماس الدائرة الذي يجوزها، ولا يقطعها، وهي خمسة وثلاثون شكلا ً. المقالة الرابعة إذا كان شكل في شكل، وكانت زوايا الشكل الداخل تماس أضلاع الشكل الخارج وهي ستة عشر شكلا ً. المقالة الخامسة في الجزء الذي هو مقدار الأكبر من المقدار الأصغر من الأعظم، إذا كان يعده، وهي خمسة وعشرون شكلا ً. المقالة السادسة في السطوح المتساوية التي زوايا كل سطح منها مساوية لزوايا السطح الآخر، والأضلاع التي تكون تحيط بالزوايا المتساوية متناسبة، والسطوح المتكافية الأضلاع التي تكون أضلاعها متناسبة ،وهي اثنان وثلاثون شكلا ً. المقالة السابعة في الواحد والعدد الزوج الذي ينقسم بقسمين متساويين. والعدد الفرد الذي لا ينقسم بقسمين متساويين، ويزيد على الزوج بواحد. والعدد الذي يسمى زوج الزوج، وهو الذي كل زوج يعده بعدة مرات عددها زوج. والعدد الذي يسمى زوج الفرد، وهو الذي كل زوج يعده بعدة مرات عددها فرد. والعدد الذي يسمى فرد الفرد، وهو الذي كل فرد يعده بعدة مرات عددها فرد. والعدد الذي يسمى أول هو الذي يعده الواحد فقط. والأعداد التي كل واحد منها أول عند الآخر، هي التي ليس ا عدد مشترك يعدها جميعا ً إلا الواحد فقط. والعدد المركب هو الذي يعده عدد آخر. و الأعداد التي كل واحد منها مركب عند الآخر هي التي يعدها عدد آخر مشترك لها. والعدد المضروب في عدد آخر هو الذي يضاعف بعده ما في المضروب فيه من الآحاد، ويكون ما اجتمع عددا ً آخر. والعدد المربع هو اتمع من ضرب عدد في نفسه، ويحيط به عددان متساويان. والعدد المكعب هو اتمع من ضرب عدد في نفسه، ثم في نفسه، ويحيط به ثلاثة أعداد متساوية. والعدد المسطح هو الذي يحيط به عددان. والعدد المصمت هو الذي يحيط به ثلاثة أعداد. والعدد التام هو المساوي لجميع أجزائه. والأعداد المتناسبة هي التي يكون في الأول منها من أضعاف الثاني مثل ما في الثالث من أضعاف الرابع. والأعداد المسطحة والمصمتة المتشاة هي التي أضلاعها متناسبة، وهذه المقالة تسعة وثلاثون شكلا ً. المقالة الثامنة في الأعداد التي تلي بعضها بعضا ً والطرفين اللذين كل واحد منهما أول عند الآخر، وهي خمسة وعشرون شكلا ً. المقالة التاسعة في ضرب الأعداد المسطحة المتشاة، وما يكون من ضرب العدد في العدد المربع. والأعداد التي يعد بعضها بعضا ً. والعدد المكعب في العدد المكعب، وما يكون من ضرب المكعب في عدد غير مكعب، وما يكون من الأعداد المؤلفة على نسب يتلو بعضها بعضا ً من المربع، وكيف يكون المكعب وما يكون في الأعداد المتناسبات من المصمت المكعب والمسطح. والأعداد التي يعد بعضها بعضا ً وكيف تنتقض الأزواج من الأزواج، والأفراد من الأفراد، والأزواج من الأفراد، والأفراد من الأزواج، وهي ثمانية وثلاثون شكلا ً. المقالة العاشرة في الخطوط التي يكون لها مقدار واحد مشترك يقدرها جميعا ً، يقال لها المتقادرات ،والخطوط المتباينات التي ليس لها مقدار واحد مشترك يقدرها جميعا ً، والخطوط المتقادرات التي يكون لمربعاا سطح واحد يكون مقدارا ً لها يقدرها، وهي مائة وأربعة أشكال. المقالة الحادية عشرة في المصمت الذي له طول وسمك وسطح، وهي أحد وأربعون شكلا ً. المقالة الثانية عشرة في السطح الكثير الزوايا المتشاة التي قدر بعضها عند بعض في الدوائر، كعدد المربعات التي تكون من أقطار الدوائر، وهي خمسة عشر شكلا ً. المقالة الثالثة عشرة وهي آخر مقالات إقليدس في خط يقسم على ذات وسط وطرفين، وهي واحد وعشرون شكلا ً. ولأقليدس هذا كتاب في المناظر، واختلافها من مخارج العيون والشعاع، يقول فيه: إن الشعاع يخرج من العين على خطوط مستقيمة، وتحدث بعد سموت لا اية لكثرا، فإن الأشياء التي يقع عليها الشعاع تبصر، والتي لا يقع عليها الشعاع لا تبصر، ويمثل في ذلك أشكالا ً مختلفة يبين ا مخرج النظر، وكيف تختلف عدة الأشكال التي يبين ا ذلك وهي أربعة وستون شكلا ً. ومنهم نيقوماخس الحكيم الفيثاغوري، وهو الذي يسمى القاهر عند المفاضلة، وهو أبو أرسطاطاليس ،وله كتاب الأرثماطيقي الذي قصد فيه لإبانة الأعداد، وذكر ما تقدمت به الفلاسفة. فقال نيقوماخس: إن القدماء الأولين الذين أظهروا العلم ونفذوا فيه، وكان أولهم فيثاغورس، حدوا بأن قالوا: إن الفلسفة معناها الحكمة، وإن اسمها مشتق منها، فقالوا: الحكمة حقيقة العلم بالأشياء الدائمة ،وأفتن في صدر الكتاب في ذكر الحكمة وفضلها، وما قالته الحكماء في فضيلة العلم، ثم افتتح كتابه فقال: إن جميع ما في الدنيا من الأشياء المحكم في الطبيعة تقديرها، إنما هو بالعدد، وقد يحقق القياس قولنا: إن العدد بمترلة المثال الذي يحتذي عليه، وهو كله بكماله معقول، وهذه الأشياء التي تلحقها كلمة الكمية ،وهي أشياء مختلفة، فمن الاضطرار أن يكون هذا العدد اللازم ذه الأشياء مؤلفا ً مقدرا ً على حدته لا من أجل غيره، فإن كل مؤلف إنما هو من أشياء مختلفة لا محالة، ومن أشياء موجودة، فإن التي ليست بموجودة لا يقدر على تأليفها، وما كان منها موجودا ً، إلا أا غير متشاكلة، يمكن تأليفها، والأشياء المؤتلفة إنما تألفت من أشياء موجودة مختلفة متشاكلة، لأنه إن لم يكن مختلفا ً، فهو واحد لا يحتاج إلى ائتلاف، فإن لم يكن متشاكلا فليس بمتجانس، وإن ليس متجانسا ً، فإنما هو متضاد لا يقع به ائتلاف. والعدد هو من هذه الأشياء، فإن فيه نوعين مختلفين، متشاكلين، متجانسين، وهو الزوج والفرد فإن ائتلافهما على حسب اختلافهما يعد تألفا مشتبكا ً لا انقضاء له. فالقول الأول من الأرثماطيقي في أبواب أحدها حدود العدد، وهو ينقسم قسمين يقال لأحدهما الفرد ،والآخر الزوج، فالفرد ينقسم ثلاثة أقسام: منه أول غير مركب، وهو الذي لا يعده عدد مثل سبعة ،وأحد عشر. ومنه ثان مركب، وهو الذي له عدد مثل: تسعة، وخمسة عشر. ومنه ثالث مركب بطبعه، وعند الإضافة إلى مركب آخر أول، وهما اللذان لكل واحد منهما عدد يعده ،وليس لهما عند المقايسة عدد مشترك مثل: تسعة إلى خمسة وعشرين. والزوج ينقسم ثلاثة أقسام منه زوج الزوج، وهو المنقسم أزواجا ً إلى الوحدانية، مثل: أربعة وستين. ومنه زوج الفرد، وهو المنقسم مرة واحدة بنصفين، ثم يقف مثل: أربع عشرة وثماني عشرة. ومنه زوج الزوج والفرد، وهو الذي لا ينقسم نصفين أكثر من مرة، ولا ينتهي إلى الوحدانية، وتكلم في هذا بكلام مشروح. والقول الثاني في الكمية المفردة، وهو العدد الزائد والعدد المعتدل والناقص، فأما الزائد، فهو الذي تزيد جملة أجزائه على جملته إذا اجتمعت الأجزاء مثل: اثني عشر، وأربعة وعشرين، فإن الاثني عشر لها نصف وثلث وربع وسدس، وجزء من اثني عشر، فإذا جمعتها زاد العدد و المعتدل الذي تعادل جملة أجزائه جملته مثل: ستة، وثمانية وعشرين، فإن لستة نصفا ً وثلثا ً وسدسا ً، فيكون مبلغه، إذا جمع، ستة سواء، والناقص الذي تنقص جملة أجزائه من جملته مثل ثمانية، وأربعة وعشرين، فإن الثمانية لها نصف وربع وثمن، فإذا اجتمع كان سبعة ونقص واحدا ً وجعل في ذلك أشكالا ً. وأصح القول القول الثالث في الكمية المضافة، وهي تنقسم قسمين: أحدهما المعادلة لما أضيف إليها مثل المائة المعادلة للمائة، والعشرة المعادلة للعشرة، ومنه الخروج عن الاعتدال، وينقسم قسمين: أحدهما كبير والآخر صغير، فالكبير ينقسم خمسة أقسام، فمنه: المتضاعف مثل اثنين من أربعة، وأربعة من ثمانية، ومنه الزائد جزءا مثل ثلاثة عند أربعة، فإن الأربعة مثلها و مثل ثلثها، ومنه الزائد جزءين مثل ثلاثة، وهي أول الأفراد، إلى الخمسة، وهي الثانية من الأفراد، فتحدث زيادة جزءين، ثم على هذا الترتيب تحدث زيادة أجزاء، ومنه المضاعف الزائد جزءا، وهو يظهر بين عددين: أحدهما مثل الآخر ومثل جزء منه كالخمسة ،إذا أضيفت إلى الاثنين، فإنه مثل مضاعف الاثنين و زيادة جزء، ومنه المضاعف الزائد جزءين مثل أربعة عند واحد، والصغير ينقسم على خمسة أقسام: منه تحت المضاعف، ومنه تحت الزائد جزء، ومنه تحت الزائد أجزاء، ومنه تحت المضاعف أجزاء. ثم يقول في الأعداد الثلاثة التي أحدها كبير والآخر وسط والثالث صغير، فإذا طلب اعتدالها ألقي من الأوسط مثل الأصغر، ومن الأعظم مثل ما بقي من الأوسط، ومثل الأصغر، فإذا تعادلت الأعداد فقد تمت إضافتها. ثم يقول فيما يزيد من الأعداد وينقص في المضاعفات، ويجعل لذلك شكلا ً مثليا ً بركنين، وفي الشكل واحد وعشرون بيتا ً: فالأول ستة أبيات، و أوله واحد، ثم يضعفه إلى اثنين وثلاثين، والثاني خمسة أبيات ،وأوله ثلاثة، ثم يضعفه إلى ثمانية وأربعين، والثالث أربعة أبيات، وأوله تسعة، ثم يضعفه إلى اثنين وسبعين ،والرابع ثلاثة أبيات، وأوله سبعة وعشرون، ثم يضعفه إلى مائة وثمانية، والخامس بيتان أوله واحد وثمانون ،ويضعفه فيصير مائة واثنين وستين، والسادس بيت، وهو آخره، مائتان وثلاثة وأربعون. ثم يقول في العدد المربع الذي يزيد عليه ضعفه، ثم يتكلم في السطوح والخطوط والنقط، ويصف السطوح المثلثة والمربعة والمسدسة، والأضلاع التي يقوم ا السطوح ومسائحها. ثم يقول في العدد المخمس ذي الأضلاع المعتدلة المخمسة، وكيف نموها، ثم المسدسة، ثم المسبعة، ثم المثمنة، ثم يصف كيف تركيبها، ويضرب لها جدولا ً خمسة في تسعة، ويتكلم في أجزاء من المثلثات والمربعات والمخمسات والمسدسات مما له جرم بلا سطح، وما له جرم وسطح. ثم يقول في تركيب الأشياء التي تركب من أخلاط شتى. ثم يقول في الوسائط التي هي ثلاثة أنواع: واحد للحساب، والثاني للمساحة، والثالث لتأليف اللحون ،ويقول إن بعض الأولين جعلوها عشرا ً، وبين وسائط الحساب، ووسائط المساحة، ووسائط اللحون ،ويتكلم في كل نوع منها بكلام مشروح وبرهان بين. ومنهم اراطس الذي عمل صورة الفلك كهيئة البيضة، فحكى ا الفلك، وصور فيها البروج. ومنهم أرسطاطاليس بن نيقوماخس الجهراسيني، وكان تلميذا ً لأفلاطون، فتكلم في العالم العلوي والسفلى، في صلاح العالم وفساده، وفي أخلاق النفس، وفي حقيقة المنطق، ووضع أصول الحكمة وانقسامها وتشعبها، فأول كتبه: كتاب المدخل إلى علم الفلسفة، وهو الذي يسمى باليونانية إيساغوجي ،فأوله ذكر الحد، وما قوام الحد، ومن أين اشتق اسم الحد، وما فضيلة الحد، وما فيه فساد الحد، والفرقة بين الحد والمحدود. والثاني ذكر الفلسفة، وكيف اشتقت. والثالث كتاب قوى النفس التي هي بالفكر والغضب والشهوة ،فما خرج عن هذا الاعتدال كان فاسدا ً. والكتاب الرابع في المنطق الذي هو أصل الفلسفة. والكتاب الخامس يذكر فيه انقسام الأشياء ضربين: ما لا بد منه، كالغذاء، وما منه بد، كتنظيف الثوب. والكتاب السادس في الأمور، وهي ثلاثة: واجبة كقولك: النار حارة، وممكنة كقولك: زيد كاتب ،وممتنعة كقولك: النار باردة. والكتاب السابع في الجنس، وهو ثلاثة أقسام: جنس العادة، وجنس الطبيعة والكتاب الثامن يذكر فيه ما لا يتجزأ، وهو ينقسم على أربعة: إما لأنه لا أجزاء له كالنقطة، و إما لصغره كحبة الخردل، وإما لصلابته كالحجر، وإما أنه لا على أجزاء. والكتاب التاسع في المناسبة، وهو على أربعة: إما طبيعة كمناسبة الأب لابنه، وإما مهنة كمناسبة التلميذ معلمة، وإما مشيئة كمناسبة الصديق صديقه، وإما عرضية كمناسبة العبد سيده. ثم كتبه بعد ذلك في أربعة أنواع: أحدها المنطقيات، والثاني في الطبائع، والثالث فيما يوجد مع الأجسام ويواصلها، و الرابع فيما لا يوجد مع الأجسام ولا يواصلها. وكتبه في المنطق ثمانية: فالأول سمي بقاطيغورياس، وغرضه فيه القول على المقولات المفردة العشر، ورسمها بما يميز به كل واحد منها من غيره، وما يعمها ويعم العدة منها، و ما يخص كل واحد منها، فحد الأشياء التي تقدمها في الوصف والشبه منها: أن جوهرا ً محمولا ً، وجوهرا ً حاملا ً ليس بجوهري فيه بل عرضي ،وأن عرضا ً حاملا ً وعرضا ً محمولا ً عليه أي منقولا ً عليه ليبين أن جواهر محسوسة، وأعراضا ً ثواني غير محسوسة مقولة على المحسوسة، وأعراضا ً محسوسة، وأعراضا ً ثواني غير محسوسة مقولة على المحسوسة ،ويبين عن العشرة بأعياا، وبرسومها، وعوامها، وخواصها، وهذه العشرة: الجوهر، ثم الكمية، ثم الكيفية، ثم المضاف، ثم الأين، ثم المتى، ثم الفاعل، ثم المفعول، ثم الوضع، ثم الجد. وإنما سمي كتاب المقولات لأن هذه الأسماء أجناس، وهي مقولة من الأنواع، والواحد بمترلة الجوهر، فإنه مقول على الجسم، والجسم مقول على المتنفس وغير المتنفس، والمتنفس مقول على الحيوان والنبات، والحيوان مقول على الإنسان والفرس والأسد، والإنسان مقول على زيد وعمرو وخالد التي هي غير متجزئة، والفرس على هذا الفرس بالإشارة، وذلك الفرس بالشبه والكمية مقولة على المتصلة والمنفصلة وسائر أجزائها، وكذلك سائر الأجناس. والثاني هو المسمى بكتاب التفسير، وغرضه فيه القول على التفسير للقضايا المقدمات للمقاييس العلمية، أعني الجوامع التي هي أخبار موجبة أو سالبة أو ما في أوله، فبين عما منه تكون القضايا من الاسم، والحرف، والقول، والتصريف، والمخبر عن القول، وعن القضايا المؤلفة من اسم وحرف، وثالث ورابع كقولنا: النار هي حارة، وما يعرض في ذلك، وفي الفحص عن أي القضايا أشد تناسبا ً الموجبة لسالبها أم الموجبة للموجبة المضادة لها. وإنما سماه كتاب التفسير لأنه أراد المقالة على الجزم، والبسيط المقول، الذي ليس فيه اشتراك اسم، وأراد أن يفصل بينه وبين القول الذي ليس بجازم، الذي يكذب ولا يصدق، وهو تسعة: الاستخبار كقولك: من أين جئت؟ والدعاء كقولك: يا فلان أقبل! والراغب كقولك في الأمر: إني أطلب إليك أن تفعل كذا وكذا، والتعجب كقولك في الأمر: ما الذي يكون من هذا؟ والقسم كقولك: أقسمت باالله لتذهبن ،والشك كقولك: لعل الأمر على ما قيل، والوضع كقولك: تكون هذه الضيعة وقفا ً على المساكين، واازي كقولك: إن فعلت كذا وكذا أجزتك بكذا. والمقالة قد تلقب ألقابا ً شتى في جهات مختلفة، فإذا كان القول يوجب شيئا ً لشيء سمي موجبة، وإذا كان يفلت شيئا ً من شيء سمي سالبة، وإذا كان مقدما ليستخرج منه شيء سمي مقدمه، فإذا كان مستخرجا ً من مقدمات قبله سمي نتيجة، وإذا كانت مقدمات ونتيجتها معها سمي صيغة. والثالث المسمى أنوليطيقا ومعناه النقائض، وغرضه فيه الإبانة عن الجوامع المرسلة، أعني ما هي، وكيف هي، ولم هي، وغرضه النوع الجامع للمعاني الثلاثة، وما قيل على الجامعة المرسلة، ووجود الجامعة ،وكيف تركيب الجوامع، ولكم نوع يكون، وما الذي يظهر من صوادقها بذاته، وما الذي يظهر من الحركة. والكتاب الرابع المسمى أبودقطيقا ومعناه الإصلاح، وغرضه فيه الإبانة عن الأمور المتضحة البرهانية، وكيف هي، وما ذا ينبغي أن يؤلف، ويسمى هذا الكتاب البيان والبرهان، لأنه يصف فيه التمييز الذي يميز به الحق من الباطل، والصدق من الكذب، فيقول: إن المقدمات على جهة المقدمة اتمعة عليها، المعروفة عند العامة، المركبة من الجزئين السابقين في العلم، بمترلة قول القائل: كل إنسان حي. والثانية الموجبة للمجادلة، فإا، وإن كانت صحيحة في نفسها، مجهولة عند العامة، وهي تحتاج إلى وساطة يعرف ا صحتها، بمترلة قولنا: كل إنسان جوهر. فأما كتابه الخامس المسمى طوبيقا فغرضه فيه الإبانة عن الأسماء الخمسة التي هي: الجنس، والنوع ،والفصل، والخاصة، والعرض، عن الحد، فتعرف ماهية الجنس، وماهية النوع، لئلا يذهب عن أحدها الجنس والنوع، فإنما يعرف هذا بالفصل الذي يفصل بين النوع و الجنس، وما خاصية كل واحد منهما ،أو ما الأعراض من الجواهر. وأما كتابه السادس، وهو المسمى سوفسطيقا، فغرضه فيه القول على المغالطة، ويقول كم نوعا تكون المغالطة، ويخبر كيف الاحتراس من قبول تلك الأغاليط، وهو الذي رد فيه على السوفسطائية. وأما كتابه السابع، وهو المسمى ريطوريقا، ومعناه البلاغة، فغرضه فيه القول في الأنواع الثلاثة: في الحكومة، وفي المشورة، وفي الحمد، وفي الذم، والجامع لها التقريظ. وأما كتابه الثامن، وهو المسمى فوايطيقا، فغرضه فيه القول على صناعة الشعر، وما يجوز فيه الشعر، وما يستعمل من الأوزان، وكل نوع فهذه أغراضه في كتبه المنطقيات الأربعة المقدمة، والأربعة الثانية. فأما كتبه الطبيعية فالأول كتاب سمع الكيان، وهو الخبر الطبيعي بين فيه عن الأشياء الطبيعية، وهي خمسة، المشتملة على الطبائع كلها التي لا وجود لشيء من الطبائع دوا، وهي: العنصر، والصورة، والمكان، والحركة، والزمان، فإنه لا وجود لزمان إلا بحركة، ولا وجود لحركة إلا بمكان، ولا وجود لمكان إلا بصورة، ولا وجود لصورة إلا بعنصر، وهذه الخمسة منها اثنان جوهران ،وهما: العنصر والصورة، وثلاثة أعراض جوهرية. والثاني هو المسمى كتاب السماء والعالم، وغرضه فيه الإبانة عن الأشياء الفلكية غير ذوات الفساد، وهي صنفان: أحدهما صنف مستدير الصنعة، وحركته الاستدارة، وهو الفلك المحيط بالأشياء، وهو ركن خامس لا يلزمه الكون، ولا الفساد، والصنف الثاني الفلكي المستدير بالتكوين، وإن لم يكن مستديرا ً بالحركة، وهي الأربعة الأركان: النار والهواء والأرض والماء، فإن هذه ليست بمستديرة الحركة بل مستقيمة الحركة، مستديرة بالكون، والمستديرة الكون هي التي يكون بعضها من بعض، بالانقلاب، بمترلة الشيء الذي يستدير وينقلب، بمترلة النار التي تستدير وتنقلب فتكون من الهواء، والهواء من الماء، والماء من الأرض، وكل واحد من هذه الأركان يستدير بالكون بعضه على بعض، فالنار والهواء إلى فوق، والماء والأرض إلى أسفل. وكتابه الثالث هو المسمى كتاب الكون والفساد، وغرضه فيه الإبانة عن ماهية الكون والفساد، ككون الماء هواء، والهواء ماء، وكيف يكون، وكيف يفسد بالطبيعة. والكتاب الرابع في الشرائع، وهو كتاب المنطق في الآثار العلوية، وغرضه فيه الإبانة عن عرض الكون والفساد، وكون كل كائن وفساده، مما بين اية فلك القمر إلى مركز الأرض، فيما بين الجو وما على الأرض، وما في بطنها، وعن الآثار العارضة فيها: كالسحاب، والضباب، والرعد، والبرق، والريح ،والثلج، والمطر، وغير ذلك. وكتاب في المعادن، وهو الخامس، وغرضه فيه الإبانة عن كون الأجرام المتكونة في باطن الأرض ،وكيفياا، وخواصها، وعوامها، والمواضع الخاصة ا. والكتاب السادس في الإبانة عن علل النبات، وكيفياته، وخواصه، وعوامه، وعلل أعضائه، والمواضع الخاصة به، وحركاته، فهذه أغراضه في كتبه الطبيعية. فأما كتبه النفسانية، فهما كتابان: فكتابه الأول منهما كتاب النفس، وغرضه فيه الإبانة عن ماهية النفس ،وقوامها، وفصولها، وتفصيل الحس، وتعديد أنواعه، وفضائل النفس وعاداا، والأمور المحمودة منها ،والأمور المذمومة منها، فالمحمودة: المنطق، والعدل، والحكمة، والحكم، والحلم، والشجاعة، والقوة ، والجرأة، وشرف النفس، والتحرج، والأمور المذمومة منها: الجور، والفسق، والنفاق، والغش، والكذب ،والنميمة، والخيانة. والكتاب الثاني في الحس والمحسوس والإبانة عن علل الحس للمحسوس، وغرضه فيه أن يخبر ما الحس والمحسوس، وكيف يقبل الحس الأشياء المحسوسة، وكيف يكون الحس والمحسوس شيئا ً واحدا، وهما مختلفان في الأدوات، وهل الأشياء بذواا وأجرامها أم بذواا دون أجرامها. ثم كتابه في الكلام الروحاني، وغرضه فيه ذكر الصورة اردة من الهيولى، التي في العالم الأعلى، والقوى الروحانية، ومعرفة اتصال قوى تلك الصور بالقوى الطبيعية، وهل هي بحركة، أو بلا حركة، وكيف تدير تلك القوى هذه القوى، وأن كل واحد من القوى الجرمية الغليظة جزء من تلك الأشياء الشريفة ،وبين ما العقل، وما المعقول، وما النفس الكلية، وما هبوطها وطلوعها. ثم كتابه في التوحيد، فقال: إن العلية الثانية علة العلل، والدهر تحتها، وهي مبدعة الأشياء، والإبداع لها ،وقال في هذا قولا بين فيه التوحيد. فأما كتبه في الخلق والإبانة عن أخلاق النفس، والسعادة في النفس والبدن، وتدبير العامة و الخاصة ،وتدبير الرجل امرأته، والسياسة، و تدبير المدن، وقصص أهل التدبير للمدن، فهذه أغراض كتب أرسطاطاليس الحكيم المذكورة الشريفة، وما بعدها من الكتب فتبع لها. ومن حكماء اليونانيين بطليموس وهو الذي وضع كتاب اسطي، وكتاب ذات الحلق، وذات الصفائح ،وهي الأسطرلاب والقانون، فأما كتاب اسطي، ففي علم النجوم، والحركات، وتفسير اسطي الكتاب الأكبر، وهو ثلاث عشرة مقالة، فابتدأ المقالة الأولى من اسطي بذكر الشمس، لأا الأس لا يوصل إلى علم شيء من حركات الفلك إلا ا، فقال في الباب الأول: إن الشمس فلك خارج المركز عن مركز العالم قد سمت ناحية منه، مصعدة نحو ما يحاذي ا من فلك البروج، متباعدة عن مركز الأرض، ودنت الناحية الأخرى منه، منحدرة نحو الأرض، متباعدة عما يحاذي ا من فلك البروج، فموضع السمو هو الموضع الذي فيه تبطىء الشمس ،وموضع الدنو هو الذي فيه تسرع، ثم تكلم في ذلك بقول واضح. والباب الثاني في قدر كلية الأرض عند كلية السماء ووضعت وضع الفلك المائل، وموضع عمران الأرض ،ومقادير ساعاا فيما بين خط الاستواء إلى القطب الشمالي، واختلاف ما بين هذين الموضعين، وقدر ذلك الاختلاف في نواحي الأفق من قبل اختلاف مواضع أهل الأرض، وحركة الشمس والقمر. والباب الثالث في الكرة المستقيمة مع قسي فلك البروج المفروضة. والمقالة الثانية ثلاثة عشر بابا ً: الباب الأول في المواضع المسكونة من الأرض. الباب الثاني في معرفة مقدار ما بين الفلك المستقيم وبين مطلع الفلك المائل من تقويس دائر أفق المطلع ،ومقادير النهار في كل يوم في طوله وقصره. الباب الثالث في معرفة ارتفاع القطب وانخفاض الأخرى التي هي مقابلته، وهو عرض الإقليم من الصفة والرسوم قبل ارتفاع القطب، وما بقي إلى منتهى سمت الرءوس التي في تدوير وسط السماء. الباب الرابع في معرفة مر الشمس في سمت رؤوس أهل البلاد أين يكون ذلك، ومتى يكون، وفي أي موضع من أجزاء البروج تكون الشمس يومئذ فوق رؤوسهم. الباب الخامس في مقدار الظل نصف النهار في برجي الاستواء، وبرجي التغير. الباب السادس في خواص المواضع من طريق ما بين المشرق والمغرب، والخطوط التي يوازي بعضها بعضا ً في استواء ما بينها من العرض. الباب السابع في اختلاف مطالع الفلك المائل عن طلوع الفلك المستقيم. الباب الثامن في جدوله مطالع خطوط أقاليم الأرض ومطلع طريقه خطا ً خطا ً. الباب التاسع في معرفة طول الليل والنهار من أزمان ساعات الأقاليم، ومعرفة مطالع أجزاء البروج ،والجزء الطالع، والجزء المتوسط السماء. الباب العاشر في الزوايا التي تقع فيما بين الفلك المائل، وبين تدوير منتصف النهار الذي في وسط السماء. الباب الحادي عشر في الزوايا التي تقع بين الفلك المائل، وتدوير أفق المطلع إلى حد الجنوب من ربع الدوائر في كل إقليم من الأقاليم. الباب الثاني عشر في الزوايا والتقاويس التي تكون في دائرة الأفق التي تدور على قطب دائرة الأفق، في مواضع الأقاليم. الباب الثالث عشر في وضع جداول القسي والزوايا التي في أقاليم الأرض، فهذه أبواب المقالة الثانية. المقالة الثالثة من اسطي عشرة أبواب، فالباب الأول في معرفة مقدار طول السنة، وعدد أيامها. الباب الثاني في وضع الجداول لحركة الشمس الوسطى. الباب الثالث في معرفة جهات الحركة المستديرة المتفقة. الباب الرابع في معرفة ما يظهر من اختلاف حركة الشمس في المنظر والرؤية. الباب الخامس في الأبحاث الجزئية عن الاختلاف. الباب السادس في صنعة فصول جداول القطع الجزئية الاختلاف. الباب السابع في وضع جداول اختلاف حركة الشمس. الباب الثامن في معرفة موضع الشمس في مسيرها الأوسط. الباب التاسع في حساب الشمس ومعرفة حقيقة موضعها. الباب العاشر في معرفة اختلاف الأيام ما بين ار يوم وليلته وبين ار يوم آخر وليلته. المقالة الرابعة من اسطي أحد عشر بابا ً، فالباب الأول: من أي الأرصاد ينبغي أن يكون البحث عن القمر. الباب الثاني في معرفة أزمان أدوار القمر. الباب الثالث في معرفة تقسيم حركات القمر الوسطى. الباب الرابع في وضع جداول تكون فيها حركات القمر الوسطى. الباب الخامس في أن الجهتين جهة مركز الخارج وجهة فلك التدوير، في حركات القمر، تدلان على أمر واحد. الباب السادس في برهان اختلاف حركة القمر الأولى المفردة. الباب السابع في تقويم مسير القمر في الطول والاختلاف. الباب الثامن في معرفة موضع حركات القمر الوسطى في الطول والاختلاف. الباب التاسع في تقويم مسير القمر الأوسط في العرض وفي ابتدائه. الباب العاشر في وضع جداول اختلاف القمر المفرد. الباب الحادي عشر في أي مقدار يكون اختلاف القمر. فهذه الأربع المقالات تجزي عن جميع ما يحتاج إليه من كتاب اسطي، وتسع مقالات بعدها في صفة المراكز، وتقديم حركة التدوير، وصنعة جداول الحركة، وجداول طول الكواكب. وأما كتاب: في ذات الحلق، فإنه ابتدأ بذكر عمل ذات الحلق، وهي تسع حلقات، بعضها في جوف بعض، إحداهن ذات علاقة، والثانية المعترضة فيها من المشرق والمغرب، والثالثة الحلقة التي تدور اتين الحلقتين على ما بين أسفلها إلى أعلاها، والرابعة الجارية تحت الحلقة ذات العلاقة، والخامسة حاملة نطاق البروج، وفيها تركيب المحور، والسادسة حاملة نطاق البروج الاثني عشر، والسابعة تحت حلقتي الفلك ،وهي حلقة مركبة في المحور ليؤخذ ا عرض الكواكب الثابتة، الجارية فيما بين أرباع الفلك، والحلقة الثامنة جارية في حجري المحور، والحلقة التاسعة مركبة في الحلقة الثانية رى الفلك المستقيم يحط في الجنوب، ويرفع السماء على قدر انتقال الفلك المستقيم، ويذكر فيه كيف يبتدأ بعملها، وكيف يكتب عليها، وكيف تركب كل واحدة في الأخرى، وكيف تجزى وتخطط وتسمر حتى لا تزول، وكيف تنصب. ثم يذكر العمل ا في تسعة وثلاثين بابا ً، فالباب الأول من أبواب مواضع العمل في ذات الحلق والتداوير التي فيها. الباب الثاني في امتحاا. الباب الثالث في أخذ ظل الشمس ا. الباب الرابع إذا أردت أن تأخذ ا عرض إقليم، أو مدينة، أو موضع. الباب الخامس إذا أردت أن تأخذ ا عرض كل إقليم ما هو. الباب السادس إذا أردت أن تعرف النهار كيف يقصر ويطول في السرطان. الباب السابع إذا أردت معرفة مقدار كل يوم من أيام السنة. الباب الثامن إذا أردت معرفة استواء الليل والنهار في الإقليم الأول. الباب التاسع إذا أردت أن تعلم كيف تطلع البروج في الأقاليم بأقل من ثلاثين جزءا ً أو أكثر. الباب العاشر علم رد أجزاء البروج إلى جزء الفلك المستقيم. الباب الحادي عشر في معرفة كل برج، وكيف يغيب بمطلع نظيره، ويطلع بمغيبه في الأجزاء. الباب الثاني عشر إذا أردت أن تعلم كيف تطلع البروج وسط السماء على اختلاف من أجزائها. الباب الثالث عشر إذا أردت معرفة كل برج منها. الباب الرابع عشر إذا أردت معرفة الطالع والأوتاد الأربعة بالنهار من قبل الشمس. الباب الخامس عشر إذا أردت معرفة الطالع بالليل من القمر والكواكب. الباب السادس عشر إذا أردت أن تعلم كم ساعة مضت من النهار. الباب السابع عشر إذا أردت أن تعلم أي ساعة يظهر القمر، أو كوكب من الكواكب الثابتة. الباب الثامن عشر إذا أردت أن تعلم ساعات القرانات. الباب التاسع عشر إذا أردت أن تعرف مقدار المشرقين والمغربين في كل بلد. الباب العشرون إذا أردت أن تعلم لكل برج مقدار مطلعه من المشرق، ومغربه من المغرب. الباب الحادي والعشرون إذا أردت أن تعلم الكواكب التي تغيب في كل بلد. الباب الثاني والعشرون إذا أردت أن تعلم الطرائق الخمس التي ذكرها الحكماء في الفلك في كل بلد. الباب الثالث والعشرون إذا أردت أن تعرف الأقاليم السبعة. الباب الرابع والعشرون إذا أردت معرفة كل إقليم منها. الباب الخامس والعشرون إذا أردت أن تعرف كيف يكون النهار الأقصر، إذا صارت الشمس في الجدي ،في الموضع الذي يكون عرضه ثلاثة وستين جزءا ً، وذلك أقصى ما يسكن من ناحية الشمال، ويكون النهار أربع ساعات ونحوها، وليلة عشرين ساعة، ويكون النهار الأطول فيه عشرين ساعة، وليلة أربع ساعات، وهي جزيرة يقال لها جزيرة تولى من أرض أوريبا، وهي شمالي أرض الروم. الباب السادس والعشرون إذا أردت أن تعرف المواضع التي تغيب عنها الشمس ستة أشهر، فيكون ظلمة راتبة، وتطلع عليه الشمس ستة أشهر، فيكون ضوءا ً راتبا ً، وهو الموضع الذي يحاذي محور الشمال. الباب السابع والعشرون إذا أردت أن تعلم كل كوكب من الكواكب الثابتة من أي جزء من أجزاء البروج التي تطلع في كل موضع تريد من الأرض. الباب الثامن والعشرون إذا أردت أن تعلم كم جزءا ً بين رأس الحمل والطالع من أجزاء المطالع في كل بلد. الباب التاسع والعشرون إذا أردت أن تعلم لكل مدينة وبلد من أي الأقاليم هي. الباب الثلاثون إذا أردت أن تعلم عرض القمر، أو كوكب من الكواكب. الباب الحادي والثلاثون إذا أردت أن تقوم خط وسط السماء في موضعه من سمت كل بلد. الباب الثاني والثلاثون إذا أردت أن تعرف طول الكواكب وعرضها بعد معرفتك بجري وسط السماء. الباب الثالث والثلاثون إذا أردت أن تعرف موضع رأس التنين وذنبه، وهل تلتقي بفلكي الشمس والقمر. الباب الرابع والثلاثون إذا أردت أن تعرف المطالع من قبل ساعات الما. الباب الخامس والثلاثون إذا أردت أن تعرف مجرى الفلك الذي فيه الكواكب الثابتة. الباب السادس والثلاثون إذا أردت أن تعرف تشريق الكواكب وتغريبها. الباب السابع والثلاثون إذا أردت أن تعرف طول مدينة من المدن. الباب الثامن والثلاثون في معرفة أجزاء طول المدن. الباب التاسع والثلاثون في استخراج القوس من حساب الجبر، فهذه أبواب ذات الحلق. وأما كتاب في ذات الصفائح، وهي الأسطرلاب، فإنه يبتدىء بذكر عملها وكيف تعمل، وحدودها ، ومقاديرها، وتركيب حجرها، وصفائحها، وعنكبوا، وعضادا، وكيف تجزأ وتقسم وتحفظ على قسمة أجزائها، ومقنطراا، وميلها، ويشرح ذلك، ويصفه صفيحة إقليم إقليم، وطول كل إقليم وعرضه ، ومواضع الكواكب والساعات فيها، والطالع والغارب والمائل، والجنوبي والشمالي، ورأس الجدي، ورأس السرطان ،ورأس الحمل، ورأس الميزان، ثم يذكر العمل ا. فالباب الأول امتحاا حتى تصح. الباب الثاني في امتحان طرفي العضادة. الباب الثالث في علم ما مضى من النهار من ساعة وأي برج ودرجة الطالع. الباب الرابع في علم ما مضى من ساعات الليل، وما الطالع من البروج والدرج. الباب الخامس في معرفة موضع الشمس من البروج والدرج. الباب السادس في علم مواضع القمر في أي برج ودرجة هو، وأين الكواكب السبعة. الباب السابع في علم عرض القمر. الباب الثامن في علم مطالع البروج الاثني عشر في الأقاليم السبعة، ومعرفة كل برج منها. الباب التاسع في قطع المطالع للفلك المستقيم، وما يصيب كل درجة من درج السواء. الباب العاشر في علم ساعات الليل والنهار كم تكون في كل زمان، في كل إقليم. الباب الحادي عشر في علم مقدار ار كل كوكب من الكواكب الثابتة، وما يجري في الفلك من حين طلوع الكواكب إلى حين غروا. الباب الثاني عشر في معرفة طول الكواكب وعرضها. الباب الثامن عشر في معرفة زوال الكواكب الثابتة، فإا تزول في كل سنة من سني القمر درجة. الباب الرابع عشر في معرفة ميل البروج عن خط الاستواء الذي هو مدار الحمل والميزان. الباب الخامس عشر في معرفة المدائن أيها أقرب إلى الشمال وإلى الجنوب. الباب السادس عشر في معرفة أقرب المدائن من المشرق وأقرا إلى المغرب. الباب السابع عشر في معرفة عرض كل إقليم. الباب الثامن عشر في علم أي إقليم أنت فيه. الباب التاسع عشر في علم عرض الإقليم وأي المدائن أردت. الباب العشرون في علم تقدير الطرائق، وهي خمس، وكيف مجاريها، ويشرح في كل باب من هذه الأبواب شرحا ً طويلا ً بين فيه ما يحتاج إليه وإلى معرفته. فهذه أغراضه في ذات الصفائح. وأما كتابه القانون في علم النجوم وحساا، وقسمة أجزائها، وتعديلها، فمن أتم كتب النجوم وأوضحها ،وكان أول ما ابتدأ به في ذكر دور السماء التي تدور فيها هذه الكواكب. باب في علم مسير الكواكب في كل يوم، فيقول: إن مسير الشمس في كل يوم يكون تسعا ً وخمسين دقيقة، ومسير أوج القمر سبع دقائق، ومسير رأس التنين، وهو الجوزهر، ثلاث دقائق، ومسير زحل دقيقتان، ومسير المشتري خمس دقائق، ومسير المريخ إحدى وثلاثون دقيقة، ومسير الزهرة درجة وست وثلاثون دقيقة، ومسير عطارد أربع درج وخمس دقائق، و مسير قلب الأسد ست ثوان. باب في علم أوساط الكواكب، وتقويمها، وتعديلها، إذا كانت لا تمكن أن تقوم إلا بأوساطها. باب في تحريك أرباع الفلك على ما ذكر أصحاب الطلسمات، أن أرباع الفلك تتحرك ثمانية أجزاء مقبلة، وثمانية أجزاء مدبرة، والجزء درجة فتقبل في كل ثمانين سنة، وتدبر على كل ثمانين سنة جزءا ً. باب في ميل الشمس وعرض الكواكب الستة، وتباعدها من خط الاستواء إلى الشمال، وإلى الجنوب ،ووضع لكل كوكب منها في ذلك جدولا ً، أما ميل الشمس، فميلها عن خط الاستواء، وأما ميل عرض الكواكب فتباعدها من مسير الشمس. باب في مقام الكواكب السبعة ورجوعها، وكيف يلتمس على ذلك من زحل والمشتري والمريخ، إذا كان بين كل واحد منها وبين الشمس مائة وعشرون، أو مائتان وأربعون درجة، ومن الزهرة وعطارد إذا تباعدا من الشمس تباعدهما الأكبر، فكان بين الزهرة وبينها ست وأربعون درجة، وبين عطارد ثلاث وعشرون درجة. باب في طلوع الكواكب السبعة من تحت شعاع الشمس، ومغيبها من بين يديها ومن خلفها. باب في تقويم الساعات وتعديلها، وإخراجها من الساعات المعوجة إلى الساعات المستوية. باب في علم عرض المدائن وطولها، وقسم مدائن العالم بين الأقاليم السبعة، فجعل لكل مدينة طولا ً وعرضا ً، وجعلها في جدول سماه جدول المدائن، ووضعه على ثلاثة أبواب: فالباب الأول فيه تسمية المدائن. والباب الثاني طول كل مدينة. والباب الثالث عرض كل مدينة، وهو انحرافها عن حد رأس الجدي ،والميزان إلى الشمال، ووضع لكل إقليم عرضه، وهو انحراف وسطه عن رأس الحمل، والميزان إلى الشمال ،وأثبته على رأس جدول مطالعه، فإذا أردت عرض مدينة من مدائن العالم، وكانت مما قد أثبته في تسمية المدائن، وإلا نظر إلى عرض أي إقليم هي أقرب، فأي إقليم وجد عرض تلك المدينة أقرب إلى عرضه ،فتلك المدينة من ذلك الإقليم. باب فيه عرض كل إقليم، فقال الأول: ست عشرة درجة ودقيقة، والثاني ثلاث وعشرون درجة وإحدى عشرة دقيقة، والثالث ثلاثون درجة واثنتان وعشرون دقيقة، والرابع ست وثلاثون درجة، والخامس أربعون درجة وست وخمسون دقيقة، والسادس خمس وأربعون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة، والسابع ثمان وأربعون درجة واثنتان و ثلاثون دقيقة. وباب ذكر فيه انحراف القمر، وهو الذي يسمى البراكفيس، وأخبر أنه رؤية القمر، وذلك أن للقمر موضعين مختلفين: أحدهما موضع رؤيته، والآخر مترلته المعتدلة. وباب في اجتماع الشمس والقمر والاستقبال، وكيف يحسب لذلك حتى يصح. وباب في كسوف القمر ونواحيه. وباب في كسوف الشمس، وكيف يحسب في وقت الاجتماع. وباب في تعديل ما يوجد بجداول الكواكب والطالع وغير ذلك. وباب من التعديل في استخراج الطالع وفيه مائة وثمانون جدولا ً، وبين كل قول بالأشكال. وتسمية ملوك اليونانيين والروم وما ملك كل ملك على ما بينا من أسمائهم آخر هذا الفصل. ملوك اليونانيين والروم وكان أول ملوك اليونانيين، وهم أولاد يونان بن يافث بن نوح، وهو أول من سماه بطليموس في القانون من ملوكهم: فيلفوس، وكان جبارا ً عاتيا ً ،وكان ملكه سبع سنين. ثم ملك ابنه الإسكندر، وهو الذي يقال له ذو القرنين، واسم أمه ألومفيدا، وكان معلمه أرسطاطاليس الحكيم، فجل قدر الإسكندر، وعظم ملكه، واشتد سلطانه، وأعانته الحكمة والعقل والمعرفة، وكان معه نجدة وبأس، وهمة عالية، دعته إلى أن كتب إلى ملوك الأقاليم والآفاق يدعوهم إلى طاعته، وكان من كان قبله من ملوك اليونانيين يؤدي إلى ملوك أرض بابل من الفرس خرجا ً، لجلالة تلك المملكة، وعظم قدرها ،وصغر الممالك في جنبها، فلما كتب إلى ملك فارس يدعوه إلى طاعته عظم عليه، فسار الإسكندر حتى أتى أرض بابل، وملك الفرس يومئذ دارا بن دارا، فحاربه حتى قتله، وحوى خزائن ملكه، وتزوج ابنته. ثم صار إلى أرض فارس، وقتل من ا من المرازبة والرؤساء، وافتتح البلاد. ثم صار إلى أرض الهند، فزحف إليه فور ملك الهند، فحاربه حتى قتله، ثم صير الإسكندر على الهند ملكا ً من قبله من أهل الهند يقال له كيهن، و انصرف، فشرق، وغرب، ثم رجع إلى أرض بابل بعد أن دوخ الأرض. فلما صار في أداني العراق، مما يلي الجزيرة، اعتل، فاشتدت علته، فلما يئس من نفسه، وعلم أن الموت قد نزل به، كتب إلى أمه كتابا ً يعزيها عن نفسه، وقال لها في آخره: اصنعي طعاما ً، واجمعي من قدرت عليه من نساء أهل المملكة، ولا يأكل من طعامك من أصيب بمصيبة قط! فعملت طعاما ً، وجمعت الناس، ثم أمرم ألا يأكل من أصيب بمصيبة قط، فلم يأكل أحد، فعلمت ما أراد. ومات الإسكندر بموضعه الذي كاتب منه، فاجتمع أصحابه، فكفنوه، وحنطوه، وصيروه في تابوت من ذهب، ثم وقف عليه عظيم من الفلاسفة، فقال: هذا يوم عظيم كشف الملك عنه، وأقبل من شره ما كان مدبرا ً، وأدبر من خيره ما كان مقبلا ً، فمن كان باكيا ً على ملك، فعلى هذا الملك فليبك، ومن كان متعجبا ً من حادث، فمن مثل هذا الحادث فليتعجب. ثم أقبل على من حضره من الفلاسفة، فقال: يا معاشر الحكماء! ليقل كل امرىء منكم قولا ً يكون للخاصة معزيا ً، وللعامة واعظا ً. فقام كل واحد من تلامذة أرسطاطاليس، فضرب بيده على التابوت، ثم قال: أيها المنطيق ما أخرسك! أيها العزيز ما أذلك! أيها القانص إني وقعت موضع الصيد في الشرك من هذا الذي يقنصك؟ ثم قام آخر فقال: هذا القوي الذي أصبح اليوم ضعيفا ً، والعزيز الذي أصبح اليوم ذليلا ً. وقام آخر فقال: قد كانت سيوفك لا تجف، ونقماتك لا تؤمن، وكانت مدائنك لا ترام، وكانت عطاياك لا تبرح، وكان ضياؤك لا يكسف، فأصبح ضوءك قد خمد، ونقماتك لا تخشى، وأصبحت عطاياك لا ترجى، وأصبحت سيوفك لا تنتضى، وأصبحت مدائنك لا تمنع. ثم قام آخر فقال: هذا الذي كان للملوك قاهرا ً، فقد أصبح اليوم للسوقة مقهورا ً. وقام آخر فقال: قد كان صوتك مرهوبا ً، وكان ملكك غالبا ً، فأصبح الصوت قد انقطع، والملك قد اتضع. وقام آخر فقال: لا امتنعت من الموت إذ كنت من الملوك ممتنعا ً، وهلا ملكت عليه إذ كنت عليهم مملكا ً. وقام آخر فقال: حركنا الإسكندر بسكونه، وأنطقنا بصمته. وتكلموا بنحو هذا الكلام، ثم أطبق التابوت، وحمل إلى الإسكندرية، فتلقته أمه بعظماء أهل المملكة، فلما رأته قالت: يا ذا الذي بلغت السماء حكمته، وحاز أقطار الأرض ملكه، ودانت الملوك عنوة له! ما لك اليوم نائما ً لا تستيقظ، وساكتا ً لا تتكلم؟ من يبلغك عني أنك قد وعظتني فاتعظت، وعزيتني فتعزيت؟ فعليك السلام حيا ً وهالكا ً، فنعم الحي كنت، ونعم الهالك أنت. ثم أمرت به، فدفن، وكان ملك الإسكندر مع ما نال من الدنيا اثنتي عشرة سنة. ثم ملك بعد ذي القرنين بطليموس خليفة الإسكندر، وكان حكيما ً عالما ً، وكان ملكه عشرين سنة، ثم ملك فيلفوس، وكان جبارا، فاشتد سلطانه، وعتا في ملكه، وفي أيامه عملت الطلسمات، وكان ملكه ثمانيا ً وثلاثين سنة، ثم ملك هورحيطوب الأول خمسا ً وعشرين سنة، ثم ملك فيلوبطور سبع عشرة سنة ،ثم ملك فيفانس أربعا ً وعشرين سنة، ثم ملك فيلوبطور الثاني خمسا ً وعشرين سنة، ثم ملك هورحيطوب الثاني سبعا ً وعشرين سنة. ملوك الروم ثم صار الملك من بعد اليونانيين، أولاد يونان بن يافث بن نوح، إلى الروم، وهم ولد روم بن سماحير بن هوبا بن علقا بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، فغلبوا على البلد، وتكلموا بلغه القوم، وانتسبوا إلى الرومية، ودرست اليونانية إلا ما بقي في أيدي هؤلاء من فضل حكمهم، وكان أول من ملك من الروم بعد اليونانيين فهاساطق، وهو جاليوس الأصغر، ابن روم، وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة. ثم ملك أغسطس، فلما أتى لملكه سنة، ولد المسيح، واتصل ملك أغسطس ثلاثا وأربعين سنة. ثم ملك طباريس اثنتين وعشرين سنة. ثم ملك جايس أربع سنين. ثم ملك قلوديس أربع عشرة سنة. ثم ملك أسفسيانوس عشر سنين، وكان أهل مملكته يسمونه الإله، ووجه ابنا له يقال له ططوس إلى بيت المقدس، فحصرها أربعة أشهر، وكان قد اجتمع إليها في عيد من أعياد اليهود خلق عظيم، فاشتد عليهم الحصار، حتى أكلوا الصبيان، ومات أكثرهم من الجوع، ثم افتتحها، فقتل وسبى وأحرق الهيكل بالنار. ثم ملك ططوس ثلاث سنين، وانشق في زمانه جبل يقال له أبرمور، وخرجت منه نار أحرقت مدنا ً كثيرة. ثم ملك دومطيانوس خمس عشرة سنة، وفي زمانه ظهر أبولوس صاحب الطلسمات من أهل طوانة ،ووثب بدومطيانوس أهل مملكته، فقتلوه. ثم ملك يهودس سنة واحدة. ثم ملك طريانوس تسع عشرة سنة. ثم ملك ادريانوس إحدى وعشرين سنة، ووثب به يهود بيت المقدس، فامتنعوا أن يؤدوا إليه الخراج ،فوجه إليهم من قتلهم، وأمر بقتل من بقي منهم ببيت المقدس. ثم ملك هيلوس أنطونينوس ثلاثا ً وثلاثين سنة. ثم ملك مرقس أنطونينوس خمسا ً وعشرين سنة. ثم ملك الإسكندر بن ماميا ثلاث عشرة سنة. ثم ملك مكسيميانوس ثلاث سنين. ثم ملك جورديانوس ثلاث سنين. ثم ملك فيلفوس سنتين. ثم ملك ديقيوس سنة واحدة. ثم ملك جالوس ثلاث سنين. ثم ملك ولريانوس ست سنين. ثم ملك قروس سبع سنين. ثم ملك دقليطيانوس عشرين سنة. ثم ملك قسطنطين ومكنيوس عشر سنين. وكانت ملوك اليونانيين، ومن ملك بعدهم من الروم، مختلفة، فطائفة منهم على دين الصابئين، وكانوا يسمون الحنفاء، وهم الذين يقرون ويعترفون بخالق، ويزعمون أن لهم نبيا ً مثل اوراني، وعابيديمون ، وهرمس، وهو المثلث بالنعمة، ويقال إنه إدريس النبي، وهو أول من خط بالقلم، وعلم علم النجوم ،ويقولون في الخالق، جل وعز، على قول هرمس: أما أن يعقل االله، فعسر، وأن ينطق به، فلا يمكن، وإن االله علة العلل، المكون للعالم جملة واحدة. وطائفة منهم أصحاب زينون، وهم السوفسطائية، وتفسير هذا الاسم باليونانية المغالطة، وبالعربية التناقضية، يقولون: لا علم ولا معلوم، واحتجوا باختلاف الناس وانتصاف بعضهم من بعض، وقالوا: نظرنا في قول الناس المختلفين، فوجدناها مختلفة غير متفقة، وأصبناهم في اختلافهم مجتمعين على أن الحق مؤتلف غير مختلف، وأن الباطل مختلف غير مؤتلف، وكان في اجتماعهم شاهد لهم ام لم يعملوا بالصواب، فلما أقروا ذا لم يبق للحق موضع يطمع في إصابته إلا في الخاصة منهم، فعلمنا أن ذلك لا يوجد إلا بأحد وجهين: إما بالتسليم للمدعي، وإما بالكشف لدعواه، فنظرنا في الدعوى فأصبنا بما يعمهم، فلم نجز تصديقهم لخلتين: إحداهما أن يكذب بعضهم بعضا، والأخرى إجماعهم على ام لم يعلموا بالصواب. فلم يبق إلا كشف الدعوى، ففعلنا، فأصبناهم أهل تكافؤ وتجار بدور الغلبة عليهم جميعا ً بالاستواء بينهم، تقوى هذه مرة، ومخالفتها أخرى، فلم نصب عند طائفة منهم فضلا ً، ولا تشارك فيه، ولا حجة، ولا تساوي ا، ولا تجارى فيها، فلما أعوز وجود الحق في عامتها وخاصتها بالدعوى بالمناظرة لم يبق للعلم موضع يوجد فيه، ولا للحق مذهب يصاب منه، فقضينا أنه لا علم، ولا معرفة، لأن الشيء إذا كان ثابتا ً لا محالة، فلا بد من الإحاطة في الاتفاق، أو في الاختلاف، فلا يذكر ذاكر، وهو غائب، فقال: فلان غائب، فأصابه، فلو قال هو أو غيره: فلان حاضر، وليس بحاضر، فخرج من الصدق ،ثم خالفه مخالف، فقال: بل هو غائب، فكان أحدهما صادقا ً لا محالة، لأنه لا يعدو إذا كان الشيء ثابتا ً حقا ً أن يكون حاضرا ً أو غائبا ً، فإذا لم يكن شيئا ً، فكلاهما كاذب فيما قال من أنه حاضر أو غائب، لأن الحاضر شيء، والغائب شيء، فإن لم يكن شيئا ً، فليس بحاضر ولا غائب. واحتجوا بنحو هذا آخر فقالوا: إن كانت الأشياء كلها تدرك بالعلم والعلم بالعلم فإلى اية أو إلى لا اية، فإن تناهى، فإلى غير معلوم، وما لم يكن معلوما ً، فهو مجهول، فإني تعلم الأشياء بمجهول، فإن لم تتناه، ولم تكن لذلك غاية، فلا إحاطة به، وما لم يحط به، فمجهول أيضا ً، فكان الوجهان في هذا القياس مجهولين غير معلومين، فأنى يعلم شيء مجهول دون أن يعلم جميع الأشياء، وذلك أبعد. وشققوا في هذين النوعين، وكثر سعيهم، وعظمت مؤنتهم، وقالت طائفة تسمى الدهرية: لا دين، ولا رب، ولا رسول، ولا كتاب، ولا معاد، ولا جزاء بخير، ولا بشر، و لا ابتداء لشيء، ولا انقضاء له، ولا حدوث، ولا عطب، وإنما حدوث ما سمي حدثا ً تركيبه بعد الافتراق، وعطبه تفريقه بعد الاجتماع ،وجميع الوجهين في الحقيقة حضور غائب ومغيب حاضر. وإنما سميت الدهرية لزعمها أن الإنسان لم يزل، ولن يزول، وأن الدهر دائر لا أول له، ولا آخر ، واحتجوا فيما ادعوا بأن قالوا: إنما يعرف في وجود الشيء وفقده حالان لا ثالث لهما: حال الشيء فيها موجود، فأنى يحدث ما قد كان ووجد، وحال لا شيء فيها، فأنى يكون الشيء في حال لا تشبيه لها ،وذلك أبعد. وكذلك القول في المدعي العطب فهو لا يعرف غير حالين: حال الشيء فيها قائم، فمحال قول من ادعى العطب للشيء في حال كونه وقيامه، وحال لا شيء فيها، فأنى يكون العطب الأدنى، وذلك محال، فإن أقر مخالفونا بصدقنا دخلوا في قولنا ونقضوا قولهم، وإن أنكروا قولنا ادعوا حالا ً ثالثة لا عدم فيها ولا وجود، فذلك أقبح الثلاثة حالة. وقالت فرقة منهم: إن أصل الأشياء في الأزلية حبة كانت، فانفلقت، فبدأ منها العالم على ما ترى من اختلافه في ألوانه وإحساسه، وزعم بعضهم أنه غير مختلف في معانيه، وإنما ختلف معانيه من جهة إحساسه، وأنكر بعضهم ذلك، وأثبتوا له اختلافا ً في معانيه وتحقيقه، وقالت المنكرة لتحقيق الاختلاف: الأشياء إنما تختلف باختلاف الإحساس لها، وإنه لا حقيقة لشيء منها تبين ا دون غيرها. وادعوا من الدلالات في ذلك أن أهل المرض الحادث من الصفراء مثل أصحاب اليرقان، إذا ذاق أحد منهم العسل وجده مرا ً، وأهل السلامة من هذا الداء يجدونه حلوا ً، وإن الخفاش يغشيه ضوء النهار ،ويذكي بصره الليل، فإن كان النور يزيد الأبصار نورا ً، والظلمة مغشية لها، وجب أن يكون نور النهار الظلمة للخفاش وغيره، تغشى بصره النار، وقد يوجد ذلك في بعض الناس وغيرهم من الحيوان والطير وغيره، وإن الليل إذا كان مذكيا ً للأبصار على ما وصفنا، فليلها نور، كما أن النهار نور لمن خالفها ،والليل ظلمة لها، فإن قلتم: إن ذلك لآفة دخلت على هذه الأصناف، قلنا لكم: عند من خالفهم أو عند من وافقهم؟ فإن قلتم: عند من خالفهم، قلنا: بل الآفة دخلت على من وافقهم، فإن قلتم: عند من وافقهم، قلنا: بل الآفة دخلت على من خالفهم عندهم، فلا فضل لأحد الصنفين على أحد. وقالوا: ألا ترون الكاتب يكتب الكتاب عدلا ً مستقيما ً، فيراه كذلك من قبل وجهه، فإن نظر إليه من خلفه رآه بخلاف ما كان يعرف، وإن أزور عنه معوجا ً أو خالفه رآه مخالفا ً، كما تكتب الألف في صورة تميز من جميع الحروف، فإذا استقبلتها رأيتها ألفا ً، وإذا استدبرا رأيتها كالباء، وإذا انحرفت عنها رأيتها كالنون، أو كالباء، وإن الغائب عن موضعه حاضر موضعا ً آخر. وكذلك القول في الألوان والأصوات والطعوم والأعيان والملابس، كما ترى الشخص من قرب كبيرا ً ،وصغيرا ً من بعد، كلما قرب الداني منه ازداد كبرا ً، وكلما بعد منه ازداد صغرا ً في عينه. وكذلك الصوت يسمع من قريب قويا ً ومن بعيد خفيا ً. وكذلك الطعم تذوق الشيء قليلا ً، فتجده قليل الحلاوة، فإذا زدت منه كان طعمه كثير الحلاوة. وكذلك اللمس تحس الشيء قليلا، فتجده فاترا ً، وتلمسه شديدا ً، فتجده حارا ً، وترى الصورة من قريب ثابتة مختلفة، فيزداد الرائي لها بعدا ً، فيرى أا مستوية غير مختلفة. وزعموا أن جميع الأشياء تدور على التكافؤ والتجاري، وكادوا أن يحلفوا بالسوفسطائية. وقالت طائفة أخرى: إن الأشياء فروع لأصول أربعة لم تزل ولا تزول، فولدت وظهر العالم منها، وهي: الأفراد السواذج: الحر والبرد، والرطوبة واليبس، تنبت بأنفسها لا باعتماد، ولا إرادة، ولا مشيئة. وقالت طائفة أخرى: إن الأصول أربعة، وهي أمهات ما في العالم، ومعها خامس لم يزل ولا يزول يدبرها ويؤلف بينها بإرادة، ومشيئة، وحكمة، ويؤلف بين زوجاا وتتولد نتائجها عنه، لا يمنع أضدادها من القرب بعضها من بعض، وهو العلم. وقالت طائفة، وهم أصحاب الجوهر، وهم الأرسطاطاليسية: إن الأشياء شيئا ًن: جوهر وعرض، والجوهر ينقسم قسمين: حي ولا حي، وحده: القائم بنفسه، وافتراقه في الخاصة لا في الحد، والعرض تسعة فمنها: الكمية، وهو العدد، وصورها أربع: الكيل، والمساحة، والوزن، والقول. ثم الكيفية، وصورها ثمان: الكون، والفساد، والهيئة، والحيلة، والقوة، والضعف، والإلف، والمألوف. ثم الإضافة، وصورها أربع: طبيعي، وصناعي، واستحسان، ومودة. ثم متى، وهي الواقعة على الوقت، يعني بالوقت الزمان، وصور الزمان ثلاث: الماضي، والمستقبل، والدائم. ثم إني، وهي الواقعة على المكان وهو الست جهات يعني: أمام، وخلف، وأعلى، وأسفل، ويمين، ويسار. ثم الجدة، وهي الملك، وصورة الملك قسمان: إما خارج، وإما داخل، فمعنى خارج مثل المملوك والدار والأثاث ونحوه، ومعنى داخل مثل العلم والحكمة. ثم النصبة، ومعنى النصبة هيئة الشيء كقول القائل: فلان قائم، وفلان قاعد، وفلان ذاهب، وفلان جاء. ثم الفاعل وهو قسمان: إما أن يفعل بالاختيار، وإما أن يفعل بالطبع، فالمختار مثل الحي، الباقي، الآكل ،الشارب، والفاعل بالطبع كحركة العناصر الأربعة مثل النار تسمو من الوسط إلى العلو تكرر وإن كان دون النار، وكالأرض من العلو إلى الوسط، إلى مركزها الأخص ا، والماء من العلو إلى دون الأرض. ثم المنفعل، وهو القابل للتأثير الفاعل فيه حال طينته المحتملة لأن يديرها ويربعها في جميع الأشكال، فهذه مقالات اليونانيين ومن تلاهم من الروم، ومذاهب متكلميهم وفلاسفتهم وحكمائهم وأهل النظر منهم. ملوك الروم المتنصرة وكان أول من ملك من ملوك الروم، فخرج من مقالة اليونانية إلى النصرانية: قسطنطين، وكان سبب ذلك أنه كان يحارب قوما ً، فرأى في منامه كان رماحا ً نزل ا من السماء عليها صلبان، فلما أصبح حمل على رماحه الصلبان. ثم حارب، فظفر، وكان ذلك سبب تنصره، فقام بدين النصرانية، وبنى الكنائس ،وجمع الأساقفة من كل بلد لإقامة دين النصرانية، فكان أول اجتماع لهم واجتمع بنيقيه ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا ً، وأربعة بطارخة: بطرخ الإسكندرية، وبطرخ رومية، وبطرخ أنطاكية، وبطرخ القسطنطينية. وكان سبب جمع قسطنطين هؤلاء أنه لما تنصر، وحلت النصرانية بقلبه، أراد أن يستقصي علمها ، فأحصى مقالات أهلها، فوجد ثلاث عشرة مقالة، فمنها قول من قال إن المسيح وأمه كانا الهين، ومنها قول من قال إنه من الأب بمترلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار، فلم ينقص الأولى انفصال الثانية، ومنها مقالة من قال بتألهه، ومنها مقالة من قال بتعبيده، ومنها مقالة من قال: إن جسده كان خيالا ً مثل متى وأصحابه، ومنها مقالة من قال: هو الكلمة، ومنها قول من قال: هو الابن، ومنها مقالة من قال: هو روح قديمه، ومنها مقالة من قال: هو ابن يوسف، ومنها مقالة من قال: هو نبي من الأنبياء، ومنها مقالة من قال: هو لاهوتي وناسوتي، فجمع قسطنطين ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا ً وأربعة بطارخة ولم يكن في ذلك العصر غيرهم. وكان بطرخ الإسكندرية يقول: إن المسيح مألوه مخلوق، فلما اجتمعوا ناظروه في ذلك، فأجمع مقالة القوم جميعا ً أن قالوا: إن المسيح ولد من الأب قبل كون الخلائق، وهو من طبيعة الأب، ولم يذكروا روح القدس، ولا أثبتوه خالقا ً ولا مخلوقا ً، ولكن وافقوا على أن الأب الإله والابن إله منه، وخرجوا من نيقية ،وكان ملك قسطنطين خمسا ً وخمسين سنة. ثم ملك يوليانوس سنة واحدة، ثم ملك دسيوس سنة واحدة، وفي أيامه ظهر أصحاب الكهف بعد أن كانوا قد ماتوا بعد دهر طويل، وكانوا عدة نفر وراع، ومعهم كلب الراعي، وأسماؤهم: مكسلمينا ،ومراطوس، وشاه بونبوش، وبطريوش، ودواس، ويوالس، وكنيفرطو، وسوطر، والراعي مليخا، وهو صاحب الكلب، واسم الكلب قطمير، فخرجوا بعد مائة سنة، ويقال: ثلاثمائة سنة وتسع سنين، وبعثوا بعضهم ومعه دراهم يمتار لهم طعاما ً، فأنكرت السوقة ضرب دراهمه، ثم اتبعوه حتى صاروا إلى المغارة ،فعمى أمرهم على القوم، وبني على المغارة مسجد يصلى فيه. ثم ملك والنطيانوس أربع سنين، ثم ملك تيدوسوس الأكبر، وكان في عصره الاجتماع الثاني للنصرانية، فاجتمع له بالقسطنطينية مائة وخمسون أسقفا ً وثلاثة بطارخة، ولم يحضرها بطرخ رومية، فوضعوا صحيفة الأمانة، وأثبتوا روح القدس، وكانت صحيفة الأمانة التي وضعوها: أومن باالله الواحد الأب، ملك كل شيء، خالق السماوات والأرض، وما يرى وما لا يرى، وبالرب المسيح ابن االله الذي ولد قبل الدهر، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود ليس بمخلوق، ومن سوس الأب، به كان كل شيء، من أجلنا البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد بروح القدس ومن مريم العذراء، فصار بشرا ً، وصلب من أجلنا على عهد بلاطس البنطي ،وأصيب، وقبر، وقام لثلاثة أيام، كما هو في الكتب، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الأب الذي ليس لملكه فناء، وبروح القدس الرب الذي من الأب اشتق الذي تكلم فيه الأنبياء، وبواحدة القدسية الكنيسة السليحية للحواريين، أومن بمعمودية واحدة، بمغفرة الخطايا وقيام الأموات، وحرموا من قال بعد هذا شيئا ً، وافترقوا من القسطنطينية، وكان ملك تيدوسوس سبع عشرة سنة. ثم ملك بعده ابن أخيه تيدوسوس الأصغر ووالنطيانوس، وكان الجمع الثالث للنصرانية، فاجتمع بافسس ،وحضر مائتا أسقف، وخالف نسطور على القوم جميعا ً، وقال: إن المسيح جوهران وكيانان، إله تام بجوهره وكيانه، فالأب ولد الإله، ولم يلد إنسانا ً، والأم ولدت إنسانا ً، ولم تلد الإله، فقال له قريلس: إن كان الأمر كما قلت، فمن عبد المسيح، فهو مسيء، لأنه قد يكون عبد قديما ً ومحدثا ً، ومن ترك عبادته ،فقد كفر، لأنه يكون قد ترك عبادة القديم كما ترك عبادة المحدث، ومن عبد الإله دون الإنسان، فلم يعبد المسيح، إذ كان لا يستحق أن يقال مسيحا ً من إحدى جهتيه دون الأخرى، فأوجب ذلك على من حضر، وخالفه بطرخ أنطاكية، فقال نسطور: بطرخ أنطاكية يقول بمثل قولي. وهرب نسطور إلى أرض العراق، فصارت النسطورية بالعراق، وصيروا رئيسهم، مكان البطرخ، جاثليق ،فافترقوا على هذا، وكان ملك تيدوسوس الأصغر سبعا ً وعشرين سنة. ثم ملك مرقيانوس، وكان في عهده الاجتماع الرابع، وكان سبب ذلك أن طرسيوس، صاحب اليعقوبية ،قال: إن المسيح جوهر واحد وطبيعة واحدة، فأنكرته النصارى، فاجتمع ستمائة وثلاثون أسقفا ً بالقسطنطينية، وناظروا طرسيوس، فقالوا له: إن كان المسيح، كما زعمت، طبيعة واحدة، فالطبيعة القديمة هي الطبيعة المحدثة، وإن كان القديم من المحدث، فالذي لم يزل هو الذي لم يكن، فلم يرجع عن مقالته، فحرموه، فصار إلى أرض مصر والإسكندرية، وكان طبيبا، فأقام ا. وكان ملك مرقيانوس خمس سنين. ثم ملك بعده أليون وأنيموس سبع عشرة سنة، ثم ملك زينون ثماني عشرة سنة، ثم ملك أنسطاسيوس ،وكان الجمع الخامس للنصرانية في عصره، وذلك أن قوما ً من رؤساء النصارى قالوا: إن جسد المسيح كان خيالا ً على غير حقيقة ،فاجتمعوا لذلك وقالوا: إن كان جسده خيالا ً، فيجب أن يكون فعله خيالا ً على غير حقيقة، وهذا بقول السوفسطائية أشبه منه بقول النصارى، ولعن أولئك الذين قالوا هذا، وبرئت النصارى منهم. وكان ملك أنسطاسيوس سبعا ً وعشرين سنة. ثم ملك يوسطوس الثاني تسعا ً وعشرين سنة، وفي عصره ولد محمد رسول االله، ثم ملك يوسطوس الثالث عشرين سنة، ثم ملك طيبريوس أربع سنين، ثم ملك هرقل وقسطنطين ابنه، وكان في أيامه الجمع السادس للنصرانية، وذلك أن قورس الإسكندراني زعم أن المسيح مشيئة واحدة وفعل واحد فقال: وهذا شبيه بقول اليعقوبية، فاجتمعوا لذلك، ورضوا ببطرخ رومية، وكتب كتابا ً ولم يحضر، ولم يكن للنصرانية جمع بعدها. وكان ملك هرقل وقسطنطين ابنه اثنتين وثلاثين سنة. ثم ملك قسطنطينوس ثماني عشرة سنة، ثم ملك بطرخ رومية ثلاث سنين، ثم ملك فلسعرربى أربع سنين ،ثم ملك أليون وقسطنطين ابنه تسعا ً وعشرين سنة. وكانت شهور الروم التي يجرون عليها حسام وتاريخام اثني عشر شهرا ً، أولها: كانون الآخر، وهو الشهر الذي يسمونه بالرومية ينوارس، وهو رأس السنة عندهم. وهذه أسماء شهورهم: ينوارس، وهو كانون الآخر، ويلياس، وهو شباط، ونرلس وهو آذار، وأبرلس، وهو نيسان، ومايس، وهو أيار، ويولس، وهو حزيران، وأغسطس، وهو تموز، وستنبرس، وهو آب، وأقطبرس، وهو أيلول، ونونبرس ،وهو تشرين الأول، وأكبرس وهو تشرين الآخر، ومورس، وهو كانون الأول. وكانت مملكتهم من حد الفرات إلى حد الإسكندرية، مما صار في أرض الإسلام، سوى ما بأرض الروم ،مما هو في أيديهم إلى هذه الغاية. وكانت أعظم مدائنهم: الرها من أرض الجزيرة، وهي من ديار مضر، ثم أنطاكية، وا كرسي بطرس وكف يحيى بن زكرياء في كنيسة القسيان، وهي الكرسي الرابع، والبطرك الكبير. فما كان في مملكة الروم، وصار في الإسلام: أرض الجزيرة من حران والرها وسائر كورها، وبالس، وسميساط، وملطية ،وأذنة، وطرسوس، وجند قنسرين، والعواصم وسائر كورها، وجند حمص، ومدينة حمص إحدى المدن المعدودة في مملكة الروم، ثم اللاذقية، وهي من حمص أيضا، وجند دمشق، وكان عمال ملك الروم ا آل جفنة من غسان، وجند الأردن، وكانت إليهم أيضا، وعمالها من قبل ملك الروم من آل جفنة الغسانيين ،وجند فلسطين بكورة، وتنيس، ودمياط، والإسكندرية، فهذه مملكة الروم الخالصة مما صارت في أرض الإسلام. ثم لهم ما خلف الدرب إلى بلاد الصقالبة والألان والأفرنج، ومن المدن التي في بلاد الروم المشهورة المعروفة مثل: رومية، ونيقية، وقسطنطينية، وأماسية، وخرشنة، وقرة، وعمورية، وصملة، والقلمة ، وسلندوا، وهرقلة، وصقلية، وفلطنة، وأنطاكية المحترقة، ودهبرناطة، وملوية، وسلوقية، وأمربه، وقونية ،وجنوس، وبلوس، وبراوعس، وسلنيقة. ملوك فارس فارس تدعي لملوكها أمورا ً كثيرة، مما لا يقبل مثلها، من الزيادة في الخلقة، حتى يكون للواحد عدة أفواه وعيون، ويكون للآخر وجه من نحاس، ويكون على كتفي آخر حيتان تطعمان أدمغة الرجال، وطول المدة في العمر، ودفع الموت عن الناس، وأشباه ذلك مما تدفعه العقول ويجري فيه مجرى اللعبات والهزل ، ومما لا حقيقة له ولم يزل أهل العقول والمعرفة من العجم، ومن له شرف، والبيت الرفيع من أبناء ملوكهم ودهاقينهم، وذوي الرواية والأدب، لا يحققون هذا، ولا يصححونه، ولا يقولونه. ووجدناهم إنما يحسبون ملك فارس من لدن أردشير بابكان، فمن كان عندهم من أول ملوكهم والمملكة الأولى قبل أردشير: شيومرث سبعين سنة، أوشهنج فيشداد أربعين سنة، طهمورث ثلاثين سنة، جمشاد سبعمائة سنة، الضحاك ألف سنة، أفريدون خمسمائة سنة، منوجهر مائة وعشرين سنة، أفراسياب، ملك الترك، مائة وعشرين سنة، زوطهماسب خمس سنين، كيقباذ مائة سنة، كي كاووس مائة وعشرين سنة ،كي خسرو ستين سنة، كي لهراسب مائة وعشرين سنة، كي بشتاسب مائة واثنتي عشرة سنة، كي أردشير مائة واثنتي عشرة سنة، خماني بنت جهرزاد ثلاثين سنة، دارا بن جهرزاد اثنتي عشرة سنة، ثم قتله الإسكندر الذي يقال له ذو القرنين، فافترق ملك فارس، وملك ملوك يسمون ملوك الطوائف، وهؤلاء كان ملكهم ببلخ. ويزعم النسابون ام من ولد عامورا بن يافث بن نوح، و كانوا على دين الصابئين ،يعظمون الشمس والقمر والنار والنجوم السبعة، و لم يكونوا مجوسا ً، و لكنهم كانوا على شرائع الصابئين، وكان كلامهم السرياني، به يتكلمون، وبه يكتبون، وهذا رسم خط السرياني، ولهم أخبار قد أثبتت رأينا أكثر الناس ينكروا ويستبشعوا، فتركناها، لأن مذهبنا حذف كل مستبشع. المملكة الثانية من أردشير بابكان وملك أردشير، وهو أول ملوك الفرس المتمجسة، وكان ملكه بإصطخر، وامتنع عليه بعض كور فارس ،فحارم حتى فتحها، ثم صار إلى أصبهان، ثم صار إلى الأهواز، ثم إلى ميسان، ثم رجع إلى فارس ،فحارب ملكا يقال له أردوان، فقتله، وسمى أردشير شاهنشاه، وبنى بيت نار بأردشير خره، ثم صار إلى الجزيرة وأرمينية واذربيجان، ثم صار إلى سواد العراق، فسكنه، وصار إلى خراسان، فافتتح كورا ً منها ،ولما دوخ البلاد عقد لابنه سابور الملك بعده، وتوجه، وسماه الملك. وتوفي أردشير، وكان ملكه أربع عشرة سنة. وملك سابور بن أردشير، فغزا بلاد الروم، وفتح منها عدة بلدان، وأسر خلقا من الروم، فبنى مدينة جنديسابور، وأسكنها سبي الروم، وهندس له رئيس الروم القنطرة التي على ر تستر، وعرضه ألف ذراع. وفي أيام سابور بن أردشير ظهر ماني بن حماد الزنديق، فدعا سابور إلى الثنوية، وعاب مذهبه، فمال سابور إليه، وقال ماني: إن مدبر العالم اثنان، وهما شيئان قديمان: نور وظلمة، خالقان، فخالق خير ،وخالق شر، فالظلمة والنور كل واحد منهما في نفسه اسم لخمسة معان: اللون، والطعم، و الرائحة ،واسة، والصوت، وإما سميعان بصيران عالمان، وإنه ما كان من خير ومنفعة، فهو من قبل النور، وما كان من ضرر وبلاء، فهو من قبل الظلمة، وإما كانا غير ممتزجين، ثم امتزجا، والدليل على ذلك أنه لم تكن صورة ثم حدثت، وإن الظلمة هي بدأت للنور بالممازجة، وإما كانا متماسين على مثال الظل والشمس، والدليل على ذلك استحالة كون شيء لا من شيء، الدليل على أن الظلمة بدأت للنور بالممازجة، أنه لما كانت مخالطة الظلام للنور مفسدة له كان محالا ً أن يكون النور بدأها لأن النور من شأنه الخير. والدليل على أما اثنان قديمان خير وشر أنه لما وجدت المادة الواحدة لا يكون منها فعلان مختلفان مثل النار الحارة المحرقة لا يكون منها التبريد، والذي يكون منه التبريد لا يكون منه التسخين، فذلك الذي يكون منه الخير لا يكون منه الشر، والذي يكون منه الشر لا يكون منه الخير. والدليل على أما حيان فاعلان أن الخير تثبت له فعلا ً، والشر تثبت له فعلا ً. فأجابه سابور إلى هذه المقالة، وأخذ ا أهل مملكته، فعظم ذلك عليهم، فاجتمع حكماء أهل مملكته ليصدوه عن ذلك، فلم يفعل. ووضع ماني كتبا ً يثبت ا الاثنين، ومما وضع كتابه الذي يسميه كتر الإحياء يصف ما في النفس من الخلاص النوري والفساد الظلمي، وينسب الأفعال الردية إلى الظلمة. وكتاب يسميه الشابرقان يصف فيه النفس الخالصة والمختلطة بالشياطين، والعلل، ويجعل الفلك مسطوحا ً، ويقول: إن العلم على جبل مائل يدور عليه الفلك العلوي. وكتاب يسميه كتاب الهدى والتدبير، واثنا عشر إنجيلا ً يسمى كل انجيل منها بحرف من الحروف، ويذكر الصلاة وما ينبغي أن يستعمل لخلاص الروح. وكتاب سفر الأسرار الذي يطعن فيه على آيات الأنبياء. وكتاب سفر الجبابرة، وله كتب كثيرة ورسائل. فأقام سابور على هذه المقالة بضع عشرة سنة، ثم أتاه الموبذ، فقال: إن هذا قد أفسد عليك دينك، فاجمع بيني وبينه لأناظره! فجمع بينهما، فظهر عليه الموبذ بالحجة، فرجع سابور عن الثنوية إلى اوسية، وهم بقتل ماني، فهرب، فأتى إلى بلاد الهند، فأقام ا حتى مات سابور. ثم ملك بعد سابور هرمز بن سابور ،وكان رجلا ً شجاعا ً، وهو الذي بنى مدينة رامهرمز، ولم تطل أيامه، وكان ملكه سنة واحدة. ثم ملك رام بن هرمز وكان مشغوفا ً بالعبيد والملاهي، وكتب تلاميذ ماني إليه: أن قد ملك ملك حديث السن، كثير التشاغل، فقدم إلى أرض فارس، واشتهر أمره، وظهر موضعه، فأحضره رام، فسأله عن أمره، فذكر له حاله، فجمع بينه وبين الموبذ، فناظره، ثم قال له الموبذ: يذاب لي ولك رصاص يصب على معدتي ومعدتك، فأينا لم يضره ذلك، فهو على الحق. فقال: هذا فعل الظلمة! فأمر به رام فحبس، وقال له: إذا أصبحت دعوت بك، فقتلتك قتلة ما قتل ا أحد قبلك، فلم يزل ماني ليلة يسلح حتى خرجت نفسه، وأصبح رام، فدعا به، فوجدوه قد مات، فأمر بحز رأسه، وحشا جسده بالتبن، وتتبع أصحابه ،فقتل منهم خلقا ً عظيما ً. وكان ملك رام بن هرمز ثلاث سنين. ثم ملك رام بن رام، وكان ملكه سبع عشرة سنة، ثم ملك بعده ابنه رام بن رام بن رام، فكان ملكه أربع سنين، ثم ملك أخوه نرسى بن رام تسع سنين. ثم ملك هرمز بن نرسى تسع سنين، وولد له ابن سماه سابور، وعقد له الملك، ومات هرمز وسابور صبي في المهد، فأقام أهل مملكته متلومين عليه، حتى ترعرع وشب، ثم ظهر منه عتو وجبرية، فغزا بلاد العرب ،وغور عليهم المياه، وغزاه ملك الروم، وهو اليانوس، فأعانته العرب من جميع القبائل، ثم تسرعت قبائل العرب إلى سابور، فأوقعت به في دار ملكه، حتى هرب، وخلا ملكه فانتهبت مدينته وخزائنه، ثم جاء سهم غرب فقتل اليانوس ملك الروم، فملكت الروم يوبنيانوس، فصالح سابور. وأقام سابور على معاداة العرب لا يظفر بأحد منهم إلا خلع كتفه، فلذلك سمي سابور ذا الأكتاف. وكان ملكه اثنتين وسبعين سنة. ثم ملك أردشير بن هرمز أخو سابور، فساءت سيرته، وقتل الأشراف والعظماء منهم، فخلع بعد أن ملك أربع سنين. وملكت الفرس سابور بن سابور، فخضع له أردشير المخلوع ومنحه الطاعة، وسقط على سابور فسطاط فقتله، وكان ملكه خمس سنين. وملك بعد سابور رام بن سابور، وكتب إلى الآفاق يعدهم العدل، والنصفة، والإحسان، وأقام على ملكه إحدى عشرة سنة، ثم ثار عليه قوم فقتلوه. ثم ملك يزدجرد بن سابور، وكان فظا ً، غليظا ً، مستطيلا ً، سيء السيرة، قليل الخير، كثير الشر، فسامهم سوء العذاب، ثم رمحه فرس، فقتله. وكان ملكه إحدى وعشرين سنة. ثم ملك رام جور بن يزدجرد، وكان قد نشأ بأرض العرب، وكان أبوه قد دفعه إلى النعمان، فأرضعته نساء العرب، ونشأ على أخلاق جميلة. وقد كان لما مات يزدجرد كرهت الفرس أن تولي ابنا له لسوء مذهبه، وقالوا: رام ابنه قد نشأ بأرض العرب، لا علم له بالملك! وأجمعوا على أن يملكوا رجلا ً غيره ، فسار رام في العرب، فلما لقي الفرس هابته، فأخذوا تاج الملك والزينة التي تلبسها الملوك، فوضعوهما بين أسدين، وقالوا لبهرام ولكسرى: أيكما أخذ التاج والزينة من بين هذين الأسدين، فهو الملك. فقالوا لبهرام، فأخذ جرزا ً، وتقدم، فضرب الأسدين حتى قتلهما، وأخذ التاج والزينة، فأذعنوا له، وأعطوه الطاعة، فوعدهم من نفسه خيرا ً، وكتب إلى الآفاق يعدهم بذلك، ويعلمهم ما هو عليه من العدل، وتوخي عمارة البلاد، وقدم المنذر بن النعمان عليه، فرفع مترلته. وكان رام رجلا ً مؤثرا ً للهو، متشاغلا ً عن الرعية، ثم صار لطلب الصيد واللهو، واستخلف أخاه نرسى على المملكة، فلما بلغ خاقان ملك الترك حال رام طمع فيه، فأراد أن يسير نحوه، فبلغ رام ذلك، فسار إليه حتى قتله، وكتب إلى رعيته بالفتح، ثم خرج يوما يتصيد، فأمعن في طلب عير، ثم طرحه فرسه في موضع حماة، فمات، فكان ملكه تسع عشرة سنة. ثم ملك يزدجرد بن رام، وكان ملكه سبع عشرة سنة، وكان ليزدجرد هذا ابنان يقال لأحدهما هرمز والآخر فيروز، فغلب هرمز على الملك بعد أبيه، فهرب فيروز، ولحق ببلاد الهياطلة، وأخبر ملكها بقصته ،وبمذاهب أخيه وجوره، فأمده بجيش، فأقبل م، وقاتل أخاه فقتله، وشتت جمعه. وملك فيروز، فنال الناس في أيامه جدب وقحط، ومجاعة شديدة، وغاضت الأار والعيون، فلم يزل على تلك حالهم ثلاث سنين، ثم خصبت البلاد. وسار فيروز إلى بلاد الترك ليحارب ملكها، وقد كان الصلح وقع بين الفرس والترك، فلما قرب من البلاد أرسل إليه ملك الترك يسأله الرجوع، ويعظم عليه ترك الوفاء، فلم يقبل، فحفر له خندقا ً عميقا ً، ثم عماه، فلما قرب منه عبا عسكره واقتحمه، فسقط وجميع جنده في ذلك الخندق، فمات، وحوى ملك الترك أمواله، وأخذ أختا ً له. وكان ملكه سبعا ً وعشرين سنة. فلما بلغ الفرس مقتل فيروز أعظموه، فسار رئيس من رؤسائهم يقال له سوخرا في جمع وعدة، حتى لقي ملك الترك، فحاربه، ونال منه، فدعاه ملك الترك إلى الصلح على أن يدفع إليه كل ما حواه من خزائن فيروز، ويرد أخته، ومن في يده من أصحابه، ففعل ذلك، وانصرف عنه. وملك بلاش بن فيروز، وكانت مدته أربع سنين، ثم ملك أخوه قباذ بن فيروز، وكان صغير السن، فترك لسوخرا تدبير المملكة، فلما بلغ وصار في حد الرجال لم يرض بتدبير سوخرا، فقتله، وقدم مهران، ثم إن الفرس أزالت قباذ عن ملكه ،وحبسته، وملكت أخاه جامسب بن فيروز، فأقام قباذ في الحبس، وأخوه الملك. ثم إن أختا ً لقباذ دخلت الحبس، فتعرض لها صاحب الحبس، وأطمعته في نفسها، وقالت إا طامث، ثم دخلت، فأقامت عند قباذ يوما ً، ثم لفته في بساط، وأخرجته على عنق غلام جلد، فهرب قباذ يريد ملك الهياطلة، فلما صار بأبر شهر نزل برجل، فأقام عنده، ثم سأله أن يطلب له امرأة، فأتاه بجارية، فوقع عليها، وأعجبه حسنها وجمالها، ثم مضى إلى ملك الهياطلة، فأقام عنده سنة، ثم بعث معه جيشا ً، فلما رجع بأبر شهر قال للرجل الذي نزل عنده: ما فعلت تلك الجارية؟ فأتى ا، وقد ولدت صبيا ً كأحسن ما يكون من الصبيان، فسماه كسرى أنوشروان. وزحف قباذ إلى بلاده، فغلب على الملك، وقوي أمره ،واشتدت شوكته، وغزا بلاد الروم، و كور الكور والطساسيج، وعقد لابنه أنوشروان الملك، ودعاه ،فأوصاه بأحسن الوصية وعرفه كل ما يحتاج إليه. وكان ملك قباذ ثلاثا وأربعين سنة. ثم ملك أنوشروان بن قباذ، فكتب إلى أهل مملكته يذكر لهم وفاة قباذ، ويعدهم من نفسه خيرا ً، ويأمرهم بما لهم فيه الحظ، ويوعز إليهم في الطاعة والمناصحة، وعفا عن قوم كانوا يتحملون عليه، وقتل مزدق الذي كان أمر الناس بأن يتساووا في الأموال والحرم، وقتل زراذشت بن خركان لما ابتدع في اوسية ،وقتل أصحاما، وقدم أهل المملكة والشرف، وغزا بلدانا عدة مما لم يكن في مملكة الفرس، فضمها إلى ملكه. وجرى بينه وبين يخطيانوس ملك الروم، فغزا أنوشروان بلاد الروم، فقتل وسبى، وغلب على مدن كثيرة من الجزيرة والشام منها: الرها، ومنبج، وقنسرين، والعواصم، وحلب، وأنطاكية، وأفامية، وحمص وغيرها، وأعجبته أنطاكية، فبنى مدينة مثلها لم يخرم منها شيئا ً، ثم جاء بسبي أنطاكية، فأرسلهم فيها، فلم ينكروا شيئا ً. ومسح أنوشروان البلاد، ووضع عليها الخراج، وألزم كل جريب من الغلات بقدر احتماله، فلم تزل السنة جارية على ذلك، والبلاد عامرة. ورتب لديوان المقاتلة رجلا ً رضي حزمه وعزمه، وأخذ مقاتلته مما يحتاج إليه من السلاح، و جعل ديوان العطاء، ودفاتر الأسماء والحلي، وسمات الدواب، وديوان العرض على مثل ذلك. وكان أنوشروان نبيلا ً ،كريما ً، ظاهر العدل، لا يسأله إنسان شيئا ً إلا أجابه، فسار إليه سيف بن ذي يزن، فأعلمه أن الحبشة قدمت بلاد اليمن، وغلبت عليها، وأنه صار إلى هرقل ملك الروم، فلم يجد عنده ما يحب، فبعث معه بأهل السجون في البحر، وقود عليهم رجلا ً من مشيخة قواده شجاعا ً مجربا ً يقال له وهرز، فصار إلى بلاد اليمن، حتى قتل الحبشة، وأفناهم، ورمى ملكهم أبرهة فقتله، وأقام في البلد وملك سيف بن ذي يزن. وعقد أنوشروان لابنه هرمز الملك من بعده، وكانت أم هرمز بنت خاقان ملك الترك. وكتب له في ذلك كتابا ً بالعهد، وأمره فيه بما يأمر به مثله، وأوصاه أحسن الوصايا، وامتحنه، فوجده بحيث يحب، وأجابه على كل ما قال له بجواب سديد، وتنكر، ولا يأتيه إلا بقول حسن لطيف، وهلك أنوشروان، وكان ملكه ثمانيا ً وأربعين سنة . ثم ملك هرمز بن أنوشروان، فقرأ على الناس كتابا ً عاما ً يعد فيه بالعدل والإنصاف، والعفو والإحسان ،ويأمرهم بما فيه الصالح، ونال ظفرا ً وعزا ً، ففتح عدة مدائن، ثم اجترأ أعاديه عليه، وغزوا بلاده، وكان أغلظ الأعداء عليه شابه ملك الترك، فإنه زحف في خلق عظيم حتى دخل بلاد خراسان، وكاد أن يحتوي عليها. وأقبل ملك الخزر في جموع حتى نزل آذربيجان، فعظم ذلك عليه، وخاف ألا يكون له طاقة بصاحب الترك، فأتاه رجل من قواده يقال له زاد، فأعلمه أن عنده رجلا ً يقال له مهران ستاد عالما ً، وأن خاتون امرأته سألت عما قبلهم، فأخبرها أن ابنتها تلد من ملك الفرس ابنا يلي الملك بعد أبيه، وإنه يزحف إليه ملك الترك في خلق عظيم، فيوجه إليه بإنسان ليس بالنبيه يقال له: رام شوبين، في شرذمة من الجند ،ويقتل ذلك الملك، ويصطلم ملكه. فلما سمع هرمز ذلك سره، ثم طلب رام شوبين، فقيل له: ما نعرف هذا إلا رجلا ً من أهل الري هو باذربيجان! فوجه إليه، فأقدمه، ثم وجهه إلى شابه ملك الترك في اثني عشر ألف مقاتل، فقال موبذان موبذ لهرمز: ما أخلقه أن ينال ظفرا ً، غير أن في قرنه حاجبه دليلا على ثلمة يثلمها في ملكك. وقال له زاجر، كان له، مثل ذلك، فكتب هرمز إلى رام أن يرجع، فلم يرجع، ووافاه رام راة، وشابه مغتر، وكان عند شابه رجل وجه به هرمز ليخدعه يقال له هرمز جرابزين، حتى فر منه، ثم ارتحل عنه ، فأرسل شابه من عرف خبر رام، فانصرف إليه، فأعلمه حاله، فأرسل إليه شابه في الرجوع، فأجابه رام بجواب غليظ شديد، ثم لقيه وقد عبا جنده، وقد كان مع شابه قوم عرافون وسحرة، وكانوا يلبسون على أصحاب رام، ثم التحمت الحرب، فاستحر القتل في أصحاب شابه، حتى قتل منهم خلق عظيم، فولوا منهزمين، وقتل رام منهم مقتلة عظيمة، ولحق شابه، فرماه بحربة طويلة، فقتله، وأخذ ساحرا ً كان مع صاحب الترك، فأراد رام أن يستبقيه، فيكون عدة له في حروبه، ثم رأى أن قتله أصلح، فكتب بالفتح إلى هرمز، فسر به، و كتب به إلى الآفاق. ثم خرج برموذة بن شابه، فلقي رام، فحاربه وبيته، وكانت بينهما حرب شديدة، ثم بيته رام، فهزمه، ولحقه، فحصره في حصن، فطلب برموذة بن شابه الأمان على أن يكون ذلك من هرمز الملك، فكتب رام إلى هرمز، فأجابه، وكتب له كتاب أمان، وكتب إلى رام أن يسرحه إليه، فخرج برموذة بن شابه من الحصن، وكان هرمز قد وجه ناسا ً إلى رام شوبين، فصار برموذة إلى هرمز، فأكرمه هرمز، وبره، وأجلسه معه على السرير، وأخبره برموذة بما صار إلى رام من الأموال العظام والكنوز ،وأنه قد كتم ذلك عن أمنائه، وأخبر أمناؤه بمثل ذلك، وأن الذي بعث به قليل من كثير، فكتب هرمز إلى رام يأمره أن يحمل إليه ما في يده من الأموال، فغلظ ذلك على رام، وأخبر به جنده، فذكروا هرمز أقبح ذكر، وخلعه هو وجميع جنده. فلما بلغ ذلك هرمز اغتم له، وكتب إلى رام يعتذر إليه وإلى جنده من مثل ذلك، فلم يقبل رام ولا جنده قول هرمز، وبعث رام إلى هرمز بسفط فيه سكاكين معوجة الرءوس، فلما رآها هرمز علم أنه قد عصى، فقطع أطراف السكاكين، وردها إليه، فعلم رام ما أراد، فأرسل إلى خاقان ملك الترك يطلب صلحه على أن يرد عليه كل أرض حازها من بلاده. وسار رام حتى صار إلى الري، ثم دبر أن يوقع بين هرمز وبين ابنه كسرى أبرويز شرا ً وكان هرمز متهما لابنه، وكان قد بلغه أن قوما قد حملوه على أن يثب بأبيه، فضرب دراهم كثيرة، وصير عليها اسم كسرى أبرويز، وبعث ا إلى مدينة هرمز، فكثرت في أيدي الناس، ولما بلغ هرمز خبرها اشتد غمه، فأراد أن يحبس ابنه كسرى أبرويز، فلما بلغ أبرويز الخبر هرب إلى آذربيجان، فاجتمع إليه من ا من مرازبتها ورؤسائها، وعاقدوه، وبايعوه. ووجه هرمز إلى رام بجيش مع رجل يقال له آذينجشنس، فلما صار في بعض الطريق قتله رجل حواري كان آذينجشنس أخرجه من الحبس، وضمه إلى نفسه، وافترق أصحابه، فلما قتل آذينجشنس ضعف أمر هرمز، واجترأ عليه جنده، وكانوا متغضبين له كارهين لولايته. فكتبوا إلى ابنه أبرويز، فقدم بجيش من آذربيجان، فخلعوا هرمز، وملكوا أبرويز، وأخذ هرمز فحبس، وسملت عيناه، فأقام في الحبس أياما، ثم دخل إليه ابنه، فكلمه فقال له هرمز: اقتل من صنع بي هذا. وكان قد احتوى على تدبير الملك بندي وبسطام خالا أبرويز، وكان ملك هرمز اثنتي عشرة سنة. فلما استقام أمر أبرويز، وبلغه مسير رام شوبين إليه، خرج في جيشه، ومعه بندي وبسطام، حتى وقف على رام بالنهروان، وكلمه وعظم عليه الأمر، فأجابه رام بجواب غليظ شديد، وكان كردويه أخو رام مع كسرى أبرويز، وألحقه رام، وانكشف عن كسرى جنده، وأسلمه أصحابه، فمر هاربا، فلما كان في بعض الطريق، رجع بندي وبسطام خالاه، فقتلا هرمز أباه، ولحقاه في بعض الطريق، واستمر به الهرب حتى ساءت حالته، واشتد بؤسه وجزعه، فطلب طعاما فلم يجد إلا خبز شعير. ولحقته خيل رام، فاحتال له خاله بندي حتى نجاه، فمضى حتى صار إلى الرها، فأخذ بندي، فأتى به رام، فحبسه، ثم أفلت من الحبس، فصار إلى آذربيجان، وصار كسرى إلى الرها يريد مورق ملك الروم ،فحبسه صاحب الرها، وكتب إلى مورق ملك الروم يخبره أنه أتاه لينصره، فاستشار ملك الروم أصحابه في أمره، فأشار بعضهم بأن لا يجاب، وأشار بعضهم بأن يجاب، فأجابه ملك الروم، وزوجه ابنته، ووجه معه بجيش عظيم، وشرط عليه الشروط، إذا تم له نصره، ووجه إليه كسرى بثلاثة نفر من أصحابه ، فشرط عليهم كل ما أراد، ووجه بابنته وبالجيش وعليهم أخ له يقال له ثيادوس، ومعه رجل يجري مجرى ألف رجل، فسار كسرى بجيشه، بعد ابتنائه بابنة ملك الروم، إلى ناحية آذربيجان، وكان بندي خاله قد صار إليها، فلما علم بمكانه لقيه في جيش عظيم. ولما علم رام شوبين بما اجتمع لكسرى كتب إلى وجوه أصحابه يخبرهم بسوء مذهب آل ساسان، ويصف سيرة ملك ملك، ويدعوهم إلى نفسه، ووقعت الكتب في يد كسرى قبل أن تصل إلى القوم، فكتب إليه بأغلظ الجواب عن القوم، ورد إليه الرسول، فزحف إليهم رام حتى صار إلى آذربيجان، فحاربه محاربة شديدة، وأخذت الحرب من الفريقين، وخرج الرومي الذي كان يجري مجرى ألف رجل. فقال لكسرى: أين عبدك هذا الذي غصبك ملكك، حتى أقتله؟ فقال: هو صاحب الأبلق ،فحمل عليه وتراجع رام إلى ورائه، ثم تراجع عليه. فضربه بسيفه فقده نصفين، فضحك كسرى، وقال: زه، فغضب أخو ملك الروم، وقال: سررت أن قتل رجلنا وصاحبنا؟ فقال: لا ولكن صاحبكم قال لي: أين العبد الذي غصبك وغلبك ملكك، فأردت أن تعلم أن العبد يضرب في كل يوم عدة ضربات كلا مثل هذه. واشتدت الحرب حتى ازم كسرى، وصعد في جبل، فكاد يهلك، ثم ثاب جند كسرى، وازم رام شوبين، فمضى منصرفا ً لا يلوي على شيء، متوجها إلى ملك الترك. واستقام الأمر لكسرى أبرويز، فكتب إلى صاحب الروم بذلك، وأهدى له ملك الروم ثوبين فيهما الصلب، فلبسهما، فقال الفرس: قد تنصر، ثم كتب في النصارى أن يكرموا، ويقدموا، ويبرزوا، ويخبر بما قد جرى بينه وبين الرومي من العصمة، واللحمة، والموادعة، وأنه لم يقل هذا ملك من الملوك قبله. ووثب بندي خال كسرى بثيادوس أخي ملك الروم، فصمه، فوقع الشر، وقال أخو ملك الروم: إما أن تدفع إلى بندي، وإما أن يعود الشر، فسكنه كسرى. وورد رام شوبين بلاد الترك، فأكرمه خاقان وبره، وكان لخاقان أخ يقال له بفارس يداريه خاقان، فرآه رام، فقال لخاقان: كيف اجترأ هذا عليك هذه الجرأة؟ فسمع أخو خاقان الكلام ،فتوعده، فقال رام: متى شئت فابرز، فدفع خاقان ملك الترك إلى أخيه نشابة وإلى رام نشابة، ثم أخرجهما إلى الصحراء ،فرمى أخو خاقان رام، فأصابه، فشك سلاحه، ورماه رام، فقتله، فسر خاقان بقتل أخيه لمعاندته له ،ولما كان يخافه منه. وكان كسرى يرهب مكان رام شوبين مع خاقان، ولا يأمن أن يجري عليه شرا ً، فوجه برجل من وجوه الفرس يقال له رام جرابزين، وكان كبيرا ً في الفرس، ووجه معه إلى خاقان دايا ويسأله أن يبعث إليه رام شوبين، وأمر جرابزين أن يتلطف في أمره، فقدم على خاقان بالهدايا، وذكر له أمر رام، فلم يجد عنده الذي يحب، فتلطف بخاتون امرأة خاقان، وأهدى لها جوهرا ً ومتاعا ً، وسألها في أمر رام، فوجهت برجل من أصحاا له إقدام وجرأة قلب، وقالت له: ادخل إلى رام شوبين فاقتله! فانطلق حتى استأذن عليه، وكان نوم رام، فلم يأذن له، فقال: أن الملك خاقان وجهني في أمر مهم، فأذن له، فلما دخل عليه قال: أن الملك حملني رسالة أخبرك ا سرا ً من غير حضور أحد. فقام من مجلسه، ودنا منه كأنه يساره ،ووجاه بخنجر معه تحت إبطه، وخرج التركي مسرعا، فركب دابته. ودخل أصحاب رام، فرأوه بتلك الحال، فقالوا: أيها الليث الضرغام! من أقصدك؟ وأيها الجبل المنيف! من هدك؟ فقص عليهم القصة، وكتب إلى خاقان يعلمه أنه لا وفاء له، ولا شكر، و مات رام، فحمل إلى الناووس، ولما علم جرابزين بموته ارتحل إلى كسرى، فأخبره، فسر به، وأظهره في مملكته، وكتب به إلى آفاقه. ولما مات رام بعث ملك الترك إلى كردية امرأة رام وأصحابه يخبرهم بغمه، وأنه قد قتل كل من شرك في قتله، ووجه بأخيه نطرا إليهم، وكتب إلى كردية امرأة رام شوبين أنه يرغب فيها، ويأمرها أن تتزوج نطرا، فحملت كردية امرأة رام جند أخيها، وارتحلت بأصحاا ومن معها تريد بلاد الفرس ،فلحقها نطرا أخو خاقان، فبرزت إليه في السلاح، وقالت: لا أتزوج إلا من كان في الشجاعة والقوة مثل رام، فابرز إلي! فبرز إليها أخو خاقان، فقتلته، ومضت لوجهها. وكان كسرى قد غضب على خاله بندي، فسمل عينيه، وقطع يديه ورجليه وصلبه حيا ً لما فعل بأبيه ،فلما علم بسطام أخو بندي ما فعل كسرى بأخيه خلع كسرى، وصار إلى الري وجمع وبلغه أن كردية أخت رام وامرأته قد أقبلت من بلاد الترك، فتلقاها ومن معها، فذم إليها كسرى ،وخبرها بغدره وفجوره، وسألها أن تقيم عنده بمن معها، وأن تزوجه نفسها، ففعلت، وكتبت إلى أخيها كردي تعلمه ذلك، وتسأله أن يأخذ لها ولمن معها أمانا من كسرى، فأخبر كسرى بمصير كردية، بمن معها من جند رام وأصحابه، إلى الري، وتزوج بسطام خاله ا، ومقامها معه، فعلم ذلك كسرى، ودعا كردي أخاها، فسأله أن يتلطف ا حتى تقتل بسطام وتقدم فيتزوجها. فوجه كردي أبرخة امرأته إلى كردية أخته بما ذكر له الملك، وأنفذ إليها كتب الأمانات لها ولمن معها بأوثق ما يكون من العهود، فقبل أصحاا، ووثبوا على بسطام فقتلوه. وقدمت كردية على كسرى، فتزوجها، وأحلها محلا ً رفيعا ً ، فاستقامت لكسرى أموره، ودانت له بلاده. ثم وثبت الروم بمورق ملكها، فقتلوه، وملكوا غيره، وصار إليه ابن مورق، فوجه معه جيشا ً، ثم قتل ابن مورق، وملك هرقل، فغزا أصحاب كسرى، فقتلهم وشردهم، وزحف إليهم حتى هزم شهربراز صاحب كسرى. وكان كسرى لما اشتد ملكه قد طغى، وبغى، وعتا، وظلم، وجار، وأخذ أموال الناس، وسفك الدم ،فمقته الناس لما نال منهم ولاحتقاره إياهم، وإن عظماء الفرس لما رأوا ما هم فيه من الذل والبلاء والمكروه من كسرى خلعوه، وجاءوا بابن له يقال له شيرويه، فملكوه، وأدخلوه المدينة، ونادوا شيرويه شاهنشاه، وأخرجوا من في السجون ممن كان كسرى يريد قتلهم، فهرب كسرى، حتى دخل بستانا ً له ،فأخذوه، فحبسوه ، ثم قالوا لشيرويه: إنه لا يستقيم الملك، وأن يكون أبرويز حيا ً، فاقتله وإلا خلعناك! فوجه شيرويه إلى أبيه برسالة غليظة يعنفه فيها على فعله، ويذكر له ما نال من أهل مملكته، وما كان من سوء سيرته، فأجابه بجواب تفنيد و تجهيل له، فوجه إليه برجل كان كسرى أبرويز قطع يد أبيه بغير سبب ولا جرم، إلا أنه قيل له إن ابن هذا يقتلك، فقطع يده، وكان من خاصته، فلما دخل عليه سأله عن اسمه قال له: شأنك وما أمرت به، فضربه، حتى قتله، ثم إن شيرويه حمل أباه إلى الناووس، وقتل قاتله. وكان ملك كسرى أبرويز ثمانيا ً وثلاثين سنة. ولما ملك شيرويه بن أبرويز أطلق من في المحابس، وتزوج بنساء أبيه، وقتل سبعة عشر أخا ً له ظلما ً واعتداء، فلم يستقم ملكه، ولم يصلح حاله، فاشتد سقمه، ومات بعد ثمانية أشهر، وملكت الفرس ابنا لشيرويه طفلا ً يقال له أردشير، واختاروا له رجلا ً يقال له مه آذرجشنس، فحضنوه إياه ليقوم بتدبير الملك، فأحسن التدبير، وقام بالأمر قياما ً محمودا ً، وجرت أمور المملكة. وكان شهربراز الموجه لحرب الروم، قد عظم أمره، فكره موضع مه آذرجشنس، وكتب إلى الفرس أن يوجهوا إليه برجال سماهم، وإلا أقبل إليهم حتى يحارم، فلم يفعلوا، فأقبل شهربراز في ستة آلاف إلى جانب مدينة المملكة ،وحاصر من فيها، وقاتلهم، ثم فكر، فاحتال حتى دخل المدينة، فأخذ عظماء الفرس، فقتلهم، وفضح نساءهم، وقتل أردشير الملك. وكان ملك أردشير سنة وستة أشهر. وجلس شهربراز على سرير الملك، ودعا نفسه ملكا ً، فلما رأت الفرس فعل شهربراز أعظمته، وقالت: مثل هذا لا يملك علينا! فوثبوا به، وقتلوه، وجروا برجله. ولما قتلت الفرس شهربراز طلبوا رجلا ً من أهل الملك، فلم يجدوه، فملكوا بوران بنت كسرى، فأحسنت السيرة، وبسطت العدل والإحسان، وكتبت إلى آفاقها كتابا ً تعد فيه بالعدل والإحسان، و تأمرهم بجميل المذهب والقصد والسداد، ووادعت ملك الروم، وكان ملكها سنة وأربعة أشهر. ثم ملكت آزرميدخت بنت كسرى، واستقام أمرها، فقال فرخهرمزد أصبهبذ خراسان: أنا اليوم قريع الناس، وعماد مملكة فارس، فزوجيني نفسك! فقالت: لا يجوز لملكة أن تزوج نفسها، ولكن إذا أردت أن تصل إلي، فأتني بالليل! فرضي بذلك، فأمرت صاحب حرسها أن يرصده حتى يدخل، ثم يقتله، فلما كان الليل أتى ،فدخل وبصر به صاحب الحرس، فقال: من أنت؟ فقال: أنا فرخهرمزد! فقال: وما تصنع في مثل هذا الوقت في موضع لا يدخله مثلك؟ فضربه حتى قتله، وطرحه في الرحبة، فلما غدا الناس رأوه قتيلا ً، فرفعوا خبره، وكان ابنه رستم ،الذي لقي سعد بن أبي وقاص بالقادسية، بخراسان، فقدم، فقتل آزرميدخت ،وكان ملكها ستة أشهر. ثم ملك رجل من عقب أردشير بن بابك يقال له كسرى بن مهرجشنس، وقد كان دعي إلى الملك قبل ذلك، فامتنع منه، وكان مقامه بالأهواز، فلما ملك لبس التاج، وجلس على السرير، فقتلوه بعد أيام، فلم يتم له شهر، فأعوز عظماء الفرس من يملكونه من أهل بيت المملكة، ثم وجدوا رجلا ً يقال له فيروز قد أولده أنوشروان من قبل أمه فملكوه ضرورة، فلما أجلس ليتوج، وكان ضخم الرأس، قال: ما أضيق هذا التاج! فتطيرت عظماء الفرس من قوله، فقتلوه. وأقبل ابن لكسرى كان قد هرب إلى نصيبين لما قتل شيرويه يقال له فرخزاد خسرو، فتوج وملك، وكان نبيلا ً، فملك سنة، ثم وجدوا يزدجرد بن كسرى، وكانت أمه حجامة وقع عليها كسرى، فجاءت بيزدجرد، فتطيروا منه، فغيبوه، ثم اضطروا إليه، فجاءوا به وأمورهم مضطربة، وأهل مملكته مجترئون عليه ،ولما أتى لملكه أربع سنين قدم سعد بن أبي وقاص القادسية، فبعث إليه برستم، ثم صار المسلمون إلى المدائن، وهي مدينة الملك، يوم النوروز، وقد استعدت الفرس بصنوف الأطعمة، واستعدت أحسن الزينة ،فازمت الفرس، وهرب يزدجرد، فلم يزل المسلمون يتبعونه، حتى صاروا إلى مرو، فدخل طاحونة، وقتله صاحب الطاحونة، وكان ملكه إلى أن قتل عشرين سنة. وكانت الفرس تعظم النيران، ولا تستنجي بالماء، إنما تستنجي بالدهن، ولا تتخذ لقصورها أبوابا، إنما كانت أبواا عليها الستور، يحفظها الحرس من الرجال، ولا تأكل إلا بزمزمة، وهو الكلام الخفي، وتنكح الأمهات والأخوات والبنات، وتذهب إلى أا صلة لهن، وبر ن، وتقرب إلى االله فيهن. ولم تكن لها حمامات ولا كنف، وكانت تعظم الماء والنار والشمس والقمر والأنوار كلها. وكانت تعد الأزمنة على شهورها وأيام أعيادها، وكان الخريف عندهم شهريور ماه، ومهر ماه، وآبان ماه، والشتاء آذر ماه، و دي ماه، ومن ماه، والربيع إسفندارمذ ماه، وفروردين ماه، و أرديبهشت ماه، والقيظ خرداذ ماه، وتير ماه، ومرداذ ماه، وكانت تزيد في الخريف خمسة أيام تسميها أيام الأندركاه، فتكون السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما ً، وشهورهم ثلاثين يوما ً، ورأس سنتهم يوم النوروز، وهو أول يوم من فروردين، ويكون ذلك في نيسان وآذار، وقد مرت الشمس في الحمل، وهو يوم عيدهم المعظم عندهم ،ويوم المهرجان، وهو لستة عشر يوما يمضي من مهر ماه، ثم يكون بين النوروز والمهرجان مائة وخمسة وسبعون يوما ً، وذلك خمسة أشهر وخمسة وعشرون يوما ً، والمهرجان في تشرين الآخر. وكانت الفرس تسمى كل يوم من أيام شهورهم باسم، وهي: الروزات، فأولها هرمز ،من، أرديبهشت ،شهريور، إسفندارمذ، خرداذ، مرداذ، دي باذر، آذر آبان، خور ماه، تير، جوش، دي مر، مهر سروش، رشن، فروردين ،رام، رام باذ، دي بدين، دين، أرد، أشتاذ، اسمان، زامياذ، مارسفند، أنيران. وكان من قول الجماعة منهم فيما يقولونه من زراذشت الذي يدعون أنه نبيهم: أن يكون النور قديما لم يزل، وهم يسمونه زروان، وإنه فكر في الشر لهفوة كانت منه علمهم منها لأن الحسن مستحيل إلى قبح ،والطيب الريح إلى نتن، وإن القديم عندهم غير ممتنع من أن يلزمه التغيير والفساد في بعضه لا في كله. فلما فكر القديم في الشر، تنفس الصعداء، فخرج ذلك الغم من جوفه، فامتثل بين يديه، ويسمون ذلك الغم الممتثل بين يدي القديم: أهرمن، ويسمونه أيضا ً: زروان هرمز. قالوا: فأراد أهرمن محاربة هرمز، فكره ذلك هرمز لئلا يفعل شرا ً، فصالحه على أن يصير إليه خلق كل ضار فاسد. وزعموا أما جسمان وروحان، وبينهما فرجة للحنق لأما ليسا بملتقيين، وقالوا: إن هرمز النور الفاعل الأجرام وأزواجها، وإن أهرمن إنما يفعل المضار في هذه الجواهر، كالسم في الهوام، والغيظ، والغضب ،والضجر، والشرور، والتعادي، والحنق، والخوف في الحيوان، فإن االله هو فاعل الأعيان وأعراضها الراتبة. وكانت منازل ملوك الفرس في أول ملك أردشير بن بابكان بإصطخر من كور فارس، ثم لم تزل الملوك تنتقل، حتى ملك أنوشروان بن قباذ، فترل المدائن من أرض العراق، فصارت دار الملك ،وأجمع العلماء من المنجمين والمتطببين أنه ليس في المملكة بلد أصح، ولا أفضل، ولا أعدل من تلك البقعة، وما قرب منها من إقليم بابل. وكانت البلاد التي تملكها الفرس، ويحوز سلطاا فيها، من كور خراسان: نيسابور، وهراة، ومرو، ومرو الروذ، والفارياب، والطالقان، وبلخ ،وبخارى، وباذغيس، وبأورد، وغرشستان، وطوس، وسرخس ،وجرجان، وكان على هذه الكور عامل تسميه أصبهبذ خراسان. ومن كور الجبل: طبرستان والري، وقزوين، وزنجان، وقم، وأصبهان، وهمذان، واوند، والدينور ،وحلوان، وماسبذان، ومهر جانقذق، وشهرزور، والصامغان، وآذربيجان، وكان لهذه الكور أصبهبذ يقال له أصبهبذ آذربيجان، وكرمان. وفارس، وكورها: إصطخر، وشيراز، والرجان، والنوبندجان ،وجور، وكازرون، وفسا، ودارابجرد، وأردشيرخره، وسابور. والأهواز، وكورها: جنديسابور، والسوس ،ور تيري، ومناذر، وتستر، وإيذج، ورامهرمز، وعلى هذه أصبهبذ يقال له أصبهبذ فارس. وكور العراق، ولها ثمانية وأربعون طسوجا على الفرات ودجلة، فسقى الفرات: بادوريا، والأنبار ، ورسير، والرومقان، والزاب الأعلى، والزاب الأسفل، والزاب الأوسط، وزندورد، وميسان، وكوثى ،ور درقيط، ور جوبر، والفلوجة العليا، والفلوجة السفلى، وبابل، وخطرنية، والجبة، والبداة ،والسيلحين، وفرات بادقلى، وسورا، وبربسما، ور الملك، وباروسما، ونستر. وسقى دجلة: ر بوق، ور بين، وبزرجسابور، والراذان الأعلى، والراذان الأسفل، والزابيين ، والدسكرة، وبرازروز، وسلسل، ومهروذ، وجلولاء، والنهروان الأعلى، والنهروان الأوسط، والنهروان الأسفل، و جازر، والمدائن، والبندنجين، ورستقباذ، وأبزقباذ، والمبارك، وبادرايا، وباكسايا، ولهم أصبهبذ رابع يسمى أصبهبذ المغرب. وكانت آخر مسالح الفرس مما يلي الفرات: الأنبار، ثم تصير إلى مسالح الروم، ومما يلي دجلة ثم تصير إلى مسالح الروم، إلا أن يتعاور القوم، فيدخل الفرس بلاد الروم على المخالبة، وربما دخل الروم بلاد الفرس. وكل الاسم الواقع على كل ملك للفرس: كسرى، وكانوا إن سموه و ذكروه قالوا: كسرى شاهنشاه ،معناه ملك الملوك، وكانت تسمى الوزير: بزرجفرمذار، معناه متقلد الأمور، وكانت تسمى العالم القيم بشرائع دينهم: موبذ موبذان، ومعناه عالم العلماء، وأول من رفع عليه منها الاسم: زراذشت، وكانت تسمى قيم النار: الهربذ، وكانت تسمى الكاتب: دبيربذ، وكانت تسمى العظيم منهم: الإصبهبذ، ومعناه الرئيس، والذي دونه: الفادوسبان، و معناه دافع الأعداء، وتسمى رئيس البلد: المرزبان، وتسمى رئيس الكور: الشهريج، وتسمى أصحاب الحروب وقواد الجيوش: الأساورة، وتسمى صاحب المظالم: شاهريشت، وتسمى صاحب الديوان: المردمارعد. ممالك الجربى وكان ولد عامور بن توبل بن يافث بن نوح لما قسم فالغ بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح الأرض بين ولد نوح خرجوا في يسرة المشرق، فقطع قوم منهم ولد ناعوما ناحية الجربى على سمت الشمال ، فانتشروا في البلاد، فصاروا عدة ممالك، وهم: البرجان، والديلم، والتبر، والطيلسان، وجيلان، وفيلان ، واللان، والخزر، والدودانية، والأرمن، وكانت الخزر المتغلبة على عامة بلاد أرمينية، وعليها ملك يقال له خاقان، وله خليفة يقال له يزيد بلاش على الران، وجرزان، والبسفرجان، والسيسجان، وكانت هذه الكور تسمى أرمينية الرابعة التي افتتحها قباذ ملك الفرس، فصارت إلى أنوشروان، إلى باب اللان، مائة فرسخ، وفيها ثلاثمائة وستون مدينة. وغلب ملك الفرس على الباب والأبواب، وطبرسران، والبلنجر، و بنى مدينة قاليقلا، ومدنا ً كثيرة، فأسكنها قوما ً من أهل فارس، ثم غلبت الخزر على ما كانت فارس غلبتهم عليه، فأقام في أيديهم حينا ً، ثم غلبتهم الروم، فملكت على أرمينية الرابعة ملكا ً يقال له الموريان ،وافترقوا عدة رياسات كل رئيس منهم في قلعته وحصنه، فهي لهم ممالك معروفة. وقطع قوم من ولد عامور ما وراء النهر، ثم افترقوا في البلاد، فصارت ممالك مفترقة وأمم كثيرة، فمنهم: الختل، والقواديان، والأشروسنة، والسغد، والفرغانة، والشاش، والترك، والخرلخية، والتغزغز، والترك الكيماكية، والتبت، وفي الترك قوم أصحاب مدر ومدن وحصون، وفيهم قوم في رؤوس الجبال والصحاري كالبدو، ولهم شعور طوال، ومنازلهم خيام اللبود، فإذا غزوا كان في الخيمة الواحدة عشرون مقاتلا ً، ويرمون فلا يخطئون، وبيوم متصلة من أول كور خراسان إلى جبال التبت وجبال الصين. وأما التبت، فبلد واسع أعظم من الصين، ومملكتهم جليلة، وهم أصحاب منعه وحكمة يضاهون صنعة الصين، وفي بلادهم غزلان سررها المسك، وهم عبدة أصنام، ولهم بيوت نيران، وشوكتهم شديدة، فليس يحارم أحد. ملوك الصين ذكرت الرواة وأهل العلم ومن صار إلى بلاد الصين، فأقام ا الدهر الطويل، حتى فهم أمرهم، وقرأ كتبهم، وعرف أخبار المتقدمين منهم، ورأوه في كتبهم، وسمعوه من أخبارهم، ومكتوب على أبواب مدم وبيوت أصنامهم، ومنقور في الحجارة قد أجرى فيه الذهب: إن أول من ملك الصين صاين بن باعور بن يرج بن عامور بن يافث بن نوح بن لمك، فإنه كان عمل فلكا ً حكى به فلك نوح، فركب فيه ،ومعه جماعة من ولده وأهله، حتى قطع البحر، فصار إلى موضع استحسنه، وأقام به، فسمي ذلك الموضع الصين باسمه، فكثر ولده، وتناسلت ذريته، فكانت ذريته على دين قومه، واتصل ملكه ثلاثمائة سنة. ومنهم عرون الذي شيد البنيان، وعمل الصنعة، واتخذ الهياكل المذهبة، وعمل فيها صورة أبيه، وجعلها في صدر الهيكل، فكان إذا دخل سجد لتلك الصورة تعظيما ً لصورة أبيه، وكان لصاين اسم تفسيره بالعربية ابن السماء، فمن ذلك الزمان صارت الأوثان تعبد في بلاد الصين، وكان ملك عرون مائة وأربعين سنة. ومنهم عير الذي سار في بلاد الصين طولا ً وعرضا ً، وبنى المدن العظام، وشيد القباب من الجزلان والنحاس المذهب، وعمل صورة أبيه من ذهب مكلل بالجوهر والرصاص والنحاس المزوق، فاتخذها أهل مملكته جميعا ً في مدم وبلدام، وقالوا: ينبغي للرعية أن تعمل صورة ملك قد ملكها من السماء، وعدل فيها، واتصل ملك عير مائة وثلاثين سنة. ومنهم عينان الذي سام أهل مملكته سوء العذاب، ونفاهم إلى جزائر البحر، فكانوا يصيرون من تلك الجزائر إلى مواضع فيها الثمار ليأكلوا منها، فيجدون ا الوحوش، ولم يزالوا كذلك حتى أنسوا بالوحوش، وأنست م، وكانوا يترون عليها، وربما نزت تلك على نسائهم فتأتي بينهم الخلق المشوهة. وباد القرن الأول وأتى قرن بعد قرن، فذهبت عنهم لغام، وصاروا يتكلمون ما لا يفهم، ففي الجزائر التي تجتاز منها إلى أرض الصين أمر عظيم من هذا الضرب، وأمم كثيرة، وكان يسمى عينان اسما ً تفسيره بالعربية خلقة الشر. وكان ملكه مائة سنة. ومنهم خرابات الذي ملك وهو حدث السن، ثم احتنكت سنة، فعلا أمره، وحسن تدبيره، ووجه بوفد من قبله إلى أرض بابل وما اتصل ا من بلاد الروم يتعرفون ما فيها من الحكمة و الصنعة، وحمل معهم من صنعة الصين وما يعمل ا من ثياب الحرير وغيره، وما يؤتى به من تلك البلاد من الآلات وغيرها ،وأمرهم أن يحملوا إليه كل صنعة وظريفة من أرض بابل وبلاد الروم، وأن يتعرفوا شرائع دين القوم ،فكان ذلك أول ما دخل من متاع الصين إلى أرض العراق وما اتصل ا، وركب التجار بحر الصين للتجارة، وذلك أن الملوك استظرفت ما أتاهم من متاع الصين، فعملوا المراكب، وحملوا فيها التجارة ،فكان ذلك أول دخول التجار إلى الصين. وكان ملك خرابات ستين سنة. ومنهم توتال، وأهل الصين يقولون إم وجدوا مكتوبا ً على أبواب مدم: أنه لم يملكهم ملك قط مثله ،ورضوا به رضا لم يرضوا مثله بأحد قط، وهو الذي سن لهم كل سنة هم عليها في أديام، وأفعالهم ،وصناعام، وشرائعهم وأحكامهم. وكان ملكه ثمانيا ً وسبعين سنة، فلما مات أقاموا يبكون عليه زمانا ً طويل ًا، ويحملونه على أسره الذهب وعجل الفضة، ثم جمعوا له العود والعنبر والصندل وسائر الطيب ،وألهبوه بالنار، وطرحوه فيها، وجعل خاصته يلقون أنفسهم في تلك النار أسفا ً عليه ووفاء له، وصار هذا سنة فيهم، وجعلوا صورته على دنانيرهم، وهم يسمون الدنانير الكونح، وعلى أبواب منازلهم الصور. وبلاد الصين بلاد واسعة، فمن أراد الصين في البحر قطع سبعة أبحر، كل بحر منها له لون وريح وسمك ونسيم ليس هو في البحر الذي يليه، فأولها بحر فارس الذي يركب فيه من سيراف، وآخره رأس الجمحة ،وهو ضيق فيه مغائص اللؤلؤ. والبحر الثاني الذي مبتدأه من رأس الجمحة يقال له لاروي، وهو بحر عظيم، وفيه جزائر الوقواق ، وغيرهم من الزنج، وفي تلك الجزائر ملوك، وإنما يسار في هذا البحر بالنجوم، وله سمك عظيم، وفيه عجائب كثيرة وأمور لا توصف. ثم البحر الثالث الذي يقال له هركند، وفيه جزيرة سرنديب، وفيه الجوهر والياقوت وغيره، ولها جزائر فيها ملوك، ولهم ملك عليهم، وفي جزائر هذا البحر الخيزران والقنا. والبحر الرابع يقال له كلاهبار، وهو بحر قليل الماء، وفيه حيات عظام، وربما ركبت الريح فيه، فقطعت المراكب، وفيه جزائر فيها شجر الكافور. والبحر الخامس يقال له سلاهط، وهو بحر عظيم كثير العجائب. والبحر السادس يقال له كردنج، وهو كثير الأمطار. والبحر السابع يقال له بحر صنجي، و يقال له أيضا ً كنجلى، وهو بحر الصين، وإنما يسار فيه بريح الجنوب، حتى يصيروا إلى بحر عذب عليه المسالح والعمران ،حتى ينتهوا إلى مدينة خانفو. ومن أراد الصين على البر سار في ر بلخ، وقطع بلاد السغد، وفرغانة، والشاش، والتبت، حتى يصير إليها، والملك في حصن له منفرد، وصاحب شرطته خادم، وصاحب خراجه خادم، وصاحب حرسه خادم، وصاحب أخباره خادم، وأكثر أعوانه الخدم، وهم ثقاته، وخراجهم من رؤوس الرجال يوجبون على كل رجل بالغ جزية، لأم لا يدعون رجلا ً بغير صناعة، فإذا تعطل عن العمل بعلة، أو هرم، أنفقوا عليه من مال الملك. وهم يعظمون أموام، ويطول حزم عليهم، وأكثر عقوبام القتل، فهم يقتلون على الكذب، ويقتلون على السرقة، ويقتلون على الزنا إلا قوما ً معروفين، ومن تظلم من عامل الأعمال، فصحت مظلمته، قتل ذلك العامل، وإلا قتل المتظلم منه إن كان كاذبا ً مبطلا ً. وحدود الصين من البر ثلاثة حدود، ومن البحر حد واحد، فالحد الأول: الترك، والتغزغز، ولم تزل بينهم حروب متصلة، ثم اصطلحوا، وتصاهروا. والحد الثاني: التبت، وبين التبت والصين جبل عليه مسالح للصين يحترسون من التبت، ومسالح للتبت يحترسون من الصين، وهم ما بين حد البلدين. والحد الثالث: إلى قوم يقال لهم المانساس، لهم مملكة منفردة، وهم في بلاد واسعة، ويقال إن سعة بلادهم طول عدة سنين في عرض مثل ذلك لا يعرف أحد من وراءهم، وهم قوم يقاربون أهل الصين. والحد الواحد الذي يلي البحر، فمنه يأتي المسلمون، على ما ذكرنا من عدد البحور. وديانتهم عبادة الأوثان والشمس والقمر، ولهم أعياد لأصنامهم، أعظمها عيد في أول السنة يقال له الزارار، يخرجون إلى مجمع، ويعدون فيه الأطعمة والأشربة، ثم يأتون برجل قد حبس نفسه على ذلك الصنم العظيم، وعلى جميع شهواته، وتمكن من كل ما يريد، فتقدم إلى ذلك الصنم، وقد صير على أصابع يده شيئا ً يشعل بالنار، ثم يحرق أصابعه بالنار ويسرجها بين يدي ذلك الصنم، حتى يحترق، ويقع منها ميتا ً، فيقطع، فمن نال منه شظية، أو خرقة من ثيابه، فقد فاز، ثم يأتون برجل آخر يريد أن يحبس نفسه للصنم للسنة ادودة، فيقف موضعه، ويلبس الثياب، ويضرب عليه بالصنوج، ثم يفترقون، فيأكلون ويشربون، ويقيمون أسبوعا ً، وينصرفون. وهذا الشهر الذي هذا العيد فيه تسميه جناح، وهو أول يوم من حزيران، وللصين حساب أيضا ً، وتسمى الشهور بأسماء مختلفة على حساب قد فهموه، فأولها: جناح، ورداح، ورايح، ومالح، وكسران، وبارد ،ونمرود، وكنعان، وزاغ، وهراة، وهرهر، وباهر. ملوك مصر من القبط وغيرهم وكان بيصر بن حام بن نوح، لما خرج من بابل بولده وأهل بيته، وكانوا ثلاثين نفسا ً ،أربعة أولاد له، وهم: مصر، وفارق، وماح، وياح، ونساؤهم، وأولادهم قد سار م إلى منف، وكان بيصر قد كبر وضعف، وكان مصر أكبر ولده وأحبهم إليه، فاستخلفه، وأوصاه بإخوته، واقتطع مصر لنفسه وولده، مسيرة شهرين من أربعة أوجه، وكان منتهى ذلك من الشجرتين بين رفح والعريش إلى أسوان طولا ً، ومن برقة إلى أيلة عرضا ً. وأقام مصر متملكا ً بعد أبيه دهرا ً، وكان له أربعة أولاد، وهم: قفط، وأشمن، واتريب، وصا، فقسم لهم شط النيل، وقطع لكل واحد قطيعة يحوزها هو وولده. ثم ملك بعد مصر قفط بن مصر، ثم ملك أشمن بن مصر، ثم ملك اتريب بن مصر، ثم ملك صا بن مصر ،ثم ملك تدارس بن صا، ثم ملك ماليق ابن تدارس، ثم ملك حرايا بن ماليق، ثم ملك أخوه ماليا بن حرايا ،ثم ملك لوطس بن ماليا، فلما حضرت لوطس الوفاة ملكت ابنته حوريا، فلما حضرت حوريا الوفاة ملكت بنت عم لها يقال لها زالفا بنت مأموم. وكان أولاد بيصر قد كثروا وامتلأت البلاد منهم، فلما ملكوا النساء طمعت فيهم العمالقة ملوك الشام، فغزاهم ملك العمالقة، وهو يومئذ الوليد ابن دومع، ووطىء البلاد، فرضوا أن يملكوه عليهم، فأقام دهرا ً طويلا ً. ثم ملك بعده آخر من العمالقة يقال له الريان بن الوليد، وهو فرعون يوسف. ثم ملك آخر من العمالقة يقال له دارم بن الريان. ثم ملك بعده كاسم بن معدان. ثم ملك فرعون موسى، وهو الوليد بن مصعب، فاختلفت الرواة في نسبه، فقالوا: هو رجل من لخم ، وقالوا من غيرها من قبائل اليمن، وقالوا من العمالقة، وقالوا من قبط مصر يقال له ظلما ً، وهو الذي كان من أمره مع موسى ما قد قصة االله جل وعز، فعاش عمرا ً طويلا ً، وعتا وبغى، حتى قال: أنا ربكم الأعلى ،ثم غرقه االله وجنوده في بحر القلزم، فلما غرق االله فرعون ومن معه لم يبق في البلد إلا الذرية والعبيد والنساء، فاجتمع رأيهم على أن يملكوا امرأة يقال لها دلوكة، فخافت أن يتخطى إليها ملوك الأرض ،فبنت حائطا ً يحيط بأرض مصر من القرى والمزارع والمدن، وعملت أعمالا كثيرة، وكان ملكها عشرين سنة. ثم ملكت دركون بن بلوطس. ثم ملك بودس بن دركون. ثم ملك لقاس بن بودس. ثم ملك دنيا بن بودس. ثم نمادس بن مرينا، فطغى وعتا، فقتلوه. ثم ملك بلوطس بن مناكيل. ثم ملك ماليس بن بلوطس. ثم ملك نولة بن مناكيل، وهو فرعون الأعرج الذي سبى ملك بيت المقدس، وصنع ببني إسرائيل ما لم يصنعه أحد، وعتا، وبلغ مبلغا ً لم يبلغه أحد قبله بعد فرعون، فصرعته دابته، فدقت عنقه. ثم ملك مرينوس. ثم ملك نقاس بن مرينوس. ثم ملك قومس بن نقاس. ثم ملك مناكيل اددامه الأعرج، وهو لحسابرسر الذي غزاه بخت نصر، فهزمه، وخرب مصر، وسبى أهلها، فأقاموا بعد ذلك يملكهم الروم، فتنصروا في ذلك الوقت. ثم غلبت فارس على الشام في أيام أنوشروان، فملكوهم عشر سنين، ثم ظهرت الروم، فكان أهل مصر يؤدون إلى الروم خراجا ً وإلى فارس خراجا ً، يدفعون شر الفريقين. ثم خرجت فارس عن الشام، وصار أمرهم إلى الروم، فدانوا بدين النصرانية. وكان حكيم القبط هرمس القبطي، وهم أصحاب البرابي الذين يكتبون بخط البرابي، وهو ذا الخط الموجود وفي دهرنا قد عدم الناس معرفة قراءته، والسبب في ذلك أنه لم يكن يكتب به منهم إلا الخواص ،وكانوا يمنعون العوام، والذين يقومون به منهم حكماؤهم وكهام، وكانت فيه أسرار دينهم وأصول مقالتهم التي لا يطلعون عليها إلا كهام، ولا يعلمون ا أحدا ً إلا أن يأمر الملك بتعليمه. فلما قهرم الروم، وملكتهم بسطوه شديدة وسلطان، أبطلوا ما كانوا يقومون به من سعيهم وأعمالهم ،وحملوهم في بدء أمورهم على شرائع اليونانيين، حتى فسدت لغتهم، ومازج كلامهم كلام الروم، ثم تنصرت الروم، فحملوهم على التنصر، فدرس جميع ما كانوا فيه من أمر دينهم وسنتهم، وقتل الروم كهام وعلماءهم، فهلك من كان يفهم ذلك الكتاب، ومنع من بقي منهم من تعليمه والنظر فيه، فلذلك ليس يوجد أحد يقرأه منهم ولا غيرهم. وكانت ديانتهم عبادة الكواكب، والقول بأا مدبرة مختارة ،وهم أصحاب القضايا بالنجوم، وإا تسعد وتنحس، لأم زعموا أا آلهتهم التي تحييهم، وتميتهم ،وترزقهم، وتسقيهم. وكان من قولهم: إن الأرواح قديمة كانت في الفردوس الأعلى، وإنه في كل ستة وثلاثين ألف سنة يفني جميع ما في العالم إما من تراب، يريدون الأرض وزلزلتها وخسوفها، أو من نار وإحراق، وسموم مهلك ،وإما من ريح هواء ردي فاسد، غليظ عام، يسد الأنفاس لغلظه، فيهلك الحيوان، ويتلف الحرث والنسل ،ثم يحيي الطبيعة من كل جنس من أجناس الحرث والنسل، ويرجع العالم بعد فساده. وكانت عندهم من هذه الأرواح آلهة تترل، فتصير في الأصنام، فتتكلم الأصنام لذلك، وإنما كانوا يخدعون عوامهم بذلك، ويسترون العلة التي ا كانت تتكلم أصنامهم، وهي بصنعة كان كهام يصنعوا ،وعقاقير يستعملوا، وحيل يحتالوا، حتى تصفر، وتصيح بصنعة يحكون ا من خلقة الصنم كخلقة الطير، أو البهيمة، فيكون صوت ذلك الصنم مثل صوت جنسه من الحيوان، ثم يترجم كهام ذلك الصوت من الصنم على ما يريدون القضاء به، مما قد اتفقوا به من حساب النجوم، وعلم الفراسة. ويخبرون أن الأرواح، إذا خرجت، صارت إلى هذه الآلهة، التي هي الكواكب، فتغسلها، وتطهرها إن كانت لها ذنوب، ثم تصعد إلى الفردوس حيث كانت. ويقولون إن أنبياءهم كانت تكلمهم الكواكب وتعلمهم أن الأرواح تترل إلى الأصنام، فتسكن فيها ،وتخبر بالحادث قبل أن يحدث. وكانت لهم فطنة عجيبة دقيقة يوهمون ا العوام ام يكلمون الكواكب، وأا تنبئهم بما يحدث، ولم يكن ذلك إلا لجودة علمهم بالأسرار التي للطوالع، وصحة الفراسة، فلم يكونوا يخطئون إلا القليل، وادعوا علم ذلك عن الكواكب، وأا تنبئهم بما يحدث، وهذا باطل غير معقول، ثم ملكهم اليونانيون، فدخلوا في ملتهم، ثم ملكهم الروم، فتنصروا. وكانت مملكة القبط أرض مصر من كور الصعيد: منف، ووسيم، والشرقية، والقيس، والبهنسا، وأهناس ،ودلاص، والفيوم، وأشمون، وطحا، وأبشاية، وهو، وقفط، والأقصر، وأرمنت، ومن كور أسفل الأرض: اتريب، وعين شمس، وتنوا، وتمي، وبنا، وبوصير، وسمنود، ونوسا، والأوسية، والبجوم، وبسطة، وطرابية ،وقربيط، وصان، وإبليل، وسخا، وتيدة، والأفراحون، ونقيزة، والبشرود، وطوة، ومنوف العليا، ومنوف السفلى، ودمسيس، وصا، وشباس، والبذقون وأخنا، ورشيد، وقرطسا، وخربتا، وترنوط، ومصيل ،ومليدش. والقبط تحسب سنيها على ثلاثمائة وخمسة وستين يوما ً، وشهورها اثنا عشر شهرا ً، كل شهر ثلاثون يوما ً ،ولها خمسة أيام تسميها النسيء، فأول شهور القبط الذي يجعلونه رأس سنتهم: توت، ويسمون أول يوم منه نيروز، ويقولون إن فيه ابتداء عمارة الأرض، وهذه أسماء شهورهم: توت، بابه هتور، كيهك، طوبة ،إمشير، برمهات، برموذة، بشنش، بونه، ابيب، مسري، وكانت الخمسة الأيام التي ينسئوا بين مسري وتوت. والخط الذي تكتب به القبط بين اليوناني والرومي، وهو على هذا الرسم. ممالك البربر والأفارقة وكانت البربر والأفارقة، وهم أولاد فارق بن بيصر بن حام بن نوح، لما ملك إخوم بأرض مصر ،فأخذوا من العريش إلى أسوان طولا ً، ومن أيلة إلى برقة عرضا ً، خرجوا نحو المغرب، فلما جازوا أرض برقة أخذوا البلاد، فغلب كل قوم منهم على بلد، حتى انتشروا بأرض المغرب. فأول من ملك منهم: لوانة في أرض يقال لها أجدابية من جبال برقة، وملكت مزاتة في أرض يقال لها ودان، فنسب هؤلاء القوم إلى أبيهم، وجاز قوم منهم إلى بلد يقال له تورغه، فملكوا هناك، وهم هواره ،وسار آخرون إلى بلاد أرميك، وهم بذرعه، وسار قوم إلى طرابلس يقال لهم المصالين، وجاز قوم إلى غربي طرابلس يقال لهم وهيله. ثم استعلت م الطريق، فأخذ قوم إلى القيروان يقال لهم برقشانه، وأخذ آخرون ذات الشمال، فصاروا إلى تاهرت، وهم الذين يقال لهم كتامة وعجيسة، وأخذ قوم آخرون إلى سجلماسة، و هم الذين يقال لهم نفوسه ولماية، وأخذ قوم إلى جبال هكان، وهم الذين يقال لهم لمطة، ويسمون العيالات، وهم في بادية، في غير مساكن، وأخذ قوم إلى طنجة يقال لهم مكناسة، وأخذ قوم إلى السوس الأقصى، وهم الذين يقال لهم مداسه. وقد ذكر قوم من البربر والأفارقة ام من ولد بربر بن عيلان بن نزار، وقال آخرون: ام من جذام ولحم، وكانت مساكنهم فلسطين، فأخرجهم بعض الملوك، ولما صاروا إلى مصر منعتهم ملوك مصر الترول، فعبروا النيل، ثم غربوا، فانتشروا في البلاد، وقال آخرون: إم من اليمن نفاهم بعض الملوك من بلد اليمن إلى أقاصي المغرب، وكل قوم ينصرون روايام، واالله أعلم بالحق في ذلك. ممالك الحبشة والسودان وكان ولد حام بن نوح قصدوا عند تفرق ولد نوح من أرض بابل إلى المغرب، فجازوا من عبر الفرات إلى مسقط الشمس، وافترق ولد كوش بن حام، وهم الحبشة والسودان، لما عبروا نيل مصر فرقتين ،فقصدت فرقة منهم التيمن بين المشرق والمغرب، وهم النوبة، والبجة، والحبشة، والزنج، وقصدت فرقة الغرب، وهم زغاوه، والحسن، والقاقو، والمرويون، ومرندة، والكوكو، وغانه. فأما النوبة فإا لما صارت في الجانب الغربي من النيل جاورت مملكة القبط، وهم ولد بيصر بن حام بن نوح تملكوا هناك، فصارت النوبة مملكتين، فإحداهما: مملكة الذين يقال لهم مقرة، وهم في شرق النيل وغربه، ومدينة مملكتهم دنقلة، وهم الذين سالموا المسلمين، وأدوا إليهم البقط، وبلادهم بلاد نخل وكرم وزرع، واتساع المملكة شبيه بشهرين. والمملكة الثانية من النوبة الذين يقال لهم علوة، أعظم خطرا من مقرة، ومدينة مملكتهم يقال لها سوبة ،ولهم بلاد واسعة شبيهة بثلاثة أشهر، والنيل متشعب عندهم في عدة خلجان. مملكة البجة وهم بين النيل والبحر، ولهم عدة ممالك، في كل بلد ملك منفرد. فأول مملكة البجة من حد أسوان، وهي آخر عمل المسلمين من التيمن بين المشرق والمغرب إلى حد بركات، وهم الجنس الذي يقال له: نقيس ،ومدينة المملكة يقال لها: هجر، ولهم قبائل وبطون كما تكون للعرب، فمنهم: الحدرات، وحجاب ، والعماعر وكوير، ومناسة، ورسفة، وعربرتعة، والزنافج، وفي بلادهم المعادن من التبر والجوهر، والزمرد ،وهم مسالمون للمسلمين، والمسلمون يعملون في بلادهم في المعادن. والمملكة الثانية من البجة، مملكة يقال لها: بقلين، كثيرة المدن، واسعة يضارعون في دينهم اوس والثنوية ،فيسمون االله، عز وجل، الزنجير الأعلى، ويسمون الشيطان صحي حراقة، وهم الذين ينتفون لحاهم ،ويقلعون ثناياهم، ويختتنون، وبلادهم بلاد مطر. ثم المملكة الثالثة يقال لها: بازين، وهم يتاخمون مملكة علوة من النوبة، ويتاخمون بقلين من البجة ، ويحاربون هؤلاء، وزرعهم الذي يأكلونه، وهو طعامهم واللبن. والمملكة الرابعة يقال لها: جارين، ولهم ملك خطير، وملكه ما بين بلد يقال له: باضع، وهو ساحل البحر الأعظم إلى حد بركات من مملكة بقلين، إلى موضع يقال له: حل الدجاج، وهم قوم يقلعون ثناياهم من فوق وأسفل، ويقولون: لا يكون لنا أسنان كأسنان الحمير، وينتفون لحاهم. والمملكة الخامسة يقال لها: قطعة، وهي آخر ممالك البجة، ومملكتهم واسعة من حد موضع يقال له: باضع، إلى موضع يقال له: فيكون، ولهم حد شديد، وشوكة صعبة، ولهم دار مقاتلة يقال لها دار السوا ،فيها أحداث شباب، جلد، مستعدون للحرب والقتال. ثم المملكة السادسة، وهي مملكة النجاشي، وهو بلد واسع، عظيم الشأن، ومدينة المملكة كعبر، ولم تزل العرب تأتي إليها للتجارات، ولهم مدن عظام، وساحلهم دهلك، ومن في بلاد الحبشة من الملوك، فهم من تحت يد الملك الأعظم يعطونه الطاعة، ويؤدون إليه الخراج، والنجاشي على دين النصرانية اليعقوبية ،وآخر مملكة الحبشة الزنج، وهم يتصلون بالسند وما ضارع هذه البلدان، ويتصل أيضا ً بما دون الزنج مما يتاخم السند والكرك، وهم قوم لهم حساب، واجتماع قلوب. وأما السودان الذين غربوا وسلكوا نحو المغرب فإم قطعوا البلاد، فصارت لهم عدة ممالك، فأول ممالكهم: الزغاوة، وهم النازلون بالموضع الذي يقال له: كانم، ومنازلهم أخصاص القصب، وليسوا بأصحاب مدن، ويسمى ملكهم كاكرة. ومن الزغاوة صنف يقال لهم: الحوضن، ولهم ملك هو من الزغاوه. ثم مملكة أخرى يقال لهم: ملل، وهم يبادون صاحب كانم، ويسمى ملكهم: ميوسي. ثم مملكة الحشة، ولهم مدينة يقال لها: ثبير، ويسمى ملك هذه المدينة مرح، ويتصل م القاقو، إلا ام معولون، وملكهم ملك ثبير. ثم مملكة الكوكو، وهي أعظم ممالك السودان، وأجلها قدرا ً، وأعظمها أمرا ً، و كل الممالك تعطي لملكها الطاعة، والكوكو اسم المدينة، ودون هذا عدة ممالك يعطونه الطاعة، ويقرون له بالرئاسة على ام ملوك بلدام، فمنهم مملكة المرو، وهي مملكة واسعة، وللملك مدينة يقال لها: الحيا، ومملكة مردية، ومملكة الهربر، ومملكة صنهاجة، ومملكة تذكرير، ومملكة الزيانير، ومملكة أرور، ومملكة بقاروت، فهذه كلها تنسب إلى مملكة الكوكو. ثم مملكة غانة، وملكها أيضا عظيم الشأن، وفي بلاده معادن الذهب، وتحت يده عدة ملوك، فمنهم مملكة: عام، ومملكة: سامة، وفي هذه البلاد كلها الذهب. ملوك اليمن ذكرت الرواة، ومن يدعي العلم بالأخبار وأحوال الأمم والقبائل: أن أول من ملك من ولد قحطان بن هود النبي: ابن عابر بن شالح بن أرفخشد ابن سام بن نوح سبا بن يعرب بن قحطان، وكان اسم سبا عبد شمس، لأنه كان أول من ملك من ملوك العرب، وسار في الأرض، وسبى السبايا، وكان يعرب ابن قحطان أول من حيي: بأنعم صباحا وأبيت اللعن. ثم ملك بعد سبا حمير بن سبا، واسم حمير زيد، وكان أول ملك لبس التاج من الذهب مفصصا ً بالياقوت الأحمر. ثم ملك بعد حمير أخوه كهلان بن سبا، فطال عمره حتى هرم. ثم ملك بعد كهلان أبو مالك بن عميكرب بن سبا، فدام ملكه ثلاثمائة سنة. ثم ملك بعد أبي مالك حنادة بن غالب بن زيد بن كهلان، وكان أول من صنع السيوف المشرفية، وكان يصنع الطعام للجن بالليل، وملك مائة وعشرين سنة. وملك بعد حنادة الحارث بن مالك بن إفريقيس بن صيفي بن يشجب بن سبا مائة وأربعين سنة. ثم ملك بعد الحارث بن مالك الرائش، وهو الحارث بن شداد بن ملطاط بن عمرو بن ذي أبين بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن وائل بن الغوث ابن حيدان بن قطن بن عريب بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبا، وهو أول من غزا وأصاب الأموال وأدخل اليمن الغنائم من غيرها فسمي الرائش فغلب اسمه، وكان ملكه مائة وخمسا ً وعشرين سنة. ثم ملك بعد الرائش ابنه أبرهة بن الرائش، وهو أبرهة ذو منار، وذلك أنه صار إلى ناحية المغرب، وكان إذا غلب على بلد ضرب عليها النار، وكان ملكه مائة وثمانين سنة. ثم ملك بعد أبرهة ابنه إفريقيس بن أبرهة، فسلك سبيل أبيه، وكان ملكه مائة وأربعا ً وستين سنة. ثم ملك بعد إفريقيس أخوه العبد بن أبرهة، وكان يسمى ذا الأذعار لأنه ذعر العدو، وكان يأتي بقوم عجيبة خلقهم، وكان ملكه خمسا ً وعشرين سنة. ثم ملك بعد ذي الأذعار الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن الرائش، وكان ملكه سنة واحدة. ثم ملك بعد الهدهاد زيد، وهو تبع الأول بن نيكف، فطال عمره، وطغى، وبغى، وعتا، فيزعم الرواة أنه ملك أربعمائة سنة، ثم قتلته بلقيس. وملكت بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل، فكان ملكها مائة وعشرين سنة، ثم كان من أمرها مع سليمان ما كان، فصار ملك اليمن لسليمان بن داود ثلاثمائة وعشرين سنة، ثم ملك رحبعم بن سليمان بن داود عشر سنين، ثم رجع الأمر إلى حمير، فملك ياسر ينعم بن عمرو بن يعفر بن عمرو بن شرحبيل، واشتد سلطانه، فكان ملكه خمسا ً وثمانين سنة. ثم ملك شمر بن إفريقيس بن أبرهة ثلاثا ً وخمسين سنة. ثم ملك تبع الأقرن بن شمر بن عميد، فغزا الهند، وأراد أن يغزو الصين، وكان ملكه مائة وثلاثا ً وستين سنة. ثم ملك ملكيكرب بن تبع، فغزا البلاد، ففرق قومه في أقاصي الأرض، ونقلهم إلى سجستان وخراسان ،واجتمعوا عليه، فقتلوه، وكان ملكه ثلاثمائة وعشرين سنة. ثم ملك حسان بن تبع، فأقام زمانا ً لا يغزو، ثم وقع بين طسم وجديس ما وقع، فسار إليهم تبع، فلما قرب منهم قال له رجل من طسم كان معه: إن معهم امرأة يقال لها اليمامة تنظر فلا تخطىء، فأخاف أن تنذرهم، فأمر أصحابه، فقطعوا من شجر الزيتون وقال: ليحمل كل واحد منكم غصنا ً عظيما ً من الزيتون خلفه! فحمل كل رجل غصنا ً عظيما ً، فلما نظرت قالت: أرى شجرا ً تمشي! قالوا: وهل تمشي الشجر؟ قالت: نعم ورب كل حجر ومدر، وإا لخلف رجال حمير! فكذبوها، وصبحهم حسان، فقتلهم. وملة قومه، وثقلت عليهم وطأته، فواطئوا أخاه عمرو بن تبع على قتله خلا ذا رعين، فإنه ى عن ذلك ،فقتله، وكان ملكه خمسا ً وعشرين سنة. ثم ملك عمرو بن تبع بعد أن قتل أخاه، فذهب عنه النوم، وتنغص عيشه، فقتل كل من أشار بقتل أخيه ،حتى بلغ إلى ذي رعين، فقال: قد أشرت عليك أن لا تفعل، فكتبت بيتي شعر هما عندك، وكان قد دفع إليه رقعة فيها: ألا من يشتري سهرا ً بنوم سعيد من يبيت قرير عين فإما حمير غدرت وخانت فمعذرة الإله لذي رعين وكان ملك عمرو أربعا ً وستين سنة. ثم ملك تبع بن حسان بن بحيلة بن ملكيكرب بن تبع الأقرن، وهو أسعد أبو كرب، وهو الذي سار من اليمن إلى يثرب، وكان الفطيون قد تملك على الأوس والخزرج، فسامهم سوء العذاب، فخرج مالك بن العجلان الخزرجي، فشكا ذلك إلى تبع، فأعلمه غلبة قريظة والنضير عليهم، فسار تبع إليهم، فقتل قوما من اليهود، وكان تبع خلف ابنا له بين أظهرهم، فقتلوه، فزحف إليهم، وحارم. وكان رئيس الأنصار عمرو بن طلحة الخزرجي من بني النجار، وكانوا يحاربونه بالنهار، ويقرونه بالليل ،فيقول: إن قومنا لكرام. وجمع عظماء اليهود وقال: إني مخرب هذه البلدة، يعني المدينة، فقالت الأحبار وعظماء اليهود: إنك لا تقدر على ذلك! قال: ولم؟ قالوا: لأا لنبي من بني إسماعيل يكون مخرجه من عند البيت المحرم، فخرج، وأخرج معه قوما ً من أحبار اليهود، فلما قرب من مكة أتاه نفر من هذيل ،فقالوا له: إن هذا البيت الذي بمكة فيه أموال وكنوز وجوهر، فلو أتيته فأخذت ما فيه. وإنما أرادوا أن يفعل، فيهلكه االله. وقيل: إنما أشار عليه قوم أن يهدمه، ويحول حجارته إلى اليمن، فيبني ا هناك بيتا تعظمه العرب، فدعا تبع أحبار اليهود، فذكر ذلك لهم، فقالوا: ما نعلم الله بيتا ً في الأرض غير هذا البيت ،وما أراده أحد بسوء إلا أهلكه االله. واعترضته علة في ليلته، فقال له الأحبار: إن كنت أضمرت لهذا البيت مكروها، فارجع عنه، وعظمه ، فرجع عما كان أضمر، فأذهب االله عنه العلة، فقتل من أشار عليه دمه، وطاف به وعظمه، ونحر، وحلق رأسه، ورأى في النوم أن أكسه، فكساه الخصف، فتجافى، فرأى في نومه أن أكسه، فكساه الملاء المعضد ،وقال شعرا ً فيه: ه ملاء معضدا ً، وبرودا وكسونا البيت الذي حرم الل ف ترى الناس نحوهن ورودا ونحرنا بالشعب ستة آلا بة ميتا ً، ولا دما ً مصفودا ً وأمرنا أن لا تقرب للكع وسجدنا عند المقام سجودا ثم طفنا بالبيت سبعا ً وسبعا ً وجعلنا لبابه إقليدا وأقمنا فيه من الشهر سبعا ً ثم رجع إلى اليمن ومعه الأحبار من اليهود، فتهود هو وقومه، وكان ملكه ثمانيا ً وسبعين سنة. ثم تفرقت ملوك قحطان، وملكوا أقواما ً متفرقين منهم: عمرو بن تبع، ثم نزعوه، وملكوا مرثد بن عبد كلال أخا ً تبع لأمه، فأقام أربعين سنة. ثم ملك وليعة بن مرثد تسعا ً وثلاثين سنة. ثم ملك أبرهة بن الصباح، وكان من أحكم ملوك اليمن وأغلظهم، وكان ملكه ثلاثا ً وتسعين سنة. ثم ملك عمرو بن ذي قيقان. ثم ملك ذو الكلاع. ثم ملك لخيعة ذو شناتر، فكان من أخبث ملوك حمير وأرداها، وكان يعمل عمل قوم لوط، يبعث إلى الغلام من أبناء الملوك، فيلعب به، ثم يتطلع في غرفة له، وفي فمه السواك، حتى بعث إلى ذي نواس بن أسعد ليلعب به، فدخل، ومعه سكين، فلما خلا به، وثب عليه ذو نواس، وقتله، وحز رأسه، وصيره في الموضع الذي يتطلع منه، فلما خرج صاح به من بالباب من الجيش: يا ذا نواس، لا بأس! فقال: البأس على صاحب الرأس! فنظروا، فإذا به قد قتله، فملكوا ذا نواس. وكان ملك ذي شناتر سبعا ً وعشرين سنة. وملك ذو نواس بن أسعد، وكان اسمه زرعة، فعتا، وهو صاحب الأخدود، وذلك أنه كان على دين اليهودية، وقدم اليمن رجل يقال له عبد االله بن الثامر، وكان على دين المسيح، فأظهر دينه باليمن، وكان إذا رأى العليل والسقيم قال: أدعو االله لك حتى يشفيك، وترجع عن دين قومك! فيفعل ذلك، فكثر من اتبعه. وبلغ ذا نواس، فجعل يطلب من قال ذا الدين، ويحفر لهم في الأرض الأخدود، ويحرق بالنار، ويقتل بالسيف، حتى أتى عليهم، فسار رجل منهم إلى النجاشي، وهو على دين النصرانية، فوجه النجاشي إلى اليمن بجيش عليهم رجل يقال له أرياط، وهم في سبعين ألفا ً، ومع أرياط في جيشه أبرهة الأشرم، فسار إليه ذو نواس، فلما التقوا ازم ذو نواس فلما رأى ذو نواس افتراق قومه وازامهم ضرب فرسه، واقتحم به البحر، فكان آخر العهد به. وكان ملك ذي نواس ثمانيا ً وستين سنة. ودخل أرياط الحبشي اليمن، فأقام ا عدة سنين، ثم نازعه أبرهة الأشرم الأمر، فافترقت الحبشة مع أرياط طائفة، ومع أبرهة طائفة، وخرجا للحرب، وسار كل واحد إلى صاحبه، فلما التقوا قال أبرهة لأرياط: ما نصنع يا أرياط بأن نقتل الناس بيني وبينك؟ ابرز إلي وأبرز إليك، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده عنه! فبرز كل واحد إلى صاحبه، فضربه أرياط بالحربة، فشرم عينيه، وضربه غلام لأبرهة، فقتله ،واجتمعت الحبشة باليمن على أبرهة فلما بلغ النجاشي غضب، وحلف ليطأن أرضه برجله، أو ليجزن ناصيته! فحلق أبرهة رأسه، وبعث ا إليه، وبجراب من تراب أرضه، وقال: إنما أنا عبدك، وأرياط عبدك، اختلفنا في أمرك، وكل طاعته لك ،فرضي عنه. وخرج سيف بن ذي يزن إلى قيصر يستجيش على الحبشة، فأقام قبله سبع سنين، ثم رده، وقال: هم قوم على دين النصرانية لا أحارم! فسار إلى كسرى، فوجه بأهل السجون، ووجه معهم رئيسا ً يقال له وهرز، فلما قدم البلد حارب الحبشة، فقتل أبرهة الحبشي، وغلب على البلد، ثم ملك سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح، وسيف الذي يقول فيه أمية بن أبي الصلت: أقام في البحر للأعداء أحوالا لا يطلب الثأر إلا ابن ذي يزن فلم يجد عنده الأمر الذي قالا أتى هرقل، وقد شالت نعامته من السنين، لقد أبعدت إيغالا ثم انتحى نحو كسرى بعد سابعةٍ حتى أتى ببني الأحرار يقدمهم اذهب إليك، لقد أسرعت قلقالا وكانت ملوك اليمن يدينون بعبادة الأصنام في صدر من ملكهم، ثم دانوا بدين اليهود. وتلوا التوراة، وذلك أن أحبارا ً من اليهود صاروا إليهم، فعلموهم دين اليهودية، ولم يكونوا يتجاوزون اليمن إلا أن يغيروا على البلاد، ثم يرجعون إلى دار ملكهم. وكور بلاد اليمن تسمى مخاليف، وهي أربعة وثمانون مخلافا ً، وهذه أسماؤها: اليحضبين، ويكلا، وذمار ،وطمؤ، وعيان، وطمام، وهمل، وقدم، وخيوان، وسنحان، وريحان، وجرش، وصعدة، والأخروج ، ومجيح، وحراز، وهوزن، وقفاعة، والوزيرة، والحجر، والمعافر، وعنه، والشوافي، وجبلان، ووصاب ،والسكون، وشرعب، والجند، ومسور، والثجة، والمزدرع، وحيران، ومأرب، وحضور، وعلقان ، وريشان، وجيشان، والنهم، وبيش، وضنكان، وقربى، وقنونا، ورنية، وزنيف، والعرش، والخصوف ،والساعد، وبلجة، والمهجم، والكدراء، والمعقر، وزبيد، ورمع، والركب، وبني مجيد، ولحج، وأبين ،والواديين، والهان، وحضرموت، ومقرى، وحيس، وحرض، والحقلين، وعنس، وبني عامر، وماذن ،وحملان، وذي جرة، وخولان، و السرو، والدثينة، وكبيبة، وتبالة. ومن السواحل: عدن، وهي: ساحل صنعاء، والمندب، وغلافقة، والحزدة، والشرجة، وعثر، والحمضة ،والسرين، وجدة. هذه بلاد مملكة اليمن وبلداا، وكانوا ربما أغاروا على البلدان، فيرجعون إلى بلادهم. واليمن قبائل كثيرة، إذا دخلت فيهم قضاعة، فقد روي أن رجلا ً سأل رسول االله صلى االله عليه وسلم، فقال: يا رسول االله! أيما أكثر نزار أو قحطان؟ قال: ما شاب قضاعة، وقضاعة في هذا الوقت مقيمة على أا ولد ملك بن حمير. وهذه جماهير قبائل اليمن مع ما دخل فيهم من نزار من قضاعة، وجذام، ولخم، وبجيلة، وخثعم. وكان أول من ذكر اسمه وعرف قدره: سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فمن ولده كهلان بن سبا، وحمير بن سبا. فمن قبائل كهلان طيء بن أدد بن زيد بن عريب بن كهلان، والأشعر بن أدد بن زيد، وعنس ابن قيس بن الحارث بن مرة بن أدد، وجذام، ولخم، وعاملة، وهم بنو عمرو بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد، ومذحج ابن أدد بن زيد بن عريب بن كهلان. فمن قبائل مذحج سعد العشيرة بن مذحج، ومراد بن مذحج، والنخع ابن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج، وحكم وجعفي ابنا سعد العشيرة بن مذحج، وخولان بن عمرو بن سعد العشيرة بن مذحج ،وزبيد بن الصعب بن سعد العشيرة بن مذحج. وهمدان، واسمه أوسلة بن خيار بن ربيعة بن مالك بن زيد بن كهلان. وخثعم وبجيلة ابنا أنمار بن نزار بن عمرو بن الحبار بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان. والأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان. فمن قبائل الأزد: عك بن عدنان بن الذنب بن عبد االله بن الأزد، على أن عكا تنسب إلى عدنان ابن أدد، والعتيك بن أسد بن عمرو ابن الأزد ،وغسان، وهو مازن ابن الأزد. فمن قبائل غسان خزاعة، وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن غسان بن وادعه بن عمران بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس، و الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن غسان، قال حسان بن ثابت الأنصاري: ونحن بنو الغوث بن نبت بن مالك ب ن زيد بن كهلان وأهل المفاخر ومن قبائل حمير قضاعة، وقضاعة، فيما يزعم النسابون، ابن نزار بن معد بن عدنان، وكان نزار يكنى أبا قضاعة. فمن قبائل قضاعة: د بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وجهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وعذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود ابن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وسليح ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان ابن عمران بن الحاف بن قضاعة، والقين بن جسر بن الأسد بن وبرة بن تغلب ابن حلوان، وتنوخ، وهو مالك بن فهم بن تيم االله بن الأسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان، فهذه جماهير قضاعة. ومن حمير بن سبا: الصدف بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن وائل بن عبد شمس بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن الهميسع ابن حمير بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان. والناس في حضرموت مختلفون، وقد ذكر قوم ام من الأمم الخالية التي تقطعت مثل طسم، وجديس ،وعملاق، وعاد، وثمود، وعبس الأولى، وأوبار، وجرهم. وكان تفرق أهل اليمن في البلاد وخروجهم عن ديارهم بسبب سيل العرم، وكان أول ذلك، على ما حملته الرواة: أن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد كان رئيس القوم ،وكان كاهنا ً، فرأى أن بلاد اليمن تغرق، فأظهر غضبه على بعض ولده، وباع مرباعه، وخرج هو وأهل بيته ، فصار إلى بلاد عك، ثم ارتحلوا إلى نجران، فحاربتهم مذحج، ثم ارتحلوا عن نجران، فمروا بمكة، وا يومئذ جرهم، فحاربوهم حتى أخرجوهم عن البلد، فصاروا إلى الجحفة، ثم ارتحلوا إلى يثرب، فتخلف ا الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ولحق م جماعة من الأزد غير ابني حارثة، فصار بعضهم حلفاء، ودخل بعضهم معهم. وتفرقت الأزد بيثرب، وكانت يثرب منازل اليهود، فنازعتهم، وغلبتهم اليهود بكثرم، وقهروهم، حتى كان الرجل من اليهود ليأتي مترل الأنصاري، فلا يمكنه دفعه عن أهله وماله، حتى دخل رجل منهم يقال له الفطيون إلى دار مالك بن العجلان، فوثب عليه، فقتله، ثم صار إلى بعض ملوك اليمن فشكا إليه ما يلقون من اليهود، فسار ذلك الملك إليهم بجيشه حتى قتل من اليهود مقتلة عظيمة، فصلحت حال الأوس والخزرج وغرس النخل، وأنشأوا المنازل. وسار باقي القوم يؤمون الشام، حتى صاروا إلى أرض السراة ،فأقام أزد شنوءة بالسراة وما حولها، وخرج منهم قبائل إلى عمان، فكان أول من صار منهم إلى عمان: مالك بن فهم بن غنم ابن دوس بن عدثان بن عبد االله بن زهران ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد االله بن مالك بن نصر بن الأزد، وتزوج مالك بامرأة من عبد القيس، فولدت له عدة أولاد، فيقال إن أصغر ولده قتله إذ كان معه في إبل له، فقام مالك بن فهم يطوف في الإبل، فرفع رأسه، فتوهمه ابنه سارقا ً، فرماه فقتله، وكان يقال لأمه سليمة، فيقال إن مالك ابن فهم قال: أعلمه الرماية كل يومٍ فلما استد ساعده رماني ثم لحق بعد مالك بن فهم جماعة من بطون الأزد منهم: الربيعة وعمران بنو عمرو بن عدي ابن حارثة بن عمرو بن عامر، وهم: بارق، وغالب، ويشكر بن قيس بن صعب بن دهمان، وقوم من عامر، وقوم من حوالة بعمان، فلما صاروا بعمان انتشروا بالبحرين وهجر. وكان بأرض امة من الأزد الجدرة وهم من ولد عمرو بن خزيمة بن جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد، وذلك أن عمرا بنى جدار الكعبة، فسمي الجادر، وسار منهم نفر إلى هراة من أرض خراسان. وسارت غسان إلى الشام، حتى نزلت بأرض البلقاء، وكان بالشام قوم من سليح قد دخلوا ذمة الروم ،وتنصروا، فسألتهم غسان أن تدخل معهم في ذلك، فكتبوا إلى ملك الروم، فأجام ملك الروم إلى ذلك ،ثم ساء مجاورم عامله على دمشق، فحمل عليهم صاحب الروم بجماعة من العرب من قضاعة من قبل ملك الروم ثم إن غسان طلبت الصلح، فأجام ملك الروم، وكان رئيس غسان يومئذ جفنة بن علية بن عمرو بن عامر، فتنصرت غسان، فأقامت بالشام مملكة من قبل صاحب الروم وسار ولد حوالة بن الهنو بن الأزد إلى الموصل، فترلوها، وكان أهل اليمن يرون أن بلدهم يغرق من سد مأرب ، فحصنوه ،وحرسوه، فلما بعث االله عليهم سيل العرم دخل عليهم الماء من جحر لجرذ كان يحفر في السد، فغرقهم. ملوك الشأم

وكانت الشام دار ملك بني إسرائيل، فيقال إن أول من ملك بدمشق بالغ بن بعور. ثم ملك يوباب، وهو أيوب بن زارح الصديق، وكان من خبره ما قد قصة االله، عز وجل. ثم ملك مينسوس، وكانت بنو إسرائيل تحارم. ثم ملك هوسير من أهل لد. ثم انقطعت الممالك، فكانت ملوك بني إسرائيل، حتى انقرضوا. وغلبت الروم على ملكها، فخرج القوم عن البلاد، فكانت قضاعة أول من قدم الشأم من العرب ،فصارت إلى ملوك الروم فملكوهم، فكان أول الملك لتنوخ بن مالك بن فهم بن تيم االله ابن الأسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان ابن عمران بن الحاف بن قضاعة، فدخلوا في دين النصرانية، فملكهم ملك الروم على من ببلاد الشام من العرب، فكان أول من ملك منهم: النعمان بن عمرو بن مالك. ثم غلبت بنو سليح، وهم بنو سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وأقامت بنو سليح زمانا ً على ذلك، فلما تفرقت الأزد، وصار من صار منهم إلى امة، ومن صار إلى يثرب، ومن صار إلى عمان وغير ذلك من البلدان، فصارت غسان إلى الشأم، فقدموا أرض البلقاء، فسألوا سليحا ً أن يدخلوا معهم فيما دخلوا فيه من طاعة ملك الروم، وأن يقيموا في البلاد، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فكتب رئيس سليح، وهو يومئذ دهمان بن العملق، إلى ملك الروم، وهو يومئذ نوشر، وكان مترله أنطاكية، فأجام إلى ذلك، وشرط عليهم شروطا ً، فأقاموا. ثم جرى بينهم وبين ملك الروم مشاجرة بسبب الإتاوة التي يقبضها ملك الروم، حتى أن رجلا ً من غسان يقال له جذع ضرب رجلا ً من أصحاب ملك الروم بسيفه، فقتله، فقال بعضهم: خذ من جذع ما أعطاك! فذهب مثلا ً، فحارم صاحب الروم، فأقاموا مليا ً يحاربونه ببصري من أرض دمشق، ثم صاروا إلى المخفف، فلما رأى ملك الروم صبرهم على الحرب، ومقاومتهم جيوشه، كره أن تكون ثلمة عليهم ،وطلب القوم الصلح على أن لا يكون عليهم ملك من غيرهم، فأجام ملك الروم إلى ذلك، فملك عليهم جفنة ابن علية بن عمرو بن عامر، واستقام الذي بينهم وبين الروم، وصارت أمورهم واحدة. وكان أول ملك جل قدره وعلا ذكره من غسان، بعد جفنة بن علية: الحارث بن مالك بن الحارث بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن حارثة بن عدي بن امرىء القيس بن مازن بن الأزد. وملك بعده الحارث الأكبر بن كعب بن علية بن عمرو بن عامر وكعب هو جفنة، وهو ابن مارية، وأمه مارية بنت عاديا بن عامر. ثم ملك أخوه الحارث الأعرج فترل الجولان. ثم ملك أخوه الحارث الأصغر. ثم ملك جبلة بن المنذر. ثم ملك الحارث بن جبلة. ثم ملك الأيهم بن جبلة. ثم جبلة بن الأيهم. وكان الحارث بن أبي شمر بن الأيهم مملكا ً بالأردن، وكان مترل جبلة دمشق، وفي جبلة بن الأيهم وأهله يقول حسان بن ثابت: يوما ً بجلق، في الزمان الأول الله در عصابةٍ نادمتهم شم الأنوف من الطراز الأول بيض الوجوه كريمة أحسابهم قبر ابن مارية الكريم المفضل أولاد جفنة حول قبر أبيهم لا يسألون عن السواد المقبل يغشون حتى ما تهر كلابهم بردى يصفق بالرحيق السلسل يسقون من ورد البريص عليهم ملوك الحيرة من اليمن قالت الرواة، وأهل العلم: إنه لما تفرق أهل اليمن قدم مالك بن فهم بن غنم بن دوس، حتى نزل أرض العراق في أيام ملوك الطوائف، فأصاب قوما ً من العرب من معد وغيرهم بالجزيرة فملكوه عشرين سنة. ثم أقبل جذيمة الأبرش، فتكهن، وعمل صنمين يقال لهما الضيزنان، فاستهوى أحياء من أحياء العرب ،حتى صار م إلى أرض العراق، وا دار اياد بن نزار، وكانت ديارهم بين أرض الجزيرة إلى أرض البصرة، فحاربوه، حتى إذا صار إلى ناحية يقال لها بقة على شط الفرات، بالقرب من الأنبار، وكان يملك الناحية امرأة يقال لها الزباء، وكانت شديدة الزهادة في الرجال، فلما صار جذيمة إلى أرض الأنبار ،واجتمع له من أجناده ما اجتمع، قال لأصحابه: إني قد عزمت على أن أرسل إلى الزباء، فأتزوجها ،وأجمع ملكها إلى ملكي! فقال غلام له يقال له قصير: إن الزباء لو كانت ممن تنكح الرجال لسبقت إليها! فكتب إليها، فكتبت إليه: أن أقبل إلى أزوجك نفسي فارتحل إليها، فقال له قصير: لم أر رجلا ً يزف إلى امرأة قبلك، وهذه فرسك العصا قد صنعتها، فاركبها، وأنج بنفسك! فلم يفعل، فلما دخل عليها كشفت عن فخذها، فقالت: أدأب عروس ترى؟ قال: دأب فاجرة، بظراء، غادرة. فقطعته الزباء ،وركب قصير الفرس العصا ونجا. ولما قتل جذيمة ملك مكانه ابن أخته عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث ابن مالك بن عمم بن نمارة بن لخم، فقال قصير لعمرو: لا تعصني أنت! قال: قل ما بدا لك! قال: أجدع أنفي، واقطع أذني، وخلني! ففعل ذلك، فصار إلى الزباء، وقال: إني كنت من النصح لجذيمة على ما رأيت، ولعمرو ابن أخته، حتى ملكته، فكان جزائي عنده أن فعل بي ما ترين، فجئتك لأكون في خدمتك، ولعل االله أن يجري قتل عمرو على يدك. ولم يزل يحتال لها حتى وجهته في تجارة فأتاها بأموال كثيرة مرة ً بعد مرة، فأعجبها ذلك، فوثقت به، فلما استحكمت ثقتها به صار إلى عمرو، فقال: أقعد الرجال في الصناديق! فحمل أربعة آلاف رجل على ألفي جمل، معهم السيوف، ثم أدخلهم مدينتها، وفيهم عمرو، وفرق الصناديق في منازل أصحاا، وأدخل عدة منها دارها، فلما كان الليل خرجوا، وقتلوا الزباء وخلقا ً من أهل مملكتها. وملك عمرو بن عدي خمسا ً وخمسين سنة. ثم ملك امرؤ القيس بن عمرو خمسا ً وثلاثين سنة. ثم ملك أخوه الحارث بن عمرو سبعا ً وثمانين سنة. ثم ملك عمرو بن امرىء القيس بن عمرو بن عدي أربعين سنة. ثم ملك المنذر بن امرىء القيس، وهو محرق، وإنما سمي محرقا ً لأنه أخذ قوما ً حاربوه، فحرقهم، فسمي لذلك محرقا ً. ثم ملك النعمان، وهو الذي بنى الخورنق، فبينما هو جالس ينظر منه إلى ما بين يديه من الفرات وما عليه من النخل والأجنة والأشجار، إذ ذكر الموت، فقال: وما ينفع هذا مع نزول الموت وفراق الدنيا! فتنسك ،واعتزل الملك، وإياه عنى عدي بن زيد حيث يقول: رف يوما ً وللهدى تفكير وتفكر رب الخورنق إذ أش لك، والبحر معرض، والسدير سره حاله، وكثرة ما يم طة حيٍ إلى الممات يصير؟ فارعوى قلبه، وقال: وما غب وملك بعده المنذر بن النعمان ثلاثين سنة. ثم ملك عمرو بن المنذر، وهو الذي قتل الحارث بن ظالم عنده خالد بن جعفر بن كلاب، فنذر دمه ،وطلبه، فطلب الحارث ابنه، وكان مسترضعا ً في آل سنان، فقتله. ثم ملك عمرو بن المنذر الثاني، وهو ابن هند، وكان يلقب مضرط الحجارة، وكان قد جعل الدهر يومين: يوما ً يصيد فيه، ويوما ً يشرب، فإذا جلس لشربه أخذ الناس بالوقوف على بابه، حتى يرتفع مجلس شرابه ،فقال فيه طرفة بن العبد: رغوثا ً، حول حجرتنا تخور فليت لنا مكان الملك عمرو كذاك الدهر يعدل، أو يجور قسمت الدهر في زمنٍ رخيٍ فضرتها مركنة درور من الزمرات أسبل قادماها ليخلط ملكه نوك كثير لعمرك !إن قابوس بن هندٍ تطير البائسات، ولا نطير لنا يوم، وللكروان يوم تطاردهن بالخسف الصقور فأما يومهن، فيوم سوءٍ وقوفا ً لا نحل، ولا نسير وأما يومنا، فنظل ركبا ً ولم يزل طرفة يهجوه ويهجو أخاه قابوسا ً، ويذكرهما بالقبيح، ويشبب بأخت عمرو، ويذكرها بالعظيم ،فكان مما قال فيه: طرا ً، وأدناهم من الدنس إن شرار الملوك قد علموا من يأتهم للخنا بمحتبس عمرو، وقابوس، وابن أمهما

عمرو وقابوس قينتا عرس يأت الذي لا تخاف سبته وقد خضخض ما للرجال كالفرس يصبح عمرو على الأمور وكان المتلمس حليفا ً لطرفة، فكان يساعده على هجائه، فقال لهما عمرو: قد طال ثواكما، ولا مال قبلي، ولكن قد كتبت لكما إلى عاملي بالبحرين يدفع لكل واحد منكما مائة ألف درهم، فأخذ كل واحد منهما صحيفة، فاستراب المتلمس بأمره، فلما صارا عند ر الحيرة لقيا غلاما ً عباديا ً فقال له المتلمس: أ تحسن أن تقرأ؟ قال: نعم! قال: اقرأ هذه الصحيفة! فإذا فيها: إذا أتاك المتلمس، فاقطع يديه ورجليه، فطرح الصحيفة، وقال لطرفة: في صحيفتك مثل هذا، قال: ليس يجترىء على قومي ذا، وأنا بذلك البلد أعز منه. فمضى طرفة إلى عامل البحرين، فلما قرأ صحيفته قطع يديه ورجليه، وصلبه. ثم ملك أخوه قابوس بن المنذر. ثم ملك المنذر بن المنذر أربع سنين، وكان هؤلاء الملوك من قبل الأكاسرة يؤدون إليهم الطاعة، ويحملون الخراج. وكانت قبائل معد مجتمعة عليهم، وكان أشدها امتناعا ً غطفان وأسد بن خزيمة، وكان يأتيهم الرجل من معد على جهة الزيارة، فيحيونه ويكرمونه، وكان ضمن إياهم من رؤساء القبائل الربيع بن زياد العبسي ،والحارث بن ظالم المري، وسنان بن أبي حارثة والنابغة الذبياني الشاعر، وكانت الملوك تعظم الشعراء ،وترفع أقدارهم لما يبقون لهم من المدح والذكر، فكان النابغة مقدما ً عند ملوكهم، ثم شبب بامرأة المنذر في قصيدته التي يقول فيها: سقط النصيف، ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد فنذر المنذر دمه، فهرب إلى الشام إلى ملوك غسان ثم اعتذر إلى المنذر يشعره الذي يقول فيه: فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع ويقول: نبئت أن أبا قابوس أوعدني ولا قرار على زأرٍ من الأسد وكان مع المنذر أهل بيت من بني امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم، وكان من أهل ذلك البيت عدي بن زيد العبادي، وكان خطيبا ً شاعرا ً قد كتب العربية والفارسية، وكان المنذر قد جعل عندهم ابنه النعمان ،فأرضعوه، وكان في حجورهم، فكتب كسرى إلى المنذر أن يبعث له بقوم من العرب يترجمون الكتب له ،فبعث بعدي بن زيد وأخوين له، فكانوا في كتابه يترجمون له، فلما مات المنذر قال كسرى لعدي بن زيد: هل بقي أحد من أهل هذا البيت يصلح للملك؟ قال: نعم! إن للمنذر ثلاثة عشر ولدا ً، كلهم يصلح لما يريد الملك، فبعث، فأقدمهم، وكانوا من أجمل أهل بيت المنذر، إلا ما كان من النعمان، فإنه كان أحمر أبرش قصيرا ً، فكان أهل بيت عدي بن زيد الذين ربوه، وأمه سبية يقال لها سلمى، يقال إا من كلب فأنزلهم عدي بن زيد كل واحد على حدته، وكان يفضل أخوه النعمان عليه في الترل، ويريهم أنه لا يرجوه، ويخلو م رجلا ً رجلا ً، ويقول لهم: إن سألكم الملك هل تكفوني العرب؟ فقولوا له: لن نكفيكهم، إلا النعمان. وقال للنعمان: إن سألك الملك عن إخوتك، فقل: إن عجزت عنهم، فأنا عن العرب أعجز. وكان من بني المنذر رجل يقال له الأسود، وكانت أمه من بني الرباب، وكان من الرجال، وكان يحضنه أهل بيت من الحيرة يقال لهم بنو مرينا، كانوا أشرافا ً، وكان منهم رجل يقال له عدي بن أوس بن مرينا ،كان ماردا ً شاعرا ً، وكان يقول للأسود بن المنذر: أخي النعمان، إنك قد عرفت أني لك راج، وأن طلبتي إليك ورغبتي أن تخالف عدي بن زيد، فإنه واالله ما ينصحك أبدا ً! فلم يلتفت إلى قوله، فلما أمر كسرى عدي بن زيد أن يدخلهم عليه، جعل يدخلهم رجلا ً رجلا ً، فكان يرى رجالا ً ما رأى مثلهم، فإذا سألهم: هل تكفوني ما كنتم تكفون؟ قالوا: لن نكفيك العرب، إلا النعمان. فلما دخل عليه النعمان رأى رجلا ً وسيما ً، فكلمه فقال: هل تستطيع أن تكفيني العرب؟ قال: نعم! قال: فكيف تصنع بإخوتك؟ قال: إن عجزت عنهم، فأنا عن غيرهم أعجز! فملكه، وكساه وألبسه اللؤلؤ، فلما خرج وقد ملك قال عدي بن أوس بن مرينا للأسود: دونك قد خالفت الرأي. ومضى النعمان مملكا ً على عدي بن مرينا، فأمر قوما ً من خاصة النعمان وأصحابه أن يذكروا عدي بن زيد عنده، ويقولوا: إنه يزعم أن الملك عامله، وأنه هو ولاه، ولولاه ما ولي، وكلاما ً نحو هذا، فلم يزالوا يتكلمون بحضرة النعمان، حتى احفظوه واغضبوه على عدي بن زيد، فكتب النعمان إلى عدي: عزمت عليك إلا زرتني! فاستأذن كسرى، وقدم عليه فلما صار إلى النعمان أمر بحبسه في حبس لا يصل إليه فيه أحد. وكان له مع كسرى أخوان يقال لأحدهما أبي والآخر سمي، وكانا عند كسرى، وكان أحدهما يسره هلاكه، والآخر يحب صلاحه، فجعل عدي يقول الشعر في محبسه، ويستعطف النعمان، ويذكر له حرمته، ويغظه بذكر الملوك المتقدمين، فلم ينفعه ذلك، وجعل أعداؤه من آل مرينا يحملون عليه النعمان ،ويقولون له: إن أفلت قتلك، وكان سبب هلاكك، فلما يئس عدي أن يجد عند النعمان خيرا ً كتب إلى أخيه: أبلغ أبيا ً على نأيه وهل ينفع المرء ما قد علم بان أخاك شقيق الفؤا د وكنت به والها ً ما سلملدى ملك موثق بالحدي د إما بحق، وأما ظلمفلا تلفين كذاك الغلا م ألا تجد عارما ً يعتزمفأرضك أرضك إن تأتنا تنم نومة ً ليس فيها حلم وكتب إلى ابنه عمرو بن عدي، وكانت له ناحية من كسرى: عظيم شقه، حزن، دخيل لمن ليل بذي حبس طويل وفي الساقين ذو حلق طويل وما ظلم امرىء في الجيد غل أتقعد لا أفك، ولا تصول ألا هبلتك أمك، عمرو بعدي وأنت مغيب غالتك غول ألم يحزنك أن أباك عانٍ وفي كلب فيصحبك الشمول تغنيك ابنة القين ابن جسر إذا علمت معد ما أقول فلو كنت الأسير، ولا تكنه بلاء كله حسن جميل وإن أهلك، فقد أبليت قومي فتقصرني المنية، أو تطول وما قصرت في طلب المعالي فقام أخوه وابنه ومن معهما إلى كسرى فكلماه في أمره، فكتب كسرى إلى النعمان يأمره بتخلية سبيله ،ووجه في ذلك رسولا ً قال: فسأل أبي بن زيد الرسول أن يبتدىء بعدي، فابتدأ الرسول به، فقال عدي: إنك إن فارقتني قتلت! قال: كلا! إنه لا يجترىء النعمان على الملك! فبلغ النعمان مصير رسول كسرى إلى عدي، فلما خرج من عنده، وجه إليه النعمان من قتله، ووضع على وجهه وسادة، حتى مات، ثم قال للرسول: إن عديا ً قد مات، وأعطاه وأجازه، وتوثق منه ألا يخبر كسرى إلا أنه وجده ميتا ً، وكتب إلى كسرى أنه مات. وكان عمرو بن عدي يترجم الكتب لكسرى، وطلب كسرى جارية، ووصف صفتها، فلم توجد له ،فقال له عمرو بن عدي بن زيد: أيها الملك! عند عبدك النعمان بنات له وقرابات على أكثر مما يطلب الملك، ولكنه يرغب بنفسه عن الملك، ويزعم أنه خير منه، فوجه كسرى إلى النعمان يأمره أن يبعث إليه ابنته ليتزوجها، فقال النعمان: أما في عين السواد وفارس ما بلغ الملك حاجته؟ فلما انصرف الرسول خبر كسرى بقول النعمان، فقال كسرى: وما يعني بالعين؟ قال عمرو بن عدي بن زيد: أراد البقر، ذهابا ً بابنته عن الملك، فغضب كسرى، وقال: رب عبد قد صار إلى أكبر من هذا، ثم صار أمره إلى تباب! فبلغت النعمان، فاستعد. وأمسك عنه كسرى شهرا ً، ثم كتب إليه بالقدوم عليه، فعلم النعمان ما أراد، فحمل سلاحه وما قوي عليه، ولحق بجبلي طي وكانت سعدى بنت حارثة عنده، فسأل طيئا ً أن يمنعوه من كسرى، فقالوا: لا قوة لنا به! فانصرف عنهم، وجعلت العرب تمتنع من قبوله، حتى نزل في بطن ذي قار، في بني شيبان، فلقي هانىء بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، فدفع إليه سلاحه، وأودعه بنته وحرمته، ومضى إلى كسرى، فترل ببابه، فأمر به فقيد، ثم وجه به إلى خانقين، فلقيه عمرو بن عدي بن زيد، فقال: يا نعيم! تصغيرا ً به، لقد شددت لك أواخي لا يقلعها إلا المهر الأرن! فقال: أرجو أن تكون قد قرنتها بقارح! فلما مضى به إلى خانقين طرح به تحت الفيلة، فداسته، حتى قتلته، وقرب للأسود فأكلته. ووجه كسرى إلى هانىء بن مسعود: أن ابعث إلى مال عبدي الذي عندك وسلاحه وبناته، فلم يفعل هانىء، فوجه إليه كسرى بجيش، فاجتمعت ربيعة، وكانت وقعة ذي قار، فمزقت العرب العجم، وكان أول يوم ظفرت فيه العرب بالعجم. ويروي عن رسول االله أنه قال: هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا. حرب كندة وكان بين كندة وحضرموت حروب أفنت عامتهم، وكانت كندة قد اجتمعت على رجلين أحدهما سعيد بن عمرو بن النعمان بن وهب، وكان على بني الحارث بن معاوية عمرو بن زيد، وشرحبيل بن الحارث على السكون، واجتمعت حضرموت على عدة رؤساء منهم: مسعر بن مستعر، وسلامة بن حجر، وشراحيل بن مرة وعدة بعد هؤلاء، فزال هؤلاء كلهم. وطالت الحرب بينهم، وفتنت رجالهم ،ودامت حتى ضرستهم، وكثر القتل في كندة. وملكت حضرموت علقمة بن ثعلب، وهو يومئذ غلام، فلأنت كندة بعض اللين وكرهت محاربة حضرموت، ودخل أهل اليمن التشتيت والتفريق، فلما افترق أهل اليمن وانتشروا في البلاد ملك كل قوم عظيمهم، وصارت كندة إلى أرض معد، فجاورم، ثم ملكوا رجلا ً منهم كان أول ملوكهم يقال له مرتع بن معاوية بن ثور، فملك عشرين سنة. ثم ملك ابنه ثور بن مرتع، فلم يقم إلا يسيرا ً حتى مات، فملك بعده معاوية بن ثور. ثم ملك الحارث بن معاوية، فكان ملكه أربعين سنة. ثم ملك وهب بن الحارث عشرين سنة. ثم ملك بعده حجر بن عمرو، آكل المرار، ثلاثا ً وعشرين سنة، وهو الذي حالف بين كندة وربيعة ،وكان تحالفهم بالذنائب. ثم ملك بعده عمرو بن حجر أربعين سنة، وغزا الشام، ومعه ربيعة، فلقيه الحارث بن أبي شمر، فقتله ،فملك بعده الحارث بن عمرو، وأمه ابنة عوف بن محلم الشيباني، ونزل بالحيرة، وفرق ملكه على ولده. وكان له أربعة أولاد: حجر، وشرحبيل، وسلمة الغلفاء، ومعديكرب، فملك حجرا ً في أسد وكنانة ،وملك شرحبيل على غنم وطيء والرباب، وملك سلمة الغلفاء على تغلب والنمر بن قاسط، وملك معديكرب على قيس بن عيلان، وكانوا يجاورون ملوك الحيرة فقتل الحارث، وقام ولده بما كان في أيديهم، وصبروا على قتال المنذر، حتى كافأوه. فلما رأى المنذر تغلبهم على أرض العرب نفسهم ذلك، وأوقع بينهم الشرور، فوجه إلى سلمة الغلفاء دايا، ثم دس إلى شرحبيل من قال له: إن سلمة أكبر منك، وهذه الهدايا تأتيه من المنذر، فقطع الهدايا ،فأخذها، ثم أغرى بينهما، حتى تحاربا، فقتل شرحبيل، فكانت معه تميم وضبة، فلما قتل خاف الناس أن يقولوا لأخيه سلمة: إن أخاك قد قتل، وجعل يسمع قولهم، فجزع لقتل أخيه، وندم على أن المنذر إنما أراد أن يقتل بعضهم بعضا ً، فقال: إن جنبي عن الفراش لناب كتجافي الأسر فوق الظراب من حديث نمى إلي، فما ير قأ دمعي، ولا أسيغ شرابي وتنكرت بنو أسد بحجر بن عمرو، وساءت سيرته فيهم، وكانت عنده فاطمة بنت ربيعة أخت كليب ومهلهل، فولدت له هندا ً، فلما خاف على نفسه حملها، فاجتمعت بنو أسد على قتله، فقتلوه، وادعى قبائل من بني أسد قتل حجر، وكان القائم بأمر بني أسد علباء بن الحارث أحد بني ثعلبة. وكان امرؤ القيس بن حجر غائبا ً، فلما بلغه مقتل أبيه جمع جمعا ً، وقصد لبني أسد، فلما كان في الليلة التي أراد أن يغير عليهم في صبيحتها نزل بجمعه ذلك، فذعر القطا، فطار عن مجاثمة، فمر ببني أسد، فقالت بنت علباء: ما رأيت كالليلة قطا أكثر! فقال علباء: لو ترك القطا لغفا ونام، فأرسلها مثلا ً. وعرف أن جيشا ً قد قرب منه، فارتحل، وأصبح امرؤ القيس، فأوقع بكنانة، فأصاب فيهم وجعل يقول: يا للثارات! فقالوا: واالله ما نحن إلا من كنانة! فقال: ألا يا لهف نفسي، بعد قوم هم كانوا الشفاء، فلم يصابوا وقاهم جدهم ببني أبيهم وبالأشقين ما كان العقابوأفلتهن علباء جريضا ً ولو أدركنه صفر الوطاب وفي هذا الوقت يقول عبيد بن الأبرص الأسدي لامرىء القيس بن حجر في قصيدة طويلة: يا ذا المعيرنا بقت ل أبيه إذلالا ً وحيناأزعمت أنك قد قت لت سراتنا كذبا ً وميناهلا على حجر بن أ م قطام تبكي لا عليناإنا إذا عض الثقا ف برأس صعدتنا لوينانحمي حقيقتنا، وبع ض القوم يسقط بين بينا وفي هذا يقول أيضا ً عبيد في قصيدة له طويلة: يا أيها السائل عن مجدنا إنك مستغبى بنا جاهل

فاسأل بنا يا أيها السائل إن كنت لم تأتك أنباؤنا يوم يؤتى جمعه الحافل سائل بنا حجرا ً، غداة الوغى وحاولت من خلفه كاهل يوم لقوا سعدا ً على مأقط كأنهن اللهب الشاعل فأوردوا سربا ً له ذبلا ً ومضى امرؤ القيس إلى اليمن لما لم يكن به قوة على بني أسد ومن معهم من قيس، فأقام زمانا ً، وكان يدمن مع ندامى له، فأشرف يوما ً، فإذا براكب مقبل، فسأله من أين أقبلت؟ قال: من نجد! فسقاه مما كان يشرب، فلما أخذت منه الخمرة رفع عقيرته، وقال: سقينا امرأ القيس بن حجر بن حارثٍ كؤوس الشجا حتى تعود بالقهروألهاه شرب ناعمٍ وقراقرٍ وأعياه ثأر كان يطلب في حجروذاك لعمري كان أسهل مشرعا ً عليه من البيض الصوارم والسمر ففزع امرؤ القيس لذلك، ثم قال: يا أخا أهل الحجاز! من قائل هذا الشعر؟ قال: عبيد بن الأبرص. قال: صدقت! ثم ركب، واستنجد قومه، فأمدوه بخمسمائة من مذحج، فخرج إلى أرض معد، فأوقع بقبائل من معد، وقتل الأشقر بن عمرو، وهو سيد بني أسد، وشرب في قحف رأسه، وقال امرؤ القيس في شعر له: قولا لدودان: عبيد العصا ما غركم بالأسد الباسليا أيها السائل عن شأننا ليس الذي يعلم كالجاهلحلت لي الخمر، وكنت امرأً عن شربها في شغلٍ شاغل وطلب قبائل معد امرأ القيس، وذهب من كان معه، وبلغه أن المنذر ملك الحيرة قد نذر دمه، فأراد الرجوع إلى اليمن، فخاف حضرموت، وطلبته بنو أسد وقبائل معد، فلما علم أنه لا قوة به على طلب المنذر واجتماع قبائل معد على طلبه، ولم يمكنه الرجوع، سار إلى سعد بن الضباب الإيادي، وكان عاملا ً لكسرى على بعض كور العراق، فاستتر عنده حينا ً، حتى مات سعد بن الضباب، فلما مات سعد خرج امرؤ القيس إلى جبلي طي، فلقي طريف بن الطائي، فسأله أن يجيره، فقال: واالله ما لي من الجبلين إلا موضع ناري! فترل بقوم من طيء ثم لم يزل ينتقل في طيء مرة، وفي جديلة مرة وفي نبهان مرة، حتى صار إلى تيماء، فترل بالسموأل بن عادياء، فسأله أن يجيره، فقال له: أنا لا أجير على الملوك، ولا أطيق حرم، فأودعه أدراعا ً، وانصرف عنه يريد ملك الروم حتى صار إلى قيصر ملك الروم، فاستنصره، فوجه معه تسعمائة من أبناء البطارقة. وكان امرؤ القيس قد مدح قيصر فسار الطماح الأسدي إلى قيصر فقال له: إن امرأ القيس شتمك في شعره وزعم أنك علج اغلف، فوجه قيصر إلى امرىء القيس بحلة قد نضح فيها السم، فلما ألبسها تقطع جلده وأيقن بالموت فقال: تأوبني دائي القديم فغلسا أحاذر أن يزداد دائي، فانكسالقد طمح الطماح، من بعد أرضه ليلبسني من دائه ما تلبسافلو أنها نفس تموت جميعة ولكنها نفس تساقط أنفساوهذه الأبيات في قصيدة له طويلة. وقال أيضا ً في حاله تلك: وأبلغ ذلك الحي الحريدا ألا أبلغ بني حجر بن عمرو ولم أخلق سلاما ً أو حديدا ً بأني قد بقيت بقاء نفس لقلت الموت حق لا خلودا ولو أني هلكت بأرض قومي سحيقا ً، من دياركم، بعيدا ولكني هلكت بأرض قومٍ ولا شاف فيسعف أو يجودا بأرض الشأم لا نسب قريب ومات امرؤ القيس بأنقرة من أرض الروم. ولد إسماعيل بن إبراهيم وإنما أخرنا خبر إسماعيل وولده، وختمنا م أخبار الأمم، لأن االله، عز وجل، ختم م النبوة والملك ،واتصل خبرهم بخبر رسول االله والخلفاء. ذكرت الرواة والعلماء: أن إسماعيل بن إبراهيم أول من نطق بالعربية، وعمر بيت االله الحرام بعد أبيه إبراهيم، وقام بالمناسك، وأنه كان أول من ركب الخيل العتاق، وكانت قبل ذلك وحوشا ً لا تركب. وقال بعضهم: إن إسماعيل أول من شق االله فاه باللسان العربي، فلما شب أعطاه االله القوس العربية، فرمى عنها، وكان لا يرمي شيئا ً إلا أصابه، فلما بلغ أخرج االله من البحر مائة فرس، فأقامت ترعى بمكة ما شاء االله، ثم ساقها االله إليه، فأصبح وهي على بابه، فرسنها وركبها، وأنتجها، وكانت دواب الناس البراذين ،وركبها إسماعيل وبنوه وولده، وفي إسماعيل يقول بعض شعراء معد: أبونا الذي لم تركب الخيل قبله ولم يدر شيخ قبله كيف تركب ويقال إنما سميت أجياد مكة لأن الخيل كانت فيها، فأوحى االله، عز وجل، إلى إسماعيل أن يأتي الخيل ، فأتاها، فلم تبق فرس إلا أمكنته من ناصيتها، فركبها وركبها ولده، فكان إسماعيل أول من ركب الخيل ،وأول من اتخذها، وأول من نفى أهل المعاصي عن الحرم، فقال: أعربه! فسميت العربة بذلك. وكان ولد جرهم بن عامر، لما صار إخوم من بني قحطان بن عامر إلى اليمن فملكوا صاروا هم إلى أرض امة فججاوروا إسماعيل بن إبراهيم، فتزوج إسماعيل الحتفاء بنت الحارث بن مضاض الجرهمي ،فولدت له اثني عشر ذكرا ً، وهم: قيدار، ونابت، وأدبيل، و مبشام، ومسمع، ودوما، ومسا، وحداد ،وتيما، ويطور، ونافس، وقيدما، وهذه الأسماء تختلف في الهجاء واللغة لأا مترجمة من العبرانية، فلما كملت لإسماعيل مائة وثلاثون سنة توفي، فدفن في الحجر، فلما توفي إسماعيل ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل، ويقال وليه قيدار، وبعد قيدار نابت بن إسماعيل. وافترق ولد إسماعيل يطلبون السعة في البلاد، وحبس قوم أنفسهم على الحرم، فقالوا: لا نبرح من حرم االله. ولما توفي نابت، وقد تفرق ولد إسماعيل، ولي البيت المضاض بن عمرو الجرهمي، جد ولد إسماعيل ،وذلك أن من بقي في الحرم من ولد إسماعيل كانوا صغارا ً، فلما ولي المضاض نازعه السميدع بن هوبر ،ثم ظهر عليه المضاض، فمضى السميدع إلى الشأم، وهو أحد ملوك العمالقة واستقام الأمر لمضاض حتى توفي. ثم ملك بعده الحارث بن مضاض، ثم ملك عمرو بن الحارث بن مضاض، ثم ملك المعتسم بن الظليم، ثم ملك الحواس بن جحش بن مضاض، ثم ملك عداد بن صداد بن جندل بن مضاض ثم ملك فتحص بن عداد بن صداد، ثم ملك الحارث بن مضاض بن عمرو وكان آخر من ملك من جرهم. وطغت جرهم، وبغت، وظلمت، وفسقت في الحرم، فسلط االله عليهم الذر، فأهلكوا به عن آخرهم ، وكان ولد إسماعيل منتشرين في البلاد يقهرون من ناواهم، غير أم كانوا يسلمون الملك لجرهم للخؤولة ،وكانت جرهم تطيعهم في أيامهم، ولم يكن أحد يقوم بأمر الكعبة في أيام جرهم غير ولد إسماعيل تعظيما ً منهم لهم، ومعرفة بقدرهم، فقام بأمر الكعبة بعد نابت أمين، ثم يشجب بن أمين، ثم الهميسع، ثم أدد ، فعظم شأنه في قومه، وجل قدره، وأنكر على جرهم أفعالها، وهلكت جرهم في عصره، ثم عدنان بن أدد ،ثم معد بن عدنان، ثم افترق ولد عدنان في البلاد، ولحق قوم منهم باليمن، منهم: عك، والديث ، والنعمان، فولد لعك من بنت أرغم بن جماهر الأشعري، ثم هلك، وبقي ولده بعده، فانتموا إلى الأخوال والدار. وكان عدنان أول من وضع الأنصاب وكسا الكعبة، وكان معد بن عدنان أشرف ولد إسماعيل في عصره، وكانت أمه من جرهم، ولم يبرح الحرم، فكان له من الولد عشرة أولاد، وهم: نزار، وقضاعة ،وعبيد الرماح وقنص، وقناصة، وجنادة، وعوف، وأود، وسلهم، وجنب، وكان معد يكنى أبا قضاعة ،فانتسب عامة ولد معد في اليمن، وكان لهم عدد كثير، وانتمت قضاعة إلى ملك حمير، وقضاعة، فيما يقال، ولد على فراش معد، وكان معد أول من وضع رحلا ً على جمل وناقة، وأول من زمها بالنسع. وكان نزار بن معد سيد بني أبيه وعظيمهم، ومقامه بمكة، وأمه ناعمة بنت جوشم بن عدي بن دب الجرهمية ، وكان له من الولد أربعة: مضر، واياد وربيعة، وأنمار، وأمهم سودة بنت عك بن عدنان ،ويقال إن أم مضر وأياد حيية بنت عك بن عدنان، وأم ربيعة وأنمار جدالة بنت وعلان ابن جوشم الجرهمي. ولما حضرت نزار الوفاة قسم ميراثه على ولده الأربعة، فأعطى مضر وأيادا وربيعة وأنمارا ماله، فمضر وربيعة: الصريحان من ولد إسماعيل، فأعطى مضر ناقته الحمراء وما أشبهها من الحمرة، فسمي مضر الحمراء، وأعطى ربيعة الفرس وما أشبهها، فسمي ربيعة الفرس، وأعطى إيادا ً غنمه وعصاه، وكانت الغنم برقاء، فسمي أياد البرقاء ويقال أياد العصا، وأعطى أنمارا ً جارية له تسمى بجيلة فسمي ا، وأمرهم أن تخالفوا أن يتحاكموا إلى الأفعى بن الأفعى الجرهمي، فكان مترله بنجران، فتحاكموا إليه. فأما أنمار بن نزار، فإنه تزوج في اليمن، فانتسب ولده إلى الخؤولة، فمنهم: بجيلة وخثعم لم يخرج من ولد نزار غيرهم. وأما ربيعة بن نزار، فإنه فارق إخوته، فصار مما يلي بطن عرق إلى بطن الفرات، فولد له أولاد منهم: أسد، وضبيعة، وأكلب، وتسعة بعدها، ولا ينسبون في اليمن. وانتشر ولد ربيعة بن نزار وولد ولده حتى كثروا، وامتلأت منهم البلاد، فجماهير قبائل ربيعة: ثة بن وهب بن جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة، وعترة بن أسد بن ربيعة، وعبد القيس ابن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، ويشكر بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب ابن أفصى، وحنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط وعجل بن لجيم ابن صعب بن علي بن بكر، وقيس بن ثعلبة بن عكابة بن علي بن بكر، وتيم اللات بن ثعلبة بن عكابة. وكانت الحكومة والرئاسة من ربيعة في بني ضبيعة ولد ثة بن وهب بن جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة، ثم تحولت الحكومة والرئاسة في ولد عترة بن أسد بن ربيعة، ثم تحولت في عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، ثم سارت عبد القيس، حتى نزلت اليمامة بسبب حرب كانت بينهم وبين بني النمر بن قاسط، وكانت إياد باليمامة، فأجلوهم، ثم صارت الرئاسة في النمر بن قاسط، ثم تحولت من النمر بن قاسط فصارت في بني يشكر بن صعب بن علي بن بكر، ثم تحولت الرئاسة من يشكر بن صعب، فصارت في بني تغلب، ثم صارت في بني شيبان. وكانت لربيعة أيام مشهورة وحروب معروفة، فمن مشهور أيامهم: يوم السلان، فإن مذحج أقبلت تريد غزو أهل امة ومن ا من أولاد معد، فاجتمع ولد معد لحرب مذحج وكان أكثرهم ربيعة، فرأسوا عليهم ربيعة بن الحارث بن مرة بن زهير بن جشم بن بكر، فالتقوا ومذحج بالسلان، فهزموا مذحجا ً ،وكان لهم الظفر. وأما يوم خزاز، فإن اليمن أقبلت، وعليهم سلمة بن الحارث بن عمرو الكندي، فرأست ولد معد كليب بن ربيعة بن الحارث بن مرة، فلما رأى سلمة كثرة القوم استجار ببعض الملوك، فأمده، فالتقوا بخزاز ،وعلى ولد معد كليب، ففضت جموع اليمن. وأما يوم الكلاب، فإن سلمة وشرحبيل ابني الحارث بن عمرو الكندي تحاربا، فكان مع سلمة ربيعة ومع شرحبيل قيس، فكثرت ربيعة قيسا ً، فقتلت شرحبيل بن الحارث بن عمرو، وكان لهم العلو. وأما أيام البسوس فإا بين بني شيبان وتغلب بسبب قتل جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان كليب بن ربيعة بن الحارث بن مرة بن زهير بن جشم التغلبي، فاشتبكت الحرب، واتصلت حتى أفنتهم، ودامت أربعين سنة. وأما يوم ذي قار، فإنه لما قتل كسرى أبرويز النعمان بن المنذر بعث إلى هانىء بن مسعود الشيباني: أن ابعث إلي ما كان عبدي النعمان استودعك من أهله وماله سلاحه، وكان النعمان أودعه ابنته وأربعة آلاف درع، فأبى هانىء وقومه أن يفعلوا، فوجه كسرى بالجيوش من العرب والعجم، فالتقوا بذي قار ،فأتاهم حنظلة بن ثعلبة العجلي، فقلدوه أمرهم، فقالوا لهانىء: ذمتك ذمتنا: ولا نخفر ذمتنا، فحاربوا الفرس، فهزموهم ومن معهم من العرب وكان مع الفرس إياس بن قبيصة الطائي وغيره من أخوه معد وقحطان، فأتى عمرو بن عدي بن زيد كسرى، وأخبره الخبر، فخلع كتفه، فمات، فكان أول يوم انتصرت فيه العرب من العجم. وأما إياد بن نزار، فإنه نزل اليمامة، فولد له أولاد انتسبوا في القبائل، فيقول النسابون: إن ثقيفا ً قسي بن النبت بن منبه بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن أياد، وام انتسبوا إلى قيس. وكانت ديار إياد، بعد اليمامة، الحيرة ومنازلهم الخورنق والسدير وبارق، ثم أجلاهم كسرى عن ديارهم ،فأنزلهم تكريت، مدينة قديمة على شط دجلة، ثم أخرجهم عن تكريت إلى بلاد الروم، فترلوا بأنقرة من أرض الروم، ورئيسهم يومئذ كعب بن مامة، ثم خرجوا بعد ذلك، فجماهير قبائل إياد أربعة: مالك ،وحذاقة، ويقدم، ونزار، فهذه بطون إياد، وفيهم يقول الأسود ابن يعفر التميمي: أهل الخورنق والسدير وبارقٍ والقصر ذي الشرفات من سنداد يمشون في الدفني والأبراد الواطئون على صدور نعالهم فكأنما كانوا على ميعاد عفت الرياح على محل ديارهم ماء الفرات يجيء من أطواد نزلوا بأنقرةٍ يسيل عليهم كعب بن مامة وابن أم دؤاد بلد تخيرها، لطول مقيلها وذكر أبو دؤاد الأيادي بعض ذلك، وكان أبو دؤاد أشعر شعرائهم، وبعده لقيط بالعراق، فلما بلغه أن كسرى آلى على نفسه أن ينفي إيادا ً من تكريت، وهي من أرض الموصل، كتب صحيفة بعث ا إليهم ، وفيها: سلام في الصحيفة من لقيطٍ إلى من بالجزيرة من إيادفإن الليث يأتيكم بياتا ً فلا يشغلكم سوق النقادأتاكم منهم سبعون ألفا ً يزجون الكتائب كالجراد وأما مضر بن نزار، فسيد ولد أبيه، وكان كريما ً حكيما ً، ويروى عنه أنه قال لولده: من يزرع شرا ً يحصد ندامة، وخير الخير أعجله، فاحملوا أنفسكم على مكروهها، فيما أصلحكم، واصرفوها عن هواها، فيما أفسدكم، فليس بين الصلاح والفساد إلا صبر ووقاية. وروي أن رسول االله قال: لا تسبوا مضر وربيعة، فإما كانا مسلمين، وفي حديث آخر: فإما كانا على دين إبراهيم، فولد مضر بن نزار إلياس بن مضر وعيلان بن مضر، وأمهما الحنفاء بنت أياد بن معد، فولد عيلان بن مضر قيس بن عيلان، فانتشر ولده وكثروا، و صار فيه العدد والمنعة، فجماهير قبائل قيس بن عيلان: عدوان بن عمرو بن قيس، وفهم بن عمرو بن قيس، ومحارب بن خصفة بن قيس، وباهلة بن أعصر بن سعد بن قيس، وفزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس، وسليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس، وعامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ومازن بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس، وسلول بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، وثقيف، وهو قسي بن منبه بن بكر بن هوازن، وثقيف ينسب إلى أياد بن نزار، وكلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وعقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقشير بن كعب بن ربيعة، والحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر، وعوف بن عامر بن ربيعة بن عامر، والبكاء بن عامر بن ربيعة. وكانت الرئاسة والحكومة في قيس، وانتقلت في عدوان، وكان أول من حكم منهم ورأس: عامر ابن الضرب، ثم صارت في فزارة، ثم صارت في عبس، ثم صارت في بني عامر بن صعصعة، ولم تزل فيهم. وكانت لقيس أيام مشهورة وحروب متصلة منها: يوم البيداء، ويوم شعب جبلة، ويوم الهباءة، ويوم الرقم، ويوم فيف الريح، ويوم الملبط، ويوم رحرحان، ويوم العرى، ويوم حرب داحس والغبراء بين عبس وفزارة. وكان الياس بن مضر قد شرف وبان فضله، وكان أول من أنكر على بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم، وظهرت منه أمور جميلة، حتى رضوا به رضا ً لم يرضوه بأحد من ولد إسماعيل بعد أدد، فردهم إلى سنن آبائهم حتى رجعت سنتهم تامة على أولها، وهو أول من أهدى البدن إلى البيت، وأول من وضع الركن بعد هلاك إبراهيم، فكانت العرب تعظم إلياس تعظيم أهل الحكمة، وكان لإلياس من الولد: مدركة، واسمه عامر، وطابخة، واسمه عمرو، وقمعة، واسمه عمير، وأمهم جميعا ً خندف، واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وكان إلياس قد أصابه السل، فقالت خندف امرأته: لئن هلك لا أقمت ببلد مات به! وحلفت ألا يظلها بيت، وأن تسيح في الأرض فلما مات خرجت سائحة في الأرض حتى هلكت حزنا ً. وكانت وفاته يوم الخميس، فكانت تبكيه، وإذا طلعت شمس ذلك اليوم بكت حتى تغيب، فصارت مثلا ً. وقيل لرجل من أياد هلكت امرأته: ألا تبكيها؟ فقال: لو أنه أغنى بكيت كخندف على الياس، حتى ملها السر تندب

إذا مؤنس لاحت خراطيم شمسه بكت غدوة حتى نرى الشمس تغرب يعني بقوله مؤنس: يوم الخميس، لأن العرب كانت تسمي الأيام بغير أسمائها في هذا الوقت، فكانت تسمى الأحد الأول، والإثنين أهون، والثلاثاء جبار، والأربعاء دبار، والخميس مؤنسا ً، و الجمعة عروبة ،والسبت شيار، وكانوا يسمون أيام الشهر عشرة أسماء كل ثلاث ليال اسم، فالثلاث التي أول الهلال الغرر، ثم النفل ثم التسع، ثم العشر، ثم البيض، ثم الظلم، ثم الخنس، ثم الحنادس، ثم المحاق، والآخر ليلة السرار، إذا استسر الهلال، وكانوا يسمون المحرم مؤتمرا ً، وصفرا ً ناجرا ً، وربيعا ً الأول خوان، وربيعا ً الآخر وبصان، وجمادى الأولى حنين، وجمادى الآخرة ربى، ورجبا ً الأصم، وشعبان العاذل، ورمضان ناتقا ً ، وشوالا ً وعلا ً، وذا القعدة ورنة، وذا الحجة بركا ً، وكان آخرون من العرب يسمون الثلاث ليال من أول الشهر هلالا ً، ثم ثلاث قمر حين يقمر، ثم ثلاث ر حين يضيء ويبهر لونه، وثلاث نقل، وثلاث بيض ،وثلاث درع، وثلاث ظلم، وثلاث حنادس، وثلاث دآدي، وليلتان محاق، وليلة سرار. وولد لطابخة بن إلياس أد بن طابخة، فتفرقت من ولد أد بن طابخة أربع قبائل، وهي: تميم بن مر بن أد، والرباب وهو عبد مناة بن أد، وضبة بن أد، ومزينة بن أد، وكان العدد في تميم بن مر بن أد، حتى امتلأت منهم البلاد ،وافترقت قبائل تميم، فمن جماهير قبائل تميم: كعب بن سعد بن زيد مناة، وحنظلة بن مالك بن زيد مناة ،وهم يسمون البراجم، وبنو دارم، وبنو زرارة ابن عدس وبنو أسد، وعمرو بن تميم، فهؤلاء ولد أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وفيهم العدد والمنعة والبأس والنجدة والشعر والفصاحة، وكانت الرئاسة في تميم، وكان أول رئيس فيهم: سعد بن زيد مناة بن تميم، ثم حنظلة بن مالك بن زيد مناة، وكانت لهم أيام مشهورة وحروب معروفة، فمنها يوم الكلاب، ويوم المروت، ويوم جدود، ويوم النسار. وكان مدركة بن إلياس سيد ولد نزار قد بان فضله، وظهر مجده، وخرج أخوه قمعة إلى خزاعة، فتزوج فيهم، وصار ينسب ولده معهم، وكان ولده فيهم، وكان من ولده عمرو بن لحي ابن قمعة، وهو أول من غير دين إبراهيم وولد مدركة بن إلياس خزيمة، وهذيلا ً، وحارثة، وغالبا ً، وأمهم سلمى ابنة الأسود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، ويقال: بنت أسد بن ربيعة بن نزار، وأما حارثة فدرج صغيرا ً، وأما غالب فانتسبوا في بني خزيمة، وأما هذيل بن مدركة، فإن العدد منهم في بني سعد بن هذيل، ثم تميم بن سعد، ثم في معاوية بن تميم والحارث بن تميم وهذيل شجعان أصحاب حروب وغارات ونجدة وفصاحة وشعر. وكان خزيمة أحد حكام العرب، ومن يعد له الفضل والسؤدد، فولد خزيمة بن مدركة كنانة، وأمه عوانة بنت قيس بن عيلان، وأسد والهون، وأمهم برة بنت مر بن أد بن طابخة أخت تميم ابن مر، فأما أسد بن خزيمة، فإن ولده انتشروا في اليمن، وهم: جذام، ولخم، وعاملة بنو عمرو بن أسد، وكانت مضر تدعي جذاما ً خاصة، وبنو أسد مقيمون على ام منهم يواصلوم على ذلك، ويعدوم منهم، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي: كما صبرت خزيمة عن جذام صبرنا عن عشيرتنا، فبانوا وقال عبد المطلب بن هاشم في شعر له: وخص بني سعد بها ثم وائل فقل لجذام إن أتيت بلادهم فيعطف منكم قبل قطع الوسائل أنيلوا، وأدنوا من وسائل قومكم وقال عبيد بن الأبرص في شعر له طويل: والقوم ينفعهم علم إذا علموا أبلغ جذاما ً ولخما ً إن عرضت لهم إذا تقسمت الأرحام والنسم بأنكم في كتاب االله إخوتنا ويقال: إن هذا الشعر لشمعان بن هبيرة الأسدي، فأما جذام بن عدي بن الحارث، فإا مقيمة على نسبها في اليمن، فتقول: جذام بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن يشجب بن عريب ابن مالك بن كهلان، وكان لأسد ابن خزيمة من الولد: دودان، وكاهل، وعمرو، وهند ،والصعب، وتغلب، وكان العدد في دودان، ومنه افترقت قبائل بني أسد. وقبائل بني أسد قعين، وفقعس، ومنقذ ودبان، ووالبة، ولاحق، وحرثان، ورئاب، وبنو الصيداء وكانت أسد منتشرة من لدن قصور الحيرة إلى امة، وكانت الطيء محالفة متفقة معها، ودارهما تكاد أن تكون واحدة ،وكانت محاربة لكندة، حتى قتلت حجر بن الحارث بن عمرو الكندي، وهرب امرؤ القيس، وذلت كندة، ثم حاربت بني فزارة، حتى قتلت بدر ابن عمرو، ثم اختلف الذي بينها وبين طيء ،فتحارب الحيان أسد وطيء حتى قتلوا لأم بن عمرو الطائي، وأسروا زيد بن مهلهل، وهو زيد الخيل ،وأخذوا السبايا، وقال زيد الخيل: وقيس بن أهبان وقيس بن جابر ألا أبلغ الأقياس: قيس بن نوفل وأبناءنا، واستمتعوا بالأباعر بني أسد ردوا علينا نساءنا إذا طرقت إحدى الليالي الغوابر وبالمال، إن المال أهون هالك بنو أسد، وأعفوا بأيد قوادر ولا تجعلوها سنة ً يقتدي بها فأطلقوه وردوا ظعائنهم لما سمعوا هذا الشعر، وبقي فرس لزيد، وكان زيد يحب الخيل، فقال زيد: يا بني الصيداء ردوا فرسي إنما يفعل هذا بالذليلعودوا مهري الذي عودته دلج الليل، وإيطاء القتيل فردوا عليه فرسه، وكانت بنو أسد تقول: قتلنا أربعة كلهم بنو عمرو، وكل سيد قومه، قتلنا حجر بن عمرو ملك كندة ولأم بن عمرو الطائي، وصخر بن عمرو السلمي، وبدر بن عمرو الفزاري. والهون بن خزيمة، وهو القارة، وإنما سموا القارة لأن بني كنانة لما خرجت بنو أسد بن خزيمة من امة ،وخالفوا كنانة، وضموا القليل إلى الكثير، جعلوا بني الهون بن خزيمة قارة بينهم لأحد دون أحد. ويقال إن بني الهون نزلوا أرضا ً منخفضة، والعرب يسمون الأرض المنخفضة القارة، فقيل لهم: أصحاب القارة، والقارة المرامي، فقال بعضهم: قد أنصف القارة من راماها، ويقال إن حربا ً جرت بين الهون بن خزيمة وبين بكر بن كنانة، فقال رجل من بني بكر: أيما أحب إليكم، المراماة، أو المسابقة؟ فقال رجل منهم: قد علمت سلم، ومن والاها أنا نصد الخيل عن هواهاقد أنصف القارة من راماها أما إذا ما فئة نلقاهانردها دامية ً كلاها وقبائل بني الهون بن خزيمة عضل وديش ابنا ييثع بن الهون بن خزيمة، فأما الحكم بن الهون ابن خزيمة، فإنه صار إلى اليمن، فحل بلاد مذحج، فولد له ا أولاد، ومات، فانتسب ولده إلى حكم بن سعد العشيرة. وظهر في كنانة بن خزيمة فضائل لا يحصى شرفها، وعظمته العرب، فروي أن كنانة أتي، وهو نائم في الحجر، فقيل له: تخير يا أبا النضر بين الهضيل أو الهدر، أو عمارة الجدر، أو عز الدهر! فقال: كل هذا يا رب! فأعطيه، فولد كنانة بن خزيمة النضر، وحدال، وسعدا ً، ومالكا ً، وعوفا ً، ومخرمة، وأمهم هالة بنت سويد بن الغطريف، وهو حارثة بن امرىء القيس ابن ثعلبة بن مازن بن الغوث، وعليا ً، وغزوان، وأمهما برة بنت مر، وجرولا ً، والحارث، وأمهما من أزد شنوءة، وعبد مناة، وأمه الذفراء، واسمها فكيهة بنت هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، فأما مخرمة، فيقال إم بنو ساعدة رهط سعد بن عبادة وبنو عبد مناة بن كنانة، فهم عدد كنانة، فمنهم: بنو ليث بن بكر بن عبد مناة، وبنو الدئل بن بكر، وبنو ضمرة بن بكر منهم: بنو غفار بن مليك بن ضمرة، وبنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة الذين أصام خالد بن الوليد بالغميصاء، وبنو مدلج بن مرة بن عبد مناة. ومن بني مالك بن كنانة بن خزيمة: بنو فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة ابن الحارث بن مالك ابن كنانة ،ومن بني فقيم كان النسأة، وهم القلامس كانوا ينسئون ويحلون ويحرمون، وكان أولهم حذيفة بن عبد فقيم الذي يسمى القلمس، ثم صار ذلك في ولده، فقام بعده عباد بن حذيفة ابنه، ثم بعد عباد قلع بن عباد، ثم أمية بن قلع، ثم عوف بن أمية، ثم جنادة بن عوف، وهو أبو ثمامة، ومنهم فراس بن غنم بن مالك بن كنانة، فهذه جماهير قبائل كنانة. وأما النضر بن كنانة، فكان أول من سمي القرشي، يقال إنه سمي القرشي لتقرشه وارتفاع همته، وقيل لتجارته ويساره، ويقال لدابة في البحر تسمى القرش، سمته أمه قريشا ً تصغير قرش، فمن لم يكن من ولد النضر بن كنانة، فليس بقرشي، فولد النضر بن كنانة مالكا ً، ويخلد ،والصلت، وكان النضر أبا الصلت، وأم ولد النضر عكرشة بنت عدوان ابن عمرو بن قيس بن عيلان ، وأما يخلد فلم يبق منهم أحد يعرف، وأما ولد الصلت، فصاروا في خزاعة، وكان من ولده كثير بن عبد الرحمن الشاعر، وهو الذي يقول في النسب: أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي بكل هجان من بني النضر أزهرا وكان مالك بن النضر عظيم الشأن، وكان له من الولد: فهر، والحارث، وشيبان، وأمهم جندلة بنت الحارث بن مضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي، ويقال إن اسم فهر بن مالك: قريش، وإنما فهر لقب ،والاسم قريش. وظهر في فهر بن مالك علامات فضل في حياة أبيه فلما هلك أبوه قام مقامه، وكان لفهر بن مالك من الولد: غالب، والحارث، ومحارب، وجندلة، وأمهم ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد ابن هذيل، فمن ولد الحارث ابن فهر ضبة بن الحارث رهط أبي عبيدة بن الجراح، ومن ولد محارب بن فهر شيبان بن محارب: رهط الضحاك بن قيس، وكان غالب بن فهر أفضلهم وأظهرهم مجدا ً، فيروي أن فهر بن مالك قال لابنه غالب، حين حضرته الوفاة: أي بني! إن في الحذر انغلاق النفس، وإنما الجزع قبل المصائب، فإذا وقعت مصيبة برد حرها، وإنما القلق في غلياا، فإذا قامت، فبرد حر مصيبتك بما ترى من وقع المنية أمامك وخلفك، وعن يمينك وعن شمالك، وما ترى في آثارها من محق الحياة، ثم اقتصر على قليلك، وإن قلت منفعته، فقليل ما في يدك أغنى لك من كثير مما أخلق وجهك إن صار إليك، فلما مات فهر شرف غالب ابن فهر وعلا أمره، وكان له من الولد لؤي، وتيم الأدرم، وأمهما عاتكة بنت يخلد بن النضر ابن كنانة، وتغلب، ووهب، و كثير، وحراق، هؤلاء لا بقية لهم، فأما تيم الأدرم، فإنه أعقب. وكان لؤي بن غالب سيدا ً شريفا ً بين الفضل، يروي أنه قال لأبيه غالب ابن فهر، وهو غلام حدث: يا أبه! رب معروف قل أخلافه، ونصر، يا أبه، من أخلفه أخمله، وإذا أخمل الشيء لم يذكر، وعلى المولى تكبير صغيره ونشره، وعلى المولى تصغير كبيرة وستره فقال له أبوه: يا بني إني أستدل بما أسمع من قولك على فضلك ،وأستدعي به الطول لك في قومك، فإن ظفرت بطول، فعد علي قومك، وأكف غرب جهلهم بحلمك ،والمم شعثهم برفقك، فإنما يفضل الرجال الرجال بأفعالهم، فإا على أوزاا، وأسقط الفضل ومن لم تعل له درجة على آخر لم يكن له فضل، وللعليا أبدا ً على السفلى فضل. فلما مات غالب بن فهر قام لؤي بن غالب مقامه. وكان للؤي من الولد: كعب، وعامر، وسامة، وخزيمة، وأمهم عائذة، وعوف والحارث، وجشم، وأمهم ماوية بنت كعب بن القين، وسعد بن لؤي، وأمه يسرة بنت غالب بن الهون بن خزيمة، فأما سامة بن لؤي، فإنه هرب من أخيه عامر بن لؤي، وذلك أنه كان بينهما شر، فوثب سامة على عامر ففقأ عينه ، فأخافه عامر، فهرب منه، فصار إلى عمان، فيقال إنه مر ذات يوم على ناقة له، فوضعت الناقة مشفرها في الأرض، فعلقتها أفعى ونفضتها، فوقعت على سامة، فنهشت الأفعى ساقه، فقتلته، فقال فيما يزعمون ،حين أحس بالموت: علقت ما بساقه العلاقه عين فأبكى لسامة بن لؤي يوم حلوا به، قتيلا ً لناقه لم يروا مثل سامة بن لؤي أن نفسي إليهما مشتاقه بلغا عامرا ً وكعبا ً رسولا ً ماجد قد خرجت من غير فاقه إن تكن في عمان داري، فإني حذر الموت لم تكن مهراقه رب كأس هرقت يا بن لؤي ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه رمت دفع الحتوف، يا بن لؤي فأما خزيمة بن لؤي، وهو عائذة، فإنه نزل في شيبان، فانتسب ولده في ربيعة، وأما الحارث وهو جشم وسعد، فإم نزلوا في هزان فانتسبوا فيهم، وفيهم يقول جرير بن الخطفى: بني جشم لستم لهزان، فانتموا لأعلى الروابي من لؤي بن غالب وأما عوف بن لؤي، فإنه خرج فيما يزعمون في ركب من قريش، حتى إذا كان في أرض غطفان أبطأ به بعيره، فانطلق من كان معه من قومه، فأتاه ثعلبة بن سعد بن ذبيان، فاحتبسه، وجعله له أخا ً، فصار نسبه في عوف بن سعد بن ذبيان قال الحارث بن ظالم، وهو من بني مرة بن عوف: ولا بفزارة الشعر الرقابا وما قومي بثعلبة بن سعد بمكة علموا مضر الضرابا وقومي إن سألت بني لؤي وترك الأقربين لنا انتسابا سفهنا باتباع بني بغيض وقال الحارث بن ظالم في ذلك أيضا ً: وإخوتهم نسبت إلى لؤي إذا فارقت ثعلبة بن سعد وحي هم أكارم كل حي إلى نسب كريم غير قرابين الإله بنو قصي فإن يبعد بهم نسبي، فمنهم وللحارث بن ظالم في هذا شعر كثير، وقد كان عمر بن الخطاب دعا بني عوف إلى أن يردهم إلى نسبهم في قريش، فشاوروا علي بن أبي طالب، فقال لهم: أنتم أشراف في قومكم، فلا تكونوا مستلحقين في قريش، فأما عامر بن لؤي فإنه كان له من الولد حسل بن عامر، و معيص بن عامر، وعويص بن عامر ،وأمهم امرأة من قرن، وليس لعويص بن عامر بقية، والبقية في حسل ومعيص. فأما كعب بن لؤي، فكان أعظم ولد أبيه قدرا ً، وأعظمهم شرفا ً، وكان أول من سمي يوم الجمعة بالجمعة، وكانت العرب تسميه عروبة، فجمعهم فيه، وكان يخطب عليهم، فيقول: اسمعوا، وتعلموا ، وافهموا، واعلموا أن الليل ساج، والنهار ضاح، والأرض مهاد، والسماء عماد، والجبال أوتاد، والنجوم أعلام، والأولون كالآخرين، والأبناء ذكر، فصلوا أرحامكم، واحفظوا أصهاركم، وثمروا أموالكم، فهل رأيتم من هالك رجع، أو ميت نشر الدار أمامكم، والظن غير ما تقولون، وحرمكم زينوه وعظموه ،وتمسكوا به، فسيأتي نبأ عظيم، وسيخرج منه نبي كريم، ثم يقول: نهار وليل كل يؤوب بحادث سواء علينا ليلها ونهارهايؤوبان بالأحداث حين يؤوبا وبالنعم الضافي علينا ستورها صروف، وأنباء تغلب أهلها لها عقد ما يستحل مريرهاعلى غفلة يأتي النبي محمد فيخبر أخبارا ً صدوقا ً خبيرها ثم يقول: يا ليتني شاهد نجوى دعوته، لو كنت ذا سمع، وذا بصر ويد ورجل تنصبت له تنصب العجل ،وأرقلت إرقال الجمل، فرحا ً بدعوته، جذلا ً بصرخته، فلما مات كعب أرخت قريش من موت كعب. وكان لكعب من الولد: مرة، وهصيص، وأمهما وحشية ابنه شيبان بن محارب بن فهر بن مالك، وعدي بن كعب، وأمه حبيبة بنت بجالة بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، فعدي بن كعب رهط عمر بن الخطاب، وولد هصيص بن كعب سهما ً وجمحا ً. وكان مرة بن كعب سيدا ً هماما ً، فتزوج هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، وكان سرير أول من نسأ الشهور، فولدت هند لمرة كلابا، ثم تزوج مرة بنت سعد بن بارق، فولدت له تيما ويقظة، فتيم بن مرة رهط أبي بكر، ومخزوم بن يقظة بن مرة رهطه أيضا ً. وشرف كلاب بن مرة، وجل قدره، واجتمع له شرف الأب والجد من قبل الأم لأم كانوا يجيزون الحج، ويحرمون الشهور، ويحللوا ،فكانوا يسمون النسأة والقلامس، وكان لكلاب بن مرة من الولد: قصي، وزهرة، وفيهما قال رسول االله: صريحا قريش بن كلاب، وأمهما فاطمة بنت سعد بن سيل الأزدي، وكان سعد بن سيل أول من حليت له السيوف بالذهب والفضة، وله يقول الشاعر: لا أرى في الناس شخصا ً واحدا ً فاعلموا ذاك، كسعد بن سيل فلما مات كلاب تزوجت فاطمة بنت سعد بن سيل ربيعة بن حرام العذري، فخرج ا إلى بلاد قومه ، فحملت قصيا ً معها، وكان اسمه زيدا ً، فلما بعد من دار قومه سمته قصيا ً، فلما شب قصي، وهو في حجر ربيعة، قال له رجل من بني عذرة: الحق بقومك، فإنك لست منا! فقال: ممن أنا؟ فقال: سل أمك! فسألها، فقالت: أنت أكرم منه نفسا ً، وولدا ً، ونسبا ً! أنت ابن كلاب بن مرة، وقومك آل االله، وفي حرمه. وكانت قريش لم تفارق مكة إلا ام لما كثروا قلت المياه عليهم، فتفرقوا في الشعاب، فكره قصي الغربة ،وأحب أن يخرج إلى قومه، فقالت له أمه: لا تعجل حتى يدخل الشهر الحرام، فتخرج في حجاج قضاعة فإني أخاف عليك! فلما دخل الشهر الحرام شخص معهم حتى قدم مكة، وأقام قصي بمكة، حتى شرف وعز وولد له الأولاد. وكانت حجابه البيت إلى خزاعة، وذلك أن الحجابة كانت إلى أياد، فلما أرادوا الرحيل عن مكة حملوا الركن على جمل، فلم ينهض الجمل، فدفنوه، وخرجوا، وبصرت م امرأة من خزاعة حين دفنوه، فلما بعدت أياد اشتد ذلك على مضر، وأعظمته قريش وسائر مضر، فقالت الخزاعية لقومها: اشرطوا على قريش وسائر مضر أن يصيروا إليكم حجابه البيت، حتى أدلكم على الركن، ففعلوا ذلك، فلما أظهروا الركن صيروا إليهم الحجابة، فقدم قصي بن كلاب مكة، والحجابة إلى خزاعة، والإجازة إلى صوفة، وهو الغوث بن مر أخي تميم وكان الحج وإجازة الناس من عرفات إليه، ثم صارت إلى عقبه من بعده، وبنو القيس بن كنانة ينسئون الشهور، ويحلون، ويحرمون، فلما رأى قصي ذلك جمع إليه قومه من بني فهر بن مالك، وحازهم إليه ،فلما حضر الحج حال بين صوفة وبين الإجازة، وقامت معه خزاعة وبنو بكر ،وعلموا أن قصيا سيصنع م كما صنع بصوفه، وأنه سيحول بينهم وبين أمر مكة وحجابه البيت ،وانحازوا عنه، وصاروا عليه، فلما رأى ذلك أجمع لحرم، وبعث إلى أخيه من أمه دراج بن ربيعة العذري، فأتاه أخوه بمن قدر عليه من قضاعة، وقيل: وافى دراج، وقصي قد نصب لحرب القوم، ودراج يريد البيت، فأعان أخاه بنفسه وقومه، فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً بالأبطح، حتى كثرت القتلى في الفريقين، ثم تداعوا إلى الصلح، وأن يحكم ما بينهم رجل من العرب فيما اختلفوا فيه، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن ليث ابن بكر بن كنانة، فقضى بينهم بأن قصيا ً أولى بالبيت وأمر مكة من خزاعة، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع يشدخه تحت قدميه، وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش ففيه الدية، فودوا خمسا ً و عشرين بدنة وثلاثين حرجا ً، وأن يخلوا بين قصي وبين البيت ومكة ،فسمي يعمر الشداخ. ولم يكن بمكة بيت في الحرم، إنما كانوا يكونون ا ارا ً، فإذا أمسوا خرجوا، فلما جمع قصي قريشا ً ، وكان أدهى من رئي من العرب، أنزل قريشا ً الحرم، وجمعهم ليلا ً، وأصبح م حول الكعبة، فمشت إليه أشراف بني كنانة وقالوا: إن هذا عظيم عند العرب، ولو تركناك ما تركتك العرب. فقال: واالله لا أخرج منه، فثبت. وحضر الحج، فقال لقريش: قد حضر الحج، وقد سمعت العرب ما صنعتم، وهم لكم معظمون، ولا أعلم مكرمة عند العرب أعظم من الطعام، فليخرج كل إنسان منكم من ماله خرجا ً! ففعلوا، فجمع من ذلك شيئا ً كثيرا ً، فلما جاء أوائل الحج نحر على كل طريق من طرق مكة جزورا ً، ونحر بمكة، وجعل حظيرة ،فجعل فيها الطعام من الخبز واللجم، وسقى الماء واللبن، وغدا على البيت، فجعل له مفتاحا ً وحجبة ، وحال بين خزاعة وبينه، فثبت البيت في يد قصي، ثم بنى داره بمكة، وهي أول دار بنيت بمكة ،وهي دار الندوة. وروى بعضهم أنه لما تزوج قصي إلى حليل بن حبشية الخزاعي حبي ابنته، وولدت له، أوصى حليلا ً عند موته بولاية البيت إلى قصي، وقال: إنما ولدك ولدي، وأنت أحق بالبيت، وكانت حبى بنت حليل بن حبشية قد ولدت لقصي بن كلاب، عبد مناف، وعبد الدار، وعبد العزى، وعبد قصي، وقال آخرون: دفع حليل بن حبشية المفتاح إلى أبي غبشان، وهو سليمان ابن عمرو بن بوي بن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر، فاشتراه قصي منه وولاية البيت بزق خمر وقعود، فقيل: أخس من صفقة أبي غبشان، ووثبت خزاعة، فقالت: لا نرضى بما صنع أبو غبشان، فوقعت بينهم الحرب، فقال بعضهم: أبو غبشان أظلم من قصي وأظلم من بني فهر خزاعة فلا تلحوا قصيا ً في شراه ولوموا شيخكم إذ كان باعه فولي قصي البيت وأمر مكة والحكم، وجمع قبائل قريش، فأمر لهم بأبطح مكة، وكان بعضهم في الشعاب ورؤوس الجبال، فقسم منازلهم بينهم، فسمي مجمعا ً، وفيهم يقول الشاعر: أبوكم قصي كان يدعى مجمعا ً به جمع االله القبائل من فهر وملكه قومه عليهم، فكان قصي أول من أصاب الملك من ولد كعب بن لؤي، فلما قسم أبطح مكة أرباعا ً بين قريش، هابوا أن يقطعوا شجر الحرم ليبنوا منازلهم، فقطعها قصي بيده، ثم استمروا على ذلك. وكان قصي أول من أعز قريشا ً، وظهر به فخرها، ومجدها، وسناها، وتقرشها، فجمعها، و أسكنها مكة ،وكانت قبل متفرقة الدار، قليلة العز، ذليلة البقاع، حتى جمع االله ألفتها، وأكرم دارها، وأعز مثواها. وكانت قريش كلها بالأبطح خلا بني محارب والحارث ابني فهر، ومن بني تيم بن غالب، وهو الأدرم ،وبني عامر بن لؤي، فإم نزلوا الظواهر، ولما حاز قصي شرف مكة كلها، وقسمها بين قريش ، واستقامت له الأمور، ونفى خزاعة، هدم البيت، ثم بناه بنيانا ً لم يبنه أحد، وكان طول جدرانه تسع أذرع، فجعله ثماني عشرة ذراعا ً، وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل، وبنى دار الندوة. وكان لا ينكح رجل من قريش، ولا يتشاورون في أمر، ولا يعقدون لواء بالحرب، ولا يعذرون غلاما ً، إلا في دار الندوة ،وكانت قريش في حياته، وبعد وفاته، يرون أمره كالدين المتبع، وكان أول من حفر بمكة بعد إسماعيل بن إبراهيم، فحفر العجول في أيام حياته، و بعد وفاته، ويقال إا في دار أم هانىء بنت أبي طالب. وكان قصي أول من سمي الدابة الفرس، وكانت له دابة يقال لها العقاب السوداء، وكان لقصي من الولد عبد مناف، وكان يدعى القمر، وهو السيد النهر، واسمه المغيرة، وعبد الدار وعبد العزى، وعبد قصي ،ويقال إن قصيا ً قال: سميت اثنين بإلهي، وآخر بداري، وآخر بنفسي. وقسم قصي بين ولده، فجعل السقاية والرئاسة لعبد مناف، والدار لعبد الدار، والرفادة لعبد العزى، وحافتي الوادي لعبد قصي، وقال قصي لولده: من عظم لئيما ً شاركه في لؤمه، ومن استحسن مستقبحا ً شركه فيه، ومن لم تصلحه كرامتكم، فدلوه وانه، فالدواء يحسم الداء. ومات قصي، فدفن بالحجون، ورأس عبد مناف بن قصي ،وجل قدره، وعظم شرفه ولما كبر أمر عبد مناف ابنه جاءته خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة يسألونه الحلف ليعزوا به، فعقد بينهم الحلف الذي يقال له حلف الأحابيش، وكان مدبر بني كنانة الذي سأل عبد مناف عقد الحلف: عمرو بن هلل بن معيص بن عامر، وكان تحالف الأحابيش على الركن: يقوم رجل من قريش وآخر من الأحابيش، فيضعان أيديهما على الركن، فيحلفان باالله القاتل، وحرمة هذا البيت، والمقام، والركن، والشهر الحرام على النصر على الخلق جميعا ً، حتى يرث االله الأرض ومن عليها، وعلى التعاقد، وعلى التعاون على كل من كادهم من الناس جميعا ً ما بل بحر صوفة، وما قام حري وثبير، وما طلعت شمس من مشرقها إلى يوم القيامة، فسمي حلف الأحابيش. فولد عبد مناف بن قصي هاشما ً، واسمه عمرو، وكان يقال له عمرو العلى ،وسمي هاشما ً، لأنه كان يهشم الخبز، ويصب عليه المرق واللحم في سنة شديدة نالت قريشا ً، وعبد شمس، والمطلب، ونوفلا ً، وأبا عمرو، وحنة، وتماضر، وأم الأخثم، وأم سفيان، وهالة، و قلابة، وأمهم جميعا ً، إلا نوفلا ً وأبا عمرو: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان ابن ثعلبة بن ثة بن سليم، فولدت له هؤلاء، وهي التي جرت حلف الأحابيش وأم نوفل وأبي عمرو: وافدة بنت أبي عدي، وهو عامر بن عبد م من بني عامر بن صعصعة، ويقال إن هاشما ً وعبد شمس كانا توأمين، فخرج هاشم، وتلاه عبد شمس، وعقبه ملتصق بعقبه، فقطع بينهما بموسى، فقيل: ليخرجن بين ولد هذين من التقاطع ما لم يكن بين أحد. وشرف هاشم بعد أبيه، وجل أمره، واصطلحت قريش على أن يولي هاشم بن عبد مناف الرئاسة والسقاية والرفادة فكان إذا حضر الحج قام في قريش خطيبا ً، فقال: يا معشر قريش! إنكم جيران االله وأهل بيته الحرام، وأنه يأتيكم في هذا الموسم زوار االله يعظمون حرمة بيته، فهم أضياف االله، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه، وقد خيركم االله بذلك، وأكرمكم به، ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره، فأكرموا ضيفه وزواره، فإم يأتون شعثا ً غبرا ً من كل بلد على ضوامر كالقداح، وقد أعيوا وتفلوا، وقملوا، وأرملوا، فأقروهم، وأغنوهم! فكانت قريش ترافد على ذلك. وكان هاشم يخرج مالا ً كثيرا ً، ويأمر بحياض من أدم، فتجعل في موضع زمزم، ثم يسقى فيها من الآبار التي بمكة، فيشرب منها الحاج، وكان يطعمهم بمكة ومنى وعرفة وجمع، وكان يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق، ويحمل لهم المياه، حتى يتفرق الناس إلى بلادهم، فسمي هاشما ً. وكان أول من سن الرحلتين: رحلة الشتاء إلى الشام ورحلة الصيف إلى الحبشة إلى النجاشي، وذلك أن تجارة قريش لا تعدو مكة، فكانوا في ضيق، حتى ركب هاشم إلى الشام، فترل بقيصر، فكان يذبح في كل يوم شاة، ويضع جفنة بين يديه، ويدعو من حواليه. وكان من أحسن الناس وأجملهم، فذكر لقيصر، فأرسل إليه، فلما رآه، وسمع كلامه، أعجبه، وجعل يرسل إليه، فقال هاشم: أيها الملك إن لي قوما ً، وهم تجار العرب، فتكتب لهم كتابا ً يؤمنهم ويؤمن تجارام، حتى يأتوا بما يستطرف من أدم الحجاز وثيابه، ففعل قيصر ذلك، وانصرف هاشم، فجعل كلما مر بحي من العرب أخذ من أشرافهم الإيلاف أن يأمنوا عندهم وفي أرضهم، فأخذوا الإيلاف من مكة والشام. قال الأسود بن شعر الكلبي: كنت عسيفا ً لعقيله من عقائل الحي اركب الصعبة والذلول، لا أليق مطرحا ً من البلاد أرتجي فيه ربحا ً من الأموال، إلا يرغب إليه من الشام بخرثيه، وأثاثه، أريد كبة العرب، فعدت ،ودهم الموسم فدفعت إليها مسدفا ً، فحبست الركاب، حتى انجلى عني قميص الليل، فإذا قباب سامية مضروبة من أدم الطائف، وإذا جزر تنحر وأخرى تساق وأكله وجبنه على الظهار إلا عجلوا ! فبهرني ما رأيت، فتقدمت أريد عميدهم، وعرف رجل شأني، فقال: إمامك! فدنوت، فإذا رجل على عرش سام تحته نمرقة قد كار عمامة سوداء، واخرج من ملاثمها جمة فينانه، كان الشعرى تطلع من جبينه، وفي يده مخصرة، وحوله مشيخة جله منكسو الأذقان، ما منهم أحد يفيض بكلمة، ودوم خدم مشمرون إلى أنصاف، وإذا برجل مجهر على نشز من الأرض ينادي: يا وفد االله، هلموا الغداء! وانسيان على طريق من طعم يناديان: يا وفد االله! من تغدى فليرجع إلى العشاء! وقد كان نمى إلى من حبر من أحبار اليهود: إن النبي الأمي هذا أوان توكفه، فقلت: لأعرف ما عنده، يا نبي االله! فقال: مه، وكان قد له، فقلت لرجل كان إلى جانبي: من هذا؟ فقال: أبو نضلة هاشم بن عبد مناف، فخرجت، وأنا أقول: هذا واالله اد لا مجد آل جفنة، ومر مطرود بن كعب الخزاعي برجل مجاور في بني هاشم، وبنات له وامرأة في سنة شديدة، فخرج يحمل متاعه ورحله هو وولده وامرأته لا يؤويه أحد، فقال مطرود الخزاعي: هلا نزلت بآل عبد مناف؟ يا أيها الرجل المحول رحله ضمنوك من جوع ومن إقراف هبلتك أمك لو حللت بدارهم ورجال مكة مسنتون عجاف عمرو العلى هشم الثريد لقومه عند الشتاء ورحلة الأصياف نسبوا إليه الرحلتين كليهما والراحلون لرحلة الإيلاف الآخذون العهد في آفاقها وخرج هاشم بتجارات عظيمة يريد الشام، فجعل يمر بأشراف العرب، فيحمل لهم التجارات، ولا يلزمهم لها مؤونة، حتى صار إلى غزة، فتوفي ا ولما هلك هاشم بن عبد مناف جزعت قريش، وخافت أن تغلبها العرب، فخرج عبد شمس إلى النجاشي ملك الحبشة فجدد بينه وبينه العهد، ثم انصرف، فلم يلبث أن مات بمكة، ودفن بالحجون، وخرج نوفل إلى العراق، وأخذ عهدا من كسرى، ثم أقبل، فمات بموضع يقال له سلمان، وقام بأمر مكة المطلب بن عبد مناف. وكان لهاشم من الولد عبد المطلب ،والشفاء، وأمهما سلمى بنت عمرو بن زيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، واسم النجار تيم االله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، ونضلة ابن هاشم وأمه أميمة بنت عدي بن عبد االله، وأسد أبو فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب، وأمه قيلة بنت عامر ابن مالك بن المطلب، وأبو صيفي انقرض نسله، إلا من رقيقة بنت أبي صيفي، وصيفي درج صغيرا ً، وأمهما هند بنت عمرو بن ثعلبة بن الخزرج ، وضعيفة وخالدة، وأمهما واقده بنت أبي عدي، وحنة بنت هاشم، وأمها أم عدي بنت حبيب بن الحارث الثقفية. وكان هاشم لما أراد الخروج إلى الشام حمل امرأته سلمى بنت عمرو إلى المدينة لتكون عند أبيها وأهلها، ومعه ابنه عبد المطلب، فلما توفي أقامت بالمدينة. وكان المطلب بن عبد مناف قد قام بأمر مكة بعد أخيه هاشم، فلما كبر عبد المطلب بلغ المطلب مكانه ووصف له حاله، ومر رجل من امة بالمدينة، فإذا غلمان يتناضلون، وإذا غلام فيهم إذا أصاب قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء! فقال له الرجل: من أنت يا غلام؟ قال: أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف فانصرف الرجل، حتى قدم مكة فوجد المطلب بن عبد مناف جالسا ً في الحجر ،فقال: يا أبا الحارث، علمت أني جئت من يثرب، فوجدت غلمانا ً يتناضلون. وقص عليه ما رأى من عبد المطلب قال: و إذا أظرف غلام ما رأيته قط. قال المطلب: أغفلته، أما واالله لا أرجع إلى أهلي حتى آتيه! فخرج المطلب حتى أتى المدينة عشاء، ثم خرج على راحلته حتى أتى بني عدي بن النجار، فلما نظر إلى ابن أخيه قال: هذا ابن هاشم؟ قال القوم: نعم! وعرف القوم المطلب، قالوا: هذا ابن أخيك، فإن أردت أخذه الساعة لا تعلم أمه، فإا إن علمت حلنا بينك وبينه. فأناخ راحلته، ثم دعاه: يا ابن أخي! أنا عمك وقد أردت الذهاب بك إلى قومك، فاركب! فما كذب عبد المطلب أن جلس على عجز الراحلة ، وجلس المطلب على الرحل، ثم بعثها، فانطلقت، فلما علمت أمه علقت تدعو حرا، فأخبرت أن عمه ذهب به. ودخل المطلب مكة، وهو خلفه، والناس في أسواقهم ومجالسهم، فقاموا يرحبون به، ويحيونه، ويقولون: من هذا معك؟ فيقول: عبدي ابتعته بيثرب، ثم خرج حتى أتى الحزورة، فابتاع له حلة، ثم أدخله على امرأته خديجة بنت سعيد بن سهم، فلما كان العشي ألبسه، ثم جلس في مجلس بني عبد مناف، وأخبرهم خبره، وجعل بعد ذلك يخرج في تلك الحلة، فيطوف في سكك مكة، وكان أحسن الناس، فتقول قريش: هذا عبد المطلب! فلج اسمه عبد المطلب، وترك شيبة. ولما حضر رحيل المطلب إلى اليمن قال لعبد المطلب: أنت يا ابن أخي أولى بموضع أبيك، فقم بأمر مكة. فقام مقام المطلب، فتوفي المطلب في سفره ذلك بردمان، فقام عبد المطلب بأمر مكة، وشرف وساد، وأطعم الطعام، وسقى اللبن والعسل، حتى علا اسمه، وظهر فضله، وأقرت له قريش بالشرف، فلم يزل كذلك. قال محمد بن الحسن: لما تكامل لعبد المطلب مجده وأقرت له قريش بالفضل، رأى، وهو نائم في الحجر ،آتيا أتاه، فقال له: قم يا أبا البطحاء، واحفر زمزم حفيرة الشيخ الأعظم. فاستيقظ، فقال: اللهم بين لي في المنام مرة أخرى، فرآه يقول: قم فاحفر برة! قال: وما برة؟ قال: مضنة ضن ا على العالمين، وأعطيتها ،ثم رأى قائلا يقول له: قم يا أبا الحارث، فاحفر زمزم لا تترف ولا تذم، تروى الحج الأعظم، ثم رأى ثالثة: قم فاحفر! قال: وما أحفر؟ قال: احفر بين الفرث والدم عند مبحث الغراب الأعصم وقرية النمل ،فإذا أبصرت الماء، فقل: هلم إلى الماء الروا، أعطيته على رغم العدا فلما استيقن عبد المطلب أنه قد صدق جلس عند البيت مفكرا في أمره، وذبحت بقرة بالحزورة، فأفلتت، وأقبلت تسعى، حتى طرحت نفسها موضع زمزم، فسلخت هناك، وقسم لحمها، وبقي الفرث والدم، فقال عبد المطلب: االله أكبر! ثم سعى لينظر، فإذا قرية نمل مجتمع في الأرض، فانطلق، فأتى بمعول، وابنه الحارث وحيده، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: ما هذه؟ قال: أمرني ربي أن أحفر ما يروي الحجيج الأعظم! فقالوا له: أمر ربك بالجهل، لم لا تحفر في مسجدنا؟ قال: بذلك أمرني ربي. فلم يحفر إلا قليلا ً، حتى بدا الطي، فكبر، واجتمعت قريش ،فعلمت لما رأت الطي أنه قد صدق، وليس له من الولد يومئذ إلا الحارث، فلما رأى وحدته قال: اللهم! إن لك علي نذرا ً، إن وهبت لي عشرة ذكورا ً، أن أنحر لك أحدهم وحفر حتى وجد سيوفا ً، وسلاحا ً ،وغزالا ً من ذهب مقرطا ً، مجزعا ً، ذهبا ً وفضة، فلما رأت قريش ذلك قالوا: يا أبا الحارث من فوق الأرض ومن تحتها، فأعطنا هذا المال الذي أعطاك االله، فإا بئر أبينا إسماعيل، فأشركنا معك! فقال: إني لم أؤمر بالمال إنما أمرت بالماء، فأمهلوني! فلم يزل يحفر حتى بدا الماء، فكثر، ثم قال: بحرها لا تترف، وبنى عليها حوضا ً وملأه ماء، ونادى: هلم إلى الماء الروا، أعطيته على رغم العدا. وكانت قريش تفسد ذلك الحوض وتكسره، فرأى في المنام: أن قم، فقل: اللهم! إني لا أحله لمغتسل، ولكن لشارب حل، فقام عبد المطلب ،فقال ذلك، فلم يكن يفسد ذلك الحوض أحد إلا رمي بداء من ساعته، فتركوه. ولما استقام له الماء دعا ستة قداح، فجعل الله قدحين أسودين، وجعل للكعبة قدحين أبيضين، وجعل لقريش قدحين أحمرين، ثم أخذها بيده، واستقبل الكعبة، ثم أفاض، وهو يقول: يا رب أنت الأحد الفرد الصمد إن شئت ألهمت الصواب والرشد وزدت في المال، وأكثرت الولد إني مولاك على رغم معدثم ضرب فخرج الأسودان الله، فقال قال ربكم: هو مالي، ثم أفاض، وهو يقول: لهم أنت الملك المحمود وأنت ربي المبدىء المعيد من عندك الطارف والتليد إن شئت ألهمت بما تريد فخرج الأبيضان للكعبة، فقال: أخبرني ربي أن المال كله له، فحلى به الكعبة، وجعله صفائح على باب الكعبة، وكان أول من حلي الكعبة. ولما رأت قريش ما أعطيه نفست ذلك عليه، فقالت: أنا لشركاء معك لأا بئر أبينا إسماعيل، فقال: هذا شيء خصصت به دونكم، فنافروه إلى كاهنة بني سعد، فقضت له عليهم. وروى بعضهم أن ماء عبد المطلب نفد في الطريق ومياه القوم، فخافوا الهلكة، فقال عبد المطلب: ليحفر كل رجل منا لنفسه حفيرا ً، ثم ليقعد فيه، حتى يأتيه الموت ،ففعلوا، ثم قال: إن إلقاءنا بأيدينا لعجز، فلو ركبنا وطلبنا الماء! فلما استوى على راحلته انفجرت تحت صدرها عين ماء، فقال: ردوا الماء! فقالوا: لقد قضى لك االله علينا، ولا حاجة في أن نناوئك، فانصرفوا. ولما رأت قريش أن عبد المطلب قد حاز الفخر طلبت أن يحالف بعضها بعضا ً ليعزوا، وكان أول من طلب ذلك بنو عبد الدار لما رأت حال عبد المطلب، فمشت بنو عبد الدار إلى بني سهم، فقالوا: امنعونا من بني عبد مناف! فلما رأى ذلك بنو عبد مناف اجتمعوا، خلا بني عبد شمس، فإن الزبيري قال: لم يكن ولد عبد شمس في حلف المطيبين، ولا ولد عبد مناف، وإنما كان فيهم هاشم، وبنو المطلب، وبنو نوفل ،وقال آخرون: كانت بنو عبد شمس معهم، فأخرجت لهم أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب طيبا ً في جفنة، ثم وضعتها في الحجر، فتطيب بنو عبد مناف، وأسد، وزهرة، وبنو تيم، وبنو الحارث بن فهر ، فسموا حلف المطيبين، فلما سمعت بذلك بنو سهم ذبحوا بقرة، وقالوا: من أدخل يده في دمها ولعق منه ،فهو منا! فأدخلت أيديها بنو سهم، وبنو عبد الدار، وبنو جمح، وبنو عدي، وبنو مخزوم، فسموا اللعقة ،وكان تحالف المطيبين ألا يتخاذلوا، ولا يسلم بعضهم بعضا ً، وقالت اللعقة: قد أعتدنا لكل قبيلة قبيلة. وكان عبد المطلب لما حفر زمزم صار إلى الطائف فاحتفر ا بئرا يقال لها ذو الهرم، فكان يأتي أحيانا ً ، فيقيم بذلك الماء، فأتى مرة، فوجد به حيين من قيس عيلان، وهم بنو كلاب، وبنو الرباب، فقال عبد المطلب: الماء مائي، وأنا أحق به، وقال القيسيون: الماء ماؤنا، ونحن أحق به. قال: فإني أنافركم إلى من شئتم يحكم بيني وبينكم، فنافروه إلى سطيح الغساني، وكان كاهن العرب يتنافرون إليه، فتعاهد القوم وتعاقدوا على أن سطيحا ً إن قضى بالماء لعبد المطلب، فعلى كلاب وبني الرباب مائة من الإبل لعبد المطلب، وعشرون لسطيح، وإن قضى سطيح بالماء للحيين، فعلى عبد المطلب مائة من الإبل للقوم ، وعشرون لسطيح، فانطلقوا، وانطلق عبد المطلب بعشرة نفر من قريش، فيهم حرب بن أمية، فجعل عبد المطلب لا يترل مترلا ً إلا نحر جزورا وأطعم الناس، فقال القيسيون: إن هذا الرجل عظيم الشأن، جليل القدر، شريف الفعل، وإنا نخشى أن يطمع حاكمنا ذا، فيقضي له بالماء، فانظروا لا نرضى بقول سطيح حتى نخبىء له خبأ، فإن أخبرنا ما هو رضينا بحكمه، وإلا لم نرض به. فبينا عبد المطلب في بعض الطريق إذ فنى ماؤه وماء أصحابه، فاستسقى القيسيين من فضل مائهم، فأبوا أن يسقوهم، وقالوا: أنتم الذين تخاصموننا وتنازعوننا في مائنا، واالله لا نسقيكم! فقال عبد المطلب: أيهلك عشرة من قريش، وأنا حي؟ لأطلبن لهم الماء، حتى ينقطع خيط عنقي، وأبلي عذرا ً، فركب راحلته، وأخذ الفلاة، فبينا هو فيها، إذ بركت راحلته وبصر به القوم، فقالوا: هلك عبد المطلب! فقال القرشيون: كلا واالله لهو أكرم على االله من أن يهلكه، وإنما مضى لصلة الرحم ،فانتهوا إليه، وراحلته تفحص بكركرا على ماء عذب، روي، قد ساح على ظهر الأرض، فلما رأى القيسيون ذلك أهرقوا أسقيتهم، وأقبلوا نحوهم ليأخذوا من الماء، فقال القرشيون: كلا واالله، ألستم الذين منعتمونا فضل مائكم؟ فقال عبد المطلب: خلوا القوم، فإن الماء لا يمنع! فقال القيسيون: هذا رجل شريف سيد، وقد خشينا أن يقضي له علينا، فلما وصلوا إلى سطيح قالوا: إنا قد خبأنا لك خبأ، وأخذ إنسان منهم تمرة في يده فقال: فأخبرنا ما هو؟ فقال: خبأتم لي ما طال، فسمك، ثم أينع، فما هلك، ألق التمرة من يدك! فقالوا: قاتله االله! اخبئوا له خبأ هو أخفى منه، فأخذ إنسان جرادة، فقالوا له: إنا قد خبأنا لك خبأ، فأخبرنا ما هو؟ قال: خبأتم لي ما رجله كالمنشار، وعينه كالدينار، قالوا: إي. قال: ما طار، فسطع ،ثم قبض، فوقع، فترك الصيد أنفع. قالوا: ما له، قاتله االله؟ اخبئوا له خبأ هو أخفى من هذا! فأخذوا رأس جرادة، فجعلوه في خرز مزادة، ثم علقوه في عنق كلب لهم يقال له سوار، ثم ضربوه حتى ذهب، ثم رجع على الطريق، فقالوا: قد خبأنا لك خبأ، فأخبرنا ما هو؟ قال: خبأتم لي رأس جرادة، في خرز مزادة، بين عنق سوار والقلادة. قالوا: اقض بيننا! قال: قد قضيت. اختصمتم أنتم وعبد المطلب في ماء بالطائف يقال له ذو الهرم، فالماء ماء عبد المطلب، ولا حق لكم فيه، فأدوا إلى عبد المطلب مائة من الإبل، وإلى سطيح عشرين، ففعلوا. وانطلق عبد المطلب ينحر ويطعم، حتى دخل مكة، فنادى مناديه: يا معشر أهل مكة! إن عبد المطلب يسألكم بالرحم، لما قام كل رجل منكم حدثته نفسه أن يغنيني عن هذا الغرم، فأخذ مثل ما حدثته نفسه. فقاموا، وأخذوا من بعير واثنين وثلاثة على قدر ما حدثت كل امرىء منهم نفسه، وفضلت بعد ذلك جزائر، فقال عبد المطلب لابنه أبي طالب: أي بني! قد أطعمت الناس، فانطلق ذه الجزائر، فانحرها على أبي قبيس، حتى يأكلها الطير والسباع، ففعل أبو طالب ذلك، فأصاا الطير والسباع. قال أبو طالب: ونطعم حتى يأكل الطير فضلنا إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد قال أبو إسحاق وغيره من أهل العلم: تزوج عبد المطلب النساء، فولد له الأولاد، ولما كمل عشرة رهط قال: اللهم إني قد كنت نذرت لك نحر أحدهم، وإني أقرع بينهم، فأصب بذلك من شئت. فأقرع فصارت القرعة على عبد االله بن عبد المطلب، وكان أحب ولده إليه، وكان ولده العشرة الحارث، وبه يكنى، وقثم وأمهما صفية بنت جندب من ولد عامر بن صعصعة، والزبير، وأبو طالب، وعبد االله والمقوم ،وهو عبد الكعبة، وأم الأربعة فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وحمزة وأمه هالة بنت أهيب ابن عبد مناف بن زهرة، والعباس، وضرار وأمهما نتيلة بنت جناب بن كليب بن النمر بن قاسط ،وأبو لهب، وهو عبد العزى، و أمه لبني بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر الخزاعي، والغيداق، وهو جحل، وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك بن نوفل الخزاعي، وكانت بناته ستا ً: أم حكيم البيضاء، وعاتكة ،وبرة، وأروا وأميمة وأمهن جميعا ً فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وصفية وأمها هالة بنت أهيب، فانطلق عبد المطلب بعبد االله ليذبحه، وأخذ الشفرة، وأتبعه ابنه الحارث، فلما سمعت ذلك قريش لحقته، وقالت: يا أبا الحارث! إنك إن فعلت ذلك صارت سنة في قومك، ولم يزل الرجل يأتي بولده إلى ههنا ليذبحه، فقال: إني عاهدت ربي، وإني موف له بما عاهدته. فقال له بعضهم: افده! فقام، وهو يقول: عاهدت ربي، وأنا موفٍ عهده أخاف ربي إن تركت وعدهواالله لا يحمد شيء حمده ثم أحضر مائة من الإبل، فضرب بالقداح عليها، وعلى عبد االله، فخرجت على الإبل، فكبر الناس ،وقالوا: قد رضي ربك! فقال عبد المطلب: لهم رب البلد المحرم الطيب، المبارك، المعظمأنت الذي أعنتني في زمزم ثم قال: إني معيد القداح، فأعادها، فخرجت على الإبل، فقال: لهم قد أعطيتني سؤالي أكثرت بعد قلةٍ عياليفاجعل فداه اليوم جل مالي

ثم ضرب بالقداح ثالثة، فخرجت على الإبل، فنحرها، ونادى مناديه: ألا فخذوا لحمها! وانصرف عنها ،ووثب الناس يأخذوا، فلذلك يقول مرة بن خلف الفهمي: كما قسمت نهبا ً ديات ابن هاشم ببطحاء بسل حيث يعتصب البرك وصارت الدية من الإبل على ما سن عبد المطلب ولما قدم أبرهة ملك الحبشة صاحب الفيل مكة ليهدم الكعبة اربت قريش في رؤوس الجبال، فقال عبد المطلب: لو اجتمعنا، فدفعنا هذا الجيش عن بيت االله؟ فقالت قريش: لا بد لنا به! فأقام عبد المطلب في الحرم، وقال: لا أبرح من حرم االله، ولا أعوذ بغير االله ،فأخذ أصحاب أبرهة إبلا ً لعبد المطلب، وصار عبد المطلب إلى أبرهة، فلما استأذن عليه قيل له: قد أتاك سيد العرب، وعظيم قريش وشريف الناس، فلما دخل عليه أعظمه أبرهة، وجل في قلبه لما رأى من جماله، وكماله، ونبله، فقال لترجمانه: قل له: سل ما بدا لك! فقال: إبلا ً لي أخذها أصحابك، فقال: لقد رأيتك، فأجللتك، وأعظمتك، وقد تراني حيث دم مكرمتك وشرفك، فلم تسألني الانصراف، وتكلمني في إبلك؟ فقال عبد المطلب: أنا رب هذه الإبل، ولهذا البيت الذي زعمت أنك تريد هدمه رب يمنعك منه. فرد الإبل، وداخله ذعر لكلام عبد المطلب، فلما انصرف جمع ولده ومن معه، ثم جاء إلى باب الكعبة، فتعلق به وقال: لهم! إن تعف فإنهم عيالك إلا فشيء ما بدا لك ثم انصرف وهو يقول: لهم! إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا ً محالك ولئن فعلت، فإنه أمر تتم به فعالك وأقام بموضعه، فلما كان من غد بعث ابنه عبد االله ليأتيه بالخبر، ودنا وقد اجتمعت إليه من قريش جماعة ليقاتلوا معه إن أمكنهم ذلك. فأتى عبد االله على فرس شقراء يركض، وقد جردت ركبته، فقال عبد المطلب: قد جاءكم عبد االله بشيرا ً ونذيرا ً، واالله ما رأيت ركبته قط قبل اليوم، فأخبرهم ما صنع االله بأصحاب الفيل، وقال عبد المطلب لما كان من أصحاب الفيل ما كان: ثم ناد، عن نداكم، من صمم أيها الداعي لقد أسمعتني سنة في القوم ليست في الأمم هل يد االله أمر، أم له إن ذا الأشرم غر بالحرم قلت، والأشرم تردي خيله: من يرده بأثام يصطلم إن للبيت لربا ً مانعا ً و كذا حمير، والحي قدم رامه تبع، فيما قد مضى حارج أمسك منه بالكظم فانثنى عنه، وفي أوداجه بعد طسم، وجديس، وجمم هلكت بالبغي فيه جرهم ب، فأمر االله بالأمر اللمم وكذا الأمر بمن كاده بحر صلة الرحم، وإيفاء الذمم نعرف االله، وفينا سنة يدفع االله بها عنا النقم لم يزل الله فينا حجة لم يزل ذاك على عهد أبرهم نحن أهل االله في بلدته أديان العرب وكانت أديان العرب مختلفة بااورات لأهل الملل، والانتقال إلى البلدان، والانتجاعات، فكانت قريش ،وعامة ولد معد بن عدنان، على بعض دين إبراهيم، يحجون البيت، ويقيمون المناسك، ويقرون الضيف ،ويعظمون الأشهر الحرم، وينكرون الفواحش والتقاطع والتظالم، ويعاقبون على الجرائم، فلم يزالوا على ذلك ما كانوا ولاة البيت. وكان آخر من قام بولاية البيت الحرام من ولد معد: ثعلبة بن أياد بن نزار بن معد، فلما خرجت أياد وليت خزاعة حجابه البيت، فغيروا ما كان عليه الأمر في المناسك، حتى كانوا يفيضون من عرفات قبل الغروب، ومن جمع بعد أن تطلع الشمس. وخرج عمرو بن لحي، واسم لحي ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، إلى أرض الشام، وا قوم من العمالقة يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأوثان التي أراكم تعبدون؟ قالوا: هذه أصنام نعبدها، نستنصرها، فننصر، ونستسقي ا، فنسقى، فقال: ألا تعطونني منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب، عند بيت االله الذي تفد إليه العرب؟ فأعطوه صنما ً يقال له هبل، فقدم به مكة، فوضعه عند الكعبة، فكان أول صنم وضع بمكة، ثم وضعوا به إساف ونائلة كل واحد منهما على ركن من أركان البيت، فكان الطائف، إذا طاف، بدأ بإساف، فقبله، وختم به، ونصبوا على الصفا صنما يقال له مجاور الريح، وعلى المروة صنما يقال له مطعم الطير، فكانت العرب إذا حجت البيت، فرأت تلك الأصنام ،سألت قريشا وخزاعة، فيقولون: نعبدها لتقربنا إلى االله زلفى، فلما رأت العرب ذلك اتخذت أصناما ً ،فجعلت كل قبيلة لها صنما ً يصلون له تقربا ً إلى االله، فيما يقولون، فكان لكلب بن وبرة وأحياء قضاعة ود منصوبا بدومة الجندل، بجرش، وكان لحمير وهمدان نسر منصوبا ً بصنعاء، وكان لكنانة سواع، وكان لغطفان العزى، وكان لهند وبجيلة وخثعم ذو الخلصة، وكان لطيء الفلس منصوبا ً بالحبس، وكان لربيعة وأياد ذو الكعبات بسنداد، من أرض العراق، وكان لثقيف اللات منصوبا ً بالطائف، وكان للأوس والخزرج مناة منصوبا بفدك، مما يلي ساحل البحر، وكان لدوس صنم يقال له ذو الكفين، ولبني بكر بن كنانة صنم يقال له سعد، وكان لقوم من عذرة صنم يقال له شمس، وكان للأزد صنم يقال له رئام ،فكانت العرب، إذا أرادت حج البيت الحرام، وقفت كل قبيلة عند صنمها، وصلوا عنده، ثم تلبوا حتى تقدموا مكة، فكانت تلبيام مختلفة. وكانت تلبية قريش: لبيك، اللهم، لبيك! لبيك لا شريك لك، تملكه، وما ملك. وكانت تلبية كنانة: لبيك اللهم لبيك! اليوم يوم التعريف، يوم الدعاء والوقوف. وكانت تلبية بني أسد: لبيك اللهم لبيك! يا رب أقبلت بنو أسد أهل التواني والوفاء والجلد إليك. وكانت تلبية بني تميم: لبيك اللهم لبيك! لبيك لبيك عن تميم قد تراها قد أخلقت أثواا وأثواب من وراءها ،وأخلصت لرا دعاءها. وكانت تلبية قيس عيلان: لبيك اللهم لبيك! لبيك أنت الرحمن، أتتك قيس عيلان راجلها والركبان. وكانت تلبية ثقيف: لبيك اللهم! إن ثقيفا ً قد أتوك وأخلفوا المال، وقد رجوك. وكانت تلبية هذيل: لبيك عن هذيل قد أدلجوا بليل في إبل وخيل. وكانت تلبية ربيعة: لبيك ربنا لبيك لبيك! إن قصدنا إليك، وبعضهم يقول: لبيك عن ربيعة، سامعة لرا مطيعة. وكانت حمير وهمدان يقولون: لبيك عن حمير وهمدان، والحليفين من حاشد وألهان. وكانت تلبية الأزد: لبيك رب الأرباب! تعلم فصل الخطاب، لملك كل مثاب. وكانت تلبية مذحج: لبيك رب الشعرى، ورب اللات والعزى. وكانت تلبية كندة وحضرموت: لبيك لا شريك لك! تملكه، أو لكه، أنت حكيم فاتركه. وكانت تلبية غسان: لبيك رب غسان راجلها والفرسان. وكانت تلبية بجيلة: لبيك عن بجيلة في بارق ومخيلة. وكانت تلبية قضاعة: لبيك عن قضاعة، لرا دفاعة، سمعا ً له وطاعة. وكانت تلبية جذام: لبيك عن جذام ذي النهى والأحلام. وكانت تلبية عك والأشعريين: نحج للرحمن بيتا ً عجبا ً، مستترا ً، مضببا ً، محجبا ً. وكانت العرب في أديام على صنفين: الحمس والحلة، فأما الحمس، فقريش كلها، وأما الحلة، فخزاعة لترولها مكة ومجاورا قريشا ً، وكانوا يشددون على أنفسهم في دينهم، فإذا نسكوا لم يسلاوا سمنا ً، ولم يدخروا لبنا ً، ولم يحولوا بين مرضعة ورضاعها، حتى يعافه، ولم يحزوا شعرا ً، ولا ظفرا ً، ولم يدهنوا، ولم يمسوا النساء ولا الطيب، ولم يأكلوا لحما، ولم يلبسوا في حجهم وبرا ً ولا صوفا ً ولا شعرا ً، ويلبسون جديدا ً، ويطوفون بالبيت في نعالهم لا يطأون أرض المسجد تعظيما ً له، ولا يدخلون البيوت من أبواا ،ولا يخرجون إلى عرفات، ويلزمون مزدلفة ويسكنون في حال نسكهم قباب الأدم. وكان الحلة، وهي تميم، وضبة، ومزينة، والرباب، وعكل وثور، وقيس عيلان، كلها، ما خلا عدوان وثقيفا ً، وعامر بن صعصعة، وربيعة ابن نزار كلها، وقضاعة، وحضرموت، وعك، و قبائل من الأزد لا يحرمون الصيد في النسك، ويلبسون كل الثياب، ويسلأون السمن، ولا يدخلون من باب بيت ولا دار ،ولا يؤويهم ما داموا محرمين، وكانوا يدهنون ويتطيبون، ويأكلون اللحم، فإذا دخلوا مكة، بعد فراغهم ،نزعوا ثيام التي كانت عليهم، فإن قدروا على أن يلبسوا ثياب الحمس كراء أو عارية فعلوا وإلا طافوا بالبيت عراة، وكانوا لا يشترون في حجهم، ولا يبيعون، فهاتان الشريعتان اللتان كانت العرب عليهما. ثم دخل قوم من العرب في دين اليهود، وفارقوا هذا الدين، ودخل آخرون في النصرانية، وتزندق منهم قوم، فقالوا بالثنوية، فأما من ود منهم، فاليمن بأسرها، كان تبع حمل حبرين من أحبار اليهود إلى اليمن، فأبطل الأوثان، وود من باليمن، وود قوم من الأوس والخزرج، بعد خروجهم من اليمن ، اورم يهود خيبر، وقريظة، والنضير، وود قوم من بني الحارث بن كعب، وقوم من غسان، وقوم من جذام. وأما من تنصر من أحياء العرب، فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى، منهم: عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى، وورقة بن نوفل بن أسد، ومن بني تميم بنو امرىء القيس بن زيد مناة، ومن ربيعة بنو تغلب، ومن اليمن طيء، ومذحج، وراء، وسليح، وتنوخ، وغسان، ولخم، وتزندق حجر بن عمرو الكندي. حكام للعرب وكان للعرب حكام ترجع إليها في أمورها، وتتحاكم في منافراا، ومواريثها، ومياهها، ودمائها، لأنه لم يكن دين يرجع إلى شرائعه، فكانوا يحكمون أهل الشرف، والصدق، والأمانة والرئاسة، والسن، واد ،والتجربة. وكان أول من استقضى إليه، فحكم: الأفعى بن الأفعى الجرهمي، وهو الذي حكم بين بني نزار في ميراثهم، ثم سليمان بن نوفل، ثم معاوية بن عروة، ثم سخر بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل، ثم الشداخ، وهو يعمر ابن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وسويد بن ربيعة بن حذار بن مرة بن الحارث بن سعد، ومخاشن بن معاوية بن شريف ابن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم، وكان يجلس على سرير من خشب، فسمي ذا الأعواد، وأكثم بن صيفي بن رباح بن الحارث بن مخاشن، وعامر بن الظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان بن عمرو بن قيس، وهرم بن قطبة بن سيار الفزاري، وغيلان بن سلمة بن معتب الثقفي، وسنان ابن أبي حارثة المري، والحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وعامر الضحيان بن الضحاك بن النمر بن قاسط، والجعد بن صبرة الشيباني ،ووكيع ابن سلمة ابن زهير الأيادي، وهو صاحب الصرح بالحزورة، وقس بن ساعدة الأيادي، وحنظلة ابن د القضاعي، وعمرو بن حممة الدوسي. وكان في قريش حكام منهم: عبد المطلب، وحرب بن أمية، والزبير ابن عبد المطلب، وعبد االله بن جدعان، والوليد بن المغيرة المخزومي. أزلام العرب وكانت العرب تستقسم بالأزلام في كل أمورها، وهي القداح، ولا يكون لها سفر ولا مقام، ولا نكاح ،ولا معرفة حال، إلا رجعت إلى القداح، وكانت القداح سبعة: فواحد عليه: االله عز وجل والآخر: لكم ،والآخر: عليكم، والآخر: نعم، والآخر: منكم، والآخر: من غيركم، والآخر: الوعد، فكانوا إذا أرادوا أمرا رجعوا إلى القداح، فضربوا ا، ثم عملوا بما يخرج من القداح لا يتعدونه، ولا يجوزونه، وكان لهم أمناء على القداح لا يثقون بغيرهم. وكانت العرب، إذا كان الشتاء ونالهم القحط، وقلت ألبان الإبل، استعملوا الميسر، وهي الأزلام، و تقامروا عليها، وضربوا بالقداح، وكانت قداح الميسر عشرة: سبعة منها لها أنصب، وثلاثة لا أنصب لها ،فالسبعة التي لها أنصب يقال لأولها الفذ، وله جزء، والتوأم، وله جزءان، والرقيب، وله ثلاثة أجزاء ،والحلس، وله أربعة أجزاء، والنافس، وله خمسة أجزاء، والمسبل، وله ستة أجزاء، والمعلى، وله سبعة أجزاء، والثلاثة التي لا أنصب لها إغفال ليس عليها اسم يقال لها: المنيح، والسفيح، والوغد. وكانت الجزور تشترى بما بلغت، ولا ينقد الثمن، ثم يدعي الجزار، فيقسمها عشرة أجزاء، فإذا قسمت أجزاؤها على السواء أخذ الجزار أجزاءه، وهي الرأس والأرجل، وأحضرت القداح العشرة، واجتمع فتيان الحي، فأخذ كل فرقة على قدر حالهم ويسارهم، وقدر احتمالهم، فيأخذ الأول الفذ، وهو الذي فيه نصيب واحد من العشرة أجزاء، فإذا خرج له جزء واحد أخذ من الجزور جزءا ً، وإن لم يكن يخرج له غرم ثمن جزء من الجزور، ويأخذ الثاني التوأم، وله نصيبان من أجزاء الجزور، فإن خرج أخذ جزئين من الجزور، وإن لم يخرج غرم ثمن الجزئين. وكذلك سائر القداح على ما سمينا منها، فما خرج أخذ صاحبه ما فيه، وما لم يخرج غرم ما فيه من الأجزاء، فإذا عرف كل رجل منهم قدحه دفعوا القداح إلى رجل أخس لا ينظر إليها، معروف أنه لم يأكل لحما ً قط بثمن، ويسمى الحرضة، ثم يؤتى باول، وهو ثوب شديد البياض، فيجعل على يده ويعمد إلى السلفة وهي قطعة من جراب، فيعصب ا على كفه لئلا يجد مس قداح يكون له في صاحبه هوى، فيخرجه، ويأتي رجل، فيجلس خلف الحرضة، يسمى الرقيب، ثم يفيض الحرضة بالقداح، فإذا نشز منها قدح استله الحرضة، فلم ينظر إليه حتى يدفعه إلى الرقيب، فينظر لمن هو، فيدفعه لصاحبه، فيأخذ من أجزاء الجزور على نصيبه منها، فإن خرج من الثلاثة الأغفال شيء رد من ساعته، وإن خرج أولا ً الفذ أخذ صاحبه نصيبه، وضربوا بباقي القداح على التسعة الأجزاء الآخر، فإن خرج التوأم أخذ صاحبه جزئين، و ضربوا بباقي القداح على الثمانية الأجزاء الآخر، فإن خرج المعلى أخذ صاحبه نصيبه، وهو السبعة الأجزاء التي بقيت، وخرجوا وفقا ً، ووقع غرم ثمن الجزور على من خاب سهمه، وهم أربعة: صاحب الرقيب والحلس والنافس والمسبل، ولهذه القداح ثمانية عشر سهما ً، فيجزا الثمن على ثمانية عشر جزءا ً، وأخذ كل واحد من الغرم مثل الذي كان نصيبه من اللحم لو فاز قدحه، وإن خرج المعلى أول القداح أخذ صاحبه سبعة أجزاء الجزور، وكان الغرم على أصحاب القداح التي خابت، واحتاجوا أن ينحروا جزورا أخرى لأن في قداحهم المسبل، وله ستة أجزاء، ولم يبق من اللحم إلا ثلاثة أجزاء. ولا ينبغي لمن خاب قدحه في الجزور الأولى أن يأكل منها شيئا ً، فإنه يعاب به، فإن نحروا الجزور الثانية ،وضربوا عليها القداح، فخرج المسبل، أخذ صاحبه ستة أجزاء الجزور الأخرى: الثلاثة الباقية من الجزور الأولى، وثلاثة أجزاء من الجزور الثانية، ولزمه الغرم في الجزور الأولى، ولم يلزمه في الثانية شيء لأن قدحه قد فاز، وبقي من الجزور الثانية سبعة أجزاء، فيضرب عليها بقداح من بقي، فإن خرج النافس أخذ صاحبه خمسة أجزاء، ولم يغرم من ثمن الجزور الثانية شيئا ً، لأن قدحه قد فاز، ولزمه الغرم من الأولى ،وبقي جزءان من اللحم. وفيما بقي من القداح الحلس له أربعة أجزاء، فيحتاجون أن ينحروا جزورا ً أخرى لتتمة أربعة، ولا ينبغي لمن خاب قدحه في الجزور الثانية أن يأكل منها شيئا ً، لأنه يعاب به، وإن نحروا الجزور الثالثة وفاز الحلس أخذ صاحبه أربعة أجزاء: جزئين من الجزور الثانية، وجزئين من الجزور الثالثة، ولم يغرم من الجزور الثالثة شيئا ً لأنه فاز قدحه ،ويبقى ثمانية أجزاء من الجزور الثالثة فيضرب بباقي القداح عليها، حتى يخرج قداحهم، وفقا ً لاجزاء الجزور، فهذا حساب غرمهم الثمن كما وصفت. وربما كانت أجزاء اللحم موافقة لاجزاء القداح، فلا يحتاجون إلى نحر شيء إنما تنحر الجزور، إذا قصرت أجزاء اللحم عن بعض القداح ،فإن عاد بعض من فاز قدحه ثانية، فخاب غرم من ثمن الجزور التي خاب قدحه منها على هذا الحساب، فإن فضل من أجزاء اللحم شيء، وقد خرجت القداح كلها، كانت تلك الأجزاء لأهل المسكنة من العشيرة، فهذا تفسير الميسر. وكانوا يفتخرون به ويرون أنه من فعال الكرم والشرف، ولهم في هذا أشعار كثيرة يفتخرون ا. شعراء العرب وكانت العرب تقيم الشعر مقام الحكمة وكثير العلم، فإذا كان في القبيلة الشاعر الماهر، المصيب المعاني ،المخير الكلام، أحضروه في أسواقهم التي كانت تقوم لهم في السنة ومواسمهم عند حجهم البيت، حتى تقف وتجتمع القبائل والعشائر، فتسمع شعره، ويجعلون ذلك فخرا من فخرهم، وشرفا ً من شرفهم. ولم يكن لهم شيء يرجعون إليه من أحكامهم وأفعالهم إلا الشعر، فبه كانوا يختصمون، وبه يتمثلون، وبه يتفاضلون، وبه يتقاسمون، وبه يتناضلون، وبه يمدحون ويعابون، فكان ممن قدم شعره في جاهلية العرب على ما أجمعت عليه الرواة وأهل العلم بالشعر، وجاءت به الآثار والأخبار، من شعراء العرب في جاهليتها مع من أدركه الإسلام، فسمي مخضرما ً، فإم دخلوا مع من تقدم، فسموا الفحول، وقدموا على تقدم أشعارهم في الجودة، فإن كان بعضهم أقدم من بعض وهم على ما بينا من أسمائهم ومراتبهم على الولاء، فأولهم امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية ابن ثور، وهو كندة. والنابغة الذبياني، وهو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ ابن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان. وزهير بن أبي سلمى، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح بن قرط بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد. والأعشى، وهو أعشى وائل، وهو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل ابن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. وعبيد بن الأبرص بن حنتم بن عامر بن مالك بن زهير بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة ابن دودان بن أسد. ومهلهل وهو امرؤ القيس بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو ابن غنم بن تغلب بن وائل. وعلقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس بن عبد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. والحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد بن عبد االله بن مالك بن عبد بن سعد ابن جشم بن عامر بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل. وعمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل. وسعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن علي بن بكر ابن وائل. والأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن شل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وسويد بن أبي كاهل بن حارثة بن حسل بن مالك بن عبد بن سعد بن جشم ابن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل. وأوس بن حجر بن مالك بن حزن بن عمرو بن خلف بن نمير بن أسيد بن عمرو بن تميم بن مر. وذو الإصبع العدواني، وهو حرثان بن حارث بن محرث بن ثعلبة بن سيار بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن بكر بن يشكر ابن عدوان، وهو الحارث بن عمرو بن قيس عيلان. وبشر بن أبي خازم، وهو عمرو بن عوف بن حنش بن ناشرة بن أسامة بن والبة. وعنترة بن شداد بن معاوية بن نزار بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض. وعبدة بن الطبيب التميمي. والمتلمس، وهو جرير بن عبد المسيح بن عبد االله بن زيد بن دوفان بن حرب بن وهب بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار. وأبو دؤاد الأيادي وهو حوثرة بن الحارث بن الحجاج. والمرقش الأكبر وهو عوف، وقيل عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة ابن قيس بن ثعلبة. والمرقش الأصغر، وهو ربيعة بن معاوية بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. والمسيب بن علس بن عمرو بن قضاعة بن عمرو بن زيد بن ثعلبة بن دعدي بن مالك بن جشم بن مالك بن جماعة بن جلي. وعدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عصية ابن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم. وسلامة بن جندل بن عبد عمرو بن عبد الحارث، وهو مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وسحيم بن وثيل بن عمرو بن كرز بن وهيب بن حميري بن رياح ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. والجميح الأسدي، وهو منقذ بن الطماح بن قيس بن طريف بن عمرو ابن قعين. وحاتم الطائي، وهو حاتم بن عبد االله بن سعد بن الحشرج بن امرىء القيس ابن عدي بن أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث. وطفيل الخيل، وهو طفيل بن عوف بن خليف بن ضبيس بن مالك بن سعد بن عوف بن هلان بن غنم بن غني. والسفاح، وهو سلمة بن خالد بن كعب بن زهير بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن غنم بن تغلب. وتأبط شرا ً، وهو ثابت بن جابر بن سفيان بن عدي بن كعب بن فهم بن عمرو بن قيس عيلان. وابن المضلل الأسدي، وهو جلد بن قيس بن مالك بن منقذ بن طريف ابن عمرو بن قعين. وكعب الأمثال الغنوي، وهو كعب بن سعد بن علقمة بن ربيعة بن زيد ابن أبي مليل بن رفاعة بن مسلم بن سعد. والحكم بن. ومروان القرظ بن زنباع بن جذيمة بن رواحة بن قطيعة بن عبس. ودريد بن الصمة بن الحارث بن بكر بن علقة بن جداعة بن عرف بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن. وأمية بن أبي الصلت، وهو عبد االله بن ربيعة بن عقدة بن غيره بن عوف بن قسي وهو ثقيف. والأفوه الأودي، وهو صلاة بن عمرو بن مالك بن عوف بن الحارث بن عوف بن منبه بن أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج. وعمرو بن قمئة بن ذريح بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. وضابىء بن الحارث بن أرطأة بن شهاب بن عبيد بن حلول بن قيس بن حنظلة بن مالك. وخفاف بن ندبة، وندبة هي أمه، وأبوه عمير بن الحارث بن عمرو بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرىء القيس بن ثة بن سليم. والمتنخل الهذلي، وهو مالك بن غنم بن سويد بن حبشي بن خناعة ابن الديل بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هذيل. والذهاب الفحل، وهو مالك بن جندل بن مسلمة بن مجمع بن ضبيعة بن عجل. وعروة بن الورد بن زيد بن عبد االله بن ناشب بن سفيان بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض. والحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وهو فارس النعامة. وأنس بن مدرك بن عمرو بن سعد بن عوف بن العتيك بن حارثة بن عامر ابن تيم االله بن مبشر بن أكلب بن ربيعة بن عفرس بن حلف بن خثعم. والمنخل بن مسعود بن أفلت بن قطن بن سوادة بن مالك بن ثعلبة بن غنم ابن حبيب بن كعب بن يشكر. وأشيم بن شراحيل بن عبد رضي بن عبد عوف بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. والحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيض بن مرة بن عوف بن سعد ابن ذبيان. وصفوان بن حصين بن مالك بن رفاعة بن سالم بن عبيد بن سعد العتري. والسموأل بن عاديا، وهو ينسب إلى غسان، فيقول بعضهم إنه يهودي من سبط يهوذا. وعمرو بن الأهتم بن سمي بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن عمرو ابن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. ومطرود بن كعب بن عرفطة بن النافذ بن مرة بن تيم بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي. وأوس بن غلفاء بن فقتط بن معبد بن عامر بن يمامة. وحصين بن الحمام بن ربيعة بن حرام بن واثلة بن سهم بن مرة بن عوف ابن سعد بن ذبيان بن عامر بن صعصعة. والركاض الأسدي، وهو ركاض بن أباق بن بديل أحد بني دبير. وسويد بن كراع العكلي. والحويدرة، واسمه قطبة بن أوس بن محصن بن جرول بن حبيب الأعظم ابن عبد العزى بن خزيمة بن رزام بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان. وأعشى بني أسد، وهو قيس بن بجرة بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين. وابن الزبعرى السهمي، وهو عبد االله بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم من قريش. وقطن بن شل بن دارم بن مالك بن حنظلة. وابن دجاجة الفقيم، وهو بكير بن بريد بن أنس بن امرىء القيس. وسويد بن سلامة بن حديج بن قيس بن عمرو بن قطن بن شل بن دارم ابن مالك بن حنظلة. وقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث بن مازن بن قطيعة ابن عبس بن بغيض. ومقيس بن صبابة أخو بني كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن كنانة، أدركه الإسلام، وأسلم ،ثم ارتد فقتل يوم فتح مكة كافرا ً. والمسيب بن الرفيل بن حارثة بن حيان بن قيس بن أبي جابر بن زهير بن جناب بن هبل الكلبي. والبراض بن قيس بن رافع بن قيس بن جدي بن ضمرة الكناني. وسبرة بن عمرو بن أهنان بن دثار بن فقعس. وشافع بن عبد العزى الضمري. وسراقة بن مالك بن جعشم المدلجي. ومصروف واسمه عمرو بن قيس بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل. وابن رميلة الضبي. وقيس بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل. ومرداس بن أبي عامر بن جارية بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث ابن ثة بن سليم بن منصور. ومن شعراء الجاهلية الفحول المتقدمين الذين أدركوا الإسلام: النابغة الجعدي، وكان في السن مثل النابغة الذبياني، واسمه قيس بن عبد االله بن عدس ابن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن عامر بن صعصعة. وتميم بن أبي بن مقبل بن عوف بن حنيف بن قتيبة بن العجلان بن عبد االله بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وكعب بن زهير بن أبي سلمى، وهو ربيعة بن رياح بن قرط بن الحارث ابن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد. وعبد االله بن عامر بن كرب الكندي. وأبو سمال الأسدي، واسمه شمعان بن هبيرة بن مساحق. وزيد بن مهلهل، وهو زيد الخيل بن يزيد بن منهب بن عبد رضي بن المحلس بن ثور بن عدي بن كنانة بن مالك بن نبهان بن عمرو بن الغوث. والحطيئة واسمه جرول بن أوس بن مالك بن جوية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس. وضرار بن الخطاب بن مرداس بن كبير بن عمرو المحاربي. والشماخ بن ضرار بن سنان بن أمية بن عمرو بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان. وأبو ذؤيب الهذلي، وهو خويلد بن خالد بن محرث بن ربيد بن مخزوم ابن صاهله بن كاهل بن تميم بن سعد بن هذيل. وأبو كبير الهذلي، وهو عامر بن الحليس. والحرث بن عمرو بن جرجة بن يربوع بن فزارة. وعبد بني الحسحاس، وهو سحيم بن هند بن سفين بن ثعلبة بن ذودان ابن أسد بن خزيمة. أسواق العرب كانت أسواق العرب عشرة أسواق يجتمعون ا في تجارام، ويجتمع فيها سائر الناس، ويأمنون فيها على دمائهم وأموالهم، فمنها: دومة الجندل، يقوم في شهر ربيع الأول، ورؤساؤها غسان وكلب أي الحيين غلب قام. ثم المشقر جر يقوم سوقها في جمادى الأولى، تقوم ا بنو تيم رهط المنذر بن ساوى. ثم صحار يقوم في رجب في أول يوم من رجب، ولا يحتاج فيها إلى خفارة، ثم يرتحلون من صحار إلى ريا يعشرهم فيها الجلندى وآل الجلندى. ثم سوق الشحر شحر مهرة، فيقوم سوقها تحت ظل الجبل الذي عليه قبر هود النبي، ولم تكن ا خفارة ،وكانت مهرة تقوم ا . ثم سوق عدن يقوم في أول يوم من شهر رمضان ويعشرهم ا الأبناء، ومنها كان يحمل الطيب إلى سائر الآفاق. ثم سوق صنعاء يقوم في النصف من شهر رمضان يعشرهم ا الأبناء. ثم سوق الرابية بحضرموت، ولم يكن يوصل إليها إلا بخفارة لأا لم تكن أرض مملكة، وكان من عز فيها بز، وكانت كندة تخفر فيها. ثم سوق عكاظ بأعلى نجد يقوم في ذي القعدة، ويترلها قريش وسائر العرب إلا أن أكثرها مضر، وا كانت مفاخرة العرب، وحمالام، ومهادنام . ثم سوق ذي ااز، وكانت ترتحل من سوق عكاظ وسوق ذي ااز إلى مكة لحجهم. وكان في العرب قوم يستحلون المظالم إذا حضروا هذه الأسواق، فسموا المحلين، وكان فيهم من ينكر ذلك، وينصب نفسه لنصرة المظلوم، و المنع من سفك الدماء، وارتكاب المنكر فيسمون الذادة المحرمين ،فأما المحلون فكانوا قبائل من أسد وطىء وبني بكر بن عبد مناة بن كنانة وقوما ً من بني عامر بن صعصعة. وأما الذادة المحرمون، فكانوا من بني عمرو بن تميم وبني حنظلة بن زيد مناة، وقوم من هذيل، وقوم من بني شيبان، وقوم من بني كلب بن وبرة، فكان هؤلاء يلبسون السلاح لدفعهم عن الناس، وكان العرب جميعا بين هؤلاء تضع أسلحتهم في الأشهر الحرم وكانت العرب تحضر سوق عكاظ، وعلى وجوهها البراقع، فيقال إن أول عربي كشف قناعة ظريف بن غنم العنبري، ففعلت العرب مثل فعله. /بسم االله الرحمن الرحيم الحمد الله ولي التوفيق، الحمد الله رب العالمين، وصلى االله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. إنه لما انقضى كتابنا الأول الذي اختصرنا فيه ابتداء كون الدنيا وأخبار الأوائل من الأمم المتقدمة والممالك المفترقة والأسباب المتشعبة ألفنا كتابنا هذا على ما رواه الأشياخ المتقدمون من العلماء والرواة وأصحاب السير والأخبار والتاريخات، ولم نذهب إلى التفرد بكتاب نصنفه ونتكلف منه ما قد سبقنا إليه غيرنا، لكنا قد ذهبنا إلى جمع المقالات والروايات لأنا قد وجدناهم قد اختلفوا في أحاديثهم وأخبارهم وفي السنين والأعمال، وزاد بعضهم ونقص بعض، فأردنا أن نجمع ما انتهى إلينا مما جاء به كل امرئ منهم لأن الواحد لا يحيط بكل العلم، وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: العلم أكثر من أن يحفظ ،فخذوا من كل علم محاسنه. وقال جعفر بن حرب بن الأشج: وجدت العلم كالمال، في يد كل إنسان منه شيء، فإذا حوى الرجل منه جملة سمي موسرا ً، ويحوي الآخر ما هو أكثر منه فيسمي موسرا ً ،وكذلك العلم لا يحوي منه شيئا ً إلا سمي عالما ً وإن كان غيره أعلم منه. ولو كنا لا نسمي العالم عالما ً حتى يحوي العلم كله لم يقع هذا الاسم على أحد من الآدميين. وقال بعض الحكماء: ليس طلبي للعلم طمعا في بلوغ قاصيته والاستيلاء على غايته. ولكن ألتمس شيئا ً لا يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه. وقال بعض الحكماء: إن لم تكن عالما ً فتعلم وإن لم تكن حكيما ً، فتحكم فإنه قل ما يتشبه رجل بقوم ألا يوشك أن يكون منهم. وقال بعضهم: العلم روح والعمل بدن، والعلم أصل والعمل فرع، والعلم والد والعمل مولود ،وكان العمل بمكان العلم ولم يكن العلم بمكان العمل. وقال بعضهم: من طلب العلم لرغبة أو رهبة أو منافسة أو شهوة كان حظه منه على حسب الرهبة، ومن طلب العلم لكرم العلم والتمسه لفضل الاستبانة كان حظه منه بقدر كرمه وانتفاعه به حسب استحقاقه. وقال بعضهم: كل شيء يحتاج إلى العقل والعقل يحتاج إلى العلم. وابتدئ كتابنا هذا من مولد رسول االله صلى االله عليه وسلم وخبره في حال بعد حال ووقت بعد وقت إلى أن قبضه االله إليه، وأخبار الخلفاء بعده وسيرة خليفة بعد خليفة وفتوحه، وما كان منه وعمل به في أيامه وسني ولايته. وكان من روينا عنه ما في هذا الكتاب: إسحاق بن سليمان بن علي الهاشمي عن أشياخ بني هاشم، وأبو البختري وهب بن وهب القرشي عن جعفر بن محمد وغيره من رجاله، وأبان بن عثمان عن جعفر بن محمد، ومحمد بن عمر الواقدي عن موسى بن عقبة وغيره من رجاله، وعبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد االله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي، وأبو حسان الزيادي عن أبي المنذر الكلبي وغيره من رجاله، وعيسى بن يزيد بن داب، والهيثم بن عدي الطائي عن عبد االله بن عباس ،الهمداني، ومحمد بن كثير القرشي عن أبي صالح وغيره من رجاله، وعلي بن محمد بن عبد االله بن أبي سيف المدائني، وأبو معشر المدني، ومحمد بن موسى الخوارزمي المنجم، وما شاء االله الحاسب في طوالع السنين والأوقات. وأثبتنا عن غير هؤلاء الذين سمينا جملا جاء ا غيرهم ورواها سواهم وعلمناها من سير الخلفاء وأخبارهم، وجعلناه كتابا مختصرا، حذفنا منه الأشعار وتطويل الأخبار، وباالله المعونة والتوفيق والحول والقوة. مولد رسول االله وكان مولد رسول االله صلى االله عليه وسلم في عام الفيل، بينه وبين الفيل خمسون ليلة، وكان على ما رواه بعضهم يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، وقيل ليلة الثلاثاء لثمان خلون من شهر ربيع الأول. وقال من رواه عن جعفر بن محمد يوم الجمعة حين طلع الفجر لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وولد على ما قال أصحاب الحساب بقران العقرب. قال ما شاء االله المنجم: كان طالع السنة التي كان فيها القرآن الذي دل على مولد رسول االله صلى االله عليه وسلم الميزان اثنتين وعشرين درجة حد الزهرة وبيتها والمشتري في العقرب ثلاث درجات وثلاثا ً وعشرين دقيقة، وزحل في العقرب ست درجات وثلاثا وعشرين دقيقة راجعا ً، وهما في الثاني من الطوالع، والشمس في نظير الطالع في الحمل أول دقيقة، والزهرة في الحمل على درجة وست وخمسين دقيقة، وعطارد في الحمل على ثماني عشرة درجة وست عشرة دقيقة راجعا ً، والمريخ في الجوزاء اثنتي عشرة درجة وخمس عشرة دقيقة، والقمر وسط السماء في السرطان درجة وعشرين دقيقة. وقال الخوارزمي: كانت الشمس يوم ولد رسول االله صلى االله عليه وسلم في الثور درجة، والقمر في الأسد على ثماني عشرة درجة وعشر دقائق، وزحل في العقرب تسع درجات وأربعين دقيقة راجعا ً ،والمشتري في العقرب درجتين وعشر دقائق راجعا ،والمريخ في السرطان درجتين وخمسين دقيقة، والزهرة في الثور اثنتي عشرة درجة وعشر دقائق. وكانت قريش تؤرخ السنين بموت قصي بن كلاب لجلالة قصي، فلما كان عام الفيل أرخت به لاشتهار ذلك العام، فكان تاريخهم من مولد رسول االله. ولما ولد رسول االله صلى االله عليه وسلم رجمت الشياطين وانقضت الكواكب. فلما رأت ذلك قريش أنكرت انقضاض الكواكب وقالوا: ما هذا إلا لقيام الساعة، وأصابت الناس زلزلة عمت جميع الدنيا حتى دمت الكنائس والبيع، وزال كل شيء يعبه دون االله، عز وجل، عن موضعه، وعميت على السحرة والكهان أمورهم وحبست شياطينهم، وطلعت نجوم لم تر قبل ذلك فأنكرا كهان اليهود، وزلزل إيوان كسرى فسقطت منه ثلاث عشرة شرافة، وخمدت نار فارس ولم تكن خمدت قبل ذلك بألف عام. ورأى عالم الفرس وحكيمهم وهو الذي تسميه الفرس موبذان موبذ القيم بشرائع دينهم كان إبلا ً عرابا ً تقود خيلا صعابا ً حتى قطعت دجلة وانتشرت في البلاد. فراع ذلك كسرى أنو شروان وأفزعه، فوجه إلى النعمان فقال: هل بقي من كهان العرب أحد؟ قال: نعم! سطيح، الغساني بدمشق من أرض الشام. قال: فجئني بشيخ من العرب له عقل ومعرفة أوجهه إليه. فأتاه بعبد المسيح بن بقيلة، فوجهه إليه. فخرج عليه عبد المسيح على جمل حتى قدم دمشق. فسأل عنه فدل عليه وهو يترل في باب الجابية، فوجده في آخر رمق. فنادى في أذنه بأعلى صوته: أصم أم تسمع غطريف اليمن يا فارج الكربة أعيت من ومن وفاصل الخطبة في الأمر العنن أتاك شيخ الحي من آل يزن فقال: عبد المسيح، على جمل مشيح، نحو سطيح، حين أشفى على الضريح. بعثك ملك بني ساسان دم الأيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان. رأى إبلا عرابا تقود خيلا صعابا ً حتى قطعت دجلة وانتشرت في البلاد. يا ابن ذي يزن تكون هنه وهنات ويموت ملوك وملكات بعدد الشرافات. إذا غاضت بحيرة ساوة وظهرت التلاوة بأرض امة وظهر صاحب الهراوة فليست الشام لسطيح شاما. ثم فاضت نفسه. وجاء رجل من أهل الكتاب إلى ملأ من قريش فيهم هشام بن المغيرة والوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة فقال: ولد لكم الليلة مولود. قالوا: لا. قال: أخطأكم واالله معشر قريش فقد ولد إذا بفلسطين غلام اسمه أحمد، به شامة كلون الحر الأدكن يكون به هلاك أهل الكتاب، فلم يريموا حتى قيل لهم إنه ولد لعبد االله بن عبد المطلب الليلة غلام. فمضى الرجل حتى نظر إليه ثم قال: هو واالله هو! ويل أهل الكتاب منه. فلما رأى سرور قريش بما سمعت منه قال: واالله ليسطون بكم سطوة يتحدث ا أهل المشرق والمغرب. وكان تزويج عبد االله بن عبد المطلب لآمنه بنت وهب بعد حفر زمزم بعشر سنين، وقيل بضع عشرة سنة. وبين فداء عبد المطلب لابنه وبين تزويجه إياه سنة، فكان اسم عبد االله أبي رسول االله عبد الدار، وقيل: كان اسمه عبد قصي. فلما كان في السنة التي فدي فيها قال عبد المطلب: هذا عبد االله، فسماه يومئذ كذلك. وكان بين تزويج أبي رسول االله لأمه وبين مولده على ما روى جعفر بن محمد عشرة أشهر، وقال بعضهم سنة وثمانية أشهر. وروي عن أمه أا قالت: رأيت لما وضعته نورا ً بدا ً مني ساطعا ً حتى أفزعني، ولم أر شيئا ً مما يراه النساء. وروى بعضهم أا قالت: سطع مني النور حتى رأيت قصور الشام، ولما وقع إلى الأرض قبض قبضة من تراب ثم رفع رأسه إلى السماء... فكان أول لبن شربه بعد أمه لبن ثويبة مولاة أبي لهب. وقد أرضعت ثويبة هذه حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وأبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي. وقال رسول االله، بعد ما بعثه االله: رأيت أبا لهب في النار يصيح العطش العطش فيسقي في نقر إامه. فقلت: بم هذا؟ فقال: بعتقي ثويبة لأا أرضعتك. وتوفي عبد االله بن عبد المطلب أبو رسول االله صلى االله عليه وسلم على ما روى جعفر بن محمد بعد شهرين من مولده. وقال بعضهم إنه توفي قبل أن يولد، وهذا قول غير صحيح لأن الإجماع على أنه توفي بعد مولده. وقال آخرون بعد سنة من مولده، وكانت وفاة عبد االله بالمدينة عند أخوال أبيه بني النجار في دار تعرف بدار النابغة، وكانت سنة يوم توفي خمسا ً وعشرين سنة. واسترضع في بني سعد بن بكر بن هوازن. وكان عبد المطلب دفعه إلى الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي زوج حليمة بنت أبي ذؤيب السعدي، فلم يزل مقيما في بني سعد يرون به البركة في أنفسهم وأموالهم حتى كان من شأنه في الذي أتاه في صورة رجل، فشق عن بطنه وغسل جوفه، ما كان. فخافوا عليه وردوه إلى جده عبد المطلب وله خمس سنين، وقيل أربع سنين، وهو في خلق ابن عشر وقوته. وتوفيت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بعد ما أتى عليه ست سنين وثلاثة أشهر، ولها ثلاثون سنة. وكانت وفاا بموضع يقال له الأبواء بين مكة والمدينة. وكان عبد المطلب جد رسول االله يكفله، وعبد المطلب يومئذ سيد قريش غير مدافع، قد أعطاه االله من الشرف ما لم يعط أحدا ً، وسقاه زمزم وذا الهرم، وحكمته قريش في أموالها، وأطعم في المحل حتى أطعم الطير والوحوش في الجبال. قال أبو طالب: ونطعم حتى تأكل الطير فضلنا إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد ورفض عبادة الأصنام ووحد االله، عز وجل، ووفى بالنذر وسن سننا نزل القرآن بأكثرها، وجاءت السنة من رسول االله ا وهي: الوفاء بالنذور، ومائة من الإبل في الدية، وألا تنكح ذات محرم، ولا تؤتي البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموءودة، والمباهلة، وتحريم الخمر، وتحريم الزنا، والحد عليه، والقرعة، وألا يطوف أحد بالبيت عريانا، وإضافة الضيف، وألا ينفقوا إذا حجوا إلا من طيب أموالهم، وتعظيم الأشهر الحرم، ونفى ذوات الرايات. ولما قدم صاحب الفيل خرجت قريش من الحرم فارة من أصحاب الفيل، فقال عبد المطلب: واالله لا أخرج من حرم االله وأبتغي العز في غيره. فجلس بفناء البيت ثم قال: لهم إن تعف فإنهم عيالك ...إلا فشيء ما بدا لك فكانت قريش تقول: عبد المطلب إبراهيم الثاني. وكان المبشر لقريش بما فعل االله بأصحاب الفيل عبد االله بن عبد المطلب أبو رسول االله. فقال عبد المطلب: قد جاءكم عبد االله بشيرا ً ونذيرا ً. فأخبرهم بما نزل بأصحاب الفيل. فقالوا: إنك كنت لعظيم البركة لميمون الطائر منذ كنت. وكان لعبد المطلب من الولد الذكور عشرة. ومن الإناث أربع: عبد االله أبو رسول االله، وأبو طالب وهو عبد مناف، والزبير وهو أبو الطاهر، وعبد الكعبة وهو المقوم، وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم وهي أم أم حكيم البيضاء. وعاتكة وبرة وأروى وأميمة بنات عبد المطلب، والحارث وهو أكبر ولد عبد المطلب وبه كان يكنى، وقثم، وأمهما صفية بنت جندب بن حجير بن زباب بن حبيب بن سوأة بن عامر بن صعصعة، وحمزة وهو أبو يعلى أسد االله وأسد رسول االله، وأمه هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة وهي أم صفية بنت عبد المطلب، والعباس وضرار، أمهما نتيلة بنت جناب بن كليب بن النمر بن قاسط، وأبو لهب وهو عبد العزى، وأمه لبني بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر الخزاعي، والغيداق وهو جحل وإنما سمي الغيداق لأنه كان أجود قريش وأطعمهم للطعام، وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك بن نوفل الخزاعي. فهؤلاء أعمام رسول االله وعماته. وكان لكل واحد من ولد عبد المطلب شرف وذكر وفضل وقدر ومجد. وحج عامر بن مالك ملاعب الأسنة البيت فقال: رجال كأم جمال جون، فقال: ؤلاء تمنع مكة. وحج أكثم بن صيفي في ناس من بني تميم فرآهم يخترقون البطحاء كأم أبرجة الفضة يلحقون الأرض جيرام. فقال: يا بني تميم إذا أحب االله أن ينشئ دولة نبت لها مثل هؤلاء. هؤلاء غرس االله لا غرس الرجال. وكان يفرش لعبد المطلب بفناء الكعبة، فلا يقرب فراشه حتى يأتي رسول االله، وهو غلام، فيتخطى رقاب عمومته، فيقول لهم عبد المطلب دعوا ابني، أن لابني هذا لشأنا ً. وكان عبد المطلب قد وفد على سيف بن ذي يزن مع جلة قومه لما غلب على اليمن، فقدمه سيف عليهم جميعا ً وآثره. ثم خلا به فبشره برسول االله ووصف له صفته، فكبر عبد المطلب وعرف صدق ما قال سيف، ثم خر ساجدا. فقال له سيف: هل أحسست لما قلت نبأ؟ فقال له: نعم! ولد لابني غلام على مثال ما وصفت، أيها الملك. قال: فاحذر عليه اليهود وقومك، وقومك أشد من اليهود، واالله متمم أمره ومعل دعوته. وكان أصحاب الكتاب لا يزالون يقولون لعبد المطلب في رسول االله منذ ولد فيعظم بذلك ابتهاج عبد المطلب. فقال: أما واالله لئن نفستني قريش الماء يعني ماء سقاه االله من زمزم وذي الهرم ،لتنفسني غدا الشرف العظيم والبناء الكريم والعز الباقي والنساء العالي إلى آخر الدهر ويوم الحشر. وتوالت على قريش سنون مجدبة حتى ذهب الزرع وقحل الضرع، ففزعوا وقالوا: قد سقانا االله بك مرة بعد أخرى فادع االله أن يسقينا، وسمعوا صوتا ً ينادي من بعض جبال مكة: معشر قريش أن النبي الأمي منكم، وهذا أوان توكفه، ألا فانظروا منكم رجلا ً عظاما ً جساما ً له سن يدعو إليه وشرف يعظم عليه فليخرج هو وولده ليمسوا من الماء ويلتمسوا من الطيب ويستلموا الركن، وليدع الرجل وليؤمن القوم فخصبتم ما شئتم إذا وغثتم، فلم يبق أحد بمكة إلا قال: هذا شيبة الحمد، هذا شيبة الحمد. فخرج عبد المطلب ومعه رسول االله، وهو يومئذ مشدود الإزار، فقال عبد المطلب: اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة ،أنت عالم غير معلم، مسؤول غير مبخل، وهؤلاء عبداؤك وإماؤك بعذرات حرمك يشكون إليك سنيهم التي أقحلت الضرع وأذهبت الزرع، فاسمعن اللهم وأمطرن غيثا مريعا مغدقا. فما راموا حتى انفجرت السماء بمائها وكظ الوادي بثجه، وفي ذلك يقول بعض قريش: بشيبة الحمد أسقي االله بلدتنا وقد فقدنا الكري واجلوذ المطرمنا ً من االله بالميمون طائره وخير من بشرت يوما ً به مضر مبارك الأمر يستسقي الغمام به ما في الأنام له عدل ولا خطر وأوصى عبد المطلب إلى ابنه الزبير بالحكومة وأمر الكعبة وإلى أبي طالب برسول االله وسقاية زمزم، وقال له: قد خلفت في أيديكم الشرف العظيم الذي تطأون به رقاب العرب. وقال لأبي طالب: أوصيك يا عبد مناف بعدي بمفرد بعد أبيه فردفارقه وهو ضجيع المهد فكنت كالأم له في الوجدتدنيه من أحشائها والكبد فأنت من أرجى بني عندي لدفع ضيم أو لشد عقد وتوفي عبد المطلب ولرسول االله ثماني سنين ولعبد المطلب مائة وعشرون سنة، وقيل مائة وأربعون سنة. وأعظمت قريش موته، وغسل بالماء والسدر. وكانت قريش أول من غسل الموتى بالسدر، ولف في حلتين من حلل اليمن قيمتها ألف مثقال ذهب، وطرح عليه المسك حتى ستره، وحمل على أيدي الرجال عدة أيام إعظاما ً وإكراما ً وإكبارا ً لتغييبه في التراب. واحتبى ابنه بفناء الكعبة لما غيب عبد المطلب واحتبى ابن جدعان التيمي من ناحية والوليد بن ربيعة المخزومي فادعى كل واحد الرئاسة. وروي عن رسول االله صلى االله عليه وسلم أنه قال: أن االله يبعث جدي عبد المطلب أمه واحدة في هيئة الأنبياء وزي الملوك فكفل رسول االله صلى االله عليه وسلم بعد وفاة عبد المطلب أبو طالب عمه، فكان خير كافل. وكان أبو طالب سيدا ً شريفا ً مطاعا ً مهيبا ً مع إملاقه. قال علي بن أبي طالب: أبي ساد فقيرا، وما ساد فقير قبله. وخرج به إلى بصرى من أرض الشام وهو ابن تسع سنين، وقال: واالله! لا أكلك إلى غيري. وربته فاطمة بنت أسد بن هاشم امرأة أبي طالب وأم أولاده جميعا ً. ويروي عن رسول االله لما توفيت، وكانت مسلمة فاضلة، أنه قال: اليوم ماتت أمي، وكفنها بقميصه ونزل على قبرها واضطجع في لحدها. فقيل له: يا رسول االله لقد اشتد جزعك على فاطمة. قال: إا كانت أمي، أن كانت لتجيع صبياا وتشبعني وتشعثهم وتدهنني، وكانت أمي. ولما بلغ العشرين ظهرت فيه العلامات وجعل أصحاب الكتب يقولون فيه ويتذاكرون أمره ويتوصفون حاله ويقربون ظهوره، فقال يوما ً لأبي طالب: يا عم إني أرى في المنام رجلا ً يأتيني ومعه رجلا ًن فيقولان: هو هو، وإذا بلغ فشأنك به والرجل لا يتكلم. فوصف أبو طالب ما قال لبعض من كان بمكة من أهل العلم. فلما نظر إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم قال: هذه الروح الطيبة! هذا واالله النبي المطهر. فقال له أبو طالب: فاكتم على ابن أخي لا تغر به قومه، فواالله إنما قلت لعلي ما قلت، ولقد أنبأني أبي عبد المطلب بأنه النبي المبعوث وأمرني أن أستر ذلك لئلا يغري به الأعادي. الفجار وشهد رسول االله صلى االله عليه وسلم الفجار وله سبع عشرة سنة، وقيل عشرون سنة، وكان سبب الفجار، وهي الحرب التي كانت بين كنانة وقيس، أن رجلا ً من بني ضمرة يقال له البراض بن قيس، كان بمكة في جوار حرب بن أمية، وثب على رجل من هذيل يقال له الحارث فقتله. وأخرجه حرب بن أمية من جواره فلحق بالنعمان بن المنذر، فاجتمع هو وعروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وكان النعمان يوجه في كل سنة بلطيمة إلى عكاظ للتجارة، ولا يعرض لها أحد من العرب، حتى قتل النعمان أخا بلعاء بن قيس، فكان بلعاء بعد ذلك يغير على لطائم النعمان. فلما اجتمع عروة والبراض عنده قال: من يجير لطائمي؟ فقال البراض: أنا، وقال عروة: أنا، مثله، فتنازعا كلاما. فلما خرجا وتوجه عروة لينصرف، عارضه البراض فقتله وأخذ ما كان معه من لطائم النعمان. فاجتمعت قيس على قوم البراض، ولجأت كنانة إلى قريش فأعانتها وخرجت معها، فاقتتلوا في رجب ،وكان عندهم الشهر الحرام الذي لا تسفك فيه الدماء. فسمي الفجار لأم فجروا في شهر حرام. وكان على كل قبيل من قريش رئيس، وعلى بني هاشم الزبير بن عبد المطلب. وقد روي أن أبا طالب منع أن يكون فيها أحد من بني هاشم وقال: هذا ظلم وعدوان وقطيعة واستحلال للشهر الحرام، ولا أحضره ولا أحد من أهلي، فأخرج الزبير بن عبد المطلب مستكرها. وقال عبد االله بن جدعان التيمي وحرب ابن أمية: لا نحضر أمرا ً تغيب عنه بنو هاشم فخرج الزبير. وقيل: أن أبا طالب كان يحضر في الأيام ومعه رسول االله صلى االله عليه وسلم، فإذا حضر هزمت كنانة قيسا فعرفوا البركة بحضوره فقالوا: يا ابن مطعم الطير وساقي الحجيج لا تغب عنا فإنا نرى مع حضورك الظفر والغلبة. قال: فاجتنبوا الظلم والعدوان والقطيعة والبهتان فإني لا أغيب عنكم. فقالوا: ذاك لك. فلم يزل يحضر حتى فتح عليهم. وروي عن رسول االله صلى االله عليه وسلم أنه قال: شهدت الفجار مع عمي أبي طالب وأنا غلام. وروى بعضهم أنه شهد الفجار وهو ابن عشرين سنة وطعن أبا براء ملاعب الأسنة فأرداه عن فرسه، وجاء الفتح من قبله فجمعنا جميع الروايات ومات حرب بن أمية بن عبد شمس بالشام بعد الفجار بأشهر. حلف الفضول حضر رسول االله صلى االله عليه وسلم حلف الفضول وقد جاوز العشرين، وقال بعد ما بعثه االله: حضرت في دار عبد االله بن جدعان حلفا ما يسرني به حمر النعم، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت. وكان سبب حلف الفضول أن قريشا تحالفت أحلافا كثيرة على الحمية والمنعة، فتحالف المطيبون وهم بنو عبد مناف وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تميم وبنو الحارث بن فهر على أن لا يسلموا الكعبة ما أقام حراء وثبير وما بل بحر صوفة. وصنعت عاتكة بنت عبد المطلب طيبا ً فغمسوا أيديهم فيه. وقيل أن الطيب كان لأم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب، وهي توأم عبد االله أبي رسول االله، وتحالفت اللعقة وهم بنو عبد الدار وبنو مخزوم وبنو جمح وبنو سهم وبنو عدي على أن يمنع بعضهم بعضا ويعقل بعضهم عن بعض وذبحوا بقرة فغمسوا أيديهم في دمها، فكانت قريش تظلم في الحرم الغريب ومن لا عشيرة له حتى أتى رجل من بني أسد بن خزيمة بتجارة فاشتراها رجل من بني سهم فأخذها السهمي وأبي أن يعطيه الثمن، فكلم قريشا واستجار ا وسألها إعانته على أخذ حقه فلم يأخذ له أحد بحقه فصعد الأسدي أبا قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل فهر لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الأهل والنفر أن الحرام لمن تمت حرامته ولا حرام لثوبي لابس الغدر وقد قيل: لم يكن رجل من بني أسد ولكنه قيس بن شيبة السلمي باع متاعا من أبي خلف الجمحي وذهب بحقه، فقال هذا الشعر، وقيل بل قال: يال قصي كيف هذا في الحرم وحرمة البيت وأخلاق الكرمأظلم لا يمنع مني من ظلم فتذممت قريش فقاموا فتحالفوا ألا يظلم غريب ولا غيره وأن يؤخذ للمظلوم من الظالم، واجتمعوا في دار عبد االله بن جدعان التيمي. وكانت الأحلاف هاشم وأسد وزهرة وتيم والحارث بن فهر فقالت قريش: هذا فضول من الحلف، فسمي حلف الفضول. وقال بعضهم: حضره ثلاثة نفر يقال لهم الفضل بن قضاعة والفضل بن حشاعة والفضل بن بضاعة فسمي ذا حلف الفضول. وقد قيل أن هؤلاء النفر حضروا حلفا لجرهم فسمي حلف الفضول م وشبه بالحلف في تلك السنة. بنيان الكعبة

ووضع رسول االله صلى االله عليه وسلم الحجر في موضعه حين اختصمت قريش وهو ابن خمس وعشرين سنة، وذلك أن قريشا هدمت الكعبة بسبب سيل أصام فهدمها. وقيل: بل كانت امرأة من قريش تجمر الكعبة، فطارت شرره فأحرقت باب الكعبة وكان طولها تسعة أذرع فنقضوها. وكان أول من ضرب فيها بمعول الوليد بن المغيرة المخزومي. وحفروا حتى انتهوا إلى قواعد إبراهيم فقلعوا منها حجرا فوثب الحجر ورجع مكانه فأمسكوا. ويقال أن الذي بدر الحجر من يده أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وخرج عليهم ثعبان فحال بينهم وبين البناء، فاجتمعوا، فقال: ما ذا ترون؟ فقال أبو طالب: أن هذا لا يصلح أن ينفق فيه إلا من طيب المكاسب فلا تدخلوا فيه مالا من ظلم ولا عدوان، فأحضروا ما لم يشكوا فيه من طيب أموالهم ورفعوا أيديهم إلى السماء، فجاء طائر فاختطف الثعبان حتى ذهب. فوضعوا أزرهم يعملون عراة إلا رسول االله صلى االله عليه وسلم فإنه أبى أن يترع ثوبه فسمع صائحا يصيح: لا تترع ثوبك. ونقلت الحجارة التي بني ا البيت من جبل يقال له السيادة من أعلى الوادي وصيروها ثماني عشرة ذراعا، وكانت كل قبيلة تلي طائفة منها فكانت بنو عبد مناف تلي الربع وسائر ولد قصي بن كلاب وبنو تيم الربع ومخزوم الربع وبنو سهم وجمح وعدي وعامر بن فهر الربع. فلما أرادوا أن يضعوا الحجر اختصموا فيه، وقالت كل قبيلة: نحن نتولى وضعه. فأقبل رسول االله، وكانت قريش تسميه الأمين، فلما رأوه مقبلا قالوا: قد رضينا بحكم محمد بن عبد االله، فبسط رسول االله صلى االله عليه وسلم رداءه ثم وضع الحجر في وسطه وقال: لتحمل كل قبيلة بجانب من جوانب الرداء ثم ارفعوا جميعا ً. ففعلوا ذلك فحمل عتبة بن ربيعة أحد جوانب الرداء وأبو زمعة بن الأسود وأبو حذيفة بن المغيرة وقيس بن عدي السهمي، وقيل العاص بن وائل. فلما بلغ الموضع أخذه رسول االله صلى االله عليه وسلم ووضعه بموضعه الذي هو به وسقفوها، ولم يكن لها قبل ذلك سقف. تزويج خديجة بنت خويلد وتزوج رسول االله صلى االله عليه وسلم خديجة بنت خويلد وله خمس وعشرون سنة، وقيل: تزوجها وله ثلاثون سنة، وولدت له، قبل أن يبعث، القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم، وبعد ما بعث عبد االله، وهو الطيب والطاهر لأنه ولد في الإسلام، وفاطمة. وروى بعضهم عن عمار بن ياسر أنه قال: أنا أعلم الناس بتزويج رسول االله صلى االله عليه وسلم خديجة بنت خويلد: كنت صديقا له، فإنا لنمشي يوما ً بين الصفا والمروة إذا بخديجة بنت خويلد وأختها هالة. فلما رأت رسول االله صلى االله عليه وسلم جاءتني هالة أختها فقالت: يا عمار! ما لصاحبك حاجة في خديجة؟ قلت: واالله ما أدري. فرجعت فذكرت ذلك له، فقال: ارجع فواضعها وعدها يوما ً نأتيها فيه، ففعلت. فلما كان ذلك اليوم أرسلت إلى عمرو بن أسد وسقته ذلك اليوم ودهنت لحيته بدهن أصفر، وطرحت عليه حبرا ً. ثم جاء رسول االله صلى االله عليه وسلم في نفر من أعمامه تقدمهم أبو طالب فخطب أبو طالب فقال: الحمد الله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس وبارك لنا في بلدنا الذي نحن به، ثم أن ابن أخي محمد بن عبد االله لا يوزن برجل من قريش إلا رجح ولا يقاس بأحد إلا عظم عنه، وأن كان في المال قل فإن المال رزق حائل وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة وصداق ما سألتموه عاجلة من مالي، وله واالله خطب عظيم ونبأ شائع. فتزوجها وانصرف. فلما أصبح عمها عمرو بن أسد أنكر ما رأى فقيل له: هذا ختنك محمد بن عبد االله بن عبد المطلب أهدى لك هذا. قال: ومتى زوجته؟ قيل له: بالأمس. قال: ما فعلت. قيل له: بلى، نشهد أنك قد فعلت. فلما رأى عمرو رسول االله صلى االله عليه وسلم قال. اشهدوا أني أن لم أكن زوجته بالأمس فقد زوجته اليوم، وأنه ما كان مما يقول الناس إا استأجرته بشيء ولا كان أجيرا لأحد قط ،وروى محمد بن إسحاق أن خويلد بن أسد بن عبد العزى زوج خديجة ابنته من رسول االله صلى االله عليه وسلم ومات بعد الفجار بخمس سنين، وروى بعضهم أنه قتل في الفجار أو مات عام الفجار. المبعث

وبعث رسول االله صلى االله عليه وسلم لما استكمل أربعين سنة، فكان مبعثه في شهر ربيع الأول، وقيل في رمضان، ومن شهور العجم في شباط. وكانت سنته التي بعث فيها سنة قرآن في الدلو. قال، ما شاء االله ،الحاسب: كان طالع السنة التي بعث فيها رسول االله صلى االله عليه وسلم وهو القرآن الثالث من قرآن مولده السنبلة أربع درجات، والقمر في الميزان سبع عشرة درجة، والمريخ من الطالع في السنبلة ثلاث عشرة درجة راجعا ً، والمشتري في الخامس في الجدي إحدى وعشرين درجة، وزحل في الدلو في السادس في تسع درجات حد الزهرة في الحوت، والشمس في الثامن في الحمل دقيقة، وعطارد في الحمل أربع عشرة درجة، وحد مدخل السنة منذ أول يوم دخلت فيه الشمس. وقال الخوارزمي: كانت الشمس يومئذ في الدلو أربعا ً وعشرين درجة وخمس عشرة دقيقة، والقمر في السرطان سبع عشرة درجة، وزحل في الدلو تسع عشرة درجة، والمشتري اثنتي عشرة درجة، والمريخ في الحوت خمس عشرة درجة وثلاثين دقيقة، والزهرة في الحمل إحدى عشرة درجة، وعطارد في الدلو ثلاثا ً وعشرين درجة وثلاثين دقيقة. وكان جبريل يظهر له فيكلمه. وربما ناداه من السماء ومن الشجرة ومن الجبل فيذعر من ذلك رسول االله، ثم قال له: أن ربك يأمرك أن تجتنب الرجس من الأوثان، فكان أول أمره. فكان رسول االله صلى االله عليه وسلم يأتي خديجة ابنة خويلد ويقول لها ما سمع وتكلم به. فتقول له: استر يا ابن عم، فواالله إني لأرجو أن يصنع االله بك خيرا ً. وأتاه جبريل ليلة السبت وليلة الأحد ثم ظهر له بالرسالة يوم الإثنين، وقال بعضهم يوم الخميس، وقال من رواه عن جعفر بن محمد يوم الجمعة لعشر بقين من شهر رمضان ولذلك جعله عيدا للمسلمين وعلى جبريل جبة سندس وأخرج له درنوكا من درانيك الجنة فأجلسه عليه وأعلمه أنه رسول االله صلى االله عليه وسلم وبلغه عن االله وعلمه: اقرأ باسم ربك الذي خلق. وأتاه من غد وهو متدثر، فقال يا أيها المدثر قم فأنذر. وقال رسول االله: أول ما اني عنه جبريل بعد عبادة الأصنام ملاحاة الرجال. وروى بعضهم أن إسرافيل وكل به ثلاث سنين وأن جبريل وكل به عشرين سنة، وقال آخرون: ما زال جبريل موكلا به، وقد كان ورقة بن نوفل قال لخديجة بنت خويلد: اسأليه من هذا الذي يأتيه؟ فإن كان ميكائيل فقد أتاه بالخفض والدعة واللين، وأن كان جبريل فقد أتاه بالقتل والسبي. فسألته ، فقال: جبريل، فضربت خديجة جبهتها. وكان أول ما افترض عليه من الصلاة الظهر، أتاه جبريل فأراه الوضوء، فتوضأ رسول االله صلى االله عليه وسلم كما توضأ جبريل ثم صلى ليريه كيف يصلى، فصلى رسول االله. وروى بعضهم أن الظهر الصلاة الوسطى أول صلاة صلاها رسول االله، وكان يوم جمعة. ثم أتى خديجة ابنة خويلد فأخبرها فتوضأت وصلت، ثم رآه علي بن أبي طالب ففعل كما رآه يفعل. ولما بعث رميت الشياطين بشهب من السماء ومنعت من أن تسترق السمع. فقال إبليس: ما هذا إلا لأمر قد حدث ونبي قد بعث، وأصبحت الأصنام في جميع الدنيا منكسة، وخمدت النيران التي كانت تعبد. وكان أول من أسلم خديجة بنت خويلد من النساء وعلي بن أبي طالب من الرجال. ثم زيد بن حارثة ثم أبو ذر وقيل أبو بكر قبل أبي ذر، ثم عمرو بن عبسة السلمي ثم خالد بن سعيد بن العاص ثم سعد بن أبي وقاص ثم عتبة بن غزوان ثم خباب بن الأرت ثم مصعب بن عمير. وروي عن عمرو بن عبسة السلمي قال: أتيت رسول االله صلى االله عليه وسلم أول ما بعث وبلغني أمره فقلت: صف لي أمرك. فوصف لي أمره وما بعثه االله به. فقلت: هل يتبعك على هذا أحد؟ قال: نعم! امرأة وصبي وعبد، يريد خديجة بنت خويلد وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة. وأقام رسول االله صلى االله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين يكتم أمره وهو يدعو إلى توحيد االله، عز وجل ، وعبادته والإقرار بنبوته، فكان إذا مر بملأ من قريش، قالوا: أن فتى ابن عبد المطلب ليكلم من السماء حتى عاب عليهم آلهتهم وذكر هلاك آبائهم الذين ماتوا كفارا ثم أمره االله، عز وجل، أن يصدع بما أرسله ، فأظهر أمره وأقام بالأبطح فقال: إني رسول االله صلى االله عليه وسلم أدعوكم إلى عبادة االله وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر ولا تخلق ولا ترزق ولا تحيي ولا تميت. فاستهزأت منه قريش وآذته وقالوا لأبي طالب: أن ابن أخيك قد عاب آلهتنا وسفه أحلامنا وضلل أسلافنا فليمسك عن ذلك وليحكم في أموالنا بما يشاء. فقال أن االله لم يبعثني لجمع الدنيا والرغبة فيها وإنما بعثني لأبلغ عنه وأدل عليه. وآذوه أشد الإيذاء، فكان المؤذون له منهم أبو لهب والحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط وعدي بن حمراء الثقفي وعمرو بن الطلاطلة الخزاعي. وكان أبو لهب أشد أذى له. وروى بعضهم أن رسول االله صلى االله عليه وسلم قام بسوق عكاظ، عليه جبة حمراء، فقال: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا االله تفلحوا وتنجحوا. وإذا رجل يتبعه له غديرتان كان وجهه الذهب وهو يقول: يا أيها الناس أن هذا ابن أخي وهو كذاب فاحذروه. فقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا محمد بن عبد االله، وهذا أبو لهب ابن عبد المطلب عمه، وكان المستهزءون به العاص بن وائل السهمي والحارث ابن قيس بن عدي السهمي والأسود بن المطلب بن أسد والوليد بن المغيرة المخزومي والأسود بن عبد يغوث الزهري ،وكانوا يوكلون به صبيام وعبيدهم فيلقونه بما لا يحب حتى إم نحروا جزورا بالحزورة ورسول االله صلى االله عليه وسلم قائم يصلي، فأمروا غلاما لهم فحمل السلى والفرث حتى وضعه بين كتفيه وهو ساجد. فانصرف فأتى أبا طالب، فقال: كيف موضعي فيكم؟ قال: ما ذاك يا ابن أخي؟ فأخبره ما صنع به. قال: فأقبل أبو طالب مشتملا على السيف يتبعه غلام له فاخترط سيفه وقال: واالله لا تكلم رجل منكم إلا ضربته. ثم أمر غلامه فأمر ذلك السلى والفرث على وجوههم واحدا واحدا. ثم قالوا: حسبك هذا فينا يا ابن أخينا. واجتمعت قريش إلى أبي طالب، فقالوا: ندعوك إلى نصفه، هذا عمارة بن الوليد بن المغيرة أحسن قريش وجها وأكملهم هيئة فخذه فصيره ابنك وصير إلينا محمدا ً نقتله. فقال: ما أنصفتموني! أدفع إليكم ابني تقتلونه، وتدفعون إلى ابنكم أغذوه! وقال أبو طالب في ذلك: وأحلام أقوام لديك سخاف عجبت لحم يا ابن شيبة عارف بسوء وقم في أمره بخلاف يقولون شايع من أراد محمدا ً وإما قريب منه غير مصافي أصاميم إما حاسد ذو خيانة وأنت امرؤ من خير عبد مناف ولا يركبن الدهر منك ظلامة وليس بذي حلف ولا بمضاف وأن له قربى إليكم وسيلة إلى أبحر فوق البحور طوافي ولكنه من هاشم في صميمها بني عمنا ما قومكم بضعاف فإن عصبت فيه قريش فقل لها وما نحن فيما ساءكم بخفاف فما قومكم بالقوم يخشون ظلمهم وقال أيضا ً: وينهض قوم نحوكم غير عزل ببيض حديث عهدها بالصياقل وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل الإسراء وأسرى به وأتاه جبريل بالبراق، وهو أصغر من البغل وأكبر من الحمار مضطرب الأذنين خطوة مد بصره له جناحان يحفزانه من خلفه عليه سرج ياقوت، فمضى به إلى بيت المقدس فصلى به ثم عرج به إلى السماء، فكان بينه وبين ربه كما قال االله: قاب قوسين أو أدنى، ثم هبط به فترل في بيت أم هانئ بنت أبي طالب. فقص عليها القصة فقالت له: بأبي أنت وأمي، لا تذكر هذا لقريش فيكذبوك. وفي الليلة التي أسري به افتقده أبو طالب فخاف أن تكون قريش قد اغتالته أو قتلته، فجمع سبعين رجلا ً من بني عبد المطلب معهم الشفار وأمرهم أن يجلس كل رجل منهم إلى جانب رجل من قريش، وقال لهم: أن رأيتموني ومحمدا معي فأمسكوا حتى آتيكم وإلا فليقتل كل رجل منكم جليسه ولا تنتظروني. فوجدوه على باب أم هانئ، فأتي به بين يديه حتى وقف على قريش فعرفهم ما كان منه فأعظموا ذلك وجل في صدورهم وعاهدوه وعاقدوه ام لا يؤذون رسول االله صلى االله عليه وسلم ولا يكون منهم إليه شيء يكرهه أبدا ً. النذارة وأمره االله، عز وجل، أن ينذر عشيرته الأقربين، فوقف على المروة ثم نادى بأعلى صوته: يا آل فهر ،فاجتمعت إليه بطون قريش حتى لم يبق أحد منهم. فقال له أبو لهب: هذه فهر. ثم نادى: يا آل غالب فانصرفت بنو محارب وبنو الحارث بن فهر ثم نادى يا آل لؤي، فانصرفت بنو تيم الأدرم بن غالب. ثم نادى: يا آل كعب، فانصرفت بنو عامر وبنو عوف بن لؤي. ثم نادى: يا آل مرة، فانصرفت بنو عدي بن كعب وبنو سهم وجمح ابني هصيص بن كعب. ثم نادى: يا آل كلاب، فانصرفت بنو تيم ابن مرة وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة. ثم نادى: يا آل قصي، فانصرفت بنو زهرة. ثم نادى: يا آل عبد مناف ، فانصرفت بنو عبد الدار وبنو عبد العزى ابني قصي. ثم نادى: يا آل هاشم، فانصرفت بنو عبد شمس وبنو نوفل. وأقام بنو عبد المطلب، فقال أبو لهب: هذه هاشم قد اجتمعت، فجمعهم في بعض دورهم. وحدثني أبو عبد االله الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي من ولد ربيعة بن الحارث ام كانوا في دار الحارث بن عبد المطلب وكانوا أربعين رجلا ً يزيدون رجلا ً أو ينقصونه، فصنع لهم طعاما فأكلوا عشرة عشرة حتى شبعوا. وكان جميع طعامهم رجل شاة وشرام عس من لبن وأن منهم من يأكل الجذعة ويشرب الفرق. ثم أنذرهم كما أمره االله ودعاهم إلى عبادة االله تعالى، وأعلمهم تفضيل االله إياهم واختصاصه لهم إذ بعثه بينهم وأمره أن ينذرهم. فقال أبو لهب: خذوا على يدي صاحبكم قبل أن يأخذ على يده غيركم ،فإن منعتموه قتلتم وأن تركتموه ذللتم. فقال أبو طالب: يا عورة واالله لننصرنه ثم لنعيننه. يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح. وأسلم يومئذ جعفر بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث وأسلم خلق عظيم وظهر أمرهم وكثرت عدم وعاندوا ذوي أرحامهم من المشركين. فأخذت قريش من استضعفت منهم إلى الرجوع عن الإسلام والشتم لرسول االله، فكان ممن يعذب في االله عمار بن ياسر وياسر أبوه وسمية أمه حتى قتل أبو جهل سمية، طعنها في قبلها فماتت، فكانت أول شهيد في الإسلام، وخباب بن الأرت وصهيب بن سنان وأبو فكيهة الأزدي وعامر بن فهيرة وبلال بن رباح. وقال خباب بن الأرت: يا رسول االله ادع لنا. قال: إنكم لتعجلون، لقد كان الرجل ممن كان قبلكم يمشط بأمشاط الحديد ويشق بالمنشار فلا يرده ذلك عن دينه، واالله ليتممن االله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا االله والذئب على عترة. واشتد على القوم العذاب ونالهم منه أمر عظيم فرجع عن الإسلام خمسة نفر وهم: أبو قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن ألفا ًكه بن المغيرة... فروي أن فيهم نزلت هذه الآية: "الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" إلى آخر الآية. مهاجرة الحبشة ولما رأى رسول االله صلى االله عليه وسلم ما فيه أصحابه من الجهد والعذاب وما هو فيه من الأمن بمنع أبي طالب عمه إياه قال لهم: ارحلوا مهاجرين إلى أرض الحبشة إلى النجاشي فإنه يحسن الجوار. فخرج في المرة الأولى اثنا عشر رجلا ً وفي المرة الثانية سبعون رجلا ً سوى أبنائهم ونسائهم، وهم المهاجرون الأولون، فكان لهم عند النجاشي مترلة، وكان يرسل إلى جعفر فيسأله عما يريد فلما بلغ قريشا ذلك وجهت بعمرو بن العاص وعمارة بن الوليد المخزومي إلى النجاشي دايا وسألوه أن يبعث إليهم بمن صار إليه من أصحاب رسول االله، وقالوا سفهاء من قومنا خرجوا عن ديننا وضللوا أمواتنا وعابوا آلهتنا، وأن تركناهم ورأيهم لم نأمن أن يفسدوا دينك. فلما قال عمرو وعمارة للنجاشي هذا، أرسل إلى جعفر فسأله، فقال: أن هؤلاء على شر دين يعبدون الحجارة ويصلون للأصنام ويقطعون الأرحام ويستعملون الظلم ويستحلون المحارم، وأن االله بعث فينا نبيا من أعظمنا قدرا وأشرفنا سررا وأصدقنا لهجة وأعزنا بيتا، فأمر عن االله بترك عبادة الأوثان واجتناب المظالم والمحارم والعمل بالحق والعبادة له وحده، فرد على عمرو وعمارة الهدايا وقال: أدفع إليكم قوما في جواري على دين الحق وأنتم على دين الباطل! وقال لجعفر: اقرأ علي شيئا ً مما أنزل على نبيكم. فقرأ عليه: كهيعص فبكى وبكى من بحضرته من الأساقفة فقال له عمرو وعمارة: أيها الملك إم يزعمون أن المسيح عبد مملوك، فأوحشه ذلك وأرسل إلى جعفر فقال له: ما تقول وما يقول صاحبكم في المسيح؟ قال: إنه يقول إنه روح االله وكلمته، ألقاها إلى العذراء البتول. فأخذ عودا بين إصبعيه ثم قال: ما يزيد المسيح على ما قلت ولا مقدار هذا. وكان عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد تلاحيا في طريقهما، وكان عمارة رجلا ً مغرما ً بالنساء وكان معه امرأته رابطة بنت منبه بن الحجاج السهمي. فقال عمارة: قل لها فلتقبلني. فقال: سبحان االله! أتقول هذا لابنة عمك؟ قال: واالله لتفعلن أو لأضربنك ذا السيف. فقال لها: قبليه. ثم أن عمارة اعتقل عمرا ً فألقاه في البحر، فعام عمرو وأوهمه أنه فعل هذا مزاحا ً. فقال: ألق إلى ابن عمك الحبل، سبحان االله أهكذا يكون المزاح؟ فألقى إليه الحبل فخرج. فلما أراد عمرو وعمارة الانصراف وأيسا من عند النجاشي، قال عمرو لعمارة: لو أرسلت إلى امرأة الملك النجاشي فلعلنا ننال منها حاجتنا عنده. ففعل ذلك ولاطفها حتى أرسلت إليه بطيب من طيب الملك، فكاد عمرو عمارة، وقال للنجاشي: أن صاحبي هذا أرسل إلى امرأة الملك حتى أطمعته في نفسها وبعثت إليه بطيب من طيب الملك. فأخذه النجاشي فنفخ في أنثييه السم وقيل الزئبق، فهام مع الوحوش على وجهه، فلم يزل هائما حتى قدم قوم من بني مخزوم فسألوه أن يأذن لهم في أخذه، فنصبوا له فأخذوه. فلم يزل يضطرب في أيديهم حتى مات. وانصرف عمرو إلى المشركين خائبا ً، وأقام المسلمون بأرض الحبشة حتى ولد لهم الأولاد. وجميع أولاد جعفر ولدوا بأرض الحبشة ولم يزالوا ا في أمن وسلامة. واسم النجاشي أصحمة. حصار قريش لرسول االله وخبر الصحيفة وهمت قريش بقتل رسول االله صلى االله عليه وسلم وأجمع ملأها على ذلك وبلغ أبا طالب فقال: واالله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أغيب في التراب دفيناودعوتني وزعمت أنك ناصح ولقد صدقت وكنت ثم أميناوعرضت دينا ً قد علمت بأنه من خير أديان البرية دينا فلما علمت قريش ام لا يقدرون على قتل رسول االله، وأن أبا طالب لا يسلمه، وسمعت ذا من قول أبي طالب، كتبت الصحيفة القاطعة الظالمة ألا يبايعوا أحدا ً من بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يعاملوهم حتى يدفعوا إليهم محمد فيقتلوه. وتعاقدوا على ذلك وتعاهدوا وختموا على الصحيفة بثمانين خاتما ، وكان الذي كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، فشلت يده. ثم حصرت قريش رسول االله صلى االله عليه وسلم وأهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ابن عبد مناف في الشعب الذي يقال له شعب بني هاشم بعد ست سنين من مبعثه. فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ثلاث سنين حتى أنفق رسول االله صلى االله عليه وسلم ماله، وأنفق أبو طالب ماله، وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها، وصاروا إلى حد الضر والفاقة. ثم نزل جبريل على رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال: أن االله بعث الأرضة على صحيفة قريش فأكلت كل ما فيها من قطيعة وظلم إلا المواضع التي فيها ذكر االله فخبر رسول االله أبا طالب بذلك ثم خرج أبو طالب ومعه رسول االله صلى االله عليه وسلم وأهل بيته حتى صار إلى الكعبة، فجلس بفنائها وأقبلت قريش من كل أوب فقالوا: قد آن لك يا أبا طالب أن تذكر العهد وأن تشتاق إلى قومك وتدع اللجاج في ابن أخيك. فقال لهم يا قوم أحضروا صحيفتكم فلعلنا أن نجد فرجا وسببا لصلة الأرحام وترك القطيعة، وأحضروها وهي بخواتيمهم. فقال: هذه صحيفتكم على العهد لم تنكروها. قالوا: نعم. قال: فهل أحدثتم فيها حدثا؟ قالوا: اللهم لا. قال: فإن محمدا ً أعلمني عن ربه أنه بعث الأرضة فأكلت كل ما فيها إلا ذكر االله أ فرأيتم أن كان صادقا ماذا تصنعون؟ قالوا: نكف ونمسك. قال: فإن كان كاذبا ً دفعته إليكم تقتلونه. قالوا: قد أنصفت وأجملت، وفضت الصحيفة فإذا الأرضة قد أكلت كل ما فيها إلا مواضع بسم االله، عز وجل. فقالوا: ما هذا إلا سحر، وما كنا قط أجد في تكذيبه منا ساعتنا هذه وأسلم يومئذ خلق من الناس عظيم وخرج بنو هاشم من الشعب وبنو المطلب فلم يرجعوا إليه. وفاة القاسم ابن رسول االله وتوفي القاسم ابن رسول االله، فقال وهو في جنازته، ونظر إلى جبل من جبال مكة: يا جبل لو أن ما بي بك لهدك وكان للقاسم يوم توفي أربع سنين. ثم توفي عبد االله ابن رسول االله صلى االله عليه وسلم بعده بشهر، ولم يفطم. فقالت خديجة: يا رسول االله صلى االله عليه وسلم لو بقي حتى أفطمه! قال: فإن فطامه في الجنة. وسألت خديجة رسول االله صلى االله عليه وسلم فقالت: أين أولادي منك؟ قال: في الجنة. قالت: بغير عمل؟ قال: االله أعلم بما كانوا عاملين. قالت: فأين أولادي من غيرك؟ قال: في النار. قالت: بغير عمل؟ قال: االله أعلم بما كانوا عاملين. ما نزل من القرآن بمكة ونزل من القرآن بمكة اثنتان وثمانون سورة، على ما رواه محمد بن حفص ابن أسد الكوفي عن محمد بن كثير ومحمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وكان أول ما نزل على رسول االله: اقرأ باسم ربك الذي خلق ثم: نون والقلم وما يسطرون ثم: والضحى ثم: يا أيها المزمل ثم يا أيها المدثر ثم فاتحة الكتاب ثم تبت ثم إذا الشمس كورت ثم سبح اسم ربك الأعلى ثم والليل إذا يغشى ثم والفجر ثم ألم نشرح لك صدرك ثم الرحمن ثم والعصر ثم إنا أعطيناك الكوثر ثم ألهاكم التكاثر ثم أرأيت الذي يكذب بالدين ثم أ لم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ثم والنجم إذا هوى ثم عبس وتولى ثم إنا أنزلناه في ليلة القدر ثم والشمس وضحاها ثم والسماء ذات البروج ثم والتين والزيتون ثم لإيلاف قريش ثم القارعة ثم لا أقسم بيوم القيامة ثم ويل لكل همزة ثم والمرسلات عرفا ثم ق والقرآن ايد ثم لا أقسم ذا البلد ثم والسماء والطارق ثم اقتربت الساعة ثم ص والقرآن ذي الذكر ثم الأعراف ثم سورة الجن ثم سورة يس ثم تبارك الذي نزل الفرقان ثم حمد الملائكة ثم سورة مريم ثم سورة طه ثم طسم الشعراء ثم طس النمل ثم طسم القصص ثم سورة بني إسرائيل ثم سورة يونس ثم سورة هود ثم سورة يوسف ثم الحجر ثم الأنعام ثم الصافات ثم لقمان ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حم عسق ثم الزخرف ثم حمد سبأ ثم تتريل الزمر ثم حم الدخان ثم حم الشريعة ثم الأحقاف ثم والذاريات ثم هل أتاك حديث الغاشية ثم سورة الكهف ثم سورة النحل ثم إنا أرسلنا نوحا ثم سورة إبراهيم ثم اقترب للناس حسام ثم قد أفلح المؤمنون ثم الرعد ثم والطور ثم تبارك الذي بيده الملك ثم الحاقة ثم سأل سائل ثم عم يتساءلون ثم والنازعات غرقا ثم إذا السماء انفطرت ثم سورة الروم ثم العنكبوت. وقد اختلف الناس في هذا التأليف في غير رواية ابن عباس، وكان الاختلاف أيضا ً يسيرا ً. وروى محمد بن كثير ومحمد بن السائب عن ابن صالح عن ابن عباس أنه قال: كان القرآن يترل مفرقا، لا يترل سورة سورة، فما نزل أولها بمكة أثبتناها بمكة وأن كان تمامها بالمدينة، وكذلك ما نزل بالمدينة وإنه كان يعرف فصل ما بين السورة والسورة إذا نزل بسم االله الرحمن الرحيم، فيعلمون أن الأولى قد انقضت وابتدئ بسورة أخرى. وروى بعضهم أن التوراة أنزلت لست خلون من شهر رمضان والزبور لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد التوراة بألف وخمسمائة عام، والإنجيل لثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بثمانمائة عام، وقيل ستمائة. وروى آخرون أن القرآن نزل لعشرين ليلة خلت من شهر رمضان. وروى جعفر بن محمد أنه قال: أن االله لم يبعث قط نبيا ً إلا بما هو أغلب على أهل زمانه، فبعث موسى بن عمران إلى قوم كان الأغلب عليهم السحر فأتاهم بما ضل معه سحرهم من العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفلاق البحر وانفجار الحجر حتى خرج منه الماء والطمس على وجوههم، فهذه آياته، وبعث داود في زمن أغلب الأمور على أهله الصنعة والملاهي فألان له الحديد وأعطاه حسن الصوت فكانت الوحوش تجتمع لحسن صوته، وبعث سليمان في زمان قد غلب على الناس فيه حب البناء واتخاذ الطلسمات والعجائب فسخر له الريح والجن، وبعث عيسى في زمان أغلب الأمور على أهله الطب فبعثه بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وبعث محمدا ً في زمان أغلب الأمور على أهله الكلام والكهنة والسجع والخطب فبعثه بالقرآن المبين والمحاورة. وفاة خديجة وأبي طالب وتوفيت خديجة بنت خويلد في شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين، ولها خمس وستون سنة، ودخل عليها رسول االله صلى االله عليه وسلم وهي تجود بنفسها، فقال: بالكرة مني ما أرى ،ولعل االله أن يجعل في الكره خيرا ً كثيرا ً، إذا لقيت ضراتك في الجنة يا خديجة فأقرئيهن السلام. قالت: ومن هن يا رسول االله؟ قال: أن االله زوجنيك في الجنة وزوجني مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكلثوم أخت موسى فقالت: بالرفاء والبنين. ولما توفيت خديجة، جعلت فاطمة تتعلق برسول االله وهي تبكي وتقول: أين أمي؟ أين أمي؟ فترل عليه جبريل فقال: قل لفاطمة أن االله تعالى بنى لأمك بيتا في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب. وتوفي أبو طالب بعد خديجة بثلاثة أيام وله ست وثمانون سنة، وقيل بل تسعون سنة. ولما قيل لرسول االله أن أبا طالب قد مات عظم ذلك في قلبه واشتد له جزعه ثم دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات وجبينه الأيسر ثلاث مرات ثم قال: يا عم ربيت صغيرا ً وكفلت يتيما ً ونصرت كبيرا، فجزاك االله عني خيرا ً ، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول: وصلتك رحم وجزيت خيرا ً، وقال: اجتمعت على هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان لا أدري بأيهما أنا أشد جزعا، يعني مصيبة خديجة وأبي طالب. وروي عنه أنه قال: أن االله، عز وجل، وعدني في أربعة، في أبي وأمي وعمي وأخ كان لي في الجاهلية. عرض الرسول نفسه على القبائل وخروجه إلى الطائف واجترأت قريش على رسول االله صلى االله عليه وسلم بعد موت أبي طالب وطمعت فيه وهموا به مرة بعد أخرى، وكان رسول االله صلى االله عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ويكلم شريف كل قوم، لا يسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول: لا أكره أحدا ً منكم، إنما أريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي، فلم يقبله أحد، وكانوا يقولون: قوم الرجل أعلم به، فعمد لثقيف بالطائف، فوجد ثلاثة نفر إخوة هم يومئذ سادة ثقيف وهم: عبد ياليل بن عمرو وحبيب بن عمرو ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم البلاء، فقال أحدهم: ألا يسرق ثياب الكعبة أن كان االله بعثك؟ وقال الآخر أعجز على االله أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر: واالله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على االله ما ينبغي لي أن أكلمك. وزأوا به وأفشوا في قومهم ما قالوه له، وقعدوا له صفين. فلما مر رسول االله رجموه بالحجارة حتى أدموا رجله، فقال رسول االله: ما كنت أرفع قدما ولا أضعها إلا على حجر. ووافاه بالطائف عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومعهما غلام لهما نصراني ويقال له عداس، فوجها به إلى رسول االله، فلما سمع كلامه أسلم ورجع رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى مكة. قدوم الأنصار مكة وكانت الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة أهل عز ومنعة في بلادهم حتى كانت بينهم الحروب التي أفنتهم في أيام لهم مشهورة منها يوم الصفينة وهو أول يوم جرت الحرب فيه ويوم السرارة ويوم وفاق بني خطمة ويوم حاطب ابن قيس ويوم حضير الكتائب ويوم أطم بني سالم ويوم أبتروه ويوم البقيع ويوم بعاث ويوم مضرس ومعبس ويوم الدار ويوم بعاث الآخر ويوم فجار الأنصار، وكانوا ينتقلون في هذه المواضع التي تعرف أيامهم ا ويقتتلون قتالا ً شديدا، فلما ضرستهم الحرب وألقت بركها عليهم وظنوا أا الفناء، واجترأت عليهم بنو النضير وقريظة وغيرهم من اليهود خرج قوم منهم إلى مكة يطلبون قريشا لتقويهم، وعزوا فاشترطوا عليهم شروطا لم يكن لهم فيها مقنع، وكان المشترط عليهم أبو جهل بن هشام المخزومي، وقد قيل أن قريشا قد كانت إجابتهم حتى قدم أبو جهل من سفر له وكان غائبا ً فنقض الحلف واشترط عليهم شروطا لم يقنعوا ا. ثم صاروا إلى الطائف فسألوا ثقيفا فأبطأوا عنهم فانصرفوا. وقدم رجل منهم بعد مبعث رسول االله صلى االله عليه وسلم يقال له سويد بن الصامت من الأوس حاجا أو معتمرا فبلغه أمر رسول االله صلى االله عليه وسلم فلقيه وكلمه فدعاه رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى االله. فقال له سويد: أن معي مجلة لقمان. قال: فاعرضها علي، فعرضها عليه. فقال رسول االله: أن هذا الكلام لحسن، والذي معي أحسن منه: كلام االله، وقرأ عليه. فقال: يا محمد أن هذا الكلام حسن. ثم انصرف إلى المدينة، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، ثم قدم نفر منهم أيضا ً إلى مكة، وهم بنو عفراء ،يتفاخرون مع أسعد بن زرارة، فلقيهم رسول االله صلى االله عليه وسلم ودعاهم إلى االله وقرأ عليهم القرآن. فقال رجل منهم يقال له إياس بن معاذ: يا قوم هذا واالله النبي الذي كانت اليهود تعدكم، به فلا يسبقنكم إليه أحد، فأسلموا، وأخذ عليهم رسول االله صلى االله عليه وسلم الإيمان باالله وبرسوله، ثم انصرفوا فأخبروا قومهم الخبر وقد كانوا سألوه أن يوجه معهم رجلا ً من قبله يدعو الناس بكتاب االله. فبعث إليهم رسول االله صلى االله عليه وسلم مصعب بن عمير فترل على أسعد بن زرارة وجعل يدعوهم إلى االله، عز وجل ،ويعلمهم الإسلام، وكان أول من قدم المدينة. ثم خرج اثنا عشر رجلا ً منهم إليه فلقوه وهم أصحاب العقبة الأولى فأمنوا باالله وصدقوه، وانصرفوا إلى المدينة وكثر خبره وفشا الإسلام فيها. فلما كان العام القابل خرج إليه جماعة من الأوس وجماعة من الخزرج فوافى منهم سبعون رجلا ً وامرأتان فأسلموا وصدقوه، وأخذ رسول االله صلى االله عليه وسلم عليهم بيعة النساء. فسألوه أن يخرج معهم إلى المدينة، وقالوا: إنه لم يصبح قوم في مثل ما نحن فيه من الشر، ولعل االله أن يجمعنا بك ويجمع ذات بيننا فلا يكون أحد أعز منا. فقال لهم رسول االله صلى االله عليه وسلم قولا جميلا ،ثم انصرفوا إلى قومهم فدعوهم إلى الإسلام فكثر حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر حسن من ذكر رسول االله، وسألوه الخروج معهم وعاهدوه أن ينصروه على القريب والبعيد والأسود والأحمر ،قال له العباس بن عبد المطلب: وإني فداك أبي وأمي آخذ العهد عليهم فجعل ذلك إليه وأخذ عليهم العهود والمواثيق أن يمنعوه وأهله مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وأولادهم وعلى أن يحاربوا معه الأسود والأحمر وأن ينصروه على القريب والبعيد وشرط لهم الوفاء بذلك والجنة. خروج رسول االله من مكة

وأجمعت قريش على قتل رسول االله، وقالوا: ليس له اليوم أحد ينصره وقد مات أبو طالب، فأجمعوا جميعا ً على أن يأتوا من كل قبيلة بغلام د فيجتمعوا عليه فيضربوه بأسيافهم ضربه رجل واحد فلا يكون لبني هاشم قوة بمعاداة جميع قريش. فلما بلغ رسول االله، ام أجمعوا على أن يأتوه في الليلة التي اتعدوا فيها ،خرج رسول االله صلى االله عليه وسلم لما اختلط الظلام ومعه أبو بكر، وأن االله، عز وجل، أوحى في تلك الليلة إلى جبريل وميكائيل أني قضيت على أحدكما بالموت فأيكما يواسي صاحبه؟ فاختار الحياة كلاهما فأوحى االله إليهما: هلا كنتما كعلي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد، وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر، فاختار على الموت وآثر محمدا ً بالبقاء وقام في مضجعه، اهبطا فاحفظاه من عدوه، فهبط جبريل وميكائيل فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه يحرسانه من عدوه ويصرفان عنه الحجارة ،وجبريل يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب من مثلك يباهي االله بك ملائكة سبع سماوات! وخلف عليا ً على فراشه لرد الودائع التي كانت عنده وصار إلى الغار فكمن فيه وأتت قريش فراشه فوجدوا عليا ً فقالوا: أين ابن عمك؟ قال: قلتم له اخرج عنا، فخرج عنكم. فطلبوا الأثر فلم يقعوا عليه، وأعمى االله عليهم المواضع فوقفوا على باب الغار وقد عششت عليه حمامة، فقالوا: ما في هذا الغار أحد، وانصرفوا. وخرج رسول االله صلى االله عليه وسلم متوجها إلى المدينة، ومر بأم معبد الخزاعية فترل عندها. ثم نفذ لوجهه حتى قدم المدينة وكان جميع مقامه بمكة حتى خرج منها إلى المدينة ثلاث عشرة سنة من مبعثه. وروى بعضهم أنه قال: ما علمت قريش أين توجه رسول االله صلى االله عليه وسلم حتى سمعوا هاتفا من بعض جبال مكة يقول: فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف وقال أبو سفيان: من السعود سعد هذيم وسعد تميم وسعد بكر فسمعوا في الليلة المقبلة قائلا يقول: فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ً ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أنيبا إلى داعي الهدى وتمنيا على االله في الفردوس منية عارف فعلمت قريش أنه قد مضى إلى يثرب، واتبعه سراقة بن جعشم المدلجي لما صار إلى ماء بني مدلج. فلما لحقه قال رسول االله: اللهم أكفنا سراقة، فساخت قوائم فرسه فصاح: يا ابن أبي قحافة، قل لصاحبك أن يدعو االله بإطلاق فرسي، فلعمري لئن لم يصبه مني خير لا يصبه مني شر. فلما رجع إلى مكة خبرهم الخبر فكذبوه، وكان أشدهم له تكذيبا أبو جهل، فقال سراقة: أبا حكم واالله لو كنت شاهدا ً لأمر جوادي حيث ساخت قوائمه علمت ولم تشكك بأن محمدا ً رسول وبرهان فمن ذا يكاتمه قدوم رسول االله المدينة وقدم رسول االله صلى االله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول، وقيل يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت منه، والشمس يومئذ في السرطان ثلاثا ً وعشرين درجة وست دقائق ،والقمر في الأسد ست درجات وخمسا وثلاثين دقيقة، وزحل في الأسد درجتين، والمشتري في الحوت ست درجات راجعا، والزهرة في الأسد ثلاث عشرة درجة، وعطارد في الأسد خمس عشرة درجة، فترل على كلثوم بن الهدم، فلم يلبث إلا أياما ً، حتى مات كلثوم، وانتقل فترل على سعد بن خيثمة في بني عمرو بن عوف فمكث أياما ً. ثم كان سفهاء بني عمرو ومنافقوهم يرجمونه في الليل، فلما رأى ذلك قال: ما هذا الجوار؟ فارتحل عنهم وركب راحلته وقال: خلوا زمامها، فجعل لا يمر بحي من أحياء الأنصار إلا قالوا له: يا رسول االله صلى االله عليه وسلم انزل بنا، فإنك تترل في العدة والكثرة فيقول: خلوا زمام الراحلة فإا مأمورة، حتى وقفت على باب أبي أيوب الأنصاري فبركت، فنخست بقضيب فلم تبرح ،فترل بأبي أيوب فأقام عنده أياما ً ثم انتقل إلى حجراته، وقيل أن ناقته بركت في موضع المسجد فترل فجاء أبو أيوب فأخذ رحلة فمضى ا إلى مترله، وكلمته الأنصار في الترول ا، فقال: المرء مع رحله. وقدم علي بن أبي طالب بفاطمة بنت رسول االله صلى االله عليه وسلم وذلك قبل نكاحه إياها، وكان يسير الليل ويكمن النهار حتى قدم فترل مع رسول االله. ثم زوجها رسول االله صلى االله عليه وسلم من علي بعد قدومه بشهرين، وقد كان جماعة من المهاجرين خطبوها إلى رسول االله، فلما زوجها عليا ً قالوا في ذلك، فقال رسول االله: ما أنا زوجته ولكن االله زوجه. وقدم العباس بن عبد المطلب بزينب بنت رسول االله، وكانت بالطائف حين هاجر رسول االله صلى االله عليه وسلم عند أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان الثقفي، ثم رجع العباس إلى مكة وقدم المهاجرون فترلوا منازل الأنصار فواسوهم بالديار والأموال. افتراض الصوم والصلاة وافترض االله عز وجل، شهر رمضان، وصرفت القبلة نحو المسجد الحرام في شعبان بعد مقدمه بالمدينة بسنة وخمسة أشهر، وقيل بسنة ونصف. وأنزل االله، عز وجل: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبله ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام. وكان بين نزول افتراض شهر رمضان وبين توجه القبلة إلى الكعبة ثلاثة عشر يوما ً. وروى بعضهم أن رسول االله صلى االله عليه وسلم كان يصلي الظهر في مسجد بني سلمة، فلما صلى ركعتين نزل عليه: صرف القبلة إلى الكعبة. واستدار حتى جعل وجهه إلى الكعبة، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين وبنى مسجدا ً باللبن وسقفه بالجريد، وقيل له: يا رسول االله صلى االله عليه وسلم لو وسعت المسجد فقد كثر المسلمون. فقال: لا عرش كعرش موسى. وعمل غلام للعباس يقال له كلاب منارة، ولم تكن للمسجد منارة على عهد رسول االله، وكان بلال يؤذن ثم أذن معه ابن أم مكتوم، وكان أيهما سبق أذن فإذا كانت الصلاة أقام واحد. وروى الواقدي أن بلالا ً كان إذا أذن وقف على باب رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال: الصلاة يا رسول االله، حي على الصلاة حي على الفلاح. ما نزل من القرآن بالمدينة ونزل عليه بالمدينة من القرآن اثنتان وثلاثون سورة. أول ما نزل: ويل للمطففين ثم سورة البقرة، ثم سورة الأنفال ،ثم سورة آل عمران، ثم الحشر ثم سورة الأحزاب ثم سورة النور ثم الممتحنة ثم إنا فتحنا لك ثم سورة النساء ثم سورة الحج ثم سورة الحديد ثم سورة محمد ثم هل أتى على الإنسان ثم سورة الطلاق ثم سورة لم يكن ثم سورة الجمعة ثم تتريل السجدة ثم المؤمن ثم إذا جاءك المنافقون ثم اادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم التغابن ثم الصف ثم المائدة ثم براءة ثم إذا جاء نصر االله والفتح ثم إذا وقعت الواقعة ثم والعاديات ثم المعوذتين جميعا ً وكان آخر ما نزل لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم إلى آخر السورة. وقد قيل: أن آخر ما نزل عليه اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام. دينا وهي الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة. وكان نزولها يوم النفر على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ،ص، بغدير خم. وقيل: آخر ما نزل واتقوا يوما ً ترجعون فيه إلى االله. وقال ابن عباس: كان جبريل إذا نزل على النبي بالوحي يقول له: ضع هذه الآية في سورة كذا في موضع كذا، فلما نزل عليه اتقوا يوما ً ترجعون فيه إلى االله قال: ضعها في سورة البقرة. قال ابن مسعود: نزل القرآن بأمر وي وتحذير وتبشير، وقال جعفر بن محمد: نزل القرآن بحلال وحرام ،وفرائض وأحكام، وقصص وأخبار، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وعبر وأمثال، وظاهر وباطن ،وخاص وعام. وأقام رسول االله صلى االله عليه وسلم يتلوم ويتهيأ للقتال حتى أنزل االله، عز وجل: أذن للذين يقاتلون بأم ظلموا وأن االله على نصرهم لقدير والآية التي بعدها. وقال: فقاتل في سبيل االله لا تكلف إلا نفسك إلى آخر الآية. فكان الرجل من المؤمنين يعد بعشرة من المشركين حتى أنزل االله، عز وجل: الآن خفف االله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وأن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين وأنزل االله عليه سيفا ً من السماء له غمد، فقال له جبريل: ربك يأمرك أن تقاتل ذا السيف قومك حتى يقولوا: لا إله إلا االله، وإنك رسول االله، فإذا فعلوا ذلك حرمت دماؤهم وأموالهم إلا لمحقها وحسام على االله. فكان أول سرية سارت، ولواء عقد في الإسلام لحمزة بن عبد المطلب، وقد ذكرنا هذا وغيره في كتابنا هذا بعد انقضاء الغزوات التي غزاها رسول االله صلى االله عليه وسلم.

وقعة بدر العظمى وكانت وقعة بدر يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان ،بعد مقدمه بثمانية عشر شهرا ً ،وكان سببها أن أبا سفيان بن حرب قدم من الشام بعير لقريش تحمل تجارات وأموالا، فخرج رسول االله صلى االله عليه وسلم يعارضه وجاء الصريخ إلى قريش بمكة يخبرهم الخبر. وكان الرسول بذلك ضمضم بن عمرو الغفاري، فخرجوا نافرين مستعدين، وخالف أبو سفيان الطريق فنجا بالعير. وأقبلت قريش مستعدة لقتال رسول االله صلى االله عليه وسلم وعدم ألف رجل، وقيل تسعمائة وخمسون، وكانوا ينحرون كل يوم من الجزور عشرا ً وتسعا ً، فنحر أبو جهل بن هشام عشرا ً وأمية بن خلف الجمحي تسعا وسهيل بن عمرو عشرا ً، وعتبة بن ربيعة عشرا ً وشيبة بن ربيعة تسعا ً ومنبه ونبيه ابنا الحجاج السهميان عشرا ً وأبو البختري العاص بن هشام الأسدي عشرا ً والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف عشرا ً والعباس بن عبد المطلب عشرا. وقيل: أن العباس نحر يوم الوقعة فأكفئت القدور، وإنه خرج مستكرها كالأسير. وقال عبد االله بن العباس: أن أبي أطعم أسيرا، وما أطعم أسير قبله. وروى ابن إسحاق أن حكم بن حزام كان من المطعمين، وكان أبو لهب عليلا فلم يمكنه الخروج فأعام بأربعة آلاف درهم، وقيل بل كان أبو لهب قامر العاص بن هشام المخزومي فقمره نفسه فدفعه إليهم مكانه. وخرج رسول االله صلى االله عليه وسلم في ثلاثمائة، وقيل: تسعين رجلا ً منهم من المهاجرين واحد وثمانون، ومن الأنصار مائتان واثنان وثلاثون رجلا ً، ومعه فرسان فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد بن عمرو البهراني، ويقال فرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي ومعه سبعون راحلة، فالتقوا يوم الجمعة لعشر خلون من شهر رمضان فقتل من المسلمين أربعة عشر رجلا ً وقتل من المشركين من سادات قريش سبعون رجلا ً وأسر منهم سبعون رجلا ً. فأمر رسول االله صلى االله عليه وسلم برجلين من الأسارى فضربت أعناقهما وهما عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو ابن أمية والنضر بن الحارث بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار، وأخذ الفداء من ثمانية وستين رجلا ً، وافتدى العباس نفسه وابني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفا لهما من بني فهر. وقال العباس لرسول االله: إنه لا مال لي فدعني أسأل الناس بكفي. فقال: أين المال الذي دفعته إلى أم الفضل؟ يعني لبابة بنت الحارث الهلالية امرأته، وقلت لها يكون عدة. فقال: أشهد أنك رسول االله، واالله ما اطلع على ذلك غيري وغيرها فافتدى نفسه بسبعين أوقية وابني أخيه بسبعين أوقية. وقال رسول االله صلى االله عليه وسلم في الليلة التي بات فيها العباس أسيرا: لقد أسهرني أنين العباس عمي في القد منذ الليلة، وأسلم العباس وخرج إلى مكة يكتم إسلامه. وتوفي أبو لهب بعد وقعة بدر بأيام أو بعد أن أتاهم الخبر بتسعة أيام. وكان أول من قدم مكة وخبر بخبر قريش ومن قتل منها عمرو بن جحدم الفهري. وأعز االله نبيه وقتل من قريش من قتل فأوفدت العرب وفودها إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم وحاربت ربيعة كسرى وكانت وقعتهم بذي قار، فقالوا: عليكم بشعار التهامي، فنادوا: يا محمد، يا محمد، فهزموا جيوش كسرى وقتلوهم. فقال رسول االله: اليوم أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا. وكان يوم ذي قار بعد وقعة بدر بأشهر أربعة أو خمسة. وضحى رسول االله صلى االله عليه وسلم بالمدينة ،وخرج الناس إلى المصلى بعيديهم، ولم يخرج قبل ذلك، وكانت العترة بين يديه، وذبح شاتين بالمصلى بيده، وقيل شاة، ومضى في طريق ورجع في أخرى. وقعة أحد

وكانت وقعة أحد في شوال بعد بدر بسنة: اجتمعت قريش واستعدت لطلب ثارها يوم بدر، واستعانت بالمال الذي قدم به أبو سفيان، وقالوا: لا تنفقوا منه شيئا ً إلا في حرب محمد. فكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم بخبرهم، وبعث بالكتاب مع رجل من جهينة. فخبر رسول االله أصحابه بخبرهم، وخرج المشركون وعدم ثلاثة آلاف ورئيسهم أبو سفيان بن حرب. وكان رأى رسول االله صلى االله عليه وسلم ألا يخرج من المدينة لرؤيا رآها في منامه: أن في سيفه ثلمة وأن بعيرا يذبح له، وأنه أدخل يده في درع حصينة، وتأولها محمد أن نفرا من أصحابه يقتلون، وأن رجلا ً من أهل بيته يصاب، وأن الدرع المدينة. فأشارت عليه الأنصار بالخروج، فلما لبس لباس الحرب ردت إليه الأنصار الأمر، وقالوا: لا نخرج عن المدينة. فقال: الآن وقد لبست لأمتي، والنبي إذا لبس لأمته لا يترعها حتى يقاتل، ويفتح االله عليه. فخرج وخرج المسلمون وعدم ألف رجل حتى صاروا إلى أحد. ووافى المشركون فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً، فقتل حمزة بن عبد المطلب، أسد االله وأسد رسوله، رماه وحشي عبد لجبير بن مطعم بحربة، فسقط ومثلت به هند بنت عتبة بن ربيعة وشقت عن كبده فأخذت منها قطعة فلاكتها ،وجدعت أنفه، فجزع عليه رسول االله صلى االله عليه وسلم جزعا ً شديدا ً وقال: لن أصاب بمثلك، وكبر عليه خمسا ً وسبعين تكبيرة، وازم المسلمون حتى بقي رسول االله صلى االله عليه وسلم وما معه إلا ثلاثة نفر: علي والزبير وطلحة. وقال المنافقون: قتل محمد، ورماه عبد االله بن قمئة فأثر في وجهه واقتحم خالد بن الوليد. وكان ميسرة المشركين الثغرة، فقتل عبد االله بن جبير وجماعة من المسلمين ناشبة. كان رسول االله صلى االله عليه وسلم صيرهم على تلك الثغرة، ودخل عسكر رسول االله صلى االله عليه وسلم وفيه كانت هزيمة المسلمين. قال االله تعالى: "إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم". وعاتب االله المسلمين في آيات من كتابه. وقتل من المسلمين ثمانية وستون رجلا ً، ومن المشركين اثنان وعشرون رجلا ً، ثم رجع المشركون وفرق االله جمعهم. وجاء يهودي حتى وقف على باب الأطم الذي فيه النساء وكان حسان بن ثابت معهن فصاح اليهودي: اليوم بطل السحر، ثم ارتقى يصعد. فقالت صفية بنت عبد المطلب. يا حسان انزل إليه. فقال: رحمك االله يا بنت عبد المطلب، لو كنت ممن ينازل الأبطال خرجت مع رسول االله صلى االله عليه وسلم أقاتل. فأخذت صفية السيف، وقيل: أخذت هراوة فضربت اليهودي حتى قتلته، ثم قالت: انزل فاسلبه. فقال: لا حاجة لي في سلبه. وروي أن رسول االله صلى االله عليه وسلم ضرب لصفية يومئذ بسهم، فلما كان من غد يوم أحد، نادى رسول االله صلى االله عليه وسلم فخرجوا على علتهم وعلى ما أصام من الجروح، وخرج رسول االله حتى انتهى إلى حمراء الأسد ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا، فهم الذين أجابوا االله ورسوله من بعد ما أصام القرح. وقعة بني النضير ثم كانت وقعة بني النضير، وهم فخذ من جذام إلا ام ودوا ونزلوا بجبل يقال له النضير، فسموا به ،وكذلك قريظة بعد أحد بأربعة أشهر. وكان رسول االله صلى االله عليه وسلم بعث إليهم بعد أن وجه من يقتل كعب بن الأشرف اليهودي الذي أراد أن يمكر برسول االله. أن اخرجوا من دياركم وأموالكم. فوجه إليهم عبد االله بن أبي بن سلول وأصحابه المنافقون: لا تخرجوا فإنا نعينكم، فلم يخرجوا. فسار إليهم رسول االله صلى االله عليه وسلم بعد العصر فقاتلهم، فقتل منهم جماعة، وخذلهم عبد االله بن أبي بن سلول وأصحابه. فلما رأوا أنه لا قوة لهم على حرب رسول االله، طلبوا الصلح فصالحهم على أن يخرجوا من بلادهم ولهم ما حملت الإبل من خرثي متاعهم لا يخرجون معهم بذهب ولا فضة ولا سلاح، فتحملوا إلى الشام وأسلم سلام بن ويامين النضيري. وكانت غنائمهم لرسول االله خالصة، ففرقها بين المهاجرين دون الأنصار إلا رجلين: أبا دجانة وسهل بن حنيف، فإما شكيا ً حاجة. وفي هذه الغزاة شرب المسلمون الفضيخ فسكروا، فترل تحريم الخمر. وقعة الخندق

ثم كانت وقعة الخندق، وهو يوم الأحزاب، في السنة السادسة بعد مقدم رسول االله صلى االله عليه وسلم بالمدينة بخمسة وخمسين شهرا ً، وكانت قريش تبعث إلى اليهود وسائر القبائل فحرضوهم على قتال رسول االله، فاجتمع خلق من قريش إلى موضع يقال له سلع، وأشار عليه سلمان ألفا ًرسي أن يحفر خندقا، فحفر الخندق وجعل لكل قبيلة حدا يحفرون إليه، وحفر رسول االله صلى االله عليه وسلم معهم حتى فرغ من حفر الخندق وجعل له أبوابا وجعل على الأبواب حرسا، من كل قبيلة رجلا ً، وجعل عليهم الزبير بن العوام وأمره أن رأى قتالا ً أن يقاتل. وكانت عدة المسلمين سبعمائة رجل. ووافى المشركون فأنكروا أمر الخندق وقالوا: ما كانت العرب تعرف هذا. وأقاموا خمسة أيام. فلما كان اليوم الخامس خرج عمرو بن عبدود وأربعة نفر من المشركين: نوفل بن عبد االله بن المغيرة المخزومي وعكرمة ابن أبي جهل وضرار بن الخطاب الفهري وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، فخرج علي بن أبي طالب إلى عمرو بن عبدود فبارزه وقتله وازم الباقون، وكبا بنوفل بن عبد االله بن المغيرة فرسه فلحقه علي فقتله. وبعث االله، عز وجل ،على المشركين ريحا وظلمة فانصرفوا هاربين لا يلوون على شيء حتى ركب أبو سفيان ناقته وهي معقولة. فلما بلغ رسول االله صلى االله عليه وسلم ذلك، قال: عوجل الشيخ. وكانت الحرب على ما روى بعضهم ثلاثة أيام بالرمي بغير مجالدة ولا مبارزة. واتصلت في اليوم الثالث حتى فاتت صلاة الظهر وصلاة العصر وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة، فقال رسول االله: شغلونا عن الصلاة، ملأ االله بطوم وقبورهم نارا. ثم أمر بلالا فأقام الصلاة فصلى الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء وذلك قبل أن يترل عليه: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا، وفي هذه الوقعة ظهر النفاق، وقال المنافقون: تعد يا محمد بقصور كسرى وقيصر ولأحدنا لا يقدر على الغائط، ما هذا إلا غرور. فأنزل االله، عز وجل، سورة الأحزاب ،وقص. فيها ما قص فكان قوم اليهود صاروا إلى رسول االله: منهم حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق ،فقالوا له: يا محمد نزل الم. قال: نعم. قال: جاءك ا جبريل من عند االله. قال: نعم. قال حيي بن أخطب: ما بعث االله نبيا ً إلا أعلمه قدر ملكه، فالألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون، فذلك إحدى وسبعون سنة، فهل غير هذا؟ قال: نعم المص. قال: هي أثقل وأطول، ألف واحد ولام ثلاثون والميم أربعون وصاد ستون، فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة، فهل غير هذا؟ قال: نعم، المر. قال: هي أثقل وأطول، ألف واحد ولام ثلاثون وراء مائتان، فهذا مائتان وإحدى وثلاثون سنة، فهل غير هذا؟ قال: نعم، المر. قال: هذا أثقل وأطول، ألف واحد ولام ثلاثون وميم أربعون وراء مائتان، فهذا مائتان وإحدى وسبعون، لقد لبس علينا أمرك يا محمد فلا ندري أقليلا ً أعطيت أم كثيرا ً ولعلك قد أعطيت الم والمص والر والمر، فذلك سبعمائة وأربع وستون سنة. وقتل يوم الخندق من المسلمين ستة ومن المشركين ثمانية. وقعة بني قريظة ثم كانت وقعة بني قريظة، وهي فخذ من جذام أخوه النضير، ويقال أن ودهم كان في أيام عاديا أي السموأل. ثم نزلوا بجبل يقال له قريظة، فنسبوا إليه. وقد قيل أن قريظة اسم جدهم بعقب الخندق. وكان بينهم وبين رسول االله صلى االله عليه وسلم صلح فنقضوه، ومالوا مع قريش. فوجه إليهم سعد بن معاذ وعبد االله بن رواحة وخوات بن جبير فذكروهم العهد وأساءوا الإجابة. فلما ازمت قريش يوم الخندق دعا رسول االله صلى االله عليه وسلم عليا ً، فقال له: قدم راية المهاجرين إلى بني قريظة، وقال: عزمت عليكم ألا تصلوا العصر إلا في بني قريظة، وركب حمارا له. فلما دنا منهم لقيه علي بن أبي طالب فقال: يا رسول االله صلى االله عليه وسلم لا تدن. فقال: أحسب أن القوم أساءوا القول ،فقال: نعم يا رسول االله، فيقال إنه قال بيده هكذا وهكذا. فانفرج البجل حين رأوه، وقال: يا عبدة الطاغوت يا وجوه القردة والخنازير فعل االله بكم وفعل. فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فاحشا. فاستحيا ،فرجع القهقرى ولم يتخلف عنه من المهاجرين أحد. وأفاء عامة الأنصار فقتل من بني قريظة ثم تحصنوا فحاصرهم رسول االله أياما ً حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ الأنصاري، فحضر سعد عليلا ً، فقالوا له: قل يا أبا عمرو وأحسن. فقال: قد آن لسعد أن لا تأخذه في االله لومة لائم، أرضيتم بحكمي؟ قالوا: نعم. ثم قال: قد حكمت أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم وتجعل أموالهم للمهاجرين دون الأنصار. فقال رسول االله: لقد حكمت بحكم االله من فوق سبع سماوات. ثم قدمهم عشرة عشرة، فضرب أعناقهم. وكانت عدم سبعمائة وخمسين، فانصرف رسول االله صلى االله عليه وسلم واصطفى منهم ست عشرة جارية فقسمها على فقراء هاشم وأخذ لنفسه منهن واحدة يقال لها ريحانة. وقسمت أموال بني قريظة ونساؤهم وأعلم سهم ألفا ًرس وسهم الراجل، فكان ألفا ًرس يأخذ سهمين والراجل سهما ً، وكان أول مغنم أعلم فيه سهم ألفا ًرس. وكانت الخيل ثمانية وثلاثين فرسا ً. وقعة بني المصطلق ثم كانت وقعة بني المصطلق من خزاعة، لقيهم رسول االله صلى االله عليه وسلم بالمريسيع وهزمهم وسباهم. فكان ممن سبي في غزاته جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، وقتل أبوها وعمها وزوجها فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي. فكاتبها، فأتت رسول االله صلى االله عليه وسلم في مكاتبتها فقضى عليها مكاتبتها وتزوجها وجعل صداقها عتقها. فلم يبق عنده من سبي بني المصطلق أحد إلا أعتقه ،وتزوجوا من فيهم من النساء لتزويج رسول االله صلى االله عليه وسلم جويرية. وفي هذه الغزاة قال أصحاب الإفك في عائشة ما قالوا، فأنزل االله، عز وجل، براءا. وكانت تخلفت لبعض شأا، فجاء صفوان بن المعطل السلمي فصيرها على بعيره وقادها. فقال من قال فيها الإفك وجلد رسول االله صلى االله عليه وسلم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وعبد االله بن أبي بن سلول، وهو الذي تولى كبره، وحمنة بنت جحش. أخت زينب بنت جحش وأسلم بنو المصطلق وبعثوا إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم بإسلامهم، فبعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط ليقبض صدقام فانصرف إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم فأنزل االله، عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين". غزوة الحديبية ثم كانت غزاة الحديبية. خرج رسول االله في سنة ستة يريد العمرة، ومعه ناس وساق من الهدي سبعين بدنة. وساق أصحابه أيضا ً وخرجوا بالسلاح، فصدته قريش عن البيت، فقال: ما خرجت أريد قتالا ً وإنما أردت زيارة هذا البيت ،وقد كان رسول االله صلى االله عليه وسلم رأى في المنام أنه دخل البيت وحلق رأسه وأخذ المفتاح. فأرسلت إليه قريش مكرز بن حفص فأبى أن يكلمه، وقال: هذا رجل فاجر فبعثوا إليه الحليس بن علقمة من بني الحارث بن عبد مناة، وكان من قوم يتألهون، فلما رأى الهدي قد أكلت أوبارها رجع فقال: يا معاشر قريش إني قد رأيت ما لا يحل صده عن البيت. فبعثوا بعروة بن مسعود الثقفي، فكلم رسول االله ،فقال له رسول االله: يا عروة أ في االله أن يصد هذا الهدي عن هذا البيت فانصرف إليهم عروة بن مسعود فقال: تاالله ما رأيت مثل محمد لما جاء له. فبعثوا إليه سهيل بن عمرو فكلم رسول االله صلى االله عليه وسلم وأرفقه وقال: نخليها لك من قابل ثلاثة أيام، فأجام رسول االله صلى االله عليه وسلم وكتبوا بينهم كتاب الصلح ثلاث سنين، وتنازعوا بالكتاب لما كتب: بسم االله الرحمن الرحيم، من محمد رسول االله ،حتى كادوا أن يخرجوا إلى الحرب. وقال سهيل بن عمرو والمشركون: لو علمنا أنك رسول االله صلى االله عليه وسلم ما قاتلناك. وقال المسلمون: لا تمحها. فأمر رسول االله صلى االله عليه وسلم أن يكفوا، وأمر عليا ً فكتب: باسمك اللهم، من محمد بن عبد االله، وقال: اسمي واسم أبي لا يذهبان بنبوتي. وشرطوا ام يخلون مكة له من قابل ثلاثة أيام ويخرجون عنها حتى يدخلها بسلاح الراكب، وأن الهدنة بينهم ثلاث سنين لا يؤذون أحدا ً من أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم ولا يمنعونه من دخول، مكة ولا يؤذي أحد من أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم أحدا ً منهم، ووضع الكتاب على يد سهيل بن عمرو. فأمر رسول االله صلى االله عليه وسلم المسلمين أن يحلقوا وينحروا هديهم في الحل، فامتنعوا وداخل أكثر الناس الريب، فحلق رسول االله صلى االله عليه وسلم ونحر فحلق المسلمون ونحروا. وانصرف رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى المدينة ثم خرج من قابل وهي عمرة القضاء فدخل مكة على ناقة بسلاح الراكب، وأخلتها قريش ثلاثا ً وخلفوا ا حويطب بن عبد العزى، فاستلم رسول االله صلى االله عليه وسلم الركن بمحجنة وصدق االله رسوله الرؤيا بالحق. وخرج عنها بعد ثلاث فابتنى بميمونة بنت الحارث الهلالية زوجته بسرف، وغدرت قريش فقتلت رجلا ً من خزاعة ممن دخل في شرط رسول االله صلى االله عليه وسلم. وقعة خيبر ثم كانت وقعة خيبر في أول سنة سبعة ففتح حصوم وهي ستة: حصون السلالم والقموص والنطاة والقصارة والشق والمربطة، وفيها عشرون ألف مقاتل، ففتحها حصنا حصنا، فقتل المقاتلة وسبى الذرية. وكان القموص من أشدها وأمنعها، وهو الحصن الذي كان فيه مرحب بن الحارث اليهودي. فقال رسول االله: لأدفعن الراية غدا أن شاء االله إلى رجل كرار غير فرار يحب االله ورسوله ويحبه االله ورسوله، لا ينصرف حتى يفتح االله على يده، فدفعها إلى علي فقتل مرحبا اليهودي واقتلع باب الحصن، وكان حجارة طوله أربع أذرع في عرض ذراعين في سمك ذراع، فرمى به علي بن أبي طالب خلفه ودخل الحصن ودخله المسلمون. وقدم جعفر بن أبي طالب في ذلك اليوم من أرض الحبشة، فقام إليه رسول االله صلى االله عليه وسلم فقبل ما بين عينيه ثم قال: واالله ما أدري بأيهم أنا أشد سرورا ً، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. واصطفى صفية بنت حيي بن أخطب وأعتقها وتزوجها وقسم بين بني هاشم نساءهم ورجالهم وأوساق التمر والقمح والشعير ثم قسم بين الناس كافة. وبلغه ما فيه أهل مكة من الضر والحاجة والجدب والقحط فبعث إليهم بشعير ذهب، وقيل نوى ذهب، مع عمرو بن أمية الضمري وأمره أن يدفعه إلى أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية بن خلف وسهل بن عمرو ويفرقه ثلاثا ً ثلاثا ً، فامتنع صفوان بن أمية وسهل بن عمرو من أخذه، وأخذه أبو سفيان كله وفرقه على فقراء قريش، وقال: جزى االله ابن أخي خيرا ً فإنه وصول لرحمه. وجاءته زينب بنت الحارث أخت مرحب بالشاة المسمومة فأخذ منها لقمة، وكلمته الذراع فقالت: إني مسمومة. وكان يأكل معه بشر بن البراء بن معرور فمات. فقال الحجاج بن علاط السلمي لرسول االله: قد أسلمت، ولي بمكة مالي، فتأذن لي أن أتكلم بشيء يطمئنون إليه لعلي أن آخذ مالي. فأذن له فخرج حتى قدم مكة فأتته قريش فقالوا: مرحبا بك يا ابن علاط، هل عندك خبر من هذا القاطع قال: نعم أن كتمتم علي، فتعاهدوا أن يكتموا عليه حتى يخرج، قال: إني واالله ما جئت حتى هزم محمد وأصحابه هزيمة وحتى أخذ أسيرا. وقالوا: نقتله بسيدنا حيي بن أخطب، فاستبشروا وشربوا الخمور. وبلغ العباس والمسلمين الخبر، فاشتد جزعهم وأخذ الحجاج كل ما كان له ثم أتى العباس وأخبره بما فتح االله على نبيه وأن سهام االله قد جرت على خيبر وقتل ابن أبي الحقيق وبات رسول االله صلى االله عليه وسلم عروسا ً بابنة حيي بن أخطب ثم خرج من مكة فأصبح العباس مسرورا، فقال له أبو سفيان: تجلدا للمصيبة يا أبا الفضل فقال العباس: أن الحجاج، واالله، خدعكم حتى أخذ ماله، وقد أخبرني بإسلامه وأنه ما انصرف حتى فتح االله على نبيه وقتل ابن أبي الحقيق وبات عروسا ً بابنة حيي بن أخطب وفتح جميع الحصون ،فأعولت امرأة الحجاج واجتمع إليها نساء المشركين واشتدت كآبة المشركين وغمهم. فتح مكة وكانت خزاعة في عقد رسول االله صلى االله عليه وسلم وكنانة في عقد قريش، فأعانت قريش كنانة فأرسلوا مواليهم فوثبوا على خزاعة فقتلوا فيهم. فجاءت خزاعة إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم فشكوا إليه ذلك فأحل االله لنبيه قطع المدة التي بينه وبينهم وعزم على غزو مكة وقال: اللهم أعم الأخبار عنهم، يعني قريشا ً. فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش بخبر رسول االله وما اعتزم عليه فترل جبريل فأخبره بما فعل حاطب، فوجه بعلي بن أبي طالب والزبير وقال: خذا الكتاب منها، فلحقاها وقد كانت تنكبت الطريق فوجد الكتاب في شعرها، وقيل في فرجها. فأتيا به إلى رسول االله، فأسر إلى كل رئيس منهم بما أراد وأمره أن يلقاه بموضع سماه له، وأن يكتم ما قال له. فأسر إلى خزاعي بن عبد م أن يلقاه بمزينة بالروحاء وإلى عبد االله بن مالك أن يلقاه بغفار بالسقيا وإلى قدامة بن ثمامة أن يلقاه ببني سليم بقديد وإلى الصعب بن جثامة أن يلقاه ببني ليث بالكديد. وخرج رسول االله صلى االله عليه وسلم يوم الجمعة حين صلى العصر لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ثمان. وقيل لعشر مضين من رمضان، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر. ولقيته القبائل في المواضع التي سماها لهم، وأمر الناس فأفطروا، وسمى الذين لم يفطروا العصاة. ودعا بماء فشربه، وتلقاه العباس بن عبد المطلب في بعض الطريق. فلما صار بمر الظهران خرج أبو سفيان بن حرب يتجسس الأخبار ومعه حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، وهو يقول لحكيم: ما هذه النيران فقال: خزاعة أحمشتها الحرب. فقال: خزاعة أقل وأذل. وسمع صوته العباس فناداه: يا أبا حنظلة! فأجابه فقال له: يا أبا الفضل ما هذا الجمع قال: هذا رسول االله. فأردفه على بغلته ولحقه عمر بن الخطاب وقال: الحمد الله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد. فسبقه العباس إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال: يا رسول االله، هذا أبو سفيان قد جاء ليسلم طائعا ً ،فقال له رسول االله: قل أشهد أن لا إله إلا االله وأني محمد رسول االله فقال: أشهد أن لا إله إلا االله، وجعل يمتنع من أن يقول: وإنك رسول االله، فصاح به العباس، فقال. ثم سأل العباس رسول االله صلى االله عليه وسلم أن يجعل له شرفا ً وقال إنه يحب الشرف. فقال رسول االله: من دخل دارك يا أبا سفيان فهو آمن. وأوقفه العباس حتى رأى جند االله، فقال له: يا أبا الفضل لقد أوتي ابن أخيك ملكا ً عظيما ً. فقال: إنه ليس بملك إنما هي النبوة. ومضى أبو سفيان مسرعا ً حتى دخل مكة فأخبرهم الخبر، وقال: هو اصطلام أن لم تسلموا، وقد جعل أن من دخل داري فهو آمن. فوثبوا عليه وقالوا: وما تسع دارك فقال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. وفتح االله على نبيه وكفاه القتال. ودخل مكة ودخل أصحابه من أربعة مواضع وأحلها االله له ساعة من ار ثم قام رسول االله صلى االله عليه وسلم فخطب فحرمها، وأجارت أم هانئ بنت أبي طالب حموين لها: الحارث بن هشام وعبد االله بن أبي ربيعة، فأراد علي قتلهما، فقال رسول االله: يا علي قد أجرنا من أجارت أم هانئ، وآمنهم جميعا ً إلا خمسة نفر أمر بقتلهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة وأربع نسوة وهم: عبد االله بن عبد العزى بن خطل من بني تميم الأدرم بن غالب، وكان رسول االله صلى االله عليه وسلم وجهه مع رجل من الأنصار فشد على الأنصاري فقتله وقال: لا طاعة لك ولا لمحمد، وعبد االله بن سعد بن أبي سرح العامري، وكان يكتب لرسول االله فصار إلى مكة فقال أنا أقول كما يقول، محمد واالله ما محمد نبي وقد كان يقول لي: اكتب عزيز حكيم، فأكتب لطيف خبير، ولو كان نبيا لعلم. فآواه عثمان وكان أخاه من الرضاع، وأتى به إلى رسول االله، فجعل يكلمه فيه ورسول االله ساكت ثم قال لأصحابه: هلا قتلتموه! فقالوا: انتظرنا أن تومئ. فقال: أن الأنبياء لا تقتل بالإيماء، ومقيس بن صبابة أحد بني ليث بن كنانة، وكان أخوه قتل فأخذ الدية من قاتله ثم شد عليه فقتله، والحويرث ابن نقيذ بن وهب بن عبد قصي، كان ممن يؤذي رسول االله بمكة ويتناوله بالقول القبيح. والنسوة: سارة مولاة بني عبد المطلب، وكانت تذكر رسول االله صلى االله عليه وسلم بالقبيح، وهند بنت عتبة، وقريبة وفرتنا جاريتا ابن خطل، كانتا تغنيان في هجاء رسول االله. وأسلمت قريش طوعا وكرها وأخذ رسول االله مفتاح البيت من عثمان بن أبي طلحة وفتح الباب بيده وستره ثم دخل البيت فصلى فيه ركعتين ثم خرج فأخذ بعضادتي الباب، فقال لا إله إلا االله وحده لا شريك له، أنجز وعده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده، فلله الحمد والملك لا شريك له، ثم قال: ما تظنون وما أنتم قائلون قال سهيل: نظن خيرا ً ونقول خيرا ً، أخ كريم وابن عم كريم وقد ظفرت. قال: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، ثم قال: ألا كل دم ومال ومأثرة في الجاهلية فإنه موضوع تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإما مردودتان إلى أهليهما، ألا وأن مكة محرمة بحرمة االله لم تحل لأحد من قبلي ولا تحل لأحد من بعدي وإنما حلت لي ساعة ثم أغلقت ،فهي محرمة إلى يوم القيامة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ، إلا أن في القتل شبه العمد الدية مغلظة والولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم قال: ألا لبئس جيران الذين كنتم فاذهبوا فأنتم الطلقاء. ودخل مكة بغير إحرام وأمر بلالا ً أن يصعد على الكعبة فأذن فعظم ذلك على قريش، قال عكرمة بن أبي جهل وخالد بن أسيد أن ابن رباح ينهق على الكعبة، وتكلم قوم معهما فأرسل إليهم رسول االله. فقالوا: قد قلنا، فنستغفر االله. فقال: ما أدري ما أقول لكم ولكن يحضر الصلاة فمن صلى فسبيل ذلك وإلا قدمته فضربت عنقه. وأمر بكل ما في الكعبة من صورة فمحيت وغسلت بالماء. ودعا بعثمان بن طلحة فقال: رأيت في الكعبة قرني الكبش فخمرها فإنه لا ينبغي أن يكون في الكعبة شيء، فصيروا في بعض الجدر. وروى بعضهم أن رسول االله صلى االله عليه وسلم قسم ما كان في الكعبة من المال بين المسلمين. وقال آخرون: أقره ونادى منادي رسول االله: من كان في بيته صنم فليكسره، فكسروا الأصنام. ودعا رسول االله صلى االله عليه وسلم بالنساء فبايعنه، وكانت الخيل يوم الفتح أربعمائة فرس، ونزلت عليه سورة: إذا جاء نصر االله والفتح، فقال نعيت إلى نفسي. وبعث رسول االله، وهو بمكة، خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر، وهم بالغميصاء، وقد كانوا في الجاهلية أصابوا من بني المغيرة وقتلوا عوفا أبا عبد الرحمن بن عوف، فخرج عبد الرحمن بن عوف مع خالد بن الوليد ورجال من بني سليم وقد كانوا قتلوا ربيعة بن مكدم في الجاهلية، فخرج جذل الطعان فقتل من بني سليم بدم ربيعة مالك بن الشريد، وبلغ جذيمة أن خالدا قد جاء ومعه بنو سليم، فقال لهم خالد: ضعوا السلاح. فقالوا: إنا لا نأخذ السلاح على االله ولا على رسوله ونحن مسلمون، فانظر ما بعثك رسول االله صلى االله عليه وسلم له فإن كان بعثك مصدقا فهذه إبلنا وغنمنا فأعد عليها. قال: ضعوا السلاح. قالوا: إنا نخاف أن تأخذنا بأحنة الجاهلية. فانصرف عنهم وأذن القوم وصلوا، فلما كان في السحر شن عليهم الخيل فقتل المقاتلة وسبى الذرية، فبلغ رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد! وبعث علي بن أبي طالب فأدى إليهم ما أخذ منهم حتى العقال وميلغة الكلب، وبعث معه بمال ورد من اليمن فودى القتلى وبقيت معه منه بقية، فدفعها علي إليهم على أن يحللوا رسول االله صلى االله عليه وسلم مما علم ومما لا يعلم. فقال رسول االله: لما فعلت أحب إلي من حمر النعم، ويومئذ قال لعلي: فداك أبواي. وقال عبد الرحمن بن عوف: واالله لقد قتل خالد القوم مسلمين، فقال خالد: إنما قتلتهم بأبيك عوف بن عبد عوف. فقال له عبد الرحمن: ما قتلت بأبي ولكنك قتلت بعمك ألفا ًكه بن المغيرة. وقعة حنين ثم كانت وقعة حنين، بلغ رسول االله، وهو بمكة، أن هوازن قد جمعت بحنين جمعا ً كثيرا ً ورئيسهم مالك بن عوف النصري، ومعهم دريد ابن الصمة من بني جشم، شيخ كبير يتبركون برأيه، وساق مالك مع هوازن أموالهم وحرمهم. فخرج إليهم رسول االله صلى االله عليه وسلم في جيش عظيم عدم اثنا عشر ألفا ً: عشرة آلاف أصحابه الذين فتح م مكة وألفان من أهل مكة ممن أسلم طوعا ً وكرها ً، وأخذ من صفوان بن أمية مائة درع وقال عارية مضمونة، فأعجبت المسلمين كثرم، وقال بعضهم: ما نؤتى من قلة، فكره رسول االله صلى االله عليه وسلم ذلك من قولهم، وكانت هوازن قد كمنت في الوادي ، فخرجوا على المسلمين. وكان يوما ً عظيم الخطب وازم المسلمون عن رسول االله صلى االله عليه وسلم حتى بقي في عشرة من بني هاشم، وقيل تسعة، وهم: علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب والفضل بن العباس وعبد االله بن الزبير بن عبد المطلب، وقيل أيمن بن أم أيمن. قال االله عز وجل: "ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل االله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها"، وأبدى بعض قريش ما كان في نفسه. فقال أبو سفيان: لا تنتهي، واالله هزيمتهم دون البحر، وقال كلدة بن حنبل: اليوم بطل السحر، وقال شيبة بن عثمان: اليوم أقتل محمدا ً، فأراد رسول االله ليقتله فأخذ النبي صلى االله عليه وسلم الحربة منه فأشعرها فؤاده. فقال رسول االله صلى االله عليه وسلم للعباس: صح يا للأنصار، وصح يا أهل بيعة الرضوان، صح يا أصحاب سورة البقرة، يا أصحاب السمرة. ثم انفض الناس وفتح االله على نبيه وأيده بجنود من الملائكة، ومضى علي بن أبي طالب إلى صاحب راية هوازن فقتله، وكانت الهزيمة، وقتل من هوازن خلق عظيم، وسبي منها سبايا كثيرة، وبلغت عدم ألف فارس وبلغت الغنائم اثني عشر ألف ناقة سوى الأسلاب، وقتل دريد بن الصمة فأعظم الناس ذلك، فقال رسول االله: إلى النار وبئس المصير! إمام من أئمة الكفر أن لم يكن يعين بيده فإنه يعين برأيه. قتله رجل من بني سليم وقتل ذو الخمار سبيع بن الحارث، فقال رسول االله: أبعده االله إنه كان يبغض قريشا. وصارت السبايا والأموال في أيدي المسلمين وبلغت هزيمة المشركين الطائف ومعهم مالك بن عوف، وكان جميع من استشهد أربعة نفر. وجاءت الشيماء بنت حليمة أخت رسول االله صلى االله عليه وسلم من الرضاعة إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم فحباها وأكرمها وبسط لها رداءه، وكلمته في السبايا وقالت: إنما هن خالاتك وأخواتك. فقال: ما كان لي ولبني هاشم فقد وهبته لك. فوهب المسلمون ما كان في أيديهم من السبايا كما فعل إلا الأقرع ابن حابس وعيينة بن حصن، فقال رسول االله: اللهم نوه سهميهما، فخرج لهما عجوز وكلمته في مالك بن عوف النصري رئيس جيش هوازن ، وآمنه، فجاء مالك فأسلم. ووجهه رسول االله صلى االله عليه وسلم لحصار الطائف وأعطى المؤلفة قلوم من غنائم هوازن وأعطى اثني عشر رجلا ً مائة مائة من الإبل، وهم: أبو سفيان بن حرب ومعاوية بن أبي سفيان وحكيم بن حزام والحارث بن الحارث بن كلدة العبدري والحارث بن هشام بن المغيرة وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية بن خلف وحويطب بن عبد العزى والعلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة ومالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري والأقرع ابن حابس، وأعطى الباقين ما دون ذلك. وسألته الأنصار ودخلها غضاضة، فقال رسول االله: إني أعطي قوما تألفا وأكلكم إلى أيمانكم. وتكلم بعضهم فقال: قاتل بنا محمد حتى إذا ظهر أمره وظفر أتى قومه وتركنا. فأسقط االله سهمهم وأثبت للمؤلفة قلوم سهما في الصدقات. وخرج رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى الطائف ووجه بعلي بن أبي طالب فلقي نافع بن غيلان ابن سلمة بن معتب في خيل من ثقيف فقتله، وازم أصحابه. وحصرها رسول االله صلى االله عليه وسلم بضعة وعشرين يوما ً، ونزل إليه أربعون رجلا ً. وأمر رسول االله صلى االله عليه وسلم بقطع الكروم، فكلموه فتركها وأمر ألا تقطع. ثم انصرف رسول االله صلى االله عليه وسلم وخلف أبا سفيان بن حرب على حصار الطائف ووجه عليا ً لكسر الأصنام فكسرها. غزاة مؤتة ووجه جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد االله بن رواحة في جيش إلى الشام لقتال الروم سنة ثمان ،وروى بعضهم أنه قال: أمير الجيش زيد بن حارثة فإن قتل زيد بن حارثة، فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر بن أبي طالب فعبد االله بن رواحة، فإن قتل عبد االله بن رواحة فليرتض المسلمون من أحبوا. وقيل: بل كان جعفر المقدم ثم زيد بن حارثة ثم عبد االله بن رواحة، وصار إلى موضع يقال له مؤتة، من الشام من البلقاء من أرض دمشق، فأخذ زيد الراية فقاتل حتى قتل، ثم أخذها جعفر فقطعت يده اليمنى فقاتل باليسرى فقطعت يده اليسرى ثم ضرب وسطه، ثم أخذها عبد االله بن رواحة فقتل، فرفع لرسول االله كل خفض، وخفض له كل رفع حتى رأى مصارعهم وقال: رأيت سرير جعفر المقدم فقلت: يا جبريل إني كنت قدمت زيدا ً. فقال: إن االله قدم جعفرا لقرابتك. ونعاهم رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال: أنبت االله لجعفر جناحين من زبرجد يطير ما من الجنة حيث يشاء، واشتد جزعه وقال: على جعفر فلتبك البواكي، وتأمر خالد بن الوليد على الجيش. قالت أسماء بنت عميس الخثعمية، وكانت امرأة جعفر وأم ولده جميعا ً: دخل على رسول االله، ويدي في عجين، فقال: يا أسماء أين ولدك؟ فأتيته بعبد االله ومحمد وعون، فأجلسهم جميعا ً في حجره وضمهم إليه ومسح على رؤوسهم ودمعت عيناه. فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول االله لم تفعل بولدي كما تفعل بالأيتام لعله بلغك عن جعفر شيء فغلبته العبرة وقال: رحم االله جعفرا فصحت: وا ويلاه وا سيداه فقال: لا تدعي بويل ولا حرب، وكل ما قلت فأنت صادقة. فصحت: وا جعفراه وسمعت صوتي فاطمة بنت رسول االله، فجاءت وهي تصيح: وا بن عماه فخرج رسول االله يجر رداءه، ما يملك عبرته، وهو يقول: على جعفر فلتبك البواكي، ثم قال يا فاطمة اصنعي لعيال جعفر طعاما فإم في شغل، فصنعت لهم طعاما ثلاثة أيام، فصارت سنة في بني هاشم. الغزوات التي لم يكن فيها قتال وكانت غزوات فيما بين ذلك لم يكن فيها قتال. كان رسول االله صلى االله عليه وسلم يخرج فلا يلقى كيدا ًوينصرف، وإنما قدمنا ما كان فيها القتال على التي لا قتال. فيها لنفرد الغزوات التي لم يكن فيها قتال غزاة الأبواء: خرج رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى ودان فرجع ولم يلق كيدا ً. وغزاة بواط: مثل ذلك وغزاة ذي العشيرة: من بطن ينبع وادع ا بني مدلج وحلفاء لهم من بني ضمرة وكتب بينهم كتابا ،والذي قام بذلك بينهم مخشي بن عمرو الضمري. وغزاة قرقرة الكدر: خرج رسول االله صلى االله عليه وسلم في طلب مكدر بن جابر الفهري، ويقال كرز بن جابر، حين كان أغار على سرح المدينة، وذلك أن أبا سفيان ضاف سلام بن مشكم، وكان سيد بني النضير، فقرأه وسقاه خمرا ً ثم خرج من تحت ليلته حتى مر بمكان يقال له العريض، فوجد ا رجلين من الأنصار في صور لهما من النخل فقتلهما وانصرف إلى مكة، فبلغ رسول االله صلى االله عليه وسلم الخبر ،فبلغ قرقرة الكدر ولم يلق كيدا ً وانصرف. وغزاة حمراء الأسد: خرج رسول االله صلى االله عليه وسلم من غد يوم أحد، وقد ذكرناها مع خبر أحد. وغزاة بدر الصغرى: وهي بدر الموعد، لميعاد أبي سفيان بن حرب. فخرج رسول االله صلى االله عليه وسلم في شعبان في السنة الرابعة فأقام عليها ثماني ليال ينتظر أبا سفيان، ووافق السوق وكانت عظيمة ،فتسوق المسلمون فربحوا ربحا حسنا، وقال المنافقون للمؤمنين حين خرجوا لميعاد أبي سفيان: قد قتلوكم عند بيوتكم، فكيف إذا أتيتموهم في بلادهم وقد جمعوا لكم، واالله لا ترجعون أبدا، فقالوا: حسبنا االله ونعم الوكيل، فأنزل االله في ذلك: الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا االله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من االله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان االله واالله ذو فضل عظيم. وانصرف رسول االله صلى االله عليه وسلم ولم يلق كيدا ًوخلفهم أبو سفيان وقال: هذا عام جدب ولا يصلحكم يا معشر قريش إلا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن، وإني راجع ،فرجعوا بعد أن كان قد بلغ مر الظهران. وغزاة تبوك سار رسول االله صلى االله عليه وسلم في جمع كثير إلى تبوك: من أرض الشام يطلب بدم جعفر بن أبي طالب: ووجه إلى رؤساء القبائل والعشائر يستنفرهم ويرغبهم في الجهاد، وحض رسول االله صلى االله عليه وسلم أهل الغنى على النفقة، فأنفقوا نفقات كثيرة وقووا الضعفاء. وقال رسول االله صلى االله عليه وسلم أفضل الصدقة جهد المقل. فأتاه البكاؤون يستحملونه، وهم: هرمي بن عبد االله من بني عمرو بن عوف وسالم بن عمير وعمرو بن الحمام وعبد الرحمن بن كعب وصخر بن سلمان. فقال ما أجد ما أحملكم عليه. وأتاه قوم من الأغنياء فاستأذنوه وقالوا: دعنا نكن مع من تخلف. فقال االله تعالى: "رضوا بأن يكونوا مع الخوالف" وهم: الجد بن قيس ومجمع بن جارية وخدام بن خالد. فأذن لهم رسول االله ،فقال االله، عز وجل: "عفا االله عنك لم أذنت لهم". وخرج رسول االله صلى االله عليه وسلم غرة رجب سنة تسع واستخلف عليا ً على المدينة واستعمل الزبير على راية المهاجرين وطلحة على الميمنة وعبد الرحمن بن عوف على الميسرة ، وخرج النساء والصبيان يودعونه عند الثنية، فسماها ثنية الوداع. وسار رسول االله صلى االله عليه وسلم فأصاب الناس عطش شديد، فقالوا يا رسول االله لو دعوت االله لسقانا، فدعا االله فسقاهم. وقدم رسول االله صلى االله عليه وسلم تبوك في شعبان فأتاه يحنه بن رؤبة أسقف أيلة، فصالحه وأعطاه الجزية، وكتب له كتابا ً، وانصرف رسول االله صلى االله عليه وسلم فجلس له أصحاب العقبة لينفروا به ناقته، فقال لحذيفة: نحهم وقل لهم: لتنحن أو لأدعونكم بأسمائكم وأسماء آبائكم وعشائركم، فصاح م حذيفة. وكان خروجه في رجب وانصرف في شهر رمضان وكان حذيفة يقول: إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وقبائلهم. الأمراء على السرايا والجيوش ووجه رسول االله على السرايا والجيوش الأمراء وعقد لهم الألوية والرايات. فأول ذلك حمزة بن عبد المطلب على سرية إلى ساحل البحر وقيل: أن أولهم عبيدة بن الحارث بن المطلب على سرية إلى ثنية المرة في ستين أو ثمانين راكبا ً من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد. فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فلقي به جمعا ً عظيما ً من قريش فلم يكن منهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم، وكان أول سهم رمي في الإسلام، ثم انصرف القوم عن القوم، وللمسلمين حامية. وجاء المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة وعتبة بن غزوان بن جابر الحارثي حليف بني نوفل، وكانا مسلمين ولكنهما خرجا فتوصلا بالكفار، وكان على القوم عكرمة بن أبي جهل. وسعد بن أبي وقاص على سرية الخرار وهو ماء من الجحفة. فأصاب نعما لبني ضمرة، فأرسلوا إلى رسول االله فردها بالحلف الذي بينهم وبينه. وحمزة بن عبد المطلب على سرية إلى ساحل البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكبا ً من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، فلقي أبا جهل بن هشام في ثلاثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان موادعا للفريقين جميعا ً، وانصرف القوم بعضهم عن بعض، ولم يكن قتال: وعبد االله بن جحش بن رئاب على سرية إلى نخلة في ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم أحد من الأنصار، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره ولا يستكره من أصحابه أحدا ً. فلما سار عبد االله بن جحش يومين فتح الكتاب ينظر فيه، فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تترل نخلة بين مكة والطائف لترصد ا قريشا ً وتعلم أخبارها. فمضى ومضى معه أصحابه، لم يتخلف منهم أحد، فلما نزل نخلة مرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة، فيها عمرو بن الحضرمي فقاتلوه فأسروا منهم رجلين، فكانا أول أسير من المشركين، وأفلت القوم وأخذوا ما كان معهم، فعزل رسول االله صلى االله عليه وسلم خمس العير وقسم سائرها لأصحابه، فكان أول خمس قسم في الإسلام. ووجه مرثد بن أبي مرثد حليف حمزة بن عبد المطلب على سرية إلى جمع وذلك أنه قدم على النبي صلى االله عليه وسلم نفر من العضل وديش، وهما حيان من الهون بن خزيمة، فقالا: يا رسول االله صلى االله عليه وسلم أن فينا إسلاما ً فابعث معنا أصحابك يفقهوننا ويقرئوننا القرآن. فبعث فيهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي وخالد بن البكير حليف بني عدي وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح العمري وزيد بن دثنة البياضي وعبد االله بن طارق الظفري وخبيب بن عدي العمري، فلما كانوا على ماء يقال له الرجيع لهذيل خرج بعض الناس حتى انتهى إلى هذيل، فقال: أن هاهنا نفرا من أصحاب محمد، هل لكم أن نأخذهم ونسلبهم ونبيعهم من قريش؟ فما راع المسلمين إلا الرجال بأيديهم السيوف. فقالوا: استأسروا فلكم العهد والعقد ولا نقتلكم ولكن نبيعكم من قريش. فنادى مرثد، وهو أمير القوم، وعاصم وخالد فصاحوا بالقوم وسلوا سيوفهم ويئوا للقتال، وأما خبيب وعبد االله وزيد فلانوا وأعطوا بأيديهم فقاتل أصحام قتالا ً شديدا ً وقتل. مرثد وخالد بن البكير وقاتل عاصم بن ثابت حتى قتل. وزيد بن حارثة الكلبي مولى رسول االله صلى االله عليه وسلم على سرية إلى قردة. لما انصرف رسول االله صلى االله عليه وسلم من بدر الصغرى، ميعاد أبي سفيان، هابت قريش أن يأخذوا طريقهم إلى الشام على بدر، فتركوا ذلك الطريق وسلكوا طريق العراق، فخرج أبو سفيان وأبو العاص بن الربيع في عير قريش في مال كثير إلى الشام، فبعث رسول االله صلى االله عليه وسلم فأصام وما فيها. وخرج القوم هاربين: أبو سفيان وأصحابه، فسبقوهم، فقدم زيد بذلك المال وأسر معاوية بن المغيرة بن أبي العاص جد عبد الملك بن مروان، وقيل إنه قدم به. وأقبل أبو العاص بن الربيع حتى دخل المدينة فاستجار بزينب ابنة رسول االله، فلما صلى رسول االله الغداة نادت زينب، إلا إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. فقال رسول االله حين انصرف: أسمعتم؟ قالوا: نعم! قال: قد أجرت، من أجارت، أن أدنى المؤمنين يجير على أقصاهم. وقام فدخل عليهما فقال: لا يفوتنك، أكرمي مثواه. ورد عليه ما أخذ له، فرجع إلى مكة فرد إلى كل ذي حق حقه ثم أسلم ورجع إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم فرد عليه زينب بالنكاح الأول. وأيضا ً زيد بن حارثة على سرية إلى الجحوم أو الجموم، فأصاب امرأة من مزينة يقال لها حليمة فدلتهم على محلة من محال بني سليم فأصابوا في تلك المحلة نعما وأسارى. وكان في أولئك الأسارى زوج حليمة. فلما قفل ا وهب رسول االله صلى االله عليه وسلم للمزينية زوجها ونفسها. ومرة أخرى لزيد على جيش إلى جذام. وكان ابن خليفة الكلبي لما انصرف من عند قيصر مر بأرض جذام فأغار عليه الهنيد بن عارض الجذامي فسلبه ما كان معه، وأدركه نفر من المسلمين فاستنقذوا ما أخذ منه فدفعوه إلى دحية. فوجه رسول االله زيد بن حارثة فسبى وقتل وأخذ الهنيد وابنه فضرب أعناقهما. ووجه أيضا ً زيدا ً على جيش إلى وادي القرى، وكانت أم قرفة ابنة ربيعة ابن بدر قد زوجها مالك بن حذيفة بن بدر، بعثت إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم بأربعين رجلا ً من بطنها وقالت: ادخلوا عليه المدينة. فبعث رسول االله صلى االله عليه وسلم زيد بن حارثة في خيل فلقيهم بوادي القرى فهزم أصحابه وارتث زيد من القتلى، فحلف ألا يغسل ولا يدهن حتى يغزوهم. فسأل رسول االله صلى االله عليه وسلم أن يبعث به إليهم، فبعثه في خيل عظيمة فالتقوا بوادي القرى فاقتتلوا قتالا ً شديدا فهزمت بنو فزارة وقتلوا وسبيت يومئذ أم قرفة فقتلها قتلا ً عنيفا ً، شقها بين بكرين. وأما ابنتها فوقعت في سهم قيس بن المحسر فاستوهبها رسول االله صلى االله عليه وسلم منه لخاله حزن بن أبي وهب بن عائذ بن عمران بن مخزوم، فولدت عبد الرحمن بن حزن. ومرة على جيش الطرف إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا ً، فهربت الأعراب وخافوا أن يكون رسول االله صلى االله عليه وسلم سار إليهم، فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا ولم يكن بينهم قتال. والمنذر بن عمرو الأنصاري على سرية إلى بئر معونة. وذلك أن أسد بن معونة قدم على رسول االله صلى االله عليه وسلم دية من قبل عمه أبي براء بن مالك ملاعب الأسنة، وأهدى له فرسين ونجائب، وكان صديقا للنبي. فقال رسول االله: واالله لا أقبل هدية مشرك. فقال لبيد بن ربيعة: ما كنت أرى أن رجلا ً من مضر يرد هدية أبي براء. فقال: لو كنت قابلا ً من مشرك هدية لقبلتها منه. قال: فإنه يستشفيك من دبيلة في بطنة قد غلبت عليه. فتناول رسول االله جبوبة من تراب فأمرها على لسانه ثم دفها بماء ثم سقاه إياه ،فكأنما انشط من عقال. وكان أبو براء سأل رسول االله صلى االله عليه وسلم أن يبعث إليه بنفر من أصحابه ليفقهوهم في الدين ويبصروهم شرائع الإسلام، فقال رسول االله: إني أخاف أن يقتلهم بنو عامر ،فأرسل أبو براء ام في جواري. فبعث إليه المنذر بن عمرو ونفرا من أصحابه في تسعة وعشرين عامتهم بدري. فأغار عليهم عامر بن الطفيل وتابعه ثلاثة أحياء من بني سليم رعل وذكوان وعصية فلذلك لعنهم رسول االله، وأقبل عامر إلى حرام بن ملحان، وهو يقرأ كتاب رسول االله، فطعنه بالرمح. فقال: االله أكبر فزت بالجنة. واقتتل القوم قتالا ً شديدا وكثرم بنو سليم، فقتلوا من عند آخرهم ما خلا المنذر بن عمرو فإنه قال لهم: دعوني أصلي على أخي حرام ابن ملحان. قالوا: نعم. فصلى عليه ثم أخذ سيفا وأعنق نحوهم فقاتلهم حتى قتل. وقال الحارث بن الصمة: ما كنت لأرغب بنفسي عن سبيل مضى فيه المنذر ،واالله لأذهبن فلئن ظفر لأظفرن ولئن قتل لأقتلن. فذهب فقتل وأعتق عامر بن الطفيل أسعد بن زيد الديناري عن رقبة كانت على أمه. وبعث جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد االله بن رواحة إلى البلقاء من أرض الشام فأصيبوا بمؤتة ،وقد قدمنا ذكرهم قبل هذا الموضع. وبعث رسول االله صلى االله عليه وسلم غالب بن عبد االله الكلبي إلى بني مدلج وهم حلفاؤه وهم الذين قال االله فيهم: أو جاءوكم حصرت صدورهم فقالوا: لسنا عليك ولسنا معك، ولم يجيبوه، فقال الناس: أغزهم يا رسول االله. فقال: أن لهم سيدا ً أديبا لن يأخذ إلا خيرة أمره، وإم إذا نحروا ثجوا وإذا لبوا عجوا، رب غاز من بني مدلج شهيد في سبيل االله. وبعث نميلة بن عبد االله الليثي إلى بني ضمرة فرجع إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال: يا رسول االله قالوا لا نحاربه ولا نسالمه ولا نصدقه ولا نكذبه. فقال الناس: يا رسول االله أغزهم. فقال: دعوهم فإن فيهم عددا وسوددا، ورب شيخ صالح من بني ضمرة غاز في سبيل االله. وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى بني الديل فرجع فقال: يا رسول االله أدركتهم فلولا وجثتهم حلولا ،دعوم إلى االله ورسوله فأبوا أشد الإباء. فقال الناس: أغزهم يا رسول االله. فقال رسول االله: دعوا بني الديل، إياكم! إلا أن سيدهم قد صلى وأسلم فيقول: أسلم، فيقولون: نعم. وبعث رسول االله عبد االله بن سهيل بن عمرو العامري إلى بني معيص ومحارب ابن فهر ومن يليهم من السواحل في خمسمائة، فلقيهم على المدثرا ً. فلما واقعهم دعاهم إلى الإسلام، فجاء معه نفر فقال رسول االله: ها قطيعة الأيمان كجذع النخل حلو أوله حلو آخره. وبعث أبا عبيدة بن الجراح على جيش إلى ذات القصة، وكان ا قوم من محارب وثعلبة وأنمار. فخرج أبو عبيدة وأصحابه يسيرون ليلتهم حتى أصبحوا. فلما أبصر القوم م هربوا وخلفوا إبلهم فغنموا الأموال وأخذوا رجلا ً واحدا ً فأتوا به رسول االله صلى االله عليه وسلم فخمس رسول االله صلى االله عليه وسلم فأخذ الخمس وفرق الباقي على أصحاب السرية، وأسلم الرجل فتركه. وعمر بن الخطاب على جيش إلى زبية قريبة من الطائف فلم يلق كيدا. وعلي بن أبي طالب على جيش إلى فدك. وبلغ رسول االله أن ا جمعا ً يريدون أن يمدوا يهود خيبر، فسار علي بن أبي طالب الليل وكمن النهار حتى صبحهم فقتلهم. وأبا العوجاء السلمي على سرية، فاستشهد كل من كان في السرية فلم ينصرف منهم أحد. وعكاشة بن محصن بن حرثان الأسدي أسد بن خزيمة، على سرية إلى الغمرة. وأبا سلمة بن عبد الأسد بن هلال المخزومي إلى قطن. ومحمد بن مسلمة الأنصاري أخا بني حارثة على جيش إلى القرطاء من هوازن. وبشير بن سعد الأنصاري على سرية إلى فدك فأصيب أصحابه جميعا ً ولم يرجع منهم أحد. ثم بعث إليهم غالب بن عبد االله الملوحي، فجاء بمرداس ابن يك الفدكي. ومرة أخرى إلى صروحان من أرض خيبر. وعبد االله بن رواحة الأنصاري على سرية إلى خيبر مرتين، أحدا ًهما إلى أصحاب اليسير بن رزام اليهودي وأصحابه، وكان يجمع غطفان لغزو رسول االله. وعبد االله بن أنيس الأنصاري إلى خالد بن سفيان بن نبيح يجمع لرسول االله الناس ليغزوه، فقتله، ويقال لم تكن سرية إنما كان وحده. وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على جيش إلى بلعنبر فأصام وهم خلوف، فجاء بسباياهم فطرحهم في المسجد. فركب إليه رجالام، فلما دخلوا المسجد صاحوا: يا محمد اخرج إلينا. وكان فيهم بسامة بن الأعور وسمرة ابن عمرو، قال االله، عز وجل: ولو ام صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا ً لهم فخرج إليهم رسول االله، فسألوه وطلبوا إليه أن يحكم سمرة بن عمرو وأن يهب لهم ثلاثا ً ويؤخر ثلاثا ً ويأخذ ثلاثا، فبلغنا أن رسول االله صلى االله عليه وسلم قال: من أراد أن يعتق من ولد إسماعيل فليعتق من هؤلاء. وكعب بن عمير الأنصاري على سرية إلى ذات أطلاح، ويقال ذات أباطح، فاستشهدوا جميعا ً ولم يرجع من السرية أحد. وبعث رسول االله عمرو بن العاص على جيش إلى ذات السلاسل من أرض الشام، وا ناس من بني عذرة وبلى وقبائل من اليمن، وكان معه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، وأعطاه مالا وقال: استنفر من قدرت عليه. فلما شارف القوم اهم ألا يوقدوا نارا فشق ذلك على المسلمين لشدة القر، فقال: قد أمركم رسول االله أن تسمعوا لي وتطيعوا. فكلموا أبا بكر في ذلك فأتى عمرا فلم يأذن له. فصاح به أبو بكر: يا ابن بياعة العباء اخرج إلي، فأبى. قال: يا ابن دباغة القرظ اخرج إلي، فأبى. فلما كان في السحر أغار م فأصاب وظفر، فقال لأبي بكر: كيف رأيت رأي ابن بياعة العباء؟ وصلى عمرو بن العاص بالناس وهو جنب، فلما قدموا على رسول االله صلى االله عليه وسلم أخبره أبو عبيدة بن الجراح، فقال عمرو: يا رسول االله كان البرد شديدا ً ولو اغتسلت لمت، فضحك رسول االله. وعبد االله بن أبي حدرد الأسلمي على سرية إلى أضم، فلقي عامر بن الأضبط الأشجعي، فحمل عليه محلم بن جثامة بن قيس فطعنه فخاصمه عيينة ابن حصن إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم بديته فعجل نصفا ً وأخر نصفا ً. فقام إليه محلم بن قيس فقال: يا رسول االله صلى االله عليه وسلم استغفر لي. قال: قتلت مسلما ً، لعنك االله! فما لبث بعدها إلا خمسا ً حتى مات. وعبد الرحمن بن عوف على سرية إلى كلب، وعممه رسول االله صلى االله عليه وسلم بعمامة سوداء وأسدلها بين يديه ومن خلفه وقال: هكذا فاعتم فإنه أشبه وأعرف، وأمره أن فتح االله عليه أن يزوجه ابنة سيدهم، ففتح االله عليه فتزوج تماضر بنت الأصبغ التي صولحت عن ربع الثمن عن ثمانين ألف دينار. وأمر علي بن أبي طالب حين خرج إلى تبوك... وكان المهاجر بن أبي أمية أميره على صنعاء وزياد بن لبيد البياضي على حضرموت وصدقاا وعدي بن حاتم على صدقات طيء ومالك بن نويرة اليربوعي على صدقات حنظلة والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم على صدقات بني سعد وعلي ابن أبي طالب إلى أهل نجران بجمع صدقام وأخذ جزيتهم وخالد بن الوليد على سرية إلى دومة الجندل وعتاب بن أسيد بن أبي أمية على مكة وأبو سفيان ابن حرب على نجران ويزيد بن أبي سفيان على تيماء وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية على صنعاء، فقبض النبي وهو عليها، وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية على قرى عربية وأبان بن سعيد بن العاص بن أمية على الخط بالبحرين والوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق. وكذب عليهم وقد جئنا بحديثه في غزاة بني المصطلق، والعلاء حليف سعيد بن العاص على الغطيف بالبحرين ومعيقيب ابن أبي فاطمة الدوسي على الغنائم وأبو رنم الغفاري أميره على المدينة حين غزا خيبر، ويقال أبو رهم كلثوم بن الحصين الغفاري وأبو رهم الغفاري أيضا ً على المدينة في غزاة الفتح وأميره على الموسم، والناس بعد على الشرك، عتاب بن أسيد، فوقف عتاب بالمسلمين ووقف المشركون على حدم، وأبو بكر أميره على الموسم في سنة تسع وبعض الناس مشركون، فوقف أبو بكر بالمسلمين ووقف المشركون ناحية على مواقفهم. وفي تلك السنة وجه علي بن أبي طالب بسورة براءة فأخذها من أبي بكر، فقال أبو بكر: يا رسول االله! هل نزل في شيء؟ فقال: لا، ولكن جبريل قال لي: لا يبلغ هذا إلا أنت أو رجل من أهلك. فقرأها على أهل مكة، ويقال قرأها على سقاية زمزم. وأمن فنادى أن من كان له عهد من رسول االله صلى االله عليه وسلم في تأجيله أربعة أشهر فهو على عهده ومن لم يكن له عنده عهد فقد أجله خمسين ليلة. وأميره على صلاة وفد ثقيف عثمان بن أبي العاص الثقفي ومعاذ بن جبل على بعض اليمن وعلى المقاسم يوم بدر محمية بن جزء بن عبد يغوث الزبيدي حليف بني جمح وأسامة بن زيد مولى رسول االله صلى االله عليه وسلم على جيش إلى ناحية الشام، فأنفذه أبو بكر بعد وفاة رسول االله. وكان أبو بكر وعمر في الجيش وكان رسول االله صلى االله عليه وسلم إذا بعث السرايا والجيوش قال: اغزوا بسم االله، في سبيل االله ،وقاتلوا من كفر باالله، لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ً. ووجه رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام. فوجه عبد االله بن حذافة السهمي إلى كسرى، وكتب إليه: بسم االله الرحمن الرحيم، من محمد رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن باالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا االله وحده لا شريك له وأن محمدا ً عبده ورسوله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن عليك آثام اوس. وكتب إليه كسرى كتابا ً جعله بين سرقتي حرير وجعل فيهما مسكا ً، فلما دفعه الرسول إلى النبي صلى االله عليه وسلم فتحه فأخذ قبضة من المسك فشمه وناوله أصحابه، وقال: لا حاجة لنا في هذا الحرير ،ليس من لباسنا، وقال: لتدخلن في أمري أو لآتينك بنفسي ومن معي وأمر االله أسرع من ذلك. فأما كتابك فأنا أعلم به منك، فيه كذا وكذا، ولم يفتحه ولم يقرأه. ورجع الرسول إلى كسرى فأخبره، وقد قيل إن كسرى لما وصل إليه الكتاب وكان... راع أدم قده شتورا، فقال رسول االله: يمزق االله ملكهم كل ممزق. ووجه دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر وكتب إليه: بسم االله الرحمن الرحيم، من محمد رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بداعية الإسلام فأسلم تسلم، ويؤتك االله أجرك مرتين، قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا االله ولا نشرك به شيئا ً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا ً من دون االله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ،فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين. فكتب، هرقل: إلى أحمد رسول االله صلى االله عليه وسلم الذي بشر به عيسى من قيصر ملك الروم: أنه جاءني كتابك مع رسولك وإني أشهد أنك رسول االله صلى االله عليه وسلم نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريم وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيرا ً لهم، ولوددت أني عندك فأخدمك واغسل قدميك. فقال رسول االله: يبقى ملكهم ما بقي كتابي عندهم. ووجه عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي وشجاع بن وهب إلى الحارث ابن أبي شمر الغساني وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية وجرير بن عبد االله البجلي إلى ذي الكلاع الحميري والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي من بني تميم بالبحرين وعمار بن ياسر إلى الأيهم بن النعمان الغساني وسليط بن عمرو بن عبد شمس العامري إلى ابني هوذة بن علي الحنفي باليمامة والمهاجر بن أبي أمية إلى الحارث بن عبد كلال الحميري وخالد بن الوليد إلى الديان وبني قنان وعمرو بن العاص إلى جيفر وعباد ابني الجلندا إلى عمان، وكتب إليهم جميعا بمثل ما كتب به إلى كسرى وقيصر، وسليم بن عمرو الأنصاري إلى حضرموت. وبعث قوما ً من أصحابه في قتل قوم من المشركين. فوجه عمرو بن أمية الضمري بقتل أبي سفيان بن حرب فلم يقتله. وبعث محمد بن مسلمة وأبا نائلة سلكان بن سلامة وعباد بن بشر وأبا عبس بن جبر والحارث بن أوس في قتل كعب بن الأشرف اليهودي فقتلوه في النضير. وبعث عبد االله بن رواحة إلى اليسير بن رزام اليهودي الخيبري فقتله. وبعث عبد االله بن عتيك وأبا قتادة ابن ربعي وخزاعي بن الأسود ومسعود بن سنان وابن عتيك أميرهم في قتل سلام بن أبي الحقيق فقتلوه بخيبر. وبعث في قتل ابن أبي حدعة وقال للموجه: أن أصبته حيا ً فاقتله وأحرقه بالنار، فأصابه قد لسعته حية فمات. وبعث عبد االله بن أبي حدرد في قتل رفاعة بن قيس الجشمي فقتله، وبعث علي بن أبي طالب في قتل معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية فقتله. وفود العرب الذين قدموا على رسول االله صلى االله عليه وسلم وقدمت عليه وفود العرب، ولكل قبيلة رئيس يتقدمهم. فقدمت مزينة ورئيسهم خزاعي بن عبد م ،وأشجع ورئيسهم عبد االله بن مالك، وأسلم ورئيسهم بريدة، وسليم ورئيسهم وقاص بن قمامة، وبنو ليث ورئيسهم الصعب بن جثامة، وفزارة ورئيسهم عيينة بن حصن، وبنو بكر ورئيسهم عدي بن شراحيل، وطيء ورئيسهم عدي بن حاتم، وبجيلة ورئيسهم قيس ابن غربة، والأزد ورئيسهم صرد بن عبد االله، وخثعم ورئيسهم عميس بن عمرو، ووفد نفر من طيء ورئيسهم زيد بن مهلهل وهو زيد الخيل، وبنو شيبان... وعبد القيس ورئيسهم الأشج العصري، ثم وفد الجارود ابن المعلى فولاه رسول االله صلى االله عليه وسلم على قومه، وأوفدت ملوك حمير بإسلامهم وفودا وهم: الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين وكتبوا إليه بإسلامهم فبعث إليهم معاذ بن جبل، وعكل ورئيسها خزيمة بن عاصم، وجذام ورئيسها فروة بن عمرو، وحضرموت ورئيسها وائل بن حجر الحضرمي ،والضباب ورئيسها ذو الجوشن، وبنو أسد ورئيسها ضرار بن الأزور وقيل نقادة بن العايف، وعامر بن الطفيل في بني عامر فرجع ولم يسلم، وأربد بن قيس رجع ولم بسلم، وبنو الحارث بن كعب ورئيسهم يزيد بن عبد المدان، وبنو تميم وعليهم عطارد بن حاجب والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم ومالك ابن نويرة، وبنو د وعليهم أبو ليلى خالد بن الصقعب، وكنانة ورئيسهم قطن وأنس ابنا حارثة من بني عليم، وهمدان ورئيسهم ضمام بن مالك، وثمالة والحدان فخذ من الأزد ورئيسهم مسلمة بن هزان الحداني، وباهلة ورئيسهم مطرف بن كاهن الباهلي، وبنو حنيفة ومعهم مسيلمة بن حبيب الحنفي، ومراد ورئيسهم فروة بن مسيك، ومهرة ورئيسهم مهري بن الأبيض. كتاب النبي وكتب إلى رؤساء القبائل يدعوهم إلى الإسلام. وكان كتابه الذين يكتبون الوحي والكتب والعهود: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعمرو بن العاص بن أمية ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعبد االله بن سعد بن أبي سرح والمغيرة بن شعبة ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وحنظلة بن الربيع وأبي بن كعب وجهيم بن الصلت والحصين النميري. وكتب إلى أهل اليمن: بسم االله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول االله إلى أهل اليمن فإني أحمد االله إليكم الذي لا إله إلا هو. وقع بنا رسولكم مقدمنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغنا ما أرسلتم به وأخبرنا ما كان قبلكم ونباتا بإسلامكم وأن االله قد هداكم أن أصلحتم وأطعتم االله وأطعتم رسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من الغنائم خمس االله وسهم النبي والصفي وما على المؤمنين من الصدقة عشر ما سقى البعل وسقت السماء وما سقي بالغرب نصف العشر، وأن في الإبل من الأربعين حقة قد استحقت الرحل وهي جذعة، وفي الخمس والعشرين ابن مخاض، وفي كل ثلاثين من الإبل ابن لبون، وفي كل عشرين من الإبل أربع شياه، وفي كل أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع ذكر أو جذعة، وفي كل أربعين من الغنم شاة، فإا فريضة االله التي افترض على المؤمنين، فمن زاد خيرا ً فهو خير له، فمن أعطى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على الكافرين فإنه من المؤمنين له ذمة االله وذمة رسوله محمد رسول االله، وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له مثل ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يغير عنها وعليه الجزية في كل حالم من ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار وأف من قيمة المعافري أو عرضه. فمن أدى ذلك إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم فإن له ذمة االله وذمة رسوله، ومن منعه فإنه عدو الله ولرسوله وللمؤمنين، وأن رسول االله صلى االله عليه وسلم مولى غنيكم وفقيركم، وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا أهله إنما هي زكاة تؤدوا إلى فقراء المؤمنين في سبيل االله، وأن مالك بن مرارة قد أبلغ الخبر وحفظ الغيب فامركم به خيرا ً، إني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي كتام وأولي علمهم فامركم به خيرا ً فإنه منظور إليه والسلام. وكان الرسول بالكتاب معاذ بن جبل. وكتب إلى همدان: بسم االله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى عمير ذي مران ومن أسلم من همدان سلم أنتم فإني أحمد االله إليكم، االله الذي لا إله إلا هو، أما بعد ذلك فإنه بلغني إسلامكم مرجعنا من أرض الروم فأبشروا فإن االله قد هداكم داه وإنكم إذا شهدتم أن لا إله إلا االله وأن محمدا ً عبد االله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة فإن لكم ذمة االله وذمة رسوله على دمائكم وأموالكم وأرض البور التي أسلمتم عليها سهلها وجبلها وعيوا وفروعها غير مظلومين ولا مضيق عليكم، وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته إنما هي زكاة تزكوا عن أموالكم لفقراء المسلمين، وأن مالك ابن مرارة الرهاوي قد حفظ الغيب وبلغ الخبر فامركم به خيرا ً فإنه منظور إليه ،وكتب علي بن أبي طالب. وكتب إلى نجران: بسم االله، من محمد رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى أسقفه نجران: بسم االله فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، أما بعد ذلك فإني أدعوكم إلى عبادة االله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية االله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية وأن أبيتم آذنتكم بحرب والسلام. وكتب إلى أهل هجر: بسم االله الرحمن الرحيم، من محمد رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى أهل هجر سلم أنتم فإني أحمد االله إليكم الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإني أوصيكم باالله وأنفسكم ألا تضلوا بعد إذ هديتم ولا تغووا بعد إذ رشدتم، أما بعد ذلكم فإنه قد جاءني وفدكم فلم آت فيهم إلا ما سرهم وإني لو جهدت حقي كله فيكم أخرجتكم من هجر فشفعت شاهدكم ومننت على غائبكم اذكروا نعمة االله عليكم. أما بعد فإنه قد أتاني ما صنعتم وأن من يجمل منكم لا يحمل عليه ذنب المسيء فإذا جاءكم أمراؤكم فأطيعوهم وانصروهم على أمر االله وفي سبيله فإنه من يعمل منكم عملا ً صالحا ً فلن يضل له عند االله ولا عندي. أما بعد يا منذر بن ساوي فقد حمدك لي رسولي وأنا، أن شاء االله، مثيبك على عملك. وقدم عليه أهل نجران ورئيسهم أبو حارثة الأسقف، ومعه العاقب والسيد وعبد المسيح وكوز وقيس والأيهم، فوردوا على رسول االله. فلما دخلوا أظهروا الديباج والصلب ودخلوا يئة لم يدخل ا أحد. فقال رسول االله: دعوهم، فلقوا رسول االله صلى االله عليه وسلم فدارسوه يومهم وساءلوه ما شاء االله. فقال أبو حارثة: يا محمد! ما تقول في المسيح؟ قال: هو عبد االله ورسوله. فقال: تعالى االله عما قلت، يا أبا القاسم هو كذا وكذا. ونزل فيهم: "أن مثل عيسى عند االله كمثل آدم خلقه من تراب" إلى قوله: "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة االله على الكاذبين". فرضوا بالمباهلة، فلما أصبحوا قال أبو حارثة: انظروا من جاء معه. وغدا رسول االله صلى االله عليه وسلم آخذا بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة وعلي بن أبي طالب بين يديه وغدا العاقب والسيد بابنين لهما عليهما الدر والحلي وقد حفوا بأبي حارثة. فقال أبو حارثة: من هؤلاء معه؟ قالوا: هذا ابن عمه وهذه ابنته وهذان ابناها. فجثا رسول االله صلى االله عليه وسلم على ركبتيه ثم ركع. فقال أبو حارثة: جثا واالله كما يجثو النبيون للمباهلة. فقال له السيد: ادن يا أبا حارثة للمباهلة. فقال: إني أرى رجلا ً حريا على المباهلة وإني أخاف أن يكون صادقا ً فإن كان صادقا ً لم يحل الحول وفي الدنيا نصراني يطعم الطعام. قال أبو حارثة: يا أبا القاسم لا نباهلك ولكنا نعطيك الجزية. فصالحهم رسول االله صلى االله عليه وسلم على ألفي حلة من حلل الأواقي ،قيمة كل حلة أربعون درهما ً فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك. وكتب لهم رسول االله صلى االله عليه وسلم كتابا ً: بسم االله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من النبي محمد رسول االله لنجران وحاشيتها إذا كان له عليهم حكمه في كل بيضاء وصفراء وثمرة ورقيق كان أفضل ذلك كله لهم غير ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهما ً، فما زاد أو فقص فعلي هذا الحساب ألف في صفر وألف في رجب ،وعليهم ثلاثون دينارا مثواه رسلي شهرا ً فما فوق. وعليهم في كل حرب كانت باليمن دروع عارية مضمونة لهم بذلك جوار االله وذمة محمد فمن أكل الربا منهم بعد عامهم هذا فذمتي منه بريئة. فقال العاقب: يا رسول االله صلى االله عليه وسلم إنا نخاف أن تأخذنا بجناية غيرنا. قال فكتب: ولا يؤخذ أحد بجناية غيره. شهد على ذلك عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وكتب علي بن أبي طالب. فلما قدموا نجران أسلم الأيهم وأقبل مسلما ً. أزواج رسول االله وتزوج إحدى وعشرين امرأة، وقيل ثلاثا ً وعشرين. دخل ببعضهن وطلق بعضا ولم يدخل ببعض، واللاتي دخل ن: أولهن خديجة ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وولدت أولاده، أجمعين خلا إبراهيم، ولم يتزوج عليها حتى ماتت. ثم سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤي، تزوجها بمكة. ثم عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة، تزوجها بمكة ودخل ا بالمدينة. ثم غزية بنت دودان بن عوف بن جابر بن ضباب من بني عامر بن لؤي، وهي أم شريك التي وهبت نفسها للنبي. ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب. ثم بنت نفيل بن عبد العزى العبدوي. ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث من بني عامر بن صعصعة، وهي أم المساكين، ولم يمت من نسائه عنده غيرها وغير خديجة. ثم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. ثم زينب بنت جحش بن رئاب بن قيس بن يعمر بن صبرة من بني أسد ابن خزيمة. ثم أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد االله بن عمرو بن مخزوم. ثم جويرية واسمها برة بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية من خزاعة. ثم صفية بنت حيي بن أخطب من بني النجار من سبط هارون النبي. ثم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالي. ثم مارية أم إبراهيم، هؤلاء اللاتي دخل ن، طلق منهن أم شريك، وأرجأ منهن سودة وصفية وجويرية وأم حبيبة وميمونة، وآوى عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة. والنسوة اللاتي لم يدخل ن: خولة بنت الهذيل بن هبيرة الثعلبية، هلكت في الطريق قبل وصولها إليه. وشراف أخت دحية بن خليفة الكلبي، حملت إليه فهلكت قبل دخولها عليه. وسنا بنت الصلت بن حبيب بن حارثة السلمي، ماتت قبل أن يصل إليها. وريحانة بنت شمعون القريظية عرض عليها النبي صلى االله عليه وسلم الإسلام فأبت إلا اليهودية فعزلها ثم أسلمت بعد، فعرض عليها التزويج فأجابت وضرب الحجاب ، فقالت: بل تتركني في ملكك، يا رسول االله. فلم تزل في ملكه حتى قبض. وأسماء بنت النعمان الكندي ،من بني آكل المرار، كانت من أجمل نسائه وأتمهن فقال لها نساؤه: أن أردت أن تحظي عنده فتعوذى باالله إذا دخلت عليه. فلما دخل وأرخى الستر، قالت: أعوذ باالله منك! فصرف وجهه عنها. ثم قال: أمن عائذ االله! الحقي بأهلك. فخلف على أسماء بنت النعمان الكندي المهاجر بن أمية المخزومي ثم خلف عليها بعد المهاجر قيس بن مكشوح المرادي. وقتيلة بنت قيس بن معديكرب، وهي أخت الأشعث بن قيس بن فلان، قبض رسول االله صلى االله عليه وسلم قبل خروجها إليه من اليمن، فخلف عليها عكرمة بن أبي جهل. وعمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواس الكلابي، بلغه أن ا بياضا ً فطلقها ولم يدخل ا. والعالية بنت ظبيان بن عمرو الكلابي، طلقها. والجونية امرأة من كندة وليست بأسماء، كان أبو أسيد الساعدي قدم ا عليه، فوليت عائشة وحفصة مشطها وإصلاح أمرها، فقالت أحدا ًهما لها: أن رسول االله صلى االله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخل عليها ومد يده إليها أن قالت: أعوذ باالله منك، ففعلت ذلك فوضع يده على وجهه واستتر ا وقال: عذت، فعاذت ثلاث مرات. ثم خرج وأمر أبا أسيد الساعدي أن يمتعها برازقيتين ويلحقها بأهلها ،فزعموا أا ماتت كمدا ً. وليلى بنت الحطيم الأوسي أتته وهو غافل فحطأت منكبه. فقال: من هذا أكله الأسود؟ قالت: أنا بنت الحطيم، وأبي مطعم الطير، وقد جئتك أعرض نفسي عليك. قال: قد قبلتك. فأتت نساءها فقلن لها: بئس ما صنعت! أنت امرأة غيور ورسول االله كثير الضرائر، إنا نخاف أن تغاري فيدعو عليك فتهلكي، استقيليه، فأتته فاستقالته، فأقالها، ودخلت حائطا من حيطان المدينة فأكلها الأسود. وصفية بنت بشامة العنبرية، عرض عليها المقام عنده أو ردها إلى أهلها فاختارت أهلها فردها. وضباعة بنت عامر القيسية، كانت عند عبد االله بن جدعان فطلقها ثم تزوجها هشام بن المغيرة فأولدها سلمة، فخطبها رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى سلمة، فقال: أستأمرها. فقالت: أفي رسول االله؟ قد رضيت. فبلغه عنها كبر، فأمسك عنها. مولد إبراهيم ابن رسول االله وولد إبراهيم ابن رسول االله صلى االله عليه وسلم وأمه مارية القبطية في ذي الحجة سنة ثمان. ولما ولد هبط جبريل إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم! وتنافست فيه نساء الأنصار أيهن ترضعه، فدفعه رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد من بني النجار، وعق رسول االله صلى االله عليه وسلم بكبش. وكانت قابلته سلمى مولاة رسول االله صلى االله عليه وسلم امرأة أبي رافع، فجاء أبو رافع إلى رسول االله صلى االله عليه وسلم فأخبره فوهب له عبدا. وغارت نساء رسول االله صلى االله عليه وسلم واشتد عليهن حيث رزق منها ولدا فروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل على رسول االله ومعه ابنه إبراهيم يحمله، فقال: انظري إلى شبهه بي. قالت عائشة: أرى شبهها. قال: أما ترين بياضة ولحمه؟ قالت: من قصر عليه اللقاح ابيض وسمن. وتوفي إبراهيم في سنة عشرة وله سنة وعشرة أشهر، وكسفت الشمس ساعتين من النهار، فقال الناس: كسفت لموت إبراهيم. وقال رسول االله: أن الشمس والقمر آيتان من آيات االله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته ،فإذا رأيتم فافزعوا إلى مساجدكم. وقال: أن العين تدمع والقلب يخشع وأنا بك يا إبراهيم لمحزونون ولكنا لا نقول ما يسخط الرب. وأعتق جماعة عبيدا ً وإماء منهم: زيد بن حارثة بن شراحيل وأسامة بن زيد وأبو رافع، قبطى أهداه له المقوقس، وأنسه، وكان حبشيا ً، وأبو كبشه، وكان فارسيا ً، وأبو لبابة وأبو لقيط وأبو أيمن وأبو هند ورافع وسفينة وثوبان وصالح، وهو شقران، وأم أيمن حبشية كان أبو طالب خلفها عليه واسمها بركة ،ويقال خضرة، ويقال إنه ورثها عن أبيه وكان يسمي كل شيء لها. وكان رسم رايته العقاب وكانت سوداء على عمل الطيلسان، وكان له سيف يقال له المخدم وسيف يقال له الرسوب وسيفه الذي يلزمه ذو الفقار. وقد روي أن جبريل نزل به من السماء فكان طوله سبعة أشبار وعرضه شبرا وفي وسطه كال وكانت عليه قبيعة فضة ونعل فضة وفيه حلقتان فضة ورمحه المثوى حربته العترة، وكان يمشي ا في الأعياد بين يديه ويقول: هكذا أخلاق السنن، وقوسه الكتوم وكنانته الكافور ونبله المتصلة وترسه الزلوق ومغفره السبوع ودرعه ذات الفضول وفيها زردتان زائدتان وفرسه السكب وفرس آخر المرتجز وفرس آخر السجل وفرس آخر البحر. وأجرى الخيل فجاء فرسه سابقا فجثا على ركبتيه وقال: ما هو إلا البحر، وكان يقول: الخيل في نواصيها الخير. وكانت له ناقة يقال لها القصوى وناقة يقال لها العضباء وناقة يقال لها الجذعاء. وسابق بالإبل فجاءت ناقته العضباء سابقة ، وعليها أسامة بن زيد. فقال الناس: سبق رسول االله. فقال رسول االله: سبق أسامة. وكانت بغلته الشهباء يقال لها الدلدل أهداها له المقوقس وبغلة أخرى طويلة مرتفعة يقال لها الأبلية. وحماره اليعفور. وكانت له شاة يشرب من لبنها يقال لها غيثه. وقدح يقال له الريان وقدح يقال له العير. وقضيب يقال له الممشوق. وجبة يقال لها الكن. وعمامة سوداء يقال لها السحاب. وذكر أبو البختري أنه كان له منطقة من أديم مبشورة، فيها إبزيم وثلاث حلقات كالفلك من فضة، فإنه كان يلبس برود الحبر أزرا أو أردية البيضاء والقلنسوة الحبر والجبة السندس الخضراء وليس بالذي عن عن لبسهما فما لبس الصوف حتى قبضه االله إليه. وكان له فراش أدم وكان يلبس الملحفة المصبوغة بالزعفران والورس ويلبس الإزار الواحد يعقده بين كتفيه. وكان يتطيب حتى يصبغ الطيب رداءه من موضع رأسه وحتى يرى وميض المسك من مفرقه وحتى يعرف مجيئه بطيب رائحته من بعيد قبل أن يرى. وكان يقول: أطيب الطيب المسك. وكان لا يعرض عليه طيب إلا تطيب منه. وكان إذا أراد الخروج من مترله امتشط وسوى جمته وأصلح شعره. وكان يقول: أن االله يحب من عبده أن يكون له حسن الهيئة. ويروي أنه كان يلبس البرنس والشملة وكان له ثوبان. وكان يلبس الخاتم ويصير فضة فصه مما يلي الكف ويلبسه في اليد اليمنى واليد اليسرى ويضعه في إصبعه الوسطى في المفصل ويديره في أصابع يده. خطب رسول االله ومواعظه وتأديبه بالأخلاق الشريفة وكان يخطب أصحابه ويعظهم ويعلمهم محاسن الأخلاق ومكارم الأفعالي. خطب رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال في خطبته: أيها الناس أن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وأن لكم اية فانتهوا إلى ايتكم، وأن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى ولا يدري ما االله صانع فيه ، وأجل قد بقي ما يدري ما االله صانع فيه، وأجل قد بقي ما يدري ما االله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لأخرته: في الشبيبة قبل الكبر، وفي الحياة قبل الممات، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار. وخطب يوما ً فقال في خطبته: أن االله ليس بينه وبين أحد قرابة يعطيه ا خيرا ً ولا حق يصرف به عنه سوءا ً إلا بطاعته واتباع مرضاته واجتناب سخطه. أن االله، تبارك وتعالى، على أرادته ولو كره الخلق ما شاء االله كان، وما لم يشأ لم يكن. تعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان، واتقوا االله أن االله شديد العقاب. وخطب رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال في خطبته: طوبى لعبد طاب كسبه وحسنت خليقته وصلحت سريرته وأنفق الفضل من ماله، وترك الفضول من قوله، وكف عن الناس شره وأنصفهم من نفسه، إنه من عرف االله خاف االله ومن خاف االله شحت نفسه عن الدنيا. وخطب يوما ً فقال في خطبته: اذكروا الموت فإنه آخذ بنواصيكم، أن فررتم منه أدرككم وأن أقمتم أخذكم... لا خير بعده أبدا، وفرقة لا ألفة بعدها، وأن العبد لا تزول قدماه يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن إمامه من هو؟ قال االله ،عز وجل: يوم ندعو كل أناس بإمامهم إلى آخر الآية. وقال: من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به ،ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد االله على ما فضله به كتبه االله شاكرا وصابرا. ومن نظر في دينه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسفه على ما فضله االله لم يكتبه االله شاكرا ً ولا صابرا ً. وقال: من أعطي قلبا ً شاكرا ً ولسانا ً ذاكرا ً وبدنا صابرا ً وزوجة صالحة فقد أعطي الدنيا والآخرة. وقال: الرغبة في الدنيا تورث الهم والحزن، والزهد فيها يريح القلب والبدن. وقال: السعادة في اثنتين الطاعة والتقوى. وقال: يقول االله، عز وجل: حسب عندي المؤمن حقيقة إيمانه في ضميره وصدق ورع نيته حتى أجعل نومه عملا وصمته ذكرا ً. وقال: من أتى الناس بما يحبون وبارز االله بما يكره لقي االله وهو عليه غضبان آسف. وقال: إن االله يرضى لكم ثلاثا ً ويكره ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ً ،وأن تعتصموا بحبله جميعا ً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاة أمركم، ويكره لكم قالا وقيلا، ويكره السؤال وإضاعة المال. وقال: يقول ابن آدم مالي! مالي! وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت. وقال: الدنيا حلوة خضرة، واالله مستعملكم فيها فانظروا كيف تعملون. وقال: أن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا ً الذين يألفون ويؤلفون، وأن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون. وقال له رجل: أوصني يا رسول االله. فقال: أكثر ذكر الموت يسلك عن الدنيا، وعليك بالشكر تزد في النعمة، وأكثر الدعاء فإنك لا تدري متى يستجاب لك، وإياك والبغي فإن االله، عز وجل، قضى أن ينصر من بغى عليه، وإياك والمكر فإن االله قضى ألا يحيق المكر السيء إلا بأهله. وقيل له: أي الأعمال أفضل؟ فقال: اجتناب المحارم وألا يزال لسانك رطبا ً من ذكر االله، عز وجل، قيل: فأي الأصحاب أفضل؟ قال: الذي إذا نسيت ذكرك وإذا دعوت أعانك. قيل: أي الناس شر؟ قال: العلماء إذا فسدوا. وقال: إذا ساد القبيل فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل الذي اتقي شره فانتظروا البلاء. وقال: من ذب عن لحم أخيه بظهر الغيب كان حقيقا على االله، عز وجل، أن يحرم لحمه على النار. وقال: يقول االله، تبارك وتعالى: "يا ابن آدم بمشيئتي كنت، أنت تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت تريد لنفسك ما تريد، وبقوتي أديت فريضتي، وبنعمتي قويت على معصيتي، فأنا أولى بحسناتك منك ،وأنت أولى بسيئاتك مني بذلك، وإني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون". وقال: أن االله فرض على الأغنياء ما يكفي الفقراء، فإن جاع الفقراء كان حقيقا ً على االله أن يحاسب أغنياءهم ويكبهم في نار جهنم على وجوههم. وقال: يقول االله، عز وجل: إني لم أغن الغني لكرامة به علي، ولكنه مما ابتليت به الأغنياء، ولو لا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنة. وقال: أربع من أتى االله، عز وجل، بواحدة منهن وجبت له الجنة: من سقى هامة صادية أو أطعم كبدا جائعة أو كسا جلدة عارية أو أعتق رقبة عانية. وقال: كل عين ساهرة يوم القيامة إلا ثلاث عيون: عين سهرت في سبيل االله، وعين غضت عن محارم االله، وعين فاضت من خشية االله. وقال: يقول االله، عز وجل: عبدي إذا صليت ما إفترضت عليك فأنت أعبد الناس، فإذا قنعت بما رزقتك فأنت أغنى الناس. وجمع بني عبد المطلب فقال: يا بني عبد المطلب أفشوا الإسلام وصلوا الأرحام وجدوا والناس نيام وأطعموا الطعام وأطيبوا الكلام تدخلوا الجنة بسلام. وقال: أربعة من كنوز البر: كتمان الحاجة وكتمان الصدقة وكتمان الوجع وكتمان المصيبة. وقال: أقربكم مني غدا في الموقف أصدقكم في الحديث وآداكم للأمانة أوفاكم بالعهد وأحسنكم خلقا ً وأقربكم من الناس. وقال: الإبقاء على العمل أشد من العمل، أن الرجل ليعمل في السر فلا يزال به الشيطان حتى يحدث به أو يظهره فيسبح في العلانية فيكتب في الرياء. وقال: أن علامة النفاق جمود العبرة وقساوة القلب والإصرار على الذنب والحرص على الدنيا. وقال: السخي قريب من االله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار، والبخيل بعيد من االله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار. وقال: العبد إذا استوت سريرته وعلانيته، قال االله، عز وجل: عبدي حقا. وقال: المؤمن من خلط حلمه بعلمه، ينطق ليفهم، ويجلس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويحدث أمانته الأصدقاء، ويكتم شهادته الأعداء، ولا يعمل شيئا ً من الحق رياء ولا يتركه حياء حتى إذا زكا خاف ما يقولون فاستغفر مما لا يعلمون، والمنافق لا يعبره قول من ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي، إذا قام إلى الصلاة... وإذا ركع ربض وإذا سجد نقر وإذا جلس سعد، يمسي وهمه الطعام وهو مفطر، ويصبح وهمه النوم ولم يسهر، أن حدثك كذبك وأن وعدك أخلفك، وأن ائتمنته خانك وأن خالفك اغتابك. وقال: من أجهد نفسه لدنياه ضر باخرته، ومن اجتهد لأخرته كفاه االله ما همه. وقال: من رأى موضع كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه. وقال: إياكم وجدال المفتين، فإن كل مفت ملقن حجته إلى انقضاء مدته فإذا انقضت أحرقته فتنته بالنار. وقال: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية الله، عز وجل، وحرمة ماله كحرمة دمه. وقال: الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار، واالله، عز وجل، يحب الحيي الحليم العفيف المتعفف، وأن االله يبغض البذي السائل الملحف. أن أسرع الخير ثوابا ً البر وأسرع الشر عقوبة البغي. وقال: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول االله. قال: المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العيب، ومن كف عن أعراض الناس أقاله االله نفسه، ومن كف غضبه عن الناس كف االله عنه عذابه يوم القيامة. وقال: بئس العبد عبدا ذا الوجهين وذا اللسانين يطري أخاه في وجهه ويأكله غائبا ً عنه، إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله. وقال: أن االله حرم الجنة على المنان والنمام ومدمن الخمرة. وقال لعلي بن أبي طالب: عليك بالصدق فلا تخرجن من فيك كذبة أبدا، والورع فلا تجترئ على خيانة أبدا، والخوف من االله كأنك تراه، والبكاء من خشية االله يبن لك بكل دمعة بيتا في الجنة، والأخذ بسنتي. وقال: السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من وعظ به غيره، وأكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، وشر الرواية الكذب، وشر الأمور محدثاا، وشر العماء عماء القلب، وشر الندامة يوم القيامة ،وأعظم الخطاء عند االله لسان كذاب، وشر المأكل أكل مال اليتيم ظلما، وأحسن زينة الرجل هدي حسن مع إيمان، وأملك أمر يديه قوله وخواتمه، من يتبع السمعة يسمع االله به، ومن ينوي الدنيا تعجز عنه، ومن يعرف االله يصير إليه، ولا تسخطوا االله برضى أحد، ولا تنفروا إلى أحد من الخلق بما يباعد من االله. وقال: لا تستصغروا قليل الحسنان فإنه لا يصغر ما ينفع يوم القيامة، وخافوا االله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف، وسارعوا إلى طاعة االله واصدقوا الحديث وأدوا الأمانة فإنما ذلك لكم، ولا تظلموا ولا تدخلوا فيما لا يحل لكم فإنما ذلك عليكم. وقال: إذا كثر الربا كثر موت الفجاءة، وإذا طفف المكيال أخذهم االله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض من زكاا، وإذا جاروا في الأحكام وتعاونوا وخانوا العهود سلط عليهم عدوهم ،وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويتبعوا الأخيار سلط االله عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم. وقال: أصل المرء قلبه، وحسبه خلقه، وكرمه تقواه، والناس في آدم شرع سواء. وقال: أن االله خص أولياءه بمكارم الأخلاق فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم فاحمدوا االله وإلا فارغبوا إليه. قيل له: وما هي؟ قال: اليقين والقنوع والصبر والشكر والعقل والمروة والحلم والسخاء والشجاعة. وقال: ثلاث لا يموت صاحبهن حتى يرى ما يكره: البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز االله ا، وأن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، وأن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمو أموالهم ويثرون، وأن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تترك الديار بلاقع وتقطع السبل، ومن صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زاد االله في رزقه، ومن حسن بره بأهل بيته زاد االله في عمره. وقال: ثلاث لم يجعل االله لأحد فيها رخصة: بر الوالدين برين كانا أو فاجرين، ووفاء العهد للبر والفاجر، وأداء الأمانة إلى البر والفاجر، ومن كان يؤمن باالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره وليكرم ضيفه وليقل خيرا ً وليشكر. وقال: المؤمن أخو المؤمن لا يخذله ولا يحزنه ولا يغتابه ولا يحسده ولا يبغي عليه، فإن إبليس يقول لجنوده: ألقوا بينهم البغي والحسد فإنه يعدل عند االله الشرك. وقال: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فإياكم وما تعتذرون منه فإن المؤمن لا يسيء ويعتذر وأن المنافق يسيء كل يوم فلا يعتذر، وللغيبة أسرع في دين المسلم من الأكلة في جوفه. أن أهل الأرض مرحومون ما تحابوا وأدوا الأمانة وعملوا بالحق. وقال: يقول االله عز وجل: ابن آدم أنا الحي لا أموت، فأطعني أجعلك حيا لا تموت وأنا على كل شيء قدير، ابن آدم صل رحمك أفك عنك عسرك وأيسرك ليسرك. وقال: من أصبح وهو على الدنيا حزين أصبح على االله ساخطا، ومن شكا مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه، ومن أتى ذا ميسرة فخشع له لينال من دنياه ذهب ثلثا دينه، ومن تمنى شيئا ً هو الله رضي لم يخرج من الدنيا حتى يعطاه. وقال: يقول االله، عز وجل: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى ولا أكلك في طلب معاشك إلى طلبك ،وعلي أن أسد فاقتك واملأ قلبك خوفا مني، وإلا تفرغ لعبادتي أملاه شغلا بالدنيا ثم أسدها عنك وأكلك إلى طلبك. وقال: لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، فمن سألكم باالله فأعطوه ومن استعاذكم باالله فأعيذوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن اصطنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تكافئوه فاشكروه. وقال: من حق جلال االله على العباد إجلال الإمام المقسط وذي الشيبة في الإسلام وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه. أربع من فعلهن فقد خرج من الإسلام: من رفع لواء ضلالة، ومن أعان ظالما أو سار معه أو مشى معه وهو يعلم أنه ظالم، ومن احترم بذمة، ورجلان لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة: أمير ظلوم ورجل غال في الدين مارق منه، والأمير العادل لا ترد دعوته. وقال: لا يشغلنك طلب دنياك عن طلب دينك، فإن طالب الدنيا ربما أدرك فهلك بما أدرك وربما فاته فهلك بما فاته. الأكثرون في الدنيا هم الأقلون في الآخرة ألا من قال: هكذا، وهكذا، وحثا بيده. وما أعطي أحد من الدنيا شيئا ً إلا كان أنقص من حقه في الآخرة حتى سليمان بن داود فإنه آخر من يدخل الجنة من الأنبياء لما أعطي من الدنيا. ورأس كل خطيئة حب الدنيا. وقال: جاء الموت بما فيه الراحة والكرة المباركة إلى جنة عالية لأهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم، وجاء الموت بما فيه الشقوة والندامة والكرة الخاسرة إلى نار حامية لأهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم. وقال: أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان باالله، والجهاد في سبيل االله ،وكلمة الإخلاص فإا الفطرة، وتمام الصلاة فإا الملة، وإيتاء الزكاة فإا مثراة في المال منسأة في الأجل ،وصدقة السر فإا تكفر الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنائع المعروف فإا تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان. ألا فاصدقوا فإن الصادق على شفا منجاة وكرامته، وأن الكاذب على شفا مخزاة ومهلكه. ألا وقولوا خيرا ً تعرفوا به اعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحام من قطعكم، وعودوا بالفضل على من جهل عليكم. وقال: من تعرض لسلطان جائر فأصابته بلية لم يؤجر فيها ولم يرزق الصبر عليها، فحسب المؤمن عزاء إذا رأى المنكر أن يعلم االله من قلبه أنه كاره. وقال: إن الله عبادا من خلقه يخصهم بنعمه يقرهم فيها ما بذلوها فإذا منعوها نقلها منهم وحولها إلى غيرهم. وقال: ما عظمت نعمة االله على عبد إلا عظمت مؤونة الناس عليه، فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرض النعمة للزوال. وقال لبني سلمة: من سيدكم اليوم يا بني سلمة؟ قالوا: الجد بن قيس، يا رسول االله. قال: فكيف حاله فيكم؟ قالوا: من رجل نبخله. قال: وأي داء أدوا من البخل! لا سؤدد البخيل بل سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح، أو قال، قال: قيس بن البراء. وقال لوافد وفد عليه واطلع منه على كذبه: لو لا سخاء فيك ومعك االله تشرب بلبن وافد. وقال: خلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق. وقال: تجافوا عن زلة السخي فإن االله، عز وجل، يأخذ بناصيته كلما عثر. وقال: الجنة دار الأسخياء. وقال: الشاب الجواد الزاهد هو أحب إلى االله من الشيخ البخيل العابد. وقال: إن االله جواد يحب الجود ويحب مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها. وقال: إن الله عبادا ً خلقهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم فهم الآمنون يوم القيامة. وقال: أحسنوا مجاورة نعم االله ولا تملوها ولا تنفروها فإا قلما نفرت من قوم فرجعت إليهم. وقال: الحوائج إلى االله، وأسباا إلى الناس، فاطلبوها إلى االله م، فمن أعطاكموها فخذوها عن االله بشكر، ومن منعكموها فخذوها عن االله بصبر. وقال: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجوه وحسن الخلق. وقال: رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس، فإن عرض بلاء فقدم مالك قبل نفسك ودينك، فإن تجاوز البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك، وأعلم أن المحروب من حرب دينه. وقال: إن لكل شيء شرفا ً، وإن أشرف المنازل ما استقبل به القبلة. من أحب أن يكون أعز الناس فليثق باالله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد االله أوثق منه بما في يده، ومن أحب أن يكون أقوى الناس. فليتوكل على االله. ثم قال: ألا أنبئكم بشرار الناس؟ من أكل وحده ومنع رفده وجلد عبده. ألا أنبئكم بشر من ذلك؟ من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره. ألا أنبئكم بشر من ذلك؟ من يبغض الناس ويبغضونه. وقيل له: ما أفضل ما أعطي العبد؟ قال: نحيزه من عقل يولد معه. قالوا: فإذا أخطأه ذلك؟ قال: فليتعلم عقلا. قالوا: فإن أخطأه ذلك؟ قال: فليتخذ صاحبا في االله غير حسود. قالوا: فإن أخطأه ذلك؟ قال: عليه بالصمت. قالوا: فإن أخطأه ذلك؟ قال: فميتة قاضية. وقال لرجل من ثقيف: ما المروة فيكم؟ فقال: الصلاح في الدين وإصلاح المعيشة وسخاء النفس وحسن الخلق. فقال: كذلك هي فينا. وقال: من اتقى ربه كل لسانه ولم يشف غيظه، إن االله عند لسان كل قائل فلينظر قائل ما يقول. وقال: ما أتاني جبريل إلا ووعظني، وقال في آخر قوله: إياك والمشازرة فإا تكشف العورة وتذهب بالعز. وسأله رجل، فقال له: ما عندي شيء. فقال له: عدني. فقال: إني لأستعمل الرجل وغيره أن يكون انفض عينا وأمثل رجله وأشد مكيدة، وإني لا أعطي الرجل وغيره أحب إلي منه أعطيه تألفا. وقال: من لم يحمد عدلا ويذم جورا فقد بارز االله بالمحاربة. وقال: أشرف الأعمال ثلاثة: ذكر االله، عز وجل، على كل حال، وإنصاف الناس من نفسك، ومواساة الإخوان. وقال: موت البنات من المكرمات. وقال: الصبر عند االله ضد الغيرة ولا يكمله أحد، وعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإذا أحب االله عبدا ً ابتلاه. وقال: إن أكمل المؤمنين إيمانا ً أحسنهم أخلاقا ً. وقال: كل معروف صدقة وما وقى به اللسان صدقة، فقيل لمحمد بن المنكدر: وما ذاك؟ قال: إعطاء الشاعر وذي اللسان. وقال: ما من ذنب إلا وله عند االله التوبة إلا سوء الخلق إنه لا يخرج من شيء إلا وقع في شر منه. وقال: إياك ومهلك، فإن ذا مهل قتل أخاه ونفسه وسلطانه. وأتاه رجل فقال له: ألك مأكل؟ قال: نعم من أكل المال. فقال: إذا االله أنعم عليك بنعمته فليثن عليك. وقال: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر. فقال رجل: يا رسول االله، إني لأحب أن تكون دابتي فارهة وثيابي جيادا، حتى ذكر شراك نعله وعلاقة سوطه، فقال: إن االله جميل يحب الجمال، فإنما الكبر أن يمنع الحق ويغمض الباطل. وسأل سائل رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال: ما أصبح في بيت آل محمد غير صاع من طعام وإم لأهل تسعة أبيات فهل لهم عنه غنى؟ ولم يرد سائلا قط. وإنه كان يعالج حظاء من جريد، فمر به رجل فقال: أكفيكه يا رسول االله؟ فقال: شأنك. فلما فرغ منه قال له: ألك حاجة؟ قال: نعم تضمن لي على االله الجنة. فأطرق طويلا ً ثم رفع رأسه إليه فقال: ذلك لك. فلما ولي ناداه: يا عبد االله أعني بطول السجود. وخطب على ناقته فقال: يا أيها الناس كان الموت على غيرنا كتب، وكان الحق على غيرنا وجب، وكان الذين يشيعون من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم كانا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظه وآمنا كل جائحة، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق من مال قد اكتسبه من غير معصية ورحم وصاحب أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة طوبى لمن أذل نفسه وحسنت خليقته وصلحت سريرته وعزل عن الناس شره ووسعته السنة ولم يبعدها إلى البدعة. وقال: وعظني جبريل فقال لي: أحبب من شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه. وقال: من طلب الرزق من حله فليبذر على االله. وقال: استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا. وقال: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك، ولا صمت إلا من غدوة إلى الليل، ولا وصال في صيام، ولا رضاع بعد فطام، ولا يتم بعد احتلام، ولا يمين لامرأة مع زوجها، ولا يمين لولد مع والده ،ولا يمين للمملوك مع سيده، ولا تعرب بعد الهجرة، ولا يمين في قطيعة رحم، ولا نذر في معصية. ولو أن أعرابيا حج عشر حجج ثم هاجر كان فريضة الإسلام عليه إذا استطاع إليه سبيلا، ولو أن مملوكا حج عشر حجج ثم عتق كان فريضة الإسلام عليه إن استطاع إليه سبيلا ً. وقال: أعظم الذنوب عند االله أصغرها عند العباد، وأصغر الذنوب عند االله أعظمها عند العباد. وقال: لا يلسع المؤمن من جحر مرتين، والناس سواء كأسنان المشط، والمرء كثير بأخيه، ولا خير لك في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له، واليد العليا خير من اليد السفلى، والمسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، والمستشار مؤتمن، ولن يهلك امرؤ عرف قدره، ورحم االله عبدا قال خيرا ً فغنم أو سكت فسلم. وذكر الخيل فقال: معقود في نواصيها الخير، وبطوا كتر وظهورها حرز، وأجرى الخيل فجاء فرس له أدهم سابقا فجثا على ركبتيه ثم قال: ما هو إلا البحر. وقال: يحمل هذا العلم من كل حلف عدو له ،ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. وقال: إن االله، عز وجل، يقول: ويل للذين يختلون الدنيا بالدين وويل للذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس وويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقية إياي يغرون أم علي يجترءون فإني حلفت لأتيحنهم فتنة تترك الحليم منهم حيران. وروي عنه أنه قال: كان تحت الجدار الذي ذكره االله، عز وجل، في كتابه كتر لهما، كان الكتر لوحا من ذهب مكتوب فيه بسم االله الرحمن الرحيم. عجبا لمن يوقن بالموت كيف يفرح. عجبا لمن يوقن بالقدر كيف يحزن. عجبا لمن يوقن بالنار كيف يضحك. عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها. لا إله إلا االله ومحمد رسول االله. وقال: للطاعم الشاكر أجر الجائع الصابر، ولأن يعافى أحدكم فيشكر خير له من أن يبيت قائما ويصبح صائما ً معجبا ً. وقال: لا يحل لمؤمن أن يذل نفسه. قيل: يا رسول االله فكيف تذل؟ قال: بعرضها لما لا تطيق من البلاء. وقال: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور االله. ووجد في كتاب عند أسماء بنت عميس من كلام رسول االله: الآجلات الجانيات المعقبات رشدا ً باقيا ً خير من العاجلات العابدات المعقبات غيا ً باقيا ً. المسلم عفيف من المظالم عفيف من المحارم. بئس العبد عبد هواه يضله، بئس العبد عبد رغب إليه بذلة، بئس العبد عبد طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا. وقال: أربع من قواصم الظهر: إمام تطيعه ويضلك، وزوجة تأمنها وتخونك، وجار سوء إن علم سوءا ً أذاعه وإن علم خيرا ً ستره، وفقير إذا نحل لم يجد صاحبه. وقال: ما من عبد إلا وفي علمه وحلمه نقص، ألا ترون أن رزقه يجري بالزيادة فيظل مسرورا ً مغتبطا ً وهذان الليل والنهار يجريان بنقص عمره لا يحزنه ذلك ولا يحتفل به ضل ضلالة، ما أغنى عنه رزق يزيد وعمر ينقص. وقال: إن بني إسرائيل اذهبوا خشية االله من قلوم فحضرت أبدام وغابت قلوم، وإن االله لا يقبل من عبد لا يحضر من قلبه ما يحضر من بدنه. وقال: من ازداد علما ثم لم يزدد زهدا ً لم يزدد من االله إلا بعدا ً. من أعان إماما ً جائرا ً ولم يخطئه لم يفارق قدمه قدمه بين يدي االله حتى يأمر به إلى النار. وأتاه رجل من بني قشير يقال له قرة بن هبيرة فقال: يا رسول االله كانت لنا أرباب وربات فهدانا االله بك. فقال: أكثر أهل الجنة البله وأهل عليين ذوو الألباب. وقال: الأئمة من قريش لكم عليهم حق، ولهم عليكم حق ما حكموا فعدلوا واسترحموا فرحموا وعاهدوا فوفوا. ووقف على بيت فيه جماعة من قريش فقال: إنكم ستولون هذا الأمر ومن وليه منكم فاسترحم فلم يرحم وحكم فلم يعدل وعاهد فلم يف فعليه لعنة االله. وقال: الدين النصيحة، الدين النصيحة! قيل: لمن يا رسول االله؟ قال: الله ولكتابه ولنبيه ولائمة الحق. وقال بالخيف من مني: نضر االله وجه امرئ سمع مقالتي فوعاها حتى يبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهم قلب مؤمن: إخلاص العمل وصحة الورع والنصيحة لولاة الأمر. وقال: للمسلم على أخيه المسلم من المعروف ست: يسلم عليه إذا لقيه وينصح له إذا غاب عنه ويعوده إذا مرض ويشيع جنازته إذا مات ويجيبه إذا دعاه ويشمته إذا عطس. وقال: انصر أخاك ظالما ً أو مظلوما ً. قالوا: يا رسول االله كيف ننصره ظالما ً؟ قال: بكفه عن الظلم. وقال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. وقال: ثلاثة لا يرد لهم دعوة: المظلوم وإمام عادل والصائم حتى يفطر. وقال: ثلاث يتبعن ابن آدم بعد موته: سنة سنها في المسلمين فعمل ا فله أجرها وأجر من عمل ا ولا ينقص من أجورهم شيء ،وصدقة تصدق ا من مال أو ثمر فما جرت تلك الصدقة فهي له، ورجل ترك ذرية يدعون له. وقال في خطبته: شر الأمور محدثاا وكل بدعة ضلالة ولكل شيء آفة وآفة هذا الرأي الهوى. وقال: اكفلوا لي ستا ً أكفل لكم الجنة: إذا حدثتم فلا تكذبوا وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا وإذا وعدتم فلا تخلفوا. كفوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم وصونوا فروجكم. وقال: يقول االله، عز وجل: لا يزال عبدي يصدق حتى يكتب صديقا ً ولا يزال عبدي يكذب حتى يكتب كذابا ً. وقال: ويل للذي يتحدث بالكذب ليضحك به القوم، ويل له وويل له. وروي أنه قال: عليكم بالصدق وإن ظننتم فيه الهلكة فإن عاقبته النجاة، وإياكم والكذب وإن ظننتم فيه النجاة فإن عاقبته الهلكة. وقال: من خلف على مال أخيه ظالما ً فليتبوأ مقعده من النار. فقال رجل: وإن كان يسيرا ً يا رسول االله؟ فقال: ولو كان قضيبا ً من أراك. ومن اقتطع حق امرئ مؤمن بيمينه فقد أوجب االله عليه النار وحرم عليه الجنة. وكان أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في شهر رمضان، وقال: والذي نفسي بيده لو كان لي مثل شجر امة نعما لقسمته بينكم ثم لم تجدوني كذوبا ً ولا جبانا ً ولا بخيلا ً. وقال له رجل: يا رسول االله أعطني رداءك. فألقاه إليه. فقال: ما أريده. فقال: قاتلك االله! أردت أن تبخلني ولم يجعلني االله بخيلا ً. وقال: خياركم من يرجى خيره ولا يتقى شره، وشراركم من يتقى شره ولا يرجى خيره، فإن االله أكرمكم بالإسلام فزينوه بالسخاء وحسن الخلق. وقال: الخير أسرع إلى البيت الذي يعشى من الشفرة إلى سنام البعير. وقال: إياكم والشح! فإنما أهلك من كان قبلكم، الشح! أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالفجور ففجروا. اللؤم كفر والكفر في النار. قال االله، عز وجل: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون". وقال: رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة، وإن أول أهل الجنة دخولا ً أهل المعروف. وقال: لا تحقرن من المعروف شيئا ً ولو أن تعطى صلة الحبل ولو شسع النعل، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحى الشيء عن طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تلقاه ووجهك إليه منطلق، وإن رجلا ً سبك بأمر يعلمه فيك تعلم فيه نحوه فلا تسبه ليكون لك أجر ذلك ويكون عليه وزره. وقال: إن االله جعل للمعروف وجوها ً من خلقه حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله ووجه طلاب المعروف إليهم ويسر عليهم إعطاءه كما ييسر الغيث إلى الأرض الجدبة ليحييها ويحيي ا أهلها، وإن االله جعل للمعروف أعداء من خلقه بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله وحظر على طلاب المعروف الطلب وحظر عليهم إعطاءه كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها ويهلك ا أهلها أو يعفو االله عنه أكثره. وقال: الخلق كلهم عيال االله فأحب الخلق إلى االله أحسن الناس إلى عياله. وسأله رجل فقال: أي الناس أحب إلى االله؟ قال: أنفع الناس للناس. قال: فأي الأعمال أحب إلى االله؟ قال: إدخال سرور على مسلم ،إطعام جوعته وكساء عورته وقضاء دينه. وقال: إن االله، عز وجل، ينصب للغادر لواء يوم القيامة فيقال ألا إن هذا لواء فلان. وقال له بعضهم: أخبرنا بخصال يعرف المنافق ا. فقال: من حلف فكذب ووعد فأخلف وخاصم ففجر واؤتمن فخان وعاهد فغدر. وقال: إن االله ليسأل العبد يوم القيامة حتى أنه يقول له: فما منعك أن رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن االله عبده حجته قال: يا رب إني وثقت بك وخفت من الناس. وقال: من أعطي عطاء فوجد فليجزه، فإن لم يجزه فليثن به، ومن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره. وقال له قوم من المهاجرين يا رسول االله إن إخواننا من الأنصار واسونا وبذلوا لنا وقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. فقال: إلا ما أثنيتم به عليهم ودعوتم االله لهم. وقال: والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد شيئا ً بغير حقه إلا لقي االله بحمله يوم القيامة. وقال: الهدية تذهب السخيمة وتجدد الأخوة وتثبت المودة. وقال: لو أهدى إلى كراع لقبلته، ولو دعيت إليه لأجبت. وقال: ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن االله الخلافة على تركته، وصدقة المؤمن ظله أو ظله من صدقته. وروي عنه أنه قال: ما من الأعمال شيء أحب إلي من ثلاثة: إشباع جوعة المسلم وقضاء دينه وتنفيس كربته. من نفس عن مؤمن كربته نفس االله عنه كرب يوم القيامة، واالله في عون عبده ما كان العبد في عون أخيه. وقال: إن المسألة لا تحل إلا الثلاثة: لذي فقر مدقع ولذي عسر مفظع ولذي دم مفجع. وقال: من سأل وله أوقية، والأوقية أربعون درهما ً، فقد سأل الناس إلحافا ً. وسأله رجلان، وهو يقسم مغانم خيبر، فقال: لا حظ لغني ولا لقوي مكتسب. وقال: لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى. وقال: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم. قيل: يا رسول االله ما يغنيه؟ قال: لغدائه أو لعشائه. وقيل له: يا رسول االله ما الغناء؟ قال: غداء وعشاء. وقال: من سأل عن ظهر غنى جاء يوم القيامة بوجهه كدوح يعرف ا. قالوا: يا رسول االله صلى االله عليه وسلم ما ظهر غنى؟ قال: قوت ليلة أو قوت يوم. وسأله حكيم بن حزام فأعطاه فقال: إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بطيب نفس بشير بورك له فيه ومن أخذه بإشراف لم يبارك له فيه فكان كأكل يأكل ولا يشبع. وسأله الأنصار، فلم يسألوه شيئا ً إلا أعطاهم حتى أنفدوا ما عنده، ثم قال: أما بعد يا معشر الأنصار ما يكن عندنا من خير فلن أؤخره عنكم وإنه من يستغن يغنه االله ومن يستعفف يعفه االله ومن يصبر يصبره االله ولن يعطى عبد أفضل ولا أوسع من الصبر. وقال: من يضمن لي خلة أضمن له الجنة. فقيل: ما هي يا رسول االله؟ قال: ألا تسأل أحدا ً شيئا ً. وقال لأبي ذر: يا أبا ذر أ رأيت إن أصاب الناس جوع شديد حتى لا تستطيع أن تنهض من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع؟ قلت: االله ورسوله أعلم. قال: تتعفف. وقال: لا يفتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح االله عليه باب فقر. وقال: الأيدي ثلاث: فيد االله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة، فاستعفف عن السؤال ما استطعت. وقال لبعضهم: ما أتاك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه فتموله أو تصدق به. وقال: لا صدقة إلا عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول ولا تلام على كفاف. وقال: المسألة خروج في وجه الرجل يوم القيامة إلا أن يسأل سلطانه أو من لا بد منه. وقيل له: أي الصدقة أفضل؟ فقال: إن تصدق وأنت صحيح تخاف الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان كذا. وقال: من أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهو له صدقة، ومن سره الإنساء في الأجل والمد في الرزق فليصل رحمه. وقال: ما من ذنب أجدر أن يعجل االله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم. وأتاه رجل فقال: من أبر؟ قال: أمك وأباك وأخاك وأختك وأدناك أدناك. وقال: يقول االله، تبارك وتعالى: من وقر أباه أطلت في أيامه ومن وقر أمه رأى لبنيه بنين. وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك باالله وعقوق الوالدين وقول الزور. وقال: من ستر عورة أخيه المسلم ستر االله عورته يوم القيامة. وقال: أربع من سنن المرسلين: الحياء والنكاح والحلم والسواك. وقال: قال االله، سبحانه وتعالى: لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو لأولين عليكم شراركم ولأجعلن أموالكم في أيدي بخلائكم ولأمنعنكم قطر السماء ثم ليدعوني خياركم فلا أستجيب لهم، ويسترحموني فلا أرحمهم، ويستسقوني فلا أسقيهم. وقال: أربع من كن فيه كمل إسلامه، وإن كان ما بين قرنه إلى قدمه خطأ: الأمر بالمعروف، والحياء ،والشكر، وحسن الخلق. وأربع من كن فيه بنى االله له بيتا في الجنة: إيواء اليتيم، ورحمة... ورفق بمملوكه ،وشفق على والديه. وقال: التودد إلى الناس نصف الإيمان، والرفق نصف العيش، وما عال امرؤ وفى اقتصاده. حجة الوداع وحج رسول االله صلى االله عليه وسلم حجة الوداع سنة 10، وهي حجة الإسلام. خرج رسول االله صلى االله عليه وسلم من المدينة، حتى أتى ذا الحليفة وقد لبس ثوبين صحاريين إزارا ورداء. وقيل: خرج من المدينة وقد لبس الثوبين ودخل المسجد بذي الحليفة وصلى ركعتين وكان نساؤه جميعا ً معه، ثم خرج من المسجد فأشعر بدنة من الجانب الأيمن ثم ركب ناقته القصوى فلما استوت به على البيداء أهل بالحج. وقال الواقدي عن الزهري عن سالم عن أبيه وعن الزهري في إسناد له عن سعد بن أبي وقاص قالا: أهل رسول االله صلى االله عليه وسلم متمتعا ً بالعمرة إلى الحج، وقال بعضهم بالحج مفردا ً. وقال بعضهم بحجة وعمرة. ودخل مكة ارا ً من كداء، وهي عقبة المدنيين، على راحلته حتى انتهى إلى البيت. فلما رأى البيت رفع يديه فوق زمام ناقته وبدأ بالطواف قبل الصلاة. وخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر ويوم عرفة، حين زالت الشمس، على راحلته قبل الصلاة من غد يوم مني. فقال في خطبته: نضر االله وجه عبد سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم بلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهم قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل الله، والنصيحة لائمة الحق، واللزوم لجماعة المؤمنين، فإن دعوم محيطة من ورائهم. ودعا بالبدن فصفت بين يديه وكانت مائة بدنة، فنحر منها بيده ستين بدنة، وقيل أربعا وستين، وأعطى عليا ً سائرها، فنحرها وأخذ من كل ناقة بضعة، فجمعت في قدر واحدة فطبخت بالماء والملح، ثم أكل هو وعلي، وحسا من المرق، ورمى جمرة العقبة على ناقته، ووقف عند زمزم وأمر ربيعة بن أمية بن خلف فوقف تحت صدر راحلته، وكان صبيا ً، فقال: يا ربيعة! قل يا أيها الناس إن رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول: لعلكم لا تلقونني على مثل حالي هذه وعليكم هذا. هل تدرون أي بلد هذا؟ وهل تدرون أي شهر هذا؟ وهل تدرون أي يوم هذا ؟ فقال الناس: نعم! هذا البلد الحرام والشهر الحرام واليوم الحرام. قال: فإن االله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة بلدكم هذا ،وكحرمة شهركم هذا، وكحرمة يومكم هذا. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد. ثم قال: واتقوا االله ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها. ثم قال: الناس في الإسلام سواء، الناس طف الصاع لآدم وحواء لا فضل عربي على عجمي ولا عجمي على عربي إلا بتقوى االله، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: لا تأتوني بأنسابكم وأتوني بأعمالكم، فأقول للناس هكذا، ولكم هكذا، إلا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: كل دم كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول دم أضعه دم آدم بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان آدم بن ربيعة مسترضعا ً في هذيل، فقتله بنو سعد بن بكر، وقيل في بني ليث، فقتلته هذيل، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: وكل ربا كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: يا أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم االله، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق االله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند االله اثنا عشر شهرا ً في كتاب االله منها أربعة حرم: رجب الذي بين جمادى وشعبان يدعونه مضر، وثلاثة متوالية: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: أوصيكم بالنساء خيرا ً، فإنما هن عوان عندكم لا يملكن لأنفسهن شيئا ً، وإنما أخذتموهن بأمانة االله واستحللتم فروجهن بكتاب االله، ولكم عليهن حق، ولهن عليكم حق كسون ورزقهن بالمعروف، ولكم عليهن ألا يوطئن فراشكم أحدا ً، ولا يأذن في بيوتكم إلا بعلمكم وإذنكم، فإن فعلن شيئا ً من ذلك فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا ً غير مبرح، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: فأوصيكم بمن ملكت أيمانكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، وإن أذنبوا فكلوا عقوبام إلى شراركم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد. ثم قال: إن المسلم أخو المسلم لا يغشه ولا يخونه ولا يغتابه ولا يحل له دمه ولا شيء من ماله إلا بطيبة نفسه، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: إن الشيطان قد يئس أن يعبد بعد اليوم، ولكن يطاع فيما سوى ذلك من أعمالكم التي تحتقرون ،فقد رضي به، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: أعدى الأعداء على االله قاتل غير قاتله وضارب غير ضاربه، ومن كفر نعمة مواليه فقد كفر بما أنزل االله على محمد، ومن انتمي إلى غير أبيه فعليه لعنة االله والملائكة والناس أجمعين، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: إلا إني إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا االله، وأني رسول االله، وإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق، وحسام على االله، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا ً مضلين يملك بعضكم رقاب بعض، إني قد خلفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب االله وعترتي أهل بيتي. إلا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم اشهد. ثم قال: إنكم مسؤولون فليبلغ الشاهد منكم الغائب. ولم يترل مكة، وقيل له في ذلك: لو نزلت يا رسول االله بعض منازلك؟ فقال: ما كنت لأنزل بلدا أخرجت منه. ولما كان يوم النفر دخل البيت، فودع ونزل عليه: اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا. وخرج ليلا ً منصرفا إلى المدينة، فصار إلى موضع بالقرب من الجحفة يقال له: غدير خم، لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة ،وقام خطيبا وأخذ بيد على بن أبي طالب فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول االله! قال: فمن كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: أيها الناس إني فرطكم وأنتم واردي على الحوض، وإني سائلكم، حين تردون على، عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما. وقالوا: وما الثقلان يا رسول االله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب االله سبب طرفه بيد االله وطرف بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلوا، ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي. الوفاة

ولما قدم المدينة أقام أياما ً وعقد لأسامة بن زيد بن حارثة على جلة المهاجرين والأنصار، وأمره أن يقصد حيث قتل أبوه من أرض الشام، وروي عن أسامة أنه قال: أمرني رسول االله صلى االله عليه وسلم أن اغز يبنى من أرض فلسطين صباحا ثم أحرق. وروى آخرون أن رسول االله صلى االله عليه وسلم أمره أن يوطئ الخيل أرض البلقاء، وكان في الجيش أبو بكر وعمر، وتكلم قوم وقالوا: حدث السن، وابن سبع عشرة سنة! فقال: لئن طعنتم عليه، فقبله طعنتم على أبيه، وإن كانا لخليقين للإمارة. واشتكى رسول االله صلى االله عليه وسلم قبل أن ينفذ الجيش، وكان أسامة مقيما ً بالجرف، فلما اشتدت عليه قال: أنفذوا جيش أسامة! فقالها مرارا ً، واعتل أربعة عشر يوما ً، وتوفي يوم الإثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، ومن شهور العجم آذار، وكان قرآن العقرب. قال، ما شاء االله، المنجم: كان طالع السنة التي توفي فيها رسول االله، وهو القرآن الرابع من مولده، الجدي ثماني عشرة درجة، والزهرة في... سبع عشرة درجة، والشمس في الحمل دقيقة، والقمر في الحمل درجتين وثلاثين دقيقة، وعطارد... إحدى عشرة درجة وثلاث عشرة دقيقة، والمشتري في الميزان ثلاثا ً وعشرين درجة وأربع دقائق راجعا ً، والمريخ في الجدي خمس دقائق. وقال: الخوارزمي: كانت الشمس يوم توفي رسول االله صلى االله عليه وسلم في الجوزاء ست درجات، والقمر في الجوزاء ثلاثا ً وعشرين، وزحل في القوس تسعا ً وعشرين درجة، والمريخ في الحوت إحدى عشرة درجة، والزهرة في السرطان ثماني عشرة درجة، وعطارد في الجوزاء ثمانيا ً وعشرين درجة، والرأس في الجدي خمسا ً وعشرين درجة، وكان سنة ثلاثا ً وستين سنة، وغسله علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس بن عبد المطلب وأسامة بن زيد يناولان الماء، وسمعوا صوتا من البيت، يسمعون الصوت ولا يرون الشخص، فقال: السلام ورحمة االله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد، إنما يريد االله ليذهب عنكم الرجس، أهل البيت، ويطهركم تطهيرا ، كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، لتبلون في أموالكم وأنفسكم، ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ً، وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور، إن في االله خلفا ً من كل هالك وعزاء من كل مصيبة، عظم االله أجوركم، والسلام ورحمة االله. فقيل لجعفر بن محمد: من كنتم ترونه؟ فقال: جبريل! وكفن في ثوبين صحاريين وبرد حبرة، ونزل قبره علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب، وقيل الفضل بن العباس وشقران مولى رسول االله، ونادت الأنصار: اجعلوا لنا في رسول االله صلى االله عليه وسلم نصيبا في وفاته كما كان لنا في حياته! فقال علي: يترل رجل منكم. فأنزلوا أوس بن خولي أحد بني الحبلى، وكان حفر قبره أبو طلحة بن سهل الأنصاري، ولم يكن بالمدينة من يحفر غيره وغير أبي عبيدة بن الجراح، وكان أبو عبيدة بن الجراح يشق ويحفر وسطا وأبو طلحة يلحد، فقيل إما سابقا ً حفرا ً، فسبق أبو طلحة بالحفر، وصلى عليه أياما ً، والناس يأتون ويصلون إرسالا، ودفن ليلة الأربعاء في بعض الليل، وطرحت تحته قطعة رحلة وكانت من أرجوان، وربع قبره ولم يسنم، ولما توفي قال الناس: ما كنا نظن أن رسول االله صلى االله عليه وسلم يموت حتى يظهر على الأرض، وخرج عمر فقال: واالله ما مات رسول االله صلى االله عليه وسلم ولا يموت، وإنما تغيب كما غاب موسى بن عمران أربعين ليلة ثم يعود، واالله ليقطعن أيدي قوم وأرجلهم. وقال أبو بكر: بل قد نعاه االله إلينا فقال: إنك ميت، وإم ميتون. فقال عمر: واالله لكأني ما قرأا قط. ثم قال: لعمري لقد أيقنت إنك ميت ولكنما أبدى الذي قلته الجزع

ولم يخلف من الولد إلا فاطمة، وتوفيت بعده بأربعين ليلة، وقال قوم بسبعين ليلة، وقال آخرون ثلاثين ليلة، وقال آخرون ستة أشهر، وأوصت عليا ً زوجها أن يغسلها، فغسلها وأعانته أسماء بنت عميس ،وكانت تخدمها وتقوم عليها، وقالت: ألا ترين إلى ما بلغت؟ أفأحمل على سرير ظاهرا ً؟ قالت: لا لعمري ،يا بنت رسول االله، ولكني أصنع لك شيئا ً كما رأيته يصنع بالحبشة. قالت: فأرينيه! فأرسلت إلى جرائد رطبة فقطعتها، ثم جعلتها على السرير نعشا ً، وهو أول ما كانت النعوش، فتبسمت، وما رئيت متبسمة إلا يومئذ، ودفنت ليلا ً، ولم يحضرها أحد إلا سلمان وأبو ذر، وقيل عمار. وكان بعض نساء رسول االله صلى االله عليه وسلم أتينها في مرضها فقلن: يا بنت رسول االله! صيري لنا في حضور غسلك حظا! قالت: أتردن تقلن في كما قلتن في أمي؟ لا حاجة لي في حضوركن. ودخل إليها في مرضها نساء رسول االله صلى االله عليه وسلم وغيرهن من نساء قريش فقلن: كيف أنت؟ قالت: أجدني واالله كارهة لدنياكم، مسرورة لفراقكم، ألقى االله ورسوله بحسرات منكن، فما حفظ لي الحق، ولا رعيت مني الذمة، ولا قبلت الوصية، ولا عرفت الحرمة، وكان سنها ثلاثا ً وعشرين سنة. صفة رسول االله وكان رسول االله صلى االله عليه وسلم فخما ً مفخما ً، ظاهر الوضاءة، مبتلج الوجه، حسن الخلق، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة، وسيما ً، قسيما ً، لم يماشه أحد من الناس إلا طاله، وإن كان المماشي له طويلا، عظيم الهامة، رجل الشعر إن تفرقت عقيقته انفرقت فرقا، لا يجاوز شعره شحمة أذنه، أزهر اللون، مشربا ً حمرة، في عينه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، وفي لحيته كثافة، وكان أكثر شيبه في لحيته حول الذقن وفي رأسه في فودى رأسه، سهل الخدين، ضليع الفم ،حلو المنطق لا نزر ولا هدر، دقيق المسربة، معتدل الخلق، عريض الصدر والكتف، بعيد ما بين المنكبين ،واسع الظهر، غير ما تحت الأزرار من الفخذ والساق، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري ما سوى ذلك من الشعر، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين ،رحب الراحتين، شثن الكفين والقدمين، شائل الأطراف، خمصان الأخمصين، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب أو يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت معا خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يبدأ من لقي بالسلام، وكان جل جلوسه القرفصى، وكان يأكل على الأرض، وكان إذا دعاه رجل فقال: يا رسول االله! قال: لبيك، وإذا قال: يا أبا القاسم! قال: يا أبا القاسم، وإذا قال: يا محمد! قال: يا محمد، وإذا أخذ الرجل بيده لم يترعها منه حتى يكون الرجل هو الذي يترعها، وإذا نازعه رداءه لا يجاذبه حتى يخليه، وإذا سأله سائل حاجة لم يرده إلا بحاجته أو بميسور من القول. المشبهون برسول االله وكان المشبهون برسول االله جعفر بن أبي طالب. قال رسول االله: أشبهت خلقي وخلقي، والحسن بن علي. وكانت فاطمة تقول: بأبي! شبيه بأبي غير شبيه بعلي، ويقال: إن أبا بكر قال له، وقد لقيه في بعض طرق المدينة: بأبي! شبيه بالنبي غير شبيه بعلي، وقثم بن العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأسهد بن العبرة، وهاشم بن عبد المطلب ابن عبد مناف، ومسلم بن معتب بن أبي لهب. نسب الرسول وأمهاته إلى إبراهيم والعواتك والفواطم اللاتي ولدنه. هو محمد بن عبد االله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن هميسع بن يشجب بن أمين بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم ابن تارح بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس النبي، بن يرد بن مهلائيل ابن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، وأم رسول االله صلى االله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وأمها برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ابن قصي. وأم عبد االله بن عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وأم عبد المطلب، وهو شيبة الحمد بن هاشم، سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ،واسمه زيد مناة، ويقال: بل اسمه تيم اللات، ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج. وأم هاشم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن تة ابن سليم. وأم عبد مناف، واسمه المغيرة بن قصي، حبي بنت حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة. وأم قصي، واسمه زيد بن كلاب، فاطمة بنت سعد بن سيل بن عامر الجادر... من الأزد أزد شنوءة، وهم حلفاء بني نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وأم كلاب بن مرة هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة ابن خزيمة. وأم مرة بن كعب بن لؤي ماوية بنت القين بن جسر بن شيع االله بن الأسد ابن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وأم كعب بن لؤي وحشية بنت شيبان. وأم لؤي بن غالب سلمى بنت عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن خزاعة. وأم غالب بن فهر ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر. وأم فهر بن مالك جندلة بنت الحارث بن جندل بن عامر بن سعد بن الحارث بن مضاض بن عامر بن دب بن جرهم. وأم مالك بن النضر عاتكة، وهي عكرشة، وهي الحصان بنت عدوان، وهو الحارث بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر. وأم النضر بن كنانة برة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. وأم كنانة بن خزيمة هند بنت قيس بن عيلان. وأم خزيمة بن مدركة سلمى بنت أسد بن ربيعة بن نزار. وأم مدركة بن إلياس خندف، وهي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة. وأم إلياس بن مضر الحنفاء بنت أياد بن نزار بن معد بن عدنان. وأم مضر بن نزار شقيقة بنت عك بن عدنان بن أدد. وأم نزار بن معد ناعمة بنت جوشم بن عدي بن دب بن جرهم. وأم معد بن عدنان تيمة بنت يشجب بن يعرب بن قحطان... وأم أد بن أدد البعجا بنت عمرو بن تبع بن سعد ذي فائش ابن حمير. وأم أدد بن الهميسع حية بنت قحطان. وأم الهميسع بن يشجب حارثة بنت مراد بن زرعة بن ذي رعين بن حمير. وأم يشجب بن أمين قطامة بنت علي بن جرهم... وأم إسماعيل بن إبراهيم هاجر أمه كانت لسارة أم إسحاق، وهي قبطية، يزعم آخرون أا رومية. وأم إبراهيم، وهو إبراهيم بن تارح، أدنيا بنت بر بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ. وروي أن رسول االله صلى االله عليه وسلم كان يكثر أن يقول: أنا ابن العواتك، وربما قال: أنا ابن العواتك من سليم، واللاتي ولدنه من العواتك اثنتا عشرة عاتكة: عشر منهن مضريات ،وقحطانية وقضاعية، والمضريات: ثلاث من قريش وثلاث من سليم، وعدوانيتان، وهذلية، وأسدية، فأما القرشيات فولدته، من قبل أسد بن عبد العزى، أم أسد بن عبد العزى الحطيا، وهي ريطة بنت كعب ابن سعد بن تيم بن مرة، وأمها قبله بنت حذافة بن جمح، وأمها أميمة بنت عامر بن الحان بن الحارث، وهو غسان بن خزاعة، وأمها عاتكة بنت هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، وأم هلال بن وهيب عاتكة بنت عتواره بن الطرب بن الحارث بن فهر، وأمها عاتكة بنت يخلد بن النضر ابن كنانة بن خزيمة. وأما السليميات، فولدته، من قبل هاشم، أم هاشم بن عبد مناف عاتكة بنت مرة بن هلال بن سليم بن منصور، وأم مرة بن هلال عاتكة بنت مرة بن عدي بن سليمان بن قصي بن خزاعة، ويقال: هي عاتكة بنت جابر بن قنفذ بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن ثة بن سليم. وأما العدوانيتان فولدتاه من قبل أمهات أبيه عبد االله، ومن قبل مالك بن النضر، فأما التي ولدته من قبل عبد االله، فهي السابعة من أمهاته، ويقال الخامسة، وهي عاتكة بنت عامر بن ظرب بن عمرو بن يشكر بن الحارث، وهو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان، ومن قال: هي الخامسة، فيقول عاتكة بنت عبد االله بن الحارث بن وائلة بن ظرب بن عمرو، وأما العدوانية الثانية فأم مالك بن النضر بن كنانة، وهي عاتكة بنت عدوان بن عمرو ابن قيس بن عيلان. وأما الهذلية فوالدته من قبل هاشم، وأم هاشم عاتكة بنت مرة بن هلال، وأمها ماوية بنت حورة بن عمرو بن سلول بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، فأم معاوية بن بكر بن هوازن عاتكة بنت سعد بن هذيل. وأما الأسدية فوالدته من قبل كلاب بن مرة، وهي الثالثة من أمهاته، وهي عاتكة بنت دودان بن أسد بن خزيمة. وأما القحطانية فوالدته من غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وأم غالب بن فهر ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة، وأمها سلمى بنت طابخة بن إلياس بن مضر، وأمها عاتكة بنت الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وهي الثالثة من أمهات النضر بن كنانة. وأما القضاعية فوالدته من قبل كعب بن لؤي، وهي الثالثة من أمهاته، عاتكة بنت رشدان بن قيس بن جهينة بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. تسميه من ولدنه من الفواطم قال: وأخبرني غير واحد من أهل العلم أنه كان يكثر يوم حنين ويقول: أنا ابن الفواطم، فأخبرني النسابون أنه ولده من الفواطم أربع فواطم: قرشية، وقيسيتان، وأزدية، فأما القرشية، فوالدته من قبل أبيه عبد االله بن عبد المطلب، فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، والقيسيتان أم عمرو بن عائذ بن عمران، وهي فاطمة بنت ربيعة بن عبد العزى بن رزام بن بكر بن هوازن، وأمها فاطمة بنت الحارث بن ثة بن سليم بن منصور، والأزدية أم قصي بن كلاب، وهي فاطمة بنت سعد بن سيل. وكان عمال رسول االله، لما قبضه االله، على مكة: عتاب بن أسيد بن العاص، وعلى البحرين: العلاء بن الحضرمي والمنذر بن ساوي التميمي. وبعضهم يقول مكان العلاء: أبان بن سعيد بن العاص، وعلى عمان عباد وجيفر ابنا الجلندا. وقال بعضهم: عمرو بن العاص، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى اليمن معاذ بن جبل وأبو موسى عبد االله بن قيس الأشعري يفقهان الناس، وعلى مخاليف الجند وصنعاء المهاجر بن أبي أمية المخزومي، وعلى حضرموت زياد بن لبيد الأنصاري، وعلى مخاليف اليمن خالد بن سعيد بن العاص، وعلى ناحية من نواحيها يعلى بن منية التميمي، وعلى نجران فروة ابن مسيك المرادي ،وقال بعضهم: أبو سفيان بن حرب، وعلى صدقات أسد وطئ عدي بن حاتم، وعلى صدقات حنظلة مالك بن نويرة الحنظلي، وقال بعضهم: على صدقات بني يربوع، وعلى صدقات بني عمرو وتميم سمرة بن عمرو بن جناب العنبري، وعلى صدقات بني سعد الزبرقان بن بدر، وعلى صدقات مقاعس والبطون قيس بن عاصم. خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، يوم توفي رسول االله... يغسل، فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي، وعصبته بعصابة، وثنت له وسادة. وبلغ أبا بكر وعمر والمهاجرين، فأتوا مسرعين ،فنحوا الناس عن سعد، وأقبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا: يا معاشر الأنصار! منا رسول االله، فنحن أحق بمقامه. وقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير! فقال أبو بكر: منا الأمراء وأنتم الوزراء. فقام ثابت بن قيس ابن شماس، وهو خطيب الأنصار، فتكلم وذكر فضلهم. فقال أبو بكر: ما ندفعهم عن الفضل، وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل، ولكن قريش أولى بمحمد منكم، وهذا عمر بن الخطاب الذي قال رسول االله: اللهم أعز الدين به! وهذا أبو عبيدة بن الجراح الذي قال رسول االله: أمير هذه الأمة، فبايعوا أيهما شئتم! فأبيا عليه وقالا: واالله ما كنا لنتقدمك، وأنت صاحب رسول االله صلى االله عليه وسلم وثاني اثنين. فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر، وثنى عمر، ثم بايع من كان معه من قريش. ثم نادى أبو عبيدة: يا معشر الأنصار! إنكم كنتم أول من نصر، فلا تكونوا أول من غير وبدل. وقام عبد الرحمن بن عوف فتكلم فقال: يا معشر الأنصار، إنكم، وإن كنتم على فضل، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي، وقام المنذر بن أرقم فقال: ما ندفع فضل من ذكرت، وإن فيهم لرجلا ً لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد، يعني علي بن أبي طالب. فوثب بشير بن سعد من الخزرج، فكان أول من بايعه من الأنصار، وأسيد بن حضير الخزرجي، وبايع الناس حتى جعل الرجل يطفر وسادة سعد بن عبادة وحتى وطئوا سعدا ً. وقال عمر: اقتلوا سعدا، قتل االله سعدا ً. وجاء البراء بن عازب، فضرب الباب على بني هاشم وقال: يا معشر بني هاشم، بويع أبو بكر. فقال بعضهم: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه، ونحن أولى بمحمد. فقال العباس: فعلوها، ورب الكعبة. وكان المهاجرون والأنصار لا يشكون في علي، فلما خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس، وكان لسان قريش، فقال: يا معشر قريش، أنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه، ونحن أهلها دونكم، وصاحبنا أولى ا منكم. وقام عتبة بن أبي لهب فقال: ما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي الحسنعن أول الناس إيمانا ً وسابقة، وأعلم الناس بالقرآن والسننوآخر الناس عهدا ً بالنبي، ومن جبريل عون له في الغسل والكفن من فيه ما فيهم لا يمترون به، وليس في القوم ما فيه من الحسن فبعث إليه علي فنهاه. وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم: العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام بن العاص، وخالد بن سعيد ،والمقداد بن عمرو، وسلمان ألفا ًرسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة، فقال: ما الرأي؟ قالوا: الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب، فتجعل له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه من بعده ،فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب حجة لكم على علي، إذا مال معكم، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلا ً، فحمد أبو بكر االله وأثنى عليه، ثم قال: إن االله بعث محمدا ً نبيا ً وللمؤمنين وليا، فمن عليهم بكونه بين أظهرهم، حتى اختار له ما عنده، فخلى على الناس أمورا ً ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين، فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا، فوليت ذلك ، وما أخاف بعون االله وتشديده وهنا، ولا حيرة، ولا جبنا، وما توفيقي إلا باالله، عليه توكلت، وإليه أنيب ،وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول الخلاف على عامة المسلمين، يتخذكم لجأ، فتكون حصنه المنيع وخطبة البديع. فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه، وإما صرفتموهم عما مالوا إليه، ولقد جئناك ونحن نريد أن لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك، ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول االله، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك... عنكم، وعلى رسلكم بني هاشم، فإن رسول االله صلى االله عليه وسلم منا ومنكم. فقال عمر بن الخطاب: إي واالله وأخرى، إنا لم نأتكم لحاجة إليكم، ولكن كرها ً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتفاقم الخطب بكم وم، فانظروا لأنفسكم. فحمد العباس االله وأثنى عليه وقال: إن االله بعث محمدا ً كما وصفت نبيا وللمؤمنين وليا ً، فمن على أمته به، حتى قبضه االله إليه، واختار له ما عنده، فخلى على المسلمين أمورهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين الحق ،لا مائلين بزيغ الهوى، فإن كنت برسول االله فحقا ً أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم، فما تقدمنا في أمرك فرضا ً، ولا حللنا وسطا ً، ولا برحنا سخطا ً، وإن كان هذا الأمر إنما وجب لك بالمؤمنين، فما وجب إذ كنا كارهين. ما أبعد قولك من ام طعنوا عليك من قولك إم اختاروك ومالوا إليك، وما أبعد تسميتك بخليفة رسول االله صلى االله عليه وسلم من قولك خلى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك ،فأما ما قلت إنك تجعله لي، فإن كان حقا ً للمؤمنين، فليس لك أن تحكم فيه، وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض، وعلى رسلك، فإن رسول االله صلى االله عليه وسلم من شجرة نحن أغصاا وأنتم جيراا. فخرجوا من عنده. وكان فيمن تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب، وقال: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي بن أبي طالب: امدد يدك أبايعك، وعلي معه قصي، وقال: بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم ولا سيما تيم بن مرة أو عديفما الأمر إلا فيكم وإليكم، وليس لها إلا أبو حسن عليأبا حسن، فاشدد بها كف حازم، فإنك بالأمر الذي يرتجي مليوإن امرأ يرمى قصي وراءه عزيز الحمى، والناس من غالب قصي

وكان خالد بن سعيد غائبا ً، فقدم فأتى عليا ً فقال: هلم أبايعك، فو االله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك. واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له، فقال لهم: اغدوا على هذا محلقين الرءوس. فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر. وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في مترل فاطمة بنت رسول االله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار، وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه، وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: واالله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى االله! فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياما ً. ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع، ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر وقيل أربعين يوما ً. أيام أبي بكر وكانت بيعة أبي بكر يوم الإثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشر، في اليوم الذي توفي فيه رسول االله. واسم أبي بكر عبد االله بن عثمان بن عامر، وكان يسمي عتيقا ً لجماله، وأمه سلمى بنت صخر من بني تيم بن مرة، وكان مترله بالسنح خارج المدينة، وكانت امرأته حبيبة بنت خارجة فيه ، وكان له أيضا ً مترل بالمدينة فيه أسماء بنت عميس، فلما ولي كان مترله المدينة، وأتته فاطمة ابنة رسول االله تطلب ميراثها من أبيها، فقال لها: قال رسول االله: إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة. فقالت: أ في االله أن ترث أباك ولا إرث أبي؟ أما قال رسول االله: المرء يحفظ ولده؟ فبكى أبو بكر بكاء شديدا. وأمر أسامة بن زيد أن ينفذ في جيشه. وسأله أن يترك له عمر يستعين به على أمره. فقال: فما تقول في نفسك؟ فقال: يا ابن أخي! فعل الناس ما ترى فدع لي عمر، وأنفذ لوجهك. فخرج أسامة بالناس وشيعة أبو بكر فقال له: ما أنا بموصيك بشيء، ولا آمرك به، وإنما آمرك ما أمرك به رسول االله، وامض حيث ولاك رسول االله. فنفذ أسامة، فأقام منذ خرج إلى أن قدم المدينة منصرفا ستين يوما ً، أو أربعين يوما ً، ثم دخل المدينة ولواؤه معقود، حتى يدخل المسجد، فصلى، ثم دخل إلى بيته ولواؤه الذي عقده رسول االله صلى االله عليه وسلم معه، وصعد أبو بكر المنبر عند ولايته الأمر، فجلس دون مجلس رسول االله صلى االله عليه وسلم بمرقاة، ثم حمد االله وأثنى عليه وقال: إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن استقمت فاتبعوني ،وإن زغت فقوموني! لا أقول إني أفضلكم فضلا، ولكني أفضلكم حملا ً. وأثنى على الأنصار خيرا ً وقال: أنا وإياكم، معشر الأنصار كما قال القائل: جزى االله عنا جعفرا حين أزلقت بنا نعلنا في الواطئين فزلتأبو أن يملونا ولو أن آمنا تلاقي الذي يلقون منا لملت فاعتزلت الأنصار عن أبي بكر، فغضبت قريش، وأحفظها ذلك، فتكلم خطباؤها، وقدم عمرو بن العاص فقالت له قريش: قم فتكلم بكلام تنال فيه من الأنصار! ففعل ذلك، فقام الفضل بن العباس فرد عليهم ثم صار إلى علي، فأخبره وأنشده شعرا ً قاله، فخرج علي مغضبا ً حتى دخل المسجد، فذكر الأنصار بخير ، ورد علي عمرو بن العاص قوله. فلما علمت الأنصار ذلك سرها وقالت: ما نبالي بقول من قال مع حسن قول علي، واجتمعت إلى حسان بن ثابت، فقالوا: أجب الفضل، فقال: إن عارضته بغير قوافيه فضحني. فقالوا: فأذكر عليا ً فقط، فقال: أبا حسن عنا ومن كأبي حسن جزى االله خيرا ً، والجزاء بكفه، فصدرك مشروح وقلبك ممتحن سبقت قريشا ً بالذي أنت أهله مكانك، هيهات الهزال من السمن تمنت رجال من قريش أعزة

...البطين من الرسن	 	وأنت من الإسلام في كل منزل 

لما كان منه والذي بعد لم يكن وكنت المرجى من لؤي بن غالب إليك ومن أولى به منك من ومن حفظت رسول االله فينا وعهده وأعلم فهر بالكتاب وبالسنن ألست أخاه في الإخاء ووصيه، وتنبأ جماعة من العرب، وارتد جماعة، ووضعوا التيجان على رؤوسهم، وامتنع قوم من دفع الزكاة إلى أبي بكر. وكان ممن تنبأ طليحة بن خويلد الأسدي بنواحيه، وكان أنصاره غطفان، ورئيسهم عيينة بن حصن الفزاري، والأسود العنسي باليمن، ومسيلمة بن حبيب الحنفي باليمامة، وسجاح بنت الحارث التميمية ،ثم تزوجت بمسيلمة، وكان الأشعث بن قيس مؤذا. فخرج أبو بكر في جيشه إلى ذي القصة. ودعا عمرو بن العاص فقال: يا عمرو إنك ذو رأي قريش، وقد تنبأ طليحة. فما ترى في علي؟ قال: لا يطيعك! قال: فالزبير؟ قال: شجاع حسن! قال: فطلحة؟ قال: للخفض والطعن! قال: فسعد؟ قال: محش حرب ! قال: فعثمان؟ قال: أجلسه واستعن برأيه! قال: فخالد بن الوليد؟ قال: بسوس للحرب، نصير للموت. له أناة القطاة، ووثوب الأسد. فلما عقد له قام ثابت بن قيس بن شماس فقال: يا معشر قريش ،أما كان فينا رجل يصلح لما تصلحون له؟ أما واالله ما نحن عميا ً عما نرى، ولا صما عما نسمع، ولكن أمرنا رسول االله صلى االله عليه وسلم بالصبر، فنحن نصبر. وقام حسان فقال: يا للرجال لخلفة الأطوار ولما أراد القوم بالأنصارلم يدخلوا منا رئيسا ً واحدا ً يا صاح في نقض ولا إمرار فعظم على أبي بكر هذا القول، فجعل على الأنصار ثابت بن قيس، وأنفذ خالدا ً على المهاجرين، فقصد طليحة ففرق جمعه، وقتل خلقا من أتباعه، وأخذ عيينة بن حصن، فبعث به إلى أبي بكر مع ثلاثين أسيرا ً ،وهو مكبل بالحديد، فجعل الصبيان يصيحون به لما دخل المدينة: يا مرتد! فيقول: ما آمنت طرفة عين قط! فاستتابه وأطلق سبيله، ولحق طليحة بالشام، وجاور بني حنيفة، وبعث بشعر إلى أبي بكر يعتذر إليه ،ويراجع الإسلام، يقول فيه: فهل يقبل الصديق أني مراجع ومعط بما أحدثت من حدث يدي وأني من بعد الضلالة شاهد شهادة حق لست فيها بملحد فلما انتهى قوله إلى أبي بكر رق له، وبعث إليه، فرجع، وقد هلك أبو بكر، وقام عمر على قبره. وبعث به مع سعد بن أبي وقاص إلى العراق، وأمره أن لا يستعمله. وأما الأسود بن عترة العنسي، فقد كان تنبأ على عهد رسول االله، فلما بويع أبو بكر ظهر أمره، واتبعه على ذلك قوم، فقتله قيس بن مكشوح المرادي وفيروز الديلمي، دخلا عليه مترله، وهو سكران، فقتلاه. وقد كان أبو بكر عقد لشرحبيل بن حسنة، وأمره أن يقصد لمسيلمة الكذاب وألا يأتيه راية، ثم عقد لخالد وبعثه على شرحبيل، فكتب خالد إلى شرحبيل: ألا تعجل حتى آتيك! ونفذ خالد بن الوليد مسرعا إلى اليمامة، إلى مسيلمة الحنفي الكذاب، وكان قد أسلم ثم تنبأ في سنة 10، وزعم أنه شريك لرسول االله في النبوة، وكان كتب إلى رسول االله: أني أشركت معك، فلك نصف الأرض، ولي نصفها، ولكن قريش قوم لا يعدلون. فكتب إليه رسول االله: من محمد رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب: أما بعد فإن الأرض الله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، فلقي خالد مجاعة في جماعة، فأسرهم وضرب أعناقهم، واستبقى مجاعة، وزحف إلى مسيلمة، فخرج مسيلمة فقاتله بمن معه من ربيعة وغيرها قتالا ً شديدا ً، وقتل من المسلمين خلق عظيم، ثم قتل مسيلمة في المعركة، طعنه أبو دجانة الأنصاري ،فمشى إليه مسيلمة في الرمح فقتله، ورماه وحشي بحربته فقتله، وهو يومئذ ابن مائة وخمسين سنة. وأتى مجاعة الحنفي إلى خالد، فأوهمه أن في الحصن قوما بعد، وقال: ما أتاك إلا سرعان الناس، ودعا إلى الصلح فصالحهم خالد على الصفراء والبيضاء ونصف السبي، ثم نظروا وليس في الحصن أحد إلا النساء والصبيان، فألبسهم السلاح ووقفهم على الحصون، ثم أشار إلى خالد فقال: أبو علي، فتأخذ الربع؟ ففعل ذلك خالد، وقبل منهم. فلما فتحت الحصون لم يجد إلا النساء والصبيان فقال: أمكرا ً يا مجاعة؟ قال: إم قومي. وأجاز لهم وافتتحت اليمامة، وهربت سجاح، فماتت بالبصرة. وكان فتح مسيلمة في سنة إحدى عشر وقتل في شهر ربيع الأول سنة إثنا عشر. وخطب خالد إلى مجاعة ابنته، فزوجه إياها، فكتب إليه أبو بكر: تتوثب على النساء وعند أطناب بيتك دماء المسلمين؟ وأمر أبو بكر خالدا ً أن يسير إلى أرض العراق، فسار ومعه المثنى بن حارثة، حتى صار إلى مدينة بانقيا ،فافتتحها وسبى من فيها، ثم صار إلى مدينة كسكر، فافتتحها وسبى من فيها، ثم سار حتى لقي بعض ملوك الأعاجم يقال له جابان، فهزمه وقتل أصحابه، ثم سار حتى انتهى إلى فرات بادقلى يريد الحيرة، وملكها النعمان، فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً، ثم ازم النعمان فلحق بالمدائن، ونزل خالد الخورنق، وسار حتى صير الحيرة خلف ظهره، وكانوا على محاربته، ثم دعوا إلى الصلح، فصالحهم على سبعين ألفا ً عن رؤوسهم، وقيل مائة ألف درهم. وتجرد أبو بكر لقتال من ارتد، وكان ممن ارتد، وممن وضع التاج على رأسه من العرب، النعمان بن المنذر بن ساوي التميمي بالبحرين، فوجه العلاء بن الحضرمي فقتله، ولقيط بن مالك ذو التاج بعمان وجه إليه حذيفة ابن محصن فقتله بصحار من أرض عمان. وكان ذو التاج... من بني ناجية وبشر كثير من عبد القيس، فقتل االله ذا التاج، وسبى المسلمون ذراريهم ،وبعثوا ا إلى أبي بكر، فباعها بأربعمائة درهم، ثم وجه لقتال من منع الزكاة، وقال: لو منعوني عقالا لقاتلتهم. وكتب إلى خالد بن الوليد أن ينكفئ إلى مالك بن نويرة اليربوعي، فسار إليهم، وقيل إنه كان نداهم، فأتاه مالك بن نويرة يناظره، واتبعته امرأته، فلما رآها خالد أعجبته فقال: واالله لا نلت ما في مثابتك حتى أقتلك، فنظر مالكا ً، فضرب عنقه، وتزوج امرأته، فلحق أبو قتادة بأبي بكر، فأخبره الخبر ،وحلف ألا يسير تحت لواء خالد لأنه قتل مالكا ً مسلما ً. فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: يا خليفة رسول االله! إن خالدا قتل رجلا ً مسلما ً، وتزوج امرأته من يومها. فكتب أبو بكر إلى خالد، فأشخصه، فقال: يا خليفة رسول االله صلى االله عليه وسلم إني تأولت، وأصبت، وأخطأت. وكان متمم بن نويرة شاعرا ً فرثى أخاه بمراث كثيرة، ولحق بالمدينة إلى أبي بكر، فصلى خلف أبي بكر صلاة الصبح، فلما فرغ أبو بكر من صلاته قام متمم فاتكأ على قوسه، ثم قال: نعم القتيل إذا الرياح تناوحت خلف البيوت قتلت يا ابن الأزور أدعوته باالله ثم غدرته لو هو دعاك بذمة لم يغدر فقال: ما دعوته ولا غدرت به. وكتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد البياضي في قتال من ارتد باليمن. ومنع الزكاة. فقاتلهم وكان لكندة ملوك عدة يتسمون بالملك، ولكل واحد منهم حمى لا يرعاه غيره، فأغار زياد ليلا ً، وهم في محاجرهم، فأصاب الملوك: جمدا ً ومخوصا ً ومشرحا ً وأبضعة، وسبى النعم وسبايا كثيرة ،فعارضهم الأشعث بن قيس، فانتزع السبايا من أيديهم. وانتهى إلى أبي بكر بارتداد الأشعث، وما فعل ،فوجه عكرمة بن أبي جهل في جيش لمحاربتهم، فوافى وقد حصرهم زياد بن لبيد والمهاجر بن أبي أمية ،وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وغنموا مغانم كثيرة، فقال المهاجر وزياد لمن معهما: قد قدم إخوانكم من الحجاز، فأشركوهم، وأعطوهم، وطلب الأشعث الصلح، وأخذ الأمان لعشيرته، ونسي نفسه، فلما قرأ عكرمة الصحيفة وليس فيها اسم الأشعث كبر وأخذه، فأتى به أبا بكر في وثاق، فمن عليه أبو بكر ،وأطلق سبيله، وزوجه أم فروة أخته. وأراد أبو بكر أن يغزو الروم، فشاور جماعة من أصحاب رسول االله، فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن أبي طالب، فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت. فقال: بشرت بخير! فقام أبو بكر في الناس خطيبا ،وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم، فسكت الناس، فقام عمر فقال: لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لانتدبتموه. فقام عمرو بن سعيد فقال: لنا تضرب أمثال المنافقين يا ابن الخطاب، فما يمنعك أنت ما عبت علينا فيه؟ فتكلم خالد بن سعيد، وأسكت أخاه فقال: ما عندنا إلا الطاعة، فجزاه أبو بكر خيرا ً، ثم نادى في الناس بالخروج، وأميرهم خالد بن سعيد، وكان خالد من عمال رسول االله صلى االله عليه وسلم باليمن، فقدم وقد توفي رسول االله، فامتنع عن البيعة، ومال إلى بني هاشم، فلما عهد أبو بكر لخالد قال له عمر: أتولي خالدا ً وقد حبس عنك بيعته، وقال لبني هاشم ما قد بلغك؟ فو االله ما أرى أن توجهه. فحل لواءه، ودعا يزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، فعقد لهم، وقال: إذا اجتمعتم فأمير الناس أبو عبيدة. وقدمت عليه العشائر من اليمن، فأنفذهم جيشا ً بعد جيش، فلما قدمت الجيوش الشام كتب إليه أبو عبيدة يعلمه إقبال ملك الروم في خلق عظيم، فجعل يسرح إليه الجيش بعد الجيش، والأول فالأول ممن يقدم عليه من قبائل العرب، ثم تتابعت عليه كتب أبي عبيدة بكل أخبار جمع الروم، فوجه أبو بكر عمرو بن العاص في جيش من قريش وغيرهم، ثم كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يسير إلى الشام ويخلف المثنى بن حارثة بالعراق، فنفذ خالد في أهل القوة ممن كان معه، وخلف المثنى بن حارثة الشيباني في بقية الجيش بالعراق. وسار خالد نحو الشام، فلما صار إلى عين التمر لقي رابطة لكسرى عليهم عقبة بن أبي هلال النمري، فتحصنوا منه، ثم نزلوا على حكمه، فضرب عنق النمري. ثم سار حتى لقي جمعا لبني تغلب عليهم الهذيل بن عمران، فقدمه فضرب عنقه، وسبى منهم سبايا كثيرة بعث م إلى المدينة. وبعث إلى كنيسة اليهود، فأخذ منهم عشرين غلاما ً، وصار إلى الأنبار، فأخذ دليلا يدله على طريق المفازة، فمر بتدمر، فتحصن أهلها، فأحاط م، ففتحوا له وصالحهم، ثم مضى إلى حوران، فقاتلهم قتالا ً شديدا ً ،فقيل: إن خالدا سار في البرية والمفازة ثمانية أيام حتى وافاهم، فافتتحوا بصرى، وفحل، وأجنادين من فلسطين. وكانت بينهم وبين الروم وقعات بأجنادين صعبة في كل ذلك يهزم االله الروم وتكون العاقبة للمسلمين. وروى بعضهم: أن خالد بن الوليد صار إلى غوطة دمشق، ثم فرعها إلى ثنية ومعه راية بيضاء تدعى العقاب، فبها سميت ثنية العقاب، وصار إلى حوران، فقصد مدينة بصرى فحارم، فسألوه الصلح ،فصالحهم، ثم صار إلى أجنادين، وا جمع للروم، فحارم محاربة شديدة، وتفرق جمع الكفرة. وكانت وقعة أجنادين يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاثة عشر. وبعث أبو بكر عثمان بن أبي العاص، وندب معه عبد القيس، فسار في جيش إلى توج فافتتحها وسبى أهلها، وافتتح مكران وما يليها، ووجه العلاء ابن الحضرمي في جيش، فافتتح الزارة وناحيتها من أرض البحرين، وبعث إلى أبي بكر بالمال، فكان أول ما قسمه أبو بكر في الناس بين الأحمر والأسود، والحر والعبد، دينارا لكل إنسان. وقدم إياس بن عبد االله بن الفجاءة السلمي على أبي بكر فقال: يا خليفة رسول االله! إني قد أسلمت ،فأعطاه أبو بكر سلاحا، فخرج من عنده، فبلغه أنه يقطع الطريق، فكتب إلى طريفة بن حاجزة: أن عدو االله ابن الفجاءة خرج من عندي، فبلغني أنه قطع الطريق، وأخاف السبيل، فسر إليه حتى تأخذه. وتقدم طريفة، فسار إليه، فقتل قوما ً من أصحابه، ثم لقيه، فقال: إني مسلم، وإنه مكذوب علي! فقال طريفة: فإن كنت صادقا، فاستأسر حتى تأتي أبا بكر فتخبره! فاستأسر. فلما قدم به على أبي بكر أخرجه إلى البقيع فحرقه بالنار، وحرق أيضا ً رجلا ً من بني أسد يقال له شجاع بن ورقاء كان ينكح... وقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: يا خليفة رسول االله، إن حملة القرآن قد قتل أكثرهم يوم اليمامة، فلو جمعت القرآن، فإني أخاف عليه أن يذهب حملته. فقال أبو بكر: أفعل ما لم يفعله رسول االله؟ فلم يزل به عمر حتى جمعه وكتبه في صحف. وكان مفترقا ً في الجريد وغيرها، وأجلس خمسة وعشرين رجلا ً من قريش، وخمسين رجلا ً من الأنصار، وقال: اكتبوا القرآن، وأعرضوا على سعيد بن العاص، فإنه رجل فصيح. وروى بعضهم أن علي بن أبي طالب كان جمعه لما قبض رسول االله صلى االله عليه وسلم وأتى به يحمله على جمل، فقال: هذا القرآن قد جمعته، وكان قد جزأه سبعة أجزاء، فالجزء الأول البقرة، وسورة يوسف، والعنكبوت، والروم، ولقمان، وحم السجدة، والذاريات، وهل أتى على الإنسان، والم تتريل السجدة، والنازعات، وإذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت، وسبح اسم ربك الأعلى، ولم يكن، فذلك جزء البقرة ثمانمائة وست وثمانون آية، وهو خمس عشرة سورة. الجزء الثاني: آل عمران، وهود، والحج، والحجر، والأحزاب، والدخان، والرحمن، والحاقة، وسأل سائل ،وعبس، والشمس وضحاها، وإنا أنزلناه، وإذا زلزلت، وويل لكل همزة، وألم تر، ولإيلاف قريش، فذلك جزء آل عمران ثمانمائة وست وثمانون آية، وهو ست عشرة سورة. الجزء الثالث: النساء، والنحل ،والمؤمنون، ويس، وحمعسق، والواقعة، وتبارك الملك، ويا أيها المدثر، وأ رأيت، وتبت، وقل هو االله أحد ،والعصر، والقارعة، والسماء ذات البروج، والتين والزيتون، وطس النمل، فذلك جزء النساء ثمانمائة وست وثمانون آية، وهو ست عشرة سورة. الجزء الرابع: المائدة، ويونس، ومريم، وطسم الشعراء، والزخرف ،والحجرات، وق والقرآن ايد، واقتربت الساعة، والممتحنة، والسماء والطارق، ولا أقسم ذا البلد، وألم نشرح لك، والعاديات، وإنا أعطيناك الكوثر، وقل يا أيها الكافرون، فذلك جزء المائدة ثمانمائة وست وثمانون آية، وهو خمس عشرة سورة. الجزء الخامس: الأنعام، وسبحان، واقترب، والفرقان، وموسى وفرعون، وحم المؤمن، اادلة، والحشر ،والجمعة، والمنافقون، ون والقلم، وإنا أرسلنا نوحا ً، وقل أوحي إلي، والمرسلات، والضحى، وألهاكم ،فذلك جزء الأنعام ثمانمائة وست وثمانون آية، وهو ست عشرة سورة. الجزء السادس: الأعراف، وإبراهيم، والكهف، والنور، وص، والزمر، والشريعة، والذين كفروا، والحديد ،والمزمل، ولا أقسم بيوم القيامة، وعم يتساءلون، والغاشية، والفجر، والليل إذا يغشى، وإذا جاء نصر االله ،فذلك جزء الأعراف ثمانمائة وست وثمانون آية، وهو ست عشرة سورة. الجزء السابع: الأنفال، وبراءة ،وطه، والملائكة، والصافات، والأحقاف، والفتح، والطور، والنجم، والصف، والتغابن، والطلاق ،والمطففين، والمعوذتين، فذلك جزء الأنفال ثمانمائة وست وثمانون آية، وهو خمس عشرة سورة. وقال بعضهم: إن عليا ً قال: نزل القرآن على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع أمثال، وربع محكم ومتشابه. وقسم أبو بكر بين الناس بالسوية لم يفضل أحدا ً على أحد، وكان يأخذ في كل يوم من بيت المال ثلاثة دراهم أجرة، وكان تسمى خليفة رسول االله. واعتل أبو بكر في جمادى الآخرة سنة ثلاثة عشر. فلما اشتدت به العلة عهد إلى عمر بن الخطاب، فأمر عثمان أن يكتب عهده، وكتب: بسم االله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى المؤمنين والمسلمين: سلام عليكم، فإني أحمد إليكم االله، أما بعد، فإني قد استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا، وأطيعوا، وإني ما ألوتكم نصحا ً، والسلام. وقال لعمر بن الخطاب: يا عمر، أحبك محب وأبغضك مبغض، فلئن أبغض الحق، فلقديما ما، ولئن استمر في الباطل، فلربما. ودخل عبد الرحمن بن عوف في مرضه الذي توفي فيه، فقال: كيف أصبحت يا خليفة رسول االله؟ فقال: أصبحت موليا، وقد زدتموني على ما بي إن رأيتموني استعملت رجلا ً منكم فكلكم قد أصبح وارم أنفه ،وكل يطلبها لنفسه. فقال عبد الرحمن: واالله ما أعلم صاحبك إلا صالحا ً مصلحا ً، فلا تأس على الدنيا! قال: ما آسى إلا على ثلاث خصال صنعتها ليتني لم أكن صنعتها، وثلاث لم اصنعها ليتني كنت صنعتها ،وثلاث ليتني كنت سألت رسول االله صلى االله عليه وسلم عنها، فأما الثلاث التي صنعتها، فليت أني لم أكن تقلدت هذا الأمر. وقدمت عمر بين يدي، فكنت وزيرا خيرا ً مني أميرا، وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول االله صلى االله عليه وسلم وأدخله الرجال، ولو كان أغلق على حرب، وليتني لم أحرق الفجاءة السلمي، إما أن أكون قتلته سريحا ً، أو أطلقته نجيحا ً، والثلاث التي ليت أني كنت فعلتها ،فليتني قدمت الأشعث بن قيس تضرب عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شيئا ً من الشر إلا أعان عليه، وليت أني بعثت أبا عبيدة إلى المغرب وعمر إلى أرض المشرق فأكون قدمت يدي في سبيل االله، وليت أني ما بعثت خالد بن الوليد إلى بزاخة، ولكن خرجت فكنت ردا له في سبيل االله. والثلاث التي وددت أني سألت رسول االله صلى االله عليه وسلم عنهن: فلمن هذا الأمر، فلا ينازعه فيه، وهل للأنصار فيه من شيء، وعن العمة والخالة أتورثان أو لا ترثان، وإني ما أصبت من دنياكم بشيء، ولقد أقمت نفسي في مال االله وفيء المسلمين مقام الوصي في مال اليتيم إن استغنى تعفف، وإن افتقر أكل بالمعروف، وإن والي الأمر بعدي عمر بن الخطاب، وإني استسلفت من بيت المال مالا ً، فإذا مت فليبع حائطي في موضع كذا وليرد إلى بيت المال. وأوصى أبو بكر بغسله أسماء بنت عميس امرأته، فغسلته ودفن ليلا ً، وورثه أبو قحافة السدس. وكان الغالب على أبي بكر عمر بن الخطاب، وكانت وفاته يوم الثلاثاء لثماني ليال بقين من جمادى الآخرة ،ومن شهور العجم في آب، وقيل لليلتين بقيتا منه سنة ثلاثة عشر، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن في البيت الذي فيه قبر رسول االله، وكان له يوم توفي ثلاث وستون سنة، وكان له من الولد الذكور ثلاثة توفي أحدهم في حياته، وهو عبد االله، وخلف اثنين محمدا ً وعبد الرحمن، وكان حاجبه مولاه سديدا ،وكانت ولايته سنتين وأربعة أشهر، وحج بالناس سنة اثنا عشر. وكان عمال أبي بكر لما توفي: عتاب بن أسيد على مكة، وعثمان بن أبي العاص على الطائف، ورجلا ً من الأنصار على اليمامة، وحذيفة بن محصن على عمان، والعلاء بن الحضرمي على البحرين، وخالد بن الوليد على جيش الشام، والمثنى بن حارثة الشيباني على الكوفة، وسويد بن قطبة على البصرة. صفة أبي بكر: وكان أبو بكر أبيض، نحيفا ً، خفيف العارضين، أحنى، لا يستمسك إزاره على حقويه، معروق الوجه، غائر العينين، عاري الأشاجع، يخضب لحيته بالحناء والكتم. وكان من يؤخذ عنه الفقه، في أيام أبي بكر، علي بن أبي طالب، وعمر ابن الخطاب، ومعاذ بن جبل ،وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد االله ابن مسعود. أيام عمر بن الخطاب ثم استخلف عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد االله ابن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد االله بن عمر بن مخزوم، يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة، وقيل لسبع بقين منه سنة ثلاثة عشر، وكان ذلك من شهور العجم في آب، وكانت الشمس يومئذ في الأسد ست عشرة درجة، والقمر في العقرب أربعا ً وعشرين درجة وعشر دقائق ،وزحل في القوس ثلاثين درجة راجعا ً، والمشتري في الحوت تسع درج وثلاثين دقيقة راجعا، والمريخ في الثور إحدى وعشرين درجة وخمسين دقيقة، والزهرة في الحوت تسع درجات، وعطارد في السنبلة عشر درجات وثلاثين دقيقة، والرأس في القوس اثنتي عشرة درجة وخمسا ً وثلاثين دقيقة، فصعد المنبر، فجلس دون مجلس أبي بكر بمرقاة، وخطب الناس، فحمد االله وأثنى عليه، وصلى على النبي، وذكر أبا بكر ،وفضله، وترحم عليه، ثم قال: ما أنا إلا رجل منكم، ولو لا أني كرهت أن أرد أمر خليفة رسول االله لما تقلدت أمركم. فأثنى الناس عليه خيرا ً. وكان أول ما عمل به عمر أن رد سبايا أهل الردة إلى عشائرهم، وقال: إني كرهت أن يصير السبي سنة على العرب، وكتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح يخبره بوفاة أبي بكر مع يرفأ مولاه، وكتب بعقده وولايته الشام مكان خالد بن الوليد مع شداد بن أوس، وصير خالدا ً موضع أبي عبيدة، وكان عمر سيء الرأي في خالد، على أنه ابن خاله، لقول كان قاله في عمر، وقد كان خالد بن الوليد ومن معه من المسلمين فتحوا مرج الصفر من أرض دمشق، وحاصروا مدينة دمشق، قبل وفاة أبي بكر، بأربعة أيام ،فستر أبو عبيدة الخبر عن خالد، حتى ورد كتاب ثان من عمر على أبي عبيدة يأمره أن يتوجه إلى حمص ونواحي الشام، فعلم بذلك خالدا ً، فقال: رحم االله أبا بكر! لو كان حيا ما عزلني. وكتب عمر إلى أبي عبيدة: إن كذب خالد نفسه فيما كان قاله عمله، وإلا فانزع عمامته وشاطره ماله. فشاور خالد أخته، فقالت: واالله ما أراد ابن حنتمة إلا أن تكذب نفسك، ثم يترعك من عملك، فلا تفعلن. فلم يكذب نفسه، فقام بلال فترع عمامته وشاطره أبو عبيدة ماله، حتى نعله فأفرد واحدة عن الأخرى. وأقاموا على ما كانوا عليه في حصار دمشق حولا ً كاملا ً وأياما ً، وكان أبو عبيدة بباب الجابية، وخالد بباب الشرقي، وعمرو بن العاص بباب توما، ويزيد بن أبي سفيان بباب الصغير، فلما طال على صاحب دمشق الأمر أرسل إلى أبي عبيدة فصالحه، وفتح له باب الجابية، وألح خالد على باب الشرقي لما بلغه أن أبا عبيدة عزم على أن يصالح القوم، وأن القوم قد وثقوا به للصلح، ففتحه عنوة، فقال خالد لأبي عبيدة: اسبهم، فإني دخلتها عنوة! فقال: لا، قد أمنتهم! ودخل المسلمون المدينة، وتم الصلح، وذلك في رجب سنة أبع عشر. وروى الواقدي أن خالد بن الوليد صالحهم، وكتب للأسقف كتابا للصلح، وأعطاهم الأمان، فأجاز أبو عبيدة ذلك. وفي هذه السنة سن عمر بن الخطاب قيام شهر رمضان، وكتب بذلك إلى البلدان، وأمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يصليا بالناس، فقيل له في ذلك: إن رسول االله لم يفعله، وإن أبا بكر لم يفعله، فقال: إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة. ووجه أبو عبيدة عمرو بن العاص إلى الأردن وفلسطين، فجمع القوم جموعا ً ليدفعوا عمرا ً وأصحابه ،فوجه أبو عبيدة إلى عمرو شرحبيل بن حسنة، وتوجه أبو عبيدة نحو جمع الروم، ففتح الأردن عنوة ما خلا طبرية، فإن أهلها صالحوه على إنصاف منازلهم وكنائسهم، وكان المتولي لذلك شرحبيل بن حسنة. وقد كان الروم لما بلغهم إقبال أبي عبيدة تحولوا إلى فحل، فعبأ أبو عبيدة المسلمين، فجعل على ميمنته معاذ بن جبل، وعلى ميسرته هاشم بن عتبة، وعلى الرجالة سعد بن زيد، وعلى الخيل خالد بن الوليد. وأقبلت الروم، فكان أول من لقيهم خالد فهزم االله الروم، وطلبوا الصلح على أن يؤدوا الجزية، فأجام أبو عبيدة إلى ذلك، وانصرف، وخلف عمرو بن العاص على باقي الأردن، ووجه بخالد على مقدمته إلى بعلبك وأرض البقاع، فافتتحها وصار إلى حمص، ولحقه أبو عبيدة، فحصروا أهل حمص حصارا ً شديدا ً ،ثم طلبوا الصلح، فصالحهم عن جميع بلادهم على أن عليهم خراجا ً مائة وسبعين ألف دينار، ثم دخل المسلمون المدينة، وبث أبو عبيدة عماله في نواحي حمص. ثم أتاه خبر ما جمع طاغية الروم من الجموع في جميع البلدان، وبعثه إليهم من لا قبل لهم به، فرجع إلى دمشق، وكتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، وكتب إليهم عمر أنه قد كره رجوعكم من أرض حمص إلى دمشق، وجمع أبو عبيدة إليه المسلمين، وعسكر باليرموك، وكان جبلة بن الأيهم الغساني على مقدمة الروم في جيش من قومه، وجعل أبو عبيدة خالد بن الوليد على مقدمته، فواقع المشركين، ولقي ماهان صاحب الروم، واقتتلوا قتالا ً شديدا، ولحقه أبو عبيدة والمسلمون، وكانت وقعة جليلة الخطب، فقتل من الروم مقتلة عظيمة وفتح االله على المسلمين، وكان ذلك في سنة خمس عشر. وأوفد أبو عبيدة إلى عمر وفدا فيهم حذيفة بن اليمان، وقد كان عمر أرق عدة ليال، واشتد تطلعه إلى الخبر، فلما ورد عليه الخبر خر ساجدا وقال: الحمد الله الذي فتح على أبي عبيدة، فو االله لو لم يفتح لقال قائل: لو كان... خالد بن الوليد. ورجع أبو عبيدة إلى حمص ووجه بخالد في آثار الروم حتى صار إلى قنسرين. وانتهى إلى حلب، فتحصن أهلها، وجاء أبو عبيدة حتى نزل عليها، وطلبوا الصلح والأمان، فقبل أبو عبيدة ذلك منهم، وكتب لهم أمانا ً، ووجه بمالك بن الحارث الأشتر على جمع إلى الروم، وقد قطعوا الدرب، فقتل منهم مقتلة عظيمة ،ثم انصرف وقد عافاه االله وأصحابه. ورجع أبو عبيدة نحو الأردن، فحاصر أهل إيلياء، وهي بيت المقدس، فامتنعوا عليه وطاولوه، ووجه أبو عبيدة عمرو بن العاص إلى قنسرين، فصالحهم أهل حلب، وقنسرين، ومنبج، ووضع عليهم الخراج على نحو ما فعل أبو عبيدة بحمص، وجمعت غنائم اليرموك بالجابية، وكتبوا إلى عمر، فكتب إليهم: لا تحدثوا فيها حدثا ً، حتى تفتحوا بيت المقدس. وكان جبلة بن الأيهم الغساني لما ازمت الروم من اليرموك صار إلى موضعه في جماعة قومه، فأرسل إليه يزيد بن أبي سفيان أن اقطع على أرضك بالخراج وأداء الجزية، فقال: إنما يؤدي الجزية العلوج، وأنا رجل من العرب. وكان عمر قد بعث أبا عبيد بن مسعود الثقفي في جيش مع المثنى بن حارثة الشيباني إلى العراق، وكان كسرى قد توفي، وقامت بوران ابنته بالملك، وصيرت رستم والفيرزان القيمين بأمر الملك، وكانا ضعيفين مهينين، فتقدم أبو عبيد الثقفي، فلقي مسلحة من مسالح الفرس، فأوقع م، واقتتلوا قتالا ً شديدا ً، ثم أظفر االله المسلمين م، ومنحهم أكتافهم. وبعث إليهم رستم، لما بلغه الخبر، برجل يقال له جالينوس، فالتقوا بموضع يقال له باروسما، فازمت الفرس، وافتتح أبو عبيد باروسما، فوجه إليهم رستم بذي الحاجب، وبعث معه بالفيل، فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً، فجعلت خيل المسلمين تنفر من الفيل، فشد عليه أبو عبيد الثقفي بالسيف، فقطع مشفره، وبرك عليه الفيل فقتله، وقام بالجيش المثنى بن حارثة الشيباني، فلما انتهى الخبر إلى عمر اشتد غمه بذلك. وقدم جرير بن عبد االله البجلي من اليمن في ركب من بجيلة، رئيسهم عرفجة بن هرثمة، حليف لهم من الأزد، فأمرهم عمر بالنفوذ إلى العراق، وأمر عليهم عرفجة، فغضب جرير وقال: واالله ما الرجل منا! فقال عرفجة: صدق! فوجه عمر جرير بن عبد االله، فقدم الكوفة، ثم خرج منها فواقع مرزبان المذار ،فقتله، وازم جيشه، وغرق أكثرهم في دجلة، ثم صار إلى النخيلة، وا مهران في جمعه، فواقعه، فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً، وشد المنذر بن حسان على مهران فطعنه فألقاه عن دابته، فبادر جرير فاحتز رأسه ،فاختصما في سلبه، فأخذ جرير السلاح، والمنذر المنطقة، وذلك في سنة أربع عشر. فلما رأت الفرس ما هم فيه من الضعف والمهانة وظهور المسلمين عليهم اجتمعوا على قتل رستم والفيرزان، ثم قالوا: إن في هذا أشتاتا ً لأمرنا، فطلبوا ابن كسرى حتى وجدوا يزدجرد، وهو ابن عشرين سنة، فملكوه عليهم، فضبط أمورهم، وحسن تدبيره، واشتدت المملكة، وقوي أمر الفرس، وأخرجوا المسلمين عن المروج، فارتد أهل السواد وخرقوا العهود التي كانت في أيديهم، وصار المسلمون في الأطراف، فلما بلغ ذلك عمر أراد الخروج إلى العراق، ثم استشار، فأشير عليه بسعد بن أبي وقاص ، فوجهه بثمانية آلاف، فسار حتى نزل القادسية، ووجه عتبة بن غزوان إلى كور دجلة والأبلة وأبر قباذ وميسان ففتحها، واختط البصرة، وبنى مسجدها بالقصب، وقد قيل: إن عمر وجهه لذلك. وأقام سعد بالقادسية، ثم ظفر المسلمون ببنت آزاذمرد، وهي تزف إلى بعض الملوك وأخذوا ما كان معها من الأموال والأثقال، وفرقوها على المسلمين فطابت أنفسهم، وحسنت قوم. ثم وجه سعد إلى كسرى بالنعمان بن مقرن وجماعة معه يدعونه إلى الإسلام، فدخلوا عليه في أحسن زي ،وعليهم البرود والنعل، فأخبروه بما وجههم له سعد، ودعوة إلى الإسلام وإلى شهادة الحق وإلى أداء الجزية، فأغضبه ذلك، ودعا بتليس تراب فقال: احملوه على رأس سيدهم، فلو لا أن الرسل لا تقتل لقتلتهم. فقال عاصم بن عمرو التميمي: أنا سيد القوم، فحملوه التراب، فمضى مسرعا ً، وقال: قد ظفرنا واالله م، ووطئنا أرضهم. وبلغ رستم الخبر، فغلظ ذلك عليه، وقال: ما لابن الحجامة ولتدبير الملك. ويقال: إن أم يزدجرد كانت حجامة، ثم وجه رسلا ً في آثارهم، ففاتوا الرسل. فاشتد رعب كسرى والفرس منهم، وأمر رستم أن يتوجه إليهم، فكره ذلك، فحمل عليه بالقول حتى خرج وهو مكره، فلما صار إلى النجف وجه إلى سعد أن ابعث إلي بقوم من عندكم لأناظرهم، فأرسل سعد المغيرة بن شعبة ،وبشر بن أبي رهم، وعرفجة بن هرثمة، وحذيفة ابن محصن، وربعي بن عامر، وقرفة بن زاهر، ومذعور بن عدي، ومضارب بن يزيد، وشعبة بن مرة، وكانوا من دهاة العرب، فدخلوا عليه رجلا ً رجلا ً، يقول كل واحد منهم مثل مقالة صاحبه، ويدعونه إلى الإسلام، أو أداء الجزية، فتبينوا فيه أنه يهوى الدخول في الإسلام، ويخاف من أصحابه، وكلما عرض على واحد منهم لم ير عنده مسارعة، ثم خرج رستم في التعبية للجيش، وجلس على سرير من ذهب، وأقام مصافه، وعدل أصحابه، وأيقن بالهلكة. وكان منجما ً، وكتب إلى أخيه: بسم االله ولي الرحمة، من الإصبهبد رستم إلى أخيه، أما بعد، فإني رأيت المشتري في هبوط، والزهرة في علو، وهو آخر العهد منك. والسلام عليك الدهر الدائم. وخطب سعد بن أبي وقاص المسلمين، فرغبهم في الجهاد، وأعلمهم ما وعد االله نبيه من النصر وإظهار الدين، ورغب كل رجل من المسلمين صاحبه، وأنشبت الحرب بينهم بعد صلاة الظهر، واقتتلوا قتالا ً شديدا ً وحسن بلاء المسلمين وغناؤهم، وكان سعد يومئذ عليلا ً فصار إلى قصر العذيب فترله، وتحصن فيه، فبلغ رستم فوجه خيلا ً، فأحدقت بالقصر، فلما بلغ المسلمين ذلك صاروا إلى القصر، فازم أصحاب رستم، ثم أصبحوا من غد، فوافاهم ستة آلاف من جيش أبي عبيدة بن الجراح، وهم الذين كانوا مع خالد بن الوليد: خمسة آلاف من مضر وربيعة، وألف من أفناء المسلمين، عليهم المرقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وكان فتح الشام قبل القادسية بشهر، فأصبحوا في اليوم الثالث على مواقفهم، وأخرج رستم الفيلة فلما نظرت إليها الكتائب كادت أن تفترق، ثم حمل المسلمون عليها ففقأوا أعينها، وقطعوا مشافرها. وزحف المسلمون وأصبحوا، في اليوم الرابع، وللمسلمين العلو، وقتل رستم، وقع عليه عدل كان على بغل فقتله، وكان الذي طرح عليه العدل هلال ابن علفة، وصعد على سريره وصاح: قتلت رستم ورب الكعبة، إلي إلي! وقيل: قتله زهير بن عبد شمس ابن أخي جرير بن عبد االله، وقتل منهم مقتلة عظيمة ،وانكشفوا مدبرين، وجمعت الأموال والأسلاب وبيع سلب رستم، فبلغ سهم الرجل لكل فارس أربعة عشر ألفا ً، وسهم الراجل سبعة آلاف ومائة، ورضخ لعيال الشهداء من صلب الفيء، ورضخ للنساء من صلب الفيء، فأما العبيد فإم عفوا، وأوفد سعد إلى عمر وفدا، فأجازهم عمر ثمانين دينارا ً ثمانين دينارا ً. وكان بالقادسية من أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم من أهل بدر سبعون رجلا ً، ومن أهل بيعة الرضوان ومن شهد الفتح مائة وعشرون، ومن أصحاب رسول االله مائة. ونفرت جميع الفرس إلى المدائن منهزمين لا يلوون على شيء، ويزدجرد الملك ا، فأتبعهم سعد بالمسلمين، فحاصرهم شهرا ً وخمسة عشر يوما ً، ثم خرج الفرس هاربين، وفتحت المدائن، وقيل إن ذلك كان في سنة ستة عشر. وفيها أرخ عمر الكتب، وأراد أن يكتب التاريخ منذ مولد رسول االله، ثم قال: من المبعث، فأشار عليه على بن أبي طالب أن يكتبه من الهجرة، فكتبه من الهجرة. وتوجه عتبة بن غزوان إلى عمر، واستخلف على البصرة مجاشع بن مسعود السلمي، والمغيرة بن شعبة في الجيش، فلما شخص عتبة جاء من كان بميسان، ومن كان بكور دجلة من الأعاجم، وعليهم الفيلكان ،فجمع لهم المغيرة بن شعبة عدة من المسلمين، فسار م حتى لقي الأعاجم بميسان، فهزمهم وسبى أهلها عنوة، وكتب المغيرة بذلك إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر لعتبة: استعمل أهل الوبر على أهل المدر ، وكتب إلى المغيرة: إنك خليفة عتبة بن غزوان حتى يقدم عتبة، وخرج عتبة من عند عمر، فلما كان بين المدينة والبصرة توفي عتبة، فكتب عمر إلى المغيرة بولايته على البصرة. فلما كانت وقعة القادسية صار المغيرة إلى سعد ثم رجع إلى عمله، وكان يختلف إلى امرأة من بني هلال يقال لها: أم جميل زوجة الحجاج بن عتيك الثقفي، فاستراب به جماعة من المسلمين، فرصده أبو بكر ،ونافع بن الحارث، وشبل بن معبد، وزياد بن عبيد، حتى دخل إليها فرفعت الريح الستر فإذا به عليها ، فوفد على عمر، فسمع عمر صوت أبي بكرة وبينه وبينه حجاب، فقال: أبو بكرة؟ قال: نعم. قال: لقد جئت ببشر؟ قال: إنما جاء به المغيرة. ثم قص عليه القصة، فبعث عمر أبا موسى الأشعري عاملا مكانه ، وأمره أن يشخص المغيرة، فلما قدم عليه جمع بينه وبين الشهود، فشهد الثلاثة، وأقبل زياد، فلما رآه عمر قال: أرى وجه رجل لا يخزي االله به رجلا ً من أصحاب محمد، فلما دنا قال: ما عندك يا سلح العقاب؟ قال: رأيت أمرا ً قبيحا ً، وسمعت نفسا ً عاليا ً، ورأيت أرجلا ً مختلفة، ولم أر الذي مثل الميل في المكحلة. فجلد عمر أبا بكرة، ونافعا ً، وشبل بن معبد، فقام أبو بكرة وقال: أشهد إن المغيرة زان، فأراد عمر أن يجلده ثانية، فقال له: علي إذا توفي صاحبك حجارة. وكان عمر إذا رأى المغيرة قال: يا مغيرة! ما رأيتك قط إلا خشيت أن يرجمني االله بالحجارة. وكان بالبصرة من أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم ثمانية وستون رجلا ً. رجع الحديث إلى خبر أبي عبيدة بن الجراح وحصاره أهل بيت المقدس لأنا جعلنا كل خبر في سنته ووقته. وكتب أبو عبيدة إلى عمر يعلمه مطاولة أهل إيلياء وصبرهم، وقال بعضهم: إن أهل إيلياء سألوه أن يكون الخليفة المصالح لهم، فأخذ عليهم العقود والمواثيق، وكتب إلى عمر فخرج إلى الشام، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، وقرب خالدا، وأدناه، وأمره. فسار في الناس على مقدمته، وذلك في رجب سنة ستة عشر، فترل الجابية من أرض دمشق ثم صار إلى بيت المقدس، فافتتحها صلحا ً، وكتب لهم كتابا ً: بسم االله الرحمن الرحيم، هذا كتاب كتبه عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس، إنكم آمنون على دمائكم وأموالكم، وكنائسكم لا تسكن ولا تخرب، إلا أن تحدثوا حدثا ً عاما ً، وأشهد شهودا ً، وأتاه عمرو بن العاص بالطلاء فقال: كيف يصنع هذا؟ فقال: يطبخ حتى يذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه، فقال: ما أرى بذلك بأسا ً. واختلف القوم في صلح بيت المقدس، فقالوا: صالح اليهود، وقالوا: النصارى، وامع عليه النصارى، وقام إليه بلال فقال: يا أمير المؤمنين، إن أمراء أجناد الشام ما يأكلون إلا لحوم الطير والخبز النقي، وما يجد ذلك عامة الناس. فأخذ عمر أمراء الشام بأن ضمنوا له القوت للمسلمين في كل يوم خبزين لكل رجل وما يصلحه من الخل والزيت، وأمر عمر أن تقسم الغنائم بين الناس بالسوية خلا لخم وجذام، وقال: لا أجعل من خرج من الشقة إلى عدوه كمن خرج من بيته. فقام إليه رجل فقال: إن كان االله جعل الهجرة إلينا فخرجنا من بيوتنا إلى عدونا نحرم حظنا. ومر عمر راجعا إلى المدينة فمر على قوم قد أقيموا يعذبون في الخراج، فقال عمر: دعوهم ولا تعذبوهم ،فإني سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول: إن الذين يعذبون الناس في الدنيا يعذم االله في الآخرة ،يوم القيامة، فأرسل إليهم، فخلى سبيلهم. فأتاه جبلة بن الأيهم فقال له: تأخذ مني الصدقة كما تصنع بالعرب؟ قال: بل الجزية، وإلا فالحق بمن هو على دينك. فخرج في ثلاثين ألفا ً من قومه، حتى لحق بأرض الروم، وندم عمر على ما كان منه في أمره. ووجه عمرو بن العاص فقال له: يا أمير المؤمنين تأذن لي في أن أصير إلى مصر، فإنا إن فتحناها كانت قوة للمسلمين، وهي من أكثر الأرض أموالا، وأعجزه عن القتال، ولم يزل يعظم أمرها في نفسه، ويهون عليه فتحها، حتى عقد له على أربعة آلاف كلهم من عك، وقال له: سيأتيك كتابي سريعا ً، فإن لحقك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخل شيئا ً من أرضها، فانصرف، فإن دخلتها ثم جاءك كتابي فامض، واستعن باالله. وسار عمرو مسرعا ً، فلما كان برفح، وهي آخر عمل فلسطين، أتاه رسول عمر ومعه كتاب، فلم يفض الكتاب، ونفذ حتى صار إلى قرية بالقرب من العريش، وقرأ الكتاب، ثم قال: من أين هذه القرية؟ قالوا: من مصر! قال: فإن أمير المؤمنين أمرني إن أتاني كتابه، وقد دخلت شيئا ً من أرض مصر، أن أمضي لوجهي وأستعين باالله، حتى أتى الفرما، فقاتلوه نحوا ً من ثلاثة أشهر، ثم فتح االله عليه، ومضى حتى صار إلى أم دنين، فقاتلوه قتالا ً شديدا ً، وأبطأ عنه الفتح، وكتب إلى عمر يستمده، فوجه بأربعة آلاف، وكتب إليه: أنه قد صير على كل ألف رجل رجلا ً يقوم مقام ألف رجل منهم: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وخارجة بن حذافة، وقيل مسلمة بن مخلد، فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً، ثم قال الزبير: إني أهب نفسي الله، وأرجو أن يفتح االله على المسلمين، فوضع السلم ليلا ً إلى جانب الحصن، ثم اقتحم معه جماعة، وكبر المسلمون، فلما استحر القتل دعوا إلى الصلح، فقال بعضهم: صالح المقوقس عمرو بن العاص على دينارين دينارين لكل رجل، وقيل لم يكن صلح، وإنما افتتح عنوة. ثم مضى حتى صار إلى الإسكندرية وا جموع الروم، وعليها ثلاثة حصون، فقاتلوه قتالا ً شديدا ً، فطالت المدة بينهم ثلاثة أشهر. وكان المقوقس قد سأل عمرا أن يصالحه عن الإسكندرية على أن يطلق من أراد منهم أن يمضي إلى بلاد الروم، ومن أقام فعليه ديناران خراج، فأجابه إلى ذلك، فلما بلغ هرقل ملك الروم غضب... فقال المقوقس: إني قد نصحت لهم فاستغشوني، فلا تجبهم إلى ما أجبتني إليه. وخرج عمر إلى مكة سنة سبع عشر، فاعتمر عمرة رجب، ووسع المقام، وباعده من البيت، ووسع الحجر، وبنى المسجد الحرام، ووسع فيه، واشترى من قوم منازلهم، وامتنع آخرون، فهدم عليهم ووضع أثمان منازلهم في بيت المال. وكان فيما هدم بيت العباس بن عبد المطلب، فقال له: دم داري؟ قال: لأوسع ا في المسجد الحرام! فقال العباس: سمعت رسول االله يقول: إن االله أمر داود أن يبني له بيتا بإيلياء فبناه ببيت المقدس، وكان كلما ارتفع البناء سقط فقال داود: يا رب إنك أمرتني أن أبني لك بيتا، وإني كلما بنيت سقط البناء، فأوحى االله إليه: أني لا أقبل إلا الطيب، وإنك بنيت لي في غصب، فنظر داود فإذا قطعة أرض لم يكن شراها، فابتاعها من صاحبها بحكمة، ثم بنى فتم البناء. قال: ومن يشهد أنه سمع هذا من رسول االله؟ فقام قوم فشهدوا. قال: فتحكم إلينا يا أبا الفضل، وإلا أمسكنا؟ قال: فإني قد تركتها الله. وانصرف عمر بعد عشرين يوما ً، وكان العباس يسايره، وتحت العباس دابة مصعب، فتقدمه عمر ثم وقف له حتى لحقه فقال له: تقدمتك، وما لأحد أن يتقدمكم معشر بني هاشم قوم... فيكم ضعف. قال: رآنا االله نقوى على النبوة، ونضعف على الخلافة. ثم خرج يريد الشام حتى بلغ إلى سرغ، فبلغه أن الطاعون قد كثر، فرجع، فلقيه أمراء الشام، وكلمه أبو عبيدة بن الجراح أشد كلام، وقال: أفرار من قدر االله تعالى؟ قال عمر: نعم أفر من قدر االله إلى قدر االله. وفي هذه السنة خطب عمر إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم بنت علي، وأمها فاطمة بنت رسول االله ،فقال علي: أا صغيرة! فقال: إني لم أرد حيث ذهبت. لكني سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول االله. فتزوجها، وأمهرها عشرة آلاف دينار. وفي هذه السنة نزل المسلمون الكوفة، واختطوا ا الخطط، وبنوا المنازل. وقيل كان ذلك في أول سنة ثمان عشر، ونزلها من أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم ثمانون رجلا ً. وأصاب الناس جدب وقحط ومجاعة شديدة في عام الرمادة، وهي سنة ثمان عشر، فخرج عمر يستسقي، وأخرج الناس، وأخذ بيد العباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك! اللهم فلا تخيب ظنهم في رسولك، فاسقوا. وأجرى عمر الأقوات في تلك السنة على عيالات قوم من المسلمين، وأمر أن تكون نفقات أولاد اللقط ورضاعهم من بيت المال. وفي هذه السنة سمي عمر أمير المؤمنين، وكان يسمى خليفة خليفة رسول االله، وكتب إليه أبو موسى الأشعري: لعبد االله عمر أمير المؤمنين، وجرت عليه، وقيل إن المغيرة بن شعبة دخل عليه فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: لتحرجن مما قلت. فقال: ألسنا مسلمين ؟ قال: بلى! قال: وأنت أميرنا؟ قال: اللهم نعم. وكان أبو عبيدة بن الجراح قد وجه عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فلم يزل يحاصر عليهم ثم افتتح الرقة، وسروج، والرها، ونصيبين، وسائر مدن الجزيرة، وكانت صلحا ً كلها، ووضع عليها الخراج على الأرضين ورقاب الرجال. على كل إنسان أربعة وخمسة دنانير وستة في سنة ثمان عشر، فانصرف إلى أبي عبيدة. وكثر الطاعون بالشام، وكان طاعون عمواس، فمات أبو عبيدة بن الجراح، واستخلف عياض بن غنم على حمص، وما والاها من قنسرين، ومعاذ بن جبل على الأردن، ولم يلبث معاذ بن جبل إلا أياما ً حتى توفي، ومات يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، فأقر عمر معاوية على عمل يزيد، ومات في تلك السنة في طاعون عمواس خمسة وعشرون ألفا ً سوى من لم يحصر منهم، وغلا السعر، واحتكر الناس ،فنهى عمر عن الاحتكار. وفيها توفي الفضل بن العباس بن عبد المطلب بفلسطين، وكانت فلسطين قد افتتحت خلا قيسارية، وكان معاوية بن أبي سفيان مقيما عليها، فافتتحها سنة ثمان عشر، وقيل كان ا ثمانون ألف مقاتل، وبعث رجلين من جذام إلى عمر بالبشارة، ثم أردفهما برجل من خثعم يقال له: زهير، وقال له: إن قدرت أن تسبق الجذاميين فافعل، فمر ما الخثعمي، وهما نائمان، فجازهما، وقدم المدينة ليلا ً، فأتى عمر فأخبره ،فكبر وحمد االله، ثم خرج إلى المسجد، وأمر بنار، فأتي ا، فحمد االله، وأعلمهم بفتح قيسارية. وكتب سعد بن أبي وقاص من المدائن إلى عمر بعد مقامه بثلاث سنين يعلمه اجتماع الفرس بجلولاء ، وهي قرية من قرى السواد، بالقرب من حلوان، وكتب إليه أن ينهض إليهم فيمن معه، ووجه عبد االله بن مسعود، فأقامه مقام سعد، وقيل صير سلمان بالمدائن، وكان ابن مسعود يفقههم ويعلمهم، فكانت وقعة جلولاء سنة تسع عشر، فلم يزل يقاتلهم حتى فتح االله عليه، وقتل من الفرس مقتلة عظيمة، وهرب يزدجرد فيمن بقي معه، فلحق بإصبهان، ثم سار إلى ناحية الري، وأتاه صاحب طبرستان، فأعلمه حصانة بلاده، فامتنع عليه، ومضى إلى مرو، وكان معه ألف أسوار من أساورته، وألف جبار، وألف صناجة ،فكاتب نيزك طرخان، فعلاه بعمود، فمضى منهزما حتى دخل بيت طحان، ولحقوه فقتلوه في بيت الطحان، فصارت أساورته إلى بلخ، ووقعت صناجته، إلى هراة وجباروه إلى مرو، وافترقت جموع الفرس وأذهب االله ملكهم، وفرق جمعهم، ورجع سعد إلى الكوفة، فاختط مسجدها، وقصر إمارا، فاختط الأشعث جبانة كندة، واختط كندة حوله، واختط يزيد بن عبد االله ناحية البرية، واختطت بجلة حوله. وشاور عمر أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم في سواد الكوفة، فقال له بعضهم: تقسمها بيننا ،فشاور عليا ً، فقال: إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء، ولكن تقرها في أيديهم يعملوا ، فتكون لنا ولمن بعدنا. فقال: وفقك االله! هذا الرأي. ووجه عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان، فمسحا السواد، وأمرهما أن لا يحملا أحدا ً فوق طاقته، فاجتبى خراج السواد ثمانين ألف ألف درهم، وأجرى على عثمان بن حنيف خمسة دراهم في كل يوم وجرابا ً من دقيق، وأمره أن لا يمسح تلا، ولا أجمة، ولا مستنقع ماء، ولا ما لا يبلغه الماء، وأن يمسح بالذراع السوداء، وهو ذراع وقبضة، وأقام إامه فوق القبضة شيئا ً يسيرا ً، فمسح عثمان كل شيء دون جبل حلوان إلى أرض العرب وهو أسفل الفرات ،فكتب إلى عمر: أني وجدت كل شيء بلغه الماء من عامر وغير عامر، بلغه الماء، عمله صاحبه أو لم يعمله... درهما ً وقفيزا ً وعلى الكرم عشرة دراهم، وعلى الرطاب خمسة دراهم. وفرض على رقام: على الموسر ثمانية وأربعين، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين، وعلى من لا يجد اثني عشر درهما ً، وقال: درهم في الشهر لا يعوز رجلا ً! فحمل من خراج السواد، في أول سنة، ثمانون ألف ألف درهم، وحمل من قابل عشرون ومائة ألف ألف درهم. واجتمع الدهاقين إلى عثمان بن حنيف في الكرم، فقالوا: إنما في قرب من المصر يباع العنقود منه بدرهم ،فكتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر أن يحمل من هذا، ويوضع على هذا بقدر الموضعين. وكان عمر يأخذ الجزية من أهل كل صناعة من صناعتهم بقيمة ما يجب عليهم، وكذلك فعل علي ، وكتب عمر إلى أبي موسى أن يضع على أرض البصرة من الخراج مثل ما وضع عثمان بن حنيف على أرض الكوفة، وكتب إلى عثمان بن حنيف: أن احمل إلى أهل المدينة أعطيام، فإم شركاؤهم. فكان يحمل ما بين العشرين ألف ألف إلى الثلاثين ألف ألف. ودون عمر الدواوين وفرض العطاء سنة عشرين، وقال: قد كثرت الأموال. فأشير عليه أن يجعل ديوانا ،فدعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف، وقال: اكتبوا الناس على منازلهم. وابدءوا ببني عبد مناف. فكتب أول الناس علي بن أبي طالب في خمسة آلاف، والحسن بن علي في ثلاثة آلاف، والحسين بن علي في ثلاثة آلاف، وقيل بدأ بالعباس بن عبد المطلب في ثلاثة آلاف ،وكل من شهد بدرا ً من قريش في ثلاثة آلاف، ومن شهد بدرا من الأنصار في أربعة آلاف، ولأهل مكة من كبار قريش مثل أبي سفيان بن حرب، ومعاوية بن أبي سفيان في خمسة آلاف، ثم قريش على منازلهم ممن لم يشهد بدرا ً، ولأمهات المؤمنين ستة آلاف ستة آلاف، ولعائشة وأم حبيبة وحفصة في اثني عشر ألفا ً، ولصفية وجويرية في خمسة آلاف خمسة آلاف، ولنفسه في أربعة آلاف، ولابنه عبد االله بن عمر في خمسة آلاف، وفي أهل مكة الذين لم يهاجروا في ستمائة وسبعمائة، وفرض لأهل اليمن في أربعمائة ،ولمضر في ثلاثمائة، ولربيعة في مائتين. وكان أول مال أعطاه مالا ً قدم به أبو هريرة من البحرين، مبلغه سبعمائة ألف درهم. قال: اكتبوا الناس على منازلهم، وكتبوا بني عبد مناف، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم أتبعوهم عمر بن الخطاب وقومه على الخلافة. فلما نظر عمر قال: وددت واالله أني هكذا في القرابة برسول االله، ولكن ابدءوا برسول االله ثم الأقرب فالأقرب منه، حتى تضعوا عمر بحيث وضعه االله. وفرض للنساء المهاجرات وغيرهن على قدر فضلهن، وكانت فريضته لهن في ألفين، وألف وخمسمائة، وألف، وفرض لأسماء بنت عميس، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وخولة بنت حكيم بن الأوقص امرأة عثمان بن مظعون في ألفين، وفرض لأم عبد في ألف وخمسمائة، وفرض لأشراف الأعاجم، وفرض لفيروز بن يزدجرد دهقان ر الملك والنخيرخان، ولخالد وللجميل ابني بصبهري دهقان الفلوجة، وللهرمزان، ولبسطام بن نرسى دهقان بابل ،وجفينة العبادي في ألفين ألفين، وقال: قوم أشراف أحببت أن أتألف م غيرهم. وقال عمر في آخر سنيه: إني كنت تألفت الناس بما صنعت في تفضيل بعض على بعض، وإن عشت هذه السنة ساويت بين الناس، فلم أفضل أحمر على أسود، ولا عربيا ً على عجمي، وصنعت كما صنع رسول االله وأبو بكر. ومصر الأمصار في هذه السنة. وقال: الأمصار سبعة: فالمدينة مصر، والشام مصر، والجزيرة مصر ،والكوفة مصر، والبصرة مصر... وجند الأجناد فصير فلسطين جندا ً، والجزيرة جندا ً، والموصل جندا ً ،وقنسرين جندا ً. وفي هذه السنة فتح عمرو بن العاص الإسكندرية وسائر أعمال مصر، واجتباها أربعة عشر ألف ألف دينار من خراج رؤوسهم، لكل رأس دينارا ً، وخراج غلام من كل مائة إردب إردبين ،وأخرج أصحاب هرقل، ومات هرقل ملك الروم، فزاد ذلك في وهنهم وضعفهم. ولما فتح عمرو بن العاص الإسكندرية أوفد إلى عمر بن الخطاب معاوية بن حديج الكندي، فقال له معاوية: اكتب معي! فقال: وما أصنع بالكتاب معك؟ خبره بما رأيت وأد إليه الرسالة. فلما أتى عمر وخبره الخبر خر ساجدا ً، وكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يحمل طعاما ً في البحر إلى المدينة يكفي عامة المسلمين، حتى يصير به إلى ساحل الجار، فحمل طعاما ً إلى القلزم، ثم حمله في البحر في عشرين مركبا ً في المركب ثلاثة آلاف أردب وأقل وأكثر، حتى وافى الجار. وبلغ عمر قدومها، فخرج ومعه جلة أصحاب رسول االله، حتى قدم الجار، فنظر السفن، ثم وكل من قبض ذلك الطعام، وبنى هنالك قصرين، وجعل ذلك الطعام فيهما، ثم أمر زيد بن ثابت أن يكتب الناس على منازلهم، وأمره أن يكتب لهم صكاكا من قراطيس، ثم يختم أسافلها، فكان أول من صك وختم أسفل الصكاك. رجع الحديث إلى خبر سعد بن أبي وقاص. وقد رجع سعد بن أبي وقاص إلى الكوفة، وأقام ا واختطت الخطط، وبنيت المنازل والمحال، ثم إن أهل الكوفة شكوا سعدا وقالوا: لا يحسن يصلي، فعزله عمر عنهم ،فدعا عليهم سعد إلا يرضيهم االله عز وجل عن أمير، ولا يرضى أميرا منهم. وولى عمر مكان سعد بن أبي وقاص عمار بن ياسر... ثم قدم عليه أهل الكوفة فقال: كيف خلفتم عمار بن ياسر أميركم؟ قالوا: مسلم ضعيف. فعزله، ووجه جبير بن مطعم، فمكر به المغيرة، وحمل عنه خبرا إلى عمر، وقال له: ولني ،يا أمير المؤمنين. قال: أنت رجل فاسق. قال: وما عليك مني؟ كفايتي ورجلتي لك، وفسقي على نفسي. فولاه الكوفة، فسألهم عن المغيرة، فقالوا: أنت أعلم به وبفسقه. فقال: ما لقيت منكم يا أهل الكوفة! إن وليتكم مسلما تقيا قلتم: هو ضعيف، وإن وليتكم مجرما ً قلتم: هو فاسق. فيقال إنه رد سعد بن أبي وقاص. وأخرج عمر يهود خيبر من الحجاز لما قتل مظهر بن رافع الحارثي وقال: سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول: لا يجتمع في جزيرة العرب دينان. وقسم خيبر على ستة عشر سهما ً. ووجه ميسرة بن مسروق العبسي إلى أرض الروم، فكان أول جيش دخلها جيش ميسرة في هذه السنة ، وهي سنة عشرون، وأغزى حبيب بن مسلمة الفهري، وقدر له أجلا، فجاز ذلك الوقت، واشتد غم عمر حتى وافى، فقال له: ما أخرك عن الوقت الذي وقته لك؟ قال: اعتل رجل من المسلمين، فأقمنا عليه حتى قضى االله ما قضى. ولم يغز عمر بلاد الروم بعد حبيب، وكان عمر يقول: إذا ذكر الروم واالله لوددت إن الدرب جمرة بيننا وبينهم، لنا ما دونه وللروم ما وراءه، لما كان يكره قتالهم. ووجه علقمة بن مجزز المدلجي في عشرين مركبا ً، أو نحوها، فأصيبوا جميعا ً ، فحلف عمر لا يحمل في البحر أحدا ً أبدا. وفي هذه السنة كانت زلازل لم ير مثلها. وافتتحت اوند سنة إحدى وعشرون، وأمير الناس النعمان بن مقرن المزني، وكانت الأعاجم قد اجتمعت من الري وقومس وأصبهان وعدة بلدان، حتى صاروا إلى اوند، وقالوا: قد غلبنا على بلدنا ،ونالنا الذل في دارنا. فبعث عمر النعمان في جيش، فصار إلى اوند، وقد ملك الأعاجم عليهم ملكا يقال له دوير. واقتتلوا قتالا ً شديدا ً، وقتل النعمان بن مقرن، ثم هزم االله الأعاجم، وفتحت اوند. وفي غزاة اوند كان عمر بن الخطاب على منبر رسول االله يخطب، فبينا هو يخطب إذ قال: يا سارية الجبل الجبل. وكان سارية في جيش اوند، فقال سارية لما قدم من اوند: أحدق بنا العدو، فسمعنا صوتك يا أمير المؤمنين وأنت تقول: يا سارية الجبل الجبل، فانحزنا إلى الجبل، فسلمنا. وفتح عمرو بن العاص برقة، وصالحهم على ثلاثة عشر ألف دينار، على أن يبيعوا من أبنائهم من أحبوا في جزيتهم في هذه السنة، ثم سار حتى أتى أطرابلس إفريقية، فافتتحها، وكتب إلى عمر يستأذنه في غزو باقي إفريقية، فكتب إليه أا مفرقة، ولا يغزوها أحد ما بقيت. ووجه بسر بن أبي أرطأة، فصالح أهل ودان وأهل فزان، وبعث عقبة بن نافع الفهري، وكان أخا العاص ابن وائل السهمي لأمه، إلى أرض النوبة، ولقي المسلمون من النوبة قتالا ً شديدا ً. ولما انصرف المسلمون من بلاد النوبة اختطوا الجيزة ،وكتب عمرو بن العاص بذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: لا تجعل بيني وبينك ماء، وانزلوا موضعا متى أردت أن أركب راحلتي وأصير إليكم فعلت. وافتتحت آذربيجان سنة إثنان وعشرون، وأمير الناس المغيرة بن شعبة. وقيل هاشم ابن عتبة بن أبي وقاص، وافتتح أبو موسى الأشعري كور الأهواز وإصطخر سنة ثلاث وعشرون، وكتب إليه عمر أن ضع عليها الخراج كما وضع على سائر أرض العراق، ففعل ذلك، وافتتح عبد االله بن بديل بن ورقاء الخزاعي همدان وأصبهان في هذه السنة، وافتتح قرظة بن كعب الأنصاري الري، وافتتح معاوية بن أبي سفيان عسقلان، وولى عمر خالد بن الوليد الرها وحران ورقة وتل موزن وآمد، فأقام ا سنة، ثم استعفى، فأعفاه، وقدم المدينة، فأقام ا أياما ً، ثم توفي خالد بالمدينة. وقال الواقدي إن خالد بن الوليد توفي بحمص، فأوصى إلى عمر، ولما ورد إليه خبر وفاته بكته حفصة وآل عمر، وكثر بكاؤهن عليه، فقال عمر: حق لهن أن يبكين على أبي سليمان، وأظهر عليه جزعا. ووجه حبيب بن مسلمة الفهري إلى أرمينية، ثم أردفه سلمان بن ربيعة مددا له، فلم يصل إليه إلا بعد قتل عمر. وأذن عمر لأزواج النبي صلى االله عليه وسلم في الحج في هذه السنة، وحج معهن. قال بعضهم: فرأيت أزواج رسول االله صلى االله عليه وسلم في الهوادج، وعليهن الطيالسة الزرق سنة ثلاث وعشرون، وكان يكون أمامهن عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان وراءهن، فلا يدعان أحدا ً يدنو منهن. وشاطر عمر جماعة من عماله أموالهم. قيل: إن فيهم سعد بن أبي وقاص عامله على الكوفة، وعمرو بن العاص عامله على مصر، وأبا هريرة عامله على البحرين، والنعمان بن عدي بن حرثان عامله على ميسان، ونافع بن عمرو الخزاعي عامله على مكة، ويعلى بن منية عامله على اليمن. وامتنع أبو بكرة من المشاطرة وقال: واالله لئن كان هذا المال الله، فما يحل لك أن تأخذ بعضا وتترك بعضا ً، وإن كان لنا فما لك أخذه. فقال له عمر: إما أن تكون مؤمنا ً لا تغل أو منافقا ً أفك. فقال: بل مؤمن لا أغل. واستأذن قوم من قريش عمر في الخروج للجهاد، فقال: قد تقدم لكم مع رسول االله. قال: إني آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرة. لا تخرجوا! فتسللوا بالناس يمينا ً وشمالا ً. قال عبد الرحمن بن عوف، فقلت: نعم، يا أمير المؤمنين ،ولم تمنعنا من الجهاد؟ فقال: لأن اسكت عنك، فلا أجيبك، خير لك من أن أجيبك، ثم اندفع يحدث عن أبي بكر، حتى قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى االله شرها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه. وروي عن ابن عباس قال: طرقني عمر بن الخطاب بعد هدأة من الليل، فقال: اخرج بنا نحرس نواحي المدينة! فخرج، وعلى عنقه درته، حافيا، حتى أتى بقيع الغرقد، فاستلقى على ظهره، وجعل يضرب أخمص قدميه بيده وتأوه صعدا، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما أخرجك إلى هذا الأمر؟ قال: أمر االله يا ابن عباس! قال: إن شئت أخبرتك بما في نفسك. قال: غص غواص، إن كنت لتقول فتحسن. قال: ذكرت هذا الأمر بعينه وإلى من تصيره. قال: صدقت! قال فقلت له: أين أنت عن عبد الرحمن بن عوف؟ فقال: ذاك رجل ممسك، وهذا الأمر لا يصلح إلا لمعط في غير سرف ومانع في غير إقتار. قال فقلت: سعد بن أبي وقاص؟ قال: مؤمن ضعيف ! قال فقلت: طلحة بن عبد االله؟ قال: ذاك رجل يناول للشرف والمديح، يعطي ماله حتى يصل إلى مال غيره، وفيه باو وكبر. قال فقلت: فالزبير بن العوام، فهو فارس الإسلام؟ قال: ذاك يوم إنسان ويوم شيطان، وعفة نفس، إن كان ليكادح على المكيلة من بكرة إلى الظهر حتى يفوته الصلاة. قال فقلت: عثمان بن عفان؟ قال: إن ولي حمل ابن أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس، وأعطاهم مال االله، ولئن ولي ليفعلن واالله، ولئن فعل لتسيرن العرب إليه حتى تقتله في بيته. ثم سكت. قال فقال: أمضها يا ابن عباس! أترى صاحبكم لها موضعا ً؟ قال فقلت: وأين يتبعد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه؟ قال: هو واالله كما ذكرت ولو وليهم تحملهم على منهج الطريق، فأخذ المحجة الواضحة، إلا أن فيه خصالا: الدعابة في الس، واستبداد الرأي، والتبكيت للناس مع حداثة السن. قال قلت: يا أمير المؤمنين. هلا استحدثتم سنة يوم الخندق إذ خرج عمرو بن عبدود، وقد كعم عنه الأبطال، وتأخرت عنه الأشياخ، ويوم بدر إذ كان يقط الأقران قطا، ولا سبقتموه بالإسلام، إذ كان جعلته السعب وقريش يستوفيكم ؟ فقال: إليك يا ابن عباس! أ تريد أن تفعل بي كما فعل أبوك وعلي بأبي بكر يوم دخلا عليه؟ قال: فكرهت أن أغضبه فسكت. فقال: واالله يا ابن عباس إن عليا ً ابن عمك لاحق الناس ا، ولكن قريشا ً لا تحتمله، ولئن وليهم ليأخذم بمر الحق لا يجدون عنده رخصة، ولئن فعل لينكثن بيعته ثم ليتحاربن. وحج عمر جميع سني ولايته، إلا السنة الأولى، وهي سنة ثلاث عشر، فإن عبد الرحمن بن عوف حج بالناس، وكان الغالب عليه عبد االله بن عباس، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان. وروى بعضهم أن عبد االله بن عباس كان على شرطه، وكان حاجبه يرفا مولاه، فطعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرون، وكان ذلك من شهور العجم في تشرين الآخر ،وكان الذي طعنه أبو لؤلؤة، عبد للمغيرة بن شعبة، وجاه بخنجر مسموم، وكانت سنو عمر يومئذ ثلاثا ً وستين سنة، وقيل أربعا ً وخمسين سنة، وكانت ولايته عشر سنين وثمانية أشهر. ولما طعن عمر قال لابنه: إني كنت استسلفت من بيت مال المسلمين ثمانين ألفا ً، فليرد من مال ولدي ،فإن لم يف مالهم فمال آل الخطاب، فإن لم يف فمال بني عدي، وإلا قريش عامة، ولا تعدوهم. ولما حضرته الوفاة اجتمع إليه الناس فقال: إني قد مصرت الأمصار، ودونت الدواوين، وأجريت العطايا ،وغزوت في البر والبحر، فإن أهلك، فاالله خليفتي عليكم، وسترون رأيكم. إني قد تركتكم على الواضحة ،إنما أخاف عليكم أحد رجلين: إما رجلا ً يرى أنه أحق بالملك من صاحبه فيقاتله عليه... وإني قد قرأت في كتاب االله: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة، نكالا من االله، واالله عليم حكيم ،فلا لكوا عن الرجم. وقد رجم رسول االله، ورجمنا، ولو لا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب االله لكتبتها بيدي، فقد قرأا في كتاب االله. وصير الأمر شورى بين ستة نفر من أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبد االله، وسعد بن أبي وقاص، وقال: أخرجت سعيد بن زيد لقرابته مني. فقيل له في ابنه عبد االله بن عمر، قال: حسب آل الخطاب ما تحملوا منها! إن عبد االله لم يحسن يطلق امرأته، وأمر صهيبا ً أن يصلي بالناس حتى يتراضوا من الستة بواحد ، واستعمل أبا طلحة زيد بن سهل الأنصاري، وقال: إن رضي أربعة وخالف اثنان، فاضرب عنق الاثنين ،وإن رضي ثلاثة وخالف ثلاثة، فاضرب أعناق الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن، وإن جازت الثلاثة الأيام ولم يتراضوا بأحد، فاضرب أعناقهم جميعا ً. وكانت الشورى بقية ذي الحجة سنة ثلاث وعشرون، وصهيب يصلي بالناس، وهو الذي صلى على عمر. وكان أبو طلحة يدخل رأسه إليهم ويقول: العجل العجل، فقد قرب الوقت، وانقضت المدة. ودفن عمر إلى جانب أبي بكر، وخلف من الولد الذكور ستة: عبد االله، وعبيد االله، وعبد الرحمن ، وعاصما، وزيدا، وأبا عبد االله، ووثب ابنه عبيد االله فقتل أبا لؤلؤة وابنته وامرأته، واغتر الهرمزان فقتله ،وكان عبيد االله يحدث أنه تبعه، فلما أحس الهرمزان بالسيف قال: أشهد أن لا إله إلا االله وأن محمدا ً رسول االله. وروى بعضهم أن عمر أوصى أن يقاد عبيد االله بالهرمزان، وأن عثمان أراد ذلك، وقد كان قبل أن يلي الأمر أشد من خلق االله على عبيد االله، حتى جر بشعره، وقال: يا عدو االله قتلت رجلا ً مسلما ً، وصبية طفلة، وامرأة لا ذنب لها! قتلني االله إن لم أقتلك. فلما ولي رده إلى عمرو بن العاص. وروى بعضهم عن عبد االله بن عمر أنه قال: يغفر االله لحفصة، فإا شجعت عبيد االله على قتلهم. صفة عمر بن الخطاب: وكان عمر طوالا ً، أصلع، أقبل، شديد الأدمة، أعسر يسرا ً، يعمل بيديه جميعا ً ،ويصفر لحيته، وقيل يغيرها بالحناء والكتم. وكان الفقهاء في أيامه الذين يؤخذ عنهم العلم: علي بن أبي طالب، وعبد االله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت. وأبو موسى الأشعري وأبو الدرداء وأبو سعيد الخدري وعبد االله بن عباس. وكان عمال عمر، وقت وفاته: سعد بن أبي وقاص على الكوفة، وقيل المغيرة، وأبو موسى الأشعري على البصرة، وعمير بن سعد الأنصاري على حمص، ومعاوية بن أبي سفيان على بعض الشام، وعمرو بن العاص على مصر، وزياد بن لبيد البياضي على بعض اليمن ،وأبو هريرة على عمان، ونافع بن الحارث على مكة، ويعلى بن منية التميمي على صنعاء، والحارث بن أبي العاص الثقفي على البحرين، وعبد االله بن أبي ربيعة على الجند. أيام عثمان بن عفان ثم استخلف عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وكان عبد الرحمن بن عوف الزهري، لما توفي عمر، واجتمعوا للشورى، سألهم أن يخرج نفسه منها على أن يختار منهم رجلا ً، ففعلوا ذلك، فأقام ثلاثة أيام، وخلا بعلي بن أبي طالب ،فقال: لنا االله عليك، إن وليت هذا الأمر، أن تسير فينا بكتاب االله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال: أسير فيكم بكتاب االله وسنة نبيه ما استطعت. فخلا بعثمان فقال له: لنا االله عليك، إن وليت هذا الأمر ،أن تسير فينا بكتاب االله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال: لكم أن أسير فيكم بكتاب االله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر، ثم خلا بعلي فقال له مثل مقالته الأولى، فأجابه مثل الجواب الأول، ثم خلا بعثمان فقال له مثل المقالة الأولى، فأجابه مثل ما كان أجابه ،ثم خلا بعلي فقال له مثل المقالة الأولى، فقال: إن كتاب االله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى أجيري أحد. أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عني. فخلا بعثمان فأعاد عليه القول، فأجابه بذلك الجواب، وصفق على يده. وخرج عثمان، والناس يهنئونه، وكان ذلك يوم الإثنين، مستهل المحرم، سنة أربع وعشرون، ومن شهور العجم في تشرين الآخر، وكانت الشمس يومئذ في العقرب ثلاث عشرة درجة، وزحل في الحمل إحدى وعشرين درجة وثلاثين دقيقة راجعا، والمشتري في الجدي أربع درجات وأربعين دقيقة، والمريخ في الميزان خمسين دقيقة، والزهرة في العقرب إحدى عشرة درجة راجعا، والرأس في الثور أربعا وعشرين درجة ،فصعد عثمان المنبر، فجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول االله، ولم يجلس أبو بكر ولا عمر فيه ،جلس أبو بكر دونه بمرقاة، وجلس عمر دون أبي بكر بمرقاة، فتكلم الناس في ذلك، فقال بعضهم: اليوم ولد الشر، وكان عثمان رجلا ً حييا ً فارتج عليه. فقام مليا لا يتكلم، ثم قال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام يشقق الخطب، وإن تعيشوا فسيأتيكم الخطبة. ثم نزل. وروى بعضهم أن عثمان خرج من الليلة التي بويع له في يومها لصلاة العشاء الآخرة، وبين يديه شمعة، فلقيه المقداد بن عمرو، فقال: ما هذا البدعة! ومال قوم مع علي بن أبي طالب، وتحاملوا في القول على عثمان. فروى بعضهم قال: دخلت مسجد رسول االله، فرأيت رجلا ً جاثيا ً على ركبتيه يتلهف تلهف من كان الدنيا كانت له فسلبها، وهو يقول: واعجبا ً لقريش، ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين ،وابن عم رسول االله صلى االله عليه وسلم أعلم الناس وأفقههم في دين االله ،وأعظمهم غناء في الإسلام، وأبصرهم بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم، واالله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي، وما أرادوا إصلاحا ً للأمة ولا صوابا ً في المذهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة ،فبعدا وسحقا للقوم الظالمين. فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك االله، ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو، وهذا الرجل علي بن أبي طالب. قال فقلت: ألا تقوم ذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي! إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل ولا الرجلان. ثم خرجت، فلقيت أبا ذر، فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد، ثم أتيت عبد االله بن مسعود، فذكرت ذلك له فقال: لقد أخبرنا فلم نال. وأكثر الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عبيد االله بن عمر، فصعد عثمان المنبر، فخطب الناس، ثم قال: ألا إني ولي دم الهرمزان، وقد وهبته الله ولعمر، وتركته لدم عمر. فقام المقداد بن عمرو فقال: إن الهرمزان مولى الله ولرسوله، وليس لك أن ب ما كان الله ولرسوله. قال: فننظر وتنظرون. ثم أخرج عثمان عبيد االله بن عمر من المدينة إلى الكوفة، وأنزله دارا، فنسب الموضع إليه، كويفة ابن عمر، فقال بعضهم: أبا عمرو عبيد االله رهن فلا تشكك بقتل الهرمزان وافتتح المغيرة بن شعبة همذان، وكتب إلى عثمان أنه قد دخل الري وأنزلها المسلمين. وكانت الري قد افتتحت في حياة عمر، وقيل لم تفتح، ولكنها محاصرة، وافتتحت سنة أربع وعشرون. وكتب عثمان إلى الحكم بن أبي العاص أن يقدم عليه، وكان طريد رسول االله، وقد كان عثمان لما ولي أبو بكر اجتمع هو وقوم من بني أمية إلى أبي بكر، فسألوه في الحكم، فلم يأذن له، فلما ولي عمر فعلوا ذلك، فلم يأذن له ،فأنكر الناس إذنه له، وقال بعضهم: رأيت الحكم بن أبي العاص يوم قدم المدينة عليه فزر خلق، وهو يسوق تيسا، حتى دخل دار عثمان، والناس ينظرون إلى سوء حاله وحال من معه، ثم خرج وعليه جبة خز وطيلسان. وانتقضت الإسكندرية سنة خمس وعشرون، وحارم عمرو بن العاص، حتى فتحها وسبى الذراري ،ووجه م إلى المدينة، فردهم عثمان إلى ذمتهم الأولى، وعزل عمرو بن العاص ، وولى عبد االله بن أبي سرح، فكان ذلك سبب العداوة بين عثمان وعمرو. وقال عثمان لعمرو لما قدم: كيف تركت عبد االله بن سعد؟ قال: كما أحببت! قال: وما ذاك؟ قال: قوي في ذات نفسه، ضعيف في ذات االله. قال: لقد أمرته أن يتبع أثرك. قال: لقد كلفته شططا. واجتبى عبد االله مصر اثني عشر ألف ألف دينار، فقال عثمان لعمرو: درت اللقاح! قال: ذاك إن يتم يضر بالفصلان. ووسع عثمان في المسجد الحرام، وزاد فيه سنة ست وعشرون، وابتاع من قوم منازلهم، وأبى آخرون، فهدم عليهم، ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان، فأمر م للحبس. وقال: ما جراكم علي إلا حلمي، وقد فعل هذا عمر ،فلم تصيحوا، وجدد أنصاب الحرم. وفي هذه السنة افتتح عثمان بن أبي العاص الثقفي سابور. وفيها ولي الوليد بن عقبة بن أبي معيط الكوفة مكان سعد، وصلى بالناس الغداة، وهو سكران، أربع ركعات، ثم وع في المحراب، والتفت إلى من كان خلفه، فقال: أزيدكم؟ ثم جلس في صحن المسجد، وأتي بساحر يدعى بطروي من الكوفة، فاجتمع الناس عليه، فجعل يدخل من دبر الناقة ويخرج من فيها، ويعمل أعاجيب، فرآه جندب بن كعب الأزدي ، فخرج إلى بعض الصياقلة، فأخذ منه سيفا ثم أقبل في الزحام وقد ستر السيف حتى ضرب عنقه، ثم قال له: أحي نفسك، إن كنت صادقا! فأخذه الوليد، فأراد أن يضرب عنقه، فقام قوم من الأزد، فقالوا: لا تقتل واالله صاحبنا، فصيره في الحبس. وكان يصلي الليل كله، فنظر إليه السجان، وكان يكنى أبا سنان ،فقال: ما عذري عند االله إن حبستك على الوليد يقتلك؟ فأطلقه، فصار جندب إلى المدينة، وأخذ الوليد أبا سنان فضربه مائتي سوط فوثب عليه جرير بن عبد االله، وعدي بن حاتم، وحذيفة بن اليمان ،والأشعث بن قيس، وكتبوا إلى عثمان مع رسلهم، فعزله وولى سعيد بن العاص مكانه. فلما قدم الوليد قال عثمان: من يضربه؟ فأحجم الناس لقرابته، وكان أخا عثمان لأمه، فقام علي فضربه، ثم بعث به عثمان على صدقات كلب وبلقين. وأغزى عثمان الناس إفريقية سنة سبع وعشرون، وعليهم عبد االله بن سعد بن أبي سرح، فلقي جرجيس ودعاه إلى الإسلام، أو أداء الجزية، فامتنع، وكان جرجيس في جمع عظيم، ففض االله ذلك الجمع، فطلب جرجيس الصلح، فأبى عليه، وهزموه حتى صار إلى مدينة سبيطلة، والتحمت الحرب حتى قتل جرجيس ،وكثرت الغنائم، وبلغت ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار. وروى بعضهم أن عثمان زوج ابنته من مروان بن الحكم، وأمر له بخمس هذا المال. ووجه عبد االله بن سعد بن أبي سرح عبد االله بن الزبير إلى عثمان بالبشارة، فسار عشرين ليلة، حتى قدم المدينة، وأخبر عثمان، فصعد عثمان المنبر، فخبر به الناس. ووجه عبد االله بن سعد جيشا ً إلى أرض النوبة، فسألوا الموادعة والصلح على أن عليهم في كل سنة ثلاثمائة رأس، ويبعث إليهم مثل ذلك من الطعام والشراب، فكتب إلى عثمان بذلك، فأجام إلى ذلك. وافتتح معاوية بن أبي سفيان قبرس. وفي هذه السنة بني عثمان داره، وبني الزوراء، ووسع مسجد رسول االله صلى االله عليه وسلم في سنة تسع وعشرون، وحملت له الحجارة من بطن نخل، وجعل في عمدة الرصاص، وجعل طوله مائة وستين ذراعا ً وعرضه مائة ذراع وخمسين ذراعا، وأبوابه ستة على ما كانت عليه على عهد عمر. وعزل أبا موسى الأشعري، وولى مكانه عبد االله بن عامر بن كريز، وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة ،فلما بلغ أبا موسى ولاية عبد االله بن عامر قام خطيبا ً، فحمد االله وأثنى عليه، وصلى على نبيه، ثم قال: قد جاءكم غلام كثير العمات والخالات والجدات في قريش، يفيض عليكم المال فيضا ً. فلما قدم ابن عامر البصرة وجه الجنود لفتح سابور وفسا ودارابجرد وإصطخر من أرض فارس، وعلى ذلك الجند الذي فتح إصطخر عبيد االله بن معمر التيمي، فقتل عبيد االله بن معمر في أصل مدينة إصطخر، فقام مكانه عمر بن عبيد االله حتى فتح المدينة، ثم سار عبد االله بن عامر بنفسه إلى إصطخر ووجه عبد الرحمن بن سمرة ،وكانت له صحبة، إلى سجستان، فافتتح زرنج بعد نكبة شديدة. ولما ولي عثمان عبد االله بن عامر البصرة وولي سعيد بن العاص الكوفة كتب إليهما: أيكما سبق إلى خراسان، فهو أمير عليها. فخرج عبد االله بن عامر وسعيد بن العاص، فأتى دهقان من دهاقين خراسان إلى عبد االله بن عامر، فقال: ما تجعل لي إن سبقت بك؟ قال: لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة. فأخذ به على طريق مختصر إلى قومس، وعبد االله بن خازم السلمي على مقدمته ،فسار إلى نيسابور. وأقام على المدينة، ولقيه عبد االله بن عامر، فافتتح نيسابور عنوة في سنة ثلاثون ،وصالح أهل الطبسين على خمسة وسبعين ألفا ً، ثم سار حتى صار إلى مدينة أبر شهر، فحاصرهم شهورا ً ،ثم فتحها وصالحهم، وكتب إلى أهل هراة، فكتبوا إليه: إن فتحت أبرشهر أجبناك إلى ما سألت، وبوشنج وبادغيس يومئذ إلى هراة، وكانت طوس ونيسابور إلى أبر شهر، ثم فتحها وصالحهم على ألف ألف درهم. وبعث الأحنف بن قيس إلى هراة ومرو الروذ، فسار إلى هراة، فلقيه صاحبها بالميرة والطاعة، ثم سار إلى مرو الروذ، ففتحها عنوة، وفتح الطالقان والفارياب، وطخارستان، ولم يرجع إلى عبد االله بن عامر، حتى شرب من ر بلخ. وقال بعض أهل خراسان: وجه عبد االله بن عامر حين افتتح نيسابور بالجيوش فبعث الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ، وبعث أوس بن ثعلبة التميمي إلى هراة، وبعث حاتم بن النعمان الباهلي إلى مرو، وعبد االله بن خازم السلمي إلى سرخس. ففتح القوم جميعا ً ما بعثوا له خلا مرو، فإا صالحت حاتما ً على ألفي ألف ومائتي ألف أوقية وعلى أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم. ولما فتح عبد االله بن عامر هذه الكور انصرف إلى عثمان، وخالف بين الترك والديلم، وكان قد صير خراسان أرباعا ً، وولي قيس بن الهيثم السلمي على ربع، وراشد بن عمرو الجديدي على ربع، وعمران بن الفصيل البرجمي على ربع، وعمرو بن مالك الخزاعي على ربع، فلما رده عثمان وجه أمير ابن أحمد اليشكري إلى خراسان، فصار إلى مرو، فأناخ ا، ثم أدركه الشتاء وأدخله أهل مرو، وبلغه ام يريدون الوثوب به، فجرد فيهم السيف حتى أفناهم، ثم قفل إلى عثمان، فلما رآه عثمان خوفه، فانصرف عنه مغضبا ً، وكان عثمان أنكر عليه قتل أهل مرو، ورجع عبد االله بن عامر إلى البصرة، ثم صار إلى كرمان ،فأناخ ا فنالهم مجاعة شديدة، حتى كان الرغيف بدينار، ثم أتاه الخبر بأن عثمان قد حوصر، فانصرف ،وخلف بخراسان قيس بن الهيثم ابن الصلت، فافتتح قيس طخارستان، وكان عثمان قد وجه حبيب بن مسلمة الفهري إلى أرمينية، ثم أردفه سلمان بن ربيعة الباهلي مددا ً له، فلما قدم عليه تنافرا ً، وقتل عثمان وهم على تلك المنافرة. وقد كان حبيب بن مسلمة فتح بعض أرمينية، وكتب عثمان إلى سلمان بإمرته على أرمينية، فسار حتى أتى البيلقان، فخرج إليه أهلها، فصالحوه ومضى حتى أتى برذعة، فصالحه أهلها على شيء معلوم. وقيل إن حبيب بن مسلمة افتتح جرزان. ثم نفذ سلمان إلى شروان، فصالحه ملكها، ثم سار حتى أتى أرض مسقط، فصالح أهلها، وفعل مثل ذلك ملك اللكز وأهل الشابران وأهل فيلان، ولقيه خاقان ملك الخزر في جيشه، خلف ر البلنجر، في خلق عظيم، فقتل سلمان ومن معه، وهم أربعة آلاف، فولى عثمان حذيفة بن اليمان العبسي، ثم صرفه، وولي المغيرة بن شعبة. وزوج عثمان ابنته من عبد االله بن خالد بن أسيد، وأمر له بستمائة ألف درهم، وكتب إلى عبد االله بن عامر أن يدفعها إليه من بيت مال البصرة. وحدث أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن يسار قال: رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى آتاها عثمان، فقال له: ادفعها إلى الحكم ابن أبي العاص. وكان عثمان إذا أجاز أحدا ً من أهل بيته بجائزة جعلها فرضا من بيت المال، فجعل يدافعه ويقول له: يكون فنعطيك إن شاء االله، فألح عليه، فقال: إنما أنت خازن لنا، فإذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت. فقال وجاء بالمفتاح يوم الجمعة وعثمان يخطب، فقال: أيها الناس زعم عثمان أني خازن له ولأهل بيته ،وإنما كنت خازنا ً للمسلمين ،وهذه مفاتيح بيت مالكم. ورمى ا، فأخذها عثمان، ودفعها إلى زيد بن ثابت. وفي هذه السنة توفي أبو سفيان بن حرب، وصلى عليه عثمان وهي سنة إحدى وثلاثون. وأغزى عثمان جيشا ً، أميرهم معاوية، على الصائفة سنة إثنان وثلاثون، فبلغوا إلى مضيق القسطنطينية، وفتحوا فتوحا كثيرة، وصير عثمان إلى معاوية غزو الروم على أن يوجه من رأى على الصائفة، فولى معاوية سفيان بن عوف الغامدي فلم يزل عليها أيام عثمان... لشيء شجر بينهما في خلافة عثمان. وروي أن عثمان اعتل علة اشتدت به، فدعا حمران بن أبان، وكتب عهدا لمن بعده، وترك موضع الاسم ،ثم كتب بيده: عبد الرحمن بن عوف، وربطه وبعث به إلى أم حبيبة بنت أبي سفيان، فقرأه حمران في الطريق فأتى عبد الرحمن فأخبره، فقال عبد الرحمن، وغضب غضبا ً شديدا ً: استعمله علانية، ويستعملني سرا ً. ونمى الخبر وانتشر بذلك في المدينة. وغضب بنو أمية، فدعا عثمان بحمران مولاه، فضربه مائة سوط، وسيره إلى البصرة. فكان سبب العداوة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف. ووجه إليه عبد الرحمن بن عوف بابنه، فقال له قل له: واالله لقد بايعتك، وإن في ثلاث خصال أفضلك ن: إني حضرت بدرا ً، ولم تحضرها، وحضرت بيعة الرضوان، ولم تحضرها، وثبت يوم أحد وازمت. فلما أدى ابنه الرسالة إلى عثمان قال له قل له: أما غيبتي عن بدر، فإني أقمت على بيت رسول االله ، فضرب لي رسول االله صلى االله عليه وسلم سهمي وأجري، وأما بيعة الرضوان، فقد صفق لي رسول االله بيمينه على شماله، فشمال رسول االله صلى االله عليه وسلم خير من أيمانكم، وأما يوم أحد فقد كان ما ذكرت إلا أن االله قد عفا عني. ولقد فعلنا أفعالا لا ندري أغفرها االله أم لا. وكان عبد الرحمن قد أطلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية لما اشتدت علته، فورثها عثمان، فصولحت عن ربع الثمن على مائة ألف دينار، وقيل ثمانين ألف دينار. وجمع عثمان القرآن وألفه، وصير الطوال مع الطوال، والقصار مع القصار من السور، وكتب في جمع المصاحف من الآفاق حتى جمعت، ثم سلقها بالماء الحار والخل، وقيل أحرقها، فلم يبق مصحف إلا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود. وكان ابن مسعود بالكوفة، فامتنع أن يدفع مصحفة إلى عبد االله بن عامر، وكتب إليه عثمان: أن أشخصه، إنه لم يكن هذا الدين خبالا ً وهذه الأمة فسادا ً. فدخل المسجد وعثمان يخطب، فقال عثمان: إنه قد قدمت عليكم دابة سوء، فكلمه ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان، فجز برجله حتى كسر له ضلعان، فتكلمت عائشة، وقالت قولا ً كثيرا ً، وبعث ا إلى الأمصار ،وبعث بمصحف إلى الكوفة، ومصحف إلى البصرة، ومصحف إلى المدينة، ومصحف إلى مكة، ومصحف إلى مصر، ومصحف إلى الشام، ومصحف إلى البحرين، ومصحف إلى اليمن، ومصحف إلى الجزيرة ،وأمر الناس أن يقرأوا على نسخة واحدة. وكان سبب ذلك أنه بلغه أن الناس يقولون قرآن آل فلان، فأراد أن يكون نسخة واحدة، وقيل: إن ابن مسعود كان كتب بذلك إليه، فلما بلغه أنه يحرق المصاحف قال: لم أرد هذا. وقيل: كتب إليه بذلك حذيفة بن اليمان، واعتل ابن مسعود، فأتاه عثمان يعوده، فقال له: ما كلام بلغني عنك؟ قال: ذكرت الذي فعلته بي، أنك أمرت بي فوطئ جوفي، فلم أعقل صلاة الظهر، ولا العصر ،ومنعتني عطائي. قال: فإني أقيدك من نفسي فافعل بي مثل الذي فعل بك! قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء. قال: فهذا عطاؤك، فخذه. قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا غني عنه؟ لا حاجة لي به، فانصرف. فأقام ابن مسعود مغاضبا ً لعثمان حتى توفي، وصلى عليه عمار بن ياسر، وكان عثمان غائبا ً فستر أمره. فلما انصرف رأى عثمان القبر، فقال: قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد االله بن مسعود. قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولى أمره عمار بن ياسر، وذكر أنه أوصى ألا يخبر به ،ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات المقداد، فصلى عليه عمار، وكان أوصى إليه، ولم يؤذن عثمان به، فاشتد غضب عثمان على عمار، وقال: ويلي على ابن السوداء! أما لقد كنت به عليما ً. وبلغ عثمان أن أبا ذر يقعد في مسجد رسول االله، ويجتمع إليه الناس، فيحدث بما فيه الطعن عليه، وأنه وقف بباب المسجد فقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي، إن االله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض، واالله سميع عليم، محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد. إنه شرف شريفهم، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها، وبورك زبدها، ومحمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون، وعلي بن أبي طالب وصي محمد، ووارث علمه. أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها! أما لو قدمتم من قدم االله، وأخرتم من أخر االله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي االله، ولا طاش سهم من فرائض االله، ولا اختلف اثنان في حكم االله، إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب االله وسنة نبيه، فأما إذ فعلتم ما فعلتم، فذوقوا وبال أمركم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وبلغ عثمان أيضا ً أن أبا ذر يقع فيه، ويذكر ما غير وبدل من سنن رسول االله صلى االله عليه وسلم وسنن أبي بكر وعمر، فسيره إلى الشام إلى معاوية، وكان يجلس في المسجد، فيقول كما كان يقول، ويجتمع إليه الناس، حتى كثر من يجتمع إليه ويسمع منه. وكان يقف على باب دمشق، إذا صلى صلاة الصبح ،فيقول: جاءت القطار تحمل النار، لعن االله الآمرين بالمعروف والتاركين له، ولعن االله الناهين عن المنكر والآتين له. وكتب معاوية إلى عثمان: إنك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر، فكتب إليه: أن احمله على قتب بغير وطاء، فقدم به إلى المدينة، وقد ذهب لحم فخذيه، فلما دخل إليه وعنده جماعة قال: بلغني أنك تقول: سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول: إذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلا ً اتخذوا بلاد االله دولا، وعباد االله خولا، ودين االله دغلا. فقال: نعم! سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول ذلك. فقال لهم: أسمعتم رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول ذلك؟ فبعث إلى علي بن أبي طالب، فأتاه، فقال: يا أبا الحسن أسمعت رسول االله يقول ما حكاه أبو ذر؟ وقص عليه الخبر. فقال علي: نعم! قال: وكيف تشهد ؟ قال: لقول رسول االله: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر. فلم يقم بالمدينة إلا أياما ً حتى أرسل إليه عثمان: واالله لتخرجن عنها! قال: أ تخرجني من حرم رسول االله؟ قال: نعم، وأنفك راغم. قال: فإلى مكة؟ قال: لا! قال: فإلى البصرة؟ قال: لا! قال: فإلى الكوفة؟ قال: لا! ولكن إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت ا. يا مروان! أخرجه، ولا تدع أحدا ً يكلمه، حتى يخرج. فأخرجه على جمل ومعه امرأته وابنته، فخرج وعلي والحسن والحسين وعبد االله بن جعفر وعمار بن ياسر ينظرون، فلما رأى أبو ذر عليا ً قام إليه فقبل يده ثم بكى وقال: إني إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول االله صلى االله عليه وسلم فلم أصبر حتى أبكي! فذهب علي يكلمه فقال له مروان: إن أمير المؤمنين قد ى أن يكلمه أحد. فرفع علي السوط فضرب وجه ناقة مروان، وقال: تنح، نحاك االله إلى النار! ثم شيعة، فكلمه بكلام يطول شرحه، وتكلم كل رجل من القوم وانصرفوا، وانصرف مروان إلى عثمان ،فجرى بينه وبين علي في هذا بعض الوحشة، وتلاحيا كلاما ً، فلم يزل أبو ذر بالربذة حتى توفي. ولما حضرته الوفاة قالت له ابنته: إني وحدي في هذا الموضع، وأخاف أن تغلبني عليك السباع. فقال: كلا إنه سيحضرني نفر مؤمنون، فانظري أترين أحدا ً؟ فقالت: ما أرى أحدا ً! قال: ما حضر الوقت، ثم قال: انظري، هل ترين أحدا ً؟ قالت: نعم أرى ركبا ً مقبلين، فقال: االله أكبر، صدق االله ورسوله، حولي وجهي إلى القبلة، فإذا حضر القوم فأقرئيهم مني السلام، فإذا فرغوا من أمري، فاذبحي لهم هذه الشاة، وقولي لهم: أقسمت عليكم أن برحتم حتى تأكلوا، ثم قضى عليه، فأتى القوم، فقالت لهم الجارية: هذا أبو ذر صاحب رسول االله صلى االله عليه وسلم قد توفي، فترلوا، وكانوا سبعة نفر، فيهم حذيفة بن اليمان، والأشتر ، فبكوا بكاءً شديدا ً، وغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. ثم قالت لهم: إنه يقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تأكلوا! فذبحوا الشاة، وأكلوا، ثم حملوا ابنته، حتى صاروا ا إلى المدينة. فلما بلغ عثمان وفاة أبي ذر قال: رحم االله أبا ذر! قال عمار: نعم! رحم االله أبا ذر من كل أنفسنا، فغلظ ذلك على عثمان. وبلغ عثمان. عن عمار كلام، فأراد أن يسيره أيضا ً، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب، وسألوه إعانتهم، فقال علي: لا ندع عثمان ورأيه. فجلس عمار في بيته، وبلغ عثمان ما تكلمت به بنو مخزوم ،فأمسك عنه، وسير عبد الرحمن بن حنبل صاحب رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى القموس من خيبر، وكان سبب تسييره إياه أنه بلغه كرهه مساوئ ابنه وخاله، وأنه هجاه. وكان عثمان جوادا ً وصولا ً بالأموال، وقدم أقاربه وذوي أرحامه، فسوى بين الناس في الأعطيه وكان الغالب عليه مروان بن الحكم بن أبي العاص، وأبو سفيان بن حرب، وعلى شرطة عبد االله بن قنفذ التيمي، وحاجبه حمران ابن أبان مولاه. ونقم الناس على عثمان بعد ولايته بست سنين، وتكلم فيه من تكلم، وقالوا: آثر القرباء، وحمى الحمى ، وبنى الدار، واتخذ الضياع والأموال بمال االله والمسلمين، ونفى أبا ذر صاحب رسول االله، وعبد الرحمن بن حنبل، وآوى الحكم بن أبي العاص، وعبد االله بن سعد بن أبي سرح طريدي رسول االله، وأهدر دم الهرمزان، ولم يقتل عبيد االله بن عمر به، وولي الوليد بن عقبة الكوفة، فأحدث في الصلاة ما أحدث، فلم يمنعه ذلك من إعاذته إياه، وأجاز الرجم، وذلك أنه كان رجم امرأة من جهينة دخلت على زوجها ،فولدت لستة أشهر، فأمر عثمان برجمها، فلما أخرجت دخل إليه علي بن أبي طالب فقال: إن االله عز وجل يقول: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ً، وقال في رضاعه حولين كاملين، فأرسل عثمان في أثر المرأة ،فوجدت قد رجمت وماتت. واعترف الرجل بالولد. وقدم عليه أهل البلدان فتكلموا، وبلغ عثمان أن أهل مصر قدموا عليهم السلاح، فوجه إليهم عمرو بن العاص وكلمهم، فقال لهم: إنه يرجع إلى ما تحبون، ثم كتب لهم بذلك وانصرفوا، فقال لعمرو بن العاص: اخرج فأعذرنى عند الناس، فخرج عمرو، فصعد المنبر، ونادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حمد االله وأثنى عليه، ثم ذكر محمدا ً بما هو أهله، وقال: بعثه االله رأفة ورحمة، فبلغ الرسالة، ونصح الأمة ، وجاهد في سبيل االله بالحكمة والموعظة الحسنة، أفليس ذلك كذلك؟ قالوا: بلى. فجزاه االله خير ما جزى نبيا عن أمته، ثم قال: وولي من بعده رجل عدل في الرعية، وحكم بالحق، أفليس ذلك كذلك؟ قالوا: بلى! فجزاه االله خيرا ً. قال: ثم ولي الأعسر الأحول ابن حنتمة، فابدت له الأرض أفلاذ كبدها، وأظهرت له مكنون كنوزها، فخرج من الدنيا، وما أنبل عصاه، أفليس ذلك كذلك؟ قالوا: بلى! فجزاه االله خيرا ً. قال: ثم ولي عثمان، فقلتم، وقال، تلومونه ويعذر نفسه، أفليس ذلك كذلك؟ قالوا: بلى! قال: فاصبروا له، فإن الصغير يكبر والهزيل يسمن، ولعل تأخير أمر خير من تقديمه. ثم نزل، فدخل أهل عثمان عليه فقالوا له: هل عابك أحد بمثل ما عابك به عمرو؟ فلما دخل عليه عمرو قال: يا ابن النابغة! واالله ما زدت إن حرضت الناس علي. قال: واالله لقد قلت فيك أحسن ما علمت، ولقد ركبت من الناس ،وركبوها منك، فاعتزل إن لم تعتدل! فقال: يا ابن النابغة قمل درعك مذ عزلتك عن مصر. وسار الركب الذين قدموا من مصر، فلما صاروا في بعض الطريق، إذا براكب على جمل، فأنكروه ،ففتشوه، فوجدوا معه صحيفة من عثمان إلى خليفته عبد االله بن سعد: إذا قدم عليك النفر، فاقطع أيديهم وأرجلهم، فقدموا واتفقوا على الخروج، وكان من يأخذون عنه محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة ،وكنانة بن بشر، وابن عديس البلوي، فرجعوا إلى المدينة، وكان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر ابن الخطاب، وصيرها أسوة غيرها من نساء رسول االله، فإن عثمان يوما ً ليخطب إذ دلت عائشة قميص رسول االله، ونادت: يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول االله صلى االله عليه وسلم لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته! فقال عثمان: رب اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم. وحصر ابن عديس البلوي عثمان في داره، فناشدهم االله، ثم نشد مفاتيح الخزائن، فأتوا ا إلى طلحة بن عبيد االله، وعثمان محصور في داره، وكان أكثر من يؤلب عليه طلحة والزبير وعائشة، فكتب إلى معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه، فتوجه إليه في اثني عشر ألفا ً، ثم قال: كونوا بمكانكم في أوائل الشام، حتى آتي أمير المؤمنين لأعرف صحة أمره، فأتى عثمان، فسأله عن المدة، فقال: قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم فأجيئك م. قال: لا واالله، ولكنك أردت أن أقتل فتقول: أنا ولي الثأر. ارجع، فجئني بالناس! فرجع، فلم يعد إليه حتى قتل. وصار مروان إلى عائشة، فقال: يا أم المؤمنين! لو قمت فأصلحت بين هذا الرجل وبين الناس، قالت قد فرغت من جهازي، وأنا أريد الحج. قال: فيدفع إليك بكل درهم أنفقته درهمين، قالت: لعلك ترى أني في شك من صاحبك؟ أما واالله لوددت أنه مقطع في غرارة من غرائري، وإني أطيق حمله، فأطرحه في البحر. وأقام عثمان محاصرا ً أربعين يوما ً. وقتل لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثون، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وقيل ست وثمانين سنة، وكان الذين تولوا قتله: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، وابن حزم، وقيل كنانة بن بشر التجيبي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعبد الرحمن ابن عديس البلوي، وسودان بن حمران، وأقام ثلاثا ً لم يدفن، وحضر دفنه حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم ، وحويطب بن عبد العزى، وعمرو بن عثمان ابنه. ودفن بالمدينة ليلا ً في موضع يعرف بحش كوكب ،وصلى عليه هؤلاء الأربعة. وقيل لم يصل عليه، وقيل أحد الأربعة قد صلى عليه، فدفن بغير صلاة. وكانت أيامه اثنتي عشرة سنة، وحج عثمان بالناس أيامه كلها إلا السنة الأولى، وهي سنة أربع وعشرون، فإنه حج بالناس عبد الرحمن بن عوف، والسنة التي قتل فيها، فإنه حج بالناس عبد االله بن عباس، وهي سنة خمس وثلاثون، وكان له من الولد الذكور سبعة: عمرو وعمر وخالد وأبان والوليد وسعيد وعبد الملك. صفة عثمان بن عفان: وكان عثمان بن عفان مربوعا ً، حسن الوجه، رقيق البشرة، كثير اللحية، عظيمها ،أسمر، عظيم الكرادس، بعيد ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس، أسنانه مشدودة بالذهب، يصفر لحيته. وكان عمال عثمان: على اليمن يعلى بن منية التميمي. وعلى مكة عبد االله بن عمرو الحضرمي، وعلى همذان جرير بن عبد االله البجلي. وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي، وعلى الكوفة أبا موسى الأشعري، وعلى البصرة عبد االله بن عامر بن كريز، وعلى مصر عبد االله بن سعد بن أبي سرح. وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان بن حرب. وكان الفقهاء في أيام عثمان أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب، وعبد االله بن مسعود، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعري، وعبد االله بن عباس، وأبا الدرداء، وأبا سعيد الخدري، وعبد االله بن عمر، وسلمان بن ربيعة الباهلي. خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واستخلف علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، يوم الثلاثاء لسبع ليال بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثون، ومن شهور العجم في حزيران، وكانت الشمس يومئذ في الجوزاء ستا وعشرين درجة وأربعين دقيقة، والقمر في الدلو ثماني عشرة درجة وأربعين دقيقة، وزحل في السنبلة خمسا ً وعشرين درجة، والمريخ في الجدي سبع درجات... بايعه طلحة والزبير والمهاجرون والأنصار، وكان أول من بايعه وصفق على يده طلحة بن عبيد االله، فقال رجل من بني أسد: أول يد بايعت يد شلاء، أو يد ناقصة، وقام الأشتر فقال: أبايعك يا أمير المؤمنين على أن علي بيعة أهل الكوفة، ثم قام طلحة والزبير فقالا: نبايعك يا أمير المؤمنين على أن علينا بيعة المهاجرين، ثم قام أبو الهيثم بن التيهان وعقبة بن عمرو وأبو أيوب، فقالوا: نبايعك على أن علينا بيعة الأنصار، وسائر قريش. وبايع الناس إلا ثلاثة نفر من قريش: مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، والوليد بن عقبة، وكان لسان القوم. فقال: يا هذا إنك قد وترتنا جميعا ً، أما أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر، وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر، وكان أبوه من نور قريش، وأما مروان فشتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمه إليه... على ذلك بنو عبد مناف، فتبايعنا على أن تضع عنا ما أصبنا وتعفي لنا عما في أيدينا، وتقتل قتله صاحبنا. فغضب علي وقال: أما ما ذكرت من وتري إياكم، فألحق وتركم، وأما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حق االله تعالى، وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان الله وللمسلمين فالعدل يسعكم، وأما قتلى قتلة عثمان، فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب االله وسنة نبيه، فمن ضاق عليه الحق، فالباطل عليه أضيق، وإن شئتم فألحقوا بملاحقكم. فقال مروان: بل نبايعك، ونقيم معك، فترى ونرى. وقام قوم من الأنصار فتكلموا، وكان أول من تكلم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وكان خطيب الأنصار، فقال: واالله، يا أمير المؤمنين، لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين، ولئن كانوا سبقوك أمس فقد لحقتهم اليوم، ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك، ولا يجهل مكانك، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون، وما احتجت إلى أحد مع علمك. ثم قام خزيمة بن ثابت الأنصاري، وهو ذو الشهادتين، فقال: يا أمير المؤمنين! ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك ،ولا كان المنقلب إلا إليك، ولئن صدقنا أنفسنا فيك، فلأنت أقدم الناس إيمانا ً، وأعلم الناس باالله، وأولى المؤمنين برسول االله، لك ما لهم، وليس لهم ما لك. وقام صعصعة بن صوحان فقال: واالله، يا أمير المؤمنين، لقد زينت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، ولهي إليك أحوج منك إليها. ثم قام مالك بن الحارث الأشتر فقال: أيها الناس، هذا وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، العظيم البلاء، الحسن الغناء، الذي شهد له كتاب االله بالإيمان، ورسوله بجنة الرضوان. من كملت فيه الفضائل، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر، ولا الأوائل. ثم قام عقبة بن عمرو فقال: من له يوم كيوم العقبة وبيعة كبيعة الرضوان، والإمام الهدى الذي لا يخاف جوره، والعالم الذي لا يخاف جهله. وعزل على عمال عثمان عن البلدان خلا أبي موسى الأشعري، كلمه فيه الأشتر، فأقره، وولي قثم بن العباس مكة، وعبيد االله بن العباس اليمن، وقيس بن سعد بن عبادة مصر، وعثمان بن حنيف الأنصاري البصرة. وأتاه طلحة والزبير فقالا: إنه قد نالتنا بعد رسول االله جفوة، فأشركنا في أمرك! فقال: أنتما شريكاي في القوة والاستقامة، وعوناي على العجز والأود. وروى بعضهم أنه ولي طلحة اليمن، والزبير اليمامة والبحرين، فلما دفع إليهما عهديهما قالا له: وصلتك رحم! قال: وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين. واسترد العهد منهما، فعتبا من ذلك، وقالا: آثرت علينا! فقال: لو لا ما ظهر من حرصكما لقد كان لي فيكما رأي. وروى بعضهم أن المغيرة بن شعبة قال له: يا أمير المؤمنين! أنفذ طلحة إلى اليمن، والزبير إلى البحرين ، واكتب بعهد معاوية على الشام، فإذا استقامت الأمور، فشأنك وما تريده فيهم! فأجابه في ذلك بجواب ،فقال المغيرة: واالله ما نصحت له قبلها، ولا أنصح له بعدها. وكانت عائشة بمكة، خرجت قبل أن يقتل عثمان، فلما قضت حجها انصرفت راجعة، فلما صارت في بعض الطريق لقيها ابن أم كلاب، فقالت له: ما فعل عثمان؟ قال: قتل! قالت: بعدا وسحقا! قالت: فمن بايع الناس؟ قال: طلحة. قالت: أيها ذو الإصبع. ثم لقيها آخر، فقالت: ما فعل الناس؟ قال: بايعوا عليا ً. قالت: واالله ما كنت أبالي أن تقع هذه على هذه. ثم رجعت إلى مكة، وأقام علي أياما ً، ثم أتاه طلحة والزبير فقالا: إنا نريد العمرة، فأذن لنا في الخروج. وروى بعضهم أن عليا ً قال لهما، أو لبعض أصحابه: واالله ما أرادا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة. فلحقا عائشة بمكة فحرضاها على الخروج، فأتت أم سلمة بنت أبي أمية، زوج رسول االله، فقالت: إن ابن عمي وزوج أختي أعلماني أن عثمان قتل مظلوما ً، وأن أكثر الناس لم يرض ببيعة علي، وأن جماعة ممن بالبصرة قد خالفوا، فلو خرجت بنا لعل االله أن يصلح أمر أمه محمد على أيدينا؟ فقالت لها أم سلمة: إن عماد الدين لا يقام بالنساء، حماديات النساء غض الأبصار، وخفض الأطراف، وجر الذيول. إن االله وضع عني وعنك هذا، ما أنت قائلة لو أن رسول االله عارضك بأطراف الفلوات قد هتكت حجابا قد ضربه عليك؟ فنادى مناديها: إلا إن أم المؤمنين مقيمة، فأقيموا. وأتاها طلحة والزبير وأزالاها عن رأيها، وحملاها على الخروج، فسارت إلى البصرة مخالفة على علي ، ومعها طلحة والزبير في خلق عظيم، وقدم يعلى بن منية بمال من مال اليمن قيل: إن مبلغه أربعمائة ألف دينار، فأخذه منه طلحة والزبير، فاستعانا به، وسارا نحو البصرة. ومر القوم في الليل بماء يقال له: مر الحوأب، فنبحتهم كلابه، فقالت عائشة: ما هذا الماء؟ قال بعضهم: ماء الحوأب. قالت: إنا الله وإنا إليه راجعون! ردوني ردوني! هذا الماء الذي قال لي رسول االله: لا تكوني التي تنبجك كلاب الحوأب. فأتاها القوم بأربعين رجلا ً، فأقسموا باالله أنه ليس بماء الحوأب. وقدم القوم البصرة، وعامل علي عثمان بن حنيف، فمنعها ومن معها من الدخول، فقالا: لم نأت لحرب ،وإنما جئنا لصلح، فكتبوا بينهم وبينه كتابا ام لا يحدثون حدثا ً إلى قدوم علي، وأن كل فريق منهم آمن من صاحبه، ثم افترقوا، فوضع عثمان بن حنيف السلاح، فنتفوا لحيته وشاربه وأشفار عينيه وحاجبيه ،وانتهبوا بيت المال، وأخذوا ما فيه، فلما حضر وقت الصلاة تنازع طلحة والزبير، وجذب كل واحد منهما صاحبه، حتى فات وقت الصلاة، وصاح الناس: الصلاة الصلاة يا أصحاب محمد! فقالت عائشة: يصلي محمد بن طلحة يوما ً وعبد االله بن الزبير يوما ً، فاصطلحوا على ذلك. فلما أتى عليا ً الخبر سار إلى البصرة، واستخلف على المدينة أبا حسن بن عبد عمرو، أحد بني النجار، وخرج من المدينة، ومعه أربعمائة راكب من أصحاب رسول االله، فلما صاروا إلى أرض أسد وطئ تبعه منهم ستمائة، ثم صار إلى ذي قار، ووجه الحسن وعمار بن ياسر، فاستنفر أهل الكوفة، وعامله يومئذ على الكوفة أبو موسى الأشعري، فخذل الناس عنه ،فوافاه منهم ستة آلاف رجل، ولقيه عثمان بن حنيف فقال: يا أمير المؤمنين، وجهتني ذا لحية فأتيتك أمرد! وقص عليه القصة. ثم قدم أمير المؤمنين البصرة، وكانت وقعة الجمل بموضع يقال له الخريبة في جمادى الأولى سنة ست وثلاثون. وخرج طلحة والزبير فيمن معهما، فوقفوا على مصافهم، فأرسل إليهم علي: ما تطلبون وما تريدون؟ قالوا: نطلب بدم عثمان! قال علي: لعن االله قتلة عثمان! واصطف أصحاب علي، فقال لهم: لا ترموا بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف... أعذروا. فرمى رجل من عسكر القوم بسهم، فقتل رجلا ً من أصحاب أمير المؤمنين، فأتى به إليه، فقال: اللهم اشهد، ثم رمى آخر، فقتل رجلا ً من أصحاب علي، فقال: اللهم اشهد، ثم رمى رجل آخر، فأصاب عبد االله بن بديل ابن ورقاء الخزاعي فقتله، فأتى به أخوه عبد الرحمن يحمله، فقال علي: اللهم اشهد، ثم كانت الحرب، وأطافت بنو ضبة بالجمل، وكانت تحمل الراية، فقتل منهم ألفان، وحفت به الأزد، فقتل منهم ألفان وسبعمائة. وكان لا يأخذ خطام الجمل أحد إلا سالت نفسه، فقتل طلحة بن عبيد االله في المعركة ،رماه مروان بن الحكم بسهم فصرعه، وقال: لا أطلب واالله بعد اليوم بثأر عثمان، وأنا قتلته، فقال طلحة لما سقط: تاالله ما رأيت كاليوم، قط، شيخا من قريش أضيع مني! إني واالله ما وقفت موقفا قط إلا عرفت موضع قدمي فيه، إلا هذا الموقف. وقال علي بن أبي طالب للزبير: يا أبا عبد االله، ادن إلي أذكرك كلاما ً سمعته أنا وأنت من رسول االله! فقال الزبير لعلي: لي الأمان؟ قال علي: عليك الأمان، فبرز إليه فذكره الكلام، فقال: اللهم إني ما ذكرت هذا إلا هذه الساعة، وثنى عنان فرسه لينصرف، فقال له عبد االله: إلى أين؟ قال: ذكرني علي كلاما ً قاله رسول االله. قال: كلا، ولكنك رأيت سيوف بني هاشم حدادا ً تحملها شداد. قال: ويلك! ومثلي يعير بالجبن؟ هلم إلى الرمح. وأخذ الرمح وحمل على أصحاب علي، فقال علي: افرجوا للشيخ، إنه محرج، فشق الميمنة والميسرة والقلب ثم رجع فقال لابنه: لا أم لك! أيفعل هذا جبان؟ وانصرف، فاجتاز بالأحنف بن قيس، فقال: ما رأيت مثل هذا، أتى بحرمة رسول االله صلى االله عليه وسلم يسوقها، فهتك عنها حجاب رسول االله، وستر حرمته في بيته، ثم أسلمها وانصرف. ألا رجل يأخذ الله منه! فاتبعه عمرو بن جرموز التميمي، فقتله بموضع يقال له وادي السباع، وكانت الحرب أربع ساعات من النهار، فروى بعضهم أنه قتل في ذلك اليوم نيف وثلاثون ألفا ً. ثم نادى منادي علي: ألا لا يجهز على جريح، ولا يتبع مول، ولا يطعن في وجه مدبر، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. ثم آمن الأسود والأحمر، ووجه ابن عباس إلى عائشة يأمرها بالرجوع ،فلما دخل عليها ابن عباس قالت: أخطأت السنة يا ابن عباس مرتين، دخلت بيتي بغير أذني، وجلست على متاعي بغير أمري. قال: نحن علمنا إياك السنة، إن هذا ليس ببيتك، بيتك الذي خلفك رسول االله صلى االله عليه وسلم به، وأمرك القرآن أن تقري فيه. وجرى بينهما كلام موضعه في غير هذا من الكتاب. وأتاها علي، وهي في دار عبد االله بن خلف الخزاعي وابنه المعروف بطلحة الطلحات، فقال: أيها يا حميراء! ألم تنتهي عن هذا المسير؟ فقالت: يا ابن أبي طالب! قدرت فاسجح! فقال: اخرجي إلى المدينة ،وارجعي إلى بيتك الذي أمرك رسول االله صلى االله عليه وسلم أن تقري فيه. قالت: أفعل. فوجه معها سبعين امرأة من عبد القيس في ثياب الرجال، حتى وافوا ا المدينة، وأعطى الناس بالسوية لم يفضل أحدا ً على أحد، وأعطى الموالي كما أعطى الضلبية، وقيل له في ذلك، فقال: قرأت ما بين الدفتين، فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضل هذا، وأخذ عودا من الأرض، فوضعه بين إصبعيه. ولما فرغ من حرب أصحاب الجمل، وجه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي إلى خراسان، وقدم عليه ماهويه مرزبان مرو، فكتب له كتابا ً، وأنفذ له شروطه، وأمره أن يحمل من الخراج ما كان وظفه عليه، فحمل إليه مالا على الوظيفة المتقدمة. وخرج علي من البصرة متوجها ً إلى الكوفة، وقدم الكوفة في رجب سنة ست وثلاثون، وكان جرير بن عبد االله على همذان، فعزله، فقال لعلي: وجهني إلى معاوية، فإن جل من معه قومي، فلعلي أجمعهم على طاعتك! فقال له الأشتر: يا أمير المؤمنين! لا تبعثه، فإن هواه هواهم. فقال: دعه يتوجه، فإن نصح كان ممن أدى أمانته، وإن داهن كان عليه وزر من اؤتمن ولم يؤد الأمانة، ووثق به فخالف الثقة. ويا ويحهم مع من يميلون ويدعونني، فو االله ما أردم إلا على إقامة حق، ولا يريدهم غيري إلا على باطل. فقدم جرير على معاوية، وهو جالس، والناس حوله، فدفع إليه كتاب علي، فقرأه، ثم قام جرير فقال: يا أهل الشام! إنه من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، وقد كانت بالبصرة ملحمة لن يشفع البلاء بمثلها، فلا بقاء للإسلام، فاتقوا االله يا أهل الشام، ورووا في علي ومعاوية خيرا ً، فانظروا لأنفسكم، ولا يكونن أحد أنظر لها منكم. ثم سكت، وصمت معاوية، فلم ينطق، فقال: أبلعني ريقي يا جرير. وبعث معاوية من ليلته إلى عمرو بن العاص أن يأتيه وكتب إليه: أما بعد، فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير وعائشة ما قد بلغك، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة، وقدم على جرير بن عبد االله في بيعة علي، وحبست نفسي عليك حتى تأتيني، فاقدم على بركة االله تعالى. فلما انتهى الكتاب إليه دعا ابنيه عبد االله ومحمدا ً، فاستشارهما، فقال له عبد االله: أيها الشيخ! إن رسول االله صلى االله عليه وسلم قبض وهو عنك راض، ومات أبو بكر وعمر وهما عنك راضيان، فإنك إن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها مع معاوية فتضجعان غدا في النار، ثم قال لمحمد: ما ترى؟ قال: بادر هذا الأمر، فكن فيه رأسا ً قبل أن تكون ذنبا ً، فأنشأ يقول: وخوف التي تجلو وجوه العواتق تطاول ليلي للهموم الطوارق، وتلك التي فيها بنات البوائق فإن ابن هند سألني أن أزوره، أمرت عليه العيش مع كل دانق أتاه جرير من علي بخطة فإن لم ينله ذل ذل المطابق فإن نال منه ما يؤمل رده، أكون، ومهما قادني، فهو سائقي فو االله ما أدري، وإني لهكذا أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق أأخدعه، فالخدع فيه دنية، لشيخ يخاف الموت في كل شارق أم أجلس في بيتي، وفي ذاك راحة به النفس، إن لم يعتقلني عوائقي وقد قال عبد االله قولا ً تعلقت وإني لصلب العود عند الحقائق وخالفه فيه أخوه محمد، فلما سمع عبد االله شعره قال: بال الشيخ على عقبيه، وباع دينه بدنياه، فلما أصبح دعا وردان مولاه فقال له: ارحل يا وردان، ثم قال حط يا وردان، فحط ورحل ثلاث مرات، فقال وردان: لقد خلطت أبا عبد االله، فإن شئت أخبرتك بما في نفسك. قال: هات! قال: اعترضت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: علي معه آخرة بلا دنيا، ومعاوية معه دنيا بلا آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، فلست تدري أيهما تختار. قال: الله درك ما أخطأت مما في نفسي شيئا ً، فما الرأي يا وردان؟ قال: الرأي أن تقيم في مترلك ،فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغن عنك. قال عمرو: الآن، وقد شهرتنى العرب بمسيري إلى معاوية، ارحل يا وردان! ثم أنشأ يقول: يا قاتل االله وردان وفطنته، أبدى لعمرك ما في الصدر وردان فقدم على معاوية، فذاكره أمره، فقال له: أما علي، فو االله لا تساوي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش إلا أن تظلمه. قال: صدقت، ولكنا نقاتله على ما في أيدينا، ونلزمه قتل عثمان. قال عمرو: واسوءتاه! إن أحق الناس ألا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت. قال: ولم ويحك؟ قال: أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي، فسار إليه، وأما أنا فتركته عيانا ً، وهربت إلى فلسطين. فقال معاوية: دعني من هذا! مد يدك فبايعني! قال: لا، لعمر االله ،لا أعطيك ديني حتى آخذ من دنياك. قال له معاوية: لك مصر طعمة، فغضب مروان بن الحكم وقال: ما لي لا استشار؟ فقال معاوية: اسكت، فإنما يستشار بك. فقال له معاوية: يا أبا عبد االله! بت عندنا الليلة ،وكره أن يفسد عليه الناس، فبات عمرو، وهو يقول: معاوي لا أعطيك ديني، ولم أنل به منك دنيا، فانظرن كيف تصنع أخذت بها شيخا ً يضر وينفع فإن تعطني مصرا ً فاربح بصفقة لأخذ ما أعطي، ورأسي مقنع وما الدين والدنيا سواء، وإنني لأخدع نفسي، والمخادع يخدع ولكنني أعطيك هذا، وإنني وأبقى له، إن زلت النعل أخدع أأعطيك أمرا ً فيه للملك قوة، وإن ثري القنوع يوما ً لمولع وتمنعني مصرا ً، وليست برغبة فكتب له بمصر شرطا ً، وأشهد له شهودا ً ،وختم الشرط، وبايعه عمرو، وتعاهدا على الوفاء. واحتال معاوية لقيس بن سعد بن عبادة عامل علي على مصر، فجعل يكاتبه رجاء أن يستميله، وكتب إليه قيس بن سعد: من قيس بن سعد إلى معاوية بن صخر: أما بعد، فإنما أنت وثن من أوثان مكة دخلت في الإسلام كارها، وخرجت منه طائعا. وكتب معاوية إلى سعد بن أبي وقاص: إن أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش، الذين أثبتوا حقه، واختاروه على غيره، وقد نصرة طلحة والزبير، وهما شريكاك في الأمر ونظيراك في الإسلام، وخفت لذلك أم المؤمنين، ولا تكرهن ما رضوا، ولا تردن ما قبلوا! فكتب إليه سعد: أما بعد، فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة، فلم يكن أحد منا أحق ا من صاحبه إلا باجتماعنا عليه، غير أن عليا ً قد كان فيه ما فينا، ولم يكن فينا ما فيه، وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوما كان خيرا ً لهما، واالله يغفر لأم المؤمنين. وبلغ عليا ً أن معاوية قد استعد للقتال، واجتمع معه أهل الشام، فسار علي في المهاجرين والأنصار، حتى أتى المدائن، فلقيه الدهاقين بالهدايا، فردها، فقالوا: ولم ترد علينا، يا أمير المؤمنين؟ قال: نحن أغنى منكم بحق أحق بأن نفيض عليكم، ثم صار إلى الجزيرة، فلقيه بطون تغلب والنمر بن قاسط، فسار معه منهم خلق عظيم، ثم سار إلى الرقة، وجل أهلها العثمانية الذين هربوا من الكوفة إلى معاوية، فغلقوا أبواا ،وتحصنوا، وكان أميرهم سماك ابن مخرمة الأسدي، فغلقوا دونه الباب، فصار إليهم الأشتر مالك بن الحارث النخعي، فقال: واالله لتفتحن، أو لأضعن فيكم السيف! ففتحوا، وأقام ا أمير المؤمنين يومه. ثم عبر إلى الجانب الشرقي من الفرات، حتى صار إلى صفين، وقد سبق معاوية إلى الماء ووسعه المناخ، فلما وافى علي وأصحابه لم يصلوا إلى الماء، فتوسل الناس إلى معاوية، وقالوا: لا تقتل الناس عطشا، فيهم العبد والأمة والأجير. فأبى معاوية، وقال: لا سقاني االله، ولا أبا سفيان من حوض رسول االله صلى االله عليه وسلم إن شربوا منه أبدا ً. فوجه علي الأشتر والأشعث في الخيل، والأشعث ابن قيس في الرجالة، وكانت خيل معاوية مع أبي الأعور السلمي، فقاتله أصحاب علي حتى صارت سنابك الخيل في الفرات، وغلبوا على المشرعة، وكان الواقف عليها عبد االله بن الحارث أخو الأشتر، فلما غلب علي على المشرعة قال أصحاب معاوية: إنه لا قوام لنا وقد أخذ علي الماء! فقال عمرو بن العاص لمعاوية: إن عليا ً لا يستحل منك ومن أصحابك ما استحللت منه ومن أصحابه، فأطلق علي الماء. وكان ذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثون. ثم وجه علي إلى معاوية يدعوه ويسأله الرجوع، وألا يفرق الأمة بسفك الدماء، فأبى إلا الحرب، فكانت الحرب في صفين سنة سبع وثلاثون، وأقامت بينهم أربعين صباحا ً. وكان مع علي يوم صفين من أهل بدر سبعون رجلا ً، وممن بايع تحت الشجرة سبعمائة رجل، ومن سائر المهاجرين والأنصار أربعمائة رجل، ولم يكن مع معاوية من الأنصار إلا النعمان بن بشير، ومسلمة بن مخلد، وصدقت نيات أصحاب علي في القتال، وقام عمار بن ياسر، فصاح في الناس، فاجتمع إليه خلق عظيم، فقال: واالله إم لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق، وام على الباطل. ثم قال: ألا هل من رائح إلى الجنة؟ فتبعه خلق، فضرب حول سرادق معاوية، فقاتل القوم قتالا ً وقتل عمار بن ياسر، واشتدت الحرب في تلك العشية، ونادى الناس: قتل صاحب رسول االله، وقد قال رسول االله: تقتل عمارا ً الفئة الباغية. وزحف أصحاب علي وظهروا على أصحاب معاوية ظهورا ً شديدا ً، حتى لصقوا به، فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فقال له عمرو بن العاص: إلى أين؟ قال: قد نزل ما ترى، فما عندك؟ قال: لم يبق إلا حيلة واحدة، أن ترفع المصاحف، فتدعوهم إلى ما فيها، فتستكفهم وتكسر من حدهم، وتفت في أعضادهم. قال معاوية: فشأنك! فرفعوا المصاحف، ودعوهم إلى التحكم بما فيها، وقالوا: ندعوكم إلى كتاب االله. فقال علي: أا مكيدة، وليسوا بأصحاب قرآن فاعترض الأشعث بن قيس الكندي، وقد كان معاوية استماله، وكتب إليه ودعاه إلى نفسه، فقال: قد دعا القوم إلى الحق! فقال علي: إم إنما كادوكم ،وأرادوا صرفكم عنهم. فقال الأشعث: واالله لئن لم تجبهم انصرفت عنك. ومالت اليمانية مع الأشعث ،فقال الأشعث: واالله لتجيبنهم إلى ما دعوا إليه، أو لندفعنك إليهم برمتك، فتنازع الأشتر والأشعث في هذا كلاما عظيما، حتى كاد أن يكون الحرب بينهم، وحتى خاف علي أن يفترق عنه أصحابه. فلما رأى ما هو فيه أجام إلى الحكومة، وقال علي: أرى أن أوجه بعبد االله بن عباس. فقال الأشعث: إن معاوية يوجه بعمرو بن العاص، ولا يحكم فينا مضريان، ولكن توجه أبا موسى الأشعري، فإنه لم يدخل في شيء من الحرب. وقال علي: إن أبا موسى عدو، وقد خذل الناس عني بالكوفة، واهم أن يخرجوا معي قالوا: لا نرضى بغيره. فوجه علي أبا موسى على علمه بعداوته له ومداهنته فيما بينه وبينه، ووجه معاوية عمرو بن العاص، وكتبوا كتابين بالقضية: كتابا من علي بخط كاتبه عبد االله بن أبي رافع، وكتابا من معاوية بخط كاتبه عمير بن عباد الكناني، واختصموا في تقديم علي أو تسمية علي بامره المؤمنين، فقال أبو الأعور السلمي: لا نقدم عليا ً، وقال أصحاب علي: ولا نغير اسمه ولا نكتب إلا بامره المؤمنين، فتنازعوا على ذلك منازعة شديدة حتى تضاربوا بالأيدي، فقال الأشعث: امحوا هذا الاسم! فقال له الأشتر: واالله يا أعور لهممت أن أملأ سيفي منك، فلقد قتلت قوما ما هم شر منك، وإني أعلم أنك ما تحاول إلا الفتنة ،وما تدور إلا على الدنيا وإيثارها على الآخرة. فلما اختلفوا قال علي: االله أكبر! قد كتب رسول االله صلى االله عليه وسلم يوم الحديبية لسهيل بن عمرو: هذا ما صالح رسول االله، فقال سهيل: لو علمنا أنك رسول االله صلى االله عليه وسلم ما قاتلناك. فمحا رسول االله صلى االله عليه وسلم اسمه بيده، وأمرني فكتبت: من محمد بن عبد االله، وقال: إن اسمي واسم أبي لا يذهبان بنبوتي، وكذلك كتبت الأنبياء، كما كتب رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى الآباء، وإن اسمي واسم أبي لا يذهبان بإمرتي، وأمرهم فكتبوا: من علي بن أبي طالب، وكتب كتاب القضية على الفريقين يرضون بذلك بما أوجبه كتاب االله، واشترط على الحكمين في الكتابين أن يحكما بما في كتاب االله من فاتحته إلى خاتمته لا يتجاوزان ذلك، ولا يحيدان عنه إلى هوى، ولا ادهان، وأخذ عليهما أغلظ العهود والمواثيق، فإن هما جاوزا بالحكم كتاب االله من فاتحته إلى خاتمته، فلا حكم لهما. ووجه علي بعبد االله بن عباس في أربعمائة من أصحابه ونفذ معاوية أربعمائة من أصحابه، واجتمعوا بدومة الجندل في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثون. فخدع عمرو بن العاص أبا موسى، وذكر له معاوية فقال: هو ولي ثار عثمان وله شرفة في قريش، فلم يجد عنده ما يحب، قال: فابني عبد االله؟ قال: ليس بموضع لذلك. قال: فعبد االله بن عمر؟ قال: إذا يحيى سنة عمر، الآن حيث به. فقال: فاخلع عليا ً وأخلع أنا معاوية، ويختار المسلمون. وقدم عمرو أبا موسى إلى المنبر فلما رآه عبد االله بن عباس قام إلى عبد االله ابن قيس، فدنا منه، فقال: إن كان عمرو فارقك على شيء، فقدمه قبلك، فإنه غدر. فقال: لا، قد اتفقنا على أمر، فصعد المنبر، فخلع عليا ً، ثم صعد عمرو بن العاص فقال: قد ثبت معاوية كما ثبت خاتمي هذا في يدي. فصاح به أبو موسى: غدرت يا منافق، إنما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث. قال عمرو: إنك مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا ً. وتنادى الناس: حكم واالله الحكمان بغير ما في الكتاب، والشرط عليهما غير هذا. وتضارب القوم بالسياط، وأخذ قوم بشعور بعض، وافترق الناس ونادت الخوارج: كفر الحكمان، لا حكم إلا الله. وقيل: أول من نادى بذلك عروة بن أدية التميمي قبل أن يجتمع الحكمان، وكانت الحكومة في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثون. قال ابن الكلبي: أخبرني عبد الرحمن بن حصين بن سويد... قال: إني لأساير أبا موسى الأشعري على شاطئ الفرات، وهو إذ ذاك عامل لعمر، فجعل يحدثني، فقال: إن بني إسرائيل لم تزل الفتن ترفعهم وتخفضهم أرضا بعد أرض، حتى حكموا ضالين أضلا من اتبعهما. قلت: فإن كنت يا أبا موسى أحد الحكمين، قال فقال لي: إذا لا ترك االله لي في السماء مصعدا ً، ولا في الأرض مهربا إن كنت أنا هو. فقال سويد: لربما كان البلاء موكلا ً بالمنطق. ولقيته بعد التحكيم، فقلت: إن االله إذا قضى أمرا ً لم يغالب. وانصرف علي إلى الكوفة، فلما قدمها قام خطيبا، فحمد االله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! إن أول وقوع الفتن هوى يتبع، وأحكام تبتدع، يعظم فيها رجال رجالا ً، يخالف فيها حكم االله، ولو أن الحق أخلص فعمل به لم يخف على ذي حجى ولكن يؤخذ ضغث من ذا وضغث من ذا، فيخلط فيعمل به ،فعند ذلك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم منا الحسنى. وصارت الخوارج إلى قرية يقال لها حروراء بينها وبين الكوفة نصف فرسخ، وا سموا الحرورية ، ورئيسهم عبد االله بن وهب الراسبي، وابن الكوا، وشبث بن ربعي، فجعلوا يقولون: لا حكم إلا الله، فإذا بلغ عليا ً ذلك قال: كلمة حق أريد ا باطل. ثم خرجوا في ثمانية آلاف، وقيل: في اثني عشر ألفا ً، فوجه إليهم علي عبد االله بن عباس، فكلمهم، واحتجوا عليه، فخرج إليهم علي فقال: أتشهدون علي بجهل؟ قالوا: لا! قال: فتنفذون أحكامي؟ قالوا: نعم! قال: فارجعوا إلى كوفتكم حتى نتناظر، فرجعوا من عند آخرهم، ثم جعلوا يقومون فيقولون: لا حكم إلا الله، فيقول علي: حكم االله أنتظر فيكم. وخرجوا من الكوفة، فوثبوا على عبد االله ابن خباب بن الأرت، فقتلوه وأصحابه، فخرج إليهم علي، فناشدهم االله ،ووجه إليهم عبد االله بن عباس، فقال: يا ابن عباس قل لهؤلاء الخوارج ما نقمتم على أمير المؤمنين؟ أ لم يحكم فيكم بالحق، ويقيم فيكم العدل، ولم يبخسكم شيئا ً من حقوقكم؟ فناداهم عبد االله بن عباس بذلك، فقالت طائفة منهم: واالله لا نجيبه. وقالت الأخرى: واالله لنجيبنه ثم لنخصمنه، نعم، يا ابن عباس ،نقمنا على علي خصالا كلها موبقة لو لم نخصمه منها إلا بخصلة خصمناه، محا اسمه من أمره أمير المؤمنين يوم كتب إلى معاوية، ورجعنا عنه يوم صفين، فلم يضربنا بسيفه حتى نفيء إلى االله، وحكم الحكمين ،وزعم أنه وصى، فضيع الوصية، وجئتنا يا ابن عباس في حلة حسنة جميلة تدعونا إلى مثل ما يدعونا إليه؟ فقال ابن عباس: قد سمعت، يا أمير المؤمنين، مقالة القوم، وأنت أحق بالجواب. فقال: حججتهم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، قل لهم: أ لستم راضين بما في كتاب االله، وبما فيه من أسوة رسول االله؟ قالوا: بلى! قال: فعلي بذلك أرضي. كتب كاتب رسول االله يوم الحديبية، إذ كتب إلى سهيل ابن عمرو وصخر بن حرب ومن قبلهما من المشركين: من محمد رسول االله، فكتبوا إليه: لو علمنا أنك رسول االله صلى االله عليه وسلم ما قاتلناك، فاكتب إلينا: من محمد بن عبد االله لنجيبك، فمحا رسول االله صلى االله عليه وسلم اسمه بيده، وقال: إن اسمي واسم أبي لا يذهبان بنبوتي وأمري، فكتب: من محمد بن عبد االله، وكذلك كتب الأنبياء كما كتب رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى الآباء، ففي رسول االله أسوة حسنة. وأما قولكم إني لم أضربكم بسيفي يوم صفين حتى تفيئوا إلى أمر االله، فإن االله جل وعز يقول: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وكنتم عددا ً جما ً، وأنا وأهل بيتي في عدة يسيرة. وأما قولكم إني حكمت الحكمين، فإن االله عز وجل حكم في أرنب يباع بربع درهم، فقال: يحكم به ذوا عدل منكم، ولو حكم الحكمان بما في كتاب االله لما وسعني الخروج من حكمهما. وأما قولكم إني كنت وصيا فضيعت الوصية، فإن االله عز وجل يقول: والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن االله غني عن العالمين أفرأيتم هذا البيت، لو لم يحجج إليه أحد كان البيت يكفر، إن هذا البيت لو تركه من استطاع إليه سبيلا ً كفر، وأنتم كفرتم بترككم إياي لا أنا كفرت بتركي لكم. فرجع يومئذ من الخوارج ألفان، وأقام أربعة آلاف، والتحمت الحرب بينهم مع زوال الشمس، فأقامت مقدار ساعتين من النهار، فقتلوا من عند آخرهم، وقتل ذو الثدية، ولم يفلت من القوم إلا أقل من عشرة ،ولم يقتل من أصحاب علي إلا أقل من عشرة، وكانت وقعة النهروان سنة تسع وثلاثون. ولما قدم علي الكوفة قام خطيبا فقال: بعد حمد االله والثناء عليه والتذكير لنعمه والصلاة على محمد وذكره بما فضله االله به، أما بعد أيها الناس! فأنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، ولو لم أكن فيكم ما قوتل الناكثون، ولا القاسطون، ولا المارقون، ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فإني عن قليل مقتول، فما يحبس أشقاها أن يخضبها بدم أعلاها، فو الذي فلق البحر وبرأ النسمة لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فتنة تضل مائة أو دي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها إلى يوم القيامة. إن القرآن لا يعلم علمه إلا من ذاق طعمه، وعلم بالعلم جهله، وأبصر عمله، واستمع صممه وأدرك به مأواه، وحي به إن مات، فأدرك به الرضا من االله، فاطلبوا ذلك عند أهله، فإم في بيت الحياة ،ومستقر القرآن، ومترل الملائكة، وأهل العلم الذين يخبركم عملهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم هم الذين لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه، قد مضى فيهم من االله حكم صادق، وفي ذلك ذكرى للذاكرين. وأما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ً وسيفا ً قاتلا ً وأثرة قبيحة يتخذها الظالمون عليكم سنة تفرق جموعكم، وتبكي عيونكم، وتدخل الفقر بيوتكم، وستذكرون ما أقول لكم عن قليل، ولا يبعد االله إلا من ظلم. ووجه معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص على مصر على شرط له، فقدمها سنة ثمان وثلاثون، ومعه جيش عظيم من أهل الشام، فكان على دمشق يزيد بن أسد البجلي، وعلى أهل فلسطين شمير الخثعمي ،وعلى أهل الأردن أبو الأعور السلمي، ومعاوية بن حديج الكندي على الخارجة، فلقيهم محمد بن أبي بكر بموضع يقال له المسناة، فحارم محاربة شديدة، وكان عمرو يقول: ما رأيت مثل يوم المسناة، وقد كان محمد استذم إلى اليمانية، فمايل عمرو بن العاص اليمانية، فخلفوا محمد بن أبي بكر وحده، فجالد ساعة، ثم مضى فدخل مترل قوم خرابة، واتبعه ابن حديج الكندي، فأخذه وقتله، وأدخله جيفة حمار ،وحرقه بالنار في زقاق يعرف بزقاق الحوف. وبلغ عليا ً ضعف محمد بن أبي بكر وممالاة اليمانية معاوية وعمرو بن العاص فقال: ما أوتي محمد من حرض، ووجه مالك بن الحارث الأشتر إلى مصر قبل أن ينتهي إليه قتل محمد بن أبي بكر ،وكتب إلى أهل مصر: أني بعثت إليكم سيفا من سيوف االله لا نأبى الضربة، ولا كليل الحد، فإن استنفركم فانفروا، وإن أمركم بالمقام فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري، وقد آثرتكم به على نفسي. فلما بلغ معاوية أن عليا ً قد وجه الأشتر عظم عليه، وعلم أن أهل اليمن أسرع إلى الأشتر منهم إلى كل أحد، فدس له سما، فلما صار إلى القلزم من الفسطاط على مرحلتين نزل مترل رجل من أهل المدينة يقال له... فخدمه وقام بحوائجه، ثم أتاه بقعب فيه عسل قد صير فيه السم، فسقاه إياه، فمات الأشتر بالقلزم وا قبره، وكان قتله وقتل محمد بن أبي بكر في سنة ثمان وثلاثون. ولما بلغ عليا ً قتل محمد بن أبي بكر والأشتر جزع عليهما جزعا ً شديدا ً ،وتفجع، وقال علي: على مثلك فلتبك البواكي يا مالك، وأنى مثل مالك؟ وذكر محمد بن أبي بكر، وتفجع عليه، وقال: إنه كان لي ولدا ولولدي وولد أخي أخا، وخرج الخريت بن راشد الناجي في جماعة من أصحابه، فجردوا السيوف بالكوفة، فقتلوا جماعة، وطلبهم الناس، فخرج الخريت وأصحابه من الكوفة، فجعلوا لا يمرون ببلد إلا انتهبوا بيت ماله حتى صاروا إلى سيف عمان. وكان علي قد وجه الحلو بن عوف الأزدي عاملا على عمان فوثبت به بنو ناجية فقتلوه، وارتدوا عن الإسلام، فوجه علي معقل بن قيس الرياحي إلى البلد، فقتل الخريت بن راشد وأصحابه، وسبى بني ناجية ،فاشتراهم مصقلة ابن هبيرة الشيباني، وأنفذ بعض الثمن ثم هرب إلى معاوية، وأمر على دم داره، وأنفذ عتق بن ناجية، وكانوا يدعون ام من ولد سامة ابن لؤي. ووجه معاوية النعمان بن بشير، فأغار على مالك بن كعب الأرحبي، وكان عامل علي على مسلحة عين التمر، فندب علي فقال: يا أهل الكوفة انتدبوا إلى أخيكم مالك بن كعب، فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع ليس بكثير لعل االله أن يقطع من الظالمين طرفا. فأبطأوا، ولم يخرجوا، فصعد على المنبر فتكلم كلاما خفيا لا يسمع، فظن الناس أنه يدعو االله، ثم رفع صوته فقال: أما بعد يا أهل الكوفة أكلما أقبل منسر من مناسر أهل الشام أغلق كل امرئ بابه وانجحر في بيته انجحار الضب والضبع الذليل في وجاره؟ أف لكم! لقد لقيت منكم يوما ً أناجيكم ويوما أناديكم، فلا إخوان عند النجاء، ولا أحرار عند النداء. فلما دخل بيته قام عدي بن حاتم فقال: هذا واالله الخذلان القبيح! ثم دخل إليه فقال: يا أمير المؤمنين! معي ألف رجل من طيء لا يعصونني، وإن شئت أن أسير م سرت؟ فقال علي: جزاك االله خيرا ً، يا أبا طريف، ما كنت لأعرض قبيلة واحدة لحد أهل الشام، ولكن أخرج إلى النخيلة! فخرج واتبعه الناس فسار عدي على شاطئ الفرات، فأغار على أدنى الشام. وأغار الضحاك بن قيس على القطقطانة، فبلغ عليا ً إقباله، وأنه قد قتل ابن عميش، فقام علي خطيبا فقال: يا أهل الكوفة اخرجوا إلى جيش لكم قد أصيب منه طرف، وإلى الرجل الصالح ابن عميش، فامنعوا حريمكم، وقاتلوا عدوكم. فردوا ردا ً ضعيفا ً، فقال: يا أهل العراق! وددت أن لي بكم بكل ثمانية منكم رجلا ً من أهل الشام، وويل لهم قاتلوا مع تصبرهم على جور، ويحكم! اخرجوا معي، ثم فروا عني إن بدا لكم، فو االله إني لأرجو شهادة، وإا لتدور على رأسي مع ما لي من الروح العظيم في ترك مداراتكم كما تداري البكار الغمرة، أو الثياب المتهتكة، كلما حيصت من جانب تكت من جانب فقام إليه حجر بن عدي الكندي فقال: يا أمير المؤمنين ! لا قرب االله مني إلى الجنة من لا يحب قربك، عليك بعادة االله عندك، فإن الحق منصور، والشهادة أفضل الرياحين، اندب معي الناس المناصحين، وكن لي فئة بكفايتك ،واالله فئة الإنسان وأهله، إن الشيطان لا يفارق قلوب أكثر الناس حتى تفارق أرواحهم أبدام، فتهلل وأثنى على حجر جميلا ً، وقال: لا حرمك االله الشهادة، فإني أعلم أنك من رجالها. وجلس علي في المسجد فندب الناس، وانتدب أربعة آلاف، فسار م في طلب القوم، وأغذ المسير حتى لقيهم بتدمر من عمل حمص، فقاتلهم فهزمهم، حتى انتهوا إلى الضحاك، وحجز بينهم الليل، فأدلج الضحاك على وجهه منصرفا، وشن حجر بن عدي ومن معه الغارة في تلك البلاد يومين وليلتين، ثم أغار سفيان بن عوف على الأنبار، فقتل أشرس بن حسان البكري، فاتبعه علي سعيد بن قيس، فلما أحس به انصرف موليا ً، وتبعه سعيد إلى عانات، فلم يلحقه. وبعث معاوية عبد االله بن مسعدة بن حذيفة بن بدر الفزاري في جريدة خيل، وأمره أن يقصد المدينة ومكة، فسار في ألف وسبعمائة، فلما أتى عليا ً الخبر وجه المسيب بن نجبة الفزاري، فقال له: يا مسيب! إنك ممن أثق بصلاحه وبأسه ونصيحته، فتوجه إلى هؤلاء القوم وأثر فيهم، وإن كانوا قومك. فقال له المسيب: يا أمير المؤمنين! إن من سعادتي أن كنت من ثقاتك، فخرج في ألفي رجل من همدان وطيء وغيرهم، وأغذ السير، وقدم مقدمته، فلقوا عبد االله بن مسعدة، فقاتلوه، فلحقهم المسيب، فقاتلهم حتى أمكنه أخذ ابن مسعدة، فجعل يتحاماه، وازم ابن مسعدة، فتحصن بتيماء، وأحاط المسيب بالحصن، فحصر ابن مسعدة وأصحابه ثلاثا ،فناداه: يا مسيب! إنما نحن قومك، فليمسك الرحم. فخلى لابن مسعدة وأصحابه الطريق ونجا من الحصن. فلما جنهم الليل خرجوا من تحت ليلتهم حتى لحقوا بالشام، وصبح المسيب الحصن، فلم يجد أحدا ً، فقال عبد الرحمن بن شبيب: داهنت واالله يا مسيب في أمرهم، وغششت أمير المؤمنين، وقدم على علي فقال له علي: يا مسيب! كنت من نصاحي، ثم فعلت ما فعلت! فحبسه أياما ً، ثم أطلقه وولاه قبض الصدقة بالكوفة. ووجه معاوية بسر بن أبي أرطأة، وقيل ابن أرطأة العامري، من بني عامر ابن لؤي، في ثلاثة آلاف رجل ،فقال له: سر حتى تمر بالمدينة، فاطرد أهلها، وأخف من مررت به، وأب مال كل من أصبت له مالا ممن لم يكن دخل في طاعتنا، وأوهم أهل المدينة أنك تريد أنفسهم، وأنه لا براءة لهم عندك، ولا عذر، وسر حتى تدخل مكة، ولا تعرض فيها لأحد، وأرهب الناس فيما بين مكة والمدينة، واجعلهم شرادات، ثم امض حتى تأتي صنعاء، فإن لنا ا شيعة، وقد جاءني كتام، فخرج بسر، فجعل لا يمر بحي من أحياء العرب إلا فعل ما أمره معاوية، حتى قدم المدينة، وعليها أبو أيوب الأنصاري، فتنحى عن المدينة، ودخل بسر، فصعد المنبر ثم قال: يا أهل المدينة! مثل السوء لكم، قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا ً من كل مكان، فكفرت بأنعم االله، فأذاقها االله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، ألا وإن االله قد أوقع بكم هذا المثل وجعلكم أهله، شاهت الوجوه، ثم ما زال يشتمهم حتى نزل. قال: فانطلق جابر بن عبد االله الأنصاري إلى أم سلمة زوج النبي، فقال: إني قد خشيت أن أقتل، وهذه بيعة ضلال، قالت: إذا فبايع ،فإن التقية حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون الصلب ويحضرون الأعياد مع قومهم، وهدم بسر دورا بالمدينة، ثم مضى حتى أتى مكة، ثم مضى حتى أتى اليمن، وكان على اليمن عبيد االله بن عباس ،عامل علي، وبلغ عليا ً الخبر، فقام خطيبا فقال: أيها الناس! إن أول نقصكم ذهاب أولي النهى والرأي منكم الذين يحدثون فيصدقون، ويقولون فيفعلون، وإني قد دعوتكم عودا ً وبدا ً، وسرا ً وجهرا ً، وليلا ً وارا ً، فما يزيدكم دعائي إلا فرارا ً، ما ينفعكم الموعظة ولا الدعاء إلى الهدى والحكمة، أما واالله إني لعالم بما يصلحكم، ولكن في ذلك فسادي، أمهلوني قليلا ً، فو االله لقد جاءكم من يحزنكم ويعذبكم ويعذبه االله بكم، إن من ذل الإسلام وهلاك الدين إن ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيجيبون، وأدعوكم ،وأنتم لا تصلحون، فتراعون، هذا بسر قد صار إلى اليمن وقبلها إلى مكة والمدينة. فقام جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أمير المؤمنين! لا عد منا االله قربك، ولا أرانا فراقك، فنعم الأدب أدبك، ونعم الإمام واالله أنت أنا لهؤلاء القوم فسرحني إليهم! قال: تجهز، فإنك ما علمتك رجل في الشدة والرخاء، المبارك الميمون النقيبة، ثم قام وهب بن مسعود الخثعمي فقال: أنا انتدب يا أمير المؤمنين قال: انتدب، بارك االله عليك، فخرج جارية في ألفين ووهب ابن مسعود في ألفين، وأمرهما على أن يطلبا بسرا حيث كان حتى يلحقاه، فإذا اجتمعا فراس الناس جارية، فخرج جارية من البصرة ووهب من الكوفة ،حتى التقيا بأرض الحجاز، ونفذ بسر من الطائف، حتى قدم اليمن، وقد تنحى عبيد االله بن عباس عن اليمن، واستخلف ا عبد االله بن عبد المدان الحارثي، فأتاه بسر فقتله، وقتل ابنه مالك بن عبد االله، وقد كان عبيد االله خلف ابنيه عبد الرحمن وقثم عند جويرية ابنة قارظ الكنانية، وهي أمهما، وخلف معها رجلا ً من كنانة، فلما انتهى بسر إليها دعا ابني عبيد االله ليقتلهما، فقام الكناني فانتضى سيفه وقال: واالله لأقتلن دوما فألآقي عذرا ً لي عند االله والناس ،فضارب بسيفه حتى قتل، وخرجت نسوة من بني كنانة فقلن: يا بسر! هذا، الرجال يقتلون، فما بال الولدان، واالله ما كانت الجاهلية تقتلهم، واالله إن سلطانا ً لا يشتد إلا بقتل الصبيان ورفع الرحمة لسلطان سوء، فقال بسر: واالله لقد هممت أن أضع فيكن السيف ،وقدم الطفلين فذبحهما، فقالت أمهما ترثيهما: سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف ها من أحس بنيي اللذين هما مخ العظام فمخي اليوم مزدهف ها من أحس بنيي اللذين هما كالدرتين تشظى عنهما الصدف ها من أحس بنيي اللذين هما من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا نبئت بسرا ً وما صدقت ما زعموا مشحوذة وكذاك الأمر مقترف أنحى على ودجي ابني مرهفة على صبيين ضلا إذ غدا ً السلف من دل وإلهه خرى وثاكلة ثم جمع بسر أهل نجران فقال: يا إخوان النصارى! أما والذي لا إله غيره لئن بلغني عنكم أمر أكرهه لأكثرن قتلاكم ثم سار نحو جيشان، وهم شيعة لعلي، فقاتلهم، فهزمهم، وقتل فيهم قتلا ً ذريعا ً، ثم رجع إلى صنعاء. وسار جارية بن قدامة السعدي حتى أتى نجران وطلب بسرا ً، فهرب منه في الأرض، ولم يقم له، وقتل من أصحابه خلقا، واتبعهم بقتل وأسر حتى بلغ مكة، ومر بسر حتى دخل الحجاز لا يلوي على شيء، فأخذ جارية بن قدامة أهل مكة بالبيعة، فقالوا: قد هلك علي فلمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب علي بعده، فتثاقلوا، فقال: واالله لتبايعن ولو بأستاهكم، فبايعوا ودخل المدينة، وقد اصطلحوا على أبي هريرة فصلى م ففر منه أبو هريرة، فقال جارية: يا أهل المدينة بايعوا للحسن بن علي! فبايعوا ،ثم خرج يريد الكوفة فرد أهل المدينة أبا هريرة. قال غياث عن فطر بن خليفة: حدثني أبو خالد الوالبي قال: قرأت عهد علي لجارية بن قدامة: أوصيك يا جارية بتقوى االله، فإا جموع الخير، وسر على عون االله، فالق عدوك الذي وجهتك له، ولا تقاتل إلا من قاتلك، ولا تجهز على جريح، ولا تسخرن دابة، وإن مشيت ومشى أصحابك، ولا تستأثر على أهل المياه بمياههم، ولا تشربن إلا فضلهم عن طيب نفوسهم، ولا تشتمن مسلما ولا مسلمة فتوجب على نفسك ما لعلك تؤدب غيرك عليه، ولا تظلمن معاهدا، ولا معاهدة، واذكر االله، ولا تفتر ليلا ً ولا ارا ً، واحملوا رجالتكم، وتواسوا في ذات أيديكم، وأجدد السير، وأجل العدو من حيث كان، واقتله مقبلا، واردده بغيظه صاغرا ً، وأسفك الدم في الحق، وأحقنه في الحق، ومن تاب فاقبل توبته، وإخبارك في كل حين بكل حال، والصدق الصدق، فلا رأي لكذوب قال وحدث أبو الكنود أن جارية مر في طلب بسر فما كان يلتفت إلى مدينة ولا يعرج على شيء حتى انتهى إلى اليمن ونجران، فقتل من قتل وهرب منه بسر ،وحرق تحريقا، فسمي محرقا ً. وكتب علي إلى عماله يستحثهم بالخروج، فكتب إلى الأشعث بن قيس، وكان عامله باذربيجان: أما بعد، فإنما غرك من نفسك وجراك على آخرك إملاء االله لك، إذ ما زلت قديما تأكل رزقه، وتلحد في آياته، وتستمتع بخلاقك، وتذهب بحسناتك إلى يومك هذا، فإذا أتاك رسولي بكتابي هذا، فأقبل، واحمل ما قبلك من مال المسلمين، إن شاء االله. فلما قرأ الأشعث كتابه أقبل إليه. وكتب إلى يزيد بن قيس الأرحبي: أما بعد، فإنك أبطأت بحمل خراجك، وما أدري ما الذي حملك على ذلك. غير أني أوصيك بتقوى االله وأحذرك أن تحبط أجرك وتبطل جهادك بخيانة المسلمين، فاتق االله ونزه نفسك عن الحرام، ولا تجعل لي عليك سبيلا ً، فلا أجد بدا ً من الإيقاع بك، واعزز المسلمين ولا تظلم المعاهدين، وابتغ فيما آتاك االله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، أحسن كما أحسن االله إليك ،ولا تبغ الفساد في الأرض إن االله لا يحب المفسدين. وكتب إلى سعد بن مسعود عم المختار بن أبي عبيد، وهو على المدائن: أما بعد، فإنك قد أديت خراجك ،وأطعت ربك، وأرضيت إمامك، فعل المبر التقي النجيب، فغفر االله ذنبك، وتقبل سعيك وحسن مآبك. وكتب إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي، وهو ابن أم سلمة زوج النبي، وكان عامله على البحرين: أما بعد، فإني قد وليت النعمان بن العجلان البحرين بلا ذم لك، فأقبل، غير ظنين، واخرج إليه من عمل ما وليت، فقد أردت الشخوص إلى ظلمة أهل الشام وبقية الأحزاب، فأحببت أن تشهد معي لقاءهم، فإنك ممن استظهر به على إقامة الدين ونصر الهدى، جعلنا االله وإياك من الذين يعملون بالحق وبه يعدلون. فأقبل عمر، فشهد معه، ثم انصرف وتبع عليا ً إلى الكوفة، فمكث معه سنة وبعض أخرى. فبلغه أن النعمان بن العجلان قد ذهب بمال البحرين، فكتب إليه علي: أما بعد، فإنه من استهان بالأمانة ورغب في الخيانة، ولم يتره نفسه ودينه، أخل بنفسه في الدنيا، وما يشفي عليه بعد أمر وأبقى وأشقى وأطول، فخف االله! إنك من عشيرة ذات صلاح، فكن عند صالح الظن بك، وراجع، إن كان حقا ً ما بلغني عنك، ولا تقلبن رأيي فيك، واستنظف خراجك، ثم اكتب إلي ليأتيك رأيي وأمري إن شاء االله. فلما جاءه كتاب علي، وعلم أنه قد علم حمل المال، لحق معاوية. وكتب إلى مصقلة بن هبيرة، وبلغه أنه يفرق ويهب أموال أردشير خره، وكان عليها: أما بعد، فقد بلغني عنك أمر أكبرت أن أصدقه إنك تقسم فيء المسلمين في قومك ومن اعتراك من السألة والأحزاب وأهل الكذب من الشعراء، كما تقسم الجوز ،فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لأفتش عن ذلك تفتيشا ً شافيا ً، فإن وجدته حقا ً لتجدن بنفسك علي هوانا ً، فلا تكونن من الخاسرين أعمالا ً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون ام يحسنون صنعا ً. فكتب مصقلة إليه: أما بعد، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين فليسأل إن كان حقا فليعجل عزلي بعد نكالي ،فكل مملوك لي حر، وعلى أيام ربيعة ومضر إن كنت رزأت من عملي دينارا ً، ولا درهما، ولا غيرهما، منذ وليته إلى أن ورد علي كتاب أمير المؤمنين، ولتعلمن أن العزل أهون علي من التهمة. فلما قرأ كتابه قال: ما أظن أبا الفضل إلا صادقا ً. ووجه رجلا ً من أصحابه إلى بعض عماله مستحثا ً، فاستخف به فكتب إليه: أما بعد، فإنك شتمت رسولي وزجرته، وبلغني أنك تبخر وتكثر من الأدهان وألوان الطعام، وتتكلم على المنبر بكلام الصديقين ،وتفعل، إذا نزلت، أفعال المحلين، فإن يكن ذلك كذلك فنفسك ضررت وأدبي تعرضت، ويحك أن تقول العظمة والكبرياء ردائي فمن نازعنيهما سخطت عليه، بل ما عليك أن تدهن رفيها، فقد أمر رسول االله بذلك، وما حملك أن تشهد الناس عليك بخلاف ما تقول، ثم على المنبر حيث يكثر عليك الشاهد ،ويعظم مقت االله لك، بل كيف ترجو، وأنت متهوع في النعيم جمعته من الأرملة واليتيم، أن يوجب االله لك أجر الصالحين، بل ما عليك، ثكلتك أمك، لو صمت الله أياما ً، وتصدقت بطائفة من طعامك، فإا سيرة الأنبياء وأدب الصالحين. أصلح نفسك وتب من ذنبك وأد حق االله عليك والسلام. وكتب إلى قيس بن سعد بن عبادة، وهو على آذربيجان: أما بعد، فأقبل على خراجك بالحق، وأحسن إلى جندك بالإنصاف، وعلم من قبلك مما علمك االله، ثم أن عبد االله بن شبيل الأحمسي سألني الكتاب إليك فيه بوصايتك به خيرا ً، فقد رأيته وادعا ً متواضعا ً، فألن حجابك وافتح بابك، واعمد إلى الحق، فإن وافق الحق ما يحبو أسره، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل االله. إن الذين يضلون عن سبيل االله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب. قال غياث: ولما أجمع علي القتال لمعاوية كتب أيضا ً إلى قيس: أما بعد، فاستعمل عبد االله بن شبيل الأحمسي خليفة لك، وأقبل إلي، فإن المسلمين قد أجمع ملؤهم وانقادت جماعتهم، فعجل الإقبال، فأنا سأحضرن إلى المحلين عند غرة الهلال، إن شاء االله، وما تأخري إلا لك، قضى االله لنا ولك بالإحسان في أمرنا كله. وكتب إلى سهل بن حنيف، وهو على المدينة: أما بعد، فقد بلغني أن رجالا ً من أهل المدينة خرجوا إلى معاوية، فمن أدركته فامنعه، ومن فاتك فلا تأس عليه، فبعدا لهم، فسوف يلقون غيا ً، أما لو بعثرت القبور، واجتمعت الخصوم، لقد بدا لهم من االله ما لم يكونوا يحتسبون، وقد جاءني رسولك يسألني الإذن ،فاقبل، عفا االله عنا وعنك، ولا تذر خللا ً، إن شاء االله تعالى. وكتب علي إلى عمر بن مسلمة الأرحبي: أما بعد، فإن دهاقين عملك شكوا غلظتك، ونظرت في أمرهم فما رأيت خيرا ً، فلتكن مترلتك بين مترلتين: جلباب لين بطرف من الشدة في غير ظلم ولا نقص، فإم أحيونا صاغرين، فخذ ما لك عندهم وهم صاغرون، ولا تتخذ من دون االله وليا ً، فقد قال االله عز وجل: لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا، وقال جل وعز في أهل الكتاب: لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، وقال تبارك وتعالى: ومن يتولهم منكم فإنه منهم، وقرعهم بخراجهم. وقابل في ورائهم وإياك ودماءهم والسلام. وكتب إلى قرظة بن كعب الأنصاري: أما بعد، فإن رجالا ً من أهل الذمة من عملك ذكروا را ً في أرضهم قد عفا وأدفن، وفيه لهم عمارة على المسلمين، فانظر أنت وهم، ثم أعمر وأصلح النهر، فلعمري لأن يعمروا أحب إلينا من أن يخرجوا، وأن يعجزوا أو يقصروا في واجب من صلاح البلاد والسلام. وكتب إلى المنذر بن الجارود، وهو على إصطخر: أما بعد، فإن صلاح أبيك غرني منك، فإذا أنت لا تدع انقيادا ً لهواك أزرى ذلك بك. بلغني أنك تدع عملك كثيرا ً، وتخرج لاهيا بمنبرها، تطلب الصيد وتلعب بالكلاب، وأقسم لئن كان حقا لنثيبنك فعلك، وجاهل أهلك خير منك، فأقبل إلي حين تنظر في كتابي والسلام. فأقبل فعزله وأغرمه ثلاثين ألفا ً، ثم تركها لصعصعة بن صوحان بعد أن أحلفه عليها، فحلف، وذلك أن عليا ً دخل على صعصعة يعوده، فلما رآه علي قال: إنك ما علمت حسن المونة خفيق المئونة. فقال صعصعة: وأنت واالله، يا أمير المؤمنين، عليم وأبة في صدرك عظيم. فقال له علي: لا تجعلها أة على قومك إن عادك أمامك. قال: لا، يا أمير المؤمنين، ولكنه من من االله على أن عادني أهل البيت وابن عم رسول رب العالمين. قال غياث فقال له صعصعة: يا أمير المؤمنين! هذه ابنة الجارود تعصر عينيها كل يوم لحبسك أخاها المنذر، فأخرجه، وأنا أضمن ما عليه في أعطيات ربيعة. فقال له علي: ولم تضمنها، وزعم لنا أنه لم يأخذها، فليحلف ونخرجه. فقال له صعصعة: أراه واالله سيحلف. قال: وأنا واالله أظن ذلك. وقال علي: أما إنه نظار في عطفيه، مختال في برديه، نقال في شراكيه، فليحلف بعد، أو ليدع فحلف فخلى سبيله. وكتب إلى زياد وكان عامله على فارس: أما بعد، فإن رسولي أخبرني بعجب زعم أنك قلت له فيما بينك وبينه: إن الأكراد هاجت بك، فكسرت عليك كثيرا ً من الخراج، وقلت له: لا تعلم بذلك أمير المؤمنين. يا زياد! وأقسم باالله إنك لكاذب، ولئن لم تبعث بخراجك لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، إلا أن تكون لما كسرت من الخراج محتملا ً. وكتب إلى كعب بن مالك: أما بعد، فاستخلف على عملك، واخرج في طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض كورة السواد فتسأل عن عمالي وتنظر في سيرم فيما بين دجلة والعذيب، ثم ارجع إلى البهقباذات فتول معونتها، واعمل بطاعة االله فيما ولاك منها، واعلم أن كل عمل ابن آدم محفوظ عليه مجزي به ،فاصنع خيرا ً صنع االله بنا وبك خيرا ً، وأعلمني الصدق فيما صنعت، والسلام. قال: وقدم على علي أبو مريم القرشي المكي، كان صديقا له، فلما رآه قال: ما أقدمك يا أبا مريم؟ قال: واالله ما جئت في حاجة، ولكن عهدي بك قديم، فأحببت أن أراك، ولو اجتمع أهل الأرض عليك لأقمتم على الطريق. فقال: يا أبا مريم، واالله إني لصاحبك الذي تعلم، ولكن منيت بشرار خلق االله إلا من رحم االله، يدعونني فأبى عليهم ثم أجيبهم، فيتفرقون عني، والدنيا محنة الصالحين، جعلنا االله وإياك منهم، ولو لا ما سمعت من حبيبي أنه يقول لضاق ذرعي غير هذا الضيق، سمعته يقول: الجهد والبلاء أسرع إلى من أحب االله وأحبني من السيل إلى مجاريه. وكتب أبو الأسود الدئلي، وكان خليفة عبد االله بن عباس بالبصرة، إلى علي يعلمه أن عبد االله أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم، فكتب إليه يأمره بردها ،فامتنع، فكتب يقسم له باالله لتردا، فلما ردها عبد االله بن عباس، أو رد أكثرها، كتب إليه علي: أما بعد، فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحا ً، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعا ً، واجعل همك لما بعد الموت، والسلام. فكان ابن عباس يقول: ما اتعظت بكلام قط اتعاظي بكلام أمير المؤمنين. وقال كميل بن زياد: وأخذ بيدي علي، فأخرجني إلى ناحية الجبانة، فلما أصحر تنفس الصعداء ثلاثا، ثم قال: يا كميل، إن القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم رباني ،ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. يا كميل! العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيام مفقودة وأمثلتهم في القلوب موجودة، ها إن هاهنا، وأشار إلى صدره، لعلما جما لو أصبت له حملة اللهم إلا أن أصيب لقنا غير مأفون يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا ويستظهر بحجج االله على أوليائه وبنعمه على خلقه، أو منقادا ً لحملة الحق لا بصيرة في إحيائه، يقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوما ً باللذة، سلس القيادة للشهوة، أو مغرما ً بالجمع والادخار، ليسوا من رعاة الدين في شيء، أقرب شبها م الأنعام السائمة، اللهم كلا! لا تخلو الأرض من قائم بحق إما ظاهر مشهور، وإما خائب مغمور، لئلا يبطل حجج االله عز وجل وبيناته أولئك الأقلون عددا، والأعظمون خطرا ً، هجم م العلم، حتى حقائق الأمور ،وباشروا روح اليقين، فاستلانوا ما استوعر المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان، أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، يا كميل أولئك أولياء االله من خلقه والدعاة إلى دينه ،م يحفظ االله حججه، حتى يودعوها أمثالهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هاه شوقا ً إلى رؤيتهم. وقال: لو أن حملة العلم حملوه لحقه لأحبهم االله وملائكته وأهل طاعته من خلقه، ولكنهم حملوه لطلب الدنيا، فمنعهم االله ،وهانوا على الناس. وقال: قيمة كل امرئ ما يحسن. وقال: أيها الناس لا ترجوا إلا ربكم، ولا تخشوا إلا ذنوبكم، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي من يعلم أن يعلم، واعلموا أن الصبر من الإيمان بمترلة الرأس من الجسد. وقال: من كان يريد العز بلا عشيرة، والنسل بلا كثرة، والغناء بلا مال، فليتحول من ذل المعصية إلى عز الطاعة. وقال: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مغرور بالستر عليه، وكم من مفتون بحسن القول فيه. وما ابتلي أحد بمثل الإملاء له، ألم تسمع قول االله عز وجل: "إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ً". وقال: من اشتاق إلى الجنة تسلى عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات. وخطب فتلا قول االله عز وجل: "إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين". ثم قال: إن هذا الأمر يترل من السماء كقطر المطر إلى كل نفس بما كتب االله لها من نقصان في نفس أو أهل أو مال، فمن أصابه نقص في أهله وماله، ورأى عند أخيه عفوه، فلا يكونن ذلك عليه فتنة، فإن المرء المسلم ما لم يأت دنياه يخشع لها وتذله، إذا ذكرت تغرى به ليألم. الناس كالياسر ألفا ًلح الذي ينتظر أول فوزه من قداحه يوجب له المغنم، ويدفع عنه المغرم، كذلك المرء البريء من الخيانة والكذب يترقب كل يوم وليلة إحدى الحسنيين: إما داعي االله فما عند االله خير له، وإما فتحا من االله، فإذا هو ذو أهل ومال، ومعه حسبه ودينه. المال والبنون حزب الدنيا ،والعمل الصالح حزب الآخرة، وقد يجمعهم االله لأقوام. وقال: من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذم، ووعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته ،وكملت مروته، وظهر عدله، ووجب وصله. وخرج يوما ً فقال: يا طالب العلم! إن للعالم ثلاث علامات: العلم باالله، وبما يحب االله، وبما يكره االله: وللعامل ثلاث علامات: الصلاة، والزكاة، والورع. وللمتكلف من الرجال ثلاث علامات: ينازع من هو فوقه، ويقول بما لا يعلم، ويتعاطى ما لا ينال. وللظالم ثلاث علامات يظلم من هو فوقه بالمعصية ،ومن هو دونه بالغلبة، ويظاهر الظلمة والإثم. وللمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان من يراه، ويحب أن يحمد في جميع أموره. وللحاسد ثلاث علامات: يغتاب إذا غاب، ويتقرب إذا شهد، ويشمت بالمصيبة. وللمنافق ثلاث علامات: يخالف لسانه قلبه، وقوله فعله، وعلانيته سريرته. وللمسرف ثلاث علامات: يأكل ما ليس له، ويشرب ما ليس له، ويلبس ما ليس له. وللكسلان من الرجال ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط، ويفرط حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم. وإنما هلك الذين قبلكم بالتكلف، فلا يتكلف رجل منكم أن يتكلم في دين االله بما لا يعرف، فإن االله عز وجل يعذر على الخطإ إن أجهدت رأيك. وقال لعمر بن الخطاب: ثلاث إن حفظتهن وعملت ن كفيتك ما سواهن، وإن تركتهن، فلا ينفعك شيء سواهن. قال: وما هن؟ فقال: الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب االله في الرضا والسخط ،والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود. فقال له عمر: أبلغت وأوجزت. وسمع رجلا ً يذم الدنيا، فقال: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أحباء االله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة فربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها، وقد أذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها، مثلت ببلاها البلا ،وشوقت بسرورها السرور، راحت بفجيعة، وأبكرت بعافية ترغيبا ً وترهيبا ً وتحذيرا ً وتخويفا ً، ذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون ذكرم فذكروا، وحدثتهم فصدقوا، فيا ذام الدنيا، المغتر بغرورها! متى استذمت إليك بل متى غرتك؟ أبمضاجع آبائك من البلى، أو بمنازل أمهاتك من الثرى؟ كم مرضت بيديك، وعللت بكفيك، من تبتغي له الشفاء وتستوصف له الأطباء، فلم ينفعه تطبيبك ولم يستعف له بعافيتك، مثلت به الدنيا نفسك، وبمصرعه مصرعك، غداة لا يغني عنك بكاؤك ولا ينفعك أحباؤك. وخطب فقال: إن من أخوف ما أخاف عليكم خصلتين: اتباع الهوى، وطول الأمل. فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق. من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، له قوت يومه ،فكأنما حيزت له الدنيا، إن االله تعالى يقول: وعزتي وجلالي وجمالي وائي وعلوي وارتفاعي في مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت همه في الآخرة وغناءه في قلبه ،وضمنت السموات والأرض رزقه ،وأتته الدنيا وهي راغمة. وقال: حصر بالبلاء من عرف الناس، ومن جهلهم عاش معهم. وقال: يأتي على الناس زمان لا يعز فيه إلا الماحل، ولا يستظرف إلا الفاجر، ولا يضعف إلا المنصف، يتخذون الفيء مغنما ً، والصدقة مغرما ً ،والعبادة استطالة على الناس، وصلة الرحم منا، والعلم متجرا ً، فعند ذلك يكون سلطان النساء ومشورة الإماء وإمارة الصبيان. وقال: لا تصلح الناس إمارة يعمل فيها المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ فيها الكتاب الأجل. وغزا فقال لرجل: لئن جزعت إن الرحم ليستحق ذاك، وإن صبرت كأني ا مأجورا ً ،وإلا صبرت كارها ً مأزورا ً. وقيل لعلي: كم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مظلوم. وقيل له: كم مسافة الدنيا؟ فقال: مسير الشمس يوما ً إلى الليل. وقال يوم الجمل: الموت طالب حثيث لا يعجزه المقيم، ولا يفوته الهارب ،أقدموا ولا تنكلوا ليس عن الموت محيص، إنكم إن لم تقتلوا تموتوا، وإن أشرف الموت القتل، والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش. وقال له رجل: أوصني. فقال: أوصيك بتقوى االله، واجتناب الغضب، وترك الأماني، وأن تحافظ على ساعتين من النهار: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن العصر إلى غروا، ولا تفرح بما علمت ،ولكن بما عملت فيها. وأتي برجل جنى جناية، فرأى ناسا يعدون خلفه، فقال: لا مرحبا ً بوجوه لا ترى إلا عند كل سوء. وقال له الحارث بن حوط الراني: أظن طلحة والزبير وعائشة اجتمعوا على باطل، فقال: يا حارث! إنه ملبوس عليك، وإن الحق والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف من أتاه. ورأى رجلا ً يسأله عشية عرفة، فقال: ويحك تسأل في هذا اليوم غير االله! وروي عنه أنه قال: يا معشر الفتيان حصنوا أعراضكم بالأدب ودينكم بالعلم. وكان إذا انصرف من صلاته أقبل على الناس بوجهه فقال: كونوا مصابيح الهدى، ولا تكونوا أعلام ضلالة، واكرهوا المزاح بما يسخط االله، وليهن عليكم الذم فيما يرضى االله، علموا الناس الخير بعبر ألسنتكم، وكونوا دعاة لهم بفعلكم، والزموا الصدق والورع. وقال: الصمت حلم، والسكوت سلامة، والكتمان سعادة. واجتمع عنده جماعة فتذاكروا المعروف ،فقال: المعروف كتر من أفضل الكنوز، وزرع من أزكى الزروع، فلا يزهدنكم في المعروف كفر من كفره وجحد من جحده، فإن من يشكرك عليه ممن لم يصل إليه منه شيء أعظم مما ناله أهل منه، فلا تلتمس من غيرك ما أسديت إلى نفسك، إن المعروف لا يتم إلا بثلاث خصال: تصغيره، وستره ،وتعجيله، فإذا صغرته فقد عظمته، وإذا سترته فقد أتممته، وإذا عجلته فقد هنأته. وقدم عليه قوم من أهل الغرب فقال لهم: أ فيكم من قد شهر نفسه حتى لا يعرف إلا به؟ فقالوا: نعم! قال: وفيكم قوم بين ذلك يتصونون من السيئات ويعملون الحسنات؟ قالوا: نعم! قال أولئك خير أمه محمد، أولئك النمرقة الوسطى ،م يرجع الغالي، وم يلحق المقصر. وروي عنه أنه قال: ألهم البهائم كل شيء إلا أربع خصال: أن االله عز وجل خالقها ورازقها... وإتيان الذكر الأنثى، والفرار من الموت، وطلب الرزق. وقال: ستة لا يسلم عليهم: اليهودي، والنصراني واوسي، والشاعر يقذف المحصنات، وقوم يتفكهون بسب الأمهات، وقوم على مائدة يشرب عليها الخمر. وقال: الأئمة من قريش خيارهم على خيارهم، وشرارهم على شرارهم. وقضى على رجل بقضية فقال: يا أمير المؤمنين! قضيت علي بقضية هلك فيها مالي، وضاع فيها عيالي! فغضب حتى استبان الغضب في وجهه ،ثم قال: يا قنبر! ناد في الناس الصلاة جامعة. فاجتمع الناس ورقي المنبر، فحمد االله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فذمتي رهينة، وأنا به زعيم، بجميع من صرحت له العبر إلا يهيج على التقوى زرع قوم، ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل، وإن الخير كله فيمن عرف قدره، وكفى بالمرء جهلا ً ألا يعرف قدره، إن من أبغض خلق االله إلى االله العبد وكله إلى نفسه جائرا ً عن قصد السبيل، مشغوفا ً بكلام بدعة، قد قمس في أشباهه من الناس عشواء، غارا بأغباش الفتنة قد لهج فيها بالصوم والصلاة، فهو فتنة على من تبعه، قد سماه أشباه الناس عالما، ولم يغن فيه يوما ً، سالما بكر، فاستكثر مما قل منه، فهو خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن ،وأكثر من غير طائل، جلس بين الناس قاضيا ً، ضامنا ً بتخليص ما التبس على غيره، إن قايس شيئا ً بشيء لم يكذب نفسه، وإن التبس عليه شيء كتمه من نفسه لكيلا يقال لا يعلم، ولا مليء واالله بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل بما قرظ به من حسن، مفتاح عشوات، خباط جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، ولا يعرض في العلم ببصيرة، يذرو الروايات ذرو الريح الهشيم، تصرخ منه الدماء، وتبكي منه المواريث، ويستحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بمرضاته الفرج الحلال، فأين يتاه بكم، بل أين تذهبون عن أهل بيت نبيكم؟ أنا من سنخ أصلاب أصحاب السفينة، وكما نجا في هاتيك من نجا ينجو في هذه من ينجو، ويل رهين لمن تخلف عنهم، إني فيكم كالكهف لأهل الكهف، وإني فيكم باب حطة من دخل منه نجا، ومن تخلف عنه هلك، حجة من ذي الحجة في حجة الوداع، إني قد تركت بين أظهركم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب االله وعترتي أهل بيتي وحكم بأحكام عجيبة، حتى أنه حرق قوما ،ودخن على آخرين، وقطع بعض أصابع اليد في السرقة، وهدم حائطا على اثنين وجدهما على فسق ،وكان يقول: استتروا ببيوتكم، والتوبة وراءكم، من أبدى صفحته للحق هلك، إن االله أدب هذه الأمة بالسوط والسيف، وليس لأحد عند الإمام هوادة. وقدم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الكوفة لعشر بقين من شعبان سنة أربعين، فلما بلغ عليا ً قدومه قال: وقد وافى؟ أما إنه ما بقي على غيره، هذا أو إنه، فترل على الأشعث بن قيس الكندي ،فأقام عنده شهرا ً يستحد سيفه، وكانوا ثلاثة نفر توجهوا، فواحد منهم إلى معاوية بالشام، وآخر إلى عمرو بن العاص بمصر، والآخر إلى علي، وهو ابن ملجم، فأما صاحب معاوية فضربه، فوقعت الضربة على أليته، وبادر فدخل داره، وأما صاحب عمرو بن العاص فإنه ضرب خارجة بن حذافة خليفة عمرو في الصبح، وكان عمرو تخلف لعلة، فقال الخارجي: أردت عمرا وأراد االله خارجة، وأما عبد الرحمن بن ملجم، فإنه وقف له عند المسجد، وخرج علي في الغلس، فتبعه إوز كن في الدار، فتعلقن بثوبه، فقال: صوائح تتبعها نوائح، وأدخل رأسه من باب خوخة المسجد، وضربه على رأسه، فسقط، وصاح: خذوه! فابتدره الناس ،فجعل لا يقرب منه أحد إلا نفحة بسيفه، فبادر إليه قثم بن العباس، فاحتمله وضرب به الأرض، فصاح: يا علي نح عني كلبك، وأتي به إلى علي، فقال: ابن ملجم؟ قال: نعم! فقال: يا حسن شأنك بخصمك ،فأشبع بطنه، واشدد وثاقه، فإن مت فألحقه بي أخاصمه عند ربي، وإن عشت فعفو أو قصاص. وأقام يومين ومات ليلة الجمعة أول ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان سنة أربعين، ومن شهور العجم في كانون الآخر، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وغسله الحسن ابنه بيده، وصلى عليه وكبر عليه سبعا، وقال: أما إنه لا يكبر على أحد بعده، ودفن بالكوفة في موضع يقال له الغري، وكانت خلافته أربع سنين وعشرة أشهر. وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكرا: الحسن، والحسين، ومحسن، مات صغيرا، أمهم فاطمة بنت رسول االله، ومحمد الأكبر، أمه خولة بنت جعفر الحنفية، وعبيد االله، وأبو بكر، لا عقب لهما، أمهما ليلى بنت مسعود الحنظلية من بني تميم، والعباس وجعفر قتلا بالطف، وعثمان وعبد االله، أمهم أم البنين بنت حرام الكلابية، وعمرو، أمه أم حبيب بنت ربيعة البكرية، ومحمد الأصغر، لا عقب له، أمه أمامة بنت أبي العاص، وعثمان الأصغر ويحيى وأمهما أسماء بنت عميس الخثعمية، وكان له من البنات ثماني عشرة ابنة ،منهن من فاطمة ثلاث، والباقيات لعدة نسوة، وأمهات أولاد شتى، وكان على شرطة معقل بن قيس الرياحي، وحاجبه قنبر مولاه. ولما مات قام الحسن خطيبا، فحمد االله وأثنى عليه، وصلى على النبي، ثم قال: ألا إنه قد مضى في هذه الليلة رجل لم يدركه الأولون، ولن يرى مثله الآخرون، من كان يقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، واالله لقد توفي في الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران، ورفع فيها عيسى بن مريم، وأنزل القرآن ،ألا وإنه ما خلف صفرا ً ولا بيضا ً إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع ا خادما لأهله. فقام القعقاع بن زرارة على قبره، فقال: رضوان االله عليك، يا أمير المؤمنين، فو االله لقد كانت حياتك مفتاح خير، ولو أن الناس قبلوك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم غمطوا النعمة، وآثروا الدنيا على الآخرة. وأقام الحج للناس في خلافته في سنة ستة وثلاثون عبد االله بن العباس، وفي سنة سبع وثلاثون قثم بن العباس، وقيل عبد االله بن العباس، وفي سنة ثمان وثلاثون عبيد االله بن العباس، وفي سنة تسع وثلاثون شيبة بن عثمان. وكان أصحاب علي الذين يحملون عنه العلم: الحارث الأعور، أبو الطفيل عامر بن واثلة، حبة العرني، رشيد الهجري، حويزة بن مسهر، الأصبغ بن نباتة، ميثم التمار، الحسن بن علي. خلافة الحسن بن علي واجتمع الناس، فبايعوا الحسن بن علي، وخرج الحسن بن علي إلى المسجد الجامع، فخطب خطبة له طويلة، ودعا بعبد الرحمن بن ملجم فقال: عبد الرحمن! ما الذي أمرك به أبوك؟ قال: أمرني ألا أقتل غير قاتله، وأن أشبع بطنك، وأنعم وطاءك، فإن عاش اقتص أو أعفو، وإن مات ألحقتك به. فقال ابن ملجم: إن كان أبوك ليقول الحق ويقضي به في حال الغضب والرضا، فضربه الحسن بالسيف فالتقاه بيده فندرت، وقتله. وأقام الحسن بن علي بعد أبيه شهرين، وقيل أربعة أشهر، ووجه بعبيد االله ابن العباس في اثني عشر ألفا ً لقتال معاوية، ومعه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، وأمر عبيد االله أن يعمل بأمر قيس بن سعد ورأيه ،فسار إلى ناحية الجزيرة، وأقبل معاوية لما انتهى إليه الخبر بقتل علي، فسار إلى الموصل بعد قتل علي بثمانية عشر يوما ً، والتقى العسكران، فوجه معاوية إلى قيس بن سعد يبذل له ألف ألف درهم على أن يصير معه أو ينصرف عنه، فأرسل إليه بالمال، وقال له: تخدعني عن ديني! فيقال: إنه أرسل إلى عبيد االله بن عباس وجعل له ألف ألف درهم، فصار إليه في ثمانية آلاف من أصحابه، وأقام قيس على محاربته. وكان معاوية يدس إلى عسكر الحسن من يتحدث أن قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه، ويوجه إلى عسكر قيس من يتحدث أن الحسن قد صالح معاوية، وأجابه. ووجه معاوية إلى الحسن المغيرة بن شعبة، وعبد االله بن عامر بن كريز وعبد الرحمن بن أم الحكم، وأتوه ،وهو بالمدائن نازل في مضاربه، ثم خرجوا من عنده، وهم يقولون ويسمعون الناس: إن االله قد حقن بابن رسول االله صلى االله عليه وسلم الدماء، وسكن به الفتنة وأجاب إلى الصلح، فاضطرب العسكر ولم يشكك الناس في صدقهم، فوثبوا بالحسن فانتهبوا مضاربه وما فيها، فركب الحسن فرسا له ومضى في مظلم ساباط، وقد كمن الجراح بن سنان الأسدي، فجرحه بمعول في فخذه، وقبض على لحية الجراح ثم لواها فدق عنقه. وحمل الحسن إلى المدائن وقد نزف نزفا شديدا، واشتدت به العلة، فافترق عنه الناس، وقدم معاوية العراق، فغلب على الأمر، والحسن عليل شديد العلة، فلما رأى الحسن أن لا قوة به، وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له، صالح معاوية، وصعد المنبر فحمد االله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس! إن االله هداكم بأولنا وحقن دماءكم باخرنا، وقد سالمت معاوية، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. أيام معاوية بن أبي سفيان وملك معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ،وبويع بالكوفة في ذي القعدة سنة أربعين، وكانت الشمس في الحمل درجتين، والقمر في الثور خمس عشرة درجة، وزحل في العقرب تسعا ً وعشرين درجة، والمشتري في الثور تسعا ً وعشرين درجة وخمسين دقيقة، والمريخ في الثور ست عشرة درجة، والزهرة في الثور أربع درجات، وعطارد في الحوت ست عشرة درجة. وقدم الكوفة فصعد المنبر، فحمد االله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد ذلكم، فإنه لم تختلف أمه بعد نبيها إلا غلب باطلها حقها، إلا ما كان من هذه الأمة، فإن حقها غلب باطلها. ثم نزل. وأحضر الناس لبيعته، وكان الرجل يحضر فيقول: واالله يا معاوية! إني لأبايعك، وإني لكاره لك، فيقول: بايع، فإن االله قد جعل في المكروه خيرا ً كثيرا ً، ويأبى الآخر فيقول: أعوذ باالله من شر نفسك! وأتاه قيس بن سعد بن عبادة فقال: بايع قيس! قال: إن كنت لأكره مثل هذا اليوم، يا معاوية. فقال له: مه، رحمك االله! فقال: لقد حرصت أن أفرق بين روحك وجسدك قبل ذلك، فأبى االله، يا ابن أبي سفيان، إلا ما أحب. قال: فلا يرد أمر االله. قال: فأقبل قيس على الناس بوجهه، فقال: يا معشر الناس! لقد اعتضتم الشر من الخير، واستبدلتم الذل من العز، والكفر من الإيمان، فأصبحتم بعد ولاية أمير المؤمنين، وسيد المسلمين ،وابن عم رسول رب العالمين، وقد وليكم الطليق ابن الطليق يسومكم الخسف، ويسير فيكم بالعسف ، فكيف نجهل ذلك أنفسكم، أم طبع االله على قلوبكم، وأنتم لا تعقلون؟ فجثا معاوية على ركبتيه ثم أخذ بيده وقال: أقسمت عليك! ثم صفق على كفه، ونادى الناس: بايع قيس! فقال، كذبتم، واالله، ما بايعت ،ولم يبايع لمعاوية أحد إلا أخذ عليه الأيمان، فكان أول من استحلف على بيعته، ودخل إليه سعد بن مالك فقال: السلام عليك أيها الملك. فغضب معاوية فقال: أ لا قلت السلام عليك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذاك إن كنا أمرناك إنما أنت منتز. وخرج فروة بن نوفل الأشجعي سنة أربعين، وكان معتزلا بشهرزور في جماعة من الخوارج، فلما بلغه قتل علي وغلبة معاوية أقبل في ألف وخمسمائة حتى صار بالنخيلة، فوجه إليه معاوية خيلا، فكشفهم ،فأخذ معاوية أهل الكوفة بالخروج إليهم، فخرجوا خوفا منه، فلما لقوهم قال لهم فروة بن نوفل: دعونا فإن معاوية عدونا وعدوكم، فقاتلهم أهل الكوفة أشد قتال، حتى قتل فروة، وأفرخ روع معاوية. ورجع معاوية إلى الشام سنة أحدى وأربعون، وبلغه أن طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عما يحتاج إلى تدبيره وإحكامه، فوجه إليه، فصالحه على مائة ألف دينار. وكان معاوية أول من صالح الروم. وكان صلحه إياهم في أول سنة اثنتن وأربعون، فلما استقام الأمر لمعاوية أغزى أمراء الشام على الصوائف، فسبوا في بلاد الروم سنة بعد سنة، وقد ذكرنا أسماءهم في موضع الصوائف. وطلب صاحب الروم الصلح على أن يضعف المال، فلم يجبه. وولي عبد االله بن عامر بن كريز البصرة، فلما قدمها وجه عبد الرحمن ابن سمرة إلى خراسان، فغزا بلخ وكابل، ومعه عبد االله بن خازم السلمي، فافتتح بلخ بعد حرب شديدة، وصار إلى كابل، فأقام عليها ليالي، ثم أتاه بواب باب المدينة، فجعل له شيئا ً حتى فتح الباب، وكانت الحرب في المدينة، ثم طلبوا الصلح، فصالحهم ابن سمرة ،وانصرف وخلف ابن خازم بخراسان. وولى معاوية عبد االله بن دراج مولاه خراج العراق، وكتب إليه: احمل إلي من مالها ما أستعين به! فكتب إليه ابن دراج يعلمه أن الدهاقين أعلموه أنه كان لكسرى وآل كسرى صوافي يجتبون مالها لأنفسهم ولا تجري مجرى الخراج. فكتب إليه: أن أحص تلك الصوافي واستصفها، واضرب عليها المسنيات. فجمع الدهاقين، فسألهم، فقالوا: الديوان بحلوان. فبعث فأتي به ،فاستخرج منه كل ما كان لكسرى وآل كسرى، وضرب عليه المسنيات، واستصفاه لمعاوية، فبلغت جبايته خمسين ألف ألف درهم من أرض الكوفة وسوادها. وكتب إلى عبد الرحمن بن أبي بكرة بمثل ذلك في أرض البصرة، وأمرهم أن يحملوا إليه هدايا النيروز والمهرجان، فكان يحمل إليه في النيروز وغيره وفي المهرجان عشرة آلاف ألف. وكان زياد بن عبيد عامل علي بن أبي طالب على فارس، فلما صار الأمر إلى معاوية كتب إليه يتوعده ويتهدده فقام زياد خطيبا ً فقال: إن ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق وبقية الأحزاب كتب يتوعدني ويتهددني، وبيني وبينه ابنا بنت رسول االله صلى االله عليه وسلم في تسعين ألفا ً واضعي قبائع سيوفهم تحت أذقام لا يلتفت أحدهم حتى يموت، أما واالله لئن وصل إلي ليجدنى أحمز، ضرابا بالسيف. فوجه معاوية إليه المغيرة بن شعبة، فأقدمه ثم ادعاه، وألحقه بأبي سفيان، وولاه البصرة، وأحضر زياد شهودا أربعة، فشهد أحدهم أن علي بن أبي طالب أعلمه ام كانوا جلوسا ً عند عمر بن الخطاب حين أتاه زياد برسالة أبي موسى الأشعري، فتكلم زياد بكلام أعجبه، فقال: أكنت قائلا للناس هذا على المنبر؟ قال: هم أهون علي منك، يا أمير المؤمنين، فقال أبو سفيان: واالله لهو ابني، ولأنا وضعته في رحم أمه. قلت: فما يمنعك من ادعائه؟ قال: مخافة هذا العير الناهق. وتقدم آخر فشهد على هذه الشهادة. قال زياد الهمداني: لما سأله زياد كيف قولك في علي؟ قال: مثل قولك حين ولاك فارس، وشهد لك أنك ابن أبي سفيان. وتقدم أبو مريم السلولي فقال: ما أدري ما شهادة علي، ولكني كنت خمارا ً بالطائف، فمر بي أبو سفيان منصرفا من سفر له، فطعم وشرب، ثم قال: يا أبا مريم طالت الغربة، فهل من بغي؟ فقلت: ما أجد لك إلا أمه بني عجلان قال: فأتني ا على ما كان من طول ثدييها ونتن رفغها، فأتيته ا، فوقع عليها، ثم رجع إلي فقال لي: يا أبا مريم! لاستلت ماء ظهري استلالا ً تثيب ابن الحبل في عينها. فقال له زياد: إنما أتينا بك شاهدا ً، ولم نأت بك شاتما ً. قال: أقول الحق على ما كان، فأنفذ معاوية... قال ما قد بلغكم وشهد بما سمعتم، فإن كان ما قالوا حقا، فالحمد الله الذي حفظ مني ما ضيع الناس، ورفع مني ما وضعوا ،وإن كان باطلا ً، فمعاوية والشهود أعلم. وما كان عبيد إلا ولدا ً مبرورا ً مشكورا ً. ونزل وولي المغيرة ابن شعبة الكوفة في جمادى... سنة اثنان وأربعون فأقام عليها حينا، ثم بدا له وولى عبد االله بن عامر بن كريز الكوفة، فلما بلغ أهل الكوفة الخبر خرج كثير من الناس إلى عبد االله بن عامر، فجعل المغيرة لا يسأل عن أحد إلا قيل له قد خرج إلى عبد االله بن عامر، حتى سأل عن كاتبه، فقيل له: قد لحق بعبد االله، فقال: يا غلام شد رحلي وقدم بغلي، فخرج حتى أتى دمشق، فدخل على معاوية، فلما رآه قال: ما أقدمك يا مغيرة، تركت العمل، وأخللت بالمصر وأهل العراق وهم أسرع شيء إلى الفتن؟ قال: يا أمير المؤمنين كبرت سني، وضعفت قوتي، وعجزت عن العمل، وقد بلغت من الدنيا حاجتي، واالله ما آسى على شيء منها إلا على شيء واحد قدرت به قضاء حقك، ووددت أنه لا يفوتني أجلي وإن االله أحسن عليه معونتي. قال: وما هو؟ قال: كنت دعوت أشراف الكوفة إلى البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين بولاية العهد بعد أمير المؤمنين، فأجابوا إلى ذلك، ووجدم سراعا نحوه، فكرهت أن أحدث أمرا دون رأي أمير المؤمنين، فقدمت لأشافهه بذلك، وأستعفيه من العمل. فقال: سبحان االله يا أبا عبد الرحمن! إنما يزيد ابن أخيك، ومثلك إذا شرع في أمر لم يدعه حتى يحكمه، فنشدتك االله إلا رجعت فتممت هذا. فخرج من عنده، فلقي كاتبه، فقال: ارجع بنا إلى الكوفة، فو االله لقد وضعت رجل معاوية في غرز لا يخرجها منه إلا سفك الدماء. وانصرف إلى الكوفة. وكتب معاوية إلى زياد، وهو بالبصرة، إن المغيرة قد دعا أهل الكوفة إلى البيعة ليزيد بولاية العهد بعدي ،وليس المغيرة بأحق بابن أخيك منك، فإذا وصل إليك كتابي فادع الناس قبلك إلى مثل ما دعاهم إليه المغيرة، وخذ عليهم البيعة ليزيد. فلما بلغ زيادا ً وقرأ الكتاب دعا برجل من أصحابه يثق بفضله وفهمه ،فقال: إني أريد أن آتمنك على ما لم آتمن عليه بطون الصحائف، ايت معاوية فقل له: يا أمير المؤمنين إن كتابك ورد علي بكذا، فما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد، وهو يلعب بالكلاب والقرود، ويلبس المصبغ، ويدمن الشراب، ويمشي على الدفوف، وبحضرم الحسين بن علي، وعبد االله بن عباس، وعبد االله بن الزبير، وعبد االله بن عمر، ولكن تأمره، ويتخلق بأخلاق هؤلاء حولا ً وحولين، فعسينا أن نموه على الناس. فلما صار الرسول إلى معاوية وأدى إليه الرسالة قال: ويلي على ابن عبيد! لقد بلغني أن الحادي حدا له أن الأمير بعدي زياد، واالله لأردنه إلى أمه سمية، وإلى أبيه عبيد. وقدم المغيرة الكوفة منصرفا من عند معاوية، وقد خرج شبيب بن بجرة الأشجعي الخارجي، فلما علم أن قدم المغيرة هرب إلى معاوية فقال: أنا قاتل علي بن أبي طالب، وكان شبيب بن بجرة مع ابن ملجم في الليلة التي ضرب فيها عليا ً، فقال له معاوية: لا أراك ولا تراني. فرجع إلى الكوفة فقاتل المغيرة ،فوجه إليه جيشا فقتله. وخرج المستورد بن علفة التيمي من تيم الرباب سنة ثلاث وأربعون فوجه إليه المغيرة خيلا ً، فقتل بأسفل ساباط، وقتل أصحابه جميعا ً. وخرج بعده معاذ بن جوين الطائي أبو المستورد، فوجه إليه المغيرة خيلا عليها رجل من همدان، فقتلوه. وخرجت عصابة من الموالي، أميرهم أبو علي من أهل الكوفة، وهو مولى لبني الحارث بن كعب، وكانت أول خارجة خرجت فيها الموالي، فبعث المغيرة إليهم رجلا ً من بجيلة، فالتقوا ببادوريا، فناداهم البجلي: يا معشر الأعاجم! هذه العرب تقاتلنا على الدين، فما بالكم؟ فنادوه: يا جابر! إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد، فآمنا به، ولن نشرك بربنا أحدا ً، وإن االله بعث نبينا للناس كافة، ولم يزوه عن أحد. فقاتلهم حتى قتلهم. وكانت مصر والمغرب لعمرو بن العاص طعمة شرطها له يوم بايع، ونسخة الشرط: هذا ما أعطى معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص مصر، أعطاه أهلها، فهم له حياته، ولا تنقص طاعته شرطا ً. فقال له وردان مولاه: فيه الشعر من بدنك، فجعل عمرو يقرأ الشرط، ولا يقف على ما وقف عليه وردان، فلما ختم الكتاب وشهد الشهود قال له وردان: وما عمرك أيها الشيخ إلا كظمء حمار، هلا شرطت لعقبك من بعدك؟ فاستقال معاوية، فلم يقله، فكان عمرو لا يحمل إليه من مالها شيئا ً، يفرق الأعطيه في الناس ،فما فضل من شيء أخذه لنفسه. وولي عمرو بن العاص مصر عشر سنين، منها لعمر بن الخطاب أربع سنين، ولعثمان بن عفان أربع سنين إلا شهرين، ولمعاوية سنتين وثلاثة أشهر، وتوفي وله ثمان وتسعون سنة، وكان داهية العرب رأيا ً وحزما ً وعقلا ً ولسانا ً، وكان عمر بن الخطاب، إذا رأى رجلا ً يكلم فلا يقيم كلامه يقول: سبحان من خلقك وخلق عمرو بن العاص. وقال بعضهم: سمعت عمرا ً يقول: سلطان عادل خير من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم، وزلة الرجل عظم يجبر، وزلة اللسان لا تبقى ولا تذر، واستراح من لا عقل له. ولما حضرت عمرا ً الوفاة قال لابنه: لود أبوك أنه كان مات في غزاة ذات السلاسل. إني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند االله فيها. ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته، فقال: يا ليته كان بعرى، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه، وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمى على رشدي حتى حضرني أجلي، كأني بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي. وتوفي عمرو ليلة الفطر سنة أربع وثلاثون، فأقر معاوية ابنه عبد االله بن عمرو، ثم استصفى مال عمرو ،فكان أول من استصفى مال عامل، ولم يكن يموت لمعاوية عامل إلا شاطر ورثته ماله، فكان يكلم في ذلك، فيقول: هذه سنة سنها عمر بن الخطاب. ثم عزل معاوية عبد االله بن عمرو، وولى أخاه عتبة ابن أبي سفيان مصر. وكتب معاوية إلى زياد بن أبي سفيان: إن قبلك رجلا ً من أصحاب رسول االله فوله خراسان، وهو الحكم بن عمرو الغفاري، فولاه زياد خراسان، فقدمها سنة أربع وأربعون، فصار إلى هراة، ثم مضى منها إلى الجوزجان، فافتتحها، ونالتهم شدة حتى أكلوا دوام، وكان المهلب مع الحكم بن عمرو في ذلك الوقت ،وقد عرف بلاء المهلب وبأسه، وتوفي الحكم بن عمرو، فولى زياد مكانه الربيع بن زياد الحارثي، وفتحت خوارزم في ذلك الوقت، وكان الذي افتتحها عبد االله بن عقيل الثقفي. وحج معاوية سنة أربع وأربعون، وقدم معه من الشام بمنبر، فوضعه عند باب البيت الحرام، فكان أول من وضع المنبر في المسجد الحرام. ولما صار إلى المدينة أتاه جماعة من بني هاشم، وكلموه في أمورهم، فقال: أما ترضون يا بني هاشم أن نقر عليكم دماءكم، وقد قتلتم عثمان، حتى تقولوا ما تقولون؟ فو االله لا أنتم أجل دما من كذا وكذا، وأعظم في القول، فقال له ابن عباس: كل ما قلت لنا يا معاوية من شر بين دقتيك، أنت واالله أولى بذلك منا، أنت قتلت عثمان، ثم قمت تغمص على الناس إنك تطلب بدمه فانكسر معاوية، فقال ابن عباس: واالله ما رأيتك صدقت إلا فزعت وانكسرت. قال: فضحك معاوية ،وقال: واالله ما أحب إنكم لم تكونوا كلمتموني. ثم كلمه الأنصار، فأغلظ لهم في القول، وقال لهم: ما فعلت نواضحكم قالوا: أفنيناها يوم بدر لما قتلنا أخاك وجدك وخالك، ولكنا نفعل ما أوصانا به رسول االله. قال: ما أوصاكم به؟ قالوا: أوصانا بالصبر. قال: فاصبروا. ثم أدلج معاوية إلى الشام، ولم يقض لهم حاجة. وفي هذه السنة عمل معاوية المقصورة في المسجد وأخرج المنابر إلى المصلى في العيدين، وخطب الخطبة قبل الصلاة، وذلك أن الناس، إذا صلوا، انصرفوا لئلا يسمعوا لعن علي، فقدم معاوية الخطبة قبل الصلاة ،ووهب فدكا لمروان بن الحكم ليغيظ بذلك آل رسول االله. واستعمل معاوية ابن أثال النصراني على خراج حمص، ولم يستعمل النصارى أحد من الخلفاء قبله فاعترضه خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بالسيف، فقتله، فحبسه معاوية أياما ً، ثم أغرمه ديته، ولم يقده منه. وكان ابن أثال قتل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، دس إليه شربة سم، فعيره المنذر بن الزبير بن العوام ،وقال: تتكلم، وابن أثال بحمص يأمر وينهى؟ فلما قتله قال خالد بن عبد الرحمن: أما أنا فقد قتلت ابن أثال وهذا عمرو بن جرموز التميمي قاتل الزبير آمن السرب. وكان عبد الرحمن بن العباس بن عبد المطلب قد قدم على معاوية إلى الشام، فجفاه معاوية، ولم يقض له حاجة، ودخل إليه يوما ً، فقال له: يا ابن العباس كيف رأيت االله فعل بنا وبأبي الحسن؟ فقال: فعلا، واالله ،غير مختل عجلة إلى جنة لن تنالها، وأخرك إلى دنيا قد كان أمير المؤمنين نالها. قال: وإنك لتحكم على االله! قال: بما حكم االله به على نفسه، ومن لم يحكم بما أنزل االله، فأولئك هم الظالمون. قال معاوية: واالله لو عاش أبو عمرو حتى يراني لرأى نقم ابن العم. فقال ابن عباس: أما واالله لو رآك أيقن أنك خذلته حين كانت النصرة له ونصرته حين كانت النصرة لك. قال: وما دخولك بين العصا ولحائها؟ قال: ما دخلت إلا عليهما لا لهما، فدعني مما أكره أدعك من مثله، فلأن تحسن فأجازي أحب إلي من أن تسيء فأكافي ،ثم ض. وفاة الحسن بن علي وتوفي الحسن بن علي في شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعون، ولما حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين: يا أخي إن هذه آخر ثلاث مرار سقيت فيها السم، ولم أسقه مثل مرتي هذه، وأنا ميت من يومي، فإذا أنا مت فادفني مع رسول االله، فما أحد أولى بقربه مني، إلا أن تمنع من ذلك فلا تسفك فيه محجمة دم. ولما لف في أكفانه قال محمد بن الحنفية: رحمك االله أبا محمد، فو االله لئن عزت حياتك لقد هدت وفاتك ، ونعم الروح روح عمر به بدنك، ونعم البدن بدن ضمه كفنك، لم لا يكون كذلك، وأنت سليل الهدى ،وحلف أهل التقوى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك كف الحق، وربيت في حجر الإسلام، وأرضعتك ثديا الإيمان، فطب حيا وميتا، فعليك السلام ورحمة االله، وإن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك، ولا شاكة في الخيار لك. ثم أخرج نعشه يراد به قبر رسول االله صلى االله عليه وسلم فركب مروان بن الحكم، وسعيد ابن العاص ،فمنعا من ذلك، حتى كادت تقع فتنة. وقيل إن عائشة ركبت بغلة شهباء، وقالت: بيتي لا آذن فيه لأحد. فأتاها القاسم بن محمد بن أبي بكر ،فقال لها: يا عمة ! ما غسلنا رءوسنا من يوم الجمل الأحمر، أ تريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء؟ فرجعت. واجتمع مع الحسين بن علي جماعة وخلق من الناس، فقالوا له: دعنا وآل مروان، فو االله ما هم عندنا كأكله رأس. فقال: إن أخي أوصاني أن لا أريق فيه محجمة دم. فدفن الحسن في البقيع، وكانت سنة سبعا ً وأربعين سنة، وتوفي الحسن بن علي وابن عباس عند معاوية، فدخل عليه لما أتاه نعي الحسن، فقال له: يا ابن عباس! إن حسنا مات. قال: إنا الله وإنا إليه راجعون على عظم الخطب وجليل المصاب، أما واالله يا معاوية لئن كان الحسن مات، فما ينسئ موته في أجلك، ولا يسد جسمه حفرتك، ولقد مضى إلى خير وبقيت على شر. قال: لا أحسبه قد خلف إلا صبية صغارا ً. قال: كلنا كان صغيرا ً فكبر. قال: بخ بخ، يا ابن عباس، أصبحت سيد قومك. قال: أما ما أبقى االله أبا عبد االله الحسين بن رسول االله، فلا. وكان الحسن بن علي جوادا ً كريما ً وأشبه برسول االله خلقا ً وخلقا ً وسأل الحسن: ما ذا سمعت من رسول االله؟ فقال: سمعته يقول لرجل: دع ما يريبك، فإن الشر ريبة والخير طمأنينة. وعقلت عنه أني بينا أنا أمشي معه إلى جنب جرن الضيقة، تناولت تمرة فأدخلتها في فمي. قال: فأدخل رسول االله صلى االله عليه وسلم إصبعه في فمي، فاستخرجها، فألقاها، وقال: إن محمدا ً وآل محمد لا تحل لهم الصدقة. وعقلت عنه الصلوات الخمس. وحج الحسن خمس عشرة حجة ماشيا ً، وخرج من ماله مرتين، وقاسم االله عز وجل ثلاث مرات، حتى كان يعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفا ويمسك أخرى. وقال معاوية للحسن: يا أبا محمد ثلاث خلال ما وجدت من يخبرني عنهن. قال: وما هن؟ قال: المروة والكرم والنجدة. قال: أما المروة فإصلاح الرجل أمر دينه، وحسن قيامه على ماله، ولين الكف، وإفشاء السلام والتحبب إلى الناس. والكرم العطية قبل السؤال، والتبرع بالمعروف، والإطعام في المحل، ثم النجدة الذب عن الجار والمحاماة في الكريهة والصبر عند الشدائد. وقال جابر: سمعت الحسن يقول: مكارم الأخلاق عشر: صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل ،وحسن الخلق، والمكافاة بالصنائع، وصلة الرحم، والتذمم على الجار، ومعرفة الحق للصاحب، وقرى الضيف، ورأسهن الحياء. وقيل للحسن: من أحسن الناس عيشا؟ قال: من أشرك الناس في عيشه. وقيل: من شر الناس عيشا ً؟ قال: من لا يعيش في عيشه أحد. وقال الحسن: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلق، والعبادة انتظار الفرج. ودعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه، فقال: يا بني وبني أخي! إنكم صغار قوم، وتوشكون أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم يرويه أو يحفظه، فليكتبه وليجعله في بيته. وقال رجل للحسن: إني أخاف الموت! قال: ذاك إنك أخرت مالك، ولو قدمته لسرك أن تلحق به. وقال معاوية: ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة، فإنه كان بين الحسن بن علي وبين عمرو بن عثمان بن عفان خصومة في أرض، فعرض الحسن ابن علي أمرا ً لم يرضه عمرو، فقال الحسن: ليس له عندنا إلا ما رغم أنفه، فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه قط. وقال له معاوية يوما: ما يجب لنا في سلطاننا؟ قال: ما قال سليمان بن داود. قال معاوية: وما قال سليمان بن داود؟ قال: قال لبعض أصحابه: أ تدري ما يجب على الملك في ملكه، وما لا يضره؟ إذا أدى الذي عليه منه، وإذا خاف االله في السر والعلانية، وعدل في الغضب والرضا، وقصد في الفقر والغنى، ولم يأخذ الأموال غصبا ً، ولم يأكلها إسرافا ً وبذارا ً لم يضره ما تمتع به من دنياه، إذا كان ذلك من خلته. وقال الحسن: كان رسول االله صلى االله عليه وسلم إذا سأله أحد حاجة لم يرده إلا ا وبميسور من القول. ومر الحسن يوما ً وقاص يقص على باب مسجد رسول االله، فقال الحسن: ما أنت؟ فقال: أنا قاص يا ابن رسول االله. قال: كذبت، محمد القاص، قال االله عز وجل: فاقصص القصص. قال: فأنا مذكر. قال: كذبت، محمد المذكر، قال له عز وجل: فذكر إنما أنت مذكر قال: فما أنا؟ قال: المتكلف من الرجال. وكان للحسن من الولد ثمانية ذكور، وهم: الحسن بن الحسن، وأمه خولة بنت منظور الفزارية، وزيد بن الحسن، وأمه أم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري الخزرجي، وعمر والقاسم وأبو بكر وعبد الرحمن لأمهات أولاد شتى، وطلحة وعبيد االله. ولما توفي الحسن وبلغ الشيعة ذلك اجتمعوا بالكوفة في دار سليمان بن صرد، وفيهم بنو جعدة بن هبيرة ،فكتبوا إلى الحسين بن علي يعزونه على مصابه بالحسن: بسم االله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين سلام عليك، فإنا نحمد إليك االله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فقد بلغنا وفاة الحسن بن علي يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ً غفر االله ذنبه وتقبل حسناته، وألحقه بنبيه ،وضاعف لك الأجر في المصاب به وجبر بك المصيبة من بعده فعند االله نحتسبه، وإنا الله وإنا إليه راجعون، ما أعظم ما أصيب به هذه الأمة عامة، وأنت وهذه الشيعة خاصة ،لاك ابن الوصي وابن بنت النبي، علم الهدى، ونور البلاد المرجو لإقامة الدين وإعادة سير الصالحين، فاصبر رحمك االله على ما أصابك، إن ذلك لمن عزم الأمور، فإن فيك خلفا ممن كان قبلك ،وإن االله يؤتي رشده من يهدي ديك، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، السائرة بسيرتك، المنتظرة لأمرك، شرح االله صدرك، ورفع ذكرك، وأعظم أجرك، وغفر ذنبك ،ورد عليك حقك. وبايع معاوية لابنه يزيد بولاية العهد، بعد وفاة الحسن بن علي، ولم يتخلف عن البيعة إلا أربعة نفر: الحسين بن علي، وعبد االله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد االله بن الزبير. وقال عبد االله بن عمر: نبايع من يلعب بالقرود والكلاب، ويشرب الخمر، ويظهر الفسوق! ما حجتنا عند االله! وقال عبد االله بن الزبير: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد أفسد علينا ديننا. وحج معاوية تلك السنة فتألف القوم، ولم يكرههم على البيعة، وأغزى معاوية يزيد ابنه الصائفة، ومعه سفيان بن عوف العامري، فسبقه سفيان بالدخول إلى بلاد الروم فنال المسلمين في بلاد الروم حمى وجدري، وكانت أم كلثوم بنت عبد االله بن عامر تحت يزيد بن معاوية، وكان لها محبا ً، فلما بلغه ما نال الناس من الحمى والجدري قال: ما إن أبالي بما لاقت جموعهم بالغذ قذونه من حمى ومن مومإذا اتكأت على الأنماط في غرف بدير مران عندي أم كلثوم فبلغ ذلك معاوية فقال: أقسم باالله لتدخلن أرض الروم فليصيبنك ما أصام، فأردف به ذلك الجيش ،فغزا به حتى بلغ القسطنطينية. ووجه معاوية عقبة بن نافع الفهري إلى إفريقية فافتتحها واختط قيرواا، وبناه، وكان موضع دغل وحلفاء تترله الأسد، وكان ذلك سنة خمسين، ثم ولى معاوية دينارا أبا المهاجر، مولى الأنصار ،مكان عقبة بن نافع الفهري، فأخذ عقبة بن نافع، فحبسه وقيده، فأقام في الحبس شهورا، ثم أطلقه، فلما صار إلى مصر رده عمرو بن العاص إلى المغرب. وقيل ورد كتاب من معاوية على عمرو يأمره بذلك. فلما قدم عقبة إفريقية أخذ دينارا ً فحبسه، وخرج على عقبة رجل من البربر يقال له ابن الكاهنة، ولم يزل عقبة على البلد أيام معاوية ويزيد بن معاوية. وتوفي المغيرة بن شعبة سنة إحدى وخمسين، فولى معاوية الكوفة زيادا ً، وضمها إليه مع البصرة، فكان أول من جمع له المصران. وكتب زياد إلى معاوية: أني قد شغلت شمالي بالعراق ويميني فارغة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يوليني الموسم؟ فكتب إليه بولاية الحجاز، وقيل بولاية الموسم. وكان عبد االله بن عمر يدخل فيقول: ارفعوا أيديكم فادعوا االله أن يكفيكم يمين زياد. وروى بعضهم أن أبا بكرة أخاه أتاه، فخاطب صبيا له، وكان قد حلف ألا يكلمه مه كاع عن الشهادة على المغيرة، فقال: يا بني أبوك ركب في الإسلام عظيما، شتم أمه، وانتفى من أبيه، ثم هو الآن يريد أن يفعل ما هو أكبر من هذا، يمر بالمدينة، فيستأذن على أم حبيبة بنت أبي سفيان، فإن أذنت فأعظم ا مصيبة على رسول االله، وعلى المسلمين، فإن لم تأذن له فأعظم ا فضيحة على أبيك. فتأخر عن الخروج. وكان حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحاما من شيعة علي بن أبي طالب، إذا سمعوا المغيرة وغيره من أصحاب معاوية، وهم يلعنون عليا ً على المنبر، يقومون فيردون اللعن عليهم ، ويتكلمون في ذلك. فلما قدم زياد الكوفة خطب خطبة له مشهورة لم يحمد االله فيها، ولم يصل على محمد وأرعد فيها وأبرق، وتوعد ودد، وأنكر كلام من تكلم، وحذرهم ورهبهم، وقال: قد سميت الكذبة، على المنبر، الصلعاء فإذا أوعدتكم أو وعدتكم، فلم أف لكم بوعدي ووعيدي، فلا طاعة لي عليكم. وكانت بينه وبين حجر بن عدي مودة، فوجه إليه فأحضره، ثم قال له: يا حجر! أرأيت ما كنت عليه من المحبة والموالاة لعلي؟ قال: نعم! قال: فإن االله قد حول ذلك بغضة وعداوة، أورأيت ما كنت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية؟ قال: نعم! قال: فإن االله قد حول ذلك محبة وموالاة، فلا أعلمنك ما ذكرت عليا ً بخير ولا أمير المؤمنين معاوية بشر. ثم بلغه ام يجتمعون، فيتكلمون ويدبرون عليه وعلى معاوية، ويذكرون مساويهما، ويحرضون الناس ، فوجه صاحب شرطه إليهم، فأخذ جماعة منهم فقتلوا، وهرب عمرو بن الحمق الخزاعي إلى الموصل وعدة معه، وأخذ زياد حجر بن عدي الكندي وثلاثة عشر رجلا ً من أصحابه فأشخصهم إلى معاوية، فكتب فيهم ام خالفوا الجماعة في لعن أبي تراب، وزروا على الولاة، فخرجوا بذلك من الطاعة، وأنفذ شهادات قوم أولهم بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، فلما صاروا بمرج عذراء من دمشق على أميال، أمر معاوية بإيقافهم هناك، ثم وجه إليهم من يضرب أعناقهم، فكلمه قوم في ستة منهم، فوقف عنهم، فقتل سبعة: حجر بن عدي الكندي وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة ابن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب التميمي، وكدام بن حيان العتري، ولما أراد قتلهم قال حجر بن عدي: دعوني حتى أصلي، فصلى ركعتين خفيفتين ثم أقبل عليهم فقال: لو لا أن تظنوا بي خلاف ما بي لأحببت أن تكونا أطول مما هما، وإني لأول من رمي بسهم في هذا الموضع، وأول من هلك فيه. فقيل له: أجزعت؟ فقال: ولم لا أجزع، وأنا أرى سيفا ً مشهورا ً، وكفنا ً منشورا ً، وقبرا ً محفورا ً؟ ثم ضربت عنقه وأعناق القوم، وكفنوا ودفنوا، وكان ذلك في سنة اثنان وخمسين. وقال معاوية للحسين بن علي: يا أبا عبد االله! علمت أنا قتلنا شيعة أبيك، فحنطناهم، وكفناهم، وصلينا عليهم، ودفناهم؟ فقال الحسين: حجرك، ورب الكعبة، لكنا واالله إن قتلنا شيعتك ما كفناهم، ولا حنظناهم، ولا صلينا عليهم ولا دفناهم. وقالت عائشة لمعاوية حين حج، ودخل إليها: يا معاوية! أقتلت حجرا وأصحابه، فأين عزب حلمك عنهم؟ أما إني سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول: يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السموات. قال: لم يحضرني رجل رشيد، يا أم المؤمنين. وروي أن معاوية كان يقول: ما أعد نفسي حليما بعد قتلي حجرا وأصحاب حجر. وبلغ عبد الرحمن بن أم الحكم، وكان عامل معاوية على الموصل، مكان عمرو بن الحمق الخزاعي، ورفاعة بن شداد، فوجه في طلبهما، فخرجا هاربين، وعمرو بن الحمق شديد العلة، فلما كان في بعض الطريق لدغت عمرا ً حية ،فقال: االله أكبر! قال لي رسول االله: يا عمرو ليشترك في قتلك الجن والإنس. ثم قال لرفاعة: امض لشأنك، فإني مأخوذ ومقتول. ولحقته رسل عبد الرحمن ابن أم الحكم، فأخذوه وضربت عنقه، ونصب رأسه على رمح، وطيف به، فكان أول رأس طيف به في الإسلام. وقد كان معاوية حبس امرأته بدمشق ،فلما أتى رأسه بعث به، فوضع في حجرها، فقالت للرسول: أبلغ معاوية ما أقول: طالبه االله بدمه، وعجل له الويل من نقمه، فلقد أتى أمرا ً فريا، وقتل برا ً نقيا ً. وكان أول من حبس النساء بجرائر الرجال. وخرج قريب وزحاف الخارجيان بالبصرة في جماعة من الخوارج، فاستعرضا الشرط، فقتلا منهم خلقا عظيما، وصارا إلى المسجد الجامع، فقتلا خلقا ً من الناس، ومالوا إلى القبائل، ففعلوا مثل ذلك. وكان زياد بالكوفة وعامله على البصرة عبيد االله بن أبي بكرة، فحارم، فلما لم يكن له م طاقة كتب إلى زياد، فأقبل زياد حتى صار إلى البصرة، فصار إلى دار الإمارة، ثم قال: يا أهل البصرة ما هذا الذي قد اشتملتم عليه؟ إني أعطي االله عهدا ً لا يخرج على خارجي بعدها فأدع من حيه وقبيلته أحدا ً، فاكفوني بوائقكم. فقام خطباء البصرة، فتكلموا واعتذروا. وكان معاوية أول من أقام الحرس والشرط والبوابين في الإسلام، وأرخى الستور واستكتب النصارى ،ومشى بين يديه بالحراب، وأخذ الزكاة من الأعطيه، وجلس على السرير، والناس تحته، وجعل ديوان الخاتم وبنى وشيد البناء، وسخر الناس في بنائه، ولم يسخر أحد قبله، واستصفى أموال الناس، فأخذها لنفسه. وكان سعيد بن المسيب يقول: فعل االله بمعاوية وفعل، فإنه أول من أعاد هذا الأمر ملكا ً. وكان معاوية يقول: أنا أول الملوك. ورحل إليه عبد االله بن عمر يوما ً، فقال: يا أبا عبد االله! كيف ترى بنياننا؟ قال: إن كان من مال االله فأنت من الخائنين، وإن كان من مالك فأنت من المسرفين. ودخل إليه عدي بن حاتم ،فقال له: كيف زماننا هذا يا أبا طريف؟ قال: إن صدقناكم خفناكم، وإن كذبناكم خفنا االله. قال: أقسمت عليك! قال: عدل زمانكم هذا جور زمان قد مضى، وجور زمانكم هذا عدل زمان ما يأتي. واستقر خراج العراق وما يضاف إليه مما كان في مملكة الفرس في أيام معاوية على ستمائة ألف ألف وخمسة وخمسين ألف ألف درهم. وكان خراج السواد مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم، وخراج فارس سبعين ألف ألف، وخراج الأهواز وما يضاف إليها أربعين ألف ألف، وخراج اليمامة والبحرين خمسة عشر ألف ألف درهم ،وخراج كور دجلة عشرة آلاف ألف درهم، وخراج اوند وماه الكوفة، وهو الدينور، وماه البصرة ،وهو همذان، وما يضاف إلى ذلك من أرض الجبل أربعين ألف ألف درهم، وخراج الري وما يضاف إليها ثلاثين ألف ألف درهم، وخراج حلوان عشرين ألف ألف درهم، وخراج الموصل وما يضاف إليها ويتصل ا خمسة وأربعين ألف ألف درهم، وخراج آذربيجان ثلاثين ألف ألف درهم، بعد أن أخرج معاوية من كل بلد ما كانت ملوك فارس تستصفيه لأنفسها من الضياع العامرة وجعله صافية لنفسه ،فأقطعه جماعة من أهل بيته. وكان صاحب العراق يحمل إليه من مال صوافيه في هذه النواحي مائة ألف ألف درهم، فمنها كانت صلاته وجوائزه، واستقر خراج مصر في أيام معاوية على ثلاثة آلاف ألف دينار، وكان عمرو بن العاص يحمل منها إليه الشيء اليسير، فلما مات عمرو حمل المال إلى معاوية، فكان يفرق في الناس أعطيام ،ويحمل إليه ألف ألف دينار، واستقر خراج فلسطين على أربعمائة وخمسين ألف دينار، واستقر خراج الأردن على مائة وثمانين ألف دينار، وخراج دمشق على أربعمائة ألف وخمسين ألف دينار، وخراج جند حمص على ثلاثمائة وخمسين ألف دينار، وخراج قنسرين والعواصم على أربعمائة ألف وخمسين ألف دينار، وخراج الجزيرة، وهي ديار مضر وديار ربيعة، على خمسة وخمسين ألف ألف درهم، وخراج اليمن على ألف ألف ومائتي ألف دينار، وقيل تسعمائة ألف دينار. وكان معاوية قد ولي اليمن، لما استقامت له الأمور، فيروز الديلمي، ثم استعمل مكانه عثمان بن عفان الثقفي، ثم استعمل ابن بشير الأنصاري. وفعل معاوية بالشام والجزيرة واليمن مثل ما فعل بالعراق من استصفاء ما كان للملوك من الضياع وتصييرها لنفسه خالصة وأقطعها أهل بيته وخاصته. وكان أول من كانت له الصوافي في جميع الدنيا، حتى بمكة والمدينة، فإنه كان فيهما شيء يحمل في كل سنة من أوساق التمر والحنطة. وكان معاوية وجه إلى ثغر الهند ابن سوار بن همام، فشخص في أربعة آلاف حتى أتى مكران، فأقام ا شهورا ً، ثم غزا القيقان، فقاتلهم، وصبر على قتالهم، فقتل ابن سوار وعامة ذلك الجيش، ورجع من بقي معه إلى مكران، فكتب معاوية إلى زياد أن يوجه رجلا ً له حزم وجزالة. فوجه سنان بن سلمة الهذلي فأتى مكران، فلم يزل ا مقيما ثم صرفه زياد، وولى راشد بن عمرو الجديدي الأزدي، فغزا القيقان، فظفر وغنم، وغزا بعض بلاد السند، وفتح بلاد الهند، وكانت الهند يومئذ أهون شوكة من السند، فقتل راشد ببلاد السند. وأقام زياد على ولاية العراق اثنتي عشرة سنة، وكان لزياد دهاء ورجله وصولة، وكان أول من دون الدواوين ووضع النسخ للكتب، وأفرد كتاب الرسائل من العرب والموالي المتفصحين. وكان زياد يقول: ينبغي أن يكون كتاب الخراج من رؤساء الأعاجم العالمين بأمور الخراج. وكان زياد يقول: ملاك السلطان أربع خلال: العفاف عن المال، والقرب من المحسن، والشدة على المسيء، وصدق اللسان. وكان زياد أول من بسط الأرزاق على عماله ألف درهم ألف درهم، ولنفسه خمسة وعشرين ألف درهم. وكان زياد يقول: ينبغي للوالي أن يكون أعلم بأهل عمله منهم بأنفسهم. فقام إليه رجل فقال: أصلح االله الأمير! تعرفني؟ فقال: نعم المعرفة الجامعة! أعرفك باسمك واسم أبيك، وكنيتك، وعريفك، وعشيرتك ،وفصيلتك، ولقد بلغ من معرفتي بكم أني أرى البرد على أحدكم، ثم آخر عارية، فأعرفه. واختصم إلى زياد رجلان فقال أحدهما: أصلح االله الأمير! إنه يدل بناحية ذكر أا له من الأمير. قال: صدق! سأخبرك بما ينفعه من ذلك، ويضرك، إن وجب له الحق عليك أخذتك له أخذا ً عنيفا ً، وإن وجب عليه حكمت وأديت عنه. وقال زياد وهو على المنبر: إن أعظم الناس كذبا ً أمير يقف على المنبر وتحته مائة ألف من الناس، فيكذم ،وإني واالله لا أعدكم أجرا ً إلا انجزته، ولا أعاقبكم حتى أتقدم عليكم. وكان زياد يقول لأصحابه: ليس كل يصل إلي ولا كل من وصل إلى أمكنه الكلام، فاستشفعوا لمن وراءكم، فإني من ورائكم أمنع إن أردت أن أمنع. وكان زياد يقول: أربعة أعمال لا يليها إلا المسن الذي قد عض على ناجذة: الثغر، والصائفة، والشرط ،والقضاء. وينبغي أن يكون صاحب الشرط شديد الصولة، قليل الغفلة، وينبغي أن يكون صاحب الحرس مسنا ً، عفيفا ً، مأمونا ً، لا يطعن عليه. وينبغي أن يكون في الكاتب خمس خلال: بعد غور، وحسن مداراة، وأحكام للعمل وألا يؤخر عمل اليوم لغد، والنصيحة لصاحبه. وينبغي للحاجب أن يكون عاقلا ،فطنا، قد خدم الملوك قبل أن يتولى حجابتهم وتوفي زياد بالكوفة سنة أربع وخمسين. وروي أنه كان أحضر قوما ً بلغه ام شيعة لعلي ليدعوهم إلى لعن علي والبراءة منه، أو يضرب أعناقهم ،وكانوا سبعين رجلا ً، فصعد المنبر، وجعل يتكلم بالوعيد والتهديد، فنام بعض القوم، وهو جالس، فقال له بعض أصحابه: تنام وقد أحضرت لتقتل؟ فقال: من عمود إلى عمود فرقان، لقد رأيت في نومتي هذه عجبا ً. قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت رجلا ً أسود دخل المسجد فضرب رأسه السقف، فقلت: من أنت يا هذا؟ فقال: أنا النقاد داق الرقبة. قلت: وأين تريد؟ قال: أدق عنق هذا الجبار الذي يتكلم على هذه الأعواد. فبينا زياد يتكلم على المنبر إذ قبض على إصبعه، ثم صاح: يدي! وسقط عن المنبر مغشيا عليه، فأدخل القصر، وقد طعن في خنصرة اليمنى، فجعل لا يتغاذ، فأحضر الطبيب، فقال له: اقطع يدي! قال: أيها الأمير! أخبرني عن الوجع تجده في يدك، أو في قلبك؟ قال: واالله إلا في قلبي. قال: فعش سويا. فلما نزل به الموت كتب إلى معاوية أني كتبت إلى أمير المؤمنين، وأنا في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، وقد استخلفت على عملي خالد ابن عبد االله بن خالد بن أسيد. فلما توفي زياد ووضع نعشه ليصلي عليه تقدم عبيد االله ابنه فنحاه، وتقدم خالد بن عبد االله فصلى عليه ،فلما فرغ من دفنه خرج عبيد االله من ساعته إلى معاوية، فلما قيل لمعاوية هذا عبيد االله قال: يا بني! ما منع أباك أن يستخلفك؟ أما لو فعل لفعلت. فقال: نشدتك االله، يا أمير المؤمنين، أن يقولها لي أحد بعدك ما منع أباه وعمه أن يستعملاه؟ فولاه خراسان، وصير إليه ثغرى الهند. وتوفي المنذر فولى مكانه سنان بن سلمة ،فقاتل القيقان والبوقان، وظفر، ورزقه االله النصر عليهم. وصار عبيد االله بن زياد إلى خراسان، فبدأ ببخارى، وعليها ملكة يقال لها خاتون فقاتلهم حتى فتحها، ثم قطع ر بلخ، وكان أول عربي قطع ر بلخ، وحاربه القوم محاربة شديدة، وكان الظفر له، ثم انصرف من خراسان إلى معاوية فولاه البصرة سنة ست وخمسين، وقيل أول سنة سبع وخمسين. وولى معاوية عبد االله بن زياد خراسان، فاستضعفه، فعزله، وولي عبد الرحمن بن زياد، فلم يحمده، فعزله ،فقدم عبد الرحمن بمال عظيم، فقيل إنه قال: قدمت معي بمال يكفيني مائة سنة لكل يوم ألف درهم ، فذهب ذلك المال، حتى نظر إليه في أيام الحجاج على حمار فقيل له: أين المال؟ فقال: لا يكفي إلا وجه االله، والحمار أيضا ً ليس لي، إنما هو عارية. وولى معاوية خراسان بعد عبد الرحمن بن زياد سعيد بن عثمان بن عفان، فقطع النهر، وصار إلى بخارى ،فطلبت خاتون ملكة بخارى الصلح، فأجاا إلى ذلك، ثم رجعت عن الصلح، وطمعت في سعيد، فحارم سعيد، فظفر، وقتل مقتلة عظيمة. وسار إلى سمرقند، فحاصرها، فلم يكن له طاقة ا، فظفر بحصن فيه أبناء الملوك، فلما صاروا في يده طلب القوم الصلح، فحلف ألا يبرح حتى يدخل المدينة، ففتح له باب المدينة، فدخلها، ورمى القهندز بحجر، وكان معه قثم بن العباس بن عبد المطلب فتوفي بسمرقند. فلما بلغ عبد االله بن عباس موته قال: ما أبعد ما بين مولده ومقبرة، مولده بمكة، وقبره بسمرقند، فانصرف سعيد بن عثمان إلى معاوية، فولى معاوية مكانه أسلم بن زرعة. وصار سعيد إلى المدينة، ومعه أسراء من أولاد ملوك السغد، فوثبوا عليه، وقتلوه، وقتل بعضهم بعضا ،حتى لم يبق منهم أحد. وأقام أسلم بن زرعة شهورا، وكان عمال خراسان يترلون هراة، ثم ولى معاوية خليد بن عبد االله الحنفي، فكان آخر ولاته على خراسان. وأراد سعد بن أبي وقاص أن يعمل له، فامتنع عليه، ولزم مترله، وكان يسكن قصرا له خارج المدينة على عشرة أميال فلم يزل نازلا به حتى توفي، وكانت وفاته سنة خمس وخمسين، وحمل على أيدي الرجال من قصره إلى المدينة، حتى دفن بالبقيع. وتوفي أيام معاوية أربع من أزواج رسول االله: حفصة بنت عمر، توفيت سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو عامل المدينة، وصفية بنت حيي بن أخطب توفيت سنة خمسين، وخولة بنت الحارث توفيت سنة ست وخمسين، وعائشة بنت أبي بكر توفيت سنة ثمان وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة، وكان خليفة لمروان على المدينة، فقال بعض من حضر: صلى عليها أعدى الناس لها. وتوفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين. وكان لمعاوية حلم ودهاء، وجود بالمال على المداراة من رجل يبخل على طعامه. وقال سعيد بن العاص: سمعت معاوية يوما ً يقول: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ،ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت. قيل: وكيف، يا أمير المؤمنين؟ قال: كانوا إذا مدوها خليتها ،وإذا خلوها مددا. وكان إذا بلغه عن رجل ما يكره قطع لسانه بالإعطاء، وربما احتال عليه فبعث به في الحروب، وقدمه، وكان أكثر فعله المكر والحيلة. وحج بالناس، في جميع سني ولايته، حجتين سنة أربع وأربعين وسنة خمسين، وأراد أن يحمل منبر رسول االله صلى االله عليه وسلم فنال المنبر زلزلة، حتى ظن أنه آخر الدنيا، فتركه ثم زاد فيه خمس مراق من أسفله، واعتمر عمرة رجب في سنة ست وخمسين. وكان أول من كسا الكعبة الديباج، واشترى لها العبيد. وكان يغلب عليه عمرو بن العاص، ويزيد بن الحر العبسي، والضحاك بن قيس الفهري وكان الضحاك على شرطته، وعلى حرسه أبو مخارق مولى حمير، وحاجبه رباح، مولاه. وكان معاوية جهم الوجه جاحظ العين، وافر اللحية، عريض الصدر، عظيم الأليتين، قصير الساقين والفخذين، وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر، وتوفي مستهل رجب، ويقال للنصف من رجب سنة ستين، وهو ابن سبع وسبعين سنة، ويقال ثمانين سنة، وقد كان ضعف ونحل، وسقطت ثنيتاه. قال صالح بن عمرو: ورأيت معاوية على المنبر معتما بعمامة سوداء، قد سدلها على فيه، وهو يقول: معشر الناس! كبرت سني، وضعفت قوتي، وأصبت في أحسني، فرحم االله من دعا لي! ثم بكى، فبكى معه الناس. وخرج الضحاك بن قيس، لما مات معاوية، فوضع أكفانه على المنبر، ثم قال: إن معاوية كان ناب العرب وحبلها، وقد مات، وهذه أكفانه، ونحن مدرجوه فيها، وموردوه قبره، ثم هو آخر اللقاء. وصلى عليه الضحاك بن قيس الفهري لغيبة يزيد في ذلك الوقت، ودفن بدمشق، وخلف من الذكور أربعة: يزيد وعبد االله ومحمدا ً، وعبد الرحمن. وأقام الحج في أيامه سنة واحد وأربعون واثنان وأربعون عتبة بن أبي سفيان، وفي سنة ثلاث وأربعون مروان ابن الحكم، وفي سنة أربع وأربعون معاوية بن أبي سفيان ،وفي سنة خمس وأربعون مروان بن الحكم، وفي سنة ست وأربعون عتبة بن أبي سفيان، وفي سنة سبع وأربعون عتبة بن أبي سفيان وفي سنة ثمان وأربعون مروان بن الحكم، وفي سنة تسع وأربعون سعيد بن العاص، وفي سنة خمسين معاوية بن أبي سفيان، وفي سنة وحد وخمسين يزيد بن معاوية، وفي سنة اثنان وخمسين سعيد بن العاص، وفي سنة ثلاث وخمسون سعيد بن العاص أيضا ً، وفي سنة أربع وخمسون مروان بن الحكم، وفي سنة خمس وخمسون مروان ابن الحكم أيضا ً، وفي سنة ست وخمسون الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وفي سنة سبع وخمسون الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان أيضا ً، وفي سنة ثمان وخمسون الوليد بن عتبة أيضا ً، وفي سنة تسع وخمسون عثمان بن محمد بن أبي سفيان. وغزا بالناس في ولايته سنة واحد وأربعون، وجه حبيب بن مسلمة، فصالح صاحب الروم، وكره أن يشغله. وسنة ثلاث وأربعون غزا بسر بن أبي أرطأة أرض الروم ومشتاة ا. سنة أربع وأربعون غزا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد حتى بلغ قلونية. سنة خمس وأربعون عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وشتا بأرض الروم وبلغ أنطاكية سنة ست وأربعون مالك بن عبد االله الخثعمي، وقيل مالك بن هبيرة السكوني، وشتا بأرض الروم سنة سبع وأربعون مالك بن هبيرة السكوني وشتا بأرض الروم سنة ثمان وأربعون عبد الرحمن العتبي وبلغ أنطاكية السوداء. سنة تسع وأربعون فضالة بن عبيد، ففتح االله على يده، وسبى سبيا ً كثيرا ً. سنة خمسين غزا بسر بن أبي أرطأة، وشتا سفيان بن عوف. سنة واحد وخمسين غزا محمد بن عبد الرحمن، وشتا فضالة بن عبيد الأنصاري. سنة اثنان وخمسين سفيان بن عوف، فتوفي، فاستخلف عبد االله بن مسعدة الفزاري. سنة ثلاث وخمسين محمد بن مالك، وقيل فتحت طرسوس في هذه السنة، فتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي. سنة خمس وخمسين مالك بن عبد االله الخثعمي، وشتا بأرض الروم سنة ست وخمسين يزيد بن معاوية ،فبلغ القسطنطينية، وشتا مسعود بن أبي مسعود، وكان على البر يزيد بن شجرة، وعلى البحر عياض بن الحارث، كل هذا يقال سنة سبع وخمسين عبد االله بن قيس. سنة ثمان وخمسين مالك بن عبد االله الخثعمي، ويقال عمرو بن يزيد الجهني، وقيل يزيد بن شجرة في البحر. سنة تسع وخمسين عمرو بن مرة الجهني في البر، لم يكن عامئذ غزوة بحر. وكان الفقهاء في أيام معاوية عبد االله بن عباس، عبد االله بن عمر بن الخطاب، المسور بن مخرمة الزهري، السائب بن يزيد، عبد الرحمن بن حاطب، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، سعيد بن المسيب، عروة بن الزبير، عطاء ابن يسار، القاسم بن محمد بن أبي بكر، عبيدة بن قيس السلماني، الربيع ابن خشيم الثوري، زر بن حبيش، الحارث بن قيس الجعفي، عمرو بن عتبة بن فرقد، الأحنف بن قيس، الحارث بن عمير الزبيدي، سويد بن غفلة الجعفي، عمرو بن ميمون الأودي ،مطرف بن عبد االله بن الشخير شقيق بن سلمة، عمرو بن شرحبيل، عبد االله بن يزيد الخطمي، الحارث الأعور الهمداني، مسروق بن الأجدع، علقمة بن قيس الخثعمي، شريح بن الحارث الكندي، زيد بن وهب الهمداني. أيام يزيد بن معاوية وملك يزيد بن معاوية، وأمه ميسون بنت بحدل الكلبي، في مستهل رجب سنة ستون، وكانت الشمس يومئذ في الثور درجة وعشرين دقيقة، والقمر في العقرب... درجات وثلاثين دقيقة، وزحل في السرطان إحدى عشرة درجة، والمشتري في الجدي تسع عشرة درجة، والمريخ في الجوزاء اثنتين وعشرين درجة وثلاثين دقيقة، والزهرة في الجوزاء ثماني درجات وخمسين دقيقة، وعطارد في الثور عشرين درجة وثلاثين دقيقة، وكان غائبا ً فلما قدم دمشق كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وهو عامل المدينة: إذا أتاك كتابي هذا، فأحضر الحسين بن علي، وعبد االله بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما ،وابعث لي برؤوسهما، وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم، وفي الحسين بن علي وعبد االله بن الزبير، والسلام. فورد الكتاب على الوليد ليلا ً، فوجه إلى الحسين وإلى عبد االله بن الزبير، فأخبرهما الخبر ،فقالا: نصبح ونأتيك مع الناس. فقال له مروان: إما واالله إن خرجا لم ترهما، فخذهما بأن يبايعا، وإلا فاضرب أعناقهما. فقال: واالله ما كنت لأقطع أرحامهما! فخرجا من عنده وتنحيا من تحت ليلتهما ، فخرج الحسين إلى مكة، فأقام ا أياما ً، وكتب أهل العراق إليه، ووجهوا بالرسل على أثر الرسل، فكان آخر كتاب ورد عليه منهم كتاب هانئ بن أبي هانئ، وسعيد بن عبد االله الخثعمي: بسم االله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين، أما بعد فحي هلا، فإن الناس ينتظرونك، لا إمام لهم غيرك، فالعجل ثم العجل والسلام. فوجه إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وكتب إليهم، وأعلمهم أنه أثر كتابه فلما قدم مسلم الكوفة اجتمعوا إليه، فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه، وأعطوه المواثيق على النصرة والمشايعة والوفاء. وأقبل الحسين من مكة يريد العراق، وكان يزيد قد ولى عبيد االله بن زياد العراق، وكتب إليه: قد بلغني أن أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنه قد خرج من مكة متوجها نحوهم، وقد بلي به بلدك من بين البلدان، وأيامك من بين الأيام، فإن قتلته، وإلا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد، فاحذر أن يفوتك. مقتل الحسين بن علي وقدم عبيد االله بن زياد الكوفة، وا مسلم بن عقيل قد نزل على هانئ بن عروة، وهانئ شديد العلة ،وكان صديقا لابن زياد، فلما قدم ابن زياد الكوفة أخبر بعلة هانئ، فأتاه ليعوده، فقال هانئ لمسلم بن عقيل وأصحابه، وهم جماعة: إذا جلس ابن زياد عندي وتمكن، فإني سأقول اسقوني، فاخرجوا فاقتلوه ،فأدخلهم البيت وجلس في الرواق. وأتاه عبيد االله بن زياد يعوده، فلما تمكن قال هانئ بن عروة: اسقوني! فلم يخرجوا، فقال: اسقوني، ما يؤخركم؟ ثم قال: اسقوني، ولو كانت فيه نفسي، ففهم ابن زياد، فقام فخرج من عنده، ووجه بالشرط يطلبون مسلما ً، وخرج وأصحابه، وهو لا يشك في وفاء القوم، وصحة نيام، فقاتل عبيد االله، فأخذوه ،فقتله عبيد االله، وجر برجله في السوق وقتل هانئ ابن عروة لترول مسلم مترله وإعانته إياه. وسار الحسين يريد العراق، فلما بلغ القطقطانة أتاه الخبر بقتل مسلم بن عقيل، ووجه عبيد االله بن زياد ، لما بلغه قربه من الكوفة، بالحر بن يزيد، فمنعه من أن يعدل، ثم بعث إليه بعمر بن سعد بن أبي وقاص في جيش، فلقي الحسين بموضع على الفرات يقال له كربلاء وكان الحسين في اثنين وستين، أو اثنين وسبعين رجلا ً من أهل بيته وأصحابه، وعمر بن سعد في أربعة آلاف، فمنعوه الماء، وحالوا بينه وبين الفرات ،فناشدهم االله عز وجل، فأبوا إلا قتاله أو يستسلم، فمضوا به إلى عبيد االله بن زياد فيرى رأيه فيه، وينفذ فيه حكم يزيد، فروي عن علي بن الحسين أنه قال: إني لجالس في العشية التي قتل أبي الحسين ابن علي في صبيحتها، وعمتي زينب تمرضني، إذ دخل أبي، وهو يقول: يا دهر أف لك من خليل كم لك في الإشراق والأصيل من طالب وصاحب قتيل والدهر لا يقنع بالبديلوإنما الأمر إلى الجليل وكل حي سألك السبيل ففهمت ما قال: وعرفت ما أراد، وخنقتني عبرتي، ورددت دمعي، وعرفت أن البلاء قد نزل بنا، فأما عمتي زينب، فإا لما سمعت ما سمعت، والنساء من شأن الرقة والجزع، لم تملك إن وثبت تجر ثوا حاسرة، وهي تقول: ووا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة اليوم! ماتت فاطمة وعلي والحسن بن علي أخي، فنظر إليها فردد غصته، ثم قال: يا أختي اتقي االله، فإن الموت نازل لا محالة! فلطمت وجهها ،وشقت جيبها، وخرت مغشيا ً عليها، وصاحت: واويلاه! وواثكلاه! فتقدم إليها، فصب على وجهها الماء، وقال لها: يا أختاه، تعزي بعزاء االله، فإن لي ولكل مسلم أسوة برسول االله، ثم قال: إني أقسم عليك ،فأبرى قسمي، لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور، ثم جاء ا حتى أجلسها عندي، فإني لمريض مدنف، وخرج إلى أصحابه. فلما كان من الغد خرج فكلم القوم، وعظم عليهم حقه، وذكرهم االله عز وجل ورسوله، وسألهم أن يخلوا بينه وبين الرجوع، فأبوا إلا قتاله، أو أخذه حتى يأتوا به عبيد االله بن زياد، فجعل يكلم القوم بعد القوم والرجل بعد الرجل، فيقولون: ما ندري ما تقول، فأقبل على أصحابه فقال: إن القوم ليسوا يقصدون غيري، وقد قضيتم ما عليكم فانصرفوا، فأنتم في حل. فقالوا: لا واالله، يا ابن رسول االله، حتى تكون أنفسنا قبل نفسك، فجزاهم الخير. وخرج زهير بن القين على فرس له فنادى: يا أهل الكوفة! نذار لكم من عذاب االله! نذار عباد االله! ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ولد سمية، فإن لم تنصروهم، فلا تقاتلوهم. أيها الناس! إنه ما أصبح على ظهر الأرض ابن بنت نبي إلا الحسين، فلا يعين أحد على قتله ولو بكلمة إلا نغصه االله الدنيا، وعذبه أشد عذاب الآخرة. ثم تقدموا رجلا ً رجلا ً، حتى بقي وحده ما معه أحد من أهله، ولا ولده، ولا أقاربه، فإنه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد له في تلك الساعة، فأذن في أذنه، وجعل يحنكه، إذ أتاه سهم، فوقع في حلق الصبي، فذبحه، فترع الحسين السهم من حلقه، وجعل يلطخه بدمه يقول: واالله لأنت أكرم على االله من الناقة، ولمحمد أكرم على االله من صالح! ثم أتى فوضعه مع ولده وبني أخيه، ثم حمل عليهم، فقتل منهم خلقا ً عظيما ً، وأتاه سهم فوقع في لبته، فخرج من قفاه، فسقط، وبادر القوم فاحتزوا رأسه، وبعثوا به إلى عبيد االله بن زياد، وانتهبوا مضاربه، وابتزوا حرمه، وحملوهن إلى الكوفة، فلما دخلن إليها خرجت نساء الكوفة يصرخن ويبكين، فقال علي بن الحسين: هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا؟ وأخرج عيال الحسين وولده إلى الشام، ونصب رأسه على رمح، وكان مقتله لعشر ليال خلون من المحرم سنة واحد وستون ،واختلفوا في اليوم، فقالوا: يوم السبت، وقالوا: يوم الإثنين، وقالوا: يوم الجمعة، وكان من شهور العجم في تشرين الأول. قال الخوارزمي: وكانت الشمس يومئذ في الميزان سبع عشرة درجة وعشرين دقيقة، والقمر في الدلو عشرين درجة وعشرين دقيقة، وزحل في السرطان تسعا ً وعشرين درجة وعشرين دقيقة، والمشتري في الجدي اثنتي عشرة درجة وأربعين دقيقة، والزهرة في السنبلة خمس درجات وخمسين دقيقة، وعطارد في الميزان خمس درجات وأربعين دقيقة، والرأس في الجوزاء درجة وخمسا ً وأربعين دقيقة. ووضع الرأس بين يدي يزيد، فجعل يزيد يقرع ثناياه بالقصب وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول االله، كان دفع إليها قارورة فيها تربة، وقال لها: إن جبريل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين قد قتل، وكانت عندها، فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة، فلما رأا قد صارت دما صاحت: وا حسيناه! وابن رسول االله! وتصارخت النساء من كل ناحية، حتى ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط. وكانت سن الحسين يوم قتل ستا ً وخمسين سنة، وذلك أنه ولد في سنة أربعة من الهجرة. وقيل للحسين: ما سمعت من رسول االله؟ قال: سمعته يقول: إن االله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ،وعقلت عنه أنه يكبر فأكبر خلفه، فإذا سمع تكبيري أعاد التكبير حتى يكبر سبعا ً، وعلمني: قل هو االله أحد، وعلمني الصلوات الخمس، وسمعته يقول: من يطع االله يرفعه، ومن يعص االله يضعه، ومن يخلص نيته الله يزينه، ومن يثق بما عند االله يغنه، ومن يتعزز على االله يذله. ئ قال بعضهم: سمعت الحسين يقول: الصدق عز، والكذب عجز، والسر أمانة والجوار قرابة، والمعونة صداقة، والعمل تجربة، والخلق الحسن عبادة، والصمت زين، والشح فقر والسخاء غنى، والرفق لب. ووقف الحسين بن علي بالحسن البصري، والحسن لا يعرفه، فقال له الحسين: يا شيخ هل ترضى لنفسك يوم بعثك؟ قال: لا! قال: فتحدث نفسك بترك ما لا ترضاه لنفسك من نفسك يوم بعثك؟ قال: نعم بلا حقيقة. قال: فمن أغش لنفسه منك يوم بعثك، وأنت لا تحدث نفسك بترك ما لا ترضاه لنفسك بحقيقة؟ ثم مضى الحسين، فقال الحسن البصري: من هذا؟ فقيل له: الحسين بن علي. فقال: سهلتم علي. وكان للحسين من الولد: علي الأكبر، لا بقية له، قتل بالطف، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وعلي الأصغر، وأمه حرار بنت يزدجرد، وكان الحسين سماها غزالة. وقيل لعلي بن الحسين: ما أقل ولد أبيك! قال: العجب كيف ولدت له، إنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فمتى كان يفرغ للنساء؟ وأقام عبد االله بن الزبير بمكة خالعا ً يزيد، ودعا إلى نفسه، وأخرج عامل يزيد. ووجه إليه يزيد ابن عضاة الأشعري، وكتب إليه يعطيه الأمان، ويعلمه أنه كان حلف ألا يقبل بيعته إلا وهو في جامعة حديد، حتى يبايع ثم يطلقه. وكان مروان بن الحكم عامل المدينة، فكره ابن الزبير أن يجيب إلى ذلك، وداخله الهلع عندما بلغه من قتل الحسين، فوجه إليه مع بعض ثقاته بشعر يقول فيه: فخذها فليست للعزيز بخطه وفيها مقال لامرئ متذلل

وكان ابن الزبير شديد العزة، فلم يفعل، وأجاب ابن عضاة بجواب غليظ، فقال ابن عضاة: إن الحسين بن علي كان أجل قدرا ً في الإسلام وأهله من قبل، وقد رأيت حاله، فقال له ابن الزبير: إن الحسين بن علي خرج إلى من لا يعرف حقه، وإن المسلمين قد اجتمعوا علي. فقال له: فهذا ابن عباس، وابن عمر لم يبايعك، وانصرف. وأخذ ابن الزبير عبد االله بن عباس بالبيعة له، فامتنع عليه، فبلغ يزيد بن معاوية أن عبد االله بن عباس قد امتنع على ابن الزبير، فسره ذلك، وكتب إلى ابن عباس: أما بعد فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته، وعرض عليك الدخول في طاعته لتكون على الباطل ظهيرا وفي المأثم شريكا، وإنك امتنعت عليه ،واعتصمت ببيعتنا وفاء منك لنا، وطاعة الله فيما عرفك من حقنا، فجزاك االله من ذي رحم بأحسن ما يجزى به الواصلين لأرحامهم، فإني ما آنس من الأشياء فلست بناس برك، وحسن جزائك، وتعجيل صلتك بالذي أنت مني أهله في الشرف والطاعة والقرابة بالرسول، وانظر، رحمك االله، فيمن قبلك من قومك، ومن يطرؤ عليك من الآفاق ممن يسحره الملحد بلسانه وزخرف قوله، فأعلمهم حسن رأيك في طاعتي والتمسك ببيعتي، فإم لك أطوع، ومنك أسمع منهم للمحل الملحد، والسلام. فكتب إليه عبد االله بن عباس: من عبد االله بن عباس إلى يزيد بن معاوية. أما بعد، فقد بلغني كتابك بذكر دعاء ابن الزبير إياي إلى نفسه وامتناعي عليه في الذي دعاني إليه من بيعته، فإن يك ذلك كما بلغك ، فلست حمدك أردت، ولا ودك، ولكن االله بالذي أنوي عليم. وزعمت أنك لست بناس ودي فلعمري ما تؤتينا مما في يديك من حقنا إلا القليل، وإنك لتحبس عنا منه العريض الطويل، وسألتني أن أحث الناس عليك وأخذ لهم عن ابن الزبير، فلا، ولا سرورا ً، ولا حبورا ً، وأنت قتلت الحسين بن علي، بفيك الكثكث ولك الأثلب، إنك إن تمنك نفسك ذلك لعازب الرأي، وإنك لأنت المفند المهور. لا تحسبني، لا أبا لك، نسيت قتلك حسينا وفتيان بني عبد المطلب، مصابيح الدجى، ونجوم الأعلام، غادرهم جنودك مصرعين في صعيد، مرملين بالتراب، مسلوبين بالعراء، لا مكفنين، تسفي عليهم الرياح، وتعاورهم الذئاب، وتنشى م عرج الضباع، حتى أتاح االله لهم أقواما ً لم يشتركوا في دمائهم، فأجنوهم في أكفام ،وبي واالله وم عززت وجلست مجلسك الذي جلست، يا يزيد. وما آنس من الأشياء، فلست بناس تسليطك عليهم الدعي العاهر، ابن العاهر، البعيد رحما، اللئيم أبا وأما الذي في ادعاء أبيك إياه ما اكتسب أبوك به إلا العار والخزي والمذلة في الآخرة والأولى، وفي الممات والمحيا، إن نبي االله قال: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. فألحقه بأبيه كما يلحق بالعفيف النقي ولده الرشيد، وقد أمات أبوك السنة جهلا ً وأحيا البدع والأحداث المضلة عمدا ً. وما آنس من الأشياء، فلست بناس إطرادك الحسين بن علي من حرم رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى حرم االله، ودسك إليه الرجال تغتاله، فأشخصته من حرم االله إلى الكوفة، فخرج منها خائفا يترقب، وقد كان أعز أهل البطحاء بالبطحاء قديما ً، وأعز أهلها ا حديثا ً، وأطوع أهل الحرمين بالحرمين لو تبوأ ا مقاما واستحل ا قتالا ً، ولكن كره أن يكون هو الذي يستحل حرمة البيت وحرمة رسول االله صلى االله عليه وسلم فأكبر من ذلك ما لم تكبر حيث دسست إليه الرجال فيها ليقاتل في الحرم وما لم يكبر ابن الزبير حيث الحد بالبيت الحرام وعرضه للعائر وأراقل العالم، وأنت؟ لأنت المستحل فيما أظن بل لا شك فيه إنك للمحرف العريف، فإنك حلف نسوة، صاحب ملأه، فلما رأى سوء رأيك شخص إلى العراق ،ولم يبتغك ضرابا، وكان أمر االله قدرا ً مقدورا ً. ثم إنك الكاتب إلى ابن مرجانة أن يستقبل حسينا بالرجال، وأمرته بمعاجلته، وترك مطاولته، والإلحاح عليه، حتى يقتله ومن معه من بني عبد المطلب، أهل البيت الذين أذهب االله عنهم الرجاس، وطهرهم تطهيرا ً، فنحن أولئك لسنا كأبائك الأجلاف قاه الأكباد الحمير. ثم طلب الحسين بن علي إليه الموادعة، وسألهم الرجعة، فاغتنمتم قلة أنصاره ،واستئصال أهل بيته، فعدوتم عليهم، فقتلوهم كأنما قتلوا أهل بيت من الترك والكفر، فلا شيء عندي أعجب من طلبك ودي ونصري، وقد قتلت بني أبي، وسيفك يقطر من دمي، وأنت آخذ ثاري، فإن يشأ االله لا يطل لديك دمي ولا تسبقني بثأري، وإن سبقتني به في الدنيا، فقبلنا ما قتل النبيون وآل النبيين وكان االله الموعد، وكفى به للمظلومين ناصرا ً، ومن الظالمين منتقما ً. فلا يعجبنك أن ظفرت بنا اليوم، فو االله لنظفرن بك يوما ً. فأما ما ذكرت من وفائي، وما زعمت من حقي، فإن يك ذلك كذلك، فقد واالله بايعت أباك، وإني لأعلم أن ابني عمي وجميع بني أبي أحق ذا الأمر من أبيك، ولكنكم، معاشر قريش، كاثرتمونا، فاستأثرتم علينا سلطاننا، ودفعتمونا عن حقنا، فبعدا على من يجترئ على ظلمنا، واستغوى السفهاء علينا، وتولى الأمر دوننا. فبعدا لهم كما بعدت ثمود، وقوم لوط، وأصحاب مدين، ومكذبو المرسلين. ألا ومن أعجب الأعاجيب، وما عشت أراك الدهر العجيب، حملك بنات عبد المطلب وغلمة صغارا ً من ولده إليك بالشام كالسبي الوب، ترى الناس أنك قهرتنا، وأنك تأمر علينا، ولعمري لئن كنت تصبح وتمسي آمنا لجرح يدي، إني لأرجو أن يعظم جراحك بلساني ونقضي وإبرامي، فلا يستقر بك الجدل ،ولا يمهلك االله بعد قتلك عترة رسول االله صلى االله عليه وسلم إلا قليلا ً، حتى يأخذك أخذا ً أليما ً ، فيخرجك االله من الدنيا ذميما ً أثيما ً، فعش لا أبا لك، فقد واالله أرداك عند االله ما اقترفت. والسلام على من أطاع االله. وولى يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان المدينة، فأتاه ابن مينا، عامل صوافي معاوية، فأعلمه أنه أراد حمل ما كان يحمله في كل سنة من تلك الصوافي من الحنطة والتمر، وأن أهل المدينة منعوه من ذلك، فأرسل عثمان إلى جماعة منهم، فكلمهم بكلام غليظ، فوثبوا به وبمن كان معه بالمدينة من بني أمية، وأخرجوهم من المدينة واتبعوهم يرجموم بالحجارة، فلما انتهى الخبر إلى يزيد بن معاوية وجه إلى مسلم بن عقبة ،فأقدمه من فلسطين، وهو مريض، فأدخله مترله، ثم قص عليه القصة، فقال: يا أمير المؤمنين! وجهني إليهم فو االله لأدعن أسفلها أعلاها، يعني مدينة الرسول، فوجهه في خمسة آلاف إلى المدينة، فأوقع بأهلها وقعة الحرة، فقاتله أهل المدينة قتالا ً شديدا، وخندقوا على المدينة، فرام ناحية من نواحي الخندق، فتعذر ذلك عليه، فخدع مروان بعضهم، فدخل ومعه مائة فارس، فاتبعه الخيل حتى دخلت المدينة، فلم يبق ا كثير أحد إلا قتل، وأباح حرم رسول االله، حتى ولدت الأبكار لا يعرف من أولدهن، ثم أخذ الناس على أن يبايعوا على ام عبيد يزيد بن معاوية، فكان الرجل من قريش يؤتى به، فيقال: بايع آية إنك عبد قن ليزيد، فيقول: لا! فيضرب عنقه، فأتاه علي بن الحسين فقال: علام يريد يزيد أن أبايعك؟ قال: على أنك أخ وابن عم. فقال: وإن أردت أن أبايعك على أني عبد قن، فعلت فقال: ما أحشمك هذا، فلما أن رأى الناس إجابة علي بن الحسين قالوا: هذا ابن رسول االله صلى االله عليه وسلم بايعه على ما يريد، فبايعوه على ما أراد، وكان ذلك سنة اثنان وستون. وكان جيش مسلم خمسة آلاف رجل: من فلسطين ألف رجل عليهم روح ابن زنباع الجذامي، ومن الأردن ألف رجل عليهم حبيش بن دلجة القيني، ومن دمشق ألف رجل عليهم عبد االله بن مسعدة الفزاري، ومن أهل حمص ألف رجل عليهم الحصين بن نمير السكوني، ومن قنسرين ألف رجل عليهم زفر بن الحارث الكلابي. وكان المدبر لأمر أهل المدينة والرئيس في محاربة أهل الشام عبد االله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري. وخرج مسلم بن عقبة من المدينة يريد مكة لمحاربة ابن الزبير، فلما صار بثنية المشلل احتضر، واستخلف الحصين بن نمير، وقال له: يا برذعة الحمار! لو لا حبيش بن دلجة القيني لما وليتك، فإذا قدمت مكة، فلا يكون عملك إلا الوقاف ثم الثقاف، ثم الانصراف، ثم قال: اللهم إن عذبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية وقتل أهل الحرة، فإني إذا لشقي. ثم خرجت نفسه فدفن بثنية المشلل، وجاءت أم ولد يزيد بن عبد االله بن زمعة، فنبشته وصلبته على المشلل، وجاء الناس فرجموه، وبلغ الخبر الحصين بن نمير فرجع فدفنه ،وقتل جماعة من أهل ذلك الموضع، وقيل لم يدع منهم أحدا ً. وقدم الحصين بن نمير مكة فناوش ابن الزبير الحرب في الحرم، ورماه بالنيران حتى أحرق الكعبة. وكان عبد االله بن عمير الليثي قاضي ابن الزبير، إذا تواقف الفريقان قام على الكعبة، فنادى بأعلى صوته: يا أهل الشام! هذا حرم االله الذي كان مأمنا ً في الجاهلية يأمن فيه الطير والصيد، فاتقوا االله، يا أهل الشام! فيصيح الشاميون: الطاعة الطاعة! الكرة الكرة! الرواح قبل المساء! فلم يزل على ذلك حتى أحرقت الكعبة، فقال أصحاب ابن الزبير: نطفئ النار، فمنعهم، وأراد أن يغضب الناس للكعبة، فقال بعض أهل الشام إن الحرمة والطاعة اجتمعتا، فغلبت الطاعة الحرمة. وكان حريق الكعبة في سنة ثلاث وستون. وولى يزيد سلم بن زياد خراسان، وبعث معه بعده من الأشراف، أحدهم طلحة الطلحات، وهو طلحة بن عبد االله بن خلف الخزاعي، والمهلب ابن أبي صفرة، وعمر بن عبيد االله بن معمر التيمي، وعبد االله بن خازم السلمي فصار إلى خراسان، فأقام بنيسابور، ثم صار إلى خوارزم، ففتحها. ثم صار إلى بخارى، وملكتها خاتون، فلما رأت كثرة جمعه هالها ذلك، وكتبت إلى طرخون ملك السغد: أني متزوجتك، فأقبل إلي لتملك بخارى، فأقبل إليها في مائة ألف وعشرين ألفا ً، فوجه سلم المهلب بن أبي صفرة طليعة له لما بلغه إقبال طرخون، فخرج وتبعه الناس، فلما أشرفوا على عسكر طرخون زحف أصحاب طرخون إليهم، والتحم القتال، ورشقهم المسلمون بالنبل، فقتل طرخون وازم أصحابه، فقتل منهم بشر كثير، فبلغت سهام المسلمين يومئذ للفارس ألفين وأربعمائة، وللراجل ألفا ً ومائتين، ولم يزل ابن زياد بخراسان حتى توفي يزيد، وكان يكتم موته حتى ذاع في الناس، فانصرف سلم من خراسان ،فاستخلف عليها ابن خازم السلمي، وذلك أنه خاف أن يثب به، فداراه وبلغه اختلاط الناس، فأعطاه عهده ومضى. وأقام ابن خازم بخراسان فعمل العجائب، ولم يكن يرد عليه، وسار سليمان إلى هراة، ووثب أوس بن ثعلبة بالطالقان، فلم يزل يحارما ويحارب الترك، وهو في كل ذلك منصور عليهم. وتوفي يزيد بن معاوية في صفر سنة أربع وستون بموضع يقال له حوارين وحمل إلى دمشق، فدفن ا، وصلى عليه معاوية بن يزيد. وكان له من الولد الذكور أربعة: معاوية، وخالد، وأبو سفيان، وعبد االله، وكان الغالب عليه حسان بن بحدل الكلبي، وروح بن زنباع الجذامي، والنعمان بن بشير، وعبد االله بن رياح، وكان على شرطة عبد االله بن عامر الهمداني، وعلى حرسه سعيد مولى كلب، وحاجبه صفوان مولاه. وكتب مروان بن الحكم إلى الحصين بن نمير، وهو في محاربة ابن الزبير: لا يهولنك ما حدث، وامض لشأنك. وبلغ الخبر ابن الزبير وذاع في العسكر، فانكسرت شوكة القوم، وأرسل الحصين بن نمير إلى ابن الزبير: نلتقي الليلة على الأمان، فالتقيا، فقال له الحصين بن نمير: إن يزيد قد مات، وابنه صبي، فهل لك أن أحملك إلى الشام، فليس بالشام أحد، فأبايع لك، فليس يختلف عليك اثنان؟ فقال ابن الزبير، رافعا صوته: لا واالله الذي لا إله إلا هو، أو تقتل بأهل الحرة أمثالهم من أهل الشام فقال له الحصين: من زعم أنك داهية فهو أحمق. أقول لك ما لك سرا ً، وتقول لي ما عليك علانية؟ ثم انصرف. وكان سعيد بن المسيب يسمى سني يزيد بن معاوية بالشؤم: في السنة الأولى قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول االله ،والثانية استبيح حرم رسول االله صلى االله عليه وسلم وانتهكت حرمة المدينة، والثالثة سفكت الدماء في حرم االله وحرقت الكعبة. وأقام الحج في ولاية يزيد بن معاوية سنة ستون عمرو بن سعيد بن العاص، وفي سنة واحد وستون الوليد بن عتبة، وفي سنة اثنان وستون الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وغزا في الناس في ولايته سنة واحد وستون، غزا مالك بن عبد االله الخثعمي الصائفة، وهي غزاة سورية. أيام معاوية بن يزيد بن معاوية

ثم ملك معاوية بن يزيد بن معاوية، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة، أربعين يوما ً، وقيل: بل أربعة أشهر، وكان له مذهب جميل، فخطب الناس، فقال: أما بعد حمد االله والثناء عليه، أيها الناس فإنا بلينا بكم وبليتم بنا فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا، ألا وإن جدي معاوية ابن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به منه في القرابة برسول االله، وأحق في الإسلام، سابق المسلمين، وأول المؤمنين، وابن عم رسول رب العالمين، وأبا بقية خاتم المرسلين، فركب منكم ما تعلمون، وركبتم منه ما لا تنكرون ،حتى أتته منيته وصار رهنا بعمله، ثم قلد أبي وكان غير خليق للخير، فركب هواه، واستحسن خطأه ، وعظم رجاؤه، فأخلفه الأمل، وقصر عنه الأجل، فقلت منعته، وانقطعت مدته، وصار أحفرته رهنا ً بذنبه ،وأسيرا ً بجرمه. ثم بكى، وقال: إن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه، وقد قتل عترة الرسول، وأباح الحرمة وحرق الكعبة، وما أنا المتقلد أموركم، ولا المتحمل تبعاتكم، فشأنكم أمركم، فو االله لئن كانت الدنيا مغنما ً لقد نلنا منها حظا ً، وإن تكن شرا ً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها. فقال له مروان بن الحكم: سنها فينا عمرية! قال: ما كنت أتقلدكم حيا وميتا، ومتى صار يزيد بن معاوية مثل عمر، ومن لي برجل مثل رجال عمر. وتوفي وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وصلى عليه خالد بن يزيد بن معاوية، وقيل بل عثمان بن محمد بن أبي سفيان، ودفن بدمشق، وكان ا يترل. أيام مروان بن الحكم وعبد االله بن الزبير وأيام من أيام عبد الملك وكان عبد االله بن الزبير بن العوام، وأمه أسماء بنت أبي بكر ،قد تغلب على مكة، وتسمى بأمير المؤمنين، ومال إليه أكثر النواحي، وكان ابتداء أمره في أيام يزيد بن معاوية، على ما اقتصصنا من خبره، ومحاربته للحصين بن نمير، فلما توفي يزيد بن معاوية مال الناس من البلدان جميعا ً إلى ابن الزبير، وكان بمصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري عاملا ً لابن الزبير، وأهل مصر في طاعته، وبفلسطين ناتل بن قيس الجذامي، وبدمشق الضحاك بن قيس الفهري، وبحمص النعمان بن بشير الأنصاري، وبقنسرين والعواصم زفر بن الحارث الكلابي، وبالكوفة عبد االله بن مطيع، وبالبصرة الحارث بن عبد االله بن أبي ربيعة، وبخراسان عبد االله بن خازم السلمي، ولم تبق ناحية إلا مالت إلى ابن الزبير خلا الأردن، ورئيسها يومئذ حسان بن بحدل الكلبي. وأخرج ابن الزبير بني أمية من المدينة، وأخذ مروان بالخروج، فأتى عبد الملك ابنه، وهو عليل مجدر، فقال له: يا بني إن ابن الزبير قد أخرجني! قال: فما يمنعك أن تخرجني معك؟ قال: كيف أخرجك وأنت على هذا الحال؟ قال: لفني في القطن، فإن هذا رأي لم يتعقبه ابن الزبير. فخرج وأخرج عبد الملك، وتعقب ابن الزبير الرأي، فعلم أنه قد أخطأ، فوجه يردهم ففاتوه. وقدم مروان، وقد مات معاوية بن يزيد، وأمر الشام مضطرب، فدعا إلى نفسه، واجتمع الناس بالجابية من أرض دمشق، فتناظروا في ابن الزبير وفيما تقدم لبني أمية عندهم، وتناظروا في خالد بن يزيد بن معاوية، وفي عمرو بن سعيد بن العاص بعده، وكان روح بن زنباع الجذامي يميل مع مروان، فقام خطيبا ً ،فقال: يا أهل الشام! هذا مروان بن الحكم شيخ قريش، والطالب بدم عثمان، والمقاتل لعلي بن أبي طالب يوم الجمل، ويوم صفين، فبايعوا الكبير، واستنيبوا للصغير، ثم لعمرو بن سعيد. فبايعوا لمروان بن الحكم، ثم لخالد بن يزيد، ثم لعمرو بن سعيد. فلما عقدوا البيعة جمعوا من كان في ناحيتهم، ثم تناظروا في أي بلد يقصدون، فقالوا: نقصد دمشق، فإا دار الملك، ومترل الخلفاء، وقد تغلب ا الضحاك بن قيس. فقصدوا دمشق، فلقوا الضحاك بمرج راهط، وكان مع الضحاك من أهل دمشق وفتينهم جماعة، وقد أمده النعمان بن بشير عامل حمص بشر حبيل بن ذي الكلاع في أهل حمص ،وأمده زفر بن الحارث الكلابي بقيس بن طريف بن حسان الهلالي، والتقوا بمرج راهط، فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً، فقتل الضحاك بن قيس وخلق من أصحابه، وهرب من بقي من جيشه. وبلغ الخبر النعمان بن بشير، وهو بحمص، فخرج هاربا ً، ومعه امرأته الكنانية وثقله وولده، فتبعه قوم من حمير وباهلة، فقتلوه في البرية، واحتزوا رأسه. ووجهوا به إلى مروان بن الحكم. وهرب زفر بن الحارث الكلابي والخيل تتبعه حتى أتى قرقيسيا وا عياض الحرشي من مذحج فأغلق أبواا دونه. فلم يزل يخدعه حتى دخلها. ووجه مروان حبيش بن دلجة القيني إلى الحجاز لمحاربة ابن الزبير، فسار حتى أتى المدينة، وعليها جابر بن الأسود بن عوف الزهري عامل ابن الزبير، وكتب ابن الزبير إلى الحارث بن عبد االله عامله على البصرة أن يوجه إليهم بجيش، فلقوا حبيشا فقتلوه وقتلوا عامة أصحابه فلم يفلت منهم إلا الشريد فكان فيمن أفلت منهم: يوسف بن الحكم الثقفي، وابنه الحجاج بن يوسف. ثم خرج مروان يريد مصر، فلما سار إلى فلسطين وجد ناتل بن قيس الجذامي متغلبا ً على البلد، وأخرج روح بن زنباع، فحاربه، فلما لم يكن لناتل قوة على محاربة مروان هرب، فلحق بابن الزبير، وسار مروان يريد مصر حتى دخلها، فصالحه أهلها، وأعطوه الطاعة، وأخرج ابن جحدم الفهري، عامل ابن الزبير، وقيل اغتاله فقتله، وقتل أكيدر بن حمام اللخمي، واستعمل عليها ابنه عبد العزيز بن مروان وانصرف. وقام سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري، وخرجا في جماعة معهما من الشيعة بالعراق ،بموضع يقال له عين الوردة، يطلبون بدم الحسين بن علي، ويعملون بما أمر االله به بني إسرائيل، إذ قال: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم، فتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم ، واتبعهم خلق من الناس، فوجه إليهم مروان عبيد االله بن زياد، وقال: إن غلبت على العراق فأنت أميرها ،فلقي سليمان بن صرد، فلم يزل يحاربه حتى قتله، وقيل لم يقتل سليمان في أيام مروان، ولكنه قتل في أيام عبد الملك. ولما صار مروان إلى الصنبرة من أرض الأردن، منصرفا من مصر، بلغه أن حسان بن بحدل قد بايع عمرو بن سعيد، فأحضره فقال له: قد بلغني أنك بايعت عمرو بن سعيد، فأنكر ذلك، فقال له: بايع لعبد الملك، فبايع لعبد الملك، ثم بعده لعبد العزيز بن مروان، ولم يبرح مروان من الصنبرة حتى توفي. وكان سبب وفاته أنه تزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل إليه يوما ً فأفحش له في القول، ثم أعاد عليه في يوم آخر مثل ذلك، فدخل خالد إلى أمه مغضبا، فخبرها، فقالت: واالله لا يشرب البارد بعدها! فصيرت له سما في لبن، فلما دخل سقته إياه. وقال بعضهم: بل وضعت على وجهه وسادة حتى قتلته. وقال قوم: إنه توفي بدمشق ودفن ا. وكانت ولاية مروان تسعة أشهر، فتوفي في شهر رمضان سنة خمس وستون، وهو ابن إحدى وستين سنة ،وكان صاحب شرطته يحيى بن قيس الغساني، وحاجبه أبو سهل الأسود، وصلى عليه عبد الملك ابنه ،وخلف من الولد اثني عشر ذكرا وهم: عبد الملك وعبد العزيز، ومعاوية، وبشر، وعمر، وأبان، وعبد االله، وعبيد االله، وأيوب، وداود، وعثمان، ومحمد. وخلف أهل الشام عبد الملك، فأقبل مسرعا ً إلى دمشق خوفا ً من وثوب عمرو بن سعيد، واجتمع الناس عليه، فقال لهم: إني أخاف أن يكون في أنفسكم مني شيء فقام جماعة من شيعة مروان، فقالوا: واالله لتقومن إلى المنبر، أو لنضربن عنقك! فصعد المنبر وبايعوه. وكان المختار بن أبي عبيد الثقفي أقبل في جماعة عليهم السلاح، يريدون نصر الحسين بن علي، فأخذه عبيد االله بن زياد، فحبسه، وضربه بالقضيب، حتى شتر عينه، فكتب فيه عبد االله بن عمر إلى يزيد بن معاوية وكتب يزيد إلى عبيد االله: إن خل سبيله، فخلى سبيله، ونفاه، فخرج المختار إلى الحجاز، فكان مع ابن الزبير، فلما لم ير ابن الزبير يستعمله شخص إلى العراق، فوافى وقد خرج سليمان بن صرد الخزاعي يطلب بدم الحسين، فلما صار إلى الكوفة اجتمعت إليه الشيعة، فقال لهم: إن محمد بن علي بن أبي طالب بعثني إليكم أميرا، وأمرني بقتل المحلين، وأطلب بدماء أهل بيته المظلومين، وإني واالله قاتل ابن مرجانة، والمنتقم لآل رسول االله ممن ظلمهم. فصدقه طائفة من الشيعة، وقالت طائفة: نخرج إلى محمد بن علي فنسأله، فخرجوا إليه، فسألوه، فقال: ما أحب إلينا من طلب بثأرنا، وأخذ لنا بحقنا، وقتل عدونا، فانصرفوا إلى المختار، فبايعوه وعاقدوه، واجتمعت طائفة. وكان ابن مطيع عامل ابن الزبير على الكوفة، فجعل يطلب الشيعة ويخيفهم، فواعد المختار أصحابه، ثم خرجوا بعد المغرب، وصاحب الجيش إبراهيم ابن مالك بن الحارث الأشتر، ونادى: يا لثارات الحسين بن علي! وكان ذلك سنة ست وستون، والتحم القتال بينهم وبين عبد االله بن مطيع، وكانت أشد حرب وأصعبها. ثم صار ابن مطيع إلى القصر ودعا الناس إلى البيعة، فبايعوا لآل رسول االله صلى االله عليه وسلم ودفع المختار إلى ابن مطيع مائة ألف، وقال له: تحمل ا وأنفذ لوجهك. وسرح المختار عماله إلى النواحي ،فأخرجوا من كان فيها، وأقاموا ا. وكان عامل المختار على الموصل عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني، فزحف إليه عبيد االله بن زياد ،بعد قتله سليمان بن صرد، فحاربه عبد الرحمن، وكتب إلى المختار بخبره، فوجه إليه يزيد بن أنس، ثم وجه إبراهيم بن مالك بن الحارث الأشتر، فلقي عبيد االله بن زياد فقتله، وقتل الحصين بن نمير السكوني ،وشرحبيل بن ذي الكلاع الحميري، وحرق أبداما بالنار، وأقام واليا على الموصل وأرمينية وآذربيجان من قبل المختار وهو على العراق وال، ووجه برأس عبيد االله بن زياد إلى علي بن الحسين إلى المدينة مع رجل من قومه، وقال له: قف بباب علي بن الحسين، فإذا رأيت أبوابه قد فتحت ودخل الناس، فذاك الوقت الذي يوضع فيه طعامه، فأدخل إليه. فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسين، فلما فتحت أبوابه ،ودخل الناس للطعام، نادى بأعلى صوته: يا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الملائكة، ومترل الوحي! أنا رسول المختار بن أبي عبيد معي رأس عبيد االله بن زياد، فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلا صرخت، ودخل الرسول، فأخرج الرأس، فلما رآه علي بن الحسين قال: أبعده االله إلى النار. وروى بعضهم أن علي بن الحسين لم ير ضاحكا يوما ً قط، منذ قتل أبوه، إلا في ذلك اليوم، وإنه كان له إبل تحمل ألفا ًكهة من الشام، فلما أتي برأس عبيد االله بن زياد أمر بتلك ألفا ًكهة، ففرقت في أهل المدينة وامتشطت نساء آل رسول االله، واختضبن، وما امتشطت امرأة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي وتتبع المختار قتلة الحسين فقتل منهم خلقا عظيما، حتى لم يبق منهم كثير أحد، وقتل عمر بن سعد وغيره، وحرق بالنار، وعذب بأصناف العذاب. وهدم ابن الزبير الكعبة في جمادى الآخرة سنة أربع وستون، حتى ألصقها بالأرض، وذلك أن الحصين بن نمير لما أراد ابن الزبير هدمها امتنع، وامتنع الناس من الهدم، فعلا عبد االله بن الزبير على البيت، فهدم، فلما رآه الناس يهدم هدموا، فلما ألصقها بالأرض خرج ابن عباس من مكة إعظاما للمقام ا، وقد هدمت الكعبة، وقال له: اضرب حوالي الكعبة الخشب لا تبق الناس بغير قبله. وروى ابن الزبير عن خالته عائشة زوج النبي صلى االله عليه وسلم أا قالت: قال لي رسول االله: يا عائشة إن بدا لقومك أن يهدموا الكعبة ثم يبنوها، فلا يرفعوها عن الأرض، وليصيروا لها بابين. فلما بلغ ابن الزبير بالهدم إلى القواعد أدخل الحجر في البناء حتى رفعها، وجعل لها بابين بابا ً شرقيا ً وبابا ً غربيا ً وصير على كل باب مصراعين، وكان على باا الأول مصراع واحد، وجعل طول البابين إحدى عشرة ذراعا ً ،وكان ارتفاعها في السماء ثماني عشرة ذراعا ً، فجعلها ابن الزبير تسعا وعشرين ذراعا ً، ولم يرفعها عن الأرض بل جعلها مستوية مع وجه الأرض. وكان قد أخذ الحجر الأسود فجعله عنده في بيته، فلما بلغ البناء إلى موضع الحجر أمر فحفر له في الحجارة على قدره، ثم أمر ابنه عبادا ً أن يأتي، وهو في صلاة الظهر، فيضعه في موضعه، والناس في الصلاة لا يعلمون، فإذا فرغ من وضعه كبر، فجاء عباد بن عبد االله بن الزبير بالحجر، وأبوه يصلي بالناس الظهر في يوم شديد الحر، فشق الصفوف حتى صار إلى الموضع، ثم وضعه، وطول ابن الزبير الصلاة حتى وقف عليه، فلما رأت قريش ذلك غضبت وقالت: واالله ما هكذا فعل رسول االله، ولقد حكمته قريش، فجعل لكل قبيلة نصيبا ً. وكان الركن لما أصابه الحريق تصدع بثلاث قطع، فشده ابن الزبير بالفضة، ولما فرغ من البناء خلق داخل الكعبة وخارجها، فكان أول من خلقها وكساها القباطي، واعتمر من التنعيم، ومشى. ومنع عبد الملك أهل الشام من الحج، وذلك أن ابن الزبير كان يأخذهم، إذا حجوا، بالبيعة، فلما رأى عبد الملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة، فضج الناس، وقالوا: تمنعنا من حج بيت االله الحرام، وهو فرض من االله علينا! فقال لهم: هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول االله قال: لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد بيت المقدس وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام ، وهذه الصخرة التي يروى أن رسول االله صلى االله عليه وسلم وضع قدمه عليها، لما صعد إلى السماء، تقوم لكم مقام الكعبة، فبنى على الصخرة قبة، وعلق عليها ستور الديباج، وأقام لها سدنة، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة، وأقام بذلك أيام بني أمية. وتحامل عبد االله بن الزبير على بني هاشم تحاملا ً شديدا ً، وأظهر لهم العداوة والبغضاء، حتى بلغ ذلك منه أن ترك الصلاة على محمد في خطبته، فقيل له: لم تركت الصلاة على النبي؟ فقال: إن له أهل سوء يشرئبون لذكره ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا به. وأخذ ابن الزبير محمد بن الحنفية، وعبد االله بن عباس، وأربعة وعشرين رجلا ً من بني هاشم ليبايعوا له ،فامتنعوا، فحبسهم في حجرة زمزم، وحلف باالله الذي لا إله إلا هو ليبايعن أو ليحرقنهم بالنار، فكتب محمد بن الحنفية إلى المختار بن أبي عبيد: بسم االله الرحمن الرحيم، من محمد بن علي ومن قبله من آل رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى المختار بن أبي عبيد ومن قبله من المسلمين، أما بعد فإن عبد االله بن الزبير أخذنا، فحبسنا في حجرة زمزم، وحلف باالله الذي لا إله إلا هو لنبايعنه، أو ليضرمنها علينا بالنار ،فيا غوثا ً! فوجه إليهم المختار بن أبي عبيد بأبي عبد االله الجدلي في أربعة آلاف راكب، فقدم مكة، فكسر الحجرة، وقال لمحمد بن علي: دعني وابن الزبير! قال: لا أستحل من قطع رحمه ما استحل مني. وبلغ محمد بن علي بن أبي طالب أن ابن الزبير قام خطيبا فنال من علي بن أبي طالب، فدخل المسجد الحرام، فوضع رحلا، ثم قام عليه، فحمد االله وأثنى عليه، وصلى على محمد، ثم قال: شاهت الوجوه، يا معشر قريش، أيقال هذا بين أظهركم وأنتم تسمعون ويذكر علي فلا تغضبون؟ ألا إن عليا ً كان سهما صائبا من مرامي االله أعداءه، يضرب وجوههم، ويهوعهم مأكلهم، ويأخذ بحناجرهم. ألا وأنا على سنن وج من حاله، وليس علينا في مقادير الأمور حيلة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فبلغ قوله عبد االله بن الزبير، فقال: هذا عذرة بني الفواطم، فما بال ابن أمه بني حنيفة؟ وبلغ محمدا ً قوله ،فقال: يا معاشر قريش وما ميزني من بني الفواطم؟ أليست فاطمة ابنة رسول االله حليلة أبي وأم إخوتي؟ أ وليست فاطمة بنت أسد بن هاشم جدتي وأم أبي؟ أليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم جدة أبي وأم جدتي؟ أما واالله لو لا خديجة بنت خويلد لما تركت في أسد عظما ً إلا هشمته، فإني بتلك التي فيها المعاب صبير. ولما لم يكن بابن الزبير قوة على بني هاشم، وعجز عما دبره فيهم، أخرجهم عن مكة، وأخرج محمد بن الحنفية إلى ناحية رضوى، وأخرج عبد االله بن عباس إلى الطائف إخراجا ً قبيحا ً، وكتب محمد بن الحنفية إلى عبد االله بن عباس: أما بعد، فقد بلغني أن عبد االله بن الزبير سيرك إلى الطائف، فرفع االله بك أجرا ،واحتط عنك وزرا، يا ابن عم، إنما يبتلي الصالحون، وتعد الكرامة للأخيار ولو لم تؤجر إلا فيما نحب وتحب قل الأجر، فاصبر فإن االله قد وعد الصابرين خيرا ً، والسلام. وروى بعضهم أن محمد بن الحنفية صار أيضا إلى الطائف، فلم يزل ا، وتوفي ابن عباس ا في سنة ثمان وستون، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وصلى عليه محمد ابن الحنفية، ودفن عبد االله بن عباس بالطائف في مسجد جامعها، وضرب عليه فسطاط، ولما دفن أتى طائر أبيض فدخل معه قبره، فقال بعض الناس: علمه، وقال آخرون: عمله الصالح. قال عبد االله بن عباس: أردفني رسول االله، ثم قال لي: يا غلام! ألا أعلمك كلمات ينفعك االله ن؟ قلت: بلى! يا رسول االله. قال: احفظ االله يحفظك، احفظ االله تجده أمامك، اذكر االله في الرخاء يذكرك في الشدة، إذا سألت فاسأل االله، وإذا استعنت فاستعن باالله، جف القلم بما هو كائن، ولو جهد الخلق على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه االله لم يقدروا عليه، ولو جهدوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه االله عليك لم يقدروا عليه، فعليك بالصدق في اليقين، إن في الصبر على ما تكره خيرا ً كثيرا ً، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا ً. وكان لعبد االله بن العباس من الولد خمسة ذكور: علي بن عبد االله، وهو أصغرهم سنا ً، إلا أنه تقدم لشرفه ونبله، والعباس كان أكبر ولده، وكان يلقب بالأعنق، ومحمد، والفضل، وعبد الرحمن. وفي هذه السنة وقفت أربعة ألوية بعرفات: محمد بن الحنفية في أصحابه، وابن الزبير في أصحابه، ونجدة بن عامر الحروري، ولواء بني أمية، وقال المساور بن هند بن قيس: وتشعبوا شعبا ً، فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين. ووجه عبد االله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير إلى العراق، فقدمها سنة ثمان وستون، فقاتله المختار ،وكانت بينهم وقعات مذكورة، وكان المختار شديد العلة من بطن به، فأقام يحارب مصعبا أربعة أشهر ،ثم جعل أصحابه يتسللون منه حتى بقي في نفر يسير، فصار إلى الكوفة ،فترل القصر، وكان يخرج في كل يوم، فيحارم في سوق الكوفة أشد محاربة، ثم يرجع إلى القصر. وكان عبيد االله بن علي بن أبي طالب مع مصعب بن الزبير، فجعل مصعب يقول: يا أيها الناس، المختار كذاب، وإنما يغركم بأنه يطلب بدم آل محمد، وهذا ولي الثأر، يعني عبيد االله بن علي، يزعم أنه مبطل فيما يقول. ثم خرج المختار يوما ً، فلم يزل يقاتلهم أشد قتال يكون، حتى قتل، ودخل أصحابه إلى القصر فتحصنوا ،وهم سبعة آلاف رجل، فأعطاهم مصعب الأمان، وكتب لهم كتابا بأغلظ العهود، وأشد المواثيق ، فخرجوا على ذلك، فقد مهم رجلا ً رجلا ً فضرب أعناقهم، فكانت إحدى الغدرات المذكورة المشهورة في الإسلام. وأخذ أسماء بنت النعمان بن بشير امرأة المختار، فقال لها: ما تقولين في المختار بن أبي عبيد؟ قالت: أقول إنه كان تقيا ً، نقيا ً صواما ً. قال: يا عدوة االله أنت ممن يزكيه! فأمر ا فضرب عنقها، وكانت أول امرأة ضرب عنقها صبرا ً، فقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: إن من أعجب العجائب عندي قتل بيضاء حرة عطبولقتلوها بغير جرم أتته إن الله درها من قتيل كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول فلما قتل مصعب بن الزبير المختار، واستقامت له أمور العراق، حسده عبد االله بن الزبير على ذلك، فوجه حمزة ابنه إلى البصرة، وكتب إلى مصعب أن يصرف أمر البصرة إلى حمزة ففعل ذلك، فكان حمزة من أضعف الناس، وأقلهم علما بالأمر، ثم اجتبى خراج البصرة، ونفذ إلى أبيه إلى مكة. ووفد مصعب على أخيه عبد االله فجفاه حتى كان ليدخل فيسلم فلا يرفعه، فلما قدم على عبد االله ابنه حمزة رد مصعب إلى العراق، وقتل عبد االله بن الزبير أخاه عمرو بن الزبير لعداوة كانت بينه وبينه ،ولمبايعته لمروان بن الحكم، وقيل: إنه كان على شرطة عمرو بن سعيد، فوجه به عمرو لمحاربة أخيه فقتله. وولى ابن الزبير المهلب بن أبي صفرة خراسان، وكان مع مصعب، فقدم البصرة، وقد حصرت الخوارج أهلها، وغلبت على جميع سوادها وكورها، فلم يبق في أيدي أهلها إلا المدينة، فلما قدم عليهم المهلب فزع إليه أشراف الناس ووجوههم، وأتاه الأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود ،ومالك بن مسمع، فيمن معهم من العشائر، فقالوا: يا أبا سعيد! أنت شيخ الناس، وسيف العراق، وقد ترى ما فيه أهل مصرك من هذه الخوارج المارقة، والإقامة على منع بلدك، والذب عن حريمك أولى لك من خراسان. فقال: نعم! أقيم على محاربة هؤلاء، على أن لي جميع ما أغلبهم عليه، وانتزعه من أيديهم من خراج أو غيره. فأجابته العشائر إلى ذلك خلا مالك بن مسمع، فإنه امتنع عليه، وكانت في مالك أة شديدة وكبر معروف، فوثب الأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود على مالك بن مسمع، فقالا له: رأيت الذي تمنعه أبا سعيد، أهو شيء في يدك أو في يد عدوك؟ قال: في يد عدوي. قالا: فو االله ما أنصفته إن تسأله أن يحمي دمك وحرمتك، ثم تمنعه ما أنت مغلوب عليه، فهو يجعل لك ما سألت، وقم بمحاربة القوم! قال: لا أقوى على ذلك. فقالا: فهذا الظلم والعجز. ثم جعلوا جميعا ً للمهلب ما سأل ،فأقام على محاربة الخوارج، ورئيسهم يومئذ نافع بن الأزرق، وبه سموا الأزارقة، حتى أجلاهم عن البصرة. وسار عبد الملك إلى مصعب بن الزبير في سنة واحد وسبعون، فلقيه بموضع يقال له دير الجاثليق، على فرسخين من الأنبار، فكانت بينهم وقعات وحروب، وجادة عبد الملك القتال، وخذل مصعبا أكثر أصحابه، وكان أكثر من خذله منهم ربيعة، ثم حملوا عليه، وهو جالس على سريره، فقتلوه، وحز رأسه عبيد االله ابن زياد بن ظبيان، وأتى به عبد الملك، فلما وضعه بين يديه خر ساجدا ً. قال عبيد االله: فهممت أن أضرب عنقه، فأكون قد قتلت ملكي العرب في يوم واحد. وقال بعضهم: دخلت على عبد الملك بن مروان، وبين يديه رأس مصعب بن الزبير، فقلت: يا أمير المؤمنين! لقد رأيت في هذا الموضع عجبا! قال: وما رأيت؟ قلت: رأيت رأس الحسين بن علي بين يدي عبيد االله بن زياد! ورأيت رأس عبيد االله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد، ورأيت رأس المختار بن أبي عبيد بين يدي مصعب بن الزبير، ورأيت رأس مصعب بن الزبير بين يديك. قال: فخرج من ذلك البيت، وأمر دمه. وكان قتل مصعب بن الزبير في ذي القعدة سنة اثنان وسبعون. وقال المضاء بن علوان، كاتب مصعب بن الزبير: دعاني عبد الملك بعد ما قتل مصعبا ً، فقال لي: علمت أنه لم يبق من أصحاب مصعب وخاصته أحد إلا كتب إلي يطلب الأمان والجوائز والصلات والأقطاعات؟ قلت: قد علمت، يا أمير المؤمنين، إنه لم يبق من أصحابك أحد إلا وقد كتب إلى مصعب بمثل ذلك، وهذه كتبهم عندي. قال: فجئني ا، فجئته بإضبارة عظيمة، فلما رآها قال: ما حاجتي أن أنظر فيها، فأفسد صنائعي، وأفسد قلوم علي. يا غلام! أحرقها بالنار، فأحرقت. ولما قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير ندب الناس للخروج إلى عبد االله بن الزبير، فقام إليه الحجاج بن يوسف فقال: ابعثني إليه، يا أمير المؤمنين، فإني رأيت في المنام كأني ذبحته، وجلست على صدره، وسلخته. فقال: أنت له، فوجهه في عشرين ألفا ً من أهل الشام وغيرهم، وقدم الحجاج بن يوسف، فقاتلهم قتالا ً شديدا ً، وتحصن بالبيت، فوضع عليه اانيق، فجعلت الصواعق تأخذهم، ويقول: يا أهل الشام! لا ولنكم هذه، فإنما هي صواعق امة، فلم يزل يرميه بالمنجنيق، حتى هدم البيت فكتب إليه عبد الملك بن مروان، وهو في محاربته: أوصيك يا حجاج بما أوصى به البكري زيدا ً، والسلام. فقام الحجاج خطيبا ً فقال: أيكم يدري ما أوصى به البكري زيدا ً، وله عشرة آلاف درهم؟ فقام رجل من القوم فقال: أنا أدري ما أوصى به البكري، فدعا ببدرة، فدفعت إليه فقال: أقول لزيد لا تترتر فإنهم يرون المنايا دون قتلك أو قتليفإن وضعوا حربا ً فضعها وإن أبوا فشب وقود النار بالحطب الجزلفإن عضت الحرب الضروس بنابها فعرضه حد الحرب مثلك أو مثلي ورأى ابن الزبير من أصحابه تثاقلا عنه، وكان يجري لهم نصف صاع من تمر، فقال: أكلتم تمري ،وعصيتم أمري! وكان شديد البخل. ولما علم ابن الزبير أنه لا طاقة له بالحرب دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر، فقال: كيف أصبحت يا أمه؟ قالت: إن في الموت لراحة، وما أحب أن أموت إلا بعد خلتين: إما أن قتلت فأحتسبك، أو ظفرت فقرت عيني. قال: يا أمه! إن هؤلاء قد أعطوني الأمان، فما ذا تقولين؟ قالت: يا بني أنت أعلم بنفسك، إن كنت على حق وإليه تدعو، فلا تمكن عبيد بني أمية منك يتلاعبون بك، وإن كنت على غير الحق ، فشأنك وما تريد. قال: يا أمه! إن االله ليعلم أني ما أردت إلا الحق، ولا طلبت غيره، ولا سعيت في ريبة قط، اللهم إني لا أقول ذلك تزكية لنفسي، ولكن لأطيب نفس أمي. ثم قال: يا أمه! إني أخاف إن قتلني هؤلاء القوم أن يمثلوا بي. قالت: يا بني، إن الشاة لا تألم للسلخ إذا ذبحت. قال: الحمد الله الذي وفقك ،وربط على قلبك! وخرج، فخطب الناس، فقال: أيها الناس! إن الموت قد أظلكم سحابة وأحدق بكم ربابه، فغضوا أبصاركم عن الأبارقة، وليشغل كل امرئ قرنه، ولا يلهينكم التساؤل، ولا يقولن قائل أين أمير المؤمنين؟ إلا من سأل عني فإني في الرعيل الأول. ثم نزل فقاتل حتى قتل. وكان قتله في سنة ثلاث وسبعون، وله إحدى وسبعون سنة، وصلب بالتنعيم، فأقام ثلاثة وقيل سبعة أيام، ثم جاءت أمه أسماء بنت أبي بكر، وهي عجوز عمياء، حتى وقفت على الحجاج، فقالت: أما آن لهذا الراكب أن يترل بعد؟ أما إني سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول: إن في بني ثقيف مبيرا ً وكذابا ً، فأما المبير فأنت، وأما الكذاب فالمختار بن أبي عبيد، فقال: من هذه؟ فقيل: أم ابن الزبير فأمر به ،فأنزل. وروى بعضهم أن الحجاج خطبها، فقالت: وهو يخطب عمياء بنت المائة؟ فقال: ما أردت إلا مسالفة رسول االله. ومر عبد االله بن عمر على عبد االله بن الزبير، وهو مصلوب، فقال: يرحمك االله، أبا خبيب، لو لا ثلاث كن فيك لقلت أنت أنت: إلحادك في الحرم، ومسارعتك إلى الفتنة، وبخل بكفك ،وما زلت أتخوف عليك هذا المركب وما صرت إليه، مذ كنت أراك ترمق بغلات شهبا كن لابن حرب، فيعجبنك، إلا أنه كان أسوس لدنياه منك. وأقام الحج للناس في هذه السنين في سنة ثلاث وستون عبد االله بن الزبير، وفي سنة ألابع وستون ابن الزبير، وقيل يحيىبن صفوان الجمحي، وفي سنة خمس وستون وسنة ست وستون وسنة سبع وستون ابن الزبير، وفي سنة ثمان وستون وقفت أربعة ألوية بعرفات: لواء مع محمد بن الحنفية وأصحابه، ولواء مع ابن الزبير، ولواء مع نجدة بن عامر الحروري، ولواء مع بني أمية، وفي سنة تسع وستون وسنة سبعون وسنة واحد وسبعون ابن الزبير. أيام عبد الملك بن مروان وملك عبد الملك بن مروان بن الحكم، وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة ابن أبي العاص بن أمية، جداه جميعا ً طريدا ً رسول االله، وكانت البيعة له بالشام في اليوم الذي توفي فيه مروان، وذلك في شهر رمضان سنة 56، وكانت الشمس يومئذ في الثور سبع عشرة درجة وعشرين دقيقة، والقمر في الحمل خمسا ً وعشرين دقيقة، وزحل في السنبلة ثماني عشرة درجة وخمسين دقيقة راجعا، والمشتري في الجوزاء اثنتين وعشرين درجة وعشر دقائق، والمريخ في الحمل تسع عشرة درجة وعشر دقائق، والزهرة في السرطان درجتين وعشرين دقيقة، وعطارد في الجوزاء ثلاث درجات، والرأس في الحوت عشرين درجة وعشر دقائق. وقد ذكرنا خبر بيعته في أيام ابن الزبير، وما كانت عليه البلدان من الاضطراب، وتغلب من تغلب على كل بلد، وخبر سليمان بن صرد الخزاعي، وإبراهيم بن مالك بن الحارث الأشتر، وقتله عبيد االله بن زياد والحصين بن نمير، وغير ذلك مما دخل في نسق أيام ابن الزبير. وكان قوم قد قالوا: إنما تحق الخلافة لمن كان الحرمان في يده، ولمن أقام الحج للناس، فلذلك أدخلنا خبر مروان وأياما من أيام عبد الملك في خبر ابن الزبير. واستقامت الشام لعبد الملك بن مروان خلا فلسطين، فإن ناتل بن قيس كان ا، فلما أراد عبد الملك النهوض أتاه الخبر بأن طاغية الروم قد أناخ على المصيصة فكره أن يتشاغل بمحاربته مع اضطراب البلدان ،فوجه إليه، فصالحه، وحمل أموالا ً كثيرة إليه، حتى انصرف. وكان عبد الملك لما أحكم أمر الشام، ووجه روح بن زنباع الجذامي إلى فلسطين شخص عن دمشق ،حتى صار إلى بطنان يريد قرقيسيا لمحاربة زفر بن الحارث، وأمر ابن الزبير على حاله، فلما صار إلى بطنان من أرض قنسرين أتاه الخبر بأن عمرو بن سعيد بن العاص قد وثب بدمشق، ودعا إلى نفسه، وتسمى بالخلافة، وأخرج عبد الرحمن بن عثمان الثقفي خليفة عبد الملك بدمشق، وكانت أم عبد الرحمن أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب، وحوى الخزائن وبيوت الأموال، فعلم عبد الملك أنه قد أخطأ في خروجه عن دمشق، فانكفا راجعا إلى دمشق، فتحصن عمرو بن سعيد، ونصب له الحرب، وجرت بينهم السفراء، حتى اصطلحا وتعاقدا، وكتبا بينهما كتابا بالعهود والمواثيق والأيمان على أن لعمرو بن سعيد الخلافة بعد عبد الملك ودخل عبد الملك دمشق وانحاز مع عمرو بن سعيد أصحابه، فكانوا يركبون معه إذا ركب إلى عبد الملك، ثم دبر عبد الملك على قتل عمرو، ورأى أن الملك لا يصلح له إلا بذلك، فدخل إليه عمرو عشية، وقد أعد له جماعة من أهله ومواليه ومن كان عنده ممن سواهم، فلما استوى لعمرو مجلسه قال له: يا أبا أمية! إني كنت حلفت في الوقت الذي كان فيه من أمرك ما كان، إني متى ظفرت بك وضعت في عنقك جامعة، وجمعت يديك إليها. فقال: يا أمير المؤمنين! نشدتك باالله أن تذكر شيئا ً قد مضى. فتكلم من بحضرته، فقالوا: وما عليك أن تبر قسم أمير المؤمنين؟ فأخرج عبد الملك جامعة من فضة، فوضعها في عنقه، وجعل يقول: أدنيته مني ليسكن روعه فأصول صولة حازم مستمكن وجمع يديه إلى عنقه، فلما شد المسمار جذبه إليه، فسقط لوجهه، فانكسرت ثنيتاه، فقال: نشدتك االله ،يا أمير المؤمنين، أن يدعوك عظم مني كسرته إلى أن تركب مني أكثر من ذلك، أو تخرجني إلى الناس فيروني على هذه الصورة! وإنما أراد أن يستفزه فيخرجه، وكان على الباب من شيعة عمرو بن سعيد نيف وثلاثون ألفا ً منهم عنبسة بن سعيد، فقال له: أمكرا ً أبا أمية، وأنت في الأنشوطة؟ وليس بأول مكر، إني واالله لو علمت أن الأمر يستقيم، ونحن جميعا ً باقيان، لا فتديتك بدم النواظر، ولكني أعلم أنه ما اجتمع فحلان في إبل إلا غلب أحدهما. وقتله وفرق جمعه، وطرح رأسه إلى أصحابه، ونفى أخاه عنبسة إلى العراق، وكان ذلك سنة سبعون. وكان عبد االله بن خازم السلمي متغلبا على خراسان منذ استخلفه سلم بن زياد في أيام يزيد بن معاوية ،ثم صار في طاعة ابن الزبير على ما بيناه من خبره، فلما استقامت أمور عبد الملك كتب إليه: أما بعد فأهد لنا طاعتك نضعك موضعك، ونقرك على عملك وعقبك ما أغنوا عنا وعن المسلمين. وبعث بالكتاب مع عتبة النميري، وبعث معه برأس مصعب بن الزبير، وأعد عبد االله الرأس، ولفه في ثوبين، وطرح عليه مسكا ً كثيرا ً ودفنه، وقال لعتبة النميري: كل الكتاب، فقال: أكلا جميلا، فأحرقه بالنار، ثم أسقاه إياه ،وكتب إلى عبد الملك: أما بعد، فإني لم أكن لألقى االله ببيعتين: بيعة رضوان مع ابن حواري رسول االله انتزعها، وبيعة نكث مع ابن طريدى رسول االله صلى االله عليه وسلم ألبسها. وكان أهل خراسان مبغضي عبد االله بن خازم لسوء سيرته فيهم، فوثب به جماعة، منهم: بكير بن وساج ،ووكيع بن عمير، فقتلوه، وبعث برأسه إلى عبد الملك بن مروان، فلما ورد عليه الخبر، وأتاه الرأس، بعث أمية ابن عبد االله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية على خراسان، فقدم خراسان، وقد وثب موسى بن عبد االله بن خازم السلمي، وأرسل طرخون ملك السغد، فأجابه إلى أن يمده، ووثب بكير بن وساج الثقفي بمرو في جماعة وغلب على مرو، فحارما أمية، وبدأ بمرو، فحارب بكير بن وساج، فتحصن منه ،ثم أعطاه الأمان، فخرج إليه، ثم بلغ أمية أن بكيرا يدبر على أن يثب به، فقدمه فضرب عنقه، ووجه أمية بابنه عبد االله على هراة وسجستان، فلقي رتبيل بن أمية فقتله. وأقر عبد الملك المهلب بن أبي صفرة على قتال الخوارج الذين بكرمان، فجادهم المهلب القتال، حتى قتل رئيسهم نافع بن الأزرق الذي سموا به الأزارقة، وأقام بكرمان، ثم ولاه عبد الملك خراسان مكان أمية ،ورد عبد الملك أخاه عبد العزيز إلى مصر والمغرب، وولى أخاه بشرا ً العراق، وولى أخاه محمدا ً الموصل ، ونقل إليها الأزد وربيعة من البصرة، وغزا أرمينية، وقد خالف أهل البلد، فقتل وسبى، ثم كاتب الأشراف من أهل البلد والذين يقال لهم الأحرار وأعطاهم الأمان ووعدهم أن يفرض لهم في الشرف، فاجتمعوا لذلك في الكنائس في عمل خلاط، وأمر بجمع الحطب حول الكنائس، وأغلق أبواا عليهم، ثم ضرب تلك الكنائس بالنار، فحرقهم جميعا ً. وأقام محمد ابن مروان بأرمينية حتى مات. وأعاد الحجاج بنيان الكعبة، وجعل لها بابا واحدا على ما كانت عليه قبل أن يبنيها ابن الزبير، ونقص منها ما كان ابن الزبير زاده مما يلي الحجر، وهو ستة أذرع، وكبسها بالردم الذي خرج منها، ورفع باا على ما كان عليه، ونقص من طوله حتى صيره على ما هو عليه اليوم وفرغ من بنائها في سنة أربع وسبعون، وختم أعناق قوم من أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم ليذلهم بذلك، منهم: جابر بن عبد االله، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد الساعدي، وجماعة معهم، وكانت الخواتيم رصاصا ً. وكان نجدة بن عامر الحنفي الحروري قد خرج في أيام ابن الزبير بناحية اليمامة ثم صار إلى الطائف فوجد ابنة لعمرو بن عثمان بن عفان قد وقعت في السبي، فاشتراها من ماله بمائة ألف درهم، وبعث ا إلى عبد الملك، ثم سار إلى البحرين ووجه مصعب بن الزبير بخيل بعد خيل وجيش بعد جيش، فهزمهم. وظهرت من نجده أمور أنكرا الخوارج. وكان قد أقام خمس سنين وعماله بالبحرين واليمامة وعمان وهجر وطوائف من أرض العرض، فلما نقمت الخوارج ما نقمت من دفع عشرة آلاف إلى مالك بن مسمع، وبعثه بابنه عمرو بن عثمان إلى عبد الملك خلعوه، وأقاموا أبا فديك، فوجه إليه عبد الملك أمية بن عبد االله بن خالد بن أسيد، فهزمه أبو فديك، وفضخه وأخذ أثقاله وحرمه، ثم وجه إليه عمر بن عبيد االله بن معمر، فلقي أبا فديك بالبحرين، ومع عمر أهل الكوفة، فقتل أبا فديك واستنقذ منه حرم أمية بن عبد االله. وولى عبد الملك الحجاج في هذه السنة العراق، وكتب إليه كتابا ً بخطه: أما بعد، يا حجاج فقد وليتك العراقين صدقة، فإذا قدمت الكوفة فطأها وطأة يتضاءل منها أهل البصرة، وإياك وهوينا الحجاز، فإن القائل هناك يقول ألفا ً ولا يقطع ن حرفا ً، وقد رميت العرض الأقصى، فارمه بنفسك، وأرد ما أردته بك، والسلام. فلما قدم الكوفة صعد المنبر متلثما ً بعمامته متنكبا ً قوسه وكنانته، فجلس على المنبر مليا ً لا يتكلم، حتى هموا أن يحصبوه، ثم قال: يا أهل العراق، ويا أهل الشقاق والنفاق والمراق، ومساوئ الأخلاق، إن أمير المؤمنين نثل كنانته، فعجمها عودا عودا، فوجدني أمرها عودا ً واصعبها كسرا ً، فرماكم بي، وإنه قلدني عليكم سوطا وسيفا، فسقط السوط وبقي السيف وتكلم بكلام كثير فيه توعد ودد، ثم نزل وهو يقول: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني ولما استقامت الأمور لعبد الملك وصلحت البلدان، ولم تبق ناحية تحتاج إلى صلاحها والاهتمام ا، خرج حاجا سنة خمس وسبعون فبدأ بالمدينة وأحرم من ذي الحليفة، ودخل وهو يلبي، ودخل المسجد وهو يلبي، وخطب في أربعة أيام في كل يوم خطبة، وصلى المغرب عشية عرفة قبل أن يصير إلى جمع، وكان فيما خطب به في بعض أيامه، أن قال: لقد قمت في هذا الأمر، وما أدري أحدا ً أقوى عليه مني، ولا أولى به، ولو وجدت ذلك لوليته. إن ابن الزبير لم يصلح أن يكون سائسا ً، وكان يعطي مال االله كأنه يعطي ميراث أبيه، وإن عمرو بن سعيد أراد الفتنة، وأن يستحل الحرمة ويذهب الدين، وما أراد صلاحا للمسلمين، فصرعه االله مصرعه، وإني محتمل لكم كل أمر إلا نصب راية، وإن الجامعة التي وضعتها في عنق عمرو عندي، وإني أقسم باالله لا أضعها في عنق أحد فأنزعها منه إلا صعدا ً. وأتاه علي بن عبد االله بن عباس، فذم إليه ابن الزبير، وأعلمه ما كان أبوه وأهل بيته لقوا منه لامتناعهم من بيعته، وأن أباه أوصاه ليلحق به، فأحسن عبد الملك إجابته، وحمله وحمل عياله إلى الشام، وأنزله دارا ً بدمشق، ولم يزل يجري عليه أيامه كلها. ولما أراد عبد الملك الانصراف وقف على الكعبة فقال: واالله إني وددت أني لم أكن أحدثت فيها شيئا ً ،وتركت ابن الزبير وما تقلد. وقدم عبد الملك راجعا ً إلى المدينة، فوافاها في أول سنة ست وسبعون ، فأغلظ لأهلها في القول، وقام خطباؤه ونالوا من أهل المدينة، وقام محمد بن عبد االله القارئ فقال لبعض الخطباء، وهو يتكلم: كذبت لسنا كذلك! فأخذه الحرس، فجروه حتى ظن الناس ام قاتلوه، فأرسل إليهم: أن كفوا عنه، وخلوا سبيله، فأقام بالمدينة ثلاثا ً ثم انصرف إلى الشام. وفي هذه السنة خرج شبيب بن يزيد الشيباني الحروري بالعراق، وهي سنة ست وسبعون، فوجه إليه الحجاج الجيش بعد الجيش، فهزمهم شبيب، وكان شبيب ينتقل فيما بين السواد والجبل، ثم دخل الكوفة ليلا حتى وقف على باب الحجاج في القصر، فضرب بابه بالعمود، وقال: اخرج إلينا، يا ابن أبي رغال. وكان شبيب في نفر يسير، وكانت معه امرأته غزالة، وأمه جهيزة، ثم صار إلى المسجد الجامع فقتل من به من الحرس، وقتل ميمونا ً مولى حوشب بن يزيد، صاحب شرط الحجاج، وكان ميمون هذا يسمى العذاب، وصلى بالناس بالمسجد الجامع، فقرأ م البقرة، وآل عمران. ثم خرج الحجاج في طلبه، يقاتله في سوق الكوفة أشد قتال، واتبعه، وكان لحق شبيبا ً من أصحابه نحو مائة رجل، ثم حمي الناس، فجعلوا يتنادون حتى ازم، فوجه الحجاج في أثره علقمة بن عبد الرحمن الحكمي، فلم يزل ينتقل من موضع إلى موضع حتى صار إلى الأهواز. ثم وجه الحجاج في طلبه سفيان بن الأبرد الكلبي، فطلبه حتى انتهى إلى دجيل، فأقبل شبيب نحوه وسار على الجسر، فلما توسطه قطع سفيان جسر دجيل، فدارت السفن، فغرق شبيب، ثم استخرجه بالشباك فاحتز رأسه، ووجه به إلى الحجاج ،وقتل امرأته وأمه. وكان غرقه سنة ثمان وسبعون. وخرج بعد قتل شبيب أبو زياد المرادي بجوخى، فوجه إليه الحجاج الجراح بن عبد االله الحكمي، فلقيه بالفلوجة، فقتله. ثم خرج بعد قتل أبي زياد أبو معبد، رجل من عبد القيس رحل بناحية البحرين، فبعث إليه الحجاج الحكم بن أيوب بن الحكم الثقفي ،وكان يومئذ عاملا على البصرة، فقتله. وألح الحجاج في قتال الأزارقة، واشتد استبطاؤه، فجادهم المهلب، فما زال يهزمهم من مترل إلى مترل حتى انتهى م إلى سجستان، فقتل عطية ابن الأسود الحنفي، وكان من رؤساء الخوارج، ثم جد م الأمر حتى صاروا إلى كرمان، ثم وقع بأسهم بينهم بكرمان في كذبة وقعوا عليها من قطري، فقالوا له: تب! فكره أن يوجب على نفسه التوبة، فخلعوه. وكان في عسكره رجلان: عبد ربه الكبير، وعبد ربه الصغير، فلما امتنع أن يجيبهم إلى التوبة فيوجدهم السبيل إلى خلعه، انحاز كل واحد منهما في جيش مخالفا ً على قطري، فقصد المهلب قصد عبد ربه الصغير حتى قتله. وخرج قطري في اثنين وعشرين ألفا ً من أصحابه حتى صاروا إلى طبرستان، وقصد المهلب عبد ربه الكبير، وفرق جمعه، ولما صار قطري إلى طبرستان أرسل إلى أصبهبذ يسأله أن يدخله بلاده، فسمع له وفعل، فلما بزأت جراحهم وسمنت دوام أرسل إليه قطري، فعرض عليه الإسلام، أو يؤدي الجزية صاغرا، ووجه إليه أبا نعامة في الأزارقة، فقال الإصبهبذ: جئتني طريدا شريدا فآويتك، ثم ترسل إلي ذا؟ أنت ألأم من في الأرض، فقال: إنه لا يجوز في الدين غير هذا، فخرج الإصبهبذ يحاربه، فقتل ابنه وأخوه وعمه، فازم الإصبهبذ حتى صار إلى الري، فاستولى قطري على طبرستان، وصار الإصبهبذ إلى سفيان بن الأبرد الكلبي، وهو يومئذ عامل الري قد يأ لقتال الأزارقة، فأدخله طبرستان من طريق مختصرة، فقتل قطريا، وبعث برأسه إلى الحجاج سنة تسع وسبعين. وولى المهلب بن أبي صفرة خراسان سنة ثمان وسبعين من قبل الحجاج، وولى ابنه المغيرة مرو، ومات ا ،فرثاه زياد بقصيدة يقول فيها: إن السماحة والشجاعة ضمنا قبرا ً بمرو على الطريق الواضح

وسار المهلب حتى صار إلى بلاد الصغد، ونزل كش، فصالحه ملك الصغد، وأخذ المهلب منه الرهائن ،ودفعها إلى حريث بن قطبة، وانصرف إلى بلخ، فأخذ حريث بلاد... فحاربه. واعتل المهلب، فاشتدت علته من آكلة كانت في رجله، فلما حضرته الوفاة استخلف ابنه يزيد على كره منه له لصلفه وتيهه، إلا أن الحجاج كتب إليه بذلك، ثم أنكر الحجاج على يزيد أشياء بلغته عنه، فأراد صرفه فخاف أن يمتنع عليه فتزوج هندا ً أخته، وكتب أن يقدم عليه، ويستخلف المفضل بن المهلب، فقدم وكتب الحجاج إلى المفضل بولايته خراسان مكان يزيد أخيه، ثم ولى قتيبة ابن مسلم مكانه، وقتيبة على الري، وقد شرحنا ذلك في غير هذا الموضع من الكتاب. وولي الحجاج ثغرى السند والهند سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي، فأقام بمكران، وغزا ناحية من الهند ،وكان رجلا ً محدودا ً، فقتل، فوجه الحجاج موضعه محمد بن هارون بن ذراع النمري، فصار إلى مكران ،وحسن أثره في غزو العدو، وظفر مرة بعد أخرى، فخرج يريد الديبل في عدة سفن و... ملك الديبل ،فعارضه في خلق عظيم، فقتل محمد بن هارون وخلق عظيم ممن كان معه. وولى عبد الملك حسان بن النعمان الغساني إفريقية والمغرب، فلم يزل مقيما ا، ثم توفي، واستخلف رجلا ً على البلد، فولى عبد الملك إفريقية موسى بن نصير اللخمي سنة سبع وسبعين، وقيل ولاه عبد العزيز بن مروان، وهو يومئذ عامل مصر، فافتتح موسى بن نصير عامة المغرب، ولم يزل مقيما ً عليها مدة أيام ولاية عبد الملك. وتوفي عبد االله بن جعفر بن أبي طالب بالمدينة سنة ثمانين، وكان جوادا ً سخيا ً، يقال إنه أتاه إنسان في أمر يسأله معونته عليه، فلم يحضره ما يعطيه، فترع ثيابه التي كانت عليه، وقال: اللهم إن نزل بي من بعد اليوم حق لا أقدر على قضائه فأمتني قبله! فمات في ذلك اليوم، وفي هذه السنة كان السيل الجحاف الذي ذهب بمتاع الحاج. وكان عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس عامل الحجاج على سجستان، ووجه معه الحجاج بعشرة آلاف منتخب، فلما صار إلى سجستان أقام ببست، ثم سار يريد رتبيل ملك البلد، وكان قد ضبط أطرافه، فلما أوغل في بلاد رتبيل، خاف غرره، فرجع إلى بست، وكتب إلى الحجاج يعلمه برجوعه، وأنه أخر غزو رتبيل إلى العام المقبل، فكتب إليه كتابا ً يتوعده فيه، فجمع أطرافه إليه وحرض الناس على الحجاج، ودعاهم إلى خلعه، فخلعوه، وبايعوا له فلما اجتمعت الكلمة قال لهم: نسير إلى العراق، ونكتب بيننا وبين رتبيل كتاب صلح فإن تم أمرنا وقفنا عنه، ورقبنا له، وإن كانت الأخرى اتخذناه ملجأ فتم رأي القوم على ذلك، وكتب بينه وبين رتبيل كتابا ذا الشرط، وسار إلى العراق واستخلف على سجستان رجلا ً من قبله، وأقبل حتى صار إلى قرب الأهواز، فلما بلغ الحجاج أمره، وجه إليه عبد االله بن عامر بن صعصعة. ثم خرج الحجاج في جيش حتى صار إلى الأهواز، ولقيه عبد الرحمن، فقاتله قتالا ً شديدا ً، فهزمه حتى رجع الحجاج إلى البصرة، ولحقه ابن الأشعث، فقاتله بالبصرة، فازم ابن الأشعث، فلما رأوا ازامه إلى الكوفة أتوا عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة الهاشمي، فقالوا: تركنا ولحق بالكوفة، وهذا الفاسق منيخ علينا. فبايعهم وسار إلى الحجاج، فقاتله بالزاوية، فهزمه الحجاج، فلحق بابن الأشعث بالكوفة. وأقبل الحجاج من البصرة إلى ابن الأشعث فسلك في البرية حتى نزل قريبا منه، وخرج ابن الأشعث فترل دير الجماجم، وجعلت خيلهما تروح وتغدو للقتال، وأهل الكوفة يستعلون على خيل الحجاج ، ويهزموم في كل يوم، فاشتد على الحجاج ما رأى من ذلك، وكتب إلى عبد الملك كتابا بعث به باحث سير: أما بعد فيا غوثاه، ثم يا غوثاه! فلما قرأ عبد الملك الكتاب كتب إليه: أما بعد فيا لبيك، ثم يا لبيك ،ثم يا لبيك! ثم وجه بجيش بعد جيش، وكانت وقائعهم كثيرة شديدة، أخراهن وقعة مسكن هزمه فيها الحجاج، فمضى منهزما لا يلوي على شيء حتى صار إلى سجستان، فأتى مدينة زرنج، فمنعه عبد االله بن عامر عامله من دخولها، فمضى إلى بست، وعليها عياض بن عمرو، فأدخله المدينة، ودبر أن يغدر به ،ويتقرب به إلى الحجاج. وكان مع عبد الرحمن جماعة من قراء العراق منهم الحسن البصري، وعامر ابن شراحيل الشعبي، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وجماعة من هذه الطبقة، فسار إلى رتبيل صاحب سجستان، فكانت هزيمته في سنة ثلاث وثمانون، وجعل الحجاج يتلقط أصحابه ويضرب أعناقهم، حتى قتل خلقا ً كثيرا ً، وعفا عن جماعة منهم الشعبي وإبراهيم. وبني الحجاج مدينة واسط في السنة التي هرب فيها ابن الأشعث، ونزلها، وقال: انزل بين الكوفة والبصرة. ولما بلغ أصحاب ابن الأشعث أنه قد صار إلى رتبيل صاحب البلد، وأنه قد أقام عنده في أمن وسلامة ،ووفى له رتبيل بما كان بينه وبينه، اجتمعوا من كل أوب بناحية زرنج، وأمروا عليهم عبد الرحمن بن العباس الهاشمي... فلقيهم راة، فقاتلهم، فهزمهم. وبلغ الحجاج مكان ابن الأشعث في أربعة آلاف من أصحابه عند رتبيل، فوجه عمارة بن تميم اللخمي إلى رتبيل، وكتب معه إليه يأمره أن يوجهه إليه، وإلا وجه إليه بمائة ألف مقاتل، فلم يفعل. وكان عبيد بن أبي سبيع غالبا ً على رتبيل، فنفسه ذلك ابن الأشعث، وأراد أن يمكر به ووجه إليه ليقتله، فهرب عبيد بن أبي سبيع فصار إلى عمارة بن تميم، وهو مقيم بمدينة بست، وقال: تجعلون لي شيئا ً، وتصالحون رتبيل ،وتكفون عنه، ويسلم إليكم ابن الأشعث. وكتب عمارة إلى الحجاج بذلك، وكتب إليه الحجاج يقول له: أجبه إلى كل ما سألك، وكتب له عهودا ختمها بخاتمه، فأخذها عمارة، وقدم ا على رتبيل، فلم يزل يرهبه مرة ويرغبه أخرى، حتى أجابه إلى أخذ ابن الأشعث، فأخذه، وقيده وجماعة معه وأخاه، وحملهم معه إلى الحجاج في الحديد، فلما صاروا بالرخج رمى ابن الأشعث بنفسه من فوق سطح، وكان معه في السلسلة رجل يقال له أبو العر، فماتا جميعا ً، وكان ذلك في سنة أربع وثمانون، واحتز رأسه، فحمل إلى الحجاج، وحمله الحجاج إلى عبد الملك. وعزم عبد الملك بن مروان على خلع أخيه عبد العزيز والبيعة لابنه الوليد بولاية العهد من بعده، وكان عبد العزيز بمصر، وكتب إلى الحجاج بأن يشخص إليه الشعبي، فأشخصه إليه فانسه وبره، وأقام عنده أياما ً، ثم قال: إني آتمنك على شيء لم آتمن عليه أحدا ً. إنه قد بدا ً لي أن أبايع للوليد بولاية العهد بعدي ،فإذا أتيت عبد العزيز، فزين له أن يخلع نفسه من ولاية العهد، ومصر له طعمة. قال الشعبي: فأتيت عبد العزيز، فما رأيت ملكا ً كان أسمح أخلاقا ً منه، فإني يوما ً خال به أحدثه إذ قلت له: واالله، أصلح االله الأمير، أن رأيت ملكا أكمل، ولا نعمة أنضر، ولا عزا أتم مما أنت فيه، ولقد رأيت عبد الملك طويل النصب، كثير التعب، قليل الراحة، دائم الروعة، إلى ما يتحمل من أمر الأمة، ولوددت واالله ام أجابوك إلى أن يصيروا مصر لك طعمة، ويصيروا عهدهم إلى من أحبوا، فقال: ومن لي بذلك ؟ فلما عرفت ما عنده انصرفت إلى عبد الملك، فأخبرته الخبر، فخلع عبد الملك أخاه من ولاية العهد، وولى ابنه الوليد، ثم ابنه سليمان من بعد الوليد. وقيل إن عبد الملك لم يخلعه، ولكنه توفي في تلك المدة التي هم بخلعه فيها، وقيل إن عبد العزيز سقي سما ،وكان ذلك في سنة خمس وثمانون. وولي هشام بن إسماعيل المخزومي المدينة، فضرب سعيد بن المسيب ستين سوطا ظلما وعدوانا، وطاف به، فكتب إليه عبد الملك يلومه، وساءت سيرة هشام بن إسماعيل، وأظهر العداوة لآل رسول االله. وكان الغالب على عبد الملك روح بن زنباع الجذامي، وعلى شرطته يزيد ابن أبي كبشه السكسكي، ثم عزله واستعمل عبد االله بن يزيد الحكمي، وكان على حرسه أبو عياش الكهاني، وبعده أبو الزعيزعة مولاه، وجمع العراقين للحجاج، ومصر والمغرب لعبد العزيز بن مروان، ثم لابنه عبد االله ابن عبد الملك. وكانت لعبد الملك رجله، ودهاء، وعلم، إلا أنه كان مبخلا، فلما حضرته الوفاة جمع ولده، فأوصاهم بالإجماع والألفة وترك التباغي، ثم قال: يا وليد، إذا أنا مت فشمر واتزر، والبس جلد النمر، ثم ادع الناس إلى بيعتك، فمن قال برأسه هكذا، فقل بالسيف هكذا. وتوفي للنصف من شوال سنة ست وثمانون، وكانت ولايته إحدى وعشرين سنة من يومه الذي بويع فيه بالشام، وبعد قتل ابن الزبير ثلاث عشرة سنة، وكانت سنة ستين سنة أو نيفا ً وستين سنة، وصلى عليه ابنه الوليد، ودفن بدمشق. وخلف من الولد الذكور أربعة عشر ذكرا: الوليد وسليمان، ويزيد، ومروان، وهشام وبكار، وعبد االله ،ومسلمة، ومعاوية، ومحمد، والحجاج، وسعيد، والمنذر، وعنبسة. وفي أيام عبد الملك نقشت الدراهم والدنانير بالعربية، وكان الذي فعل ذلك الحجاج بن يوسف. وروى بعضهم أن رجلا ً أتى سعيد بن المسيب فقال: رأيت كان النبي موسى واقف على ساحل البحر ،آخذ برجل رجل يدوره كما يدور الغسال الثوب، فدوره ثلاثا، ثم دحا به إلى البحر. فقال سعيد: إن صدقت رؤياك مات عبد الملك إلى ثلاثة أيام، فلم يمض ثالثة حتى جاء نعيه، فقال لسعيد: من أين قلت هذا؟ قال: لأن موسى غرق فرعون، ولا أعلم فرعون هذا الوقت إلا عبد الملك. وأقام الحج للناس في ولايته سنة اثنان وسبعون الحجاج بن يوسف، سنة ثلاث وسبعون، وسنة أربع وسبعون الحجاج أيضا ً، سنة خمس وسبعون عبد الملك بن مروان، سنة ست وسبعون أبان بن عثمان بن عفان، سنة سبع وسبعون أبان أيضا ً، سنة ثمان وسبعون، وسنة تسع وسبعون، وسنة ثمانون أبان أيضا ً ،سنة واحد وثمانون سليمان بن عبد الملك، سنة اثنان وثمانون أبان بن عثمان، سنة ثلاث وثمانون هشام بن إسماعيل المخزومي، سنة أربع وثمانون وسنة خمس وثمانون هشام بن إسماعيل المخزومي أيضا ً. وغزا بالناس في ولايته سنة خمس وسبعون محمد بن مروان الصائفة، وخرجت الروم على الأعماق ،فقتلهم أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، ودينار بن دينار، سنة ست وسبعون غزا يحيى بن الحكم الصائفة بمرج الشحم بين ملطية والمصيصة، سنة سبع وسبعون غزا الوليد بن عبد الملك أطمار، وكانت غزاته من ناحية ملطية، وغزا في البحر حسان بن النعمان... سنة ثلاث وثمانون عبد االله أيضا ً، وفتح المصيصة وبنى فيها حصنا ً صغيرا ً. وكان الفقهاء في أيامه عبد االله بن عباس، عبد االله بن عمر، المسور بن مخرمة الزهري، السائب بن يزيد ،أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، خارجة بن زيد بن ثابت، سعيد بن المسيب، عروة بن الزبير، عطاء بن يسار، القاسم بن محمد، أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، سالم بن عبد االله، قبيصة ابن جابر، عبيدة بن قيس السلماني، شريح بن الحارث الكندي، عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عبد االله بن يزيد الخطمي، زيد بن وهب الهمداني، الحارث بن سويد التميمي مرة بن شراحيل الهمداني، أبا جحيفة وهب بن عبد االله العامري الأسدي، يسير بن عمرو السلولي، أبا الشعثاء سليمان بن الأسود، الأسود بن مالك الحارثي، ابن حراش العبسي، عمرو بن ميمون الأودي، عامر بن شراحيل الشعبي، عبد الرحمن بن يزيد النخعي، سالم بن أبي الجعد، عمار ابن عمير الليثي، إبراهيم بن يزيد التيمي، أبا ظبيان الحصين بن جندب، سليمان بن يسار، أبا المليح بن أسامة. أيام الوليد بن عبد الملك ثم ملك الوليد بن عبد الملك بن مروان، وأمه ولادة بنت العباس بن جزء العبسية، للنصف من شوال سنة ست وثمانون، في اليوم الذي توفي فيه عبد الملك، وكانت الشمس يومئذ في الميزان خمس عشرة درجة وخمسين دقيقة، والقمر في الحمل ثمانيا ً وعشرين درجة وخمسين دقيقة، وزحل في الثور أربعا وعشرين درجة وثلاثين دقيقة راجعا، والمشتري في الدلو ستا وعشرين درجة وثلاثين دقيقة راجعا، والمريخ في القوس إحدى وعشرين درجة وثلاثين دقيقة، والزهرة في العقرب خمس عشرة درجة وثلاثين دقيقة ،وعطارد في الميزان عشر درجات وأربعين دقيقة، فصعد المنبر فنعى أباه، وقال: أيها الناس! عليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة، فإنه من أبدى ذات نفسه ضربت الذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه. ثم نزل فعقد لمسلمة أخيه على غزاة الروم، فنفذ في عدد كثير، فوجد جراجمة أنطاكية قد خالفوا، فقتل منهم مقتلة عظيمة. وكتب الوليد إلى الحجاج فنعى إليه أباه عبد الملك، فنادى الحجاج بالصلاة جامعة، ثم صعد المنبر، فذكر عبد الملك، وقرظة ووصف فعله وقال: كان واالله البازل الذكر، رابعا من الولاة الراشدين المهديين، وقد اختار له االله ما عنده، وعهد إلى نظيره في الفضل وشبيهه في الحزم والجلد، والقيام بأمر االله، فاسمعوا وأطيعوا. وولى الوليد عمر بن عبد العزيز المدينة، وأمر أن يقف هشام بن إسماعيل للناس، وكان هشام بن إسماعيل المخزومي قد أساء السيرة، وجار في الأحكام، وتحامل على آل رسول االله صلى االله عليه وسلم فلما قدم عمر قال هشام: ما أخاف إلا علي بن الحسين! فمر به، وهو موقوف، فسلم عليه، فناداه هشام: االله أعلم حيث يجعل رسالاته، ولم يعرض له سعيد بن المسيب ولا لأحد من أسبابه وحاميته. وكان قدوم عمر بن عبد العزيز المدينة سنة سبع وثمانون وثقله على ثلاثين بعيرا ً. وضرب الوليد البعث على أهل المدينة، وكتب إلى عمر، فأخرج منهم ألفي رجل. وبنى الوليد المسجد بدمشق، فأنفق عليه أموالا ً عظاما ً، وابتدأ بناءه في سنة ثمان وثمانون، وكتب إلى عمر بن عبد العزيز أن يهدم مسجد رسول االله، ويدخل فيه المنازل التي حوله، ويدخل فيه حجرات أزواج النبي، وهدم الحجرات، وأدخل ذلك في المسجد. ولما بدأ دم الحجرات قام خبيب بن عبد االله بن الزبير إلى عمر والحجرات دم، فقال: نشدتك االله يا عمر أن تذهب باية من كتاب االله، يقول: إن الذين ينادونك من وراء الحجرات، فأمر به، فضرب مائة سوط، ونضح بالماء البارد، فمات، وكان يوما ً باردا ً. فكان عمر لما ولي الخلافة، وصار إلى ما صار إليه من الزهد، يقول: من لي بخبيب! وروى الواقدي أن الوليد بعث إلى ملك الروم يعلمه أنه قد هدم مسجد رسول االله، فليعنه فيه، فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهبا، ومائة فاعل، وأربعين حملا ً فسيفساء ،فبعث الوليد بذلك كله إلى عمر، فأصلح به المسجد، وفرع من بنائه في سنة تسعون. وبعث الوليد إلى خالد بن عبد االله القسري، وهو على مكة، بثلاثين ألف دينار، فضربت صفائح ، وجعلت على باب الكعبة وعلى الأساطين التي داخلها وعلى الأركان والميزاب، فكان أول من ذهب البيت في الإسلام. وحج الوليد سنة واحد وتسعون لينظر إلى البيت وإلى المسجد وما أصلح منه، وإلى البيت وتذهيبه، فلما قرب من المدينة خرج عمر، فتلقاه بأشراف المدينة، فدخل المسجد، وجعل ينظر إليه، وأخرج الحرس كل من كان فيه خلا سعيد بن المسيب، فإنه لم يخرج، ولم يترجرج، فدخل الوليد، فجعل يطوف وسعيد بن المسيب جالس، ثم قال الوليد: أحسب هذا سعيد بن المسيب؟ فقال له عمر: نعم! ومن حاله وحاله، إلا أنه ضعيف البصر. فجاء الوليد حتى وقف عليه، فقال: كيف أنت أيها الشيخ؟ فما تحرك، وقال: نحن بخير، يا أمير المؤمنين، وكيف أنت؟ وانصرف الوليد، وهو يقول لعمر: هذا بقية الناس. وقسم الوليد بين أهل المدينة قسما ً كثيرة، وصلى ا الجمعة، وصف ا الجند صفين، وصلى في دراعة وقلنسوة في غير رداء، وخطب قاعدا، وتوعد أهل المدينة فقال: إنكم أهل الخلاف والمعصية، فقام إليه قوم فكلموه ،وكلمه أبو بكر بن عبد الرحمن، فقال: ما نجهل ما تقولون، ولكن في النفوس ما فيها. وصار إلى مكة فخطب ا خطبة بتراء ذكر فيها الوعيد والتهديد، ولما صار بعرفة أطعم الناس، ونصب الموائد، ولم يأكل، وكان خالد الذي يقوم على الموائد، ثم نصب مائدة، فقيل: هذه لأمير المؤمنين، فقام ،فأرسل إليه الوليد يأمره بالجلوس فجلس. وولى الوليد موسى بن نصير الأندلس في هذه السنة، وهي سنة واحد وتسعون، فوجه معه بطارق مولاه ،فلقي ملك الأندلس، وكان يقال له الإدريق، وكان رجلا ً من أهل أصبهان، وهم القوطيون ملوك الأندلس، فزحف طارق إليه، فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً، وفتح الأندلس ثم خرج موسى بن نصير إلى البلد، وكان قد غضب على طارق مولاه في أمور بلغته عنه، فلقيه طارق، فترضاه، فرضي عنه ،ووجهه إلى مدينة طليطلة، وهي من عظام مدائن الأندلس، على مسيرة عشرين يوما ً، فأصاب فيها مائدة ذهب مفصصة بالجوهر، قيل إا مائدة سليمان بن داود، فكسر رجلها، فأخذها، وبعث ا إلى موسى بن نصير. وكان الحجاج قد عزل يزيد بن المهلب عن خراسان، وولي المفضل، فأقر المفضل ثم عزله وولى قتيبة بن مسلم الباهلي، وكان قتيبة عامله على الري، وكتب إليه أن يستوثق من المفضل وبني أبيه، ويشخصهم إليه، فسار قتيبة من الري حتى قدم مرو، فأخذ المفضل بن المهلب وسائر ولد المهلب ،فأشخصهم إلى الحجاج، فحبسهم وطالبهم بستة آلاف ألف. وصار قتيبة إلى بخارى، فافتتحها، وافتتح عدة مدن منها، ثم انصرف وخلف فيها ورقاء بن نصر الباهلي ،وأمره بقبض الصلح. وكان نيزك صاحب الترك قد صار إلى قتيبة، فلم يزل معه يحضر حروبه، فلما انصرف قتيبة تحرك طرخون صاحب السغد وجيل أبو شوكر بخار أخداه، وكر معانون اللوفسي في الترك، فكره قتيبة قتالهم، فوجه حيان النبطي فصالحهم. ثم صار إلى الطالقان، وا باذام قد عصى وتغلب على البلد، وكان ابن باذام مع قتيبة، فلما بلغه أن باذام قد تحصن وعصى وارتد أخذ ابنه، فقتله، وصلبه وجماعة معه، ثم لقي باذام فقاتله أياما ً، ثم ظفر به فقتله، وقتل ولده وامرأته، واستعمل على البلد أخاه عمرو بن مسلم. ولما فتح قتيبة بخارى والطالقان استأذنه نيزك طرخان في الرجوع إلى بلاده، وكان نيزك قد أسلم وسمي بعبد االله، فأذن له، فرجع إلى طخارستان، فعصى، وكاتب الأعاجم، وجمع الجموع، فزحف إليه قتيبة ،ووجه إليه سليما الناصح، وكان صديقا له، فلم يزل يختدعه ويعطيه عن قتيبة ما يسأل، حتى خرج إلى قتيبة على الأمان فأقام عنده أياما ً ثم ضرب عنقه وعنق ابن أخت له، وبعث برؤوسهما إلى الحجاج ،وأخذ امرأة نيزك، فلما خلا ا قالت له: ما أجهلك! أظننت أن نفسي تطيب لك، وقد قتلت زوجي وسلبتني ملكي؟ فخلاها، وقال: اذهبي حيث شئت. ثم سار قتيبة إلى السغد، فلقيه صاحب السغد، فصافه أياما ً، ثم هرب منه، ولحق قتيبة الشتاء، فانصرف وكتب إليه الحجاج يأمره بالمصير إلى سجستان ومحاربة رتبيل، فسار سنة اثنان وتسعون، حتى صار إلى زالق من أرض سجستان، ثم زحف إلى رتبيل، فوجه إليه رتبيل: أنا كنا قد صالحناكم، وقبلتم الصلح ، فما ذا دعاكم إلى نقضه؟ فأرسل إليه أن الحجاج أبي ذلك، فرد عليه رتبيل: إن قبلتم الصلح كان أصلح لكم، وإلا رجونا النصر عليكم. فقال قتيبة لأصحابه: إن هذا وجه مشؤوم، وقد هلك فيه عبد االله بن أمية، وابن أبي بكرة، وغير واحد، ولا نأمن الحيل التي كان رتبيل يحتالها من تحريق الطعام، والعلوفات ،وأخذ الحصون والسهل وحمل ما... فولى قتيبة عبد ربه بن عبد االله بن عمير الليثي، وسار قتيبة إلى خوارزم، وا سعيد بن ونوفار، وكانوا قتلوا عامل قتيبة، فقدمها، فسبى مائة ألف، وحاصر سعيد بن ونوفار حتى قتله. فلما أصلح البلاد وانصرف بالغنائم التي لم يسمع بمثلها، وأراد جنده الرجوع إلى أوطام بما في أيديهم ،قام قتيبة خطيبا، فذكرهم ما كانوا فيه، وأعلمهم أنه لا براح لهم، واستخلف على خوارزم عبد االله بن أبي عبد االله الكرماني، ثم سار قتيبة إلى سمرقند، وكان غوزك قد قتل طرخون ملك السغد، وتملك على البلد، فلما وافى قتيبة حاربه، فكانت بينهم حروب شديدة، وأحب قتيبة الصلح فراسل غوزك يدعوه إلى ذلك، فقال لأهل سمرقند: علام نصالحهم، وبلدنا لا يدخله إلا رجلان: إما أحدهما فقيل وإما الآخر فاسمه إكاف، فكبر قتيبة، وكبر المسلمون، وقالوا: أميرنا اسمه قتب البعير، فأذعنوا بالصلح على أن يدخل فيصلي ركعتين، فدخل من باب كش، وخرج من باب الصين، واتخذ لهم غوزك ملك سمرقند الطعام، فأكل قتيبة وأصحابه، فكتب له كتاب صلح: هذا ما صالح عليه قتيبة بن مسلم غوزك إخشيد السغد، أفشين سمرقند على السغد، وسمرقند وكش، وكسف، صالحه على ثلاثة آلاف درهم يؤديها غوزك إلى رأس كل سنة ،وجعل له عهد االله وذمته، وذمة الأمير الحجاج بن يوسف، وأشهد له شهودا، وكان ذلك سنة أربع وتسعون. وولي قتيبة سمرقند عبد الرحمن بن مسلم أخاه، فغدر به أهل سمرقند، وأتاه خاقان ملك الترك، وكتب إلى قتيبة، فتوقف قتيبة حتى انحسر الشتاء، ثم سار إليه، فهزم عسكر الترك، واستقامت له خراسان. وكان الحجاج لما أشخص إليه قتيبة ولد المهلب حبسهم جميعا ً، ومعهم يزيد بن المهلب، بستة آلاف ألف درهم، وعذم في ذلك أشد العذاب، فلما رأوا ما هم فيه من العذاب سألوه أن يدخل إليهم التجار حتى يبيعوا أموالهم وضياعهم، وصنعوا طعاما كثيرا ً، ودخل إليهم الناس، وخلق من التجار، فأكلوا عندهم في الحبس ثم اختلطوا بغمار الناس، وخرجوا معهم، وقد لبس يزيد لحية كبيرة طويلة صفراء، وكان شابا، ثم ركب وإخوته نجائب قد كان تقدم في إعدادها، ولحق بالشام، فصار إلى سليمان بن عبد الملك، فكلموه ،وصار إلى عبد العزيز بن الوليد، فشفع فيهم عند الوليد، حتى آمنهم وأحضرهم، فصالحهم على نصف المال، وهو ثلاثة آلاف ألف درهم، فقالوا: على أن نستعين قومنا من أهل الشام، فقال: ذلك إليكم! فتحمل عنهم اليمانية من أهل دمشق من أعطيتهم نجما، وتحمل عنهم سائر أهل الشام نجما، وأقاموا بباب الوليد، وكتب الوليد إلى الحجاج في تخلية من كان في محبسه من أسبام فخلاهم جميعا ً. ووجه الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي إلى السند، سنة اثنان وتسعون ،وأمره أن يقيم بشيراز من أرض فارس حتى يمكن الزمان، فقدم محمد شيراز، فأقام ا ستة أشهر، ثم سار في ستة آلاف فارس، حتى أتى مكران، فأقام ا شهرا ً ونحوه، ثم زحف إلى فتربور، وقد جمع أهل فتربور ،فحارم شهورا، ثم فتحها فسبى وغنم، ثم زحف إلى أرمائيل فحارم أياما ً، ثم فتحها، فأقام ا شهورا ،ثم زحف إلى الديبل في خلق عظيم، حتى أتى المدينة، وعبا الجيوش، وأخذ بإكظام القوم، وأقام يحارم عدة شهور، وكان لهم بد يعبدونه، طوله في السماء أربعون ذراعا ً، فرماه بالمنجنيق، فكسره، ثم وضع السلاليم على السور، وأصعد الرجال، فافتتحها عنوة، فقتل المقاتلة، ووجد للبد الذي كانوا يعبدونه سبع مائة راتبة، وأخذ منها أموالا ً عظاما ً. ولما فتح الديبل، وكانت أعظم مدائنهم، خضع له أهل البلدان، فسار من الديبل إلى النيرون، فصالحهم ،وكتب إلى الحجاج يستأذنه في التقدم، فكتب إليه: أن سر، فأنت أمير على ما فتحته! وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامل خراسان: أيكما سبق إلى الصين، فهو عامل عليها، وعلى صاحبها، فمضى محمد ابن القاسم ،وجعل لا يمر ببلد إلا غلب عليه، ولا مدينة إلا فتحها صلحا ً أو عنوة، فعبر ر السند، وهو دون مهران ،وسار إلى سهبان ففتحها، ثم سار نحو شط مهران، فلما بلغ داهر ملك السند مكانه وجه إليه جيشا ً عظيما ً، فلقي محمد بن القاسم ذلك الجيش فهزمهم، وزحف إليه داهر، فأقام مواقفا له عدة شهور، وبينا هم في تلك المواقفة زاحفة داهر، وهو على الفيل، فاشتدت بينهما الحرب، وأخذت من الفريقين، وعطش الفيل الذي كان داهر عليه، فغلب فياله، فترجل، فترل داهر فقاتل في الأرض حتى قتل، وازم جيشه ،وفتح المسلمون، وكتب محمد إلى الحجاج بالفتح، وبعث برأس داهر إليه. ومضى في بلاد السند ففتح بلدا بلدا، ومدينة مدينة، حتى أتى أورو، وهي من أعظم مدائن السند ، فحاصرهم حصارا ً شديدا ً، وهم لا يعلمون أن داهر قد قتل، فلما أملهم بعث إليهم محمد بن القاسم بامرأة داهر، فقالت لهم: إن الملك قد قتل، فاطلبوا الأمان، فطلبوه، ونزلوا على حكم محمد، وفتحوا له باب المدينة، فدخلها، ثم استخلف فيها، ومضى يقطع البلاد، ويفتح مدينة مدينة، ثم كتب إليه الحجاج: أني قد كتبت إلى أمير المؤمنين الوليد أضمن له أن أرد إلى بيت المال نظير ما أنفقت، فأخرجني من ضماني! فحمل إليه أكثر مما أنفق. وأقام محمد بن القاسم في بلاد السند حتى توفي الوليد، وولي سليمان بن عبد الملك، وكان لمحمد بن القاسم، في الوقت الذي غزا فيه بلاد السند والهند، وقاد الجيوش وفتح الفتوح، خمس عشرة سنة، فقال زياد الأعجم: إن الشجاعة والسماحة والندى لمحمد بن القاسم بن محمدقاد الجيوش لخمس عشرة حجة يا قرب ذلك سؤددا ً من مولد

وكتب الوليد إلى خالد بن عبد االله القسري، عامله على الحجاز، يأمره بإخراج من بالحجاز من أهل العراقين، وحملهم إلى الحجاج بن يوسف، فبعث خالد إلى المدينة عثمان بن حيان المري لإخراج من ا من أهل العراقين، فأخرجهم جميعا ً، وجماعام في الجوامع، إلى الحجاج، ولم يترك تاجرا ولا غير تاجر ،ونادى: إلا برئت الذمة ممن آوى عراقيا ً، وكان لا يبلغه أن أحدا ً من أهل العراق في دار أحد من أهل المدينة إلا أخرجه. فخرج الوليد إلى الحميمة من أرض الشراة، من عمل جند دمشق سنة خمس وتسعون، وكان سبب ذلك أن أم سليط بن عبد االله بن عباس رفعت إلى الوليد أن علي بن عبد االله قتل ابنها، ودفنه في البستان الذي يترله، وبنى عليه دكانا، فأخذه الوليد بذلك وقال له: أقتلت أخاك؟ قال: ليس بأخي، ولكنه عبدي قتلته. وكان عبد االله بن عباس أوصى إلى ابنه علي أن يورث سليطا، ولا يزوجه، وقال: أنا أعلم أنه ليس مني ،ولكني لا أدفعه عن الميراث. فترل علي بن عبد االله الحميمة، فلم يزل ا حتى ولد أولادا ً، وصار له الأهل والعيل، وولد له نيف وعشرون ذكرا، مات عامتهم في حياته، ولم يزل ولده بالحميمة حتى أذهب االله سلطان بني أمية. وتوفي الحجاج بن يوسف في هذه السنة، وهي سنة خمس وتسعون، وهو يومئذ ابن أربع وخمسين سنة ،وكانت إمرته على العراق عشرين سنة، فأقر الوليد على عمله يزيد بن أبي مسلم خليفته، ثم استعمل مكانه يزيد بن أبي كبشه السكسكي. وكان الوليد لحانا ً، فيه هرج وحيرة، وكان يقول: لا ينبغي لخليفه أن يناشد، ولا يكذب، ولا يسميه أحد باسمه، وعاقب على ذلك. وكان أول من عمل البيمارستان للمرضى، ودار الضيافة، وأول من أجرى على العميان، والمساكين ،واذمين الأرزاق، وكان ممن أحدث قتل العصاة وأحصى أهل الديوان، وألقى منهم بشرا ً كثيرا ً بلغت عدم عشرين ألفا ً، وأول من أجزى طعام شهر رمضان في المساجد، وصام الإثنين والخميس فأدمنه ،وأول من أخذ بالقذف والظنة وقتل ما الرجال، وانكسر الخراج في أيامه، فلم يحمل كثير شيء، ولم يحمل الحجاج من جميع العراق إلا خمسة وعشرين ألف ألف درهم. وكانت في ولايته الزلازل التي هدمت كل شيء، وأقامت أربعين صباحا في سنة أربع وتسعون وكان الغالب عليه الفازي بن ربيعة الحرشي، وكان قاضيه بالكوفة الشعبي، وكان على شرطة أبو ناتل رباح بن عبد الغساني، ثم عزله ،واستعمل كعب بن حامد العبسي، وعلى حرسه خالد بن الديان، مولى محارب، وحاجبه سعيد مولاه، وتوفي الوليد لأربع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ست وتسعون، وقيل انسلاخ جمادى الآخرة ،وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، وقيل تسع وأربعين سنة، وكانت أيامه تسع سنين وثمانية أشهر ونصفا ،وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، وكانت وفاته بدير مران ودفن بدمشق، وخلف من الولد تسعة عشر ذكرا ً: محمد، والعباس، وعمر، وبشر وروح وخالد، وتمام، ومبشر، وجري، ويزيد، وعبد الرحمن ،وإبراهيم، ويحيى، وأبو عبيدة، ومسرور، وصدقة. وأقام الحج للناس في أيامه سنة ست وثمانون هشام بن إسماعيل، سنة سبع وثمانون عمر بن عبد العزيز ،سنة ثمان وثمانون حج هو، سنة تسع وثمانون وسنة تسعون عمر بن عبد العزيز، سنة واحد وتسعون حج هو، سنة اثنان وتسعون وسنة ثلاث وتسعون عمر بن عبد العزيز، سنة أربع وتسعون مسلمة بن عبد الملك، سنة خمس وتسعون أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. وغزا الصوائف في أيامه سنة ست وثمانون مسلمة، ففتح حصنين ،سنة ثمان وثمانون... مسلمة والعباس بن الوليد، فافتتحا سورية وافتتح العباس ادروليه سنة تسعين عبد العزيز بن الوليد، فافتتح حصنا ً، سنة واحد وتسعين عبد العزيز بن الوليد... محمد ابن مروان، وغزا موسى بن نصير الأندلس، سنة ثلاث وتسعون العباس بن الوليد ومروان بن الوليد ومسلمة، ففتحوا أماسية وحصن الحديد سنة أربع وتسعون العباس وعمر ابنا الوليد، سنة خمس وتسعون العباس، ففتح قبرس سنة ست وتسعون بشر بن الوليد. وكان الفقهاء في أيامه عبد الرحمن بن حاطب، سعيد بن المسيب، عروة ابن الزبير، عطاء بن يسار، أبا سلمة بن عبد الرحمن، القاسم بن محمد، سعيد بن جبير، مجاهد بن جبير مولى بني مخزوم، عكرمة مولى ابن عباس، حكيم بن أبي حازم شقيق ابن سلمة، إبراهيم بن يزيد النخعي، عامر الشعبي، سالم بن أبي الجعد ،إسحاق السبيعي، أيوب الأزدي، أبا تميم الحميني، الحسن بن أبي الحسن، محمد بن سيرين، أبا قلابة عبد االله بن زيد، سليمان بن يسار، مورق العجلي، سنان بن سلمة، أبا المليح بن أسامة الهذلي، العلاء بن زياد، أبا إدريس، رجاء بن حيوة. وكان الوليد طوالا، أسمر، به أثر جدري خفي، بمقدم لحيته شمط، ليس في رأسه ولا لحيته غيره، أفطس. أيام سليمان بن عبد الملك وملك سليمان بن عبد الملك بن مروان، وأمه ولادة بنت العباس بن جزء العبسية، للنصف من جمادى الأولى سنة ست وتسعون، وكانت الشمس يومئذ في الحوت ست درجات وأربعين دقيقة، والقمر في السنبلة ست عشرة درجة وعشرين دقيقة راجعا، والمشتري في القوس خمسا ً وعشرين درجة وأربعين دقيقة ،والمريخ في الدلو إحدى عشرة درجة وثلاث دقائق، والزهرة في الحوت خمس عشرة درجة وتسع عشرة دقيقة، وعطارد في الحوت خمس درجات وخمسين دقيقة والرأس في الأسد ثلاث عشرة درجة وخمس عشرة دقيقة. وأتته الخلافة بالرملة، وكان ا مترلة، وهو أنشأ مسجد جامعها، وقصر إمارا، ونقل الناس إليها من لد ،وكانت المدينة التي يترلها الناس، فأخذ دم منازلهم بلد، والبنيان بالرملة، وعاقب من امتنع من ذلك ،وهدم منازلهم، وقطع الميرة عنهم، حتى انتقلوا وخرب لد. وأخذ له عمر بن عبد العزيز البيعة بدمشق، يوم مات الوليد، فصار إلى دمشق فأقام ا يسيرا ً، وأراد سليمان الحج، فكتب إلى خالد بن عبد االله وهو عامل مكة، يأمره أن يجري له عينا تخرج من الثقبة من الماء العذب، حتى تظهر بين زمزم والركن الأسود، يباهي ا زمزم، فعمل خالد البركة التي بفم الثقبة ، يقال لها: بركة القسري، وهي قائمة إلى اليوم، في أصل ثبير، عملها بحجارة منقوشة، واستنبط ماءها من ذلك الموضع، ثم شق من هذه البركة عينا تجري إلى المسجد الحرام، في قصب من رصاص، حتى أظهرها في فواره تسكب في فسقية رخام، بين الركن وزمزم، فلما أن جرت وظهر ماؤها أمر خالد بجزر ، فنحرت بمكة، وقسمت بين الناس، وعمل طعاما ً، فدعا إليه الناس، ثم أمر صائحا، فصاح: الصلاة جامعة ،ثم صعد المنبر فقال: أيها الناس احمدوا االله، وادعوا لأمير المؤمنين الذي سقاكم الماء العذب، بعد المالح الأجاج، الذي لا يطاق شربه، يعني زمزم وكان لا يجتمع على ذلك الماء اثنان، وكانوا على شرب زمزم أكثر ما كانوا ،فلما رأى خالد ذلك قام خطيبا ً، فنال من أهل مكة، وكلمهم بكلام قبيح يعنفهم فيه على تركهم شرب ذلك الماء، وإقبالهم على زمزم، ولم تزل تلك الفسقية على حالها أيام بني أمية، فلما صار الأمر إلى بني هاشم هدمها داود بن علي أول ما قدم مكة. ولم يقم خالد بمكة إلا قليلا ً حتى سخط عليه سليمان، فصرفه، وولي طلحة بن داود الحضرمي، وأمره أن يضرب خالدا بالسياط بسبب امرأة من قريش كان قذفها فأقبح، وأن يطالبه، ويحمله في الحديد، وعزل عثمان بن حيان المري عامل المدينة، وقلد أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فضرب عثمان بن حيان حدين: أحدهما في شرب الخمر، والآخر في قرفه على عبد االله بن عمرو بن عثمان بن عفان. وسخط سليمان على موسى بن نصير اللخمي، العامل على إفريقية، والذي افتتح الأندلس وما والاها ،وكان موسى قدم على الوليد، فوجده شديد العلة، فلم يقم إلا أياما ً حتى مات، وسعى طارق مولى موسى بمولاه إلى سليمان، فاستصفى سليمان ماله، وأخذه بمائة ألف دينار، فقال موسى: صحبتكم ولي فرس وفرو وسيف، فأعطوني هذا وشأنكم بما بقي. وولي سليمان المغرب محمد بن يزيد، مولى قريش، وأمره بتتبع أصحاب موسى وولده وأصحابه، وكان سليمان قد قدم يزيد بن المهلب وخصه وأبره، ودفع إليه أصحاب الحجاج بن يوسف، وموسى بن نصير ،وخالد بن عبد االله القسري، ويوسف بن عمر الثقفي، والحكم بن أيوب، وعبد الرحمن بن حيان المري ،وأمره أن يعذم حتى يستخرج منهم الأموال، وتتبع سليمان أصحاب الحجاج يسومهم سوء العذاب ،وأشخص إليه يزيد بن أبي مسلم خليفة الحجاج، وكان قصيرا، خفيف البدن، فلما رآه قال له: أنت يزيد؟ قال: نعم! قال: صاحب الحجاج والأفعال التي بلغتني مما أرى من دمامة خلقتك؟ قال: ذاك واالله إنك رأيتني والدنيا عليك مقبلة، وهي عني مدبرة، ولو رأيتها وهي إلي مقبلة، وعنك مدبرة، لاستعظمت ما استصغرت، واستجللت ما استحقرت. قال: أين ترى الحجاج يهوي في النار؟ قال: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين لرجل يحشر عن يمين أبيك وشمال أخيك، وأنزله حيث شئت تترلهما معه. فقال ليزيد بن المهلب: خذه إليك، فعذبه بألوان العذاب، حتى تستخرج منه الأموال. فقال: يا أمير المؤمنين أنا أعلم به، لا واالله ما عنده مال، ولا كان ممن يحوي المال. وكان يزيد بن المهلب يعرف له جميل فعله به، فولاه سليمان الصائفة. وكان قتيبة بن مسلم عامل الحجاج على خراسان فلما بلغه فعل سليمان بنظرائه، وقصده عمال الوليد ، وعمال الحجاج، جمع إليه إخوانه وأهل بيته، وأوغل في أرض العجم، حتى بلغ بلد فرغانة القصوى وكان عبد االله ابن الأهتم التميمي معه، فهرب منه إلى سليمان، فرفع إليه، فأخذ قتيبة قوما من أهل بيته، فقتلهم وقطع أيدي آخرين وأرجلهم، وكان يزيد بن المهلب عدوه لما فعل به وبأهل بيته لما ولي عليه، فعلم أنه لا يصلح له حب سليمان، وكتب إليه كتابا، فأجابه سليمان يغلظ له، فأراد الخلع، وهو لا يشك أن موضعه من الترارية... واليمانية لا يخالفونه، فلما علم القوم مذهبه تبعدوا عنه، فخطبهم خطبة مشهورة ،نال فيها، وقال: يا معشر تميم، ويا أهل الذلة والقلة، ويا معشر الأزد! أخليتم السفن، وركبتم الخيل، وقذفتم المرادي، وأخذتم الرماح، واالله لأنا بمن معي من العجم أعز منكم! فصاف القوم عنه، وصارت كلمتهم واحدة في الوثوب عليه، واجتمعوا إلى الحضين بن المنذر، فدعوه إلى القيام بجماعتهم، فقال: عليكم بوكيع بن أبي سود التميمي. فأتوا وكيعا، فانقضت كلمتهم عليه، ومع القوم يومئذ حيان النبطي ،فوثبوا بقتيبة فقتلوه، وقام وكيع بخراسان، وولي عماله، وكتب إلى سليمان يعلمه ما كان منه، وبعث برأس قتيبة ورؤوس أهل بيته إليه، وذلك في سنة ست وتسعون. فلما أتى سليمان كتاب وكيع أراد أن يكتب إليه بالعهد على خراسان، فقيل له: إنه رجل ترفعه الفتنة وتضعه السنة، وليس لها بموضع، فولى سليمان يزيد بن المهلب العراق وخراسان، فكان يزيد بن المهلب في العراق، فعذب عمال الحجاج، ثم استخلف على العراق ونفذ إلى خراسان، فتتبع أصحاب قتيبة وقراباته ،فسامهم سوء العذاب، وحبس وكيع بن أبي سود، وقيده، وأخذ عماله الذين كان ولاهم البلدان بعد قتل قتيبة، فطالبهم بالأموال التي صارت إليهم، وخالف أكثر أهل خراسان فقصد جرجان، فحاصرها حتى نزلوا على حكمه، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وفتحها وحارب أصبهبذ طبرستان، وملك الترك، وملك الديلم، فأقام في محاربة صاحب طبرستان زمانا، ثم عرض وضجر، ثم طلب أن يصالحه، فلم يفعل، فرجع إلى جرجان فأقام ا، ثم خرج منها إلى نيسابور، وولي يزيد إخوته وولده البلدان، فولى مخلدا سمرقند ،ومدرك بن المهلب بلخ، ومحمد بن المهلب مرو، وعظم أمر يزيد بخراسان. واضطرب السند، وأخل الجند الذين كانوا مع محمد بن القاسم الثقفي بمراكزهم، فرجع أهل كل بلد إلى بلدهم، فوجه سليمان حبيب بن المهلب إليها، فدخل البلاد، وقاتل قوما كانوا ناحية مهران، وأخذ محمد بن القاسم، فألبسه المسوح، وقيده وحبسه. وقدم أبو هاشم عبد االله بن محمد بن علي بن أبي طالب على سليمان، وقال سليمان: ما كلمت قرشيا قط يشبه هذا، وما أظنه إلا الذي كنا نحدث عنه، فأجازه، وقضى حوائجه وحوائج من معه. ثم شخص عبد االله بن محمد، وهو يزيد فلسطين، فبعث سليمان قوما إلى بلاد لخم وجذام، ومعهم اللبن المسموم، فضربوا أخبية نزلوا فيها، فمر م، فقالوا: يا عبد االله! هل لك في الشراب؟ فقال: جزيتم خيرا ً. ثم مر باخرين، فقالوا مثل ذلك، فجزاهم خيرا ً، ثم باخرين، فاستسقى فسقوه، فلما استقر اللبن في جوفه قال لمن معه: أنا واالله ميت، فانظروا من هؤلاء، فنظروا فإذا القوم قد قوضوا، فقال: ميلوا بي إلى ابن عمي محمد بن علي بن عبد االله بن عباس، فإنه بأرض الشراة، فأسرعوا السير حتى أتوا محمد بن علي بالحميمة من أرض الشراة، فلما قدم عليه قال له: يا ابن عم أنا ميت، وقد صرت إليك، وهذه وصية أبي إلي ، وفيها أن الأمر صائر إليك، وإلى ولدك، والوقت الذي يكون ذلك، والعلامة وما ينبغي لكم العمل به أعلى ما سمع وروى عن أبيه علي بن أبي طالب، فاقبضها إليك، وهؤلاء الشيعة ستوص م خيرا ً، وهؤلاء دعاتك وأنصارك، فاستبطنهم، فإني قد بلوم بمحبة ومودة لأهل بيتك، ثم هذا الرجل ميسرة، فاجعله صاحبك بالعراق، فأما الشام، فليست لكم ببلاد، وهؤلاء رسله إلى خراسان وإليك، ولتكن دعوتكم بخراسان، ولا تعد هذه الكور: مرو، ومرو الروذ، وبيورد، ونسا، وإياك ونيسابور وكورها، وأبرشهر ،وطوس، فإني أرجو أن تتم دعوتكم، ويظهر االله أموركم، وأعلم أن صاحب هذا الأمر من ولدك عبد االله بن الحارثية، ثم عبد االله أخوه الذي هو أكبر منه، فإذا مضت سنة الحمار، فوجه رسلك بكتبك ،ووطد الأمر قبل ذلك بلا رسول ولا حجة. فأما أهل العراق، فهم شيعتك ومحبوك، وهم أهل اختلاف، فلا يكن رسولك إلا منهم، وانظر أهل الحي من ربيعة فألحقهم م، فإم معهم في كل أمر، وانظر هذا الحي من تميم وقيس فاقصهم، ثم أبدهم إلا من عصم االله منهم، وهم أقل من القليل، ثم اختر دعاتك، فليكونوا اثني عشر نقيبا، فإن االله عز وجل لم يصلح أمر بني إسرائيل إلا م وسبعين نفسا بعدهم يتلوم، فإن النبي إنما اتخذ اثني عشر نقيبا ً من الأنصار اتباعا ً لذلك. فقال محمد: يا أبا هاشم! وما سنة الحمار؟ قال: لم يمض مائة من نبوة قط إلا انقضت أمورها، لقول االله عز وجل: "أو كالذي مر على قرية"، الآية، فإذا خلت مائة سنة، فابعث رسلك ودعاتك، فإن االله متمم أمرك. ومات أبو هاشم بعد أن دفع الكتاب إلى محمد بن علي، وذلك سنة سبع وتسعون، وفيها وجه محمد بن علي أبا رباح ميسرة النبال مولى الأزد إلى الكوفة. وحج سليمان سنة سبع وتسعون، وقد عزم على أن يبايع لابنه أيوب بولاية العهد من بعده، وكان قد كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن يبني له قصرا بالجرف يترله، فلما قدم لم يرض بناء القصر، فترله، وقسم بين أهل المدينة قسما، وفرض لقريش خاصة أربعة آلاف فريضة لم يدخل فيها حليفا ولا مولى، فأجمع رأى مشيخة قريش أن جعلوها لحلفائهم ومواليهم، ثم دخلوا عليه فقالوا: إنك قد فرضت لنا أربعة آلاف فريضة لا تدخل علينا فيها حليفا ولا مولى، فرأينا أن نكافئك ونجعلها في حلفائنا وموالينا، فنحن أخف عليك مؤونة منهم. ففرض لهم أربعة آلاف فريضة أخرى. وصار إلى مكة، فلما نزل بطن رابغ أخذم السماء وجاءت صواعق لم ير مثلها، ففزع سليمان، فقال له عمر بن عبد العزيز: هذه الرحمة، فكيف العذاب؟ وأحضر جماعة من الفقهاء فيهم القاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم ابن عبد االله، وعبد االله بن عمر، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن حزم، فسألهم عن أمر الحج ،فاختلفوا عليه، فقال كل واحد منهم قولا لم يوافق الآخر، فقال: كيف صنع أمير المؤمنين عبد الملك؟ فقيل له: كذا، فقال: أصنع كما صنع، وأترك اختلافكم. وانصرف من مكة إلى بيت المقدس، فأطاف اذمون بمترله، فضربوا بأجراسهم، حتى منعوه النوم، فسأل عنهم، فأخبر بما يلقاه الناس منهم، فأمر بإحراقهم، وقال: لو كان في هؤلاء خير ما ابتلاهم االله ذا البلاء! فكلمه عمر في ذلك، فأمسك عنهم ،وأمر أن ينفوا إلى قرية معتزلة لا يخالطوا الناس وخرج سليمان إلى ناحية الجزيرة، فترل بموضع يقال له دابق، من جند قنسرين، وأغزى مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم وأمره أن يقصد القسطنطينية، فيقيم عليها حتى يفتحها، فسار مسلمة حتى بلغ القسطنطينية، وأقام عليها حتى زرع وأكل مما زرع، ودخل ،وفتح مدينة الصقالبة وأصاب المسلمين ضر وجوع وبرد. وبلغ سليمان ما فيه مسلمة ومن معه، فأمدهم بعمرو بن قيس في البر، وأغزى عمر بن هبيرة الفزاري في البحر، وذلك أن الروم أغاروا على مدينة اللاذقية من جند حمص، فأحرقوها، وذهبوا بما فيها، فبلغ عمر بن هبيرة خليج القسطنطينية. وكان الغالب على سليمان النصرا بن برهم الحميري، ورجاء بن حيوة الكندي، وعلى شرطة كعب بن حامد العبسي، وعلى حرسه خالد بن الديان مولى محارب، وحاجبه مولاه أبو عبيدة، وكان أكولا لا يكاد يشبع، وكان له جمال وفصاحة... رجل طويل، أبيض قضيف البدن، لم يشب، وهو الذي يقول ،ونظر إلى نفسه في المرآة: أنا الملك الشاب، فما دارت عليه الجمعة حتى مات، وكانت وفاته في صفر سنة تسع وتسعين، وعهد إلى عمر بن عبد العزيز، وكتب كتابا، وأحضر أهل بيته، فقال: بايعوا لمن في هذا الكتاب، فبايعوا، ودفع الكتاب إلى مسجد دابق، فدعا من ا من أهل بيت سليمان، فقال: بايعوا! فقالوا: إنا بايعنا مرة، فقال: بايعوا الذي في هذا الكتاب، فبايعوا، فلما فرغ قال: قوموا إلى صاحبكم ،فقد مات، وقرأه، فلما بلغ إلى اسم عمر بن عبد العزيز قال هشام: لا واالله لا أبايع! فقال رجاء بن حيوة: إذا أضرب عنقك، وأخذ بضبع عمر، فأجلسه على المنبر، فلما فرغوا من البيعة دفنوا سليمان، ونزل عمر بن عبد العزيز قبره، وثلاثة من ولده، فلما تناولوه تحرك على أيديهم، فقال ولد سليمان: عاش أبونا ورب الكعبة! فقال عمر: بل عوجل أبوكم ورب الكعبة! وكان بعض من يطعن على عمر يقول له: دفن سليمان حيا. وكانت ولاية سليمان بن عبد الملك سنتين وثمانية أشهر، وخلف من الولد الذكور عشرة: يزيد والقاسم وسعيد، وعثمان، وعبد االله، وعبد الواحد، والحارث، وعمرو، وعمر، وعبد الرحمن. وأقام الحج للناس في ولايته سنة ست وتسعون أبو بكر بن عمرو بن جزم، وفي سنة سبع وتسعون سليمان ،وفي سنة ثمان وتسعون عبد العزيز بن عبد االله بن خالد بن أسيد. وغزا في أيامه سنة ست وتسعون مسلمة، ففتح حصن الحديد وشتا بنواحي الروم، وعمر بن هبيرة في البحر، فمخروا ما بين الخليج والقسطنطينية، وفتحوا مدينة الصقالبة، وأمد سليمان بعمرو بن قيس الكندي، وعبد االله بن عمر بن الوليد ابن عقبة وفي سنة تسع وتسعون وجه سليمان بن عبد الملك بابنه داود إلى أرض الروم، ومسلمة منيخ على القسطنطينية، ففتح داود حصن المرأة من ناحية ملطية. وكان الفقهاء في أيامه مثل من كان في أيام الوليد. أيام عمر بن عبد العزيز ثم ولى عمر بن عبد العزيز بن مروان، وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر ابن الخطاب، لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعون، وكانت الشمس يومئذ في السنبلة ثمانيا ً وعشرين درجة، وزحل في الميزان خمسا ً وعشرين درجة وأربعين دقيقة، والمشتري في الحوت درجتين راجعا، والمريخ في السرطان ثلاثا ً وعشرين درجة وثلاثين دقيقة، وعطارد في الميزان اثنتين وعشرين درجة، والرأس في الجوزاء ثلاثا ً وعشرين درجة وستا وعشرين دقيقة، وبويع بدابق، وكان الكتاب الذي كتبه سليمان: هذا كتاب من عبد االله سليمان أمير المؤمنين لعمر ابن عبد العزيز أني وليتك الخلافة بعدي، فاسمعوا، وأطيعوا، واتقوا االله، ولا تختلفوا. فلما قرئ الكتاب بايع جميع من حضر من بني أمية خلا عبد العزيز ابن الوليد بن عبد الملك، فإنه كان غائبا ً، فدعا إلى نفسه، فبايعه قوم، فلما بلغه ولاية عمر قدم، فقال له عمر: بلغني أنك كنت دعوت إلى نفسك، وأردت دخول دمشق، فقال: قد كان ذلك لأني خفت الفتنة، وبلغني أن الخليفة لم يعهد إلى أحد. فقال عمر: لو قمت بالأمر ما نازعتك ذلك فقال عبد العزيز: ما كنت أحب أن يكون ولي هذا الأمر غيرك. ولما بلغ يزيد بن المهلب ولاية عمر وورد عليه كتابه شخص من خراسان، واستخلف ا مخلدا ابنه، وحمل كل ما كان له، مخافة من أهل خراسان، معه، فأشار عليه قوم ألا يبرح، فلم يفعل، وصار إلى البصرة ،فلقيه ا عدي ابن أرطأة عامل عمر، فأوصل إليه كتاب عمر، فقال: سمعا وطاعة، ثم حمله إليه مستوثقا ً منه، فقال له عمر: إني وجدت لك كتابا إلى سليمان تذكر فيه أنك اجتمع قبلك عشرون ألف ألف ،فأين هي؟ فأنكرها، ثم قال: دعني أجمعها! قال: أين؟ قال: أسعى إلى الناس. قال: تأخذها منهم مرة أخرى؟ لا ولا نعمي عين. ثم ولي الجراح بن عبد االله الحكمي خراسان، وأمره أن يأخذ مخلد بن يزيد ،فيستوثق منه استيثاقا لا يمنعه من الصلاة، فحبسه الجراح مكرما ً، ثم حمله إلى عمر، فدخل في ثياب مشمرة، وقلنسوة بيضاء، فقال له عمر: هذا خلاف ما بلغني عنك. فقال: أنتم الأئمة إذا أسبلتم أسبلنا ،وإذا شمرتم شمرنا. وحسنت سيرة الجراح وقدمت عليه وفود التبت يسألونه أن يبعث إليهم من يعرض عليهم الإسلام، فوجه إليهم السليط بن عبد االله الحنفي، ووجه عبد االله بن معمر اليشكري إلى ما وراء النهر، فلقي جمعا ً للترك فهزم وانصرف ابن معمر. وبلغ عمر عن الجراح أمور يكرهها من أنه يأخذ الجزية من قوم قد أسلموا، وأنه يغزى موالي بلا عطاء ،وأنه يظهر العصبية، فكتب إليه: أن أقدم، واستخلف عبد الرحمن بن نعيم الغامدي، ففعل ذلك، ثم كتب عمر إلى عبد الرحمن بعهده على خراسان، ويأمره بأقفال من وراء النهر من المسلمين بذراريهم إلى مرو ،فعرض ذلك عليهم، فأبوا عليه، فكتب إلى عمر ام قد رضوا بالمقام، فحمد عمر ربه على ذلك. وبلغ عمر ما فيه من في بلاد الروم مع مسلمة من الضرر والفاقة، فوجه عمر بن قيس على الصائفة ، ووجه معه الكساء والطعام والأعطيه لمن كان مع مسلمة من المسلمين، فوجه عمر عبد العزير بن حاتم بن النعمان الباهلي، فأوقع بالترك، فلم يفلت منهم إلا الشريد، وقدم على عمر منهم بخمسين أسيرا، فقال رجل من المسلمين لعمر في أسير منهم: لو رأيت هذا، يا أمير المؤمنين، يقتل المسلمين، لرأيت قتالا ً ذريعا فقال: قم فاضرب عنقه. وفاة علي بن الحسين وتوفي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في سنة تسع وتسعون، وقال قوم سنة مائة، وله ثمان وخمسون سنة، وكان أفضل الناس، وأشدهم عبادة، وكان يسمى زين العابدين، وكان يسمى أيضا ً ذا الثفنات، لما كان في وجهه من أثر السجود، وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، ولما غسل وجد على كتفيه جلب كجلب البعير، فقيل لأهله: ما هذه الآثار؟ قالوا: من حمله للطعام في الليل يدور به على منازل الفقراء. قال سعيد بن المسيب: ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين. وما رأيته قط إلا مقت نفسي، ما رأيته ضاحكا يوما ً قط. وكانت أمه حرار بنت يزدجرد كسرى، وذلك أن عمر بن الخطاب لما أتي بابنتي يزدجرد وهب أحدا ًهما للحسين بن علي، فسماها غزالة، وكان يقول بعض الأشراف إذا ذكر علي ابن الحسين يود الناس كلهم أن أمهام إماء. وقيل إن أمه كانت من سبي كابل. قال أبو خالد الكابلي: سمعت علي بن الحسين يقول: من عف عن محارم االله كان عابدا ً، ومن رضي بقسم االله كان غنيا ً، ومن أحسن مجاورة من جاوره كان مسلما ً، ومن صاحب الناس بما يحب أن يصاحبوه به كان عدلا ً. وقال علي بن الحسين: إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: ما فضلكم؟ فيقولون: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيء علينا عفونا. فيقولون: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. ثم ينادي مناد: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة ،فيقولون: ما كان صبركم؟ فيقولون: صبرنا أنفسنا على طاعة االله، وصبرنا عن معاصي االله، فيقولون لهم: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. ثم ينادي فيقول: ليقم جيران االله! فيقوم ناس من الناس، وهم الأقل ، فيقال لهم: بم جاورتم االله في داره؟ فيقولون: كنا نتجالس في االله، ونتذاكر في االله، ونتزاور في االله ،فيقولون: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. وقال: بئس القوم قوم ختلوا الدنيا بالدين، وبئس القوم قوم عملوا بأعمال يطلبون ا الدنيا. وقال: إن المعرفة بكمال المرء تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة مرائه، وصبره، وحسن خلقه. وكتب ملك الروم إلى عبد الملك يتوعده، فضاق عليه الجواب وكتب إلى الحجاج، وهو إذ ذاك على الحجاز: أن ابعث إلى علي بن الحسين فتوعده ودده وأغلظ له، ثم انظر ما ذا يجيبك، فاكتب به إلي ففعل الحجاج ذلك فقال له علي بن الحسين: إن الله في كل يوم ثلاثمائة وستين لحظة، وأرجو أن يكفينك في أول لحظة من لحظاته. وكتب بذلك إلى عبد الملك، فكتب به إلى صاحب الروم كتابا ً، فلما قرأه قال: ليس هذا من كلامه، هذا من كلام عترة نبوته. ومرض ثلاث مرضات في كل ذلك يوصي بوصية، فإذا برئ وأفاق أنفذها، وقال: كلكم سيصير حديثا ً، فمن استطاع أن يكون حديثا ً حسنا ً، فليفعل. وكان يقول: ابن آدم لن تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همتك، وما كان لك الخوف شعارا ً، والحزن دثارا ً. وكان عبد الملك قد كتب إلى الحجاج، وهو على الحجاز: جنبني دماء آل بني أبي طالب فإني رأيت آل حرب لما جموا ا لم ينصروا، فكتب إليه علي بن الحسين: أني رأيت رسول االله ليلة كذا في شهر كذا يقول لي: إن عبد الملك قد كتب إلى الحجاج في هذه الليلة بكذا وكذا، وأعلمه أن االله قد شكر له ذلك ،وزاده برهة في ملكه. وكان له من الولد: أبو جعفر محمد، والحسين، وعبد االله، وأمهم أم عبد االله بنت الحسن بن علي، وعلي ،والحسن، والحسين الأصغر، وسليمان، توفي صغيرا ً، وزيد. وذكره يوما ً عمر بن عبد العزيز، فقال: ذهب سراج الدنيا، وجمال الإسلام وزين العابدين، فقيل له: إن ابنه أبا جعفر محمد بن علي فيه بقية، فكتب عمر يختبره، فكتب إليه محمد كتابا ً يعظه ويخوفه، فقال عمر: أخرجوا كتابه إلى سليمان، فأخرج كتابه، فوجده يقرظه، ويمدحه، فأنفذ إلى عامل المدينة، وقال له: أحضر محمدا ً، وقل له: هذا كتابك إلى سليمان تقرظه، وهذا كتابك إلي معما أظهرت من العدل والإحسان. فأحضره عامل المدينة، وعرفه ما كتب به عمر، فقال: إن سليمان كان جبارا ً كتبت إليه بما يكتب إلى الجبارين، وإن صاحبك أظهر أمرا ً فكتبت إليه بما شاكله وكتب عامل عمر إليه بذلك، فقال عمر: إن أهل هذا البيت لا يخليهم االله من فضل. ونكث عمر أعمال أهل بيته وسماها مظالم، وكتب إلى عماله جميعا ً: أما بعد، فإن الناس قد أصام بلاء وشدة وجور في أحكام االله، وسنن سيئة سنتها عليهم عمال السوء، قلما قصدوا قصد الحق والرفق والإحسان، ومن أراد الحج، فعجلوا عليه عطاءه، حتى يتجهز منه، ولا تحدثوا حدثا في قطع وصلب حتى تؤامروني، وترك لعن علي بن أبي طالب على المنبر، وكتب بذلك إلى الآفاق فقال كثير: وليت فلم تشتم عليا ً ولم تخف بريا ولم تتبع مقالة مجرم وأعطى بني هاشم الخمس، ورد فدكا، وكان معاوية أقطعها مروان، فوهبها لابنه عبد العزيز، فورثها عمر منه، فردها على ولد فاطمة فلم تزل في أيديهم حتى ولي يزيد بن عبد الملك، فقبضها. ورد عمر هدايا النيروز والمهرجان، ورد السخر، ورد العطاء على قدر ما استحق الرجل من السنة، وورث العيالات على ما جرت به السنة، غير أنه أقر القطائع التي أقطعها أهل بيته، والعطاء في الشرف لم ينقصه، ولم يزد فيه ،وزاد أهل الشام في أعطيام عشرة دنانير، ولم يفعل ذلك في أهل العراق، وكان يقول: ما بقي المسلم على جفوة السلطان ونزغة الشيطان لم أر شيئا ً أعون له على دينه من إعطائه حقه. فكان يجلس للنظر في أمور المسلمين اره كله، فقال له رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين! ارك كله مشغول، ذلك جزء من الليل، وأنت تسمر معنا فقال: يا رجاء إن ملاقاة الرجال تلقح لأوليائها، وإن المشورة والمناظرة باب رحمة ومفتاح بركة، لا يضل معهما رأى ولا يقعد معهما حزم. وكان يقول: لكل شيء معدن، ومعدن التقوى قلوب العاقلين، لأم عقلوا عن االله، فاتقوه في أمره ويه. وكتب إلى عامله باليمن: أما بعد، فدع ما أنكرت من الباطل، وخذ ما عرفت من الحق بالغا بك ما بلغ ،فإن بلغ مهج أنفسنا، فإن االله يعلم أنك إن لم تحمل إلي إلا حفنة من كتم فإني بذلك مسرور، إذا كان موافقا ً. قال الزهري: دخلت إلى عمر يوما ً فبينا أنا عنده إذ أتاه كتاب من عامل له يخبره إن مدينتهم قد احتاجت إلى مرمة، فقلت له: إن بعض عمال علي بن أبي طالب كتب بمثل هذا، وكتب إليه: أما بعد فحصنها بالعدل، ونق طرقها من الجور، فكتب بذلك عمر إلى عامله. ووجه عمر إلى مسجد دمشق من يترع ما فيه من الرخام والفسيفساء والذهب، وقال: إن الناس يشتغلون بالنظر إليه عن صلام، فقيل له: إن فيه مكيدة للعدو، فتركه، وارتحل إلى خناصرة، فترلها، وهي برية من أطراف جند قنسرين، وكره أن يترل في منازل أهل بيته التي بنوها بمال االله وفيء المسلمين، ثم كلم في ذلك، وقيل له: إن في نزولك البرية إضرارا ً بالمسلمين، فخرج إلى دمشق، فترل دار أبيه التي كانت إلى جانب المسجد، وأقام عشرين يوما ً، وكثر عليه الناس، فارتحل حتى صار إلى مدينة حلب، وكثر عليه الناس، فارتحل إلى مدينة حمص راجعا ً يريد أن يترلها، فلما صار إلى أوائل حمص اعتل، فمال إلى موضع يعرف بدير سمعان، فترله، ويقال: بل ارتحل إليه قاصدا ً يريد نزوله بسبب قطعة أرض كان ورثها عن أمه فيه، فلما صار إلى دير سمعان أتاه الخبر بخروج شوذب الحروري، فأمر بتوجيه جيش إليه، ووجه إليه شوذب برجلين من قبله يناظرانه، فقالا له: إنك أظهرت أفعالا حسنة، وأعمالا جميلة، ومما ننكر عليك ترك لعن أهل بيتك، والبراءة منهم. فقال: وكيف يلزمني لعنهم؟ قالا لأم من أهل المعاصي والذنوب ،ولا يسعك غير ذلك. قال: متى عهدكم بلعن فرعون؟ قالوا: ما نذكر متى لعناه. قال: فكيف يسعكم ترك لعنه، وهو من أهل الذنوب والمعاصي؟ أنتم قوم أردتم شيئا ً فأخطأتموه، ولقد أصبحتم بنعمه ،ووعدكم كثير، وشوكتكم ضعيفة. فأقام أحدهما عنده، وانصرف الآخر. وأتاه أبو الطفيل عامر بن واثلة وكان من أصحاب علي، فقال له: يا أمير المؤمنين! لم منعتني عطائي؟ فقال له: بلغني أنك صقلت سيفك، وشحذت سنانك، ونصلت سهمك، وغلفت قوسك، تنتظر الإمام القائم حتى يخرج، فإذا خرج وفاك عطائك. فقال: إن االله سائلك عن هذا، فاستحيا عمر من هذا ،وأعطاه. وكانت ريطة بنت عبيد االله بن عبد االله بن عبد المدان الحارثي عند عبد االله ابن عبد الملك بن مروان ، فهلك عنها، فخلف عليها الحجاج بن عبد الملك، فطلقها قبل أن يدخل عليها، فقدم محمد بن علي، وهو يريد الصائفة، فكلم عمر فيها، وقال: ابنة خالي كانت متزوجة فيكم، فإن تأذن أتزوجها. قال عمر: ومن يحول بينك وبينها، وهي أملك بنفسها؟ فتزوجها وبنى ا بحاضر قنسرين في دار طلحة بن مالك الطائي واشتملت هناك على أبي العباس. ولما دخلت سنة مائة بعث محمد بن علي بن عبد االله بن عباس ميسرة أبا رباح إلى العراق، ومحمد بن خنيس، وأبا عكرمة السراج، وحيان العطار، إلى خراسان، وعليها يومئذ الجراح بن عبد االله الحكمي ،عامل عمر بن عبد العزيز، فلقوا من لقوا ا، وانصرفوا وقد غرسوا غرسا ً. وكانت ولاية عمر ثلاثين شهرا ً، وكان الغالب عليه رجاء بن حيوة الكندي، وصاحب شرطته روح بن يزيد السكسكي، مولاه ،وتوفي لست بقين من رجب سنة مائة وواحد، وهو ابن تسع وثلاثين سنة، وكان أسمر، رقيق الوجه ،حسن اللحية، غائر العينين، بجبهته أثر، وعهد إلى يزيد بن عبد الملك، وقيل إن سليمان كان جعل له العهد من بعده، وإن عمر قال عند وفاته: لو كان الأمر إلي لوليت ميمون بن مهران، والقاسم بن محمد ،وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك، ودفن بدير سمعان، وقيل: إن أهل بيته سموه خوفا ً من أن يخرج الأمر منهم. وهرب يزيد بن المهلب، قبل وفاة عمر بليلتين، ولحق بالبصرة، وعليها عدي بن أرطأة الفزاري، وقد قبض على أهل بيته فحبسهم، فوجه عمر في أثر يزيد رسلا ً ففام. وخلف عمر من الولد تسعة ذكور: عبد العزيز، وعبد االله، وعبيد االله، وزيدا ً، ومسلمة، وعثمان ،وسليمان، وعاصما، وعبد الرحمن. وأقام الحج للناس في ولايته سنة تسع وتسعون أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، سنة مائة أبو بكر أيضا ً، وغزا الصوائف في ولايته سنة تسع وتسعون عمرو بن قيس الكندي. وكان الفقهاء في أيامه: خارجة بن زيد بن ثابت، يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أبا سلمة بن عبد الرحمن، سالم بن عبد االله بن عمر، القاسم بن محمد ابن أبي بكر، عبيد االله بن عبد االله بن عتبة بن مسعود، محمد بن كعب القرظي، عاصم بن عمر بن قتادة، نافعا ً مولى عبد االله بن عمر، سعيد بن يسار ،محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عبد االله بن دينار، محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عبد االله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو، عطاء بن أبي رباح، مجاهد بن جبير، عكرمة مولى عبد االله بن عباس، عامر بن شراحيل الشعبي، سالم بن أبي الجعد، حبيب بن أبي ثابت، عبد الملك بن ميسرة الهلالي، أبا إسحاق السبيعي، الحسن ابن أبي الحسن البصري، محمد بن سيرين، أبا قلابة عبد االله بن زيد، مورق العجلي، عبد الملك بن يعلى الليثي، زيد بن نوفل، علقمة بن عبد االله المزني ،أبا حازم رجاء بن حيوة، مكحول الدمشقي، راشد بن سعد، المقرئ سليمان ابن حبيب المحاربي، ميمون بن مهران، يزيد بن الأصم، أبا قبيل المعافري، طاووس اليماني. أيام يزيد بن عبد الملك وملك يزيد بن عبد الملك بن مروان، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وهي التي حرمت على عشرة من خلفاء بني أمية، معاوية جدها، ويزيد أبوها، ومروان بن الحكم زوجها، والوليد ،وسليمان، ويزيد، وهشام بنو عبد الملك أولاد زوجها، ويزيد ابنها، والوليد بن يزيد ابن ابنها، ويزيد بن الوليد ابن ابن زوجها. وكانت ولايته في رجب سنة مائة وواحد، والشمس يومئذ في الدلو إحدى وعشرين درجة وعشرين دقيقة، والقمر في الجدي أربع درجات وثلاثين دقيقة، وزحل في العقرب تسعا وعشرين درجة وثلاثين دقيقة، والمشتري في الثور أربع عشرة درجة وعشرين دقيقة، والمريخ في الميزان ثلاث درجات وأربعين دقيقة، والزهرة في الحوت خمس عشرة درجة وعشر دقائق، وعطارد في الجدي خمس عشرة درجة وأربعين دقيقة، والرأس في الثور سبع درجات وعشرين دقيقة. وعزل يزيد عمال عمر بن عبد العزيز جميعا ً، وكتب إلى عدي بن أرطأة يأمره بأخذ يزيد بن المهلب ،فحاربه في داخل البصرة، في شهر رمضان، فظفر به يزيد، فأخذه أسيرا، وحمله معه في الحديد إلى واسط ،فحبسه ا وجماعة معه. وغلب يزيد بن المهلب على البصرة وما والاها، ثم خرج يريد الكوفة، واستخلف على البصرة مروان بن المهلب، فوجه إليه يزيد مسلمة بن عبد الملك، والعباس بن الوليد، فسار مسلمة بن عبد الملك حتى أتى العراق، وجعل يقول: إني أخشى أن يتعيا ابن المهلب ويهرب فنطلبه فقال له حسان النبطي، وكان معه: لا يحسن ذلك، أيها الأمير! قال: ولم؟ قال: سمعته يقول: ويح عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث! هبه غلب على البصرة، أغلب على الصبر؟ ما ضره لو ألقى طرف ثوبه على وجهه، ثم تقدم حتى قتل؟ وقال مسلمة: ما أجرأه ألا يبرح! فالتقيا بمسكن، فحاربه محاربة شديدة، ويزيد مبطون شديد العلة، وكان مسلمة يسميه الجرادة الصفراء، فلم يبرح حتى قتل، وكان ذلك في سنة مائة واثنان. وكان معاوية بن يزيد بن المهلب بواسط، فلما انتهى إليه خبر أبيه أخرج عدي بن أرطأة ومن كان معه ،فضرب أعناقهم، وركب البحر حتى صار بمن كان من أهل بيته وأنصاره إلى قندابيل من أرض السند، إلى أن وافاهم هلال بن أحوز المازني بعث به مسلمة بن عبد الملك، فقتل معاوية وجميع من كان معه سوى نفر يسير أخذهم أسرى، فحملهم إلى يزيد بن عبد الملك، فقتلهم بدمشق، منهم عثمان بن المفضل بن المهلب، وحمل إليه من نساء المهلب خمسين امرأة، فحبسهن بدمشق. وبعث مسلمة على خراسان سعيد بن عبد العزيز، فقصد السغد، فحارم محاربة شديدة، وأقام بسمرقند ،فجاءته ملكة فرغانة، فقالت: إني أدلك على شيء فيه الظفر على أن تجعل لي ألا تغزي إلي جيشا ً ، فأعطاها ما سألت، فقالت: إن السغد قد خلوا عن أرضهم، ونزلوا خجندة، وطلبوا إلينا أن ندخلهم بلادنا حتى يصالحوا العرب، أو يكون غير ذلك، وليس لهم في خجندة طعام ولا شراب ولا عدة لحصار ،فإن أردم فالساعة. فبعث سعيد بن عبد العزيز سورة بن الحر الدارمي في الخيل ولحقهم بنفسه ،فحصرهم في المدينة، فلما تخوفوا الهلاك دعوا إلى الصلح على أن يرجعوا إلى بلادهم، فقال: علي أن تخرجوا عن آخركم، فحفر لهم خندقا ً، فقال: اخرجوا! فخرجوا جميعا ً إلا رجلا ً منهم يقال له جليح، ثم خرج بالسلاح، وحارب المسلمين، وحارب معه قوم، فوثب عليهم سعيد والمسلمون، فقتلوهم قتلا ً ذريعا ً، وكبس م الخندق، وسبى الذرية، وغنم ما لم يغنم مثله. وولى يزيد بن عبد الملك عمر بن هبيرة العراق مكان مسلمة، في هذه السنة، بعد انقضاء حرب ابن المهلب، وقتلهم، فلقي جماعة من آل المهلب في الحديد قد وجه م مسلمة، فقال للرسل: ردوهم! فقالوا: لا نفعل. قال: إن مسلمة يوم وجه بكم أميركم... فردوهم معه، وكتب إلى يزيد كتابا حسنا في أمرهم ،وأن الصنيعة فيهم عامة لقومهم فكتب إليه يزيد: وما أنت وذاك؟ لا أم لك فعاوده، وكتب إليه: ما هم لي بعشيرة، وما أردت إلا النظر لأمير المؤمنين في تألف عشائرهم لئلا تفسد قلوم وطاعتهم فكتب إليه: بارك االله لك في ودهم إن كنت أردت ذاك. وأقر عمر بن هبيرة سعيد بن عبد العزيز على خراسان، فوجد رسلا لأبي رباح ميسرة داعية بني هاشم في زي التجار، فقيل إنه دعاهم، فسألهم عن حالهم، فقالوا: نحن تجار، فخلى سبيلهم، فخرجوا من خراسان. وظهر يزيد بن جرهم الداعية، وبلغ عمر بن هبيرة الخبر، فعزله وولى خراسان مسلم بن سعيد الكلابي ،فقدم خراسان، فغزا بالناس، فلم يصنع شيئا ً، فلما انصرف راجعا ً من فرغانة تبعته الترك وأهل فرغانة ،فقاتلوه قتالا ً شديدا ً وكان قد استعمل نصر بن سيار على بلخ، فكتب إليه أن يمده بالرجال، وأن يحشر الناس إليه، فدعاهم نصر بن سيار إلى ذلك، فأبوا عليه وقاتلوه، وكانت بينهم وبين نصر وقعة تسمى وقعة البروقان. واستعمل يزيد على المدينة عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري، وكتب إليه يأمره أن يجمع بين عثمان بن حيان المري وبين أبي بكر بن عمرو بن حزم في الحدين اللذين جلدهما أبو بكر عثمان بن حيان، فإن وجد أن أبا بكر ظلمه أقاده منه ففعل، وتحامل على أبي بكر، فجلده حدين قودا بعثمان بن حيان. وخطب عبد الرحمن فاطمة بنت الحسين بن علي، فأرسل إليها رجالا ً يحلف باالله لئن لم تفعلي ليضربن أكبر ولدها بالسياط. فكتبت إلى يزيد كتابا، فلما قرأ كتاا سقط عن فراشه، وقال: لقد ارتقى ابن الحجام مرتقى صعبا من رجل يسمعني ضربه وأنا على فراشي هذا؟ فكتب إلى عبد الواحد بن عبد االله بن بشر النضري، وكان بالطائف، أن يتولى المدينة، ويأخذ عبد الرحمن بن الضحاك بأربعين ألف دينار ،ويعذبه حتى يسمعه ضربه، ففعل ذلك، فرئي عبد الرحمن وفي عنقه خرقة صوف يسأل الناس. ووجه يزيد الجراح بن عبد االله الحكمي، فغزا الترك، وفتح بلنجر، وسبى خلقا ً عظيما ً في سنة مائة وأربع ،وانتهى إلى ر الروباس، ثم سار حتى انتهى إلى ر الران، ولقي ابن خاقان صاحب الخزر فقاتله فهزمه ،وقتل مقاتلته، وسبى سبيا ً كثيرا ً. ولما فتح بلنجر سار، فجعل يترل بلدا ً بلدا ً يتبع خاقان ملك الخزر، حتى صار إلى ر دبيل من عمل آذربيجان، فاقتتلوا هناك، وقتل الجراح وجميع أصحابه. وولي يزيد بن أبي مسلم إفريقية، فقدمها وعبد االله بن موسى اللخمي محبس ا، فقال له: أعط الجند من مالك أرزاقهم لخمس سنين، فقال: لا أقدر على ذلك، فحبسه، وأخذ موالي موسى بن نصير فوسم أيديهم، وردهم إلى الرق، واستخدم عامتهم في حرسه، فوثب عليه غلام منهم يقال له جرير دخل عليه وهو يأكل عنبا ً، فقتله، فلما بلغ يزيد بن عبد الملك الخبر ولي بشر بن صفوان الكلبي، فلم يزل مقيما ا ولاية يزيد. وكتب يزيد إلى عمر بن هبيرة، وهو عامل على العراق، يأمره أن يمسح السواد، فمسحه سنة مائة وخمس، ولم يمسح السواد منذ مسحه عثمان بن حنيف في زمن عمر بن الخطاب، حتى مسحه عمر بن هبيرة، فوضع على النخل والشجر، وأضر بأهل الخراج، ووضع على التانئة، وأعاد السخر والهدايا وما كان يؤخذ في النيروز والمهرجان، والمساحة التي يؤخذ ا مساحة ابن هبيرة. وكان يزيد قد جعل ولاية العهد من بعده لهشام، ثم بدا له أن يبايع بولاية العهد لابنه الوليد، وكان هشام بالجزيرة، فوجه إليه خالد بن عبد االله القسري يحسن له خلع نفسه من ولاية العهد على أن الجزيرة له طعمة. قال خالد بن عبد االله: فأتيته، فذكرت له ذلك، فأسرع الإجابة، فقلت له: أيها الإنسان إن استشرتني وعاهدتني على أن تكتم على أشرت عليك. فقال: قد استشرتك ولك عهد االله أن أكتم عليك. فقلت: إنما هي أيام قلائل حتى تصير الجزيرة أحد أعمالك. قال: فكيف بالسلامة من يزيد؟ قلت: علي! قال: افعل ما بدا لك، فإا يد مشكورة لك. فانصرفت إلى يزيد فقلت: يا أمير المؤمنين! إني أتيت رجلا ً صعبا ً ،فأنشدك االله أن توقع العداوة والشر بينكم، وتوجدوا الناس السبيل إلى الطعن فيكم والاختلاف عليكم ،ولكن تصير الوليد ولي العهد بعد أخيك. فركن إلى ذلك وفعله، فما زال هشام يشكر ذلك لخالد حتى ولي الخلافة فولاه العراق. وكان الغالب على يزيد سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان، وصاحب شرطة كعب بن حامد العبسي، وعلى حرسه يزيد بن أبي كبشه السكسكي، وحاجبه خالد مولاه. وكانت ولايته أربع سنين، وتوفي لأربع بقين من شعبان سنة مائة وخمس، وهو ابن سبع وثلاثين سنة ، وصلى عليه الوليد بن يزيد، ودفن بالبلقاء من أرض دمشق، وخلف من الولد عشرة ذكورا ً وهم: الوليد ،ويحيى، ومحمد، والغمر، وسليمان، وعبد الجبار، وداود وأبو سليمان والعوام، وهاشم وأقام الحج للناس في ولايته سنة مائة وواحد عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس، سنة مائو واثنان عبد الرحمن أيضا ً، سنة مائو وثلاث عبد الرحمن أيضا ً، سنة مائة وأربع عبد الواحد بن عبد االله بن بشر النضري. وغزا بالناس في ولايته سنة مائة واثنان الوليد بن هشام أرض الروم، فترل على المخاضة عند أنطاكية ،ولقي عمر بن هبيرة الروم بأرمينية الرابعة، فهزمهم، وأسر منهم سبعمائة، سنة مائة وثلاث غزا العباس بن الوليد، فأصيب الناس في السرايا، وأغارت الترك على أرض اللان، وغزا عبد الرحمن بن سليمان الكلبي ،وعثمان بن حيان المري، فترلا على حصن ففتحاه، سنة مائة وأربع عبد الرحمن بن سليمان الكلبي على الصائفة اليمنى، وعثمان بن حيان المري على الصائفة اليسرى، سنة مائة وخمس سعيد بن عبد الملك بن مروان، ثم رجع فغزا ناحية الترك، فبلغ قصر قطن، وغزا الجراح بن عبد االله الحكمي باب اللان، حتى خرج من الباب. وكان الفقهاء في ولايته يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، سالم بن عبد االله ابن عمر ،القاسم بن محمد بن أبي بكر، محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، محمد بن كعب القرظي، عاصم بن عمر بن قتادة، نافعا ً مولى عبد االله بن عمر، سعيد بن يسار، محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عبد االله بن دينار، عبد االله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، طاووس اليماني، عطاء بن أبي رباح، حبيب بن أبي رباح، حبيب بن أبي ثابت، عبد االله بن ميسرة، أبا إسحاق السبيعي. أيام هشام بن عبد الملك بن مروان ثم ملك هشام بن عبد الملك بن مروان، وأمه أم هشام بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي، وأتته الخلافة وهو بقرية يقال لها الزيتونة من الجزيرة، فجاء البريد، فسلم عليه بالخلافة ،فركب من الرصافة حتى أتى دمشق، وكان ذلك في شهر رمضان سنة 105، ومن شهور العجم في كانون، وكانت الشمس يومئذ في الدلو ست درجات وثمانيا وخمسين دقيقة، والقمر في القوس سبع درجات وتسع دقائق، والمشتري في الميزان ست درجات وخمسين دقيقة راجعا ً، والمريخ في العقرب إحدى وعشرين درجة وتسعا ً وثلاثين دقيقة، والزهرة في القوس عشرين درجة وثلاث دقائق، وعطارد في الدلو إحدى وعشرين درجة وعشرين دقيقة، والرأس في الدلو عشرين درجة وعشرين دقيقة. وولي خالد بن عبد االله القسري العراق باليد التي كانت له عنده، وكان قد كتب إلى الجنيد بن عبد الرحمن يأمره أن يكاتب خالدا ً، ففعل، وعظم أمر الجنيد ببلاد السند، ودوخها حتى صار إلى أرض الجرز ،ثم إلى أرض الصين، ودعا ملكها إلى الإسلام، فقاتله، فثبت له الجنيد، فأقام يقاتله ورمى حصنه بالنفط والنار، فطفاها، فقال الجنيد: في الحصن قوم من العرب هم أطفئوا النار، ولم يزل يقاتله، حتى طلب الصلح وصالحه، وفتح المدينة، فوجد فيها رجلين من العرب، فقتلهما. وأقام الجنيد أياما ً ثم غزا الكيرج ومعه أشندر أبيد الملك في مقاتلته، فهرب الراه ملك الكيرج، فافتتحها الجنيد، فسبى، وغنم، واستقامت أموره، فوجه بعماله إلى المرمذ والمندل ودهنج والبروص وسرست والبيلمان والمالبة وغيرها من البلاد ،وكتب إليه هشام بفتح أتاه من الروم يخبره أن المسلمين أسروا عدة، وغنموا حمرا وبقرا، فكتب إليه الجنيد: أني نظرت في ديواني، فوجدت ما أفاء االله علي، مذ فارقت بلاد السند، ستمائة ألف وخمسين ألف رأس من السبي، وحملت ثمانين ألف ألف درهم، وفرقت في الجند أمثالها مرارا ً. وأقام الجنيد عدة سنين، ثم استعمل خالد مكانه تميم بن زيد العتبي، فوجه ثمانية عشر ألف ألف طاطري خلفها الجنيد في بيت المال، ولم يستقم لتميم أمر، وكثر خلاف أهل البلاد عليه، وكثرت حروبه، وفشا القتل في أصحابه، وخرج من البلد يريد العراق، فكتب خالد إلى هشام أن يولي الحكم بن عوانة الكلبي ،فقدم الحكم وبلاد الهند كلها قد غلب عليها، إلا أهل قصة، فقالوا: ابن لنا حصنا يكون للمسلمين يلجأون إليه! فبنى مدينة سماها المحفوظة، وأجلى القوم المتغلبين بعد حرب شديدة، وهدأت البلاد وسكنت، وكان مع الحكم عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي، وجماعة من وجوه الناس، فلم يزل مقيما في البلد، حتى عزل خالد، وولي يوسف بن عمر الثقفي. وولي هشام مسلمة بن عبد الملك أرمينية وآذربيجان سنة 107، فوجه سعيد بن عمرو الحرشي على مقدمته، فلقي عسكرا للخزر، ومعهم عشرة آلاف من أسارى المسلمين، فحارم، فهزمهم، وقتل عامتهم، واستنقذ الأسارى منهم، وفعل ذلك مرة بعد مرة أخرى، وقتل ابن خاقان، وفتح عدة مدائن ،ووجه برأس ابن خاقان إلى هشام من غير أن يوافق مسلمة، فأغضبه ذلك، وكتب إليه يلومه وعزله ، وصير مكانه عبد الملك بن مسلم العقيلي، وأمره أن يقيد سعيد بن عمرو الحرشي ويحبسه بمدينة يقال لها قبله. وقدم مسلمة البلد وأحضر الحرشي، فأغلظ له، ودق لواءه، وبعث به إلى سجن برذعة، فكتب إليه هشام يلومه على ذلك، ووجه برسل من قبله حتى أخرجوا سعيد بن عمرو الحرشي من السجن، وحملوه إليه. وسار مسلمة في البلاد التي للخزر حتى صار إلى جرزان، فافتتحها، وقتل أهلها، ثم صار إلى شروان ،فسالمه أهلها، ثم أتى مسقط، فصالحه أهلها، ووجه خيله إلى أرض اللكز، فصالحه أهلها، وبعث إلى طبرستان، فصالحه أهلها، فسار في البلاد لا يلقاه أحد حتى بلغ أرض ورثان، فلقيه خاقان ملك الخزر ،وكان مع مسلمة جماعة من ملوك البلدان التي فتحها، فجعل مروان ابن محمد على مقدمته، فلقي القوم ،فأقام يقاتلهم أياما ً، وربما فقد، فيقال لمسلمة: قتل مروان! فيقول: أما واالله دون أن يسلم عليه بالخلافة فلا! ففتح عامة البلدان. وعزل هشام مسلمة وولي مروان بن محمد، فصار إلى الحصن الذي فيه ملك السرير، وهو سرير من ذهب كان بعث به بعض ملوك الفرس، ويقال إن أنوشروان بعث به إليه فسمي بذلك السرير، فصالحه على ألف وخمسمائة غلام سود الشعور، ثم صار إلى تومان شاه، فصالحه ملكها، ثم دخل إلى أرض زريكران ،فصالحه ملكها ثم صار إلى حمزين فحارم، فقتل منهم خلقا ً عظيما ً، وفتح أكثر البلد، وجمع الطعام إلى مدينة الباب، ولم يزل هناك. وكان بشر بن صفوان الكلبي عامل المغرب، فلما ولي هشام بعث إليه بأموال عظام وهدايا، فأقره هشام على إفريقية، فلم يزل ا حتى مات، فلما مات بشر بن صفوان ولي هشام إفريقية عبيدة بن عبد الرحمن القيسي، ولم يزل ا، فأغزى الناس في البحر، فغنم غنائم كثيرة، فخرج إلى هشام بأموال جليلة وعشرين ألف عبد، فاستعفاه فأعفاه، وولى مكانه عقبة بن قدامة التجيبي، فلم يقم إلا يسيرا حتى عزل، وولى عبيد االله بن الحبحاب، فغزا غزوات كثيرة... وقتل كلثوم بن عياض، ثم ولي حنظلة بن صفوان الكلبي، فقدم إفريقية، وقد تغلب على بعض النواحي عكاشة بن أيوب الفزاري، فظفر به حنظلة، ولم يزل مقيما إلى أيام مروان بن محمد. وظهر سليمان بن كثير الخزاعي وأصحابه بخراسان يدعون إلى بني هاشم سنة 111، وظهرت دعوم ،وكثر من يجيبهم، وقدم بكير بن ماهان، فأجابه خلق كثير إلى خلع بني أمية وبيعة بني هاشم، وكثر أشياعه وأصحابه، ثم حضرت بكير بن ماهان الوفاة، فاستخلف أبا سلمة حفص بن سليمان الخلال وكتب بذلك إلى محمد بن علي بن عبد االله، وأعلمه أنه يرضاه، فأقره، وكتب إلى أصحابه يأمرهم بالسمع والطاعة، فاستقاموا جميعا ً عليه، وولى خالد بن عبد االله أخاه أسد بن عبد االله خراسان، فبلغه خبرهم، فأخذ جماعة منهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم، فما زالوا في خوف، حتى مات أسد، وولي خراسان جعفر بن حنظلة البهراني. وولي سجستان يزيد بن الغريف الهمداني، فلما قدم سجستان ساءت سيرته، وأظهر الفسق، فقتله قوم من الخوارج وثبوا عليه وهو جالس في مجلسه، وعلى رأسه ألف وخمسمائة مدجج، وكان الخوارج خمسة نفر، فقدم إليه بعضهم، فضربه بالسيف، فقتله، ووثب الجند عليهم، فقتلوهم بعد أن قتلوا جماعة منهم. فلما بلغ خالد بن عبد االله الخبر ولي الأصفح بن عبد االله الكلبي، فصار إلى النية في الشتاء، فندب الناس إلى الغزو، فأتاه شيخ من أهل البلد يقال له عبد االله بن عامر، فقال: أيها الأمير! ليس هذا وقت غزو ،فقال أنا أعلم بوقت الغزو منك، ونفذ، فلما صار على رأس شعب من الشعاب أتاه عمرو بن بجير فقال: أصلح االله الأمير، ليس هذا وقت دخول هذا الشعب. فقال: لو كنت عاقبت المتكلم بالأمس لما سمعت هذا اليوم، واقتحم الشعب، حتى إذا أمعن فيه أخذ العدو عليه مضايقه، واجتمع فقتل الجيش بأسره، فلم ينج منه أحد، فلما أتى خالدا ً الخبر بقتل الأصفح ومن معه من المسلمين، ولي عبد االله بن أبي بردة بن أبي موسى، فلم يزل مقيما ً ا ولاية خالد. وفاة أبي جعفر محمد بن علي وتوفي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمه أم عبد االله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، سنة 117، وسنة ثمان وخمسون سنة. قال أبو جعفر: قتل جدي الحسين ولي أربع سنين وإني لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت. وكان يسمى أبا جعفر الباقر لأنه بقر العلم. قال جابر بن عبد االله الأنصاري: قال لي رسول االله: إنك تستبقي حتى ترى رجلا ً من ولدي أشبه الناس بي اسمه علي اسمي، إذا رأيته لم يخل عليك، فأقرئه مني السلام! فلما كبرت سن جابر، وخاف الموت ،جعل يقول: يا باقر! يا باقر! أين أنت؟ حتى رآه فوقع عليه يقبل يديه ورجليه، ويقول: بأبي وأمي شبيه أبيه رسول االله! إن أباك يقرئك السلام. قال أبو حمزة الثمالي: سمعت محمد بن علي يقول: يقول االله عز وجل: إذا جعل عبدي همه في هما واحدا جعلت غناه في نفسه، ونزعت الفقر من بين عينيه، وجمعت له شمله، وكتبت له من وراء تجارة كل تاجر ،وإذا جعل همه في مفترقا ً جعلت شغله في قلبه، وفقره بين عينيه، وشتت عليه أمره ورميت بحبله على غاربه، ولم أبال في أي واد من أودية الدنيا هلك. وقيل لمحمد: أ تعرف شيئا ً خيرا ً من الذهب؟ قال: نعم! معطية. وقال: اصبر للنوائب، ولا تتعرض للحقوق، ولا تعط أحدا ً من نفسك ما ضره عليك أكثر من نفعه له. وقال: كفى العبد من االله ناصرا ً أن يرى عدوه يعصي االله. وقال: شررالآباء من دعاه البر إلى الإفراط، وشر الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق. وسئل أبو جعفر عن قول االله عز وجل: وقولوا للناس حسنا ً. قال: قولوا لهم أحسن ما تحبون أن يقال لكم، ثم قال: إن االله عز وجل يبغض اللعان السباب، الطعان الفحاش المتفحش، السائل الملحف، ويحب الحيي الحليم، العفيف المتعفف. وقال: لو صمت النهار مالي في سبيل االله لا أفطر، وصليت الليل لا أفتر، ومالي في سبيل االله علقا علقا، ثم لم تكن في قلبي محبة لأوليائه، ولا بغضه لأعدائه، ما نفعني ذلك شيئا ً. وكان له من الولد خمسة ذكور: أبو عبد االله جعفر، وعبد االله، وإبراهيم، وعبيد االله درج صغيرا ً، وعلى درج صغيرا ً. وتوفي علي بن عبد االله بن العباس بن عبد المطلب سنة 118، وكان مولده في الليلة التي قتل في صبيحتها علي بن أبي طالب وتوفي بالاحهير بين الحميمة وأذرح من عمل دمشق، وسنة ثمان وسبعون سنة، وأمه زرعة بنت مشرح ابن معديكرب، أحد ملوك كندة الأربعة. وكان ذا غناء وفضل وشرف ورواية عن أبيه. قال: سمعت أبي يقول: إن من غصبته نفسه فيما تحب لم يطمعها فيما يحب. وقال: سمعت أبي يقول: تعاشر الناس حينا بالتقوى، ثم رفع ذلك، فتعاشروا بالمروة، ثم رفع ذلك، فتعاشروا بالحياء، ثم رفع ذلك ،فاتك الغطاء. وكان يقول: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا لوطف. وقال: سخاء الناس عما في أيدي الناس أفضل من سخائها بالبذل، والقناعة لذة العيش، والرضا بالقسم أكثر من مروة الإعطاء، ومن حفظ من نفسه أربعا ً فهو خليق ألا يترل به ما نزل بغيره: العجلة، واللجاج، والعجب، والتواني. وكان لعلي بن عبد االله بن عباس من الولد اثنان وعشرون ولدا: محمد بن علي، وأمه العالية بنت عبيد االله بن عباس، وداود، وعيسى لأم ولد، وسليمان، وصالح لأم ولد، وأحمد، وبشر، ومبشر، وإسماعيل، وعبد الصمد، لأمهات أولاد، وعبد االله الأكبر، أمه أم أبيها بنت عبد االله بن جعفر ابن أبي طالب، لا عقب له ،وعبيد االله، وأمه فلانة بنت الحريش، وعبد الملك، وعثمان، وعبد الرحمن، وعبد االله الأصغر ،وهو السفاح، ويحيى، وإسحاق، ويعقوب، وعبد العزيز، وإسماعيل الأصغر، وعبد االله الأوسط، وهو الأحنف ،لأمهات أولاد شتى. قدم محمد بن علي بن عبد االله على هشام، ومعه ابنه أبو العباس غلام، فلما خرج من عنده قال لبعض أصحابه: شكوت إلى أمير المؤمنين ثقل الدين والعيال، فاستهزأ بي، وقال: أنتظر ابن الحارثية، يعني هذا الغلام. وألح هشام في طلب الخوارج... فجلس يوما ً، وجمع إليه الخوارج، فقال: يا قوم! خافوا االله ولا تدعوا الجهاد! فبايعوه، وأقام أياما ً وحضرته الوفاة، فقال لهم: إني لست بأحد أوثق مني بالبهلول بن عمير الشيباني، فلما مات خرج البهلول، فصار إلى قرب الكوفة، فبلغ ذلك خالد بن عبد االله، فوجه إليه بخيل ،فاتبعته من عين التمر إلى الموصل، فقتل بالموصل. وأنكر هشام على خالد بن عبد االله أمورا ً بلغته، منها: أنه فرق أموالا عظاما، مبلغها ستة وثلاثون ألف ألف درهم، فاستعظمها، وإنه قال: ما زادت أمية في شرف قسر هكذا، وجمع بين إصبعيه، فكتب إليه: أما بعد فقد بلغني مقالتك، وإنما أنت من بجيلة الذليلة الحقيرة، وستعلم يا ابن النصرانية إن الذي رفعك سيضعك. وأقام خالد على العراق أربع عشرة سنة، أو خمس عشرة، فلما عزم هشام على صرفه أحضر حسان النبطي، وكان ينظر في أمر خالد بن عبد االله كله، فأشرف عليه بالقتل، وحلف له باالله الذي لا إله إلا هو ليصدقنه، أو ليقتلنه، فأتاه حسان بصناديق وقائع على خالد، وكان أول كاتب رفع على عامل بلده، ولما وقف هشام من أمر خالد على ما أراد كتب إلى يوسف بن عمر الثقفي، وكان عامله باليمن ،كتابا ً بخطه لم يطلع عليه أحدا ً، يأمره بالنفوذ إلى العراق، وأن يستر خبره حتى يقدمها، فيقبض على خالد وأصحابه، فيأخذه بستة وثلاثين ألف ألف درهم. فخرج يوسف من اليمن، وقد أسر أمره، وكان في سبعة نفر، حتى قدم العراق، وكان مقدمه العراق سنة 120، ووافى يوسف بن عمر في الليل في خمسة نفر حتى صار إلى المسجد الجامع، فلما أقيمت الصلاة تقدم خالد ليصلي، فجذبه يوسف فأخرجه، ثم تقدم وقرأ: إذا وقعت الواقعة، في أول ركعة، ثم قرأ في الثانية: سأل سائل بعذاب واقع، ثم أقبل على الناس بوجهه، فعرفهم نفسه، وأخذ خالدا وأصحابه ،فعذم أنواع العذاب، وطالبهم بالمال، فاجتمع جماعة دهاقين العراق ومياسير الناس، فقالوا: نحن نتحمل هذا المال عنه ونؤديه، فيقال إن يوسف قبل ذلك منهم، فلما حملوا إليه المال طالب خالدا ً وأخذ خالدا ً ،فألبسه جبة صوف، وجمع يده إلى عنقه، ثم أتى به إليه، وهو جالس على دكان، فجذبه حتى سقط لوجهه، فقال بعض من حضر: رأيت خالدا ً وقد فعل مثل هذا بعمر بن هبيرة الفزاري لما عزله عن العراق، فمن ولي شيئا ً فليحسن. وخوف يوسف خالدا ً وعماله، ووظف عليهم الأموال، وعذم حتى مات أكثرهم في يده: فوظف على أبان بن الوليد البجلي عشرة آلاف ألف، ووظف على طارق بن أبي زياد عامل فارس عشرين ألف ألف ،ووظف على الزبير عامل أصبهان والري وقومس عشرين ألف ألف درهم، وعلى غيرهم ما دون ذلك ،فاستخرج أكثر المال. وكان بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عامل خالد على البصرة، فهرب من سجن يوسف ،فلحق شام، فكتب فيه يوسف إلى هشام فأشخصه إليه، فعذبه حتى قتله، وجعل داره بالكوفة سجنا واستصفى داره بالبصرة. ولما بلغ الحكم بن عوانة عامل السند ما فعل يوسف بعمال خالد أوغل في بلاد العدو، وقال: إما فتح يرضى به يوسف، وإما شهادة أستريح ا منه، فلقي العدو، فلم يزل يقاتل حتى قتل ،وقد كان استخلف على الخيل عمرو ابن محمد بن القاسم الثقفي. ولما قتل الحكم بن عوانة بأرض السند تنازع خلافته عمرو بن محمد الثقفي وابن عرار، فكتب إلى يوسف بن عمر، وكتب بذلك إلى هشام، فكتب إليه هشام: إن كان عمرو بن محمد قد اكتهل فوله فمال يوسف بالثقفية إلى عمرو، فولاه، وأرسل بعهده إليه، فأخذ ابن عرار، فحبسه وقيده. وبني عمرو بن محمد بن القاسم مدينة دون البحيرة سماها المنصورة، ونزلها في مترل الولاة. وكلب العدو، وملكوا ملكا ً ،ثم زحفوا إلى المنصورة فحصروها، فكتب عمرو إلى يوسف، فوجه إليه بأربعة آلاف، فانصرف عنه الملك، وقوض أمره، فتجهز للعدو وجعل على مقدمته معن بن زائدة الشيباني، وكبس عسكر ذلك الملك ليلا ً، وصبر أصحابه، فقتل من العدو خلقا ً عظيما ً. وأشرف ذلك الملك، فمر به قوم من أصحابه ولم يعرفه المسلمون، فلما رأوه قالوا: الراه الراه، أي الملك، فاستنقذوه، ومر هاربا هو وأصحابه لا يلوي على شيء، واستقامت البلاد لعمرو، وكان معه في عسكره مروان بن يزيد ابن المهلب، فوثب في جماعة من القواد مايلوه على ذلك، حتى انتهب متاعه وأخذ دوابه، فخرج إليه عمرو ومعه معن بن زائدة وعطية بن عبد الرحمن، فهزمه، وفرق أصحابه، وهرب مروان، فنادى عمرو: الناس كلهم آمنون إلا ابن المهلب ،فدل عليه فقتله. وأقدم هشام زيد بن علي بن الحسين، فقال له: إن يوسف بن عمر الثقفي كتب يذكر أن خالد بن عبد االله القسري ذكر له أن عندك ستمائة ألف درهم وديعة، فقال: ما لخالد عندي شيء! قال: فلا بد من أن تشخص إلى يوسف ابن عمر حتى يجمع بينك وبين خالد. قال: لا توجه بي إلى عبد ثقيف يتلاعب بي، فقال: لا بد من إشخاصك إليه، فكلمه زيد بكلام كثير، فقال له هشام: لقد بلغني أنك تؤهل نفسك للخلافة، وأنت ابن أمه. قال: ويلك! مكان أمي يضعني؟ واالله لقد كان إسحاق ابن حرة وإسماعيل ابن أمه، فاختص االله عز وجل ولد إسماعيل، فجعل منهم العرب، فما زال ذلك ينمي حتى كان منهم رسول االله، ثم قال: اتق االله، يا هشام! فقال: أومثلك يأمرني بتقوى االله؟ فقال: نعم! إنه ليس أحد دون أن يأمر ا، ولا أحد فوق أن يسمعها. فأخرجه مع رسل من قبله، فلما خرج قال: واالله إني لأعلم أنه ما أحب الحياة قط أحد إلا ذل. وكتب هشام إلى يوسف بن عمر: إذا قدم عليك زيد بن علي فاجمع بينه وبين خالد، ولا يقيمن قبلك ساعة واحدة، فإني رأيته رجلا ً حلو اللسان شديد البيان خليقا بتمويه الكلام، وأهل العراق أسرع شيء إلى مثله. فلما قدم زيد الكوفة دخل إلى يوسف فقال: لم أشخصتني من عند أمير المؤمنين؟ قال: ذكر خالد بن عبد االله أن له عندك ستمائة ألف درهم. قال: فأحضر خالدا ً! فأحضره وعليه حديد ثقيل، فقال له يوسف: هذا زيد ابن علي، فأذكر ما لك عنده! فقال: واالله الذي لا إله إلا هو ما لي عنده قليل ولا كثير، ولا أردتم بإحضاره إلا ظلمه. فأقبل يوسف على زيد، وقال له: إن أمير المؤمنين أمرني أن أخرجك من الكوفة ساعة قدومك. قال: فأستريح ثلاثا، ثم أخرج. قال: ما إلى ذلك سبيل. قال: فيومي هذا. قال: ولا ساعة واحدة. فأخرجه مع رسل من قبله، فتمثل عند خروجه ذه الأبيات: منخرق الخفين يشكو الوجى تنكبه أطراف مرو حدادشرده الخوف وأزرى به كذلك من يكره حر الجلادقد كان في الموت له راحة والموت حتم في رقاب العباد

فلما صار رسل يوسف بالعذيب انصرفوا، وانكفأ زيد راجعا ً إلى الكوفة، فاجتمع إليه من ا من الشيعة ،وبلغ يوسف بن عمر، فوثب بينهم وكانت بينهم ملحمة، ثم قتل زيد بن علي، وحمل على حمار، فأدخل الكوفة، ونصب رأسه على قصبة، ثم جمع فأحرق وذرى نصفه في الفرات ونصفه في الزرع، وقال: واالله ،يا أهل الكوفة، لأدعنكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم. وكان مقتل زيد سنة 121. ولما قتل زيد، وكان من أمره ما كان، تحركت الشيعة بخراسان، وظهر أمرهم، وكثر من يأتيهم ويميل معهم، وجعلوا يذكرون للناس أفعال بني أمية، وما نالوا من آل رسول االله صلى االله عليه وسلم حتى لم يبق بلد إلا فشا فيه هذا الخبر، وظهرت الدعاة ورئيت المنامات وتدورست كتب الملاحم، وهرب يحيى بن زيد إلى خراسان، فصار إلى بلخ، فأقام ا متواريا ً، وكتب يوسف إلى هشام بحاله، فكتب إلى نصر بن سيار بسببه، فوجه نصر جيشا ً إلى بلخ، عليهم هدبة بن عامر السعدي، فطلبوا يحيى حتى ظفروا به، فأتوا به نصرا ً، فحبسه في قهندز مرو. وبلغ هشاما ً اضطراب خراسان، وكثرة من ا، فكتب إلى يوسف بن عمر: ابعث إلي برجل له علم بخراسان فبعث إليه بعبد الكريم بن سليط بن عطية الحنفي، فسأله عن أمر خراسان وأهلها ومن ا ممن يصلح أن يولاها، فسمي له جماعة من قيس وربيعة، فكان إذا سمى رجلا ً من ربيعة قال: إن ربيعة لا يسد ا الثغور! فسمي نصر بن سيار الليثي، فقال: كأنه نصر وسيار، فقال: يا غلام اكتب عهده، فكتب العهد، وأمره أن يعاجل يوسف بن عمر، وكان نصر بن سيار قبل ذلك تولى كورة من كور خراسان ،فعزل جعفر بن حنظلة وولي البلد. وكان يوسف أخذ عمال خالد فحبسهم، وكان ممن أخذ: عيسى بن معقل العجلي، وعاصم بن يونس العجلي، وكان أبو مسلم، واسمه إبراهيم بن عثمان، قبل أن يسميه محمد بن علي عبد الرحمن، يخدم عيسى بن معقل، وقد سمعهم يتكلمون في دعوة بني هاشم حتى فهم الأمر، وقد ارتحل سليمان بن كثير ،ومالك بن الهيثم، وقحطبة بن شبيب يريدون مكة، فدخلوا السجن إلى عيسى بن معقل، وعاصم بن يونس، فرأوا أبا مسلم يختلف إليهم، ويذاكرهم هذا الأمر، فأخرجوه معهم، وأدخلوه إلى محمد بن علي فكلمه، وقال: إني لأحسب هذا الغلام صاحبنا بل هو هو، فاقبلوا قوله، وانتهوا إلى أمره، واستوصوا به ،فإنه صاحب الأمر لا شك فيه. وبعض أهل العلم بالدولة يقول: إن أبا مسلم لم يلحق محمد بن علي، إنما لقي ابنه إبراهيم بن محمد بن علي. وكان يزيد بن عبد الملك جعل ولاية العهد لابنه الوليد بن يزيد، فكانت الملاحاة لا تزال تجري بينه وبين هشام، فدخل الوليد يوما ً إلى هشام، فلم يجده في مجلسه، ووجد فيه خاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، فقال له الوليد: من الرجل؟ متجاهلا به، فغضب ابن هشام، وقال: من لم يتم لجدك شرف إلا بمصاهرته. قال: وإنك لتقول هذا، يا ابن اللخناء! وتنازعا كلاما ً قبيحا ً، وخرج هشام، وقد سمع الكلام ،فأمسكا، ولم يقم إليه الوليد، فقال له هشام: كيف أنت يا وليد؟ قال: صالح. قال: ما فعلت طنابيرك؟ قال: مغلمة. قال: ما فعل جلساؤك جلساء السوء؟ قال: عليهم لعنة االله إن كانوا شرا من جلسائك. قال: أقيموه، فأخذ بيده، وأقيم من مجلسه. وكان هشام من أحزم بني أمية وأرجلهم وكان بخيلا ً، حسودا ً، فظا ً، غليظا ً، ظلوما ً، شديد القسوة، بعيد الرحمة، طويل اللسان، وفشا الطاعون في أيامه حتى هلك عامة الناس وذهبت الدواب والبقر، وكان الغالب عليه الأبرش ابن الوليد الكلبي، وصاحب شرطة كعب بن حامد العبسي، وعلى حرسه الربيع ابن زياد بن سابور، وحاجبه الحريش مولاه، وعمل الخز الرقم وغيره، والوشي والأرمني وأصناف الثياب ،وكانت ولايته عشرين سنة إلا خمسة أشهر، وتوفي يوم الأربعاء لتسع خلون من شهر ربيع الأول سنة 125، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، ومنع وكلاء الوليد بن يزيد من الخرائن، فلم يوجد له كفن حتى كفنه خادم له، وقيل: بل كفنه الأبرش الكلبي، فصلى عليه العباس بن الوليد، وقيل: بل الأبرش الكلبي ،ودفن بالرصافة. وخلف من الولد عشرة: مسلمة، ويزيد، ومحمدا ً، وعبد االله، وسليمان، ومروان، ومعاوية، وسعيدا ً، وعبد الرحمن، وقريشا ً. وأقام الحج للناس في ولايته سنة 105 إبراهيم بن هشام، سنة 106 هشام بن عبد الملك، سنة 107 إبراهيم بن هشام ،وفي سني 108، 109، 110، 111 و112 إبراهيم أيضا ً، سنة 113 سليمان ابنه، سنة 114 خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم، سنة 115 محمد بن هشام بن إسماعيل، سنة 116 الوليد بن يزيد بن عبد الملك، سنة 117 خالد بن عبد الملك بن الحارث... سنة 119 أبو شاكر مسلمة بن هشام، سنة 120 وسنة 121 وسنة 122 محمد بن هشام بن إسماعيل، سنة 123 يزيد بن هشام، سنة 124 محمد بن هشام بن إسماعيل. وغزا بالناس في ولايته سنة 106، غزا معاوية بن هشام، وبعث بالوضاح صاحب الوضاحية فأحرق الزرع والقرى لأن الروم حرقوا المرعى ،وغزا الصائفة اليسرى سعيد بن عبد الملك، وغزا الجراح بن عبد االله الحكمي اللان، سنة 107 معاوية أيضا ً، سنة 108 مسلمة بن عبد الملك على الصائفة اليمنى، وعاصم بن يزيد الهلالي على الصائفة اليسرى، سنة 109 معاوية بن هشام، ومعه البطال على مقدمته، فافتتح خنجره، وغزا مسلمة الترك ،فأخذ عليهم باب اللان، ولقي خاقان، سنة 111 معاوية بن هشام على الصائفة اليسرى، وسعيد بن هشام على الصائفة اليمنى، وسارت الترك إلى آذربيجان، فلقيهم الحارث بن عمرو الطائي، فهزمهم، سنة 112 صار الترك إلى أرض أردبيل، فغزاهم الجراح بن عبد االله الحكمي، فلقي ملك الترك، فقتله، وغزا معاوية بن هشام الروم فلم يمكنه دخول بلادهم، فرابط بالعمق من ناحية مرعش، سنة 114 معاوية بن هشام ومسلمة بن عبد الملك، سنة 115 معاوية وسليمان ابنا هشام، وعلى المقدمة عبد االله البطال، فلقي قسطنطين فأسره، وهزم الروم، سنة 116 معاوية بن هشام، سنة 117 معاوية وسليمان ابنا هشام، وغزا مروان بن محمد بلاد الترك... مروان بن محمد، سنة 121 مسلمة بن هشام بلغ ملطية، سنة 122 مروان ابن محمد ناحية أرمينية، وسليمان بن هشام ناحية ملطية، سنة 123 سليمان بن هشام الصائفة، ومروان بن محمد جيلان وموقان من أرض أرمينية، سنة 124 سليمان بن هشام، فلقي أليون طاغية الروم وأرطباس، فانصرف، ولم يكن بينهم حرب، سنة 125 الغمر بن يزيد بن عبد الملك. وكان الفقهاء في أيامه سالم بن عبد االله بن عمر الهيثم بن محمد بن أبي بكر، محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، محمد بن كعب القرظي، نافعا ً مولى عبد االله ابن عمر، عاصم بن عمر بن قتادة، محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، طاووسا ً اليماني، ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عطاء بن أبي رباح، عمرو بن دينار، عبد االله بن أبي نجيح، حبيب بن أبي ثابت، عبد الملك ابن ميسرة، أبا إسحاق السبيعي، القاسم بن عبد الرحمن، عبيد االله بن عبد االله ابن عتبة بن مسعود، سماك بن حرب الذهلي، الحكم بن عيينة الكندي، حماد ابن أبي سليمان، أبا معشر زياد بن كليب، طلحة بن مصرف الهمداني، نعيم بن أبي هند الأشجعي، أشعث بن أبي الشعثاء، سعيد بن أسبوع، أبا حازم الأعرج، قتادة بن دعامة السدوسي، بكر بن عبد االله المزني، أيوب السختياني، يزيد بن عبد االله بن الشخير، عبد الرحمن بن جبير، مكحولا الدمشقي، راشد بن سعد المقرئ، ميمون بن مهران، أبا قبيل المعافري، يزيد بن الأصم. أيام الوليد بن يزيد وملك الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وأمه أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي، وأتته الخلافة وهو بدمشق بعد وفاة هشام بعشرة أيام، وكان ذلك يوم الجمعة لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة 521، وكانت الشمس يومئذ في الدلو ستا وعشرين درجة وعشرين دقيقة، والقمر في السنبلة خمس درجات وعشرين دقيقة، والمريخ في الجدي أربع درجات، والزهرة في الجدي ست عشرة درجة وخمسا ً وأربعين دقيقة، وعطارد في الحوت اثنتي عشرة درجة وعشر دقائق، والرأس في الدلو إحدى عشرة درجة وخمسا ً وأربعين دقيقة. وعزل الوليد عمال هشام وعذم أنواع العذاب، خلا يوسف بن عمر الثقفي عامل العراق، وذلك إنه وجد في ديوان هشام كتبا ً من العمال يقومون عزمه في خلع الوليد، إلا يوسف، فإنه أشار عليه ألا يفعل ،فأقره على عمله، وكتب إليه في خالد بن عبد االله القسري، فلم يزل يوسف يعذبه... وعقد لابنه الحكم بولاية العهد بعده، وولاه دمشق، وعقد من بعده لعثمان ابنه، وولاه حمص، وضم إليه ربيعة بن عبد الرحمن الفقيه، وجعله قائما ً بأمره. وعزل إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، خال هشام، عن المدينة ومكة والطائف، وولى خاله يوسف بن محمد الثقفي المدينة ومكة. وكان نصر بن سيار لما أخذ يحيى بن زيد بن علي بن الحسين في أيام هشام صار به إلى مرو، فحبسه في قهندز مرو، وكتب إلى هشام بخبره، فوافق ورود كتابه موت هشام، فكتب إليه الوليد: أن خل سبيله ،وقيل: بل احتال يحيى ابن زيد حتى هرب من الحبس، وصار إلى بيهق من أرض أبرشهر فاجتمع إليه قوم من الشيعة، فقالوا: حتى متى ترضون بالذلة؟ واجتمع معه نحو مائة وعشرين رجلا ً، فرجع حتى صار إلى نيسابور، فخرج إليه عمرو بن زرارة القسري، وهو عامل نيسابور، فقاتل يحيى، فظهر يحيى عليه، فهزمه وأصحابه، وأخذوا أسلحتهم، ثم اتبعوهم حتى لحقوا عمرو بن زرارة فقتلوه. وسار يحيى يريد بلخ، فوجه إليه نصر بن سيار سلم بن أحوز الهلالي، فسار سلم حتى صار إلى سرخس وسار يحيى حتى صار إلى باذغيس، وسبق إلى مرو الروذ، فلما بلغ نصرا ذلك سار إليه في جموعه، فلقيه بالجوزجان فحاربه محاربة شديدة، فأتت نشابة فوقعت في يحيى، وبادر القوم فاحتزوا رأسه، وقاتل أصحابه بعده، حتى قتلوا عن آخرهم. وقدم في هذه السنة سليمان بن كثير، ومالك بن الهيثم، وقحطبة بن شبيب، وهم رؤساء دعاة بني هاشم ،على محمد بن علي بن عبد االله بن عباس بأموال وهدايا، ومعهم أبو مسلم، فقال لهم محمد: لن تلقوني بعد وقتي هذا، وأنا ميت في سنتي هذه، وكان ذلك في أول سنة 125، وصاحبكم ابني إبراهيم مقتول، فإذا قضى االله فيه قضاءه، فصاحبكم عبد االله بن الحارثية، فإنه القائم ذا الأمر، وصاحب هذه الدعوة الذي يؤتيه االله الملك، ويكون على يده هلاك بني أمية، وأخرجه إليهم حتى رأوه، وقبلوا يديه ورجليه، وقال لهم: إن عبد الرحمن صاحبكم، يعني أبا مسلم، فاسمعوا له وأطيعوا، فإنه القائم ذه الدولة. وتوفي محمد بن علي في آخر سنة 125، وهو ابن سبع وستين سنة، فلما بلغ القوم وفاة محمد بن علي ،قدموا على إبراهيم بأبي مسلم وأعلموه أنه صاحب أمرهم أمره عليهم، ثم قال لقحطبة بن شبيب: وأنت واالله الذي تلقى نباتة بن حنظلة، وعامر بن ضبارة، فتهزمهما، وتقاتل عساكرهما، ويفتح االله لك حتى تصير إلى الفرات لا ترد لك راية. فخرجوا إلى خراسان، وقد وقعت العصبية بين مضر واليمن، وذلك أن نصر بن سيار تحامل على اليمن وربيعة، وقدم المضرية، فوثب به جديع ابن علي الكرماني الأزدي، وكان رئيس الأزد يومئذ ورجلهم ،وقال له: لا ندعك وفعلك، ومالت معه اليمانية وربيعة، فأخذه نصر فحبسه، فأتت اليمن وربيعة حتى أخرجوه من مجرى كنيف، ثم اجتمعوا عليه، ورام نصر أن يخدعه فيصير إليه، فلم يفعل، وكان في نصر بعض الخرق، فلما علم جديع أن اليمن وربيعة قد اجتمع رأيهما معه على نصر بن سيار، وثب به فحاربه، وكان له العلو على نصر، فمال أبو مسلم إلى الكرماني، فقال له: ادع إلى آل محمد ! وجعل يمايل أصحابه، ويدعوهم إلى ذلك، حتى أظهروا دعوة بني هاشم بخراسان. وكان عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي، ويزيد بن عرار، لما قتل الحكم ابن عوانة عامل السند، تنازعا خلافته، فكتب هشام إلى يوسف بن عمر في ذلك، فمال يوسف بالثقفية إلى عمرو بن محمد بن القاسم ،فولاه، فلما ولي الوليد عزل عمرو بن محمد بن القاسم عن السند، وولي يزيد بن عرار، فغزا ثماني عشرة غزاة، وكان ميمون النقيبة. واضطربت البلدان كلها، وكان الوليد مهملا لأمره، قليل العناية بأطرافه، وكان صاحب ملأه وقيان وإظهار للقتل والجور، وتشاغل عن أمور الناس، وشرب ومجون، فبلغ من مجونه أنه أراد أن يبني على الكعبة بيتا ً يجلس فيه للهو، ووجه مهندسا ً لذلك، فلما ظهر هذا منه مع قتله خالد بن عبد االله القسري وتعذيبه إبراهيم ومحمد ابني هشام حتى ماتا، واستذمامه إلى الناس وإلى أهل بيته، ومن كان في ناحيتهم من العرب، استمال يزيد بن الوليد بن عبد الملك جماعة من أهل بيته، فمايلوه على خلع الوليد، وشايعه على ذلك بنو خالد بن عبد االله القسري وجماعة من اليمانية إلى البيعة ليزيد بن الوليد بن عبد الملك، واجتمع إليه جماعة، وخرج مولى للوليد فعرفه الخبر، فضربه مائة سوط، وزحف إليه يزيد بن الوليد رويدا رويدا إلى قرية تعرف بالبخراء، فترل قصرا ً ا بعساكره يتلو بعضها بعضا، فقاتلوه، فقاتلهم حتى قتل، فابتدره الناس بأسيافهم، فاحتزوا رأسه، وقطعوا يده، فنصب رأسه بدمشق. وكان قتله لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة 126، وكانت ولايته سنة وخمسة أشهر، وكان على شرطة عبد الرحمن بن حميد الكلبي، وعلى حرسه قطري مولاه، وحاجبه قطن مولاه، وخلف من الولد الذكور أربعة عشر ذكرا ً: عثمان، ويزيد، والحكم، والعباس، وفهرا ً، ولؤيا ً، والعاص، وموسى، وقصيا ً وواصلا وذؤابة، وفتحا والوليد، وسعيدا ً. وأقام الحج للناس في ولايته سنة 125 محمد بن موسى الثقفي. أيام يزيد بن الوليد بن عبد الملك وملك يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وأمه شاهفريد بنت فيروز بن كسرى، مستهل رجب سنة 621، بعد قتل الوليد بخمس، وكانت الشمس يومئذ في الحمل إحدى عشرة درجة وأربعين دقيقة، والقمر في الحوت عشرين درجة، وزحل في السنبلة عشرين درجة، والمشتري في الجوزاء ثلاث درجات وخمسين دقيقة، والمريخ في الجوزاء خمسا ً وعشرين درجة وأربعين دقيقة، والزهرة في الجدي عشر درجات ، وعطارد في الحمل إحدى وعشرين درجة وثلاثين دقيقة. ونقص الناس من إعطائهم، فسمي يزيد الناقص ،واضطربت عليه البلدان، فكان ممن خرج عليه العباس بن الوليد بحمص، وشايعه أهل حمص، وبشر بن الوليد بقنسرين، وعمر بن الوليد بالأردن، ويزيد بن سليمان بفلسطين. وساعد العباس أبو محمد بن عبد االله بن يزيد بن معاوية، وسليمان بن هشام. وبايع لأخيه إبراهيم بن الوليد بولاية العهد من بعد ثلاثة أيام من ولايته، ووجهه إلى الأردن، وقد أمروا عليهم محمد بن عبد الملك، فوافقوه، فأرسل إليهم عبد الرحمن بن مصاد يقول لهم: علام تقتلون أنفسكم؟ أقبلوا إلينا نجمع لكم الدنيا والآخرة، وأنا أضمن لكل رجل منكم ألف دينار، فافترقوا. وكانت ولايته خمسة أشهر، والفتنة في جميع الدنيا عامة، حتى قتل أهل مصر أميرهم حفص بن الوليد الحضرمي، وقتل أهل حمص عاملهم عبد االله بن شجرة الكندي، وأخرج أهل المدينة عاملهم عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز. وغلب على أمره يزيد بن خالد بن عبد االله القسري، وكان على شرطة يزيد بن الشماخ اللخمي، وعلى حرسه سلام مولاه، وحاجبه جبير مولاه، وكان في بيت مال الوليد يوم قتل سبعة وأربعون ألف ألف دينار، ففرقها يزيد عن آخرها، وكان قدريا ً، وتوفي لانسلاخ ذي القعدة ،وصلى عليه إبراهيم بن الوليد، ودفن بدمشق، وقيل إن أخاه إبراهيم سقاه السم. وأقام الحج في تلك السنة، وهي سنة 126، عمر بن عبد االله بن عبد الملك بن مروان، وقيل... إن الحجاج بن عبد الملك... ووثب ثابت بن نعيم الجذامي على مروان، وهو بأرمينية، فظفر به مروان، فمن عليه، وانصرف مروان من أرمينية، واستخلف عليها عاصم بن عبد االله بن يزيد الهلالي، واستخلف على الباب والأبواب إسحاق بن مسلم العقيلي، ثم جمع أرمينية لإسحاق بن مسلم العقيلي. أيام إبراهيم بن الوليد ثم ملك إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، وأمه أم ولد، يقال لها سعار، في اليوم الذي توفي فيه يزيد بن الوليد، فأقام أربعة أشهر، وقدم مروان بن محمد بن مروان من أرمينية خالعا ً له، فلما صار بحران دعا إلى نفسه، فبايع له أهل الجزيرة سرا ً، وأقبل في جموع من أهل الجزيرة، فلقي بشرا ومسرورا ً ابني الوليد بن عبد الملك معسكرين بحلب، فهزم عسكريهما، وأسرهما ثم مضى حتى أتى حمص وعليها عبد العزيز. وبلغ إبراهيم الخبر، فوجه إليه سليمان بن هشام بن عبد الملك، فلقي مروان ومن معه من أهل الجزيرة وقنسرين وحمص، فالتقوا بعين الجر من عمل دمشق، فتناوشوا القتال يوم الأربعاء لسبع خلون من صفر سنة 127 وانصرف بعضهم عن بعض، فلما كان من الغد ازم سليمان بن هشام وأصحابه، فلحقوا بإبراهيم، وأقبل مروان حتى نزل دير العالية، فبايع له أهل دمشق، ودخلها، فخلع إبراهيم نفسه، وبايع لمروان يوم الإثنين للنصف من صفر سنة 127، ولم يزل مع مروان حتى غرق بالزاب، في وقعة عبد االله بن علي. أيام مروان بن محمد بن مروان ودعوة بني العباس وملك مروان بن محمد بن مروان، وأمه أم ولد يقال لها ريا، في صفر سنة 127، وبايع له من بدمشق من بني أمية وغيرهم، وكتب إلى عمال البلدان فأتته كتبهم بالسمع والطاعة والانقياد، وأتاه الخبر أن أهل حمص مقيمون على المعصية، فسار إليهم، واستخلف بدمشق عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، فحاصرهم حتى فتح المدينة، وهرب منه السمط بن ثابت بن الأصبغ بن ذوالة ،وأسر معاوية بن عبد االله السكسكي. وأتاه الخبر أن يزيد بن خالد بن عبد االله القسري قتل يوسف بن عمر الثقفي، وكان يوسف محبوسا، فلما رأى عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك اضطراب أمر مروان بن محمد أمر يزيد بن خالد بن عبد االله القسري بالمضي إلى السجن، وأمره أن يقتل يوسف بن عمر، ويقتل عثمان والحكم ابني الوليد بن يزيد ،ففعل ذلك. وأراد مروان أن يرجع، فأتاه الخبر أن الضحاك بن قيس الحروري قد غلب على ناحية العراق، وحارب عبد االله بن عمر بن عبد العزيز بواسط، وإنه قد صار إلى الجزيرة، وجاز الموصل، فصار إلى نصيبين، وا عبد االله بن مروان، فحاصره، وكان عامل إسحاق بن مسلم بالباب والأبواب رجلا ً يقال له مسافر ، وكان يرى رأي الخوارج، فكتب إليه الضحاك بعهده على أرمينية، وكان أهلها قتلوا عاصم بن عبد االله بن يزيد الهلالي عامل أرمينية، فتوجه إليها، وصار مروان إلى حران، فابتنى ا مترلة في موضع يقال له: دباب البين، وبلغ الضحاك خبره، فأقبل نحوه، فمر بالموصل، فحصرها، ثم كره أن يطول الأمر به، فنفذ إلى نصيبين، فحصرها، ثم نفذ إلى حران حتى واقف مروان، فحاربه محاربة شديدة، وظفر الضحاك عليه مرارا ً حتى عزله سريره، وجلس عليه، ثم قتل الضحاك سنة 127، وافترق الخوارج فرقا ً. وصار سليمان بن هشام بن عبد الملك ومن هرب من اليمانية من أصحاب يزيد ابن خالد بن عبد االله معهم، وسار سليمان بن هشام بن عبد الملك يريد الشام، فلقيه مروان بخساف، فهزمه، ومضى سليمان ،وأصحاب الضحاك عليهم الخيبري، فسار في عسكر عظيم، فلقي مروان فقتله مروان، فولت الخوارج أمرها أبا الذلفاء الشيباني، فرجع بأصحابه إلى الموصل، واتبعه مروان، فقاتله شهرا ً، ثم ازم أبو الذلفاء ،فوجه مروان خلفه عامر بن ضبارة المري، فصار أبو الذلفاء إلى عمان، فقتل، قتله الجلندي بن مسعود الأزدي، فخرج أبو عبيدة خليفة الضحاك إلى الكوفة، فولى مروان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري العراق، فقدمها سنة 128، فقتل خليفة الضحاك، وخرج ثابت بن نعيم الجذامي بناحية الأردن، فوجه إليه مروان بالرماحس بن عبد العزيز، وولي عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك المدينة ومكة. وقدم مكة ليقيم الحج، ووافت الحرورية، ومعهم أبو حمزة المختار بن عوف الحروري الأزدي، حتى وقفوا على جبل عرفات، وكان أبو حمزة من قبل عبد االله بن يحيى الكندي الذي يسمى طالب الحق، فلما وقفوا بعرفات أرعبوا الناس وأخافوهم، فأرسل إليهم عبد الواحد يعظم عليهم البلد الحرام والأيام العظام ويوم الحج الأكبر، فوادعوهم يوم عرفة وأربعة أيام، وصاروا إلى منى فعسكروا ناحية منها، فلما انصرفوا لحق عبد الواحد المدينة، فدعا الناس إلى الديوان، ووجه بالجيش وعليهم عبد العزيز بن عبد االله بن عمرو بن عثمان ابن عفان بقديد في صفر سنة 130، فقتل عبد العزيز ومن معه من أهل المدينة، وامت قريش خزاعة أن يكونوا داهنوا عليهم الحرورية. وقدمت الحرورية المدينة لعشر بقين من صفر، وهرب عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وغلب أبو حمزة على المدينة، وخطبهم خطبة مشهورة، وكان أهل المدينة يصلون خلفه، ويعيدون الصلاة، ثم ساروا يريدون الشام، ولقيهم خيل لمروان عليهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي، فأوقعوا م بوادي القرى، فزحف الحرورية منهزمين إلى المدينة، فخرج إليهم أهل المدينة، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ،ووافاهم ابن عطية، فازموا، فأتبعهم إلى مكة، ثم اتبعهم إلى اليمن حتى قتل عبد االله بن يحيى، ودنوا من صعدة فقتل فيهم حتى وطئ الناس عليهم، ثم دخلوا صنعاء، فأتاه كتاب مروان بتولية الموسم، فخرج، فلما صار في بعض الطريق توفي في عسكره. وأراد مروان أن ينفذ إلى العراق، فأتاه خبر أهل حمص ام عصوا، فصار إليهم، فوضع عليها المنجنيق حتى هدم سورها، فطلبوا الأمان، فأمنهم إلا ثلاثة نفر لم يؤمنهم وقتلهم. وكان منصور بن جمهور لما قدم يزيد بن عمر بن هبيرة العراق هرب حتى أتى السند، وكان ابن عرار عامل السند قرابة له، فصار خلف النهر، وأرسل إليه ابن عرار ألا تبرح مكانك! فرد عليه: إنما أردت المقام قبلك، فلا وصل االله رحمك، ولا قرب قرباك، وستعلم بعد، ثم عمل المراكب بسدوسان وحملها على الإبل حتى ألقاها في مهران، ثم لقي ابن عرار، فحاربه حتى هزمه إلى المنصورة، وحصره منصور بن جمهور، فطلب ابن عرار الأمان، فقال: لا أعطيك الأمان إلا حكمي، فترل على حكمه، فأمر فبنيت عليه أسطوانة، وهو حي، وأقام منصور بالمنصورة، وبعث أخاه منظورا ً إلى قندابيل والديبل. ولم يزل منصور مقيما بالسند حتى ظهر أبو مسلم بخراسان، ووجه أبو مسلم برجل يقال له مغلس من أهل سجستان إلى السند، فلما أظلهم وثب أصحاب منظور أخي منصور بن جمهور، فقتلوه، وكتبوا إلى مغلس فأتاهم ،فلقيه منصور بن جمهور، فقاتله، فهزمه، وأسر مغلس، فأتي به منصور، فقتله وقتل أكثر قتلة أخيه. واشتدت شوكة الكرماني بخراسان، ودامت الحرب بينه وبين نصر بن سيار، وظهر الكرماني على نصر بن سيار، وكان أبو مسلم الغالب على أمر الكرماني، فحدثني جماعة من أشياخنا أن أبا مسلم كان يقول: إذا التقى الكرماني ونصر بن سيار للقتال اللهم افرغ عليهما الصبر، وانزع عنهما النصر. وطعن الكرماني فقتل، وصلبه نصر، وغلب أبو مسلم على عسكره، وظهر أمره، واستكثف جمعه، وجاد نصر بن سيار القتال حتى فله مرارا ً، وأظهر دعوة بني هاشم، وكان ذلك في شهر رمضان سنة 129. ووثب سليمان بن حبيب بن المهلب بالأهواز، فوجه إليه يزيد بن عمر ابن هبيرة نباتة بن حنظلة الكلابي ،فاقتلوا قتالا ً شديدا ً، ثم ازم سليمان، فلحق بفارس، فوجه يزيد بن عمر عامر بن ضبارة المري إلى فارس. وضعف أمر نصر بن سيار بخراسان، وقوي أمر أبي مسلم، فكتب نصر إلى مروان يصف له حاله ،وضعف من معه، وقوة أبي مسلم، وظهوره، وكتب في آخر كتابه: أرى بين الرماد وميض جمر ويوشك أن يكون له ضرامفإن النار بالعودين تورى وإن الفعل يقدمه الكلامأقول من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام؟ فكتب مروان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة عامله على العراق أن يمد نصر بن سيار بالرجال، فقعد يزيد، ثم تابع مروان الكتب إليه بالوعيد، فوجه بابنه داود بن يزيد في جيش عظيم، فيه عامر بن ضبارة المري، والجويرية بن إسماعيل، ونباتة بن حنظلة الكلابي، وكان داود بن يزيد بن عمر حدث السن، فكتب مروان إلى ابن هبيرة ينكر عقده لابنه داود لحداثة سنة، ويأمره أن ينفذ إليه من يحل لواءه، ويعقد لعامر بن ضبارة المري على الجيش، ففعل ابن هبيرة ذلك، ونفذ الجيش، وعلى المقدمة نباتة بن حنظلة الكلابي. وطلب مروان إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد االله بن عباس لما بلغه أن دعوة أبي مسلم له، وأنه الذي يؤهل لهذا الأمر. فحدث عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: كنت مع أبي جعفر عبد االله بن محمد بالحميمة، ومعه ابناه جعفر، ومحمد، وهما صبيان، فأنا أداعبهما وألاعبهما فقال لي: أي شيء تصنع ذين الصبيين، أ ما ترى ما نحن فيه؟ فنظرت، فإذا رسل مروان تطلب إبراهيم بن محمد، فقلت: دعني أخرج! فقال: تخرج من بيتي، وأنت ابن عمار بن ياسر؟ قال: فأخذوا بأبواب المسجد، وأشير لهم إلى إبراهيم ليأخذوه، وقد كان وصف لهم بصفة أبي العباس، وأبو العباس الموصوف بقتلهم، فلما أتي به إلى مروان قال: ليس هذه الصفة! فقال الرسول: قد واالله رأيت الصفة، ولكن قلت: إبراهيم بن محمد ، وهذا إبراهيم بن محمد، فردهم في طلب أبي العباس، فوجدوه قد تغيب، فأمر مروان بإبراهيم فغطى وجهه بقطيفة، حتى مات، وقيل: بل أدخل رأسه في جراب نوره حتى مات، وفيه يقول ابن هرمة: وكنت أحسبني جلدا فضعفني قبر بحران فيه عصمة الدين فيه الإمام الذي عمت مصيبته وعيلت كل ذي مال ومسكين وأظهر أبو مسلم الدعوة لبني هاشم، وطلب نصر بن سيار منه المتاركة، وسأله الموادعة، فوجه إليه لاهز بن قريظ في جماعة من أصحابه، وكان لاهز ابن قريظ أحد النقباء، فأمره أن يحضر ليبايع، فدخل لاهز عليه فقال: أجب الأمير! ثم تلا: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، فاخرج إني لك من الناصحين. فقال نصر: أدخل إلى بستاني وأخرج إليهم، فدخل إلى بستان له، فركب دوابه، ومضى هاربا، فمات بقرية يقال لها ساوة، وأخذ أبو مسلم لاهز بن قريظ، فضرب عنقه. وقدم إلى نيسابور في شهر رمضان، أو شوال ،ووجه عماله، فاستعمل سباع بن معمر الأزدي على سمرقند، واستعمل أبا داود خالد بن إبراهيم على طخارستان، وجعل أبا نصر مالك بن الهيثم الخزاعي على شرطه، ووجه محمد ابن الأشعث الخزاعي إلى الطبسين وفارس، ووجه الحسن بن قحطبة على مقدمته، ثم قدم قحطبة بن شبيب، ومعه عهد إبراهيم بن محمد بن علي، وسيره يعمل عليها، فأمضى أبو مسلم له ذلك ووجهه لقتال جند بني أمية، فسار قحطبة حتى أتى جرجان، فلقي نباتة بن حنظلة، فنشبت الحرب، فقتل نباتة، وهزم جنده، واحتوى على ما في عسكره، وصير الغنائم إلى خالد بن برمك، فقسمها بين أصحابه. وأقام قحطبة إلى غرة المحرم سنة 131، ثم وجه بابنه الحسن بن قحطبة إلى قومس على مقدمته، ولحقه فوجهه من الري إلى همذان، ووجه العكي إلى قم وأصبهان، وسار قحطبة حتى صار إليها وفيها عامر بن ضبارة المري، فأرسل إليه يدعوه إلى بيعة آل محمد، فأرسل إليه ابن ضبارة: يا علوج! أما واالله إني لأرجو أن أقرنكم في الحبال! وكان في أربعين ألفا ً من أهالي الشام، فواقعه قحطبة، فقتله، وقتل من كان معه من أصحابه، فلم ينج منهم إلا القليل، فهربوا إلى ابن هبيرة وهو إذ ذاك بجلولاء. وصار قحطبة إلى اوند وا أدهم بن محرز الباهلي في جماعة ممن ضوى إليه، فحصرها قحطبة ثلاثة أشهر حتى أفنى أكثرهم ثم فتحها، وسار إلى حلوان، وكان قحطبة يقول: ما من شيء فعلته إلا وقد خبرني به الإمام إلا أنه أعلمني ألا أعبر الفرات. ووجه قحطبة أبا عون عبد الملك بن يزيد إلى شهرزور، فلقي عثمان بن زياد فهزمه واستباح عسكره. قال حميد بن قحطبة: حدثني أبي قال: دخلت مسجد الكوفة أيام بني أمية، وعلى فرو غليظ، فجلست إلى حلقة، وشيخ في صدر القوم يحدثهم، فذكر أيام بني أمية، وذكر السواد ومن يلبسه فقال. يكون ويكون ،ويخرج رجل يقال له قحطبة، كأنه هذا الأعرابي، وأشار إلى، ولو أشاء أن أقول هو هو لقلت. قال قحطبة: فخفت على نفسي، فتنحيت ناحية، فلما انصرف كلمته، فقال: لو شئت أن أقول إنك أنت هو لقلت. فسألت عنه فقيل لي: هو جابر بن يزيد الجعفي. وكان ابن هبيرة بواسط العراق فتحصن ا، وأدخل الطعام والأنزال، وانصرف إليها فلال العساكر. وقدم قحطبة العراق فوافى به عسكرا ليزيد بن هبيرة، واستباحة، وصار إلى الزاب، وهو من الفلوجة العليا، على رأس أربعة وعشرين فرسخا ً من الكوفة، فلقي يزيد بن عمر بن هبيرة ليلة الخميس لسبع خلون من المحرم سنة 132، فاقتتلوا ساعة من الليل، ثم ازم ابن هبيرة، حتى رجع إلى واسط ، فتحصن ا، فلما فرغ قحطبة من قتاله قام خطيبا، فحمد االله وأثنى عليه، وصلى على النبي، ثم قال: أيها الناس، أنا واالله ما خرجنا إلا لإقامة الحق وإزالة دولة الباطل، وقد أعلمتكم أن الإمام محمد بن علي بن عبد االله بن عباس أعلمني أن ألقى نباتة بن حنظلة الكلابي، وعامر بن ضبارة المري، فأهزمهما واستبيح عسكرهما، وأقتل مقاتلتهما، وأنبأتكم بذلك قبل كونه، وقد رأيتم صدق ما خبرتكم، وإن الإمام أعلمني أن لا أعبر الفرات، وإنكم تعبرونه، فلا يفقد من الجيش أحد غيري، وإنه واالله لا كذب فيما قال فإذا فقدتموني فأمير الناس حميد بن قحطبة، فإن غاب فالحسن بن قحطبة، والسلام على من اتبع الهدى، ورحمة االله وبركاته. فلما كان السحر عبروا الفرات، وكان في أيام المد وكثرة الماء، فلما أصبحوا فقدوا قحطبة، فلم يعرفوا له خبرا ً، وقالوا: غرق، وقالوا: سقط عليه جرف، وقالوا: غار به فرسه، وكان أبو مسلم قد كتب إليه... من الكوفة: أني قد أعددت لك من المنازل، فكتب إليه قحطبة: أيها الوزير لئن لقيتك إذا إن لبني أمية بعد لبقاء. وازم ابن هبيرة بعد أن غرق قحطبة، فلما بلغ مروان الخبر قال: هذا واالله الإدبار، وإلا فمن سمع بميت يهزم حيا ً؟ وسار حميد بن قحطبة حتى دخل الكوفة بعد ما فقد قحطبة بأربع ليال، وقد أخذ محمد بن عبد االله القسري الكوفة لبني هاشم، وأظهر دعوم، وشرد من كان ا من بني أمية وأصحام، وأظهر السواد، وغلب سفيان بن معاوية ابن يزيد بن المهلب على البصرة وسود، ودعا إلى بني هاشم أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال، واستعمل العمال، ووجه الحسن بن قحطبة إلى ابن هبيرة، وأتبعه بمالك بن الهيثم، وأمرهما أن يحاصراه، فأناخ الحسن على المدينة الغربية، ومالك على الشرقية، ووجه هشام بن إبراهيم مولى بني ليث إلى عبد الواحد ابن عمر بن هبيرة، وكان عامل أخيه على الأهواز، فقاتله حتى فض جمعه، ثم ازم عبد الواحد بن عمر بن هبيرة، فلحق بسلم بن قتيبة الباهلي، وهو عامل يزيد بن عمر على البصرة. وقدم أبو العباس وإخوته وأهل بيته الكوفة في المحرم سنة 132، فصيرهم أبو سلمة في دار الوليد بن سعد في بني أود، وكتم أمرهم، فلم يطلع على خبرهم أحد، فأقاموا في تلك الدار شهرين، حتى لقي أبو حميد غلاما ً لهم، فسأله عنهم، فأخبره بسوء ضعفهم، فصار إليهم وهم في، فقال: أيكم عبد االله بن محمد بن الحارثية؟ فأشير له إلى أبي العباس، فسلم عليه بالخلافة، فمضى، فأحضر أصحابه، وأخرج أبا العباس ، وبايع الناس له، فلما بلغ أبا سلمة الخبر جاءهم ركضا حتى لحقهم، فقال له: عجلتم، وأرجو أن يكون خيرا ً. وصار أبو العباس إلى المسجد، فخطب وصلى. ووجه أبو العباس عمه عبد االله بن علي بن عبد االله بن عباس لقتال مروان، فلقيه بالزاب بالقرب من الموصل، وإنما كان قصد مروان إلى الزاب لأن بني أمية كانت تروي في ملاحمها أن المسودة لا يجوز سلطام الزاب، فكانوا يتوهمون أنه زاب الموصل، فقصده مروان، وهو يرى أنه لا يجوزه، وإنما ذلك زاب بأقاصي الغرب، فحاربه عبد االله بن علي، فهزمه، ثم لم يزل في أثره، وهو منهزم لا يلوي على شيء، حتى أخرجه إلى الجزيرة، ثم أخرجه من الجزيرة إلى الشام، فجعل لا يمر بجند من أجناد الشام إلا انتهبوه، حتى صار إلى دمشق، وهو مضمر أن يتحصن ا، فانتهبه أهل دمشق، ووثب عليه من ا من قيس، فدخلها عبد االله بن علي عنوة، وقتل الوليد بن معاوية بن مروان ابن عبد الملك، خليفة مروان ا ،ومضى مروان إلى فلسطين هاربا ً، فلحقه عبد االله بن عبد الملك، فأسره عبد االله بن علي، وأسر معه عبد االله بن يزيد بن عبد الملك، فوجه ما إلى أبي العباس، فصلبهما بالحيرة. وقدم صالح بن علي عاملا ً على مصر، وقد هرب مروان إليها، فاتبعه، فألجأه إلى قرية بوصير من كورة أشمون من الصعيد، فلم يزل مواقفا ً له، والحرب بينهما، ثم أرسل إليه مروان: متى ظفرت ذا الأمر فأوصيك بالحرم خيرا ً فأرسل إليه صالح: يا جاهل! إن الحق لنا عليك في نفسك، ولك علينا في حرمك. وانصرف عبد االله بن علي راجعا إلى دمشق وصالح في قتال مروان، ثم قتل مروان في المعركة، وصاحب الجيش عمر بن إسماعيل الحارثي، وكانت مدة مروان في ولايته إلى أن قتل خمس سنين، وقتل في ذي الحجة سنة 132، وهو ابن أربع وستين سنة، وقيل: ثمان وستين سنة، وحز رأسه، فلما قور جاءه هر فأخذ لسانه، وحمل الرأس إلى أبي العباس، فلما وضع بين يديه قال: أيكم يعرف هذا؟ فقال سعيد بن عمرو بن جعدة: هذا رأس مروان ابن محمد بن مروان بن الحكم، خليفتنا بالأمس. فأنكر الناس ذلك عليه، فقال أبو العباس: ما أراد الشيخ ذا القول إلا الوفاء. وكان الغالب على مروان أبو حديدة السلمي، وإسماعيل بن عبد االله القسري، وإسحاق بن مسلم العقيلي، وعلى شرطة الكوثر بن الأسود الغنوي، وهو الذي قال له يوما ً في قتاله: انزل، ويلك! فقاتل ،فأبى أن يفعل، فقال مروان: واالله لأسوءنك! فقال: وددت واالله أنك تقدر على ذلك، وكان على حرسه سقلاب مولاه، وحاجبه سليم مولاه. وكان له من الولد الذكور أربعة: عبد الملك، وعبد االله، وعبيد االله، ومحمد، وكان عبد االله وعبيد االله ابنا مروان ليلة قتل مروان توجها نحو الصعيد، ثم صار إلى بلاد النوبة، وتلاحق ما جماعة من أصحاب مروان، فصاروا زهاء أربعة آلاف، وتخلف عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بمصر، واستتر حتى دل عليه صالح بن علي. وخرج مع عبد االله وعبيد االله جماعة من نسائهم من البنات والأخوات وبنات العم ماشيات، هائمات على وجوههن، حتى مر رجل من أهل الشام بصبية ملقاة تنكر، وإذا هي بنت لمروان بنت ست سنين ،فحملها معه حتى دفعها إلى عبد االله بن مروان. ووافى القوم بلاد النوبة فأكرمهم عظيم النوبة ثم قالوا: نقر في بعض هذه الحصون التي في بلاد النوبة ،فلعلنا نتخذ منها معقلا، ونقاتل من يلينا من العدو، وندعو إلى طاعتنا لعل االله أن يرد علينا بعض ما أخذ منا. فقال لهم عظيم النوبة: إن هذه الأغربة، يريد السودان، كثير عددها، قليل سلبها، وإني لا آمن عليكم أن تصابوا فيقال: أنت قتلتهم. فقالوا: نحن نكتب لك كتابا ً أنا وردنا بلادك، فأكرمت مثوانا، وأحسنت جوارنا، وجهدت ألا نبرح من عندك، فأبينا حتى خرجنا، ونحن لك شاكرون. ثم خرجوا، فأخذوا في بلاد العدو فكانوا ربما لقوا الجيش من الحبشة، فقاتلوهم حتى صاروا إلى بجاوة، فلقيهم عظيم البجة ،فقاتلهم، وانصرفوا يريدون اليمن، فمروا في البلاد، وعرض لعبد االله وعبيد االله طريقان بينهما جبل، فأخذ كل واحد منهما في طريق، وهما يريان أما يلتقيان بعد ساعة، فسارا يومهما ذلك، ثم راما الرجوع فلم يقدرا عليه، وسارا أياما ً، ثم لقي عبيد االله منسرا ً من مناسر الحبشة، فقاتلهم، وزرقه رجل منهم بمزراق ،فقتل عبيد االله، واستأسر أصحابه، فأخذت الحبشة كل ما معهم، وتركوهم، فمروا في البراري على وجوههم عراة حفاة، حتى أهلكهم العطش، فكان الرجل يبول في يده ويشربه، ويبول ويعجن به الرمل ويأكله، حتى لحقوا عبد االله بن مروان وقد ناله من العرى والشدة أكثر مما نالهم، ومعه عدة من حرمه عراة حفاة ما يواريهن شيء، قد تقطعت أقدامهن من المشي وشربن البول حتى تقطعت شفاههن، حتى وافوا المندب، فأقاموا ا شهرا ً، وجمع الناس لهم شيئا ً، ثم خرجوا يريدون مكة في زي الحمالين. وأقام الحج في أيام مروان في سنتي 127و128 عبد العزيز بن عمرة بن عبد العزيز، سنة 129 عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، ووافى معه الحج أبو حمزة المختار بن عوف الإباضي، صاحب الأعور عبد االله بن يحيى الكندي، والذي يسمي نفسه طالب الحق، سنة 130 عبد الملك بن محمد بن مروان ،سنة 131 محمد بن عبد الملك بن عطية السعدي، وقيل هي آخر حجة لبني أمية، ولم يغز في أيام مروان. وكان الفقهاء في أيامه: محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أبا الحويرث المرادي، عمرو بن دينار، صالح بن كيسان، أبا الزناد عبد الرحمن ابن ذكوان، عبد االله بن أبي نجيح، قيس بن سعد، أبا الزبير محمد بن مسلم، إبراهيم بن ميسرة، عبد الملك بن عمير الليثي، سلمة بن كميل، جابر بن يزيد الجعفي ،غيلان بن جامع المحاربي، أبا بكر بن نسر بن حرب، يزيد بن عبد االله بن الشخير، سالم الأفطس، عبد الكريم الحنفي. أيام أبي العباس السفاح بويع عبد االله بن محمد بن علي بن عبد االله بن عباس، وكنيته أبو العباس، وأمه ريطة بنت عبيد االله بن عبد االله بن عبد المدان بن الديان الحارثي، يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ،وقيل: يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة 132، ومن شهور العجم في تشرين الآخر. وكانت الشمس يومئذ في القوس عشر دقائق، والقمر في الدلو إحدى وعشرين درجة وأربعين دقيقة ، والمشتري في العقرب اثنتين وعشرين درجة وأربعين دقيقة، والمريخ في الأسد سبعا ً وعشرين درجة ،والزهرة في الميزان ثلاثين درجة، وعطارد في العقرب إحدى عشرة درجة وعشرين دقيقة، والرأس في الميزان خمسا ً وأربعين دقيقة، وكانت بيعته في الكوفة في دار الوليد بن سعد الأزدي. وقيل: إن أبا سلمة إنما أخفى أبا العباس وأهل بيته ا، ودبر أن يصير الأمر إلى بني علي بن أبي طالب، وكتب إلى جعفر بن محمد كتابا مع رسول له، فأرسل إليه: لست بصاحبكم، فإن صاحبكم بأرض الشراة، فأرسل إلى عبد االله بن الحسن يدعوه إلى ذلك، فقال: أنا شيخ كبير وابني محمد أولى ذا الأمر، وأرسل إلى جماعة بني أبيه ،وقال: بايعوا لابني محمد، فإن هذا كتاب أبي سلمة حفص بن سليمان إلي فقال جعفر بن محمد: أيها الشيخ! لا تسفك دم ابنك، فإني أخاف أن يكون المقتول بأحجار الزيت. وأقام أبو سلمة ينتظر انصراف رسله إليه، ومر أبو حميد، فلقي غلام أبي العباس، فدله على موضعه، فأتاه فسلم عليه بالخلافة، ثم خرج فأخبر أصحابه بموضعه، فمضى معه ستة، وهم: أبو الجهم بن عطية ،وموسى بن كعب، وأبو غانم عبد الحميد بن ربعي، وسلمة بن محمد، وأبو شراحيل، وعبد االله بن بسام ،وأبو حميد سابعهم سرا ً من أبي سلمة، فسلموا على أبي العباس بالخلافة، وألبسه أبو حميد السواد ، وأخرجه، فمضى به إلى المسجد الجامع، وبلغ الخبر أبا سلمة، فأتى ركضا حتى لحقهم، فقال: إني إنما كنت أدبر استقامة الأمر وإلا فلا أعمل شيئا ً فيه. وقد قدمنا ذكر بيعة أبي العباس في أيام مروان، ووصفنا ما عمل من وجه لمحاربة مروان، ووصلنا من الخبر بذلك إلى قتل مروان ما يغني عن إعادته. وكان من قدم إلى الكوفة من بني هاشم اثنين وعشرين رجلا ً ،منهم: داود، وسليمان، وعيسى، وصالح، وإسماعيل، وعبد االله، وعبد الصمد بنو علي بن عبد االله بن عباس، وموسى بن داود، وجعفر، ومحمد ابنا سليمان، والفضل، وعبد االله ابنا صالح، وأبو العباس، ومحمد ابنه، وجعفر، ومحمد ابنا المنصور، وعيسى بن موسى بن محمد، وعبد الوهاب، ومحمد ابنا إبراهيم، ويحيى بن محمد، والعباس بن محمد. ولما بويع أبو العباس صعد المنبر في اليوم الذي بويع فيه، وكان حييا، فارتج عليه، فأقام مليا لا يتكلم، فصعد داود بن علي، فقام دونه بمرقاة، فحمد االله وأثنى عليه وصلى على محمد ،وقال: أيها الناس! الآن تقشعت حنادس الفتنة، وانكشف غطاء الدنيا، وأشرقت أرضها وسماؤها ، وطلعت الشمس من مطلعها، وعاد السهم إلى الترعة، وأخذ القوس باريها، ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة بكم، والرحمة لكم، والتعطف عليكم، ألا وإن ذمة االله وذمة رسوله وذمة العباس لكم أن نسير، فنحكم في الخاصة والعامة منكم بكتاب االله وسنة رسوله، وإنه واالله أيها الناس! ما وقف هذا الموقف بعد رسول االله صلى االله عليه وسلم أحد أولى به من علي بن أبي طالب، وهذا القائم خلفي ،فاقبلوا، عباد االله، ما آتاكم بشكر، واحمدوه على ما فتح لكم، أبدلكم بمروان عدو الرحمن، حليف الشيطان، بالفتى المتمهل الشاب المتكهل، المتبع لسلفه والخلف من أئمته وآبائه، الذين هدى االله، فبهداهم اقتدى مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، وأبواب الرحمة، ومفاتيح الخير ،ومعادن البركة، وساسة الحق، وقادة العدل. ثم نزل فتكلم أبو العباس، فحمد االله وأثنى عليه، وصلى على محمد، ووعد من نفسه خيرا ً ثم نزل. وولي أبو العباس الكوفة داود بن علي، فكان أول من ولاه أبو العباس، ووجه بأخيه أبي جعفر إلى خراسان لأخذ البيعة على أبي مسلم، فصار إلى مرو في ثلاثين فارسا ً، فلم يحتفل به أبو مسلم، ولم يلتقه ،واستخف به، فانصرف واجدا عليه، وشكاة إلى أبي العباس وأعلمه ما نال منه، وكثر عليه في بابه، فقال أبو العباس: فما الحيلة فيه، وقد عرفت موضعه من الإمام ومن إبراهيم، وهو صاحب الدولة والقائم بأمرها؟ وقدم أبو مسلم على أبي العباس، فأكرمه وأعظمه، ولم يذكر له من أمر أبي جعفر شيئا ً. ودخل إليه يوما ً من الأيام، وأبو جعفر جالس معه، فسلم عليه وهو قائم، ثم خرج ولم يسلم على أبي جعفر ،فقال له أبو العباس: مولاك مولاك لم لا تسلم عليه؟ يعني أبا جعفر. فقال: قد رأيته، ولكنه لا يقضي في مجلس الخليفة حق أحد غيره. ولما قتل صالح مروان بن محمد وجه برأسه إلى أبي العباس، وحوى خزائنه وأمواله، وحمل أبا عثمان ،ويزيد بن مروان، ونسوة من آل مروان وبناته، فلما صرن إلى الكوفة أطلق النساء وحبس الرجال، وأخذ عبد االله بن مروان بمكة، فحمل أيضا ً، وحبس مع سائر أهله. وولي أبو العباس داود بن علي الحجاز، فقدم، وعامل مروان الوليد ابن عروة بن عطية السعدي مقيم بمكة لم يعلم بأن الناس بايعوا أبا العباس، فلما علم هرب، وقدم داود فخطب خطبة له مشهورة ذكرهم فيها ما فضلهم االله به، فظلم من ظلمهم، ثم قال: إنما كانت لنا فيكم تبعات وطلبات، وقد تركنا ذلك كله ،وأنتم آمنون بأمان االله أحمركم وأسودكم، وصغيركم وكبيركم، وقد غفرنا التبعات، ووهبنا الظلامات ،فلا ورب هذه البنية لا يج أحدا ً! وضرب بيده إلى الكعبة، فبينا هو يخطب إذ قام سديف بن ميمون ،فقال: أصلح االله الأمير! أدننى منك، وأذن لي في الكلام! فقال: هلم! فصعد المنبر حتى كان دون داود بمرقاة، ثم أقبل على الناس بوجهه، فحمد االله، وصلى على محمد ثم قال: أ يزعم الضلال، خطئت أعمالهم، إن غير آل رسول االله صلى االله عليه وسلم أولى بتراثه، ولم، وبم معاشر الناس، ألكم الفضل بالصحابة دون ذوي القرابة، الشركاء في النسب، والورثة للسلب، مع ضرم في الفيء لجاهلكم ،وإطعامهم في اللاواء جائعكم، وأيمام بعد الخوف سائلكم؟ لم ير مثل العباس بن عبد المطلب، اجتمعت له الأمة بواجب حق الحرمة، أبو رسول االله صلى االله عليه وسلم بعد أبيه، وجلده ما بين عينيه يوم خيبر، لا يرد له أمرا ً، ولا يعصي له قسما ً. إنكم واالله، معشر قريش، ما اخترتم لأنفسكم من حيث اختار االله لكم طرفة عين قط. ثم نزل، فاستتم داود خطبته ثم نزل. فلما انقضى الموسم وجه داود إلى قوم كانوا بمكة من بني أمية، فقتل جماعة منهم، وأوثق جماعة منهم في الحديد، ووجههم إلى الطائف، فقتلوا هنالك، وحبس خلقا ً من الخلق، فماتوا في حبسه، وصار إلى المدينة ففعل مثل ذلك، ولم يقم بالمدينة إلا شهرين حتى توفي. وبلغ أبا العباس عن أبي سلمة الخلال أمور أنكرها، وذكر له تدبيره وما كان عليه، وتأخيره له، والتماسه صرف الدولة إلى بعض الطالبيين، وكتب إليه أبو مسلم من خراسان أن اقتل أبا سلمة، فإنه العدو الغاش ،الخبيث السريرة، فكتب إليه أبو العباس: أن وجه أنت من يقتله، وكره أبو العباس أن يوحش أبا مسلم بقتله، أو يوجد سبيلا إلى الاحتجاج به عليه، فوجه أبو مسلم مراد بن أنس الضبي، فجلس على باب أبي العباس وكان يسمر عنده، فلما خرج ثار إليه فضرب عنقه. وكان أبو سلمة يسمى وزير آل محمد ،وكان أبو مسلم يكتب إليه: للأمير حفص بن سليمان، وزير آل محمد من أبي مسلم أمين آل محمد. فقال سليمان ابن مهاجر لما قتل أبو سلمة: إن الوزير، وزير آل محمد، أودي، فمن يشناك كان وزيرا

ووجه أبو العباس أخاه أبا جعفر إلى واسط، وكان الحسن بن قحطبة محاصرا ليزيد بن عمر بن هبيرة ،وأمره بمجادته، فحوصر أحد عشر شهرا ً، وكان معه جماعة من قواد مروان وأصحابه، وممن كان مع عامر بن ضبارة، ونباتة بن حنظلة، الذين قتلهم قحطبة، وكان يزيد قد استعد لحصار سنتين، وأدخل الأقوات والعلوفة لعشرين ألف مقاتل، فصدقوه المحاربة، وطلب الأمان ووجه السفراء، فأجيب إلى ذلك، وكتب له كتاب أمان، وشرط له فيه ما سأل. وختمه أبو العباس. وخرج ابن هبيرة حتى صار إلى أبي جعفر ،فبايع ثم رجع إلى موضعه، وكان يركب كل يوم في ألف فارس وألف راجل، فقال بعض أصحاب أبي جعفر له: أصلح االله الأمير! إن ابن هبيرة ليأتي فيتضعضع له العسكر. فقال لأبي غسان حاجبه: قل لابن هبيرة فليقلل من جمعه! فركب إليه في خمسمائة راجل، فقال له الحاجب: كأنك تأتينا ً مباهيا ً، فركب إليهم في ثلاثين فارسا ً، وثلاثين راجلا ً، فكان أبو جعفر يقول: ما رأيت أنبل من ابن هبيرة، ولا أتيه، إن كان ليدخل إلي، فيقول: كيف أنت يا هذا، أو حالك، وكيف ما يأتيك عن صاحبك؟ فإن كنت لأحدثه فيقول: أيها الله أبوك! ثم يتداركها فيقول: أصلح االله الأمير! إني قريب عهد بإمارة، وكان الرجل يحدثني، فأقول ذا ونحوه. وقال له يوما ً: حدثني! فقال: لأمحضنك النصيحة محضا ً، إن عهد االله لا ينكث وعقدته لا تحل، وإن إمارتكم هذه جديدة، فأذيقوا الناس حلاوا، وجنبوهم مرارا. ووجدت كتب لابن هبيرة إلى محمد بن عبد االله بن حسن يعلمه أن يبايع له، وأن قبله أموالا ً وعدة وسلاحا ً، وأن معه عشرين ألف مقاتل، فأنفذت الكتب إلى أبي العباس، فقال أبو العباس: نقض عهده ،وأحدث ما أحل به دمه، فكتب إلى أبي جعفر: أن اضرب عنقه، فإنه غدر، ونكث، ونقض العهود ، وكثرت كتبه بذلك، وكتب أبو مسلم من خراسان يحرض على قتله، ويخبر أن الأمر لا يستقيم ما كان حيا، وإنه ممن لا يصلح للاستبقاء. وقال أبو جعفر للحسن بن قحطبة الطائي: أن أمير المؤمنين قد أمر بقتل هذا الرجل، فتول ذلك! فقال له الحسن: إن قتلته كانت العصبية بين قومي وقومه، والعداوة ،واضطرب عليك من بعسكرك من هؤلاء وهؤلاء، ولكن أنفذ إليه برجل من مضر يقتله. فوجه إليه بخازم بن خزيمة التميمي، فأتاه في جماعة، فوافاه وهو جالس في رحبة القصر بواسط، فلما رآهم قال: أقسمت باالله إن في وجوه القوم لغدرة! فلما دنوا منه قام ابنه داود في وجوههم، فضربه بعضهم بالسيف فجدله ،وصاروا إلى يزيد فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه، ثم تتبعوا قواده وأصحابه، فقتلوهم عن آخرهم. وخرج شريك بن شيخ المهري ببخارى فقال: ما على هذا بايعنا آل محمد، أن نسفك الدماء، ونعمل غير الحق. فوجه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي، فقاتله، فقتله. وخرج أبو محمد السفياني، وهو يزيد بن عبد االله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، بما لديه، وخرج محمد بن مسلمة بن عبد الملك بحران، وحاصر موسى بن كعب، وكان عامل أبي جعفر، وأبو جعفر يومئذ عامل الجزيرة، ورماها بالمنجنيق، وحرق أبواا، وكان ذلك سنة 133. ثم بلغ محمد بن مسلمة قتل أبي محمد السفياني وقتل أبي الورد بن كوثر ابن زفر، فانصرف عنها، وتفرق جمعه، واتبعه موسى بن كعب، فقتل خلقا ً من أصحابه، وتعمد عدة مدائن من الجزيرة. وأقام إسحاق بن مسلم العقيلي بسميساط سبعة أشهر، وأبو جعفر محاصر له، وقيل: لم يحاصره أبو جعفر، ولكن عبد االله بن علي حاصره، وكان إسحاق يقول: في عنقي بيعة، فلا أدعها أبدا ً حتى أعلم أن صاحبها قد مات، أو قتل. وأرسل إليه أبو جعفر يقول: إن مروان قد قتل، فقال: حتى أتبين ذلك، فلما صح عنده أنه قتل طلب الأمان وأعطيه، وصار مع أبي جعفر، وكان عظيم المترلة عنده. وانصرف عبد االله بن علي إلى فلسطين بالسبب الذي شرحناه من خبره فيما شرحنا من خبر مروان، فلما صار بنهر أبي فطرس، بين فلسطين والأردن، جمع إليه بني أمية، ثم أمرهم أن يغدوا عليه لأخذ الجوائز والعطايا، ثم جلس من غد، وأذن لهم، فدخل عليه ثمانون رجلا ً من بني أمية، وقد أقام على رأس كل رجل منهم رجلين بالعمد، وأطرق مليا ً، ثم قام العبدي فأنشد قصيدته التي يقول فيها: أما الدعاة إلى الجنان فهاشم وبنو أمية من كلاب النار

وكان النعمان بن يزيد بن عبد الملك جالسا ً إلى جنب عبد االله بن علي، فقال له: كذبت يا ابن اللخناء! فقال له عبد االله بن علي: بل صدقت يا أبا محمد، فامض لقولك! ثم أقبل عليهم عبد االله بن علي، فذكر لهم قتل الحسين وأهل بيته، ثم صفق بيده فضرب القوم رؤوسهم بالعمد حتى أتوا عليهم، فناداه رجل من أقصى القوم: عبد شمس أبوك وهو أبونا لا نناديك من مكان بعيدفالقرابات بيننا واشجات محكمات القوى بعقد شديد فقال: هيهات! قطع ذلك قتل الحسين! ثم أمر م، فسحبوا، فطرحت عليهم البسط وجلس عليها، ودعا بالطعام، فأكل، فقال: يوم كيوم الحسين بن علي ولا سواء. وكان قد دخل معهم... قال: رجوت أن ينالوا خيرا ً، فنال معهم، فقال عبد االله بن علي: ومدخل رأسه لم يدنه أحد بين الفريقين حتى لزه القرن اضربا عنقه. وقدم عبد االله بن علي دمشق في شهر رمضان سنة 132، فحاصرها، واستغاث الناس ، ووجهوا إليه بيحيى بن بحر يطلب لهم الأمان، فخرج إليه، فسأله الأمان، فأجابه إلى ذلك، فدخل فنادى في الناس الأمان، فخرج خلق من الخلق، ثم قال له يحيى بن بحر: اكتب لنا، أيها الأمير، كتاب الأمان، فدعا بدواة وقرطاس، ثم ضرب ببصره نحو المدينة، فإذا بالسور قد غشيه المسودة، فقال له: قد دخلتها قسرا ً فقال يحيى: لا واالله، ولكن غدرا ً. فقال عبد االله: لو لا ما أعرف من مودتك لنا، أهل البيت ، لضربت عنقك، إذ استقبلتني ذا، ثم ندم، فقال: يا غلام خذ هذا العلم فاركزه في داره، وناد من دخل دار يحيى بن بحر فهو آمن. فانحشر الناس إليها، فما قتل فيها، ولا في الدور التي تليها أحد. ونادى المنادي بعد أن قتل خلق كثير من الخلق: الناس آمنون، إلا خمسة: الوليد بن معاوية، ويزيد بن معاوية، وأبان بن عبد العزيز، وصالح بن محمد، ومحمد بن زكرياء. وصار عبد االله بن علي إلى المسجد الجامع، فخطبهم خطبة مشهورة يذكر فيها بني أمية وجورهم وعداوم، وام اتخذوا دين االله هزؤا ً ولعبا ً، ويصف ما استحلوا من المحارم والمظالم والمأثم، وما ساروا به في أمة محمد من تعطيل الأحكام وازدراء الحدود والاستئثار بالفيء، وارتكاب القبيح، وانتقام االله منهم ،وتسليط سيف الحق عليهم، ثم نزل. ويقال إن أبا العباس كتب إليه: خذ بثأرك من بني أمية، ففعل م ما فعل، ووجه فنبش قبور بني أمية ،فأخرجهم وأحرقهم بالنار، فما ترك منهم أحدا ً، ولما صار إلى رصافة أخرج هشام بن عبد الملك، ووجده في مغارة على سريره، قد طلى بماء يبقيه، فأخرجه، فضرب وجهه بالعمود، وأقامه بين العقابين فضربه مائة وعشرين سوطا، وهو يتناثر، ثم جمعه فحرقه بالنار. وقال عبد االله عند ذلك: إن أبي، يعني علي بن عبد االله، كان يصلي يوما ً، وعليه إزار ورداء، فسقط الرداء عنه، فرأيت في ظهره آثار السياط، فلما فرغ من صلاته قلت: يا أبة! جعلني االله فداءك، ما هذا؟ فقال: إن الأحول، يعني هشاما ً، أخذني ظلما ً، فضربني ستين سوطا ً، فعاهدت االله إن ظفرت به أن أضربه بكل سوط سوطين. وخرج حبيب بن مرة المري بالحوران فبيض ونصب رجلا ً من بني أمية فزحف إليه عبد االله بن علي فقتله وفرق جمعه. وكان عامل مروان على إفريقية عبد الرحمن بن حبيب العقبي فقدمها سنة 127 ولم يزل مقيما ً ا حتى قتل مروان فلما علم أهل إفريقية بقتل مروان وثبت عليه جماعة من أهل البلد منهم عقبة بن الوليد الصدفي من ناحية... وتفرقت بنو أمية بعد قتل مروان فخلف منهم بإفريقية جماعة فصاروا إلى عبد الرحمن بن حبيب فأقام عبد الرحمن على محاربة أصحاب أبي العباس فوثب به أخوه إلياس بن حبيب فدعا إلى بني العباس فبايعه الناس وأخذ من صار إلى إفريقية من بني أمية فحبسهم وكتب بخبرهم إلى أبي العباس. ووثب أهل الموصل على عاملهم فانتهبوه وأخرجوه فولى أبو العباس أخاه يحيى بن محمد بن علي الموصل وضم إليه أربعة آلاف رجل من أهل خراسان فقدمها في سنة 133 فقتل من أهلها خلقا عظيما وقيل إنه اعترض الناس في يوم جمعة فقتل ثمانية عشر ألف إنسان من صليب العرب ثم قتل عبيدهم ومواليهم حتى أفناهم فجرت دماؤهم فغيرت ماء دجلة فلم يعرف لأهل الموصل وثوب إلى هذه الغاية. وولي أبو العباس محمد بن صول أرمينية فسار إليها في خلق عظيم ومسافر بن كثير متغلب على البلد وكان خليفة إسحاق بن مسلم العقيلي عامل مروان فحاربه محمد بن صول حتى قتله واستولى على أرمينية وصد أهل البيلقان إلى قلعة الكلاب وأسلموا المدينة ورئيسها يومئذ ورد بن صفوان السامي من ولد سامة بن لؤي وجمعوا إليهم لفيفا من الصعاليك وغيرهم بقلعة الكلاب فوجه إليهم محمد بن صول صالح بن صبيح الكندي فحاصرهم وقتل منهم خلقا ً عظيما ً. ووجه أبو العباس إلى السند موسى بن كعب التميمي ومنصور بن جمهور متغلب عليها فنفذ موسى في عشرين ألف مقاتل فصار إلى قندابيل فأقام ا حينا ثم كاتب موسى من كان مع منصور من أصحاب... وكاتبهم قبائلهم وزحف موسى حتى أتى منصورا ً فازم منه ومر في مفازة وأدركه فقتله. وانتقل أبو العباس من الحيرة فترل الأنبار واتخذ ا مدينة سماها الهاشمية سنة 134 واشترى من الناس أشرية كثيرة بني فيها وأقطعها أهل بيته وقواده ثم رفع إليه أهل تلك الأرضين والمنازل ام لم يقبضوا أثماا فقال: هذا بناء أسس على غير تقوى وأمر فضربت مضاربه بظاهرها وبريها حتى استوفى القوم أثمان أرضهم ثم عاد إلى قصره. وولى أبو العباس أبا جعفر أخاه الجزيرة والموصل والثغور وأرمينية وآذربيجان فخرج حتى صار إلى الرقة واختط الرافقة على شط الفرات وهندسها له أدهم بن محرز فولى الحسن بن قحطبة الطائي الجزيرة وولى يزيد بن أسيد السلمي أرمينية ثم عزله وولي الحسن بن قحطبة أرمينية فلم يزل عليها أيام أبي العباس. وكان سليمان بن هشام بن عبد الملك قد استأمن إلى أبي العباس فقدم معه بابنين له فأكرمه أبو العباس وبره وأجلسه وابنيه على النمارق والكراسي فكان أبو العباس يجلس بالعشيات ويأذن لخواصه وأهل بيته فدخل عليه أبو الجهم ليلة وقد أذن لأهله وخواصه فقال له: إن أعرابيا أقبل يوضع على ناقته حتى أناخها بالباب وعقلها ثم جاءني وقال: استأذن لي على أمير المؤمنين فقلت: اذهب وضع عنك ثياب سفرك وعد علي سأستأذن عليه. فقال: إني آليت ألا أضع عني ثوبا ولا أحل لثاما حتى أنظر إلى وجهه. قال: فهل أنبأك من هو قال: نعم زعم أنه سديف مولاك فقال: سديف ايذن له فدخل أعرابي كأنه محجن فوقف فسلم عليه بأمره المؤمنين ثم تقدم فقبل بين يديه ورجليه ثم تأخر فوقف مثله ثم اندفع فقال: بالبهاليل من بني العباس أصبح الملك ثابت الأساس س ويا رأس منتهى كل رأس يا أمير المطهرين من الرج كم أناس رجوك بعد إياس أنت مهدي هاشم وهداها واقطعن كل رقلة وغراس لا تقيلن عبد شمس عثارا ً عنك بالسيف شافه الأرجاس أفنها أيها الخليفة وأحسم ه بدار الهوان والإتعاس أنزلوها بحيث أنزلها الل قربهم من نمارق وكراسي ولقد ساءني وساء قبيلي وبهم منكم كحز المواسي خوفهم أظهر التودد منهم وقتيلا ً بجانب المهراس واذكروا مصرع الحسين وزيد رهن رمس في غربة وتناسي والقتيل الذي بحران أمسى حله من حبائل الإفلاس نعم كلب الهراش مولاك لو لا فقام سليمان بن هشام فقال: يا أمير المؤمنين إن مولاك هذا يحرضك منذ مثل بين يديك على قتلي وقتل ابني وقد تبينت واالله أنك تريد أن تغتالنا. فقال: لو أردت ذلك ما كان يمنعني منكم على غير غيلة فأما إذ سبق ذلك إلى قلبك فلا خير فيك. يا أبا الجهم. أخرجه وأخرج ابنيه فاضرب أعناقهم وأتني برؤوسهم فخرج فضرب أعناقهم وأتاه برؤوسهم. وقدم عبد االله بن الحسن بن الحسن على أبي العباس ومعه أخوه الحسن ابن الحسن بن الحسن فأكرمه أبو العباس وبره وآثره ووصله الصلات الكثيرة ثم بلغه عن محمد بن عبد االله أمر كرهه فذكر ذلك لعبد االله بن الحسن فقال: يا أمير المؤمنين ما عليك من محمد شيء تكرهه وقال له الحسن بن الحسن أخو عبد االله بن الحسن: يا أمير المؤمنين! أتتكلم بلسان الثقة والقرابة أم على جهة الرهبة للملك والهيبة للخلافة فقال: بل بلسان القرابة. فقال: أرأيت يا أمير المؤمنين إن كان االله قضى لمحمد أن يلي هذا الأمر ثم أجلبت وأهل السموات والأرض معك أكنت دافعا ً عنه قال: لا قال: فإن كان لم يقض ذلك لمحمد ثم أجلب محمد وأهل السموات والأرض معه أيضرك محمد قال: لا واالله ولا القول إلا ما قلت. قال: فلم تنغص هذا الشيخ نعمتك عليه ومعروفك عنده قال: لا تسمعني ذاكرا ً له بعد اليوم. وبلغ أبا العباس أن محمد بن عبد االله قد تحرك بالمدينة فكتب إلى عبد االله ابن الحسن في ذلك وكتب في الكتاب: عذيرك من خليلك من مراد أريد حباءه ويريد قتلي فكتب إليه عبد االله بن الحسن: بمنزلة النياط من الفؤاد وكيف يريد ذاك وأنت منه وزندك حين يقدح من زناد وكيف يريد ذاك وأنت منه وأنت لهاشم رأس وهاد وكيف يريد ذاك وأنت منه وطفئ أمر محمد في خلافة أبي العباس فلم يظهر منه شيء وكان متى بلغ أبا العباس عنه شيء ذكر ذلك لعبد االله فيقول: يا أمير المؤمنين! أنا نحميها بكل قذاة يخل ناظرك منها فيقول: بك أثق وعلى االله أتوكل. وكان أبو العباس كريما ً حليما ً جوادا ً وصولا ً لذوي أرحامه. حدثني محمد بن علي بن سليمان النوفلي عن جده سليمان قال: دخلنا على أبي العباس جماعة من بني هاشم فأدنانا حتى أجلسنا معه ثم قال: يا بني هاشم! احمدوا االله إذ جعلني فيكم ولم يجعلني بخيلا ً ولا حسودا ً. واستأذن أبو مسلم في القدوم فأذن له فقدم من خراسان في سنة 136 فلما حضر وقت الحج استأذنه فأذن له وحج معه أبو جعفر المنصور فلما خرجا اشتدت بأبي العباس العلة فقيل له: صير ولاية عهدك إلى أبي جعفر فمات في علته بعد نفوذه إلى الحج. وكان الغالب عليه أبو الجهم بن عطية الباهلي وكان له سمار وجلساء منهم: أبو بكر الهذلي وخالد بن صفوان وعبد االله بن شبرمة وجبلة بن عبد الرحمن الكندي وكان على شرطته عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي وعلى حرسه أبو بكر بن أسد بن عبد االله الخزاعي وحاجبه أبو غسان مولاه وكان قاضيه عبد الرحمن بن أبي ليلى وابن شبرمة. ولما اشتدت علته قدم عليه وفدان أحدهما من السند والآخر من إفريقية فلما بلغه قدومهما قال: أنا ميت بعد ثلاث. قال عيسى بن علي فقلت: بل يطيل االله بقاءك فقال: حدثني أخي إبراهيم عن أبي وأبيه عن أبي هاشم عبد االله بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده: أنه يقدم علي في مدينتي هذه في يوم واحد وافدان: أحدهما وافد السند والآخر وافد أهل إفريقية فلا يمضي بعد ذلك ثلاثة أيام حتى أغيب في لحدي ويورث الأمر بعدي. ثم ض وقال: لا ترم مكانك حتى أخرج إليك. قال: فلم أزل بمكاني حتى سلم المؤذنون في وقت صلاة العصر بالخلافة فخرج إلى رسوله يأمرني بالصلاة بالناس فدخلت فلم يخرج إلى أن سلم المؤذنون لوقت صلاة العشاء فخرج إلى رسوله يأمرني بالصلاة بالناس ففعلت ذلك ثم أتيت مكاني إلى إدراك الليل فلما فرغت من قنوتي خرج إلي ومعه كتاب معنون: من عبد االله ووليه إلى آل رسول االله صلى االله عليه وسلم والأولياء وجميع المسلمين ثم قال: يا عم إذا خرجت نفسي فسجني بثوبي واكتم موتي حتى يقرأ هذا الكتاب على الناس فإذا قرئ فخذ ببيعة المسمى فيه فإذا بايع الناس فخذ في أمري وجهزني وصل علي وادفني. فقلت: يا أمير المؤمنين فهل وجدت علة فقال: وأية علة أقوى من الخبر الصحيح عن رسول االله صلى االله عليه وسلم واالله ما كذبت ولا كذبت ولا كذبت خذ هذا الكتاب وامض راشدا ً. واعتل من ليلته وتوفي يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 136 وهو ابن ست وثلاثين سنة وقيل: لم يبلغ تلك السن وذلك أنه ولد في سنة 105 في أيام يزيد بن عبد الملك بن مروان وصلى عليه إسماعيل بن علي وقيل عيسى بن علي ودفن في الأنبار في قصره وكانت ولايته أربع سنين وتسعة أشهر وخلف ابنا لم يكن بلغ وابنته ريطة امرأة المهدي التي حرمت على جميع خلفاء بني هاشم إلا زوجها. وأقام الحج للناس في أيامه سنة 132 داود بن علي سنة 133 زياد بن عبيد االله الحارثي سنة 134 عيسى بن موسى سنة 135 سليمان بن علي. وغزا بالناس في أيامه سنة 133 أقبل طاغية الروم وهو قسطنطين حتى أناخ على ملطية فحصرها فصولح عنها وزحف إليه موسى بن كعب التميمي فلم يكن بينهما لقاء وكتب أبو العباس إلى عبد االله بن علي يعلمه أن العدو قد كلب بالغفلة عنه وأمره أن ينفذ بالجيوش التي معه فيبث جيوشه في نواحي الثغور وزحف حتى قطع الدرب ولم يزل يعبى حتى أتاه خبر وفاة أبي العباس فانصرف. وكان الفقهاء في أيامه يحيى بن سعيد الأنصاري ابن أبي طوالة الأنصاري موسى بن عقبة عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أبا حمزة الثمالي زيد بن أسلم أبا خازم القاضي هشام بن عروة بن الزبير محمد بن... بن علقمة موسى بن عبيدة الربذي ابن أبي صعصعة ربيعة الرأي عبد االله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب محمد بن إسحاق بن يسار عبد االله بن طاووس صدقة... يسار حميد بن قيس الأعرج عبد االله بن عثمان بن خثيم عثمان بن الأسود عبد الملك بن جريج عبد الملك بن عمير الليثي أبا سار النسائي مجالد بن سعيد الأجلح بن عبد االله الكندي منصور بن المعتمر السلمي مطرف بن طريف الحارثي جابر بن يزيد الجعفي الحسن بن عمر الفقيمي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الحسن بن عمارة مسعر بن كدام عبد الجبار بن عباس الهمداني زفر بن الهذيل إسحاق بن سويد العذري أبا بكر بن نسر بن حرب يونس بن عبيد أبا المعتمر سليمان التيمي عمرو بن عبيد حميد الطويل مولى خزاعة عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي سالم الأفطس عبد الكريم الحنفي. أيام أبي جعفر المنصور هو عبد االله بن محمد بن علي وأمه سلامة البربرية وبويع في اليوم الذي توفي فيه أبو العباس وهو يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة ومن شهور العجم في حزيران سنة 136. وكانت الشمس يومئذ في السرطان درجة وعشر دقائق والقمر في الجوزاء سبع درجات وخمسا ً وأربعين دقيقة وزحل في الجدي ست عشرة درجة وخمسين دقيقة راجعا والمشتري في الحمل سبعا وعشرين درجة والمريخ في العقرب تسع عشرة درجة وأربعين دقيقة والزهرة في الثور خمس عشرة درجة وخمسين دقيقة وعطارد في السرطان إحدى عشرة درجة والرأس في السرطان درجة وخمسين دقيقة. وكان أبو جعفر حاجا ً فأخذ له عيسى بن علي البيعة على من حضر من الهاشميين والقواد بالأنبار ووافاه الخبر بذلك في طريق مكة بعد وفاة أبي العباس بخمسة عشر يوما ً فبايع أبو مسلم ومن حضر من الهاشميين والقواد وكان الذي وافاه بالخبر محمد بن الحصين العبدي فقال: أي موضع هذا؟ قالوا: موضع يقال له زكية. قال: أمر يزكى إن شاء االله وبويع بالصفية فقال: أمر يصفو لنا أعداد السنين وحثوا النجاء. وكان أبو العباس قبل وفاته قد كتب إلى عبد االله بن علي في غزو الصائفة وأمره بقطع الدرب فلما توفي أبو العباس كره عيسى بن علي ومن حضر من الأبناء أن يكتبوا إلى عبد االله بن علي فكتبوا إلى صالح بن علي وهو بمصر يعرفونه الحادثة في أبي العباس وما كان عهد به أبو العباس لأبي جعفر ومبايعتهم له واجتماعهم عليه وأمره أن يبايع ويصير إلى الشام فيأخذ البيعة على عبد االله. وبلغ عبد االله الخبر وقيل: بعث عيسى بن علي ببيعة المنصور مع أبي غسان يزيد بن زياد حاجب أبي العباس فلحقه وقد كان قطع الدرب إلى بلاد الروم فرجع حتى صار إلى دلوك من أرض جند قنسرين فأحضر حميد بن قحطبة الطائي وجماعة من القواد الذين كانوا معه فقال: ما تشهدون أن أمير المؤمنين أبا العباس قال: من خرج إلى مروان فهو ولي عهدي فشهدوا له بذلك. وبايعوا وبايع أكثر أهل الشام له وكتب إلى عيسى بن علي وغيره يعلمهم مبايعة من قبله من القواد وأهل الشام له بصحة عهد أبي العباس إليه وتوجه يريد العراق فلما صار إلى حران وافى موسى ابن كعب عاملا ً ا فعرفه شهادة من أشهد االله أن أبا العباس جعله ولي عهده فلما تحصن ا حاصره أربعين يوما ً ثم أعطاه الأمان على أن يخرج عنها ويخلي بينه وبينها وتوجه يريد العراق. فقدم أبو جعفر الكوفة غرة المحرم فترل الحيرة وصلى بالناس الجمعة ثم شخص إلى الأنبار إلى مدينة أبي العباس فضم إليه أطرافه وخزائن أبي العباس وبلغه أمر عبد االله بن علي وتوجهه إلى العراق فقال لأبي مسلم: ليس لعبد االله ابن علي غيري أو غيرك. فكره أبو مسلم ذلك وقال: يا أمير المؤمنين! إن أمر عبد االله بالشام أقل وأذل وأمر خراسان أمر يجل خطبه ثم انصرف أبو مسلم إلى مترله وقال لكاتبه: ما أنا وهذان الرجلان. ثم قال: ما الرأي إلا أن أمضي إلى خراسان وأخلي بين هذين الكبشين فأيهما غلب وكتب إلينا كتبنا إليه: سمعنا وأطعنا فرأى أنا قد أنعمنا وعملنا له عملا ً. فقال له كاتبه: أعيذك باالله من أن تمكن أهل خراسان من الطعن عليك وأن يروا أنك نقضت أمرا ً بعد تأكيده. فقال: ويحك إني نظرت فيمن قتلت بالسيف صبرا ً سوى من قتل في المعارك فوجدم مائة ألف من الناس فلا قليل من االله. فلم يزل به كاتبه حتى أجاب أبا جعفر إلى الخروج وعسكر في خلق عظيم ثم سار حتى صار إلى الجزيرة ،فواقع عبد االله بن علي عدة وقائع، وكان حميد بن قحطبة الغالب على أمر عبد االله بن علي، ثم بلغه أن عبد االله يريد قتله، فاحتال حتى صار إلى أبي مسلم، فعظم ذلك على عبد االله بن علي، وخاف أن يفعل بنظرائه من قواد خراسان الذين معه مثل ذلك. قال السندي بن شاهك: سمعت عبد الصمد بن علي يقول: إني عند عبد االله ابن علي إذ دخل حاجبه ، وكان عبد الصمد مع عبد االله بن علي، فقال: رسول أبي مجرم بالباب، فقال: إيذن له، فدخل رجل كريه الوجه، قبيح المنظر، كثير الشعر، طويل اللسان، عظيم الخلق، كثير حشو الخفنان، فسلم سلاما ً عاما ً، ثم قال: إن الأمير أبا مسلم يقول: علام تقاتلني، وأنت تعلم أنه لا يقاتلك؟ وواقع أبو مسلم عبد االله بن علي بنصيبين، وفرق جمعه، فهرب عبد االله، وأمر أبو مسلم ألا يعترضه أحد، فصار إلى البصرة إلى أخيه سليمان بن علي، وكان عامل البصرة، فلم يزل مختفيا ً عنده. وبعث أبو جعفر برسل يحصون ما حصل في يد أبي مسلم من الخزائن والأموال، منهم: إسحاق بن مسلم العقيلي، ويقطين بن موسى، ومحمد بن عمرو النصيبي التغلبي، فغضب أبو مسلم، وقال أؤتمن على الدماء ،ولا أؤتمن على الأموال، وشتم يقطين بن موسى، فقال يقطين لما رأى ما داخله عليه: امرأتي طالق ثلاثا ً إن كان أمير المؤمنين وجهني إليك إلا مهنئا ً بالفتح، فاستخف بإسحاق بن مسلم، ومحمد بن عمرو ،وشتمهما، وتناول أبا جعفر بلسانه حتى ذكر أمه وقال: ويلي على ابن سلامة فانصرف القوم إلى أبي جعفر فأخبروه الخبر فزاد ذلك فيما في قلبه عليه وولى هشام بن عمرو العقيلي مكان أبي مسلم فانصرف أبو مسلم وأقبل يريد خراسان مغاضبا لأبي جعفر فمر بالمدائن وأبو جعفر نازل برومية وبينه وبينه فرسخان فلم يلقه ونفذ لوجهه حتى جاز حلوان فاتبعه أبو جعفر بعيسى بن موسى وجرير بن عبد االله البجلي ونفر معهما من الشيعة فلحقوه فعظموا عليه الخطب وقالوا له: إن الأمر لم يبلغ حيث تظن فشاور مالك بن الهيثم وكان خليفته وقال: ما ترى قال: أرى أن تصير إلى خراسان فتستعتب الرجل منها وتكتب إليه منها سمعك وطاعتك فإذا فعلت ذلك لم يلحقك لوم وإلا فهو آخر عهدك بالدنيا إن وقعت عينه عليك. فما زال رسل أبي جعفر حتى فتلوه عن رأيه وأقبل نحو العراق فلما جاز عقبة حلوان قال لمالك بن الهيثم: ما الرأي قال: الرأي تركته وراء العقبة. فقال: إني واالله لا أقتل إلا بأرض الروم. وقدم على أبي جعفر وهو نازل برومية في المضارب فقال له: كدت أن تنفذ قبل أن أفضي إليك بما أحتاج إليه. فمكث يختلف إليه أياما ً ثم أتاه يوما ً وقد هيأ له أبو جعفر عثمان بن يك وكان على حرسه في عدة وهم: شبيب بن واج وأبو حنيفة وتقدم إلى عثمان فقال: إذا علا صوتي وصفقت بيدي فاقتلوا العبد. ودخل أبو مسلم فاجلس في الحجرة وقيل له: أمير المؤمنين على شغل. فجلس مليا ً ثم أذن له وقيل له: انزع سيفك! فقال: ولم قيل: وما عليك فلم يزالوا به حتى نزع سيفه ثم دخل وليس في البيت إلا وسادة فجلس عليها ثم قال: يا أمير المؤمنين فعل بي ما لم يفعل بأحد أخذ سيفي عن عاتقي قال: ومن فعل بك هذا قبحه االله فأقبل أبو مسلم يتكلم فقال له: يا ابن اللخناء إنك لمستعظم غير العظيم ألست الكاتب إلى تبدأ باسمك على اسمي ألست الذي كتبت إلى تخطب عمتي آمنة بنت علي وتزعم أنك من ولد سليط بن عبد االله ألست الفاعل كذا والفاعل كذا وجعل يعد عليه أمورا ً فلما رأى أبو مسلم ما قد دخله قال: يا أمير المؤمنين إن قدري أصغر من أن يدخلك كل ما أرى. فعلا صوت أبي جعفر وصفق بيديه فخرج القوم فضربوه بأسيافهم فصاح: أوه ألا مغيث ألا ناصر وهم يضربونه حتى قتلوه فلما قتل قال أبو جعفر: اشرب بكأس كنت تسقى بها أمر في فيك من العلقمكنت حسبت الدين لا يقتضي كذبت واالله أبا مجرم وكفن في مسح وصير في جانب المضرب وقيل لأصحابه: اجتمعوا فإن أمير المؤمنين قد أمر أن ينثر عليكم الدراهم ونثرت عليهم بدرة دراهم فلما أكبوا يلتقطوا طرح عليهم رأس أبي مسلم فلما نظروا إليه أسقط ما في أيديهم وعرم ضعضعة وكان ذلك في شعبان سنة 137 وخرج قوم من أصحاب أبي مسلم إلى خراسان فصاروا إلى سنباذ وسنباذ بنيسابور فلما بلغه قتل أبي مسلم أظهر المعصية وخرج يطلب بدمه حتى اضطرب خراسان فوجه أبو جعفر جهور بن مرار فلقي سنباذ فواقعه فقتله وفرق جمعه. وبلغ أبا جعفر مكان عبد االله بن علي عند سليمان بن علي وهو إذ ذاك عامل البصرة فوجه إلى سليمان فأنكر أن يكون عنده ثم طلب الأمان فكتبه له أبو جعفر على نسخة وضعها ابن المقفع بأغلظ العهود والمواثيق ألا يناله بمكروه وألا يحتال عليه في ذلك بحيلة وكان في الأمان: فإن أنا فعلت أو دسست فالمسلمون براء من بيعتي وفي حل من الأيمان والعهود التي أخذا عليهم فلما وقف أبو جعفر على هذا قال: من كتبه؟ قيل: ابن المقفع فكان ذلك سببا ً لميتة ابن المقفع. وقدم سليمان بن علي من البصرة حتى أخذ الأمان وشخص من البصرة ومعه عيسى بن علي فظهر ما عبد االله بن علي فقدما به على أبي جعفر يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة 137 وهو بالحيرة فأقام في مترل عيسى بن علي وحبسه عند عيسى بن موسى وهو ولي عهد ثم سأله عنه فأخبره أنه قد توفي فوجه إلى عيسى بن علي وإسماعيل وعبد الصمد ابني علي فأحضرهم وجماعة من بني هاشم وقال لهم: إني كنت دفعت عبد االله بن علي إلى عيسى بن موسى وأمرته أن يحتفظ به وأن يكرمه ويبره وقد سألته عنه فذكر أنه قد مات فأنكرت تستير خبر موته عني وعنكم فقال القوم: يا أمير المؤمنين إن عيسى قتله ولو كان عبد االله مات حتف أنفه ما ترك أن يعلمك ويعلمنا موته فجمع بينه وبينهم فطالبوه بدمه وقال له: ايت على ما ذكرت من عبد االله ببينة عادلة وإلا أقدتك منه وأحضر الناس لذلك فلما رأى عيسى تحقيق الأمر عليه قال: أؤخر إلى العشي فأخر فحضر بالعشي وحضر عبد االله بن علي معه وقال: إنما أردت بما قلت الراحة من حراسته مخافة أن يناله شيء فيقال لي مثل هذا وقد سلمته صحيحا ً سويا ً فقال أبو جعفر: بل أردت أن تعرف ما عندنا فإذا احتملناك فعلت ذلك فأمر أبو جعفر فبنى له بيت في الدار وقال: يكون نصب عيني ثم أجرى في أساس ذلك البيت الماء فسقط عليه فمات. وأراد أبو جعفر أن يزيد في المسجد الحرام وشكا الناس ضيقه وكتب إلى زياد بن عبيد االله الحارثي أن يشتري المنازل التي تلي المسجد حتى يزيد فيه ضعفه فامتنع الناس من البيع فذكر ذلك لجعفر بن محمد فقال: سلهم أهم نزلوا على البيت أم البيت نزل عليهم؟ فكتب بذلك إلى زياد فقال لهم زياد بن عبيد االله ذلك فقالوا: نزلنا عليه فقال جعفر بن محمد: فإن للبيت فناءه فكتب أبو جعفر إلى زياد دم المنازل التي تليه فهدمت المنازل وأدخلت عامة دار الندوة فيه حتى زاد فيه ضعفه وكانت الزيادة مما يلي دار الندوة وناحية باب بني جمح ولم يكن مما يلي الصفا والوادي فكان البيت في جانبه وكان ابتداء الأمر به في سنة 138 وفرغ سنة 140. وبنى مسجد الخيف بمنى وصيره على ما هو عليه من السعة ولم يكن ا قبل ذلك وحج أبو جعفر سنة 140 لينظر ما زيد في المسجد الحرام وقد كان بلغه أن محمد بن عبد االله بن حسن بن حسن تحرك فلما قدم المدينة طلبه فلم يظفر به فأخذ عبد االله بن حسن بن حسن وجماعة من أهل بيته فأوثقهم في الحديد وحملهم على الإبل بغير وطاء وقال لعبد االله: دلني على ابنك وإلا واالله قتلتك فقال عبد االله: واالله لامتحنت بأشد مما امتحن االله به خليله إبراهيم وإن بليتي لأعظم من بليته لأن االله عز وجل أمره أن يذبح ابنه وكان ذلك الله عز وجل طاعة فقال: إن هذا لهو البلاء العظيم وأنت تريد مني أن أدلك على ابني لتقتله وقتله الله سخط. وقال أبو جعفر: يا ابن اللخناء فقال: وإنك لتقول هذا؟ ليت شعري أي الفواطم لخنت يا ابن سلامة؟ أ فاطمة بنت الحسين أم فاطمة بنت رسول االله صلى االله عليه وسلم أم جدتي فاطمة بنت أسد بن هاشم جدة أبي أم فاطمة ابنة عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم جدة جدتي؟ قال: ولا واحدة من هؤلاء وحمله. وانصرف أبو جعفر على طريق الشام فأتى بيت المقدس ثم صار إلى الجزيرة فترل خارج الرقة وقد كان منصور بن جعونة الكلابي وثب ا فأسر فأحضره فضرب عنقه ثم صار إلى الحيرة فحبس عبد االله بن حسن بن حسن وأهل بيته فلم يزالوا في الحبس حتى ماتوا وقد قيل: إم وجدوا مسمرين في الحيطان. وحدثني أبو عمرو عبد الرحمن بن السكن عن رجل من آل عبد االله: أن محمد بن عبد االله بن حسن بن حسن كتب إلى أبيه لما بلغه شدة ما يلقى من الحبس يستأذنه أن يظهر حتى يضع يده في أيديهم فأرسل إليه عبد االله: إن ظهورك يا بني يقتلك ولا يحييني فأقم بمكانك حتى يرتاح االله بفرج وأخذ أبو جعفر في بناء الرافقة وكان ابتداؤها في أيام أبي العباس وقال: أما أنا فلست أنزلها فقيل له: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: كان أبي صار إلى هشام وهو بالرصافة فجفاه وناله منه ما يكره ثم انصرف وأنا وأخي معه فلما صار إلى هذا الموضع قال لي ولأخي: أما إنه سيبني أحدكما في هذا الموضع مدينة فقلت له: ثم ما ذا؟ فقال: لا يترلها لكن يترلها ابنه وأنا أعلم أني لا أنزلها ولكن يترلها ابني محمد يعني المهدي. وولي أبو جعفر عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي خراسان فاستخلف على الشرطة أخاه عمر بن عبد الرحمن وقتل المغيرة بن سليمان ومجاشع بن حريث وقصد لشيعة بني هاشم فقتل منهم مقتلة عظيمة وجعل يتبعهم ويمثل م فكتب إليه أبو جعفر يحلف له ليقتلنه فخلع سنة 141 فوجه إليه أبو جعفر بالمهدي فصار المهدي إلى الري واستعمل على خراسان أسيد بن عبد االله الخزاعي ووجه معه بالجيوش فلقي عبد الجبار بمرو فهزم عسكره وهرب عبد الجبار فاتبعه فأسره وبعث به إلى أبي جعفر فوافاه وهو بقصر ابن هبيرة من بغداد على مرحلة فقال له عبد الجبار لما وافاه: يا أمير المؤمنين قتله كريمة فقال: تركتها وراءك يا ابن اللخناء وقدمه فضرب عنقه وصلبه فأقام على الخشبة أياما ً ثم جاء أخوه عبيد االله بن عبد الرحمن ليلا ً فأنزله ودفنه فبلغ أبا جعفر ذلك فقال: دعوه إلى النار. وولى أبو جعفر أرمينية يزيد بن أسيد السلمي وولى آذربيجان يزيد ابن حاتم المهلبي فنقل اليمانية من البصرة إليها وكان أول من نقلهم وأنزل الرواد بن المثنى الأزدي تبريز إلى البذ وأنزل مر بن على الطائي نريز... الهمداني الميانج وفرق قبائل اليمن فلم يكن باذربيجان من نزار أحد إلا الصفر بن الليث العتبي وابن عمه البعيث بن حلبس. وتحركت الخزر بناحية أرمينية ووثبوا بيزيد بن أسيد السلمي فكتب إلى أبي جعفر يعلمه أن رأس طرخان ملك الخزر قد أقبل إليه في خلق عظيم وأن خليفته قد ازم فوجه إليه أبو جعفر جبريل بن يحيى البجلي في عشرين ألفا ً من أهل الشام وأهل الجزيرة وأهل الموصل فواقع الخزر فقتل خلق من المسلمين وازم جبريل ويزيد بن أسيد حتى أتيا خرس فلما انتهى الخبر إلى أبي جعفر بما نال وظهور الخزر ودخولهم بلاد الإسلام أخرج سبعة آلاف من أهل السجون وبعث فجمع من كل بلد خلقا ً عظيما ً ووجه م وبفعله وبنائين فبنى مدينة كمخ ومدينة المحمدية ومدينة باب واق وعدة مدن جعلها ردا للمسلمين وأنزلها المقاتلة فردوا الحرب فحارم قومهم وقوي المسلمون بتلك المدن وأقام بالبلد ساكنا ً. ثم تحركت الصنارية بأرمينية فوجه أبو جعفر الحسن بن قحطبة عاملا ً على أرمينية فحارم فلم يكن له م قوة فكتب إلى أبي جعفر بخبرهم وكثرم فوجه إليه عامر بن إسماعيل الحارثي في عشرين ألفا ً فلقي الصنارية فقاتلهم قتالا ً شديدا ً وأقام أياما ً يحارم ثم رزقهم االله الظفر عليهم فقتل منهم في يوم واحد ستة عشر ألف إنسان ثم انصرف إلى تفليس فقتل من كان معه من الأسرى ووجه في طلب الصنارية حيث كانوا ثم ولى أبو جعفر أرمينية واضحا مولاه فلم يزل عليها وعلى آذربيجان خلافة أبي جعفر كلها ووثب أهل طبرستان وأظهروا الخلع والمعصية وزحفوا في جيوش عظيمة فوجه إليهم المهدي خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلبي فهزموا جيوشهم وفتحت طبرستان سنة 142. وخرج أبو جعفر في هذه السنة إلى البصرة يريد الحج فلما صار بالجسر الكبير أتاه الخبر بأن أهل اليمن قد أظهروا المعصية وأن عبد االله بن الربيع عامل اليمن قد هرب ممن وثب عليه وضعف عنهم وأن عيينة بن موسى ابن كعب التميمي عامل السند قد عصى وأظهر الخلع فوجه بمعن بن زائدة الشيباني إلى اليمن وعمر بن حفص بن عثمان بن أبي صفرة إلى السند وانصرف أبو جعفر من البصرة ولم يحج. وقدم معن بن زائدة اليمن فقتل من ا قتلا ً فاحشا ً وأقام ا تسع سنين وكان موسى بن كعب التميمي لما انصرف عن بلاد السند خلف ابنه عيينة بن موسى فخالف عليه قوم ممن كان معه من ربيعة واليمن فقتل عامتهم وأظهروا المعصية فوجه أبو جعفر عمر بن حفص هزارمرد إلى السند فلم يسلم عيينة ومنعه من الدخول فأقام بالديبل وكان معه عقبة بن مسلم وحاربه عمر بن حفص وكان أصحاب عيينة يستأمنون إلى عمر فطلب عيينة الصلح فصالحه وأخرجه مع رسله وبعث به إلى المنصور. وأقام عمر بن حفص بالمنصورة ومضى عيينة مع رسله حتى إذا كان في بعض الطريق هرب من الرسل ومضى يريد سجستان حتى دنا من الرخج فضربه قوم من اليمانية فقتلوه وذهبوا برأسه إلى المنصور. وأقام عمر بن حفص بالسند سنتين ثم عزله أبو جعفر وولى هشام بن عمرو التغلبي فصار إلى المنصورة فأقام ا ووجه إلى ناحية الهند بجيش فغنموا وأصابوا رقيقا وقيل لهشام: إن المنصورة لا تحملك والملتان بلاد واسعة ومنها معرى فسار إليها فاستخلف على المنصورة أخاه بسطام بن عمرو فلما قرب من الملتان خرج صاحبها إليه في خلق ليرده والتقيا فكانت بينهما وقعة عظيمة ثم ازم صاحب الملتان وظفر هشام ونزل المدينة وسبى سبيا ً كثيرا ً ثم عمل السفن وحملها على ر السند حتى القندهار ففتحها وسبى وهدم البد وبنى موضعه مسجدا ً ثم قدم إلى المنصور بما لم يقدم به أحد من السند فلم يقم بالعراق إلا قليلا ً حتى مات فولى المنصور معبد بن الخليل التميمي فكان محمودا ً في البلد. وصار أبو جعفر إلى بغداد سنة 144 فقال: ما رأيت موضعا أصلح لبناء مدينة من هذا الموضع بين دجلة والفرات وشريعة البصرة والأبلة وفارس وما والاها والموصل والجزيرة والشام ومصر والمغرب ومدرجة الجبل وخراسان فاختط مدينته المعروفة بمدينة أبي جعفر في الجانب الغربي من دجلة وجعل لها أربعة أبواب بابا سماه باب خراسان شرع على دجلة وبابا سماه باب البصرة شرع على الصراة التي تأخذ من الفرات وتصل إلى دجلة وبابا سماه باب الكوفة وبابا سماه باب الشام وعلى كل باب من هذه الأبواب مجالس وقباب مذهبة يصعد إليها على الخيل وجعل عرض السور من سفل سبعين ذراعا ً وضرب على سائر بغداد سورا ً وجد في البناء وأحضر المهندسين والبنائين والفعلة من كل بلد وأقطع مواليه وقواده القطائع داخل المدينة فدروب المدينة تنسب إليهم وأخذهم بالبناء وأقطع آخرين على أبواب المدينة وأقطع الجند أرباض المدينة وأقطع أهل بيته الأطراف وأقطع ابنه المهدي وجماعة من أهل بيته ومواليه وقواده. وشخص المهدي من خراسان منصرفا ً إلى العراق في هذه السنة وهي سنة 144 فخرج أبو جعفر لاستقباله بنهاوند وقدم فصار إلى الكوفة فترل الحيرة والمدينة التي بناها المنصور وسماها الهاشمية فأقام المهدي أياما ً ثم ابتنى بريطة بنت أبي العباس بالحيرة. وبلغ المنصور أن محمد بن عبد االله بن حسن بن حسن قد تحرك بالمدينة فكاتبه أهل البلدان فخرج حاجا ولم يدخل المدينة في منصرفه وصار إلى الربذة فأتي بجماعة من العلويين ومعهم محمد بن عبد االله بن عمرو بن عثمان وهو أخو عبد االله بن حسن لأمه فسألهم عن محمد بن عبد االله بن حسن بن حسن فقالوا: ما نعلم له موضعا ولا نعرف له خبرا ً فقال لمحمد بن عبد االله بن عمرو بن عثمان: أقطعتك ووصلتك وفعلت وفعلت ولم أؤاخذك بذنوب أهل بيتك ثم تستميل على عدوي وتطوي أمره عني ثم أمر به فضرب ضربا ً شديدا ً وطيف به بالربذة على حمار وأشخص القوم جميعا ً على أقتاب بغير وطاء. وانصرف أبو جعفر من حجه فصار إلى بغداد ونزل مدينته المعروفة بباب الذهب سنة 145 وكانت الأسواق داخل المدينة فأخرجها إلى الكرخ ولم يقر أبو جعفر إلا أياما ً حتى أتاه الخبر بخروج محمد بن عبد االله بن حسن بن حسن وظهور أمره فرجع إلى الكوفة فأقام بقصر ابن هبيرة بين الكوفة وبغداد أياما ً وولي رياح بن عثمان بن حيان المري المدينة وقال: ما وجدت لهم غيرك ولا أعلم لهم سواك فلما قدم رياح المدينة قام على المنبر فخطب خطبة له مشهورة يقول فيها: يا أهل المدينة أنا الأفعى ابن الأفعى ابن عثمان بن حيان وابن عم مسلم بن عقبة المبيد خضراكم المفني رجالكم واالله لأدعها بلقعا ً لا ينبح فيها كلب. فوثب عليه قوم منهم وكلموه وقالوا: واالله يا ابن الود حدين لتكفن أو لنكفنك عن أنفسنا فكتب إلى أبي جعفر يخبره بسوء طاعة أهل المدينة فأرسل أبو جعفر إلى رياح رسولا ً وكتب معه كتابا ً إلى أهل المدينة يأمره أن يقرأه عليهم وكان في الكتاب: أما بعد يا أهل المدينة فإن واليكم كتب إلي يذكر غشكم وخلافكم وسوء رأيكم واستمالتكم على بيعة أمير المؤمنين وأمير المؤمنين يقسم باالله لئن لم تترعوا ليبدلنكم بعد امنكم خوفا وليقطعن البر والبحر عنكم وليبعثن عليكم رجالا ً غلاظ الأكباد بعاد الأرحام بنو قعر بيوتكم يفعلون ما يؤمرون والسلام. فصعد رياح المنبر وقرأ الكتاب فلما بلغ: يذكر غشكم صاحوا من كل جانب: كذبت يا ابن الود حدين ورموه بالحصى وبادر المقصورة فأغلقها فدخل دار مروان ودخل عليه أيوب بن سلمة بن عبد االله بن الوليد المخزومي فقال: أصلح االله الأمير إنما يصنع هذا رعاع الناس فاقطع أيديهم وأجلد ظهورهم فقال له بعض من حضر من بني هاشم: لا نرى هذا ولكن أرسل إلى وجوه الناس وغيرهم من أهل المدينة فاقرأ عليهم كتاب المنصور فجمعهم وقرأ عليهم كتاب المنصور فوثب حفص بن عمر بن عبد االله بن عوف الزهري وأبو عبيدة بن عبد الرحمن بن الأزهر هذا من ناحية وهذا من ناحية فقالا لرياح: كذبت واالله ما أمرتنا فعصيناك ولا دعوتنا فخالفناك ثم قالا للرسول: أتبلغ أمير المؤمنين عنا قال: ما جئت إلا لذلك قالا: فقل له: أما قولك إنك تبدل المدينة وأهلها بالأمن خوفا ً فإن االله عز وجل وعدنا غير هذا قال االله عز وجل: وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ً يعبدونني لا يشركون بي شيئا ً فنحن نعبده لا نشرك به شيئا ً. وظهر محمد بن عبد االله بن حسن بن حسن بالمدينة مستهل رجب سنة 145 فاجتمع معه خلق عظيم وأتته كتب أهل البلدان ووفودهم فأخذ رياح ابن عثمان المري عامل أبي جعفر فأوثقه بالحديد وحبسه وتوجه إبراهيم ابن عبد االله بن حسن بن حسن إلى البصرة وقد اجتمع جماعة فأقام مستترا وهو يكاتب الناس ويدعوهم إلى طاعته فلما بلغ أبا جعفر أراد الخروج إلى المدينة ثم خاف أن يدع العراق مع ما بلغه من أمر إبراهيم فوجه عيسى بن موسى الهاشمي ومعه حميد بن قحطبة الطائي في جيش عظيم فصار إلى المدينة وخرج محمد إليه في أصحابه فقاتلهم في شهر رمضان ومضى أصحابه إلى الحبس فقتل رياح بن عثمان. وكانت أسماء ابنة عبد االله بن عبيد االله بن العباس بالمدينة وكانت معادية لمحمد بن عبد االله فوجهت بخمار أسود قد جعلته على قصبة مع مولى لها حتى نصبه على مئذنة المسجد ووجهت بمولى لها يقال له مجيب العامري إلى عسكر محمد فصاح: الهزيمة الهزيمة قد دخل المسودة المدينة فلما رأى الناس العلم الأسود وازموا وأقام محمد يقاتل حتى قتل. فلما قتل محمد بن عبد االله بن حسن وجه عيسى بن موسى كثير بن الحصين العبدي إلى المدينة فدخلها فتتبع أصحاب محمد فقتلهم وانصرف إلى العراق وكان إبراهيم بن عبد االله قصد إلى الكوفة وهو لا يشك أن أهل الكوفة يثبون معه بأبي جعفر فلما صار بالكوفة لم يجد ناصرا ً وبلغ أبا جعفر خبره فوضع الأرصاد والحرس بكل موضع فرام الخروج فلم يقدر فعلم أنه قد أخطأ فأعمل الحيلة وكان مع إبراهيم رجل يقال له سفيان بن يزيد العمي فصار إلى أبي جعفر فقال له: يا أمير المؤمنين تؤمنني وأدلك على إبراهيم بعد أن أدفعه إليك فقال: أنت آمن وأين هو قال: بالبصرة فوجه معي برجل تثق به وحملني على دواب البريد واكتب إلى عامل البصرة حتى أدله عليه فيقبض عليه فوجه معه بأبي سويد صاحب طاقات أبي سويد ببغداد في باب الشام فخرج ومعه غلام عليه جبة صوف وعلى عنقه سفرة فيها طعام حتى ركب البريد معه أبو سويد وذلك الغلام فلما صار إلى البصرة قال سفيان لأبي سويد انتظرني حتى أعرف خبر الرجل ومضى فلم يعد وكان الغلام الذي عليه الجبة الصوف إبراهيم بن عبد االله بن حسن بن حسن فلما أبطأ صار أبو سويد إلى سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب وكان عامل الناحية فقال له: أين الرجل قال: لا أدري فكتب إلى أبي جعفر فعلم أنه إبراهيم وأا حيلة. وخرج إبراهيم بن عبد االله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب بالبصرة وقد بايع أهلها وكان خروجه في أول شهر رمضان فقصد دار الإمارة والأمير سفيان بن معاوية المهلبي فتحصن منه في القصر ثم طلب الأمان فأمنه إبراهيم فخرج سفيان بن معاوية وأسلم البلد فقبض إبراهيم على بيت المال وغيره. وكان في البلد جعفر ومحمد ابنا سليمان بن علي فخرجا إلى ميسان فأقاما هناك متحصنين في خندق ووجه إبراهيم بن عبد االله إلى الأهواز المغيرة بن الفزع السعدي فأخرج محمد بن الحصين عاملها وغلب على البلد ووجه يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب إلى فارس فدخلها وأخرج عنها إسماعيل بن علي ووجه هارون ابن سعد العجلي إلى واسط واستولى على ما حولها ووجه برد بن لبيد اليشكري إلى كسكر فغلب عليها. وخرج إبراهيم من البصرة واستخلف نميلة بن مرة الأسعدي وكان قد أحصى ديوانه فكانوا ستين ألفا ً فخرج من البصرة في أول ذي القعدة فأخذ على كسكر يقصد المنصور وكان أبو جعفر قد كتب إلى عيسى بن موسى يأمره بسرعة القدوم فلما وصله قال له: يا أبا موسى أنت أولى بالفتح من جعفر ومحمد ابني سليمان فأنفذ ليكمل االله الظفر على يديك فخرج في ثمانية عشر ألفا ً من الجند وشيعة أبي جعفر وكتب إلى جعفر ومحمد ابني سليمان ابن علي أن يصيرا معه. وزحف إبراهيم حتى صار إلى قرية يقال لها باخمرا وصار عيسى بن موسى إلى قرية يقال لها سحا ً وقدم حميد بن قحطبة الطائي للقتال والتحمت الحرب وكانت أشد حرب والدائرة على عيسى بن موسى حتى شك الناس في علو إبراهيم وظفره ثم إن سلم بن قتيبة الباهلي خرج على أصحاب إبراهيم من ناحية بخيل فتوهموا كمينا فازموا وبقي إبراهيم في أربعمائة من الزيدية يحارب أشد محاربة وكان إبراهيم يدعو إلى أخيه محمد فلما قتل محمد دعا إلى نفسه. وحدثني رجل من القحطانية قال: أخبرني... قال: رأيت إبراهيم في اليوم الذي واقعه عيسى على بغلة دهماء وسديف بن ميمون آخذ بثفر بغلته وهو يقول: خذها أبا إسحاق مليتها في سيرة ترضى وعمر طويل وظهر إبراهيم ظهورا ً شديدا ً حتى هزم العسكر مرة بعد أخرى وزحف حتى قرب من الكوفة وحتى دعا أبو جعفر بنجائبه ليصير إلى بغداد وكان العلو في إبراهيم حتى أنه لم يشك أنه يدخل الكوفة. وكان أبو جعفر لا ينام في تلك الليالي وحمل إليه امرأتان فاطمة بنت محمد الطلحية وأم الكريم بنت عبد االله من ولد خالد بن أسيد فوجه ما إلى بغداد ولم يكشف لهما كشفا ً. ولما أن هزم أصحاب إبراهيم قام يحارب أشد حرب في أربعمائة من أصحابه إلى أن قتل وأخذ رأسه فوجه به إلى أبي جعفر وهو بالكوفة فوضع بين يديه وأذن للناس فجعلوا يدخلون فينالون من إبراهيم وأخيه وأهله حتى دخل جعفر بن حنظلة البهراني فقال: أعظم االله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك وغفر له ما فرط فيه من حقك فسر بذلك أبو جعفر وقال: أبا خالد مرحبا ً وأهلا ً هاهنا فعلم الناس أنه قد سرته مقالته فقالوا مثل قوله. وأتاه الحسن بن زيد فعرض عليه الرأس فلما رآه استنقع لونه وتغير وجهه فقال: واالله يا أمير المؤمنين لقد قتلته صواما قواما ً وما كنت أحب أن تبوء بإثمه فقال له رجل من أهله: كأنك تزري على أمير المؤمنين في قتله فقال: كأنك أردت مني أن أكذب عليه وقد صار إلى االله فقال أبو جعفر: واالله ما كنت أنتظر إلا أن يدخل صاحبك من ذلك الباب فأدعو بك فأضرب عنقك واخرج من الباب الآخر فقال له: أو كنت أسبقك إلى ذلك. وانصرف أبو جعفر بعد قتل إبراهيم بن عبد االله بن حسن بن حسن بثلاثة أشهر فترل مدينة بغداد نزول مستوطن في شهر ربيع الأول سنة 146 وكان ذلك من شهور العجم في تموز وأشخص المهدي إلى خراسان عاملا ً عليها ومعه وجوه الجند والصحابة فاجتمع قواد خراسان إلى أبي جعفر وذكروا له فعال المهدي في نبل أخلاقه ومدحوه وسألوه أن يصير إليه تولية العهد من بعده فكتب إلى عيسى بن موسى وهو بالكوفة يعلمه ما قد وقع بقلوب أهل خراسان وغيرهم من هذا الأمر وكان عيسى بن موسى يقول: إن له ولاية العهد بعد أبي جعفر فلما ورد عليه كتاب أبي جعفر بما اجتمع عليه القواد وأهل خراسان من تصيير ولاية العهد من بعده للمهدي وأشار عليه بأن يسبق إلى ذلك كتب إليه عيسى يعظم عليه هذا الأمر ويذكر له ما في نكث العهود ونقض الأيمان وأنه لا يأمن أن يفعل الناس هذا في بيعته وبيعة ابنه وجرت بينهما مراسلات. وقدم عيسى بغداد فوثب به الجند يوما ً بعد يوم وصاروا إلى بابه حتى خاف على نفسه فلما رأى ذلك رضي وسلم فبايع المنصور بولاية العهد لابنه المهدي سنة 147 ولم يبق أحد إلا دخل في البيعة وجعل لعيسى ولاية العهد بعد المهدي والمهدي يومئذ بخراسان وأتته كتب أبيه بالبيعة له فبايع من معه من القواد وأهل خراسان جميعا ً خلا باذغيس فإنه خالف ا استاذسيس فادعى النبوة وصحبه على ذلك خلق كثير فوجه إليه المهدي خازم بن خزيمة التميمي فحاربه ففض جموعه فأسره وحمله إلى أبي جعفر إلى بغداد فقتله وفي هذه السنة كان انقضاض الكواكب. وفاة أبي عبد االله جعفر بن محمد وآدابه وتوفي أبو عبد االله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر بالمدينة سنة 148 وله ست وستون سنة وكان أفضل الناس وأعلمهم بدين االله وكان من أهل العلم الذين سمعوا منه إذا رووا عنه قالوا: أخبرنا العالم. قال سفيان: سمعت جعفرا ً يقول: الوقوف عند كل شبهة خير من الاقتحام في الهلكة وترك حديث لم نروه أفضل من روايتك حديثا ً لم تحصه إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا ً فما وافق كتاب االله فخذوه وما خالفه فدعوه. وقال جعفر: ثلاثة يجب لهم الرحمة: غني افتقر وعزيز قوم ذل وعالم تلاعب به الجهال. وقال: من أخرجه االله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه االله بغير مال وأعزه االله بغير عشيرة ومن خاف االله أخاف االله منه كل شيء ومن لم يخف االله أخافه االله من كل شيء ومن رضي من االله باليسير من الرزق رضي منه باليسير من العمل ومن لم يستح من طلب الحلال خفت مؤونته ونعم أهله ومن زهد في الدنيا أثبت االله الحكمة في قلبه فأطلق لسانه من أمور الدنيا دائها ودوائها وأخرجه منها سالما ً. وروي أنه قال لما نزلت على رسول االله: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم الآية قال: ومن لم يتعز بعزاء رسول االله صلى االله عليه وسلم تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ومن اتبع طرفة ما في أيدي الناس طال همه ولم يشف غيظه ومن لم ير االله عليه نعمة إلا في كل مأكل ومشرب فقد قصر عمره ودنا عذابه وقال: ما أنعم االله على عبد نعمة فعرفها بقلبه وشكرها بلسانه إلا ما أعطي خير مما أخذ. وقال: إن مما ناجى االله عز وجل به موسى: يا موسى لا تنسني على حال ولا تفرح بكثرة المال فإن نسياني يميت القلب وعند كثرة المال تكثر الذنوب يا موسى كل زمان يأتي بالشدة بعد الشدة وبالرخاء بعد الرخاء والملك بعد الملك وملكي قائم لا يزول ولا يخفى على شيء في الأرض ولا في السماء وكيف يخفى على ما كان ابتداؤه مني وكيف لا تكون همتك فيما عندي وأنت ترجع لا محالة إلي. وقال: خلتان من لزمهما دخل الجنة فقيل: وما هما قال: احتمال ما تكره إذا أحبه االله وترك ما تحب إذا كرهه االله فقيل له: من يطيق ذلك فقال: من هرب من النار إلى الجنة. وقال: فعل المعروف يمنع ميتة السوء والصدقة تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر وقول لا حول ولا قوة إلا باالله كتر من كنوز الجنة. وقال: ما توسل إلي أحد بوسيلة ولا تذرع بذريعة هي أحب إلي ولا أقرب مني من يد أسلفته إياها أتبع ا أختها لأحسن ريها وحفظها إذا كان منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل وما سمحت نفسي برد بكر من الحوائج وقال: أوحى االله إلى موسى بن عمران: أدخل يدك في فم التنين إلى المرفق فهو خير لك من مسألة من لم يكن للمسألة بمكان. وقال: لا تخالطن من الناس خمسة: الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك والكذاب فإن كلامه كالسراب يقرب منك البعيد ويباعد منك القريب والفاسق فإنه يبيعك بأكلة أو شربه والبخيل فإنه يخذلك أحوج ما تكون إليه والجبان فإنه يسلمك ويتسلم الدية. وقال: المؤمنون يألفون ويؤلفون ويغشى رحلهم. وقال: من غضب عليك ثلاث مرات فلم يقل فيك سوءا ً فاتخذه لك خلا ً ومن أراد أن تصفو له مودة أخيه فلا يمارينه ولا يمازجنه ولا يعده ميعادا ً فيخلفه. وكان لجعفر بن محمد من الولد إسماعيل وعبد االله ومحمد وموسى وعلي والعباس. قال إسماعيل بن علي بن عبد االله بن عباس: دخلت على أبي جعفر المنصور يوما ً وقد اخضلت لحيته بالدموع فقال لي: ما علمت ما نزل بأهلك فقلت: وما ذلك يا أمير المؤمنين قال: فإن سيدهم وعالمهم وبقية الأخيار منهم توفي فقلت: ومن هو يا أمير المؤمنين قال: جعفر بن محمد فقلت: أعظم االله أجر أمير المؤمنين وأطال لنا بقاءه فقال لي: إن جعفرا ً كان ممن قال االله فيه: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا وكان ممن اصطفى االله وكان من السابقين بالخيرات. وكان إسماعيل بن علي من خيار بني هاشم وأفاضلهم ولاه أبو جعفر المنصور فارس وقد خرج مهلهل الحروري ا فلقيه في جمع فقتله وهزم عسكره وأسر من أصحابه أربعمائة وكان عبد الصمد أخوه معه فقال: أصلح االله الأمير اضرب أعناقهم فقال له إسماعيل بن علي: إن أول من علم قتال أهل القبلة علي بن أبي طالب ولم يكن يقتل أسيرا ً ولا يتبع منهزما ً ولا يجهز على جريح. وكان صالح بن علي بن عبد االله بن عباس يتولى لأبي جعفر قنسرين والعواصم فبلغه كثرة عدده ومواليه فخافه فكتب إليه في القدوم عليه فكتب: أنه شديد العلة فلم يقبل ذلك وكان قد سل فصار إلى بغداد فلما رآه أبو جعفر صرفه ولم يأمر له بصلة ولا بر فقال: إن أمير المؤمنين يئس مني ففعل هذا بي واالله يحيى العظام وهي رميم فلما صار إلى عانات من كور الفرات مات وكان نظير أبي جعفر في السن. وولي أبو جعفر أهل بيته البلدان فولى إسماعيل بن علي فارس وسليمان ابن علي البصرة وعيسى بن موسى الكوفة وصالح بن علي قنسرين والعواصم والعباس بن محمد الجزيرة وعبد االله بن صالح حمص والفضل بن صالح دمشق ومحمد بن إبراهيم الأردن وعبد الوهاب بن إبراهيم فلسطين والسري بن عبد االله بن تمام بن العباس بن عبد المطلب مكة وجعفر بن سليمان المدينة ويحيى بن محمد الموصل ثم صرفه وولي ابنه جعفرا ً وصير معه هشام بن عمرو. وكان عماله من العرب يزيد بن حاتم المهلبي ومحمد بن الأشعث الخزاعي وزياد بن عبيد االله الحارثي ومعن بن زائدة الشيباني وخازم بن خزيمة التميمي وعقبة بن سلم الهنائي ويزيد بن أسيد السلمي وروح بن حاتم المهلبي والمسيب بن زهير الضبي وعمر بن حفص المهلبي والحسن بن قحطبة الطائي وسلم بن قتيبة الباهلي وجعفر بن حنظلة البهراني والربيع بن زياد الحارثي وهشام بن عمرو التغلبي فكان ينقل هؤلاء في أعماله لثقته م واعتماده عليهم وكان عماله من مواليه: عمارة بن حمزة ومرزوقا أبا الخصيب وواضحا ومنارة والعلاء ورزينا وغزوان وعطية وصاعدا ً ومريدا ً وأسدا ً والربيع. وكتب المنصور إلى معن بن زائدة الشيباني وهو على اليمن سنة 151 أن يقدم فاستخلف ابنه زائدة على اليمن وقدم على أبي جعفر وكان معن قد أسن فقال له أبو جعفر: كبرت سنك يا معن قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين قال وإنك لتتجلد قال على أعدائك قال وإن فيك لبقية قال هي لك فأنفذه إلى خراسان والمهدي ا فانصرف المهدي وأقام معن لقتال من هناك من الخوارج حتى قتل منهم خلقا عظيما وأفناهم فلما رأوا ام لا قوة لهم بمحاربته استعملوا الحيلة وكان يبني دارا له ببست فدخل بعضهم في هيئة البنائين ثم صيروا السيوف في طنان القصب فأقاموا أياما فلما توسطوا الدار أخرجوا السيوف ثم حملوا عليه وهو في رداء فقتلوه فتجرد يزيد بن مزيد ابن أخيه فقتل من الخوارج خلقا ً عظيما ً حتى جرت دماؤهم كالنهر ثم شخص إلى بغداد واتبعه الشراة وكان يركب في موكب ضخم من موالي عمه وعشيرته فلم يظفروا له بغرة حتى صار على الجسر ببغداد فشدوا عليه فترجل فقتل منهم خلقا ً عظيما ً وضربوه ضربات بالسيوف وكانت وقعة جليلة وقتل من الخوارج قتالا ً عظيما ً وأمن الناس فلا يعلم أن الخوارج دخلت قط بغداد ظاهرا ً فقتلت أحدا ً إلا ذلك اليوم وأقام زائدة بن معن بن زائدة خليفة أبيه باليمن حتى قتل أبوه واستعمل المنصور مكانه الحجاج بن منصور ثم صرفه فاستعمل مكانه يزيد بن منصور. وخالف أهل اليمامة والبحرين سنة 152 وقتلوا أبا الساج عامل أبي جعفر عليهم فوجه عليهم عقبة بن سلم الهنائي فقتل من ا من ربيعة مجازاة لما فعل معن باليمن وقال لو كان معن على فرس جواد وأنا على حمار أعرج لسبقته إلى النار وسبى العرب والموالي. وقدم على عقبة رسول ببشارة من عند المنصور فقال له عقبة ما عندي مال فأعطيك إلا أنني أعطيك ما قيمته خمسمائة ألف درهم قال وما ذاك قال أدفع إليك خمسين رجلا ً من ربيعة فتنطلق م فإذا صرفت إلى البصرة أظهرت أنك تريد ضرب أعناقهم وصلبهم على أبواب أعداء أمير المؤمنين فإنك لا تشير إلى أحد إلا افتدى منك بعشرة آلاف درهم قال قد رضيت فدفعهم إليه فقدم م البصرة ووقف م في المربد وأظهر أنه يريد ضرب أعناقهم وصلبهم فاجتمع الناس حتى كادت تكون فتنة وسوار ابن عبد االله قاضي البصرة يومئذ فأرسل إلى الرسول فأحضره ثم وجه فحبس القوم وقال تمسك عنهم حتى آمرك وكتب إلى المنصور بخبرهم وعظم عليه الخطب منهم وكتب إليه أنه قد عفا عنهم وجزاه الخير. وقتل إلياس بن حبيب الفهري عامل إفريقية فولى أبو جعفر حبيب بن عبد الرحمن بن حبيب ابن أخي إلياس فأقام ا مدة ووثب رجل يقال له عاصم بن جميل الإباضي فقتله وكثرت الإباضية بإفريقية وولت عليهم أبا الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري فاستفحل أمره وغلب على البلد فولى أبو جعفر محمد بن الأشعث الخزاعي فقدم طرابلس وزحف إليه أبو الخطاب من القيروان فحاربه فقتله محمد بن الأشعث ووجه برأسه إلى أبي جعفر. وصار محمد بن الأشعث إلى القيروان فلم يقم إلا يسيرا حتى خرج عليه هاشم بن أشتاخنج الخراساني وضافره من بالبلد من الجند وأهل خراسان فأخرجوه عن البلد وولوا عليهم رجلا ً يقال له عيسى بن موسى الخراساني وانصرف ابن الأشعث إلى العراق. وكتب أبو جعفر إلى الأغلب بن سالم التميمي بولاية البلد فوثب أهل إفريقية فنحوا الأغلب بن سالم وولوا الحسن بن حرب فلما بلغ أبا جعفر الخبر كره اضطراب البلد وكتب إلى الحسن بن حرب بولاية البلد فلما سكن البلد ولي عمر بن حفص المهلبي هزارمرد فقدم البلد فلم يقم إلا يسيرا ً حتى وثب به يعقوب بن تميم الكندي المعروف بأبي حاتم ومعه أهل البلد فحاصره بالقيروان فلم يزل محاصرا ً حتى قتل سنة 153 وغلب على البلد أبو حاتم يعقوب بن تميم الإباضي. وولى أبو جعفر يزيد بن حاتم المهلبي المغرب سنة 154 وخرج يشيعه حتى أتى بيت المقدس فأمره بالنفوذ وانصرف أبو جعفر فاستنفر الشامات والجزيرة وقدم يزيد بن حاتم مصر فأقام ا يسيرا ً ثم شخص إلى إفريقية فصار إلى طرابلس في خلق عظيم وزحف إليه أبو حاتم الإباضي فالتقيا بطرابلس فقاتله وقامت الحرب بينهما أياما ً فقتل أبو حاتم وخلق عظيم من أصحابه وقدم يزيد بن حاتم القيروان سنة 155ونادى في الناس جميعا ً بالأمان ولم يزل مقيما ً على البلد خلافة أبي جعفر وخلافة المهدي وخلافة موسى وبعض خلافة الرشيد. وتحرك أهل الطالقان فوجه إليهم عمر بن العلاء ففتح الطالقان ودنباوند وديلمان وسبى من الديلم سبايا كثيرة ثم صار إلى طبرستان فلم يزل مقيما ً ا خلافة المنصور. ووجه المنصور الليث مولى أمير المؤمنين إلى فرغانة وملكها يومئذ فتران بن افراكفون ومترله مدينة يقال لها كاشغر فحارم محاربة شديدة حتى طلب ملك فرغانة الصلح فصالحهم على مال كثير وأوفد ملك فرغانة رجلا ً من أصحابه يقال له باتيجور فعرض عليه الإسلام فأبى فلم يزل محبوسا ً إلى أيام المهدي وقال لا أخون الملك الذي وجهني. وبنى أبو جعفر مدينة المصيصة وكانت حصنا صغيرا قيل إن عبد االله ابن عبد الملك بن مروان كان بناه وكانت الروم تطرقهم في كل وقت فتستبيح ذلك الموضع فبنى عليها السور وجعل عليها الخندق وأسكنها المقاتلة وحمل إليها أهل المحابس وكان الذي تولى بناءها العباس بن محمد وصالح بن علي وأخذ أبو جعفر أموال الناس حتى ما ترك عند أحد فضلا ً وكان مبلغ ما أخذ لهم ثمانمائة ألف ألف درهم وكان يقول لأهل بيته إني لأجهل موضعي حتى أحذر منكم لأنه ما فيكم إلا عم وأخ وابن عم وابن أخ فأنا أراعيكم ببصري واهتم بكم بنفسي فاالله االله في أنفسكم فصونوا وفي أموالكم فاحتفظوا ا وإياكم والإسراف فيوشك أن تصيروا من ولد ولدي إلى من لا يعرف الرجل حتى يقول له من أنت؟ وكان يقول الملوك ثلاثة فمعاوية وكفاه زيادة وعبد الملك وكفاه حجاجه وأنا ولا كافي لي. وكان يقول من قل ماله قل رجاله ومن قل رجاله قوي عليه عدوه ومن قوي عليه عدوه اتضع ملكه ومن اتضع ملكه استبيح حماه. وقال يوما ً لأصحابه إن هذا الملك أفضى إلي وأنا حنيك السن قد حلبت هذا الدهر أشطره وزاحمت المشاة في الأسواق وشاهدم في المواسم وغازيتهم في المغازي فو االله ما أحب أن أزداد م خبرا على أني أحب أن أعلم ما أحدثوا بعدي منذ تواريت عنهم ذه الجدارات وتشاغلت عنهم بأمورهم مع إني واالله ما لمت نفسي أن أكون قد أذكيت العيون عليهم حتى أتتني أخبارهم وهم في منازلهم. وحدثني بعض أشياخنا قال إن أبا جعفر يوما ً ليخطب ويذكر االله إذ قام إليه رجل فقال أذكرك من تذكر يا أمير المؤمنين به فقال سمعا ً سمعا ً لمن قبل عن االله وذكر به وأعوذ باالله أن تأخذني العزة بالإثم لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين وأنت أيها القائل ما االله أردت ا وإنما أردت أن يقال قام وقال وعوقب فصبر وأهون بقائلها لو هممت فاهتبلها ويلك إذ غفرت وإياك وإياكم أيها الناس وأختها فإن الحكمة علينا نزلت ومن عندنا فصلت وردوا الأمر إلى أهله تصدروه كما أوردوه ثم عاد إلى الموضع من الخطبة. وحج أبو جعفر في خلافته خمس حجج سنة 140 و141 و147 و152 و158 فلم يتم الحج وهلك في أول العشر فأقام الحج إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي. وقال أبو جعفر لما حضرته الوفاة لمواليه إني كنت رأيت في المنام قبل أن يفضي هذا الأمر إلينا كانا في المسجد الحرام إذ خرج النبي صلى االله عليه وسلم من البيت ومعه لواء فقال أين عبد االله فقمت أنا وأخي وعمي فسبقنا أخي يعني أبا العباس فأخذ اللواء فخطا به خطوات أحصيها وأعدها ثم سقط وسقط اللواء من يده فأخذه رسول االله صلى االله عليه وسلم ثم رجع إلى موضعه فقال أين عبد االله فقمت أنا وعمي فزحمت عمي فألقيته وتقدمت فأخذت اللواء فخطوت به خطوات أحصيها وأعدها ثم سقطت وسقط اللواء من يدي وقد انقضت تلك الخطأ وأنا ميت في يومي. ومات لثلاث خلون من ذي الحجة سنة 158 وهو ابن 68 سنة ودفن ببئر ميمون وصلى عليه ابنه صالح فكانت ولايته 22 سنة وخلف من الولد الذكور ستة محمدا ً المهدي وأمه أم موسى بنت منصور الحميريه وصالحا ويعقوب وأمهما الطلحية... وكان ابنه جعفر الأكبر قد توفي في حياته وأمه أم موسى بنت منصور الحميريه. وكان الغالب عليه أبو أيوب الخوزي وكان أبو أيوب كاتبا ً لسليمان ابن حبيب المهلبي الذي كان أبو جعفر عامله في أيام بني أمية فعتب على أبي جعفر فأمر بضربه وحبسه فتخلصه أبو أيوب فحفظ ذلك له فاستوزره ثم سخط عليه وقتله واستصفى ماله وقتله سنة 154 ولم يعرف أن أحدا ً غلب عليه بعد وكان له سمار منهم هشام بن عمرو التغلبي وعبد االله بن الربيع الحارثي وإسحاق بن مسلم العقيلي والحارث بن عبد الرحمن الحرشي وكان أول من ولي القضاة الأمصار من قبله وكان يوليهم أصحاب المعاون وكان قضاته عثمان بن عمر التميمي ويحيى بن سعيد الأنصاري ثم عبد االله بن صفوان الجمحي وعلى الكوفة شريك بن عبد االله النخعي وعلى البصرة عمر بن عامر السلمي ثم سوار بن عبد االله العنبري وعلى مصر عبد االله بن لهيعة الحضرمي وعلى شرطة عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي إلى أن عزله وولاه خراسان واستعمل أخاه عمر بن عبد الرحمن ثم عزله لما عصى أخوه وفتك به واستعمل موسى بن كعب التميمي ثم المسيب ابن زهير الضبي وكان في أول أمره خليفة موسى بن كعب ثم مات موسى وكان كعب بن مالك على حرسه ثم عثمان بن يك ثم استعمل مكانه أبا العباس الطوسي وكان حاجبه عيسى بن روضة مولاه ثم حجبه الربيع مولاه وغلب على أكثر أموره. وأقام الحج للناس في أيامه في سنة 136 إسماعيل بن علي وقيل أبو جعفر وكان معه أبو مسلم سنة 137 إسماعيل بن علي سنة 138 فضل بن صالح ابن علي سنة 139 وهو عام الخصب العباس بن محمد بن علي سنة 140 أبو جعفر المنصور سنة 141 صالح بن علي وهو على دمشق وحمص وقنسرين سنة 142 إسماعيل بن علي سنة 143 عيسى بن موسى بن محمد ابن علي سنة 144 أبو جعفر المنصور سنة 145 السري بن عبد االله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب سنة 146 عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي سنة 147 أبو جعفر المنصور سنة 148 جعفر ابنه سنة 149 محمد بن إبراهيم بن علي سنة 150 عبد الصمد بن علي سنة 151 محمد بن إبراهيم سنة 152 أبو جعفر المنصور سنة 153 المهدي وهو ولي عهد أبيه سنة 154 محمد بن إبراهيم سنة 155 عبد الصمد بن علي سنة 156 العباس بن محمد سنة 157 إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي سنة 158 خرج أبو جعفر يريد الحج فمات وأقام الحج إبراهيم. وغزا بالناس في أيامه سنة 138 صالح بن علي على جند الشام والعباس بن محمد بن علي على خراسان ولم يغز بلاد الروم منذ غزا الغمر بن يزيد في سنة 152 إلى هذه الغاية وأقام صالح بن علي واليا على الشام والثغور وهو يغزي بلاد الروم أمراء من قبله عليهم ابنه الفضل بن صالح وغيره سنة 142 العباس بن محمد سنة 143 العباس أيضا ً سنة 145 حميد بن قحطبة سنة 146 محمد بن إبراهيم سنة 147 السري بن عبد االله بن الحارث سنة 148 الفضل بن صالح سنة 149 يزيد بن أسيد سنة 155 يزيد بن أسيد سنة 157 زفر بن عاصم الهلالي. وكان الفقهاء في زمانه يحيى بن سعيد الأنصاري محمد بن عبد الرحمن بن أبي طوالة هشام بن عروة بن الزبير محمد بن عمر بن علقمة موسى ابن عبيدة بن أبي صعصعة ربيعة الرأي وهو ابن أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عثمان بن الأسود حنظلة بن أبي سفيان عبد الملك بن جريج عبد العزيز بن أبي الرواد إبراهيم بن يزيد محمد يزيد الأتدي أبا سار البشاري واسمه هرار بن مرة سليمان بن مهران الكاهلي الحسن بن عبد االله النخعي أبا حيان يحيى بن سعيد التيمي مجالد بن سعيد محمد بن السائب الكلبي الأجلح بن عبد االله الكندي البرا بن أبي زائدة الهمداني يونس بن أبي إسحاق السبيعي الحسن بن عمر الفقيمي محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى الحجاج بن أرطأة أبا حنيفة النعمان بن ثابت محمد بن عبد االله العرزمي الحسن بن عمارة مسعر بن كدام أبا حمزة الثمالي سفيان بن سعيد الثوري عبد الجبار بن عباس الهمداني يحيى بن سلمة بن كهيل عبد االله بن عون المزني خالد بن مهران أبا المعتمر سليمان التيمي عمرو بن عبيد سوار بن عبد االله أبا الأشهب العطاردي حميد الطويل شعبة بن الحجاج العبدي حماد بن سلمة حماد بن زيد عبد االله بن محرر عمرو بن قيس الكندي الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو غالب بن عبد االله العقيلي. أيام المهدي وهو محمد بن عبد االله المنصور وأمه أم موسى بنت منصور بن عبد االله بن ذي سهم بن يزيد الحميري وبويع في اليوم الذي توفي فيه المنصور وأخذ الربيع له البيعة بمكة على من حضر من الهاشميين والقواد وكان صالح بن المنصور حاضرا وموسى بن المهدي فأنفذ إليه الخبر مع منارة مولى أبي جعفر ووصيته فسار منارة اثني عشر يوما ً إلى بغداد والمهدي ا فأحضر القواد والهاشميين والصحابة فبايعوا. وكانت الشمس يومئذ في الميزان أربعا وعشرين درجة وخمسين دقيقة والقمر في الجوزاء عشرين درجة وخمسين دقيقة وزحل في الميزان ثماني عشرة درجة وخمسين دقيقة والمشتري في الجدي سبع عشرة درجة وأربعين دقيقة والمريخ في الجوزاء خمس درجات وأربعين دقيقة راجعا والزهرة في الميزان خمسا ً وعشرين درجة وأربعين دقيقة وعطارد في العقرب ثماني عشرة درجة وعشر دقائق والرأس في الثور تسع درجات وعشر دقائق. وقرأ المهدي وصية أبي جعفر وكانت نسختها بسم االله الرحمن الرحيم هذا ما عهد عبد االله أمير المؤمنين إلى المهدي محمد ابن أمير المؤمنين ولي عهد المسلمين حين أسند وصيته إليه بعده واستخلفه على الرعية من المسلمين وأهل الذمة وحرم االله وخزائنه وأرضه التي يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين إن أمير المؤمنين يوصيك بتقوى االله في البلاد والعمل بطاعته في العباد ويحذرك الحسرة والندامة والفضيحة في القيامة قبل حلول الموت وعاقبة الفوت حين تقول رب لو لا أخرتني إلى أجل قريب هيهات أين منك المهل وقد انقضى عنك الأجل وتقول رب ارجعني لعلي أعمل صالحا ً فحينئذ ينقطع عنك أهلك ويحل بك عملك فترى ما قدمته يداك وسعت فيه قدماك ونطق به لسانك واستركبت عليه جوارحك ولحظت له عينك وانطوى عليه غيبك فتجزي عليه الجزاء الأوفى إن شرا فشرا وإن خيرا ً فخيرا ً فلتكن تقوى االله من شأنك وطاعته من بالك استعن باالله على دينك وتقرب به إلى ربك ونفسك فخذ منها ولا تجعلها للهوى ولن تعمل الشر قامعا فليس أحد أكثر وزرا ً ولا أعز إثما ً ولا أعظم مصيبة ولا أجل رزيئة منك لتكاثف ذنوبك وتضاعف أعمالك إذ قلدك االله الرعية تحكم فيهم بمثل الذرة فيقتضون منك أجمعون وتكافي على أفعال ولاتك الظالمين فإن االله يقول إنك ميت وإم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فكأني بك وقد أوقفت بين يدي الجبار وخذلك الأنصار وأسلمك الأعوان وطوقت الخطايا وقرنت بك الذنوب وحل بك الوجل وقعد بك الفشل وكلت حجتك وقلت حيلتك وأخذت منك الحقوق وأقتاد منك المخلوق في يوم شديد هوله عظيم كربه تشخص فيه الأبصار لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع فما عسيت أن يكون حالك يومئذ إذا خاصمك الخلق واستقضى عليك الحق إذ لا خاصة تنجيك ولا قرابة تحميك تطلب فيه التباعة ولا تقبل فيه الشفاعة ويعمل فيه بالعدل ويقضي فيه بالفضل قال االله لا ظلم اليوم إن االله سريع الحساب فعليك بالتشمير لدينك والاجتهاد لنفسك فافكك عنقك وبادر يومك واحذر غدك واتق دنياك فإا دنيا غادرة موبقة ولتصدق الله نيتك وتعظم إليه فاقتك وليتسع إنصافك وينبسط عدلك ويؤمن ظلمك وواس بين الرعية في الاحتكام واطلب بجهدك رضي الرحمن وأهل الدين فليكونوا أعضادك وأعط حظ المسلمين من أموالهم ووفر لهم فيأهم وتابع أعطيام عليهم وعجل بنفقام إليهم سنة سنة وشهرا شهرا ً وعليك بعمارة البلاد بتخفيف الخراج واستصلح الناس بالسيرة الحسنة والسياسة الجميلة وليكن أهم أمورك إليك تحفظ أطرافك وسد ثغورك وإكماش بعوثك وارغب إلى االله عز وجل في الجهاد والمحاماة عن دينه وإهلاك عدوه بما يفتح االله على المسلمين ويمكن لهم في الدين وابذل في ذلك مهجتك ونجدتك ومالك وتفقد جيوشك ليلك وارك واعرف مراكز خيلك ومواطن رحلك وباالله فليكن عصمتك وحولك وقوتك وعليه فليكن ثقتك واقتدارك وتوكلك فإنه يكفيك ويغنيك وينصرك وكفى به مؤيدا ً ونصيرا ً وأمره بعد ذلك بأمور يطول الكتاب ا فاقتصرنا على صدر الوصية. وأظهر جزعا ً شديدا ً على المنصور ووردت الوفود عليه يعزونه فجعل كل قوم يقولون بما أمكنهم حتى دخل شبيب بن شيبة فعزاه ثم قال يا أمير المؤمنين إن االله لم يرض لك إذ قسم لك الدنيا إلا بأسناها وأرفعها فلا ترض لنفسك من الآخرة إلا بمثل ما رضي االله لك من الدنيا وعليك بتقوى االله فإا عليكم نزلت ومنكم أخذت وإليكم ردت. وقدم الربيع مستهل المحرم ومعه مفاتيح الخزائن فجلس المهدي للناس في النصف من المحرم وأمر الربيع فأحضر دفتر القبوض ووجه إلى كل من كان أبو جعفر قبض شيئا ً من ماله فأحضره وأقبل عليهم فقال إن أمير المؤمنين المنصور كان بما حمله االله من أموركم وقلده من رعايتكم يدبر عليكم كما يدبر الوالد البر على ولده وكان أنظر لكم منكم لأنفسكم وكان يحفظ عليكم ما لا تحفظون على أنفسكم فحرس لكم من أموالكم ما لم يأمن ذهابه وهذه أموالكم مبارك لكم فيها فخللوا أمير المؤمنين من إبطائها عنكم ثم أمر بإخراج من في المحابس من الطالبيين وغيرهم من سائر الناس فأطلقهم وأمر لهم بجوائز وصلات وأرزاق داره ثم أطلق سائر الناس ولم يطلق أحدا ً إلا وكساه ووصله على قدره حتى بلغ إلى عبد االله بن مروان وكان في الحبس من أيام أبي العباس فأمر بتخلية سبيله وأعطاه عشرة آلاف درهم فقال له عيسى بن علي إن في أعناقنا بيعة له وقد كان هذا الرجل ولي عهد أبيه وأنت أعلم وقد كان وهب لكاتبي جوهرا ً قيمته ثلاثون ألفا ً. وكان سبب الجوهر الذي ذكره عيسى أن امرأة عبد االله بن مروان وهي أم يزيد قدمت الكوفة رجاء أن تجد من تكلمه في زوجها وقيل لها لو كلمت عيسى بن علي فجاءت إلى كاتبه عباس بن يعقوب فكلمته ووهبت له جوهرا ً كان بقي عندها وسألته أن يكلم عيسى فيتكلم فيه فأخذ الجوهر ولم يكلمه فقال عبد االله بن الربيع الحارثي لما فعل المهدي ما فعل من رد الأموال وإطلاق المحبسين وأمن الخائفين وصلات المعدمين سمعت المنصور يقول للمهدي لما ودعه عند خروجه إلى مكة إني تركت الناس ثلاثة أصناف فقيرا ً لا يرجو إلا غناك وخائفا ً لا يرجو إلا أمنك ومسجونا لا يرجو الفرج إلا منك فإذا وليت فأذقهم طعم الرفاهية لا تمدد لهم كل المد. ودخل الحارث بن عبد الرحمن إلى المهدي فذكر ما حضر من أمر المنصور ومكر الربيع وقال لقد رأيت من تدبيره ما لا يهتدي إليه أحد قال وما ذاك قال لما توفي المنصور صير الربيع صالحا أخاك في صدر الس وقدمه على جميع من حضر فلما دفن قدم ابنك موسى وقال لأخيك كنت أولى بالتقدم لغيبة أخيك المهدي فلما صار أبوك تحت الأرض وولي الأمر أبو هذا كان أولى بالتقدم منك فقال المهدي إن ساس الملك أحد فليسسه مثل الربيع. وخلع المهدي عيسى بن موسى من ولاية العهد واشترى ذلك بعشرة آلاف ألف درهم وبايع لابنه موسى بولاية العهد من بعده سنة 159 ثم بايع لابنه هارون بولاية العهد بعد موسى. وحج المهدي سنة 160 فجرد الكعبة وكساها القباطي والخز والديباج وطلى جدراا بالمسك والعنبر من أعلاها إلى أسفلها وكانت الكعبة في جانب المسجد لم تكن متوسطة فهدم حيطان المسجد الحرام وزاد فيه زيادات واشترى من الناس دورهم ومنازلهم وأحضر الصناع والمهندسين من كل بلد وكتب إلى واضح مولاه وعامله على مصر في حمل الأموال إلى مكة واتخاذ الآلات وما يحتاج إليه من الذهب والفسيفساء وسلاسل القناديل والخروج ا حتى يسلمها إلى يقطين بن موسى ومحمد بن عبد الرحمن وصير الكعبة في الموسط وزاد مما يلي الكعبة إلى باب الصفا تسعين ذراعا ومن الكعبة إلى باب بني شيبة ستين ذراعا وصير ذرعه مكسرا مائة ألف ذراع وعشرين ألف ذراع وطول المسجد من باب بني جمح إلى باب بني هاشم إلى العلم الأخضر أربعمائة ذراع وأربع أذرع وفيه من الأساطين مما حمل في البحر من مصر أربعمائة وأربع وثمانون أسطوانة طول كل أسطوانة عشر أذرع وصير فيه أربع مائة طاق وثمانية وتسعين طاقا ً وجعل في المسجد الأبواب ثلاثة وعشرين بابا ً فكان المهدي آخر من زاد في المسجد الحرام وبنى العلمين اللذين يسعى بينهما وبين الصفا والمروة وبينهما من الذرع مائة واثنتا عشرة ذراعا ً فصار بين الصفا والمروة لما أخرج المسجد إلى الموضع الذي هو فيه الساعة سبعمائة وأربع وخمسون ذراعا ً ووسع المسجد الذي لرسول االله وزاد فيه مثل ما كان عليه وحمل إليه عمد الرخام والفسيفساء والذهب ورفع سقفه وألبس خارج القبر الرخام. وبنى الثغر المعروف بالحدث سنة 163 وكان فيه دفع للعدو وتسديد وذلك أن الروم أغاروا على مرعش فسبوا وقتلوا خلقا فلما بنى المهدي الحدث عظم ارتفاق أهل الثغور به وأغزى هارون ابنه في هذه السنة ومعه جماعة من القواد والجند وخرج يشيعه إلى جيحان ففتح هارون في تلك الغزاة سمالو وعدة حصون ثم أغزاه سنة 164 فبلغ إلى القسطنطينية فطلب منه الروم الصلح فصالحهم وانصرف. وعزل عقبة بن سلم الهنائي عن اليمامة والبحرين لما بلغه من قتله ما قتل من ربيعة وقال لا يراني االله أبوء بإثمه ولا أرضي فعله فلما قدم عقبة بن سلم لقيه الحسن بن قحطبة وقال له يا عقبة أدخلت نفسك النار فقال ما أنصفتنى يا أبا الحسن أدخلت نفسي النار لأنفي عنك العار. وقدم غلام من أهل اليمامة من ربيعة كان عقبة بن سلم قتل أباه وعمه وخالين له وخمسة إخوة فوقف له على باب المهدي فلما جاز عقبة في موكبه ضربه بسكين مسمومة فقتله وأخذ الغلام إلى المهدي فسأله عن قصته فقصها عليه فأراد تخليته فتكلم القواد وقالوا واالله ما فيه درك من عقبة ولكنه إن ترك وثب كل يوم كلب من الكلاب على قائد فقتله فأمر المهدي بضرب عنقه. واضطربت خراسان وتحركت السغد وفرغانة وخرج يوسف البرم وهو رجل من موالي ثقيف ببخارى يدعو الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فاتبعه على ذلك خلق من الناس فحارب السلطان وخرج أحمد بن أسد إلى فرغانة ففتح حتى وصل إلى كاسان وهي المدينة التي يترلها الملك وكان يزيد بن مزيد الشيباني يحارب يحيى الشاري فكتب إليه المهدي أن ينكفئ فيمن معه إلى يوسف البرم فلقيه فكانت بينهما وقعات عدة ثم هزمه يزيد فرفع علما أحمر وأمن من يصير تحته فصار أصحاب يوسف كلهم تحته وأسر يوسف فحمله إلى المهدي فلما دخل إليه كلمه بكلام غليظ فشتمه المهدي فقال لبئس ما أدبك أهلك فضرب عنقه وصلبه. وكتب إلى عمر بن العلاء وكان بطبرستان أن يصير إلى جرجان فيخرج من ا من المحمرة بعد أن يدعوهم إلى الطاعة فصار إلى جرجان ففرق جمع المحمرة وقتل عبد القاهر وفض الجمع. ووجه المهدي رسلا ً إلى الملوك يدعوهم إلى الطاعة فدخل أكثرهم في طاعته فكان منهم ملك كابل شاه يقال له حنحل وملك طبرستان الإصبهبذ وملك السغد الإخشيد وملك طخارستان شروين وملك باميان الشير وملك فرغانة فرنران وملك أسروشنه أفشين وملك الخرلخية جيغويه وملك سجستان رتبيل وملك الترك طرخان وملك التبت حهورن وملك السند الرأي وملك الصين بغبور وملك الهند وأبراح وهو فور وملك التغزغز خاقان. واستعمل المهدي روح بن حاتم المهلبي على السند فقدمها والزط قد تحركوا ا فلم يقم إلا يسيرا ً حتى عزل وولي نصر بن محمد بن الأشعث الخزاعي ثم ضمت السند إلى محمد بن سليمان بن علي الهاشمي واستعمل عليها عبد الملك بن شهاب المسمعي فولى أقل من عشرين يوما ً وردت السند إلى نصر بن محمد بن الأشعث الخزاعي ثم استعمل المهدي الزبير بن العباس من ولد قثم بن العباس بن عبد المطلب ولم يبلغ البلد فاستعمل المهدي بمصبح ابن عمرو التغلبي وكانت العصبية بالسند أول ما وقعت فاستعمل ليث بن طريف مولاه فقدم المنصورة فأقام ا شهرا ً والزط قد كثروا فجرد عليهم السيف فأفناهم. وشخص المهدي إلى البصرة سنة 165 يريد الحج فخبر بقلة الماء في الطريق فأقام وبلغه أن أمر السند قد اضطرب فوجه إلى الليث بجيش من البصرة وسار راجعا ً إلى بغداد. وخرج يريد الشام وعسكر بالبردان فأتاه الخبر بوفاة عيسى بن علي بن عبد االله بن عباس فانصرف إلى بغداد حتى حضر جنازته ومشى فيها ثم رجع إلى معسكره. وخرج حتى صار إلى الثغر ثم صار إلى بيت المقدس فأقام أياما ً وانصرف فلما صار بجند قنسرين لقيته تنوخ بالهدايا وقالوا نحن أخوالك يا أمير المؤمنين فقال من هؤلاء قيل تنوخ حي ينتمي إلى قضاعة ووصف له حالهم وكثرة عددهم وقيل له إم كلهم نصارى فقال لا أرضاكم أنتم إلى خؤولتي وارتد منهم رجل فضرب عنقه فخافوا فثبتوا على الإسلام. وتوفي عيسى بن موسى سنة 167 فولى المهدي ابنه موسى بن عيسى الكوفة وما كان إلى أبيه من الأعمال. وتوفي يزيد بن منصور الحميري خال المهدي وكان عامل أبي جعفر على اليمن فاستعمل المهدي مكانه رجاء بن سلام بن روح بن زنباع الجذامي ثم ولي علي بن سليمان بن علي وهو الذي كتب إليه في إشخاص الغطريف ابن عطاء أخي الخيزران أم موسى وهارون ابنيه وكان الغطريف غلاما ً لرجل من أهل جرش فأعتقه وكان يؤاجر نفسه بنطر كروم فبعث إلى عامله على جرش في حملة فوجده في كرم عليه جبة صوف فكساه وحباه وحمله إلى المهدي فرفع مترله ثم صرف عليا ً وولي عبد االله بن سليمان ثم صرفه وولي منصور بن يزيد بن منصور الحميري ثم صرفه وولي عبد االله بن سليمان بن علي وصرفه وولي سليمان بن يزيد الحارثي ثم عبد االله بن محمد بن إبراهيم الزينبي وهو ابن بنت سليمان ثم إبراهيم بن سليمان العبدي ثم الغطريف بن عطاء خال موسى وهارون ثم الربيع بن عبد االله الحارثي. وأمر المهدي بجباية أسواق بغداد وجعل عليها الأجرة وجعل سعيد الحرشي بذلك فكان أول ما جبيت أسواق بغداد للمهدي فيقال إنه قام إليه رجل فقال عندي نصيحة يا أمير المؤمنين فقال لمن نصيحتك هذه لنا أم للعامة أم لنفسك قال لك يا أمير المؤمنين قال ليس الساعي أعظم عورة ولا أفحش لؤما من قابل سعايته ولن تخلو من أن تكون حاسد نعمه فلا نشفي غيظك أو عدوا فلا نعاقب لك عدوك ثم أقبل على الناس فقال لأعلمن ما تنصح لنا متنصح إلا بما الله فيه رضي وللمسلمين صلاح فإنما لنا الأبدان وليس لنا القلوب من استتر عنا لم نكشفه ومن أبدانا طلبنا توبته ومن أخطأ علينا أقلناه عثرته إني أرى التأديب بالصفح أبلغ منه بالعقوبة والسلامة مع العفو أكثر منها مع العاجلة والقلوب لا تبقى لوال لا يعطف إذا استعطف ولا يعفو إذا قدر ولا يغفر إذا ظفر ولا يرحم إذا استرحم من قلت رحمته واشتدت سطوته وجب مقته وكثر مبغضوه. وكان المهدي قد ألح في طلب الزنادقة وقتلهم حتى قتل خلقا كثيرا ً فبلغه أن صالح بن أبي عبيد االله كاتبه زنديق فأحضره فلما صح عنده أمره استتابه فقال لا رغبة عما أنا عليه ولا حاجة في غيره فأمر المهدي أبا عبيد االله أباه أن يقوم فيضرب عنقه فقام فأخذ السيف ثم دنا من ابنه فلما رفعه رجع فقال يا أمير المؤمنين إني قمت سامعا ً مطيعا ً وأنه أدركني ما يدرك الرجل في ولده فأمره فجلس ثم أمر بضرب عنقه بين يديه ثم أملى عليه كتابا ً وهو ينظر إلى ابنه مقتولا ً ثم قال إن كنت كرهت قتل عدو الله كافر به فأبعدك االله فلما قام أبو عبيد االله قال بعض الجلساء ما أحسب هذا يطيب قلبه أبدا فقال كذلك واالله أظنه وإنه لقريب من ابنه ثم كانت السخطة عليه وصير مكانه يعقوب بن داود وأتى بصالح بن عبد القدوس فاستتابه فتاب فلما خرج من عنده ذكر له قوله: والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يواري في ثرى رمسه قال وإنك لتقول هذا فرده فضرب عنقه ولم يستتبه ووثب أهل الحوف بمصر سنة 168 فخرج إليهم موسى بن مصعب وكان العامل ا فقاتلهم قتالا ً شديدا ً وكان صاحب علمه هاشم بن عبد الرحمن ابن معاوية بن حديج السكوني فنكس العلم وازم ومال أهل الخوف على موسى بن مصعب فقتلوه فولى المهدي الفضل بن صالح الهاشمي فلم يرد البلد إلا بعد وفاة المهدي. وكان الغالب على المهدي صدر خلافته معاوية بن عبد االله المعروف بأبي عبيد االله مولى الأشعريين ثم وقف منه على خيانة وصير مكانه يعقوب بن داود وكان يعقوب جميل المذهب ميمون النقيبة محبا ً للخير كثير الفضل حسن الهدى ثم عزله وسخط عليه فحبسه فلم يزل محبوسا ً حتى مات المهدي وصير مكانه محمد بن الليث صاحب البلاغة. وكان علي بن يقطين والحسن بن راشد يغلبان على أموره وكان على شرطته نصر بن مالك ثم مات نصر فولى أخاه حمزة بن مالك ثم عزله وولي عبد االله بن مالك وكان على حرسه محمد بن إبراهيم ثم عزله واستعمل مكانه أبا العباس الطوسي وكان حاجبه الربيع مولاه وكان قضاته ابن علاثة العقيلي وعافية بن يزيد الأزدي وعلى الكوفة شريك بن عبد االله وعلى البصرة عبيد االله بن الحسن العنبري وعلى المدينة عبد االله بن محمد بن عمران التيمي وكان أول قاض قضى ا من قبل خليفة وعلى مصر عبد االله بن لهيعة الحضرمي ثم استعمل ابن اليسع الكندي من أهل الكوفة ثم غوث بن سليمان الحضرمي من أهل مصر ثم المفضل بن فضالة القتباني. وأصاب الناس في آخر سنة 168 ودخول سنة 169 وباء وموت كثير وظلمة وتراب أحمر كانوا يجدونه في فرشهم وعلى وجوههم. وخرج المهدي من بغداد لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة 169 إلى الجبل فترل قرية يقال لها الرذ من أرض ماسبذان وخرج يتصيد فأقام سائر يومه يطرد واتبعت الكلاب ظبيا ً وأمعن في الطلب واقتحم الظبي باب خربة ومرت الكلاب واقتحم به الفرس في أثره فصدمه باب الخربة وحمل إلى مضاربه فتوفي لثمان بقين من المحرم سنة 169 وهو ابن ثمان وأربعين. وحكي أنه أصبح ذات يوم فقال لعلي بن يقطين ولجماعة جلسائه أصبحت اليوم جائعا فأتي بخبز ولحم بارد فأكله وأكل القوم معه ثم قال إني داخل هذا البهو فنائم فيه فلا تنبهوني حتى انتبه فدخل فنام ونام القوم في الرواق فما راعهم إلا بكاؤه فتبادروا إليه وسألوه عن حاله فقال أرأيتم ما رأيت قالوا ما رأينا شيئا ً قال رأيت شيخا ً لو رأيته بين مائة ألف لعرفته وهو آخذ بعضادة البهو وهو يقول: وأوحش منه ركنه ومنازله كأني بهذا القصر قد باد أهله وملك إلى قبر علته جنادله وصار عميد القصر من بعد بهجة

تنادى عليه معولات حلائله فلم يبق إلا ذكره وحديثه فلم يلبث بعد ذلك إلا عشرة أيام حتى توفي وكانت خلافته عشر سنين وشهرا واثنين وعشرين يوما ً وصلى عليه ابنه علي بن ريطة ودفن بالرذ وخلف من الولد الذكور ثمانية موسى وهارون وعليا وعبيد االله وإسحاق ويعقوب وإبراهيم ومنصورا ً. وأقام الحج للناس في أيامه سنة 159 يزيد بن منصور الحميري سنة 160 المهدي وأمر بالتوسعة في المسجد الحرام ومسجد رسول االله صلى االله عليه وسلم سنة 161 موسى ابن المهدي سنة 162 إبراهيم بن جعفر بن أبي جعفر سنة 163 علي بن المهدي وأمه ريطة بنت أبي العباس سنة 164 خرج المهدي يريد الحج فسار من الكوفة أربع مراحل ومعه خلق عظيم فعطش الناس وبلغه قلة الماء في الطريق فرجع من العقبة وحج بالناس صالح بن أبي جعفر سنة 165 صالح بن أبي جعفر سنة 166 محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي سنة 167 إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي سنة 168 علي بن المهدي. وغزا بالناس في أيامه سنة 159 جاءت الروم إلى سميساط فسبوا خلقا ً كثيرا ً فوجه إليهم صغيرا ً مولاه فاستنقذ المسلمين وغزا بالناس العباس ابن محمد فبلغ أنقرة سنة 160 غزا ثمامة بن الوليد العبسي سنة 161 غزا عيسى بن علي ولقيه جيش الروم فحاصروه سنة 162 الحسن بن قحطبة الطائي سنة 163 هارون بن المهدي ففتح سمالو سنة 164 هارون أيضا ً فبلغ خليج القسطنطينية سنة 166 ثمامة بن الوليد سنة 167 الفضل بن صالح سنة 168 محمد بن إبراهيم. وكان الفقهاء في أيامه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب إبراهيم بن محمد بن أبي الحسن سعيد بن عبد العزيز الجمحي عبد العزيز بن أبي حازم عبد الحميد المدني يونس بن أبي إسحاق السبيعي الحجاج بن أرطأة النخعي سفيان بن سعيد الثوري شريك بن عبد االله النخعي يحيى بن سلمة بن كهيل سلمة الأحمر إبراهيم بن سعد الزهري أبا مخنف لوط بن يحيى سفيان ابن الحسن الحماني جعفر بن عتاب يحيى بن أبي زائدة علي بن مسهر محمد بن مروان السدي زياد بن الطفيل عبد الرحمن بن مالك مالك بن الفضيل أبا محمد بن... محمد بن جابر اليمامي أبا الأشهب جعفر بن حيان العطاردي سلمة بن علقمة سعيد بن إياس خالد بن دينار جرير بن حازم الأزدي شعبة بن الحجاج حماد بن سلمة مهدي بن ميمون موسى ابن علي بن رباح عبد االله بن لهيعة جعفر بن الغطريف بقية بن الوليد الحمصي عبد السلام بن عبد الملك الدمشقي. أيام موسى بن المهدي وبويع لموسى الهادي بن محمد المهدي وأمه أم ولد يقال لها الخيزرانة بماسبذان وكان غائبا ً بجرجان وأخذ له أخوه هارون البيعة وكتب إليه بالخبر فوافاه الرسول وهو نصير الوصيف بعد وفاة أبيه بثمانية أيام وكانت الشمس يومئذ في الأسد سبع عشرة درجة والقمر في الأسد اثنتين وعشرين درجة وثلاثين دقيقة وزحل في الدلو درجة وأربعين دقيقة راجعا ً والمشتري في العقرب أربع عشرة درجة وثلاثين دقيقة والمريخ في السرطان ثمانيا ً وعشرين درجة وخمسين دقيقة والزهرة في السنبلة ثماني درجات وثلاثين دقيقة وعطارد في السنبلة تسع درجات وخمسين دقيقة والرأس في الميزان تسعا ً وعشرين درجة وخمس عشرة دقيقة. وارتحل من جرجان بعد ثلاثة أيام إلى العراق فترل بعيساباذ وكان المهدي بنى هذا الموضع فاستتمه موسى وكان به مترلة وولي الغطريف بن عطاء خاله خراسان وأعمالها فقدم خراسان وكانت هادئه الأمور ساكنة والملوك في الطاعة فظهر منه أمور قبيحة وضعف شديد فاضطربت البلاد وتحرك جماعة من الطالبيين وصاروا إلى ملوك النواحي فقبلوهم ووعدوهم بالنصر والمعونة وذلك أن موسى ألح في طلب الطالبيين وأخافهم خوفا شديدا وقطع ما كان المهدي يجريه لهم من الأرزاق والأعطيه وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم فلما اشتد خوفهم وكثر من يطلبهم ويحث عليهم عزم الشيعة وغيرهم إلى الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي وكان له مذهب جميل وكمال ومجد وقالوا له أنت رجل أهل بيتك وقد ترى ما أنت وأهلك وشيعتك فيه من الخوف والمكروه فقال وإني وأهل بيتي لا نجد ناصرين فننتصر فبايعه خلق كثير ممن حضر الموسم فقال لهم إن الشعار بيننا أن ينادي رجل من رأى الجمل الأحمر فما وافاه إلا أقل من خمسمائة وكان ذلك في سنة 169 بعد انقضاء الموسم فلقيه سليمان بن أبي جعفر والعباس بن محمد بن علي وموسى بن عيسى بفخ فازم ومن كان معه وافترقوا وقتل الحسين بن علي وجماعة من أهله وهرب خاله إدريس بن عبد االله بن الحسن بن الحسن بن علي فصار إلى المغرب فغلب على ناحية تتاخم الأندلس يقال لها فاس فاجتمعت عليه كلمة أهلها. فذكر أهل المغرب أن موسى وجه إليه من اغتاله بسم في مسواك فمات وصار إدريس بن إدريس مكانه وولده ا إلى هذه الغاية يتوارثون تلك المملكة واضطربت اليمن على الربيع بن عبد االله الحارثي مولى موسى فاستعمل الحصين بن كثير العبدي ثم صرفه واستعمل مكانه أيوب بن جعفر الهاشمي ثم رد الربيع بن عبد االله الحارثي على البلد خلا صنعاء فلم تزل البلاد مضطربة أيام موسى كلها. وقدم الفضل بن صالح مصر فلم يهج أحدا ً من أهل الحوف الذين قتلوا موسى بن مصعب عامل المهدي فسكنهم وكف عن طلبهم فلم يقم إلا يسيرا حتى خرج دحية بن الأصبغ بن عبد العزيز بناحية أهناس من قرى صعيد مصر في خلق عظيم فقطع الطريق وأخاف السبيل ثم تغلب فجبى الخراج فوجه الفضل بن صالح بقائد يعرف بسفيان ورجل من أهل الفيوم يعرف بعبد االله بن علي المرادي فلقيا دحية بموضع يقال له صحراء بويط وناوشاه الحرب فازم دحية فدخل قرموسا ً وهو الأتون الذي يعمل فيه الفخار فأخذاه أسيرا ً وأتيا به الفضل فضرب عنقه وصلبه وبعث برأسه إلى موسى. وشجرت بين موسى وبين أخيه الوحشة فعزم على خلعه وتصيير ابنه جعفر ولي العهد ودعا القواد إلى ذلك فتوقف عامتهم وأشاروا عليه أن لا يفعل وسارع بعضهم وقووا عزيمته في ذلك وأعلموه أن الملك لا يصلح أن صار إلى هارون فكان ممن سعى في خلعه أبو هريرة محمد بن فروخ الأزدي القائد ؟؟؟؟نقص صفحة 406 أيام هارون الرشيد وولي هارون الرشيد بن محمد المهدي وأمه الخيزران في اليوم الذي توفي فيه أخوه موسى وهو لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة 170 ومن شهور العجم في أيلول. وكانت الشمس يومئذ في السنبلة عشرين درجة والقمر في الحوت خمسا ً وعشرين درجة وخمسين دقيقة وزحل في الدلو إحدى عشرة درجة راجعا ً والمشتري في القوس سبع عشرة درجة والمريخ في القوس ثمانيا ً وعشرين درجة وعشر دقائق والزهرة في السنبلة خمس درجات وأربعين دقيقة والرأس في الميزان ثماني درجات وست دقائق. وولد المأمون في الليلة التي استخلف فيها الرشيد فبشر به فلذلك سماه المأمون وولد محمد بن هارون بعده بستة أشهر ووجه موسى بن عيسى في الليلة التي ولي فيها ليقيم الحج للناس ثم بدا له في الخروج فخرج هو فلحقه في الطريق فأقام الحج وأعطى أهل مكة والمدينة عطايا كثيرة وفرق فيهم أموالا ً ثم انصرف فصار إلى قبر المهدي بماسبذان فتصدق عنده بأموال عظيمة وجعلها رسما في كل سنة. وولي الفضل بن يحيى خراسان فشخص إليها وقد خالف أهل الطالقان فافتتح الطالقان وزحف صاحب الترك في خلق عظيم ولقي عسكر الفضل والتحمت بينهما الحرب فضرب وجه صاحب الترك فاستنام واستباح الفضل عسكره وغنم أمواله وفيه يقول الشاعر: للفضل يوم الطالقان وقبله يوم أناخ به على خاقانما مثل يوميه اللذين تواليا في غزوتين تواليا يومان وكان يحيى بن عبد االله بن الحسن بن الحسن قد هرب إلى خراسان ودخل أرض الديلم فكتب هارون إلى صاحب الديلم يطلبه منه ويتهدده فطلبه فلما رأى يحيى ذلك طلب الأمان من الفضل فأمنه وحمله إلى الرشيد فحبسه فلم يزل محبوسا ً حتى مات. وقيل إن الموكل به منعه من الطعام أياما ً فمات جوعا ً. وخبرني رجل من موالي بني هاشم قال: كنت محبوسا ً في الدار التي فيها يحيى بن عبد االله فكنت إلى جانب البيت الذي هو فيه فربما كلمني من خلف حائط قصير فقال لي يوما ً: إني قد منعت الطعام والشراب منذ تسعة أيام فلما كان اليوم العاشر دخل الخادم الموكل به ففتش البيت ثم نزع عنه ثيابه ثم حل سراويله فإذا بأنبوبة قصب شدها في باطن فخذه فيها سمن بقر كان يلحس منه الشيء بعد الشيء يقيم برمقه فلما أخذها لم يزل يفحص برجله حتى مات. فحدثني أبو جميل قال: خرجت إلى البصرة في أيام المأمون فركب معنا في السفينة خادم فكان يخبرنا أنه من خدم الرشيد ثم حدثنا بحديث يحيى بن عبد االله وأنه الذي تولى قتله بمثل ما تقدم ذكره فلما كان في الليل قام إليه رجل كان في السفينة فدفعه في الماء والسفينة تسير فغرقه. وبايع هارون لابنه محمد بالعهد من بعده سنة 175 ومحمد ابن خمس سنين وأعطى الناس على ذلك عطايا جمة وأخرج محمدا ً إلى القواد فوقف على وسادة فحمد االله وصلى على نبيه وقام عبد الصمد بن علي فقال: أيها الناس لا يغرنكم صغر السن فإا الشجرة المباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء وجعل الرجل من بني هاشم يقول في ذلك حتى انقضى الس ونثرت عليهم الدراهم والدنانير وفار المسك وبيض العنبر. واستعمل هارون على السند سالما اليونسي مولى إسماعيل بن علي مكان الليث مولى أمير المؤمنين فأحسن السيرة ولم يلبث أن ولي إسحاق بن سليمان ابن علي الهاشمي وقدم البلد وكان عفيفا ثم عزله وولى طيفور بن عبد االله ابن منصور الحميري فهاجت بين اليمانية والترارية حرب فوجه جابر بن الأشعث الطائي على غربي النهر ومكران ثم ولى سعيد بن سلم بن قتيبة فوجه أخاه كثير بن سلم فأساء السيرة وكان مذموما وصير الرشيد السند إلى عيسى بن جعفر بن المنصور فبعث إليها محمد بن عدي الثعلبي فلما قدم بدأ بالعصبية والتحامل وضرب القبائل بعضها ببعض وخرج من المنصورة يريد الملتان فلقيه أهلها فقاتلوه فهزموه وبوا ما معه من السلاح وفر منهزما لا يلوي على شيء حتى صار إلى المنصورة والتحمت العصبية بين اليمانية والترارية واتصلت فولى الرشيد عبد الرحمن... ثم ولى أيوب بن جعفر بن سليمان ثم ولى داود بن يزيد بن حاتم المهلبي سنة 184 فوجه إليها أخاه المغيرة فرفعت الترارية رؤوسهم وعزموا على أن يقسموا البلاد أرباعا: ربعا لقريش وربعا لقيس وربعا لربيعة ويخرجوا اليمانية. ولما قدم المغيرة أغلق أهل المنصورة الأبواب ومنعوه الدخول إلا أن يعاهدهم ألا يستعمل فيهم العصبية أو يخرجوا جميعا ً عن المدينة ويدخلها فخرج من به رمق ودخلها المغيرة فتحامل على الترارية فقاتلوه فهزموه وسار داود بن يزيد لما بلغه الخبر حتى قدم البلد فجرد فيهم السيف فقتل من الترارية خلقا ً عظيما ً وصار إلى المنصورة فأقام يقاتلهم عشرين يوما ً ولم تزل الحروب بينهم عدة شهور ففتحها ثم سار إلى سائر مدن السند فلم يزل يفتح ويخرب إلى أن استقامت له البلاد. وولى هارون سليمان بن أبي جعفر دمشق فوثب به أهلها بسبب القلة البلور التي كانت في محرام فأخرجوه وانتهبوا كل ما كان معه. وخرج رجل من بني مرة يقال له عامر بن عمارة ويكنى أبا الهيذام بحوران من أرض دمشق فقتل اليمانية وذلك في سنة 176 فوجه إليهم الرشيد السندي وجماعة من القواد فقتل أبو الهيذام وفرق جمعه. وخرج هارون يريد الشام فلما بلغه قتل أبي الهيذام مضى إلى الثغر فأغزى هرثمة بن أعين بلاد الروم وأمر ببناء طرسوس في سنة 171 فأحكم بناءها وجعل لها خمسة أبواب وحولها سبعة وثمانين برجا ولها ر عظيم يشق في وسطها عليه القناطر المعقودة وكان ابتداء بنائها على يد أبي سليمان مولاه ثم انصرف إلى العراق يريد الحج واستخلف على الشامات والجزيرة جعفر بن يحيى بن خالد فظهرت العصبية بحمص فصعد جعفر بن يحيى منبرها فخطب وحمد االله وأثنى عليه وصلى على محمد وقال: يا أهل الشام! أحذركم عواقب البطر ووبال ما لا يشكر من النعم وملمة كل خطب يدفع إلى ندم فإن السعيد من سعد بغيره والشقي من شقي بنفسه وأتعظ به غيره والمغبون من غبن عقله والمفتون من فتن في دينه والمحزوم من حزم حظه من ربه والخاسر من باع آخرته بدنياه وآجله بعاجلة وإنما يخشى االله من عباده العلماء ولم يعط االله من عباده إلا أولي البهاء...في كلام كثير. وخرج الوليد بن طريف الحروري بالجزيرة سنة 179 وكان عبد الملك ابن صالح يتولاها ويتولى بعض الشام فحصره الوليد بالرقة فوجه الرشيد موسى بن خازم التميمي في جيش فهزمه الوليد فوجه بمعمر بن عيسى العبدي فكانت بينهما وقائع ثم مات معمر وهو في محاربته فتوجه إليه يزيد بن مزيد الشيباني فواقعه يوما ً واحدا ً ثم قال له في اليوم الثاني: ابرز يا وليد ولا يقتل الناس بيني وبينك! فبرز له فقتله يزيد واحتز رأسه وبعث به إلى الرشيد وتفرق أصحابه ثم اجتمعت طائفة منهم مع رجل يقال له خراشة فمالوا نحو الجزيرة مما يلي ديار ربيعة. ولم يزل يزيد بن حاتم المهلبي على إفريقية منذ أيام المنصور إلى أيام الرشيد ثم توفي واستخلف على إفريقية ابنه داود بن يزيد بن حاتم فلم يقم فيهم بالعدل وقاتلوه فهزموه فولى الرشيد روح بن حاتم المهلبي فقدم البلد فسكنهم ثم مات فولى الرشيد نصر بن حبيب المهلبي ثم عزله وولى الفضل بن روح فثار عليه عبد االله بن الجارود واجتمع معه أهل المغرب فحاربوه فقتلوا عساكره وظفروا به فحبسوه وأصحابه. وغلب على البلد عبد االله بن الجارود فطلب الأمان وسأل أن يقضي له حوائج سماها فأجابوه إلى كل ما سأل وانصرفوا إلى الرشيد بخبره. ووجه الرشيد هرثمة بن أعين إلى الشام ومصر والمغرب يتقراها ويصلحها فلم يزل يمر ببلد بلد فيصلح ما يريد إصلاحه حتى صار إلى مصر في سنة 179 وقد كانوا وثبوا على عاملهم وصار هرثمة إلى المغرب فلما بلغ طرابلس من أرض المغرب أعطى جندها أرزاقهم الفائتة وآمنهم جميعا ً حتى قدم القيروان سنة 179 فآمن الناس وسكنهم. وخرج عليه قوم في ناحية من النواحي، فوجه إليهم جيشا ً ففرقهم، وأقام هرثمة حتى أصلحها ثم عاد إلى مصر، فأقام ا حتى استقامت أحوالها، وحمل من رأى حملة منها ثم انصرف. وولى الرشيد إفريقية محمد بن مقاتل العكي فثار عليه تمام بن تميم التميمي حتى حصره في القيروان، ثم فتح أهل القيروان الباب لتمام فدخل المدينة، وطلب محمد بن مقاتل الأمان فأمنه، وخرج ابن مقاتل إلى العراق وتغلب تمام على البلد، ثم ثار عليه أهل خراسان وأهل الشام، فحاربوه، فازم منهم. وقدم إبراهيم بن الأغلب فولاه أهل المغرب عليهم، فضبط عليهم، وبلغ الرشيد ذلك، فكتب إليه بعهده على إفريقية وبعث إليه بالعهد مع يحيى ابن موسى الكندي. وكان إبراهيم بن الأغلب بن سالم أحد الجند الذين أخرجوا من مصر إلى إفريقية، وكان يتولى شرطة صاحب إفريقية فلما توفي ابن مقاتل واستخلف إبراهيم على البلد ضبطه وحسنت طاعة أهله وكان يحمل إلى صاحب إفريقية من مصر، في كل سنة، ستمائة دينار فكتب إبراهيم بن الأغلب إلى الرشيد يعلمه أنه يقوم بالبلد بغير مال فولاه إياه، فدام أمره وأمر ولده إلى هذه الغاية. وكان الرشيد ولى اليمن العباس بن سعيد مولاه، فضج منه أهل اليمن، وحكي عنه مذاهب قبيحة، فصرفه الرشيد وولى مكانه إبراهيم بن محمد ابن إبراهيم الإمام ثم صرفه، وولى عبد االله بن مصعب الزبيري ثم صرفه، وولى أحمد بن إسماعيل بن علي مكانه، ثم صرفه، وولى حمادا ً البربري مولاه فجار على أهل اليمن وغلظ عليهم. ووثب الهيصم بن عبد ايد الهمداني باليمن سنة 179، وغلب عليها، فكان معقلة بجبل يقال له مسور ،وكان معه عمر بن أبي خالد الحميري مقيما بعشتان، وكان معه الصباح بناحية يقال لها حراز، فلقوا حمادا ً البربري فكانت بينهما وقائع قتل فيها نيف وعشرون ألفا ً من الناس، وأسر حماد عمر بن أبي خالد فوجه به إلى الرشيد واتصلت الحرب بينه وبين الهيصم تسع سنين، ثم صار إلى حماد رجل من أهل البلد ، فأعلمه أن الهيصم قد نزل من قلعته وصار إلى قرية من القرى متنكرا يتجسس الأخبار فوجه معه إلى تلك القرية بقائد يقال له حراد فأخذ الهيصم فقال الهيصم: واالله إن القتل لشيء ما أنكره، وما خلقت الرجال إلا للموت والقتل. فحمله حماد على جمل، وأدخله إلى صنعاء، ثم وجه به إلى الرشيد فأنشده في شعر طويل: فشفاء ما لا تشتهي ه النفس تعجيل الفراق فدعا بالهيصم فأمر بضرب عنقه، وانحرف حماد البربري إلى صباح فضرع صباح إلى الأمان فأعطاه الأمان وقيل: لم يعطه إياه، ولكنه أسره ووجه به إلى الرشيد مع ستمائة رجل من أصحاب الهيصم فضرب أعناقهم جميعا ً، وصلب الهيصم وصباحا معا، وأقام حماد البربري على اليمن ثلاث عشرة سنة، وسام أهلها سوء العذاب، حتى صاح قوم منهم بالرشيد وهو بمكة: نحن نعوذ باالله وبك، يا أمير المؤمنين! اعزل عنا حمادا ً البربري إن كنت تقدر. فقال: لا ولا كرامة. وكان حماد عبدا لهارون فأعتقه في أول خلافته ثم عزل الرشيد حمادا واستعمل مكانه عبد االله بن مالك فلم يزل في البلد محمود السيرة جميل المذهب حتى توفي هارون. وفاة موسى بن جعفر وتوفي موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه أم ولد، يقال لها حمدة سنة 183، وسنة ثمان وخمسون سنة وكان ببغداد في حبس الرشيد قبل السندي بن شاهك فأحضر مسرورا ً الخادم وأحضر القواد والكتاب والهاشميين والقضاة ومن حضر ببغداد من الطالبيين، ثم كشف عن وجهه، فقال لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعرفه حق معرفته، هذا موسى بن جعفر. فقال هارون: أ ترون أن به أثرا وما يدل على اغتيال؟ قالوا: لا! ثم غسل وكفن وأخرج ودفن في مقابر قريش في الجانب الغربي. وكان موسى بن جعفر من أشد الناس عبادة، وكان قد روى عن أبيه. قال الحسن بن أسد: سمعت موسى بن جعفر يقول: ما أهان الدنيا قوم قط إلا هناهم االله إياها وبارك لهم فيها، وما أعزها قوم قط إلا نغصهم االله إياها. وقال: إن قوما ً يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفا ً، فهم الآمنون يوم القيامة إن كنت لأرى فلانا ً منهم. وذكر عنده بعض الجبابرة فقال: أما واالله لئن عز بالظلم في الدنيا ليذلن بالعدل في الآخرة. وقيل لموسى بن جعفر وهو في الحبس: لو كتبت إلى فلان يكلم فيك الرشيد؟ فقال: حدثني أبي عن آبائه أن االله عز وجل أوحى إلى داود: يا داود! إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني عرفت ذلك منه إلا وقطعت عنه أسباب السماء وأسخت الأرض من تحته. وقال موسى بن جعفر: حدثني أبي أن موسى بن عمران قال: يا رب! أي عبادك شر؟ قال: الذي يتهمني. قال يا رب وفي عبادك من يتهمك؟ قال: نعم! الذي يستجيرني، ثم لا يرضى بقضائي. وكان له من الولد ثمانية عشر ذكرا ً، وثلاث وعشرون بنتا ً، فالذكور: على الرضا وإبراهيم والعباس والقاسم، وإسماعيل وجعفر وهارون والحسن وأحمد ومحمد وعبيد االله وحمزة وزيد وعبد االله وإسحاق والحسين والفضل وسليمان وأوصى موسى بن جعفر ألا تتزوج بناته فلم تتزوج واحدة منهن إلا أم سلمة، فإا تزوجت بمصر، تزوجها القاسم ابن محمد بن جعفر بن محمد فجرى في هذا بينه وبين أهله شيء شديد، حتى حلف أنه ما كشف لها كنفا، وأنه ما أراد إلا أن يحج ا. وبايع الرشيد لابنه المأمون بعد محمد بولاية العهد في هذه السنة، وهي سنة 183، وأخذت له البيعة على الناس كلهم حتى أهل الأسواق، فكان بين البيعة للمأمون والبيعة لمحمد ثماني سنين، وكان يبعث بالمأمون وبمحمد إلى الفقهاء والمحدثين فيسمعان منهم، ويحضر لهما أهل الكلام والنظر فكان محمد بطيء الحفظ ،وكان المأمون سريع الحفظ. وأخذ الرشيد العمال والتناة والدهاقين وأصحاب الضياع والمبتاعين للغلات والمقبلين وكان عليهم أموال مجتمعة، فولى مطالبتهم عبد االله بن الهيثم بن سام فطالبهم بصنوف من العذاب، وكان سنة 184. واعتل الرشيد في تلك السنة علة شديدة أشفى منها، فدخل إليه الفضيل بن عياض فرأى الناس يعذبون في الخراج فقال: ارفعوا عنهم، إني سمعت رسول االله يقول: من عذب الناس في الدنيا عذبه االله يوم القيامة فأمر بأن يرفع العذاب عن الناس، فارتفع العذاب من تلك السنة. وأقام الرشيد بالرافقة حتى بناها وكان مقامه ا سنة 186، وحج في تلك السنة، ومعه محمد والمأمون وجلة بني هاشم والقواد والكتاب فلم يتخلف منهم أحد له ذكر وقدر، وقدم الرشيد المدينة فأعطى أهل المدينة ثلاثة أعطية وكسي كثيرة، ثم صار إلى مكة، فلم يفعل مثل ذلك. ولما صار إلى مكة صعد المنبر فخطب، ثم نزل فدخل البيت، ودعا بمحمد والمأمون فأملى على محمد كتاب الشرط على نفسه وكتب محمد الكتاب، وأحلفه على ما فيه، وأخذ عليه العهود والمواثيق وفعل بالمأمون مثله، وأخذ عليه مثل ذلك وكان نسخة الكتاب الذي كتبه محمد بخطه: بسم االله الرحمن الرحيم. هذا كتاب لعبد االله هارون أمير المؤمنين كتبه محمد بن هارون في صحة من بدنه وعقله وجواز من أمره. إن أمير المؤمنين هارون ولاني العهد من بعده، وجعل لي البيعة في رقاب المسلمين جميعا ً، وولي أخي عبد االله ابن أمير المؤمنين العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين بعدي برضى مني وتسليم، طائعا غير مكره ،وولاه خراسان بثغورها وكورها، وأجنادها وخراجها وطرازها وبريدها وبيوت أموالها وصدقاا وعشرها وعشورها، وجميع أعمالها في حياته وبعد موته، وشرطت لعبد االله أخي على الوفاء بما جعل له هارون أمير المؤمنين من البيعة والعهد والولاية والخلافة وأمور المسلمين بعدي، وتسليم ذلك له وما جعل له من ولاية خراسان وأعمالها، وما أقطعه هارون أمير المؤمنين من قطيعة وجعل له من عقده أو ضيعة من ضياعه وعقده أو ابتاع من الضياع والعقد وما أعطاه في حياته من مال، أو حلي، أو جوهر، أو متاع، أو كسوة، أو رقيق قليلا ً أو كثيرا ً، فهو لعبد االله ابن أمير المؤمنين أخي، موفرا عليه مسلما ً له. وقد عرفت ذلك كله شيئا ً شيئا ً باسمه وأصنافه ومواضعه أنا وأخي عبد االله بن هارون فإن اختلفنا في شيء منه ،فالقول فيه قول عبد االله أخي لا انتقصه صغيرا ً ولا كبيرا ً من ماله، ولا من ولايته خراسان وأعمالها، ولا أعزله عن شيء منها، ولا أستبدل به غيره، ولا أخلعه ولا أقدم عليه في العهد والخلافة أحدا ً من الناس جميعا ً، ولا أدخل عليه مكروها في نفسه ولا دمه، ولا خاص ولا عام من أموره وولايته ولا أمواله، ولا قطائعه ولا عقده ولا أغير عليه شيئا ً بسبب من الأسباب، ولا آخذ أحدا ً من كتابه وعماله وولاة أموره ممن صحبه وأقام معه، بمحاسبة في ولاية خراسان وأعمالها وغيرها مما ولاه هارون أمير المؤمنين في حياته وصحته من الجباية والأموال والطراز والبريد والصدقات والعشر والعشور وغير ذلك من ولايتها ولا آمر بذلك أحدا ً، ولا أرخص فيه لغيري، ولا أحدث نفسي فيه بشيء أمضيه عليه، ولا ألتمس قطيعته ولا أنقص شيئا ً مما جعل له هارون أمير المؤمنين وأعطاه في حياته، وخلافته وسلطانه من جميع ما سميت في كتابي هذا، وأخذ له علي وعلى جميع الناس البيعة ولا أرخص لأحد من الناس كلهم في خلعه، ولا مخالفته، ولا أسمع من أحد من البرية في ذلك قولا ً، ولا أرضى به في سر ولا علانية، ولا أغمض عليه، ولا أتغافل عنه، ولا أقبل من بر من العباد ولا فاجر ولا صادق ولا كاذب ولا ناصح ولا غاش ولا قريب ،ولا بعيد، ولا أحد من ولد آدم ذكرا ً وأنثى مشورة ولا حيلة، ولا مكيدة في شيء من الأمور سرها وعلانيتها وحقها وباطلها وباطنها وظاهرها، ولا سبب من الأسباب أريد بذلك إفساد شيء مما أعطيت عبد االله بن هارون أمير المؤمنين من نفسي وشرطت في كتابي هذا علي، وأوجبت على نفسي، وشرطت وسميت، وإن أراد أحد من الناس شرا ً، أو مكروها ً، أو خلعا ً أو محاربة، أو الوصول إلى نفسه ودمه، أو حرمه، أو ماله، أو سلطانه أو ولايته جميعا ً، أو فرادى مسرين ذلك أو مظهرين له، أن أنصره وأحوطه وأدفع عنه، كما أدفع عن نفسي، ومهجتي، ودمي، وشعري، وبشري، وحرمي وسلطاني وأجهز الجنود إليه، وأعينه على كل من أعنته وخالفه ويكون أمري وأمره في ذلك واحدا ً أبدا ً ما كنت حيا، ولا أخذله ،ولا أسلمه، ولا أتخلى عنه. وأن حدث ارون حدث الموت، وأنا وعبد االله بحضرة أمير المؤمنين، أو أحدنا، أو كنا غائبين عنه ، مجتمعين كنا أو مفترقين، وليس عبد االله بن هارون في ولايته بخراسان، فعلي لعبد االله بن هارون، أمير المؤمنين، أن أمضيه إلى خراسان، وأسلم له ولايتها وأعمالها كلها، وجنودها، ولا أعوقه عنها، ولا أحبسه قبلي، ولا في شيء من البلدان دون خراسان، وأعجل إشخاصه إليها واليا ً عليها وعلى جميع أعمالها ، مفردا ً ا، مفوضا ً إليه أعمالها كلها، وأشخص معه جميع من ضم إليه أمير المؤمنين من قواده، وجنوده ، وأصحابه، وكتابه، ومواليه، وخدمه، ومن تبعه من صنوف الناس بأموالهم وأهليهم، ولا أحبس عنه أحدا ً منهم، ولا أشرك معه في شيء منها أحدا ً، ولا أبعث إليه أمينا ً، ولا كاتبا ً، ولا بندارا ً، ولا أضرب على يديه في قليل وكثير. وأعطيت أمير المؤمنين هارون وعبد االله بن هارون، على ما شرطت لهما على نفسي من جميع ما سميت وكتبت في كتابي هذا، عهد االله، وميثاقه، وذمة أمير المؤمنين وذمتي، وذمم آبائي، وذمم المؤمنين، وأشد ما أخذ االله على النبيين، والمرسلين، وخلقه أجمعين، من عهوده ومواثيقه، والأيمان المؤكدة التي أمر االله بالوفاء ا وى عن نقضها وتبديلها، فإن أنا نقضت شيئا ً مما شرطت لهارون ولعبد االله بن هارون أمير المؤمنين، أو بدلت، أو حدثت في نفسي أن أنقض شيئا ً مما أنا عليه، أو قبلت من أحد من الناس، فبرئت من االله، من ولايته، ومن دينه، ومن محمد رسول االله، ولقيت االله يوم القيامة كافرا به ومشركا، وكل امرأة هي في اليوم لي، أو تزوجتها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثا ً البتة، طلاق الحرج والسنة، وعلى المشي إلى بيت االله الحرام ثلاثين حجة نذرا واجبا في عنقي، حافيا راجلا، لا يقبل االله مني إلا الوفاء بذلك، وكل مال هو لي اليوم، أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدي بالغ الكعبة الحرام، وكل مملوك هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه االله عز وجل، وكل ما جعلت لأمير المؤمنين ولعبد االله ابن أمير المؤمنين، وكتبته ،وشرطته لهما، وحلفت عليه، وسميت في كتابي هذا، لازم لي الوفاء به، ولا أضمر غيره ولا أنوي إلا إياه ،فإن أضمرت، أو نويت غيره، فهذه العهود والأيمان كلها لازمة لي، واجبة علي، وقواد أمير المؤمنين ،وجنوده، وأهل الآفاق والأمصار، وعوام المسلمين براء من بيعتي، وخلافتي، وعهدي، وهم في حل من خلعي، وإخراجي من ولايتي عليهم، حتى أكون سوقة من السوق، وكرجل من عرض الناس، ولا حق لي عليهم، ولا ولاية، ولا بيعة لي في أعناقهم، وهم في حل من الأيمان التي أعطوني، وبراء من تبعتها ووزرها في الدنيا والآخرة، وكتبه محمد ابن هارون بخطه. شهد سليمان ابن أمير المؤمنين المنصور، وعيسى بن جعفر، وجعفر بن جعفر، وعبيد االله بن المهدي ،وجعفر بن موسى أمير المؤمنين، وإسحاق بن عيسى بن علي، وعيسى بن موسى ابن أمير المؤمنين ،وإسحاق بن موسى أمير المؤمنين، وأحمد بن إسماعيل بن علي، وسليمان بن جعفر بن سليمان، وعيسى بن صالح بن علي، وداود بن عيسى بن موسى، وداود بن سليمان بن جعفر، ويحيى ابن عيسى بن موسى ،ويحيى بن خالد، وخزيمة بن خازم، وهرثمة بن أعين، وعبد االله بن الربيع، والفضل بن الربيع، والعباس بن الفضل، والقاسم بن الربيع، ودقاقة بن عبد العزيز، وسليمان بن عبد االله بن الأصم... ومحمد بن عبد الرحمن قاضي مكة وعبد الكريم الحجبي وإبراهيم بن عبد الرحمن الحجبي، وأبان مولى أمير المؤمنين ،والحارث مولى أمير المؤمنين، وخالد مولى أمير المؤمنين، ومحمد بن منصور، وإسماعيل بن صبيح. وكتب في ذي الحجة سنة 186 نسخة الشرط الذي كتبه عبد االله ابن أمير المؤمنين بخطه في البيت: بسم االله الرحمن الرحيم. هذا كتاب لعبد االله هارون أمير المؤمنين، كتبه له عبد االله بن هارون أمير المؤمنين في صحة من عقله، وجواز من أمره، وصدق نيته فيما كتب في كتابه هذا، ومعرفته بما فيه من الفضل والصلاح له، ولأهل بيته، وجماعة المسلمين: إن أمير المؤمنين ولاني العهد والخلافة، وجميع أمور المسلمين في سلطانه بعد أخي محمد بن هارون أمير المؤمنين، وولاني في حياته، وبعد موته ثغور خراسان، وكورها ،وجميع أعمالها من الصدقات ، والعشر والعشور والبريد، والطراز، وغير ذلك، واشترط لي على محمد ابن هارون أمير المؤمنين الوفاء بما عقد لي من الخلافة، والولاية للعباد والبلاد بعده، وولاية خراسان، وجميع أعمالها، لا يعرض لي في شيء مما أقطعني أمير المؤمنين، أو ابتاع لي من الضياع، والعقد، والدور، والرباع، أو ابتعت لنفسي من ذلك ،وما أعطاني أمير المؤمنين هارون من الأموال، والجوهر، والكساء، والمتاع، والدواب، في سبب محاسبة لأصحابي، ولا يتبع لأحد منهم أبدا، ولا يدخل علي، ولا على أحد كان معي ومني، ولا عمالي ولا كتابي، ومن استعنت به من جميع الناس، مكروها في نفس، ولا دم، ولا شعر، ولا بشر، ولا مال، ولا صغير، ولا كبير، فأجابه إلى ذلك، وأقر به، وكتب بذلك كتابا ً، وكتبه على نفسه، ورضي به هارون أمير المؤمنين، وعرف صدق نيته، فشرطت لعبد االله هارون أمير المؤمنين، وجعلت له على نفسي أن أسمع لمحمد ابن أمير المؤمنين، وأطيعه ولا أعصيه، وأنصحه ولا أغشه، وأوفي ببيعته وولايته، ولا أغدر، ولا أنكث، وأنفذ كتبه وأموره، وأحسن مؤازرته ومكانفته، وأجاهد عدوه في ناحيتي ما وفى لي بما شرط لي ولعبد االله هارون أمير المؤمنين، ورضي لي به، وقبلته ولا انتقص شيئا من ذلك، ولا انتقص أمرا ً من الأمور التي شرطها لي عليه أمير المؤمنين، فإن احتاج محمد ابن أمير المؤمنين إلى جند، وكتب إلي يأمرني بإشخاصهم إليه، أو إلى ناحية من النواحي، أو عدو من أعدائه خالفه، وأراد نقص شيء من سلطانه الذي أسنده هارون أمير المؤمنين إلينا، وولاناه، أن أنفذ أمره، ولا أخالفه، ولا أقصر في شيء كتب به إلي، وإن أراد محمد ابن أمير المؤمنين أن يولي رجلا ً من ولده العهد من بعدي، فذلك له ما وفى بما جعل لي أمير المؤمنين هارون، واشترط لي عليه، وشرطه على نفسه في أمري، وعلى إنفاذ ذلك، والوفاء به، ولا أنقض ذلك، ولا أغيره، ولا أبدله، ولا أقدم قبله أحدا ً من ولدي، ولا قريبا ً، ولا بعيدا ً من الناس أجمعين ،إلا أن يولي هارون أمير المؤمنين أحدا ً من ولده العهد بعدي، فيلزمني ومحمدا الوفاء بذلك. وجعلت لأمير المؤمنين هارون ولمحمد ابن أمير المؤمنين على الوفاء بما شرطت وسميت في كتابي هذا، ما وفى لي محمد ابن أمير المؤمنين بجميع ما اشترط لي هارون أمير المؤمنين في نفسي، وما أعطاني أمير المؤمنين من جميع الأشياء المسماة في الكتاب الذي كتبه له، وعلى عهد االله وميثاقه، وذمة أمير المؤمنين وذمتي ،وذمم آبائي، وذمم المؤمنين، وأشد ما أخذ االله على النبيين والمرسلين، وخلقه أجمعين، من عهوده ومواثيقه، والأيمان المؤكدة التي أمر االله بالوفاء ا، فإن أنا نقضت شيئا ً مما شرطت وسميت في كتابي هذا ،أو غيرت، أو بدلت، أو نكثت، أو غدرت، فبرئت من االله، ومن ولايته، ومن دينه ومن محمد رسول االله ،ولقيت االله يوم القيامة كافرا ً به مشركا ً، وكل امرأة هي اليوم لي، أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثا ً البتة، طلاق الحرج، وكل مملوك لي اليوم، أو أملكه إلى ثلاثين سنة، أحرار لوجه االله، وعلى المشي إلى بيت االله الحرام الذي بمكة ثلاثين حجة نذرا ً واجبا ً علي، وفي عنقي، حافيا ً راجلا ً، لا يقبل االله مني إلا الوفاء به، وكل مال هو لي اليوم، أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدي بالغ الكعبة، وكل ما جعلت لعبد االله هارون أمير المؤمنين وشرطت في كتابي هذا لازم لي لا أضمر غيره ولا أنوي سواه. وشهد الشهود الذين شهدوا على أخيه محمد ابن أمير المؤمنين، وأقام الرشيد الحج لناس، وأمر بتعليق هذين الكتابين، فعلقا أيام الموسم على باب الكعبة، وقرئا على الناس عدة مرار، وجعلا في الكعبة. وانصرف الرشيد، فترل الحيرة، فأقام أياما ً، ثم مضى على طريق البرية، فترل بموضع من الأنبار يقال له الحرف، بدير يقال له العمر، وأقام يومه، وقتل جعفر بن يحيى بن خالد وزيره في تلك الليلة بغير أمر متقدم قبل ذلك، وأصبح، فحمله إلى بغداد، فقطع ثلاث قطع، وصلب على جسر بغداد، ولبغداد يومئذ ثلاثة جسور، وحبس يحيى بن خالد بن برمك وولده وأهل بيته، واستصفى أموالهم، وقبض ضياعهم ،وقال: لو علمت يميني بالسبب الذي له فعلت هذا لقطعتها، وأكثر الناس في أسباب السخط عليهم مختلفون. وحدث إسماعيل بن صبيح قال: بعث إلى الرشيد يوما ً، وهو ببغداد، فدخلت، فلم أر في المقاصير والأروقة أحدا ً، حتى انتهيت إليه، فقال: يا إسماعيل! هل رأيت في الدار أحدا ً؟ فقلت: لا، واالله! قال: فطف االس والأروقة والمقاصير! فطفت فلم أجد أحدا ً، فقال: عد ثالثة فعدت، ثم قال: خذ ذلك الكرسي! فأخذته ،وخرج وفي يده عمود حتى صار إلى وسط الصحن، ثم قال: ضع الكرسي! فوضعته، فجلس عليه ،والعمود في يده، ثم قال: اجلس! فأوحشت نفسي خيفة، وجلست، فقال: إني أريد أن أفشي إليك سرا ً ،واالله لئن سمعته من أحد من الناس لأضربن عنقك! فتراجعت نفسي، وقلت: إن كنت يا أمير المؤمنين قلته لأحد، أو تقوله، فلا حاجة بي إليه. فقال: ما قلته لأحد، ولا أقوله، إني أريد أن أوقع بال برمك إيقاعا ً ما أوقعه بأحد، وأجعلهم أحدوثة ونكالا إلى آخر الأبد. فقلت: وفقك االله، يا أمير المؤمنين، وأرشد أمرك! ثم قام، فعاد، وأخذت الكرسي، فرددته، وقلت: إنما أراد أن يعرف ما عندي فيهم، فبعث بي إليهم ،وكان يفعل ذلك كثيرا ً، ثم حال الحول، وحال حول ثان، ثم حال ثالث، فلما كان رأس الحول الرابع قتلهم، وكان قتل جعفر في صفر سنة 188 بدير العمر، وكان يحيى بن خالد قد نزل هذا الدير منصرفا ً من الحج، قبل أن يحل م الأمر بحول كامل، فدخل إلى الدير الذي قتل ابنه جعفر فيه، فطافه، فظهر له قس، فقال له: مذ كم بنيت هذه البيعة؟ فقال: مذ ستمائة سنة، وهذا قبر صاحبها، فوقف على قبر عليه كتابه فقرأها، فإذا عليه: بحيث شاد البيعة الراهب إن بني المنذر عام انقضوا وعنبر يقطبه القاطب تنفح بالمسك ذفاريهم لم يجنب الصوف لهم جانب والقطن والكتان أثوابهم والدهر لا يبقى له صاحب فأصبحوا حشا ً لدود الثرى خيرا ً ولا يرهبهم راهب أضحوا وما يرجو لهم راغب كأنما جنتهم لعنة سار إلى بين بها راكب قال: فتغير وجه يحيى، وقال: أعوذ باالله من شرك، يا قس! فغاب القس بين عينيه، فطلبه فلم يقدر عليه. وأقام يحيى وولده في الحبس عدة سنين، وكتب يحيى إلى الرشيد يستعطفه ويذكر له حرمته وتربيته، فوقع على ظهر رقعته: إنما مثلك يا يحيى ما قال االله عز وجل: وضرب االله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا ً من كل مكان، فكفرت بأنعم االله، فأذاقها االله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. وأغزى الرشيد ابنه القاسم الصائفة في هذه السنة، وهي سنة 188، ومعه عبد الملك بن صالح الهاشمي ،وعلى أمره إبراهيم بن عثمان بن يك، فحاصر حصن سنان وقرة، وأصاب الناس جوع شديد، وعوز ،وغلاء، وطلب الروم الصلح على أن يدفعوا إليه ثلاثمائة وعشرين مسلما، فقبل، وانصرف، وأخذ الرشيد أحمد بن عيسى بن يزيد العلوي، فحبسه بالرافقة سنة 188، فهرب أحمد بن عيسى من الحبس، وصار إلى البصرة، وكان يكاتب الشيعة يدعوهم إلى نفسه، فأذكى الرشيد عليه العيون، وجعل لمن جاء به الأموال، فلم يقدر عليه، فأخذ حاضر صاحبه، والمدبر لأمره، فحمل إلى الرشيد، فلما صار ببغداد، وهو بباب الكرخ، قال: أيها الناس أنا حاضر صاحب أحمد بن عيسى بن يزيد العلوي، وقد أخذني السلطان ،فمنعه الموكلون به من الكلام، فلما دخل على الرشيد سأله عنه ودده، فقال: واالله لو كان تحت قدمي هذه ما رفعتها عنه، وأغلظ في الجواب، وقال: أنا شيخ قد جاوزت التسعين، أفأختم عملي بأن أدل على ابن رسول االله صلى االله عليه وسلم حتى يقتل؟ فأمر الرشيد، فضرب حتى مات، وصلب ببغداد، وطفى أحمد بن عيسى، ولم يعرف خبره بعد ذلك. وحبس الرشيد عبد الملك بن صالح بن علي الهاشمي في هذه السنة، وهي سنة 188، وذلك أن ابنه عبد الرحمن، وكاتبه قمامة بن يزيد، وكان مولى لعبد الملك، رفعا عنه أنه يؤهل نفسه للخلافة، وأنه يراسل رؤساء القبائل والعشائر بالشام والجزيرة، وكان نبيلا ً، فصيحا ً، حسن البيان، فقال: ما سبب حبسي؟ فإن كان لذنب اعترفت به، أو لبلاغ تنصلت منه، فأحضره الرشيد، فقال: هذا ابنك عبد الرحمن يذكر ما كنت تدبره من المعصية والشقاق. فقال: ليس يخلو ابني أن يكون مأمورا ً معذورا ً، أو عدوا ً محذورا ً، وقد قال االله تعالى: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا ً لكم ، فاحذروهم، قال: فهذا قمامة بن يزيد كاتبك يذكر مثل ذلك، وقد سأل أن يجمع بينه وبينك. قال: من كذب علي، وأشاط بدمي لغير مأمون أن يبهتني. وحدثني بعض أشياخنا قال: أخرج الرشيد يوما ً عبد الملك بن صالح بن علي فأقبل عليه، فقال: كأني أنظر إلى شؤبوا قد همع، وإلى عارضها قد لمع، وإلى الوعيد قد أوري نارا، فأقلع عن براجم بلا معاصم ، ورؤوس بلا غلاصم، فمهلا ً مهلا ً بني هاشم! لا تستوعروا السهل وتستسهلوا الوعر، ولا تبطروا النعم وتستجلبوا النقم، فعن قليل يذم ذو الحكم رأيه، وينكص ذو الحزم على عقبيه، وتستبدلون الذل بعد العز ،والخوف بعد الأمن. فقال عبد الملك: أفذا أتكلم أم توأما ً، يعني واحدا أو اثنين؟ فقال: بل فذا! قال: فخف االله فيما ولاك، وأحفظه في رعاياك التي استرعاك، ولا تجعل الكفر موضع الشكر، ولا العقاب بدل الثواب، ولا تقطع رحمك التي أوجب االله عليك، وألزمك حقها، ونطق الكتاب بأن عقوقها كفر، واردد الحق على محقه، ولا تصرف الحق إلى غير أهله، فلقد جمعت عليك الألسن بعد افتراقها، وسكنت القلوب بعد نفارها، وشددت أواخي ملكك بأشد من ركن يلملم، فكنت كما قال أخو بني جعفر بن كلاب: ومقام ضيق فرجته بلساني وبياني وجدل لو يقوم الفيل أو فياله زل عن مثل مقامي وزحل قال: ثم خرج، فأتبعه الرشيد بصره، وقال: أما واالله لو لا الإبقاء على بني هاشم لضربت عنقك. وخرج هارون الرشيد إلى الري سنة 189، فلما صار بقرماسين بايع لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون ،وكان بين البيعة للمأمون وبيعة القاسم ست سنين، ثم سار حتى نزل الري وكتب إلى محمد ابنه، وكان ببغداد، يأمره بالخروج إلى الري والقيام بما خلف ا وكتب إلى بنداد هرمز، صاحب طبرستان، فخرج ،وشروين صاحب طخارستان، فخرج بنداد هرمز على يدي هرثمة بن أعين، وأخرج ابنه قارون، فصيره في معسكر الرشيد، فانصرف الرشيد من الري، واستخلف عبد االله بن مالك الخزاعي على قومس ، وطبرستان، ودنباوند، وسار إلى بغداد، فمر ا ارا ً ولم يترلها، فلما صار إلى الجسر أمر بتحريق جثة جعفر بن يحيى وقتل الوليد بن جشم، وولى الرشيد علي بن عيسى بن ماهان خراسان مكان منصور بن يزيد بن منصور الحميري سنة 189، وضم إليه جماعة من القواد فيهم: رافع بن الليث الليثي، وأمره أن لا يستعمله على بلد قاصيا، فلما قدم علي بن عيسى خراسان استعمل رافع بن الليث على سمرقند، فلم يحل عليه الحول حتى خلع، ونادى بالمعصية، وحارب. وبلغ الرشيد أن ذلك عن تدبير من علي بن عيسى، فوجه هرثمة بن أعين في أربعة آلاف كأنه مدد لعلي بن عيسى، حتى دخل المدينة، ثم صار إلى دار الإمارة، وأدخل الجند الذين معه الدار، وأخرج الكتاب فدفعه إلى علي بن عيسى فلما قرأه قال: أسامع أنت مطيع؟ قال: نعم فدعا بقيد ثقيل، فقيده، ثم أخرجه من ساعته، وخرج معه، حتى جاز من عمل مرو، وبعث به مع رسل من قبله إلى الرشيد وأمر الرشيد بحبسه وحبس ولده، وقبض أمواله، فلم يزل محبوسا حتى مات الرشيد. وكانت أرمينية قد انتقضت بعد وفاة المهدي، فلم تزل منتقضة أيام موسى، فلما ولى الرشيد خزيمة بن خازم التميمي أرمينية قام ا سنة وشهرين، وضبطها، وصلحت البلاد، وأعطي أهلها الطاعة، ثم ولى الرشيد يوسف بن راشد السلمي مكان خزيمة بن خازم، فنقل إلى البلد جماعة من الترارية، وكان الغالب على أرمينية اليمانية، فكثرت الترارية في أيام يوسف، ثم ولى يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني، فنقل إليها ربيعة من كل ناحية حتى هم اليوم الغالبون عليها، وضبط البلد أشد ضبط، حتى لم يكن به أحد يتحرك ،ثم ولى عبد الكبير بن عبد الحميد من ولد زيد بن الخطاب العدوي، وكان مترله حران، فصار إليها في جماعة من أهل ديار مضر، ولم يقم إلا أربعة أشهر حتى صرف، وولى الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي ،فسار إليها بنفسه، فلما قدم توجه إلى ناحية الباب والأبواب، فغزا قلعة حمزين، فهزمه أهل حمزين ،فانصرف ما يلوي على شيء حتى أتى العراق، واستخلف على البلد عمر بن أيوب الكناني. فلما صار الفضل إلى العراق، وجه أبا الصباح على خراج أرمينية، وسعيد ابن محمد الحراني اللهبي على حرا، فوثب أهل برذعة على أبي الصباح، فقتلوه، وانتقضت أرمينية، وظهر فيها أبو مسلم الشاري ،فولى الفضل خالد بن يزيد بن أسيد السلمي أرمينية ووجه إليه عبد الملك بن خليفة الحرشي في خمسة آلاف فلقوا أبا مسلم الشاري برويان، فهزمهم، وانصرف أبو مسلم إلى قلعة الكلاب، فأخذها. واستعمل الرشيد على أرمينية العباس بن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد االله البجلي، فلما صار إلى برذعة وثب به البيلقانية، فتحصن منهم في ربض برذعة، ووجه معدان الحمصي إلى أبي مسلم الشاري في ستة آلاف، والتقيا، وكانت بينهما وقعة، وقتل معدان الحمصي، فصار أبو مسلم الشاري إلى دبيل، فحصرها أربعة أشهر ثم انصرف، فصار إلى البيلقان فترلها. وقوي أمر أرمينية، ووجه الرشيد يحيى الحرشي في اثني عشر ألفا ً، ويزيد ابن مزيد الشيباني في عشرة آلاف، وأمر يزيد بن مزيد أن يقصد أرمينية، وأمر الحرشي أن يأخذ على آذربيجان، وكان قد تغلب باذربيجان مهلهل التميمي، فلقيه الحرشي فقاتله، فهزمه، وأصلح البلاد، ثم صار إلى أرمينية ليجتمع ويزيد بن مزيد على محاربة أبي مسلم الشاري، فوافى البلد وقد مات، وقام من بعده السكن بن موسى البيلقاني مولى... وكان مترله البيلقان، فلما بلغه قدوم يحيى الحرشي وجه إليه الخليل بن السكن في خيار خيله ، فلقي الحرشي، فأسره الحرشي، وزحف إلى البيلقان، فلما بلغ السكن الخبر خرج هاربا، فصار إلى قلعة الكلاب، وصار أهل البيلقان إلى الحرشي، فطلبوا الأمان، فأدخلوا المدينة، فامن أهلها، وهدم حصنها. وسار السكن إلى يزيد بن مزيد في ثمانية آلاف مستأمنا ً منه، وحمله إلى الرشيد، ولما سكن البلد ولى الرشيد موسى بن عيسى الهاشمي، فأقام بأرمينية سنة، فعاد انتقاضها، فاضطربت نواحيها، وكتب إلى الرشيد بذلك، فقال الرشيد: ما أرى لها إلا الحرشي، فعزل موسى بن عيسى، ووجه الحرشي عاملا عليها، فوضع فيهم السيف حتى استقامت، ثم ولى الرشيد أحمد بن يزيد ابن أسيد السلمي، فلما قدم وثب به من كان في البلد من أهل خراسان ممن قدم مع الحرشي وقبل الحرشي، وقاتلوه، وتعصبوا عليه وقالوا: لا سمع لك ولا طاعة، فولى الرشيد سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي، فلما قدم البلد تلاءمت الناس شهورا ً ،ثم تعبث بالبطارقة، فخالف عليه أهل الباب والأبواب، ووثبوا بعاملة، وكان النجم بن هاشم صاحب الباب والأبواب، فقتله سعيد بن سلم، فوثب ابنه حيون بن النجم، فقتل عامل سعيد على الباب والأبواب، وكشف رأسه للمعصية، وكتب إلى خاقان ملك الخزر، فزحف إليه ملك الخزر في خلق عظيم، فأغار على المسلمين، فقتل وسبى خلقا عظيما، وسار حتى أتى جسر الكر، وسبى خلقا ً من المسلمين، وقتل عالما ً، وحرق البلاد ،وقتل النساء والصبيان. فلما بلغ الرشيد خبره وجه بتحاب، وأمره أن يعرض على سعيد بن سلم، ويقيمه للناس فلما وافى البلد أعطاه سعيد مالا ً، فمال التحاب إلى أخذ المال ،فبلغ الرشيد ذلك فوجه نصر بن حبيب المهلبي عاملا ً على البلد، فلم يلبث إلا يسيرا ً حتى عزله، وولى علي بن عيسى بن ماهان، فلما قدم ساءت سيرته، ووثب به أهل شروان، واضطرب البلد، فولى الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني، ورد عليا ً إلى خراسان، وجمعت ليزيد بن مزيد أرمينية وآذربيجان، فلما قدم تلاءمت الناس، وأصلح البلد، وساوى بين الترارية واليمانية، وكتب إلى أبناء الملوك والبطارقة يبسط آمالهم ،فاستوى البلد. ثم ولى الرشيد خزيمة بن خازم التميمي، فأخذ البطارقة وأبناء الملوك، فضرب أعناقهم، وسار فيهم أسوأ سيرة، فانتقضت جرجان والصنارية، فأنفذ إليهم جيشا ً، فقتلوه، فوجه إليهم سعيد بن الهيثم بن شعبة بن ظهير التميمي في جيش عظيم، فقاتل أهل جرجان والصنارية حتى أجلاهم عن البلد، وانصرف إلى تفليس، فأقام خزيمة بن خازم أقل من سنة، ثم عزله، وولى سليمان بن يزيد بن الأصم العامري، وكان شيخا ً عفيفا ً، مغفلا ً، فضعف حتى لم يكن له أمر يجوز، حتى كاد أن يغلب على البلد. وولى الرشيد العباس بن زفر الهلالي، فانتقضت عليه الصنارية، فقاتلهم، وضعف عنهم، فوجه الرشيد محمد بن زهير بن المسيب الضبي، وكان آخر عمال الرشيد على أرمينية. وخلع أهل حمص سنة 190، ووثبوا على واليهم، فخرج الرشيد نحوهم، فلما صار بمنبج لقيه وفدهم يعطون بأيديهم ويسألون الإقالة، فعفا عنهم، ونفذ إلى بلاد الروم، فغزا الصائفة، وفتح هرقلة والمطامير. وحجت أم جعفر بنت جعفر بن المنصور في هذه السنة، وهي سنة 190، فنال الناس عطش شديد ،وغارت زمزم حتى لم يوجد فيها من الماء إلا القليل، وحفرت زمزم، فترل فيها عدة أذرع، فكان الماء زاد يسيرا ً، وكان مقدار رشاء زمزم ثماني عشرة ذراعا ً، فحفر فيها تسع أذرع ليزيد، فكان أول ما حفر في زمزم. واجتمع عند الرشيد عمه، وعم أبيه، وعم جدة، سليمان بن جعفر عمه، والعباس بن محمد عم أبيه ، وعبد الصمد بن علي عم جده، فقال عبد الصمد بن علي: أحمد االله، يا أمير المؤمنين، على نعمة عليك ،فقد جمع لك ما لم يجمع لخليفه قبلك، ثم جمع لك عمك، وعم أبيك، وعم جدك. وكان الغالب على الرشيد يحيى بن خالد بن برمك، وجعفر والفضل ابناه، صدرا ً من خلافته حتى ما كان له معهم أمر ولا ي، فأقاموا على تلك الحال وأمور المملكة إليهم سبع عشرة سنة، ثم كان الفضل بن الربيع يغلب عليه، وإسماعيل بن صبيح، وعلى شرطة القاسم بن نصر بن مالك، ثم عزله وولى خزيمة بن خازم، ثم عزله وولى المسيب بن زهير الضبي، ثم عزله واستعمل عبد االله بن مالك، ثم عزله واستعمل علي بن الجراح الخزاعي، ثم عزله واستعمل عبد االله بن خازم، وكان على حرسه جعفر بن محمد بن الأشعث ،ثم عزله واستعمل عبد االله بن مالك، ثم هرثمة بن أعين، وكان حاجبه الفضل ابن الربيع. وخرج هارون إلى خراسان في شعبان سنة 192، فترل قرماسين، فصار ا شهر رمضان وضحى بالري ،فلما صار إلى جرجان كتب إلى عيسى بن جعفر بالخروج إليه، فخرج إليه عيسى، فلما صار في بعض الطريق توفي. فحدثني شيخ من آل المهلب كان مع عيسى بن جعفر قال: دخلنا إليه يوما ً، وقد اشتدت علته، فسمعناه يقول: إنا الله وإنا إليه راجعون، ذهبت واالله نفسي! فقلنا له: إنك بحمد االله اليوم صالح. فقال: إني دققت ما يخرج من أذني، فوجدته رميما، حتى أغمي عليه، وسمع النساء بكاء الرجال، فغلبن الخدم، وخرجن فأفاق ورفع رأسه، فنظر إليهن وقال: قد كن يخبأن الوجوه تسترا ً فاليوم جئن برزن للنظار ثم قضى من ساعته، فلما بلغ الرشيد خبر وفاته، اشتد جزعه عليه، فدخل على جارية، فقالت: يا أمير المؤمنين إن عيسى كان يريد بك ما صار إليه، فأحاقه االله به، وهذا مسرور وحسين يعلمان ذلك. فقالا: صدقت! فتسلى ودعا بالطعام، وصار هارون إلى طوس، فترل قرية يقال لها سناباذ، وهو شديد العلة ،وتوفي مستهل جمادى الأولى سنة 193، وهو ابن ست وأربعين سنة، وصلى عليه ابنه صالح بن هارون ،وكان المأمون قد نفذ إلى مرو قبل ذلك بثلاثة وعشرين يوما ً، وجاء نعيه من طوس إلى مدينة السلام يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، وخلف من الولد اثني عشر ذكرا: عبد االله المأمون ،ومحمدا ً الأمين، والقاسم، وأبا إسحاق المعتصم، وأبا عيسى، وأبا العباس، وعليا ً، وصالحا ً، وأبا يعقوب ،وأبا علي، وأبا أحمد، وأبا أيوب، وكل مكنى من بني هاشم فاسمه محمد. وأقام الحج في ولايته سنة 170 هارون الرشيد، سنة 171 عبد الصمد بن علي، سنة 172 يعقوب بن المنصور، سنة 173 الرشيد، سنة 174 وسنة 175 الرشيد، سنة 176، سليمان بن أبي جعفر، سنة 177 الرشيد، سنة 178 محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي، سنة 179 الرشيد، وكان قد اعتمر فلم يزل معتمرا حتى حج، فانصرف إلى البصرة، سنة 180 موسى بن عيسى، وجهه هارون من الرقة، سنة 181 الرشيد، سنة 182 موسى بن عيسى، سنة 183 العباس بن موسى، سنة 184 إبراهيم بن المهدي، سنة 185 منصور بن المهدي، سنة 186 الرشيد، سنة 187 عبد االله بن العباس بن محمد، سنة 188 الرشيد، وهي آخر حجة حجها، ولم يحج بعده خليفة، سنة 189 العباس بن موسى بن عيسى ،سنة 190 عيسى بن موسى الهادي، سنة 191 الفضل بن العباس بن محمد بن علي، سنة 192 العباس بن عبد االله بن جعفر بن أبي جعفر. وغزا بالناس في أيامه سنة 171 يزيد بن عنبسة الحرشي، عاملا من قبل إسحاق بن سليمان، سنة 172 محمد بن إبراهيم، سنة 173 إبراهيم بن عثمان، سنة 174 سليمان بن أبي جعفر، سنة 175 عبد الملك بن صالح، وقيل إنه لم يدخل بلاد الروم، ولما صار إلى الدرب وجه الفضل بن صالح، سنة 176 هاشم بن الصلت، سنة 177 داود بن النعمان من قبل عبد الملك، سنة 178 يزيد ابن غزوان، سنة 179 الفضل بن محمد، سنة 180 إسماعيل بن القاسم سنة 181 هارون الرشيد، فافتتح حصن الصفصاف ،سنة 182 إبراهيم بن القاسم من قبل عيسى بن جعفر، سنة 183 الفضل بن العباس، سنة 184 محمد بن إبراهيم، سنة 185 إبراهيم بن عثمان، سنة 186 إبراهيم بن عثمان أيضا ً، سنة 187 القاسم ابن الرشيد، وعبد الملك بن صالح، وإبراهيم بن عثمان بن يك، وفيها قتل الرشيد إبراهيم بن عثمان، سنة 189 الفضل بن العباس، سنة 190 الرشيد، فافتتح هرقلة والمطامير وأغزى حميد بن معيوف بالبحر ،وكان أهل قبرس قد نقضوا الصلح، فغزاهم فقتل وسبى، سنة 191 خرج الرشيد يريد الغزو، فلما صار بالحدث أغزاهم مع هرثمة بن أعين، وأقام بالثغر حتى انصرف هرثمة. وكان الفقهاء في أيامه: محمد بن عمران بن إبراهيم، مالك بن أنس، إبراهيم بن محمد بن أبي الحسن الأسلمي، أبا البختري بن وهب القرشي، عبد االله بن جعفر المديني، إسماعيل بن جعفر أبا عقيل، أبا معشر السندي، سعيد بن عبد العزيز الجمحي، عبد العزيز بن أبي حازم، عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عبد الرحمن بن عبد االله العمري ،سليمان بن فليح... عطاء ابن يزيد، سفيان بن عيينة، شريك بن عبد االله النخعي، سلمة الأحمر، أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم، إبراهيم بن سعد الزهري، سفيان بن الحسن الحماني، جعفر بن عتاب بن أبي زائدة، علي بن مسهر، عبد االله بن إدريس الأودي، محمد بن مروان السدي، جرير بن عبد الحميد الكوفي، شعيب بن صفوان صاحب ابن شبرمة، جعفر بن سليمان، محمد بن الحسن، علي بن هاشم، عبد االله بن الأصلح الكندي، الطلب بن الحجاج، القاسم بن مالك المزني، علي بن ظبيان، أبا شهاب الكوفي ،محمد بن مسروق القاضي، عدي بن عبد االله بن عتبة بن مسعود، وكيع بن الجراح، يحيى بن البهائي ، عمرو بن هشام، حماد بن زيد، أبا عوانة، يزيد بن زريع، عبيد االله بن الحسن، المعتمر بن سليمان، داود بن الزبرقان، عباد بن عباد المهلبي، حمزة بن نجيح، خالد بن يزيد، محمد بن راشد، عمران بن خالد صاحب عطاء، محمد بن يزيد الواسطي، عبد المنعم بن نعيم، عمر بن جميع، يوسف بن عطية، عبد العزيز بن عبد الصمد. أيام محمد الأمين وبويع لمحمد الأمين بن هارون الرشيد، وأمه أم جعفر بنت جعفر بن المنصور، ولم يكن في الخلفاء هاشمي الأبوين غير علي بن أبي طالب، ومحمد، وكانت البيعة له بطوس، في اليوم الذي توفي فيه الرشيد، وهو يوم الأحد مستهل جمادى الأولى سنة 193، وأخذ له الفضل بن الربيع بيعة من حضر من الهاشميين والقواد، وقدم رجاء الخادم إلى محمد ببغداد يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، وكان ذلك من شهور العجم في آذار، وكانت الشمس يومئذ في الحمل ثلاث درجات وثلاثا ً وخمسين دقيقة ،وزحل في القوس ست درجات وعشرين دقيقة راجعا ً، والمشتري في القوس ست درجات وعشرين دقيقة راجعا، والمريخ في الدلو ستا ً وعشرين درجة وثلاثين دقيقة، والزهرة في الحوت سبع درجات وثلاثين دقيقة، والرأس في السرطان اثنتين وعشرين درجة. فبايع الناس في هذا اليوم ببغداد، وخرج إسحاق بن عيسى بن علي بن عبد االله بن العباس، فصعد المنبر ،فحمد االله وصلى على محمد، ثم قال: نحن أعظم الناس رزيئة وأحسن الناس بقية، رزئنا رسول االله، فلم يكن أحد أشد رزءا منا، وعوضنا خلفا ابنه، فمن ذا له مثل عوضنا؟ ثم نعاه إلى الناس، وذكرهم العهد ،ثم نزل. فلما كان يوم الجمعة صعد محمد المنبر، فحمد االله وأثنى عليه، وصلى على محمد، وذكر ما فضله االله به، ثم قال: وأفضت خلافة االله وميراث نبيه إلى أمير المؤمنين الرشيد، فعمل بالحق، وساس بالعدل ، وحج بيت االله، وجاهد في سبيل االله، وبذل مهجته في طاعة االله، وباشر الجهاد طلبا لرضى االله جل وعز حتى أعز االله دينه، ثم دنياه، وأقام حقه، ووقم العدو، وآمن السبل، ونصح العباد، وعمر البلاد، وقد اختار االله له ما عنده، وأكرمه بلقائه، فعند االله نحسبه، وإياه نسأل حسن الخلافة من بعده، والمعونة على ما حملني من أمركم، وارغب إليه في التسديد والتوفيق لما يرتضيه فيكم. ثم حض على الطاعة، وأمر بالمناصحة، ونزل. وقدم الفضل بن الربيع الخزائن وبيوت الأموال ووصية الرشيد، مستهل جمادى الآخرة، وكان محمد بن هارون قد أمر بإظهار الحج فقال له الفضل ابن الربيع: إن أباك أمرني أن أقول لك إنه لن يحج بعدي أحد من خلفاء بني العباس فأقام، وحجت أمه أم جعفر معتمرة شهر رمضان، وقد كانت تقدمت في حفر عين المشاش في أيام الرشيد فقدمت مكة وقد فرغ منها، فبنت المصانع، وجعلت الحياض والسقايات ووجه محمد بعشرين ألف مثقال ذهبا، فجعلت صفائح على باب الكعبة ومسامير الباب والعتبة وأخرج عبد الملك بن صالح من الحبس، وولاه جميع ما كان إليه من الجزيرة وجند قنسرين والعواصم والثغور ورد عليه أمواله وضياعه ودفع إليه ابنه عبد الرحمن وكاتبه قمامة فحبس قمامة في حمام قد أحكم، وأوقد أشد وقود، وطرح معه سنانير، فلم يزل فيه حتى مات، وحبس ابنه فلم يزل محبوسا ً. وقال عبد الملك حين أخرج من الحبس، وذكر ظلم الرشيد له: واالله إن الملك لشيء ما نويته، ولا تمنيته ،ولا قصدت إليه، ولا ابتغيته، ولو أردته لكان أسرع إلي من السيل إلى الحدور ومن النار إلى يابس العرفج وإني لماخوذ بما لم أجن ومسؤول عما لا أعرف، ولكنه واالله حين رآني للملك قمنا، وللخلافة خطرا ،ورأى لي يدا ً تنالها إذا مدت، وتبلغها إذا بسطت، ونفسا تكمل لخصالها، وتستحقها بخلالها، وإن كنت لم اختر تلك الخصال، ولا اصطنعت تلك الخلال، ولم أترشح لها في سر، ولا أشرت إليها في جهر، ورآها تحن إلى حنين الوالدة، وتميل إلى ميل الهلوك، وخاف أن تترع إلى أفضل مترع، وترغب في خير مرغب ،عاقبني عقاب من قد سهر في طلبها، ونصب في التماسها، وتفرد لها بجهده، ويأ لها بكل وسعه، فإن كان إنما حبسني على أني أصلح لها وتصلح لي، وأليق ا وتليق بي، فليس ذلك بذنب فأتوب منه، ولا تطاولت إليه فأحط نفسي عنه، وإن زعم أنه لا صرف لعقابه، ولا نجاة من عذابه، إلا بأن أخرج له من الحكم، والعلم، والحزم والعزم فكما لا يستطيع المضيع أن يكون حافظا كذا لا يستطيع العاقل أن يكون جاهلا ً، وسواء عليه عاقبني على عقلي أم عاقبني على طاعة الناس لي، ولو أردا لأعجلته عن التفكير ،وشغلته عن التدبير، ولم يكن لما كان من الخطاب إلا اليسير، ومن بذل اهود إلا القليل. وأخرج علي بن عيسى بن ماهان من الحبس، ورد عليه أمواله، وولاه شرطته وقدمه وآثره. وولى أسد بن يزيد بن مزيد أرمينية فقدمها، وقد غلب على ناحية من البلد يحيى بن سعيد الملقب كوكب الصبح وإسماعيل بن شعيب مولى مروان ابن محمد بن مروان وكانا بناحية جرزان فاحتال لهما حتى أخذهما، ثم من عليهما، وخلى سبيلهما، وكان حسن السيرة سخيا ً ثم عزله محمد وولى أرمينية إسحاق بن سليمان الهاشمي فوجه إليها ابنه الفضل خليفة له، ولم يزل الفضل ا أيام المخلوع. وولى محمد بن سعيد بن السرح الكناني اليمن وكان من أهل فلسطين، فأقام ا ثلاث سنين، ثم عزله وولى جرير بن يزيد البجلي فخرج سعيد بن السرح من اليمن بأموال عظام، حتى صار إلى فلسطين فاتخذ الدور والضياع، فلم يزل جرير بن يزيد على اليمن حتى بويع للمأمون. وقد وجه الرشيد هرثمة بن أعين في جيش إلى رافع بن الليث إلى سمرقند وقد استكثف جمع رافع واستمال أهل الشاش وفرغانة، وأهل خجندة وأشروسنة والصغانيان وبخارى وخوارزم وختل وغيرها من كور بلخ وطخارستان والسغد وما وراء النهر والترك والخرلخي والتغزغز وجنود التبت وغيرهم، واستنصر م على قتال السلطان وقتل المسلمين وصار إلى مدينة سمرقند فتحصن ا، فلم يزل هرثمة محاربا ً له حتى قتل خلق من أصحابه. ثم استعان رافع بجيغويه الخرلخي وكان جيغويه هذا قد أسلم على يد المهدي فجعل يخادع هرثمة ويوهمه أنه معه، ومعونته وهواه لرافع ثم أظهر المعصية، والخلع فقوى أمر رافع بمكانه، وأحرق السواد بالنار، وتبرأ من أهله، ودعا لغير بني هاشم وأخذ هرثمة بإكظامهم، حتى ضرع رافع إلى الأمان فأمنه، فخرج إليه بولده وأهل بيته وأمواله، وذلك في المحرم سنة 194، فكتب المأمون إلى محمد بالفتح، وأعلمهم ما كان من تدبيره واجتهاده، حتى فتح االله عليه. فأفسد قوم قلب محمد على المأمون وأوقعوا بينهما الشر، وكان الذي يحرضه علي بن عيسى بن ماهان والفضل بن الربيع وزينا له أن يبايع لابنه بولاية العهد من بعده، ويخلع المأمون ففعل ذلك، وبايع لابنه موسى وكان ذلك لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر سنة 194، وجمع العهود التي كان كتبها الرشيد بينهما فحرقها، وجرت الوحشة بينهما، وكتب محمد إلى المأمون يأمره بالقدوم عليه في جميع القواد فكتب إليه يعلمه أنه لا سمع عليه في هذا ولا طاعة فكتب إلى من بخراسان من القواد فأجابوه بمثل ذلك ، وقالوا: إنما يلزمنا لك الوفاء إذا وفيت لأخيك، وأنت قد نقضت العهود وأحدثت الأحداث، واستخففت بالأيمان والمواثيق. ووجه محمد إلى أم عيسى بنت موسى الهادي امرأة المأمون يطلب منها جوهرا ً كان عندها للمأمون فمنعته، وقالت: ما عندي شيء أملكه، فوجه من هجم مترلها، فانتهب كل ما فيه، وأخذ ذلك الجوهر ،فلما انتهى ذلك إلى المأمون جمع القواد الذين قبله، فقال لهم: قد علمتم ما كان أبي شرط علي وعلى محمد وقد نكث ونقض العهود وأوجد السبيل إلى خلعه بنكثه ونقضه وتعرضه لأموالي وأسبابي وأعمالي ،وتحريقه الشروط والعهود التي عليه، واستخفافه بحق االله فيما نكث من ذلك، واشتغاله بالخصيان، فاتفق رأيهم على مراسلته، فإن رجع، وإلا خلعوه. وبلغ محمدا ً ذلك، فجمع قواده وذكر لهم خلع المأمون إياه وندم إلى الخروج إليه، فاختاروا عصمة بن أبي عصمة السبيعي فسير معه جيشا ً كثيفا ً، فخرج حتى صار إلى حد خراسان ثم وقف وكتب إليه يحركه على المسير فامتنع، فقال: أخذت علينا البيعة أن لا ندخل خراسان وأخذت عليك ألا تدخلها، ولا ترسل أحدا ً إليها، فإن جاءني إنسان من قبل المأمون إلى هاهنا قاتلته، وإلا لم أجز الحد فوجه محمد علي بن عيسى بن ماهان واليا على خراسان، وأمره بإشخاص المأمون ومن معه، وضم إليه من القواد والجند أربعين ألف مرتزق وحملت إليه الأموال ودفع إليه قيد فضة، وقال: إذا قدمت خراسان قيد ذا القيد المأمون واحمله إلى ما قبلي، فلما أتى المأمون الخبر ندب طاهر بن الحسين بن مصعب البوشنجي للخروج ،وقبل ذلك كان قد ولاه كورة بوشنج وأزاح علته بالكراع والأموال، ونفذ، فلقي علي بن عيسى بالري في سنة 195، وعلي بن عيسى في خلق عظيم، وطاهر بن الحسين في خمسة آلاف، فخرج علي بن عيسى في نفر يسير يدور حول العسكر وبصر به طاهر بن الحسين فأسرع إليه في جماعة من أصحابه ، فلاقى عليا ً وهو على برذون أصفر، وعليه طيلسان كحلي طويل، فدافع عنه من كان معه حتى قتل جماعة وركض، فاتبعه طاهر وحده، فضربه بسيفه حتى أثخنه، وسقط إلى الأرض، فترل واحتز رأسه، ورجع إلى معسكره ونصب الرأس على رمح ونادى في عسكر علي بن عيسى: قتل الأمير! وبلغ أصحابه به خبره ،فازموا وأسلموا الخزائن والكراع فلم يبت طاهر حتى حوى جميع ما كان في عسكره فاستأمن إليه كثير من أصحابه. وكتب طاهر بالفتح إلى المأمون إلى مرو، ووجه بالرأس إليه مع رجل من أصحابه، فلما دخل على ذي الرئاستين سأله عن الخبر، فذهل، وانقطع كلامه فلم يقدر على إجابته، فهال ذلك الفضل ففتح الخريطة ،وقرأ الكتب ثم قال: أين الرأس؟ فطلب ما معه، فلم يوجد، وسئل عنه فلم يتكلم، فوجه في طلبه فوجده قد سقط على مقدار ميلين، فحمل وأدخل إلى مرو. وقرئ الفتح على الناس وبويع للمأمون بالخلافة وخلع محمدا ً فأعطى جميع أهل خراسان الطاعة للمأمون فحدثني أحمد بن عبد الرحمن الكلبي قال: سلم على المأمون بالخلافة وصعد المنبر فحمد االله وأثنى عليه، وصلى على محمد، ثم قال: أيها الناس إني جعلت الله على نفسي أن استرعاني أموركم أن أطيعه فيكم، ولا أسفك دما عمدا ً لا تحله حدوده وتسفكه فرائضه، ولا آخذ لأحد مالا ً، ولا أثاثا ً، ولا نحلة تحرم على، ولا أحكم واي في غضبي ولا رضاي إلا ما كان في االله له، جعلت ذلك كله الله عهدا مؤكدا ً، وميثاقا ً مشددا ً، إني أفي رغبة في زيادته إياي في نعمي، ورهبة من مسألتي إياي عن حقه وخلفه ،فإن غيرت، أو بدلت، كنت للعبر مستأهلا، وللنكال متعرضا، وأعوذ باالله من سخطه وارغب إليه في المعونة على طاعته، وأن يحول بيني وبين معصيته ولما بلغ محمدا ً قتل علي بن عيسى بن ماهان وازام عسكره ومصيرهم إلى حلوان وخلع أهل خراسان له واجتماع كلمتهم على المأمون وأن طاهرا قد قوي بما صار في يده من الأموال والسلاح والكراع وكتب إليه المأمون ألا يعرج دون بغداد وأن يقصدها وجه عبد الرحمن بن جبلة إليه وأمره أن يضم إليه من بحلوان من القواد والجند الذين كانوا مع علي بن عيسى فلقي طاهرا مذان في ذي القعدة سنة 195، فقتله طاهر واستباح كل ما في عسكره فوجه محمد عبد االله بن حميد بن قحطبة الطائي فرجع من حلوان. ووثب بالشام رجل يقال له علي بن عبد االله بن خالد بن يزيد بن معاوية يدعو إلى نفسه، فوجه إليه محمد بالحسين بن علي بن ماهان فلما صار الحسين إلى الرقة أقام ولم ينفذ إليه، وتوفي داود بن يزيد المهلبي عامل السند فاستخلف ابنه ووثب مالك بن لبيد اليشكري بالسواد فدعا للمأمون. وبلغ محمد بن أبي خالد القائد وكان شيخ قواد الحربية والمطاع فيهم أن محمدا ً قد عزم على قتله والفتك به، فجمع إليه أهل الحربية والأبناء، ثم وثبوا بمحمد فوجه إليهم محمد... فتحاربوا بموضع ببغداد يقال له باب الشام فكانت تلك الحرب أول حرب وقعت ببغداد في تلك السنة. وكان عامل محمد بمصر حاتم بن هرثمة بن أعين ،فعزله وولى جابر بن الأشعث الخزاعي سنة 195، فلما قدم جابر بن الأشعث لم يدع للمأمون على المنابر كما كان يدعى بعد محمد، فشغب الجند، وقالوا: لا طاعة! فأعطاهم عطاءين. وقدم يحيى بن محمد المديني بكتاب المأمون، فامتنع جابر بن الأشعث من البيعة له، وأقام على طاعة محمد ،فوثب السري بن الحكم البلخي، وكان أحد قواد مصر، وجماعة معه، ودعوا الجند إلى البيعة للمأمون ،ووعدوهم رزق سنتين، فأجابوا إلى ذلك، وأخرجوا جابر بن الأشعث من دار الإمارة، وصيروا مكانه عباد بن محمد، وكان عباد خليفة هرثمة بن أعين في البلد، فدعا للمأمون بالخلافة في رجب سنة 196... قوم، فوجه إليهم عبد بن حكيم بن كون، ومحمد بن صعير، فكانت بينهم وقعة، ثم سلموا وبايعوا ،وكتب محمد إلى رجل يقال له ربيعة بن قيس الحرشي، بولاية مصر، فجمع إليه أهل الحوف وغيرهم ، وقاتل عباد بن محمد، وزحف إليه حتى صار إلى قرب الفسطاط، فكانت بينهم وقعات وغلب عبادا ً على البلد، إلى أن وجه المأمون بالمطلب بن عبد االله الخزاعي عاملا ً على مصر. وتوفي عبد الملك بن صالح بالرقة في هذه السنة، وهي سنة 196، وكان عامل محمد بن هارون على الجزيرة وجند قنسرين والعواصم والثغور واضطرب البلد بعد وفاته، وتغلب كل رئيس قوم عليهم، وصار الناس حزبين: حزب يظاهر بمحمد وحزب يظاهر بالمأمون، فلم يبق بلد إلا وفيه قوم يتحاربون لا سلطان يمنعهم ولا يدفعهم، وأخذ طاهر من ناحية الجبل إلى الأهواز، وقتل محمد بن يزيد بن حاتم عامل محمد وجيلويه الكردي. وتوجه زهير بن المسيب الضبي إلى فارس، فأخذها وبايع ا، وصار طاهر إلى واسط لثلاث خلون من رجب بعد أن بايع أهل البصرة للمأمون على يد منصور بن المهدي، وبالكوفة على يد الفضل بن موسى بن عيسى، وبالموصل على يد المطلب بن عبد االله، وبمصر على يد عباد بن محمد، وبالرقة على يد الحسين بن علي بن ماهان، فأخرجه من كان ا من الزواقيل وغيرهم، فقدم بغداد لثمان خلون من رجب سنة 196، فأنكر مذهب محمد، وبلغه عنه ما يكره، فدعا الجند ببغداد إلى بيعة المأمون، فأجابوه، فوثب على محمد، فحبسه وأمه وولده، فلما حبسهم طالبه الجند بأرزاقهم، فاعتل عليهم، فقبضوا عليه، وأخرجوا محمدا ً وأمه وولده من الحبس، وبايعوه، وضربوا عنق الحسين ابن علي، فسألوا محمدا ً في أرزاقهم ، فأعطاهم خمسمائة خمسمائة، وقارورة غالية، وعقد أربعمائة لواء لقواد شتى، واستعمل عليهم علي بن محمد بن عيسى بن يك، وأمرهم بالمسير إلى هرثمة، وهرثمة يومئذ معسكر بالنهروان، فالتقوا في شهر رمضان، فهزمهم وأسر علي بن محمد بن عيسى بن يك، وبعث به إلى المأمون. وزحف بجيشه حتى صار بموضع يقال له ريين، من بغداد على فرسخ أو فرسخين وصار طاهر بنهر صرصر على أربعة فراسخ من بغداد، وكان طاهر في الجانب الغربي وهرثمة في الجانب الشرقي، وحرب بغداد قائمة في الجانبين جميعا ً، إلا أن الأسواق قائمة، والتجار على حالهم لا يهاجون، وتجتمع على التاجر الواحد جماعة من أصحاب المأمون وجماعة من أصحاب محمد، فلا يكون بينهم تنازع، ووثب الأبناء والحربية بمحمد، ودعوا للمأمون، وكاتبوا طاهرا، وأعطوه الرهائن، فدخل طاهر بغداد، فاشتق الجانب الغربي إلى باب الأنبار. وكان محمد قد حبس سليمان بن أبي جعفر وإبراهيم بن المهدي لأمر بلغه، فلما صار هرثمة على باب بغداد أخرجهما من الحبس، ووجه ما مع جماعة من بني هاشم إلى هرثمة يدعونه إلى طاعته ويجعل له ما أراد من الأموال والقطائع، فقال لهم هرثمة: لو لا أن لا تقتل الرسل لضربت أعناقكم، فانصرفا إلى محمد! وخلى سبيلهما. ووثب أهل شرقي بغداد بمحمد، ودعوا للمأمون، وأجلوا خزيمة بن خازم التميمي، فصار إلى الجسر ،فقطعه. ودخل زهير بن المسيب من كلواذى في السفن، وفيها المنجنيقات والعرادات، فصار محمد إلى قصره المعروف بالخلد في غربي بغداد، فتحصن به، فرماه زهير بالمنجنيق. ودخل هرثمة من باب خراسان من عسكر المهدي، وهو الجانب الشرقي من بغداد، ودخل طاهر من معسكره إلى مدينة أبي جعفر، وأحدقوا بالخلد، فخرج محمد من باب خراسان، حتى أتى دجلة يريد هرثمة، فبلغ أصحاب طاهر ذلك، فوثبوا رثمة، وهو في حراقة له حتى غرقوه، وأخرجوه بعد ساعة ، وخرج محمد في غلالة وسراويل، حتى جلس على الشط، والعسكر يمر به ولا يعرفه، حتى مر به مولى لشكله، فعرفه، فحمله إلى مترله. ثم أتى طاهر بن الحسين بخبره، فوقعت بين طاهر وبين هرثمة وزهير منازعة، فأمر طاهر قريشا ً الدنداني مولاه، فضرب عنقه، ونصب رأسه على رمح، ومضى به إلى معسكره بالبستان، ثم بعث به إلى المأمون. فكان مقتله يوم الأحد من المحرم سنة 198، وسمعت من يقول: لخمس خلون من صفر، وكتب طاهر إلى المأمون كتابا ً بخطه: أما بعد، فإن المخلوع، وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة، فقد فرق حكم الكتاب بينه وبينه في الولاية والحرمة لمفارقته عصمة الدين، وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين. يقول االله عز وجل، فيما قص علينا من نبإ نوح يا نوح، إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح، ولا طاعة لأحد في معصية االله ولا قطيعة، إذا ما كانت القطيعة في ذات االله. وكتابي هذا إلى أمير المؤمنين ،وقد قتل االله المخلوع، وأسلمه بغدره ونكثه، وأحصد لأمير المؤمنين أمره، وأنجز له ما كان ينتظره من سابق وعده، والحمد الله الراجع إلى أمير المؤمنين حقه، الكائد له فيمن خان عهده ونقض عقده، حتى رد به الألفة بعد فرقتها، وجمع به الأمة بعد شتاا، فأحيا به أعلام الدين بعد دثور سرائرها. ثم كتب كتابا ً بالفتح يشرح فيه خبره منذ يوم شخص من خراسان، وما عمل في بلد بلد ويوم يوم جعلناه في كتاب مفرد. وكانت خلافته منذ يوم توفي الرشيد إلى أن قتل أربع سنين وسبعة أشهر وواحدا ً وعشرين يوما ً، ومنذ مات هارون إلى أن خلع ثلاث سنين، وكانت سنة يوم قتل سبعا ً وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وقيل ثمانيا ً وعشرين سنة، وخلف من الولد الذكور اثنين: موسى وعبد االله ،وكان الغالب عليه إسماعيل ابن صبيح الحراني، والفضل بن الربيع، وعلى شرطة محمد بن المسيب، ثم عزله وولاه أرمينية، وصير مكانه محمد بن حمزة بن مالك، ثم عزله وصير مكانه عبد االله بن خازم التميمي، وكان على حرسه عصمة بن أبي عصمة ،وحجابته إلى الفضل بن الربيع يقوم ا ولد الفضل. وأقام الحج للناس في ولايته سنة 193 داود بن عيسى بن موسى، سنة 194 علي بن هارون الرشيد ،سنة 195 داود بن عيسى، سنة 196 العباس بن موسى ابن عيسى، وهو على مكة، سنة 197 العباس ،وغزا بالناس في سنة 194 الحسن بن مصعب من قبل ثابت بن نصر، سنة 195 ثابت بن نصر الخزاعي ،سنة 196 ثابت بن نصر، سنة 197 ثابت بن نصر. وكان الفقهاء في أيامه: محمد بن عمر بن واقد، يحيى بن سليمان الطائفي، أبا معاوية محمد بن حازم المكفوف، أسباط مولى قريش، عون بن عبد االله ابن عتبة بن مسعود، عبد الرحمن بن مسهر، محمد بن كثير الكوفي صاحب التفسير، سفيان بن عيينة، وكيع بن الجراح، عبد االله بن نمير يزيد بن إسحاق ،إسماعيل بن علية، عبد الوهاب الثقفي، يحيى بن سعيد القطان، يزيد بن مالك، الوليد بن مسلم صاحب الأوزاعي، إسحاق الأزرق، زيد بن هارون، علي بن عاصم، حماد بن عمرو، سلم بن سالم التميمي. أيام المأمون وبويع عبد االله المأمون بن هارون الرشيد، وأمه أم ولد، يقال لها مراجل الباذغيسية، في سنة 195، على ما ذكرنا في أيام محمد من أمره وأمر محمد، وبايع له عامة أهل البلدان سنة 196، فلما كان في المحرم سنة 198، وقتل محمد، اجتمع عليه أهل البلدان، ولم يبق أحد إلا أعطي طاعته، وادعى كل ممتنع في بلد أنه إنما كان في طاعة المأمون وعلى الميل إليه. وكانت الشمس يومئذ في الميزان درجة وثلاثا ً وخمسين دقيقة، والقمر في الأسد ستا ً وعشرين درجة وعشرين دقيقة راجعا ً، والمشتري في الحمل ثماني عشرة درجة وعشر دقائق راجعا ً، والمريخ في الأسد أربع درجات وأربعين دقيقة، والزهرة في الأسد أربعا ً وعشرين درجة، وعطارد في السنبلة ثلاثا ً وعشرين درجة وعشر دقائق، والرأس في الحمل أربعا وعشرين درجة وخمسين دقيقة. ووجه المأمون المطلب بن عبد االله الخزاعي إلى مصر عاملا ً عليها سنة 198، فأقام سبعة أشهر، ثم ولى العباس بن موسى بن عيسى الهاشمي مصر سنة 199، فوجه بابنه عبد االله بن العباس، فحبس المطلب بن عبد االله، واستخلف إبراهيم ابن تميم على الخراج، وصير شرطته إلى عبد العزيز بن الوزير الجروي. وساءت سيرة عبد االله بن العباس، فوثب السري بن الحكم، واستمال الجند، ثم حارب عبد االله حتى أخرجه من البلد، وأخرج المطلب من الحبس، فبايع له، ونزل دار الإمارة، وبيت عبد االله بن العباس ، وأخذ كل ما كان معه من الأموال، ومضى عبد العزيز الجروي إلى تنيس، فأقام متغلبا عليها، وعلى ما والاها من كور أسفل الأرض، وغلب السري بن الحكم على قصبة الفسطاط والصعيد، وتغلب العباس بن موسى بن عيسى على الحوف في قيس، فخذلته، فأقام ببلبيس خمسة وثلاثين يوما ً. وفي سنة 198 وجه المأمون الحسن بن سهل إلى العراق عاملا عليها وعلى غيرها من البلد، وقد كان وثب الأصفر المعروف بأبي السرايا، واسمه السري ابن منصور الشيباني بالكوفة، ومعه محمد بن إبراهيم العلوي المعروف بابن طباطبا، ثم توفي محمد بن إبراهيم، فأقام أبو السرايا مكانه محمد بن محمد بن زيد ،فأخذ البصرة العباس بن محمد بن موسى الجعفري. وقدم زيد بن موسى بن جعفر بن محمد من الكوفة، وقد كان خلع ا، فصار إلى البصرة مع العباس بن محمد الجعفري، وأخذ واسط محمد بن الحسن المعروف بالسلق، وأخذ اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر ،وأخذ الحجاز محمد ابن جعفر، وتغلب على نصيبين وما والاها أحمد بن عمر بن الخطاب الربعي، وبالموصل السيد بن أنس، وبميافارقين موسى بن المبارك اليشكري، وبأرمينية عبد الملك بن الجحاف السلمي ومحمد بن عتاب، وباذربيجان محمد بن الرواد الأزدي، ويزيد بن بلال اليمنى، ومحمد بن حميد الهمداني، وعثمان بن أفكل، وعلي بن مر الطائي، وبالجبل أبو دلف العجلي ،ومرة بن أبي الرديني، وعلي ابن البهلول، ومحمد بن زهرة، وسنان وزيد بن... وبالسلسله وحن حساس وناحيتها بسطام بن السلس الربعي، وبكفر توثا ورأس عين حبيب بن الجهم، وبكيسوم وما والاها من ديار مضر نصر بن شبث النصري، وكان أصعب القوم شوكة وأشدهم امتناعا ً، وبقورس وما والاها من كور العواصم العباس بن زفر الهلالي، وبالحيار وما والاها من كور قنسرين عثمان بن ثمامة العبسي ،وبالحاضر الذي إلى جانب حلب منيع التنوخي. وقد كان يعقوب بن صالح الهاشمي يحارب الحاضر، فلم يبق منهم أحد، وافترقوا أيدي سبا، فصار أكثرهم إلى مدينة قنسرين، وخرب يعقوب الحاضر حتى ألصقه بالأرض، وكان فيه عشرون ألف مقاتل، فهو خراب إلى اليوم. وكان بمعرة النعمان وتل منس وما والاها من إقليم حمص الحواري بن حنطان التنوخي ،وبحماة وما والاها حراق البهراني، وبشيزر وما والاها بنو بسطام، وبمدينة حمص بنو السمط، وبالمصيصة وأذنة وما والاها من الثغور الشامية ثابت ابن نصر الخزاعي، وكان عاملا للأمين، فلما كان من أمره ما كان تغلب على البلد، وأقام بدمشق والأردن وفلسطين جماعة من سائر القبائل، وبمصر السري بقصبة الفسطاط والصعيد، وبأسفل الأرض عبد العزيز الجروي، وبالحوفين القيسية واليمانية. وغلبت لخم وبنو مدلج على الإسكندرية، ورئيس لخم رجل يقال له أحمد بن رحيم اللخمي، ثم غلب الأندلسيون، وكان ابتداء أمر الأندلسيين ام قدموا من الأندلس في أربعة آلاف مركب، فأرسوا في ميناء الإسكندرية في الرمل، وكانوا زهاء ثلاثة آلاف رجل، فأقاموا على ساحل البحر، وما... ثم وثب بعض أعوان السلطان على رجل منهم، فوقعت عصبية، فوثب الأندلسيون على الفضل بن عبد االله أخي المطلب بن عبد االله، وقتلوا صاحب شرطته، وصاروا إلى الحصن وحاربوا أهل الإسكندرية، حتى أجلوهم عن منازلهم، فخلوا الديار والأموال، ورأسوا عليهم رجلا ً يقال له أبو عبد االله الصوفي يسفك الدماء ويقتل المسلمين، ثم عزلوه وصيروا عليهم رجلا ً يقال له الكناني، وأجلوا بني مدلج ولخما عن البلد، فصار البلد كله لهم، وكان ببرقة مسلم بن نصر الأعور الأنباري. فلما ولى المأمون الحسن بن سهل العراق وجه خليفته ذا العلمين علي بن أبي سعيد، وكتب المأمون إلى طاهر بن الحسين أن يمضي إلى الجزيرة فيحارب نصر بن شبث، فلما قدم ذو العلمين العراق غلظ ذلك على طاهر، وقال ما أنصفني أمير المؤمنين! ثم نفذ إلى الجزيرة، فحارب نصرا ً. وقدم الحسن بن سهل العراق، فترل النهروان، وتوجه هرثمة إلى أبي السرايا، والتقوا بناحية الكوفة لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة 199، فكانت بينهم وقائع، فانصرف هرثمة، وزحف زهير بن المسيب الضبي إليه، فهزمه أبو السرايا، ورجع زهير إلى قصر ابن هبيرة، فوجه إليه الحسن بن سهل عبدوس بن محمد بن أبي خالد في جيش عظيم، فلقي أبا السرايا بموضع يقال له الجامع، بين بغداد والكوفة، لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب من هذه السنة، فقتله أبو السرايا، وأسر أخاه هارون بن محمد بن أبي خالد وجماعة من أصحابه. وبلغ زهيرا ً الخبر، فانصرف من قصر ابن هبيرة إلى بغداد، فرجع هرثمة في جيوش عظيمة، فلقي أبا السرايا، فلم يزل هرثمة حتى صار إلى الكوفة، فقاتله قتالا ً شديدا ً، حتى قتل عامة أصحاب أبي السرايا ،ودخل هرثمة الكوفة، وخرج أبو السرايا منهزما ً، حتى صار إلى واسط، ثم إلى الأهواز، فلقيه الحسن ابن علي الباذغيسي المعروف بالمأموني فهزمه. وانصرف أبو السرايا راجعا ً منهزما ً إلى روستقباذ، وهو عليل شديد العلة من بطن به، وبلغ حمادا ً الخادم المعروف بالكندغوش مكانه، فهجم عليه، فأخذه وأخذ معه محمد بن محمد العلوي وأبا الشوك مولاه، فصار م إلى الحسن ابن سهل وهو بالنهروان، فلما أدخل عليه قال له أبو السرايا: استبقني، أصلح االله الأمير. قال: لا أبقى االله على أن أبقيت عليك فأمر به فضربت عنقه، وقطع بنصفين ،وصلب على جسري بغداد. وأتي بمحمد بن محمد العلوي، فقربه وأدناه وبره، وقال له: لا خوف عليك ،لعن االله من غرك وولى خالد بن يزيد بن مزيد الكوفة. وصار الحسن بن سهل إلى المدائن، ووجه إلى محمد بن الحسن السلق عبد االله بن سعيد الحرشي، فالتقوا بواسط في شرقي دجلة، فهزم السلق، وفض جمعه. ووجه عيسى بن يزيد الجلودي إلى محمد بن جعفر العلوي، وقد تغلب بمكة، وأخرج داود بن عيسى الهاشمي، فلما قدم الجلودي مكة لم يحاربه واستأمن إليه، فأخذه الجلودي، وخرج به بنفسه إلى المأمون وهو بمرو، وخلف ابنه بمكة، فلما صار بجرجان توفي محمد بن جعفر، وورد كتاب المأمون على الجلودي يأمره بالرجوع إلى الحجاز، فرجع. ووجه حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان إلى اليمن، وإبراهيم بن موسى ابن جعفر العلوي متغلب ا ،فحاربه إبراهيم بمن معه من اليمن، وكانت وقعات منكرة تأخذ من الفريقين، وكان حمدويه قد استخلف على مكة يزيد ابن محمد بن حنظلة المخزومي، فخرج إبراهيم بن موسى من اليمن يريد مكة، وبلغ يزيد بن محمد، فخندق عليه مكة، وأرسل إلى الحجبة، فأخذ الذهب الذي كان بعث به المأمون من خراسان وصنم ملك التبت، وضربه دنانير ودراهم، وقرض قرضا من الأعراب، ودفع إليهم المال. وصار إبراهيم إلى مكة، فوافقه يزيد في أصحابه، وبعث إبراهيم بن موسى بعض أصحابه، فدخل من الجبل، فازم يزيد ولحقه بعض أصحابه فقتله، ودخل إبراهيم إلى مكة، فغلب عليها، وأقام ا حمدويه في ناحية من اليمن. وأشخص المأمون الرضا علي بن موسى بن جعفر من المدينة إلى خراسان، وكان رسوله إليه رجاء بن أبي الضحاك قرابة الفضل بن سهل، فقدم بغداد، ثم أخذ به على طريق ماه البصرة حتى صار إلى مرو، وبايع له المأمون بولاية العهد من بعده، وكان ذلك يوم الإثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة 201، وألبس الناس الأخضر مكان السواد، وكتب بذلك إلى الآفاق، وأخذت البيعة للرضى، ودعي له على المنابر، وضربت الدنانير والدراهم باسمه، ولم يبق أحد إلا لبس الخضرة إلا إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي الهاشمي، فإنه كان عاملا ً للمأمون على البصرة، فامتنع من لبس الخضرة، وقال: هذا نقض الله وله ،وأظهر الخلع، فوجه إليه المأمون عيسى بن يزيد الجلودي فلما أشرف على البصرة هرب إسماعيل من غير حرب ولا قتال، ودخل الجلودي البصرة، فأقام ا، وصار إسماعيل إلى الحسن بن سهل، فحبسه، وكتب في أمره إلى المأمون وكتب بحمله إلى مرو، فحمل، فلما صار بالقرب من مرو أمر المأمون أن يرد إلى جرجان فيحبس ا، فأقام بجرجان محبوسا ً ممنوعا ً منه، ثم رضي عنه بعد حين، ووجه ببيعة الرضا مع عيسى الجلودي إلى مكة، وإبراهيم ابن موسى بن جعفر ا مقيم، وقد استقامت له غير أنه يدعو إلى المأمون، فقدم الجلودي ومعه الخضرة وبيعة الرضا، فخرج إبراهيم فتلقاه، وبايع الناس للرضى بمكة ،ولبسوا الأخضر. وكان حمدويه بن علي بن عيسى، لما خرج إبراهيم إلى مكة، استمال جماعة من أهل اليمن، ثم خلع ،فكتب المأمون إلى إبراهيم بن موسى بولاية اليمن، وأمر الجلودي بالخروج معه ومعونته على محاربة حمدويه، فخرج إبراهيم حتى صار إلى اليمن، فلم يخرج الجلودي معه، فلحقه ابن لحمدويه، فحاربه، فقتل من أصحابه خلقا ً، وازم ابن حمدويه، وصار إبراهيم إلى صنعاء، فخرج حمدويه، فحاربه محاربة شديدة ،فقتل من أصحاب إبراهيم خلقا ً عظيما ً، وازم إبراهيم، فلم يرد وجهه شيء دون مكة، وانصرف الجلودي إلى البصرة، وقد تغلب عليها زيد بن موسى، وب دورا ً وأموالا ً كثيرة للناس، وكان معه جماعة من القيسية وغيرهم، فلما قرب الجلودي حاربوه يومهم ذاك، ثم ازموا، وازم زيد، فأخذه عيسى ،وحمله إلى المأمون، فمن عليه، وأطلق سبيله. وشخص هرثمة من العراق إلى مرو سنة 201، وقيل إنه انصرف بغير إذن من المأمون، فلما دخل على المأمون... قال: من نقرس، ولا يمكنني أمشي في محفة، وكلم المأمون بكلام غليظ، ودخل معه يحيى بن عامر بن إسماعيل الحارثي، فقال: السلام عليك يا أمير الكافرين! فأخذته السيوف في مجلس المأمون حتى قتل، فقال هرثمة: قدمت هذه اوس على أوليائك وأنصارك؟ فأمر المأمون بسحب رجل هرثمة وحبسه ،فأقام في محبسه ثلاثة أيام، ومات. وخرج بخراسان منصور بن عبد االله بن يوسف البرم، فوجه إليه المأمون وبادر منصور بن عبد االله، فقتله. ووثب محمد بن أبي خالد وأهل الحربية بالحسن بن سهل، حتى أخرجوه من بغداد، وأسروا زهير بن المسيب الضبي، وذلك أنه كان مع محمد بن أبي خالد... وأتوا محمد بن صالح بن المنصور، فقالوا: نحن أنصار دولتكم، وقد خشينا أن تذهب هذه الدولة بما حدث فيها من تدبير اوس، وقد أخذ المأمون البيعة لعلي بن موسى الرضا، فهلم نبايعك، فإنا نخاف أن يخرج هذا الأمر عنكم. فقال لهم: قد بايعت للمأمون، وكان محمد بن صالح أول هاشمي بايع المأمون ببغداد، ولست لكم بصاحب وصار الحسن بن سهل إلى واسط فاتبعه محمد بن أبي خالد والحربية والأبناء، فالتقوا بقرية أبي قريش دون واسط فكانت بينهم وقعة منكرة، وأصاب محمد بن أبي خالد سهم فأثخنه، فحمل إلى جبل وأقام أياما ً وتوفي، فحمل إلى بغداد. وقام عيسى بن أبي خالد بالعسكر وقد كان محمد بن أبي خالد أسر زهير بن المسيب الضبي فلما أدخل محمد بن أبي خالد إلى بغداد ميتا ً، وثب الأبناء على زهير بن المسيب وهو محبوس، فقتلوه، وشدوا في رجله حبلا، وجروه في طرق بغداد ومثلوا به، فاجتمع قواد الحربية فبايعوا لإبراهيم ابن المهدي، المعروف بابن شكلة لخمس ليال خلون من المحرم سنة 202، ودعي له بالخلافة وسمي بالمرضي ونزل الرصافة وصلى بالناس ببغداد في مسجد المدينة وعسكر بكلواذي ومعه الفضل بن الربيع وعيسى بن محمد بن أبي خالد وسعيد بن الساجور وأبو البط، وكتب بالولايات وعقد الألوية واستقامت له الأمور، وأطاعه الأبناء وأهل الحربية وما والاها، إلا من كان في طاعة المأمون فإم كانوا يحاربون مع حميد بن عبد الحميد الطائي الطوسي ويصيحون: يا عنقود، يا مغني! وكان إبراهيم أسود شديد السواد، وبنصف وجهه شامة ،سمج المنظر، وكانوا يدعونه عنقودا ً لذلك، ثم وثب أسد الحربي وكان من أصحاب إبراهيم في جماعة من الحربية فخلعوا إبراهيم ودعوا للمأمون وأخذ عيسى بن أبي خالد أسدا ً الحربي وابنا له، فقتلهما وصلبهما. وكان حميد بن عبد الحميد نازلا بموضع يقال له خان الحكم بنهر صرصر فراسل عيسى بن أبي خالد ليجتمعا، ثم صار حميد إلى بغداد فصلى خلف ابن أبي رجاء القاضي صلاة الجمعة، وانصرف إلى معسكره. وخرج مهدي بن علوان الشاري بناحية عكبرا ً فخرج إليه المطلب ابن عبد االله فواقعه وقعة بعد وقعة، ثم هزمه مهدي فانصرف المطلب منهزما إلى بغداد وخرج إليه أبو إسحاق بن الرشيد فواقعه، وهزم مهدي ولم يزل يتبعه حتى أسره فمن عليه المأمون وألزمه بابه، وألبسه السواد فلم يزل على باب المأمون حتى مات. وخرج المأمون من مرو متوجها إلى العراق سنة 202، ومعه الرضا وهو ولى عهده وذو الرئاستين الفضل بن سهل وزيره، وقد كتب للفضل الكتاب الذي سماه كتاب الشرط والحباء يصف فيه طاعته، ونصيحته ،وعظته، وعنايته، وذهابه بنفسه عن الدنيا، وارتفاعه عما بذل من الأموال والقطائع والجوهر والعقد ويشرط له على نفسه كل ما يسأل ويطلب، لا يدفعه، ولا يمنعه، ووقع فيه المأمون بخطه، وأشهد على نفسه، فلما صار المأمون بقومس قتل الفضل بن سهل وهو في الحمام، دخل عليه غالب الرومي وسراج الخادم بالسيوف فقتلهما المأمون جميعا ً، وقتل قوما ً معهما، وقتل ذا العلمين علي بن أبي سعيد وكان ابن خالة الفضل بن سهل وقال إنه الذي دس في قتله، ووجه برأسه إلى الحسن بن سهل إلى العراق وقتل خلف بن عمر البصري المعروف بالحف وموسى البصري وعبد العزيز بن عمران الطائي وغالبا ً الرومي وسراجا ً الخادم وأقصى قوما من قواده سماهم الشامتة، وأظهر عليه أشد جزع، ولم يوجد للفضل مال ولا ضيعة، ولا فرس، ولا آنية، إلا خمسة أعبد وفرسا ً وبرذونا ً. قال غسان بن عباد قلت للفضل يوما ً: أيها الأمير لو أمرت أن يتخذ لك ضياع وعقد، فقال: ولم؟ ويحك إن دام ما أنا فيه فالدنيا كلها ضيعتي وعقدي، وإن زال فما أنا فيه لا يزول إلا باصطلام. قال أبو سمير: وكنت أسمع الفضل بن سهل في أيام المأمون كثيرا ً ما يقول: لئن نجوت أو نجت ركائبي من غالب ومن لفيف غالب إني لنجاء من الكرائب وهو لا يدري من غالب ولا يذهب إلا إلى قريش، حتى دخل عليه غالب الرومي صاحب ركاب المأمون فقتله، فقال الفضل: لك مائة ألف دينار. فقال: ليس بأوان تملق ولا رشوة وقتله. وكان المأمون كلما مر ببلد أقام فيه، حتى يصلح حاله، وينظر في مصالح أهله، واستخلف على خراسان عند خروجه رجاء بن أبي الضحاك قرابة الحسن بن سهل وكانت خراسان قد استقامت وأعطى ملوكها جميعا ً الطاعة وأسلم ملك التبت وقدم على المأمون إلى... بصنم له من ذهب على سرير من ذهب، مرصع بالجوهر، فأرسله المأمون إلى الكعبة يعرف الناس هداية االله لملك التبت ولم تبق ناحية من نواحي خراسان يخاف خلافها، فلما فصل المأمون عن خراسان قلت مداراة رجاء بن أبي الضحاك وضعف في تدبيره، ولم يكن بالحازم في أموره فخاف المأمون أن يضطرب خراسان فعزله، وولى غسان ابن عباد فأحسن السيرة واستمال ملوك النواحي. وفاة الرضا علي ولما صار إلى طوس توفي الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بقرية يقال لها النوقان أول سنة 302 ولم تكن علته غير ثلاثة أيام، فقيل إن علي بن هشام أطعمه رمانا فيه سم، وأظهر المأمون عليه جزعا شديدا. فحدثني أبو الحسن بن أبي عباد قال: رأيت المأمون يمشي في جنازة الرضا حاسرا في مبطنة بيضاء ،وهو بين قائمتى النعش يقول: إلى من أروح بعدك، يا أبا الحسن! وأقام عند قبره ثلاثة أيام يؤتى في كل يوم برغيف وملح، فيأكله، ثم انصرف في اليوم الرابع، وكانت سن الرضا أربعا وأربعين سنة. وقال أبو الحسن بن أبي عباد سمعت الرضا يقول: إن مشي الرجال مع الرجل فتنة للمتبوع ومذلة للتابع وسمعته يقول: إن في صحف إبراهيم: أيها الملك المغرور! إني لم أبعثك لتبني البنى، ولا لتجمع الدنيا، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها، ولو كانت من كافر. وقال للمأمون: ما التقت فئتان قط إلا نصر االله أعظمهما عفوا ً. وقال: إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن، فيتعظ، فأما صاحب سيف وسوط فلا! إن من تعرض لسلطان جائر فأصابته منه بلية، لم يؤجر عليها، ولم يرزق الصبر فيها. وقدم المأمون مدينة السلام في شهر ربيع الأول سنة 204، ولباسه ولباس قواده وجنده والناس كلهم الخضرة، فأقام جمعة، ثم نزعها، وأعاد لباس السواد. وتغيب إبراهيم بن المهدي فلم يدر أين هو، وخرج من مترله، ومعه عبد االله بن صاعد كاتبه وامرأة من أهله، فلما صار في الطريق قال لعبد االله ابن صاعد: ارجع إلى أمي فسلها أن تدفع الجوهر الذي عندها! فرجع عبد االله ومضى هو، فخفي موضعه، وهرب الفضل بن الربيع إلى البصرة فاستتر عند يزيد بن المنجاب المهلبي وأمر المأمون أن يقبض ضياعه وأمواله وعقاراته، ثم صار إلى باب المأمون طالبا للأمان وقد كان بلغ المأمون أنه مات، وشهد عنده بذلك جماعة، فلما قيل للمأمون: هذا الفضل بن الربيع! قال: إن كان بعث من الآخرة فقد بعث الرشيد معه. ثم أدخله، فأعطاه الأمان ومن عليه وأحضره ليلة فقال: هبك تعتذر في محمد بأنه كانت له في عنقك بيعة من الرشيد فما عذرك في ابن شكلة وإنما محله محل المغنين والسفهاء، إذ قويت عزمه على ما خرج إليه من خلعي بعد أن صارت بيعتي في عنقك؟ فقال: يا أمير المؤمنين! ما أجد قلبي مكانه، وقد عظم جرمي عن الاعتذار، وجل ذنبي عن الإقالة، وما أرجو الحياة إلا من سعة عفوك فهب دمي لحرمتي بآبائك! فأمسك عنه ورد عليه ضيعة من ضياعه مبلغ مالها ثلاثمائة ألف درهم وستون ألفا ً، قدرها لقوته وقوت عياله. وأنزل المأمون محمد بن صالح بن المنصور دار الفضل بن الربيع وزوجه بخديجة ابنة الرشيد وأمر له بألفي ألف درهم مكافأة على ما كان من مسارعته إلى بيعته وطاعته والامتناع من بيعة إبراهيم وأعفاه من الركوب إلى بابه وإلى دار العامة فكان يركب مكانه كاتبه جعفر بن وهب وزوج محمد بن الرضا ابنته أم الفضل وأمر له بألفي ألف درهم، وقال: إني أحببت أن أكون جدا ً لامرئ ولده رسول االله وعلي بن أبي طالب فلم تلد منه، وولى صالح ابن الرشيد البصرة فاستخلف أبا الرازي محمد بن عبد الحميد وولى أبا عيسى ابن الرشيد الكوفة فاستخلف محمد بن الليث وكان طاهر بن الحسين بالجزيرة في محاربة نصر بن شبث فوجه إليه بعهده على الجزيرة والشام ومصر وولى دينار بن عبد االله الجبال وقد كان الحسن بن سهل ولى الجبل بأمر المأمون الحسن بن عمرو الرستمي فخلع أيضا ً، وأظهر المعصية، فلما قدم دينار حاربه، فأسره وأسر علي بن البهلول ووجه المأمون بنصر بن حمزة ابن مالك الخزاعي إلى الثغور وقد ولى الرشيد إياها ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي وخيف معصيته فتسلمها منه نصر بن حمزة وتولى الثغور ولم يلبث ثابت بن نصر إلا أقل من جمعة حتى مات، فقيل إن نصر بن حمزة ابن مالك سقاه السم. ووجه المأمون بعيسى بن يزيد الجلودي عاملا على اليمن وا حمدويه بن علي بن عيسى متغلب قد أظهر المعصية بعد خروج إبراهيم بن موسى بن جعفر العلوي فلما صار إلى مكة أشخص إبراهيم بن موسى إلى بغداد وولى مكانه عبيد االله بن الحسن العلوي بعهد من المأمون ونفذ الجلودي إلى اليمن وزحف إليه حمدويه فالتقوا لخمس خلون من جمادى الأولى سنة 205، فدعاه إلى الطاعة فامتنع، وشبت الحرب بينهم، فقتل من أصحاب حمدويه خلق عظيم، وازم حمدويه حتى دخل مدينة صنعاء فاتبعه الجلودي حتى صار إلى الدار التي كان يترلها، فأخذه الجلودي وهو في ثوب جارية من جواريه، فقال له: سوءة لك قائد ابن قائد يقاتل الخليفة ويفر من الموت هذا الفرار؟ قد آمنك االله على دمك، حتى تصير إلى أمير المؤمنين فيحكم فيك برأيه. وأشخصه إلى المأمون. ووثب الجند بطاهر بن الحسين وهو بالرقة يحارب نصر بن شبث فانصرف إلى بغداد وولى مكانه يحيى بن معاذ فأقام بالرقة حتى توفي، وولى المأمون طاهرا الشرط فأقام سنة، ثم شكا إلى أحمد بن أبي خالد الأحول كاتب المأمون ببرمه بالمقام بالباب ومحبته الخروج من بغداد وكان بينهما مودة وخلة، وجعل له ثلاثة آلاف ألف درهم، فاحتال أحمد بن أبي خالد أن كتب عن غسان بن عباد عامل خراسان كتابا ً إلى المأمون فيه أن تعفني من خراسان فقال المأمون: واالله ما أعرف في المملكة إلا خراسان وما أدري ما حمل هذا الجاهل على الاستعفاء إلا أن يكون ما رأى نفسه لها أهلا ً. فقال له أحمد بن أبي خالد فولها طاهرا ً! فولى طاهر بن الحسين خراسان في أول سنة 206 مكان غسان بن عباد فقدمها طاهر وقد خرج حمزة الشاري ا، فوجه إليه بجيش بعد جيش ثم توفي حمزة فقام بعده ابنه إبراهيم بن النصر التميمي فلم يزل أيام طاهر وقدم غسان بن عباد من خراسان فحجبه المأمون عنه شهرا ً، ثم كتب الحسن بن سهل فيه ،فأذن له فقال: يا أمير المؤمنين جعلني االله فداك ما ذنبي؟ قال: تستعفيني من خراسان وهي المملكة بأسرها... فحلف له على ذلك، ووقف على تدبير أحمد بن أبي خالد. وولى المأمون عبد االله بن طاهر الجزيرة والشام ومصر والمغرب وصير إليه جميع أعمالها، وأمره بمحاربة المتغلبين ا، فنفذ عبد االله في سنة 206 بعد نفوذ أبيه إلى خراسان بشهرين، فصار إلى الرقة، فواقع نصر بن شبث النصري المتغلب بكيسوم وما والاها من ناحية الجزيرة، وكتب إلى سائر المتغلبين في النواحي من الجزيرة والشامات، وأنفذ إليهم الرسل في المعاون، فكتب القوم جميعا ً ام في الطاعة، وسألوه أن يكتب لهم الأمانات، فقبل ذلك منهم. ووجه المأمون خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني إلى مصر، ومعه عمر بن فرج الرخجي في جيش، وأمرهما أن يتكاتفا على النظر، فإذا فتحا البلاد نظر عمر بن فرج الرخجي في أمر الخراج، وكان إلى خالد المعاون والصلاة، فسارا من العراق، وأخذا طريق البرية حتى صارا بفلسطين، ثم قدما إلى مصر، وعلي ابن عبد العزيز الجروي متغلب بأسفل الأرض، فلما قربا منه كتب إليهما أنه في السمع والطاعة، وأنه لم يزل هو وأبوه على ذلك، وأن كتبهما لم تزل ذا، فصار خالد بن يزيد وعمر بن فرج إلى ناحية أسفل الأرض، فأقاما عدة شهور يكاتبان عبيد االله بن السري، ثم زحف إليه خالد، فأقام عمر بموضعه وخرج عبيد االله من الفسطاط لمحاربة خالد، فلما التقيا خذل خالدا أصحابه الذين كان الجروي أنفذهم معه، فحارب خالد ساعة في مواليه وعشيرته، وكاثره عبيد االله، وأسره، فأقام عنده مكرما في أحسن حال وأجملها، ثم حمله في البحر، وزوده، وأجازه إلى العراق وكان خالد يقول: ما شكرت أحدا ً شكري لعبيد االله بن السري، لقد أحسن إلي كل إحسان لو لا أنه حملني في البحر وأقام عمر بن الفرج بأسفل الأرض إلى أن حضر وقت الحج، فبذرقة ابن الجروي إلى مكة. وكتب صاحب الخبر بخراسان يذكر أن طاهر بن الحسين صعد المنبر في يوم الجمعة، فخطب الناس، ولم يدع لأمير المؤمنين، فدعا المأمون بأحمد ابن أبي خالد ليلا ً، فقال له: بعتني بثلاثة آلاف ألف درهم أخذا من طاهر؟ فقال: أنا أخرج إليه، فأكفيك أمره، فأمره أن يتجهز، ثم ورد كتاب طاهر على أحمد بن أبي خالد يسأله أن يوجه إليه محمد بن فرخ العمركي، وكان أحب الناس إلى طاهر، وأوثقهم في نفسه، فقال أحمد بن أبي خالد للمأمون: يا أمير المؤمنين! إن محمد بن فرخ يقوم بما كنت أقوم به، فأقطع عدة قطائع ،ووصل بمال عظيم، ونفذ إلى خراسان، فأقام عنده شهرا ً حتى توفي، فيقال إن ابن أخي العمركي سقاه سما فقتله. وتوفي طاهر بن الحسين بخراسان في سنة 207، وهو ابن ثمان وأربعين سنة، فولى المأمون ابنه طلحة بن طاهر خراسان، وأنفذ أحمد بن أبي خالد في الجيش الذي كان ضمه إليه، فنفذ إلى خراسان، وأقدم معه الأفشين حيدر بن كاوس الأشروسني وجملة من أبناء ملوك خراسان. وبلغ المأمون أن بشر بن داود المهلبي عامل السند قد خالف، فوجه حاجب ابن صالح عاملا ً مكانه، فلما صار بمكران ألفي أخا لبشر بن داود، فقال له: سلم العمل، إن سبيل كتاب العمل أن يقرأه بشر ليكتب بالتسليم، وقال: إنما أنا من قبل بشر، وبشر بالمنصورة، وبينك وبينه يومان، فإذا اجتمعت معه وكتب إلي بالتسليم سلمت إليك. فوقعت بينهما المنازعة، وكتب إلى المأمون يخبره أن بشرا قد خلع، وأنه على محاربته، فأحضر المأمون محمد بن عباد المهلبي، وكان سيد أهل البصرة في زمانه، فقال: قد خالف بشر! فقال: معاذ االله! قال: فاخرج مع غسان بن عباد! فوجه مع غسان بجماعة من القواد وبموسى بن يحيى بن خالد البرمكي، وأمره أن يولي موسى البلد، فلما صار غسان إلى بلاد السند خرج إليه بشر، وأعطاه الطاعة من غير حرب ولا منازعة، فأشخصه، وولى البلد موسى بن يحيى، فلم يزل موسى في البلد حتى مات، فصار ابنه عمران بن موسى مكانه، ولما قدم بشر بن داود العراق ومن كان معه من آل المهلب أطلقهم المأمون جميعا ً، وأحسن إليهم. وظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي بن شكلة في أول سنة 208، ظفر به ليلا ً، فجلس في تلك الليلة جلوسا عاما، وحبسه عند أحمد بن أبي خالد بغير وثاق، وأمره بالإحسان إليه، ثم كتب إبراهيم من حبسه، وهو لا يشك أنه يقتله، كتابا إلى المأمون قال فيه: ولى الثأر، يا أمير المؤمنين، محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى، من تناوله الاغترار بما مد له من الرخاء أمر عادية الدهر على نفسه، وقد جعلك االله فوق كل ذي عفو كما جعل كل ذي ذنب دوني، فإن عفوت فبفضلك، وإن أخذت فبحقك. فوقع المأمون في رقعته: القدرة تذهب الحفيظة، والندم توبة بينهما عفو االله، وهو من أكثر ما نسأله. وخلى سبيله، وعفا عنه، وقال: إني شاورت جميع أصحابي في أمرك حتى شاورت أخي أبا إسحاق وابني العباس، فكلهم أشار علي بقتلك، فأبيت إلا العفو عنك. فقال: إما أن يكونوا قد نصحوك في عظم الخلافة وتدبير الملك، فقد فعلوا، ولكنك أبيت أن تستجلب نصر االله من حيث دعوك. وكان المأمون شاور فيه أصحابه جميعا ً، فكل أشار بقتله، فقال لهم: إن قتلته كنت متبعا للملوك قبلي فيما فعلته بمن ناواها ونازعها، وإن عفوت كنت أمه وحدي. ووثب ابن عائشة، وهو إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد االله بن عباس، في جماعة معه منهم: مالك بن شاهي النفري من أهل السواد، ومحمد بن إبراهيم الإفريقي، فدونوا الدواوين، وأثبتوا أسماء الرجال، وسموا العمال، فظفر به المأمون، فحبسه في المطبق، فاستمال إبراهيم بن عائشة أهل المطبق، حتى حملهم على الوثوب، وأن يشغبوا، وتنصروا، وشدوا الزنانير في أوساطهم والصلب في أعناقهم، ورفع محمد بن عمران صاحب البريد خبرهم، فركب المأمون إلى المطبق ليلا ً، لما صح عنده الخبر، وأحضر جماعة من قواده، ودعا بإبراهيم، فضرب عنقه وقتل الذين كانوا معه، وهم: الإفريقي، وفرج البغوارى، وصلب ابن عائشة ببغداد ثلاثة أيام، ثم أنزله، وكان ذلك في سنة 210. وشخص المأمون من بغداد إلى فم الصلح، وهو مترل الحسن بن سهل فتزوج بوران بنت الحسن بن سهل، فعرس ا هناك، فكان عرسا لم ير مثله، فأنفق الحسن بن سهل على المأمون وجميع من معه من أهل بيته وكتابه وأصحابه وجميع من حوى عسكره من الاتباع، أيام مقام المأمون، ونثر عليهم الضياع والقرى والجواري والوصفاء والخيل والدواب، فكانت تكتب أسماء هذه الأنواع في رقاع صغار، وتجعل في بنادق المسك، وتنثر على الناس، فكلما أخذ إنسان بندقة نظر إلى الرقعة فيها، ثم قبضها من الوكلاء ،ثم نثر على الناس الدراهم والدنانير وفار المسك وقطع العنبر، وأقام المأمون أربعين يوما ً ثم انصرف. وفتح عبد االله بن طاهر كيسوم، فظفر بنصر بن شبث في هذه السنة، وهي سنة 210، وحمله إلى المأمون. فحكى ابن منصور بن زياد، وكان على بريد عبد االله بن طاهر، وكتب بخبره إلى المأمون: أن عبد االله بن طاهر يخرج في كل ليلة من عسكره، ويخرج إليه نصر بن شبث، فيجتمعان ويتحدثان، فدعا المأمون بعمرو بن مسعدة، فأمره أن يظهر علة يحتاج أن يقيم لها في مترله، وأن يخرج على خمس عشرة دابة من دواب البريد، ولا يعلم أحدا ً حتى يصير إلى عبد االله بن طاهر، ويقول له: يا ابن ألفا ًعلة، لقد هم أمير المؤمنين أن يؤمر عبدا أسود، ثم يوجهه مكانك، ويجعلك سائسا ً له، وأمر عمرا ً أن لا يسلم عليه، ولا يسمع له جوابا ً، فخرج عمرو، فلما اجتمع مع عبد االله لم يسلم عليه حتى بلغه الرسالة على رؤوس الناس، ثم انصرف، ولم يسمع منه جوابا ً، فلما كان يوم الأربعين من مصير عمرو وافى نصر بن شبث ،وسار عبد االله يستقري الشام بلدا ً بلدا ً لا يمر ببلد إلا أخذ من رؤساء القبائل والعشائر والصعاليك والزواقيل، وهدم الحصون وحيطان المدن وبسط الأمان للأسود والأبيض والأحمر، وضمهم جميعا ً، ونظر في مصالح البلدان، وحط عن بعضها الخراج، فلم يبق مخالف ولا خالع إلا خرج من قلعته وحصنه. وسار عبد االله بالقوم جميعا ً إلى مصر، فلقيه علي بن عبد العزيز الجروي المتغلب بأسفل الأرض، فأعلمه أنه لم يزل هو وأبوه في الطاعة، فقبل قوله، وسيره معه حتى نزل ببلبيس، فواقع عبيد االله بن السري وقعات، وجعل أصحاب عبيد االله يستأمنون شيئا ً بعد شيء، حتى لم يبق معه ممن كان يعتمد عليه أحد ،فلما رأى ذلك طلب الأمان، على أن يسوغ ما أخذ، ويطلق له جباية الصعيد شهرين، فأجابه إلى ذلك ،وأعطاه الأمان، وقال: لو شرط أن أضع له خدي في الأرض يطأ عليه لفعلت، وكان ذلك قليلا ً عندي في جنب ما أؤثره من حقن الدماء، فخرج إليه لعشر بقين من صفر سنة 211. ودخل عبد االله بن طاهر الفسطاط، وكتب بالفتح، وأقر عبد االله بن طاهر عبيد االله بن السري على الصعيد شهرين، ثم سيره إلى العراق، ثم ولى العباس ابن هاشم بن باتيجور البلد. وكان قوم من الأندلس قد تغلبوا بالإسكندرية، فزحف إليهم عبد االله، فحاصرهم حصارا شديدا، ثم آمنهم، وفتح الإسكندرية سنة 212، وولاها إلياس ابن أسد الخراساني، وانصرف إلى الفسطاط، ثم صار إلى العراق، وحمل معه الجروي وجماعة من أهل مصر والشام واستخلف على مصر عيسى بن يزيد الجلودي. وكان أحمد بن محمد العمري، من ولد عمر بن الخطاب، قد وثب باليمن، وأخرج محمد بن نافع ، واحتوى على بيت المال، فولى المأمون أبا الرازي محمد بن عبد الحميد اليمن، فلما قدم ضرع العمري إلى الأمان، فأعطاه إياه، ثم مكر به أبو الرازي، فأخذه وجماعة من أهل بيته وولده، فأوثقهم في الحديد ،وحملهم إلى باب المأمون وأخذ أهل اليمن بأداء خراجين جباهما ابن العمري، ووجه إلى إبراهيم بن أبي جعفر الحميري المعروف بالمناخي، وكان في جبل له منيع، يأمره بالمصير إليه، فلم يصر إليه، فزحف إليه يريده، فلما صار إلى الجبل سلك طريقا ً ضيقا ً، وخرج ابن أبي جعفر، فقتله وقتل خلقا ً من أصحابه، وأسر خلقا ً، فقطع أيديهم وأرجلهم، وخلى سبيلهم، وغلب إبراهيم بن أبي جعفر على اليمن، وخرب مدينة السلطان وكان ذلك في سنة 212. وفي هذه السنة توفي عبد االله بن مالك الخزاعي في ذي الحجة، وفيها كثر الحريق في الكرخ. وكان المأمون قد ولى طاهر بن محمد الصنعاني أرمينية وآذربيجان، وقيل بل وجهه هرثمة بن أعين من همذان، وهو متوجه إلى العراق، فصار إلى ورثان، من عمل آذربيجان، وكاتب قواد أرمينية ووجوه جندها، فبايعوا للمأمون، وكان العامل عليها من قبل المخلوع إسحاق بن سليمان، فكان معه عمر، والحزون، ونرسى ،وعبد الرحمن صار بطريق الران وجماعة من البطارقة، وأقبل يريد برذعة ليوقع بأهلها لإخراجهم ابنه ، فوجه إليهم طاهر عامل المأمون زهير بن سنان التميمي في خلق عظيم، فالتقوا، فاقتتلوا عامة يومهم، ثم ازم إسحاق بن سليمان وأصحابه وأسر ابنه جعفر بن إسحاق بن سليمان فوجهه ومن معه من الأسارى إلى المأمون. ولم يقم طاهر الصنعاني إلا أياما ً حتى خرج عليه عبد الملك بن الجحاف السلمي خالعا، ووثب في أهل البيلقان فحصروا طاهرا ً في مدينة برذعة، فأقام محصورا ً عدة أشهر، وبلغ المأمون، فولى سليمان بن أحمد بن سليمان الهاشمي، فقدم البلد، وطاهر محصور، فأخرجه وصرفه، وأعطى عبد الملك الأمان، واستقامت البلاد، ثم ولى حاتم بن هرثمة بن أعين أرمينية، فقدم البلد، وقد وقعت بين المعتزلة والجماعة العصبية ،فبعضهم يقتل بعضا ً، حتى كادوا يتفانون ثم اصطلحوا، ولم يقم حاتم بن هرثمة في البلد إلا أياما ً قلائل حتى أتاه خبر موت أبيه هرثمة والحال التي مات عليها، فخرج من برذعة، حتى نزل كسال، فبنى ا حصنا ً ، وعمل على أن يخلع، وكاتب البطارقة ووجوه أهل أرمينية، وكاتب بابك والخرمية، وهون أمر المسلمين عندهم فتحرك بابك والخرمية، وغلب بابك في عمل آذربيجان. وبلغ المأمون الخبر، فولى يحيى بن معاذ بن مسلم مولى بني ذهل أرمينية... ففعل ذلك، وواقع يحيى بن معاذ وقعات لم يظهر عليه في وقعة منها، وكان المأمون قد أمر عيسى بن محمد بن أبي خالد القائد المحارب ،كان في أيام المخلوع، فلما لم يحمد أثر يحيى، ولى عيسى أرمينية وآذربيجان، وأمره أن يجهزهم ويعطيهم الأرزاق من ماله، فجهزهم عيسى بن محمد من ماله، وهم الذين كانت ناحيتهم بمدينة السلام، وخرج ،فلم يبق ببغداد أحد من الجند الحربية الذين كانوا في الفتنة فلما صار في البلد أتاه محمد بن الرواد... أن يمشي وجميع رؤساء تلك البلاد، فاحتشد لقتال بابك، وأخذ في مضيق، فلقيه بابك فيه، فهزمه، فمر عيسى موليا ً لا يقف على شيء، فصاح به بعض شطار الحربية: إلى أين يا أبا موسى؟ فقال: ليس لنا في قتال هؤلاء بخت، إنما نخشى في قتال المسلمين. وانصرف من آذربيجان إلى أرمينية، وقد عصى سوادة بن عبد الحميد الجحافي، فعرض عليه عيسى أن يوليه أرمينية، فأبى إلا محاربته، فحاربه فهزمه بعد جهد، واستقامت لعيسى بن محمد أرمينية، واستعظم أمر بابك بالبذ، فولى المأمون زريق بن علي بن صدقة الأزدي، فلم يصنع شيئا ً، فولى محمد ابن حميد الطوسي، فلما بلغ زريقا ً خبر صرفه خلع، وأظهر المعصية. وقدم محمد بن حميد البلد، فحاربه زريق، فقتل محمد أصحابه، ثم طلب الأمان، فأمنه، وحمله إلى المأمون ،وأقام محمد بن حميد حتى نقى البلاد ممن كان يخاف ناحيته، فلما أمكنه محاربة بابك عبا لقتاله، وزحف إليه، فحاربه محاربة شديدة له في كل ذلك الظفر، ثم صار إلى موضع ضيق فيه حزونة، فترجل ابن حميد وجماعة معه، فحمل عليهم أصحاب بابك، فقتل محمد وجماعة من وجوه أصحابه، وازم العسكر، وأقام على الجيش مهدي بن أصرم قرابة لابن حميد، وكان ذلك في أول سنة 214. ولما قتل محمد بن حميد ولى المأمون عبد االله بن طاهر، وعقد له على كور الجبال وأرمينية وآذربيجان ،وكتب إلى القضاة وعمال الخراج بالانتهاء إلى أمره، فخرج عبد االله، وأقام بالدينور، وكتب إلى مهدي بن أصرم، ومحمد بن يوسف، وعبد الرحمن بن حبيب، القواد الذين كانوا مع محمد بن حميد، أن يقيموا بمواضعهم. وتوفي طلحة بن طاهر بخراسان، فولى المأمون مكانه عبد االله، ووجه إليه بعهده وعقده مع إسحاق بن إبراهيم، ويحيى بن أكثم، قاضي القضاة، فنفذ عبد االله إلى خراسان في هذه السنة، فولى المأمون آذربيجان ومحاربة بابك علي بن هشام، وولى عبد الأعلى بن أحمد بن يزيد بن أسيد السلمي أرمينية، فقدم البلد ،وقد تغلب على جرزان محمد بن عتاب، وانضمت إليه الصنارية، فحاربه فهزمه ابن عتاب، ولم يكن له ضبط ولا معرفة بالحرب، فولى المأمون خالد بن يزيد بن مزيد، فأخرج من كان في الحبس بالعراق من عشيرته، وشخص إلى الجزيرة، فانضم إليه خلق عظيم من ربيعة، ثم صار إلى البلد، فلما قدم خلاط أتاه سوادة بن عبد الحميد الجحافي فأمنه، ثم صار إلى النشوي، وقد كان تغلب ا يزيد بن حصن مولى بني محارب، فهرب منه يزيد بن حصن، وأتى كسال، فأقام ا، وبعث إلى محمد بن عتاب، وأتاه في الأمان مظهرا ً للطاعة، فأمنه خالد، ثم قال: الصنارية في طاعتك! فقال له محمد بن عتاب: ما هم لي في طاعة! فزحف إليهم خالد، فواقعهم بجرزان، فهزمهم، وأخذ مواشيهم، ثم دعا إلى الصلح، وصالحهم على ثلاثة آلاف رمكة وعشرين ألف شاة فلم يلبثوا إلا قليلا ً حتى وثبوا ووثب معهم القيسية، وشغبوا على خالد ،وكان في القوم علي بن يحيى الأرمني، فأسره خالد، وأسر جماعة، ووجه م إلى المأمون، فصيرهم في ناحية أبي إسحاق المعتصم، وضمهم إليه، وفرض لهم. ثم ولى المأمون عبد االله بن مصاد الأسدي مكان خالد، وأشخص خالدا ً إليه، فخاف خالد أن يكون قد سعى عنده، فلما قدم ضمه إلى أخيه المعتصم ،وقدم عبد االله بن مصاد الأسدي البلد، فلم يقم إلا يسيرا ً حتى مات، واستخلف ابنه عليا ً، فاضطرب البلد، وولى المأمون الحسن بن علي الباذغيسي المعروف بالمأموني، فقدم والبلد مضطرب، فقاتل أهل قلعة ليايقين، ففتحها، وانصرف إلى دبيل، فأقام ا، وكتب إلى إسحاق بن إسماعيل بن شعيب التفليسي في حمل الأموال، فدافعه إسحاق ورد رسله، فزحف إلى تفليس، فلما قرب منه خرج إليه، فأعطاه مالا ً ،فانصرف عنه. وعقد المأمون لأخيه أبي إسحاق على مصر والمغرب، ولابنه العباس على الجزيرة سنة 214، فقدم العباس الجزيرة، وقد وثب بلال الشاري، فاجتمع هو وأبو إسحاق وجماعة من معهما من القواد عليه، فظفروا به، فقتلوه. ووثب القيسية واليمانية بمصر بناحية الحوف، فحارم عيسى بن يزيد الجلودي، فهزموه غير مرة، فوجه أبو إسحاق بعمير بن الوليد عاملا ً على مصر مكان الجلودي، فحارم وأكثر فيهم النكاية، ثم قتل، فأمر المأمون أبا إسحاق أن ينفذ إليهم، فسار إليهم من الرقة، فدعاهم إلى الأمان، فأبوا عليه، فقاتلهم، فظفر م، وأسر عبد االله بن جليس الهلالي رئيس القيسية ،وعبد السلام الجذامي رئيس اليمانية، فضرب أعناقهما وصلبهما على جسر مصر، وأسر منهم خلقا ً عظيما ً حملهم إلى بغداد. ووشي يحيى بن أكثم بالمعتصم إلى المأمون، وقال له: إنه بلغني أنه يحاول الخلع، فوجه إليه يأمره بالقدوم ، وأن يكون مقيما حتى يوافيه، فسار على مائتي بغل اشتراها وحذفها واستخلف على الفسطاط عبدويه بن جبلة. وخرج المأمون متوجها إلى أرض الروم في المحرم سنة 215، فغزا الصائفة، وافتتح أنقرة نصفا بالصلح ونصفا بالسيف، وأخرا، وهرب منويل البطريق منها، وفتح حصن شمال، ثم انصرف، فترل دمشق ثم أتاه الخبر أن أهل البشرود من كور مصر قد ثاروا، فأمر أخاه أبا إسحاق أن يوجه الأفشين حيدر ابن كاوس، فوجه به وكف عاديتهم، ونفذ إلى برقة، وقد خالف أهلها فافتتحها، وأسر مسلم بن نصر بن الأعور، وانصرف إلى مصر سنة 216، وقد عاود أهل الحوف وأهل البشرود المعصية، فحارم. وغزا المأمون أرض الروم سنة 216، ففتح اثني عشر حصنا ً، وعدة مطامير، وبلغه أن طاغية الروم قد زحف، فوجه العباس ابنه، فلقيه، فهزمه، وفتح االله على المسلمين، ووجه إليه توفيل ملك الروم بالأسقف صاحبه، وكتب إليه كتابا بدأ فيه باسمه، فقال المأمون: لا أقرأ له كتابا يبدأ فيه باسمه ورده وكتب إليه توفيل بن ميخائيل: لعبد االله غاية الناس في الشرف، ملك العرب، من توفيل بن ميخائيل ملك الروم من قبل... وسأل أن يقبل منه مائة ألف دينار والأسرى الذين عنده، وهم سبعة آلاف أسير، وأن يدع لهم ما افتتحه من مدائن الروم وحصوم، ويكف عنهم الحرب خمس سنين، فلم يجبه إلى ذلك، وانصرف إلى كيسوم من أرض الجزيرة من ديار مضر. وتوفيت أم جعفر بنت جعفر بن المنصور يوم الإثنين لأربع بقين من جمادى الأولى سنة 216، وفي هذا اليوم ورد نعي عمرو بن مسعدة مات بإذنه وفي هذه السنة توفي طوق بن مالك الربعي في شهر رمضان. واشتدت شوكة من كان يحارب الأفشين بمصر من أهل الحوف والبيما والبشرود، وهي من كور أسفل الأرض، فخرج المأمون إلى كور مصر، وقدم الأفشين في محاربة أهل الحوف، فزحف إليهم بنفسه، فقتلهم وسبى البيما، وهم قبط البشرود، واستفتى في ذلك فقيها بمصر يقال له الحارث بن مسكين مالكي، فقال: إن كانوا خرجوا لظلم نالهم، فلا تحل دماؤهم وأموالهم، فقال المأمون: أنت تيس ومالك أتيس منك ،هؤلاء كفار لهم ذمة، إذا ظلموا تظلموا إلى الإمام، وليس لهم أن يستنصروا با... ولا يسفكوا دماء المسلمين في ديارهم. وأخرج المأمون رؤساءهم، فحملهم إلى بغداد. ووشي محمد بن أبي العباس الطوسي، وأحمد بن أبي داود يحيى بن أكثم إلى المأمون تقربا إلى أبي إسحاق ،فسخط عليه المأمون، وأمر بنفيه من عسكره، ونزع السواد عنه، وأخرجه إلى بغداد، وأمره أن لا يخرج من مترله، فأخرج من مصر، وأرسل موكلين به، وسخط أيضا ً على عيسى بن منصور القائد الرافقي، وأخرجه من عسكره، وكان السخط عليهما في يوم واحد. وكان مقام المأمون بمصر سبعة وأربعين يوما ً، قدم لعشر خلون من المحرم، وخرج لثلاث بقين من صفر سنة 217، وقدم دمشق منصرفا ً من مصر، فأقام أياما ً، ثم شخص إلى الثغر، فترل أذنة معسكرا ا، وقد كان أبو سعيد محمد بن يوسف الطائي، وعبد الرحمن بن حبيب، وغيرهما من أصحاب محمد بن حميد الطوسي، الذين كانوا باذربيجان، صاروا إلى باب المأمون، فرقوا على علي بن هشام، ونسبوه إلى الخلاف والمعصية، وكتب العباس بن سعيد الجوهري صاحب بريد علي بن هشام بمثل ذلك، فوجه المأمون بعجيف بن عنبسة، وكان من أجل قواده وأحمد بن هشام، وأشخص عجيف عليا ً إلى أذنة، فأمر المأمون بضرب عنقه وعنق أخيه الحسين بن هشام، وكان المتولي لذلك منهما بيده ابن أختهما أحمد بن الخليل بن هشام، ونصب رأس علي بن هشام على قناة أياما ً، ثم وجه به إلى برقة، فجعل في المنجنيق، ثم رمى به في البحر. وغزا المأمون بلاد الروم في هذه السنة، وهي سنة 217، وصار إلى حصن من حصون الروم يقال له لؤلؤة، فأقام عليه حينا لم يفتحه، فبنى عليه حصنين أنزل فيهما أبا إسحاق والرجال، ثم قفل متوجها إلى قرية يقال لها سلغوس، وخلف على حصنه أحمد بن بسطام، وخلف أبو إسحاق على حصنه محمد بن الفرج بن أبي الليث بن الفضل، وصير عندهم زاد سنة، وخلف المأمون على جميع الناس عجيف بن عنبسة، فمكرت الروم أصحاب لؤلؤة بعجيف، فأسروه، فمكث في أيديهم شهرا ً، وكاتبوا ملكهم، فسار نحوهم، فهزمه االله بغير قتال، وظفر من كان في الحصنين من المسلمين بعسكره، فحووا كل ما كان فيه. فلما رأى ذلك أهل لؤلؤة، وأضر م الحصار، طلب رئيسهم الحيلة، فقال لعجيف: أخلي سبيلك على أن تطلب لي الأمان من المأمون، فضمن له ذلك، فقال: أريد رهينة. فقال: أنا أحضرك ابني، فوجه إلى خليفته أن يوجه إليه بفراشين نصرانيين، ويخوسان ويجملان، فوجه معهما بجماعة من غلمان نصارى في زي المسلمين ففعل ذلك، فدفعهم عجيف إليهم، وخرج، فلما صار إلى المعسكر كتب إليهم: أن الذين في أيديكم نصارى، وأنتم مخيرون فيهم، فكتب إليه رئيسهم: أن الوفاء حسن وهو من دينكم أحسن. فأخذ لهم عجيف الأمان وفتحها وأسكنها المسلمين. وصار المأمون إلى دمشق سنة 218، وامتحن الناس في العدل والتوحيد، وكتب في إشخاص الفقهاء من العراق وغيرها، فامتحنهم في خلق القرآن، وأكفر من امتنع أن يقول القرآن غير مخلوق، وكتب أن لا تقبل شهادته فقال كل بذلك، إلا نفرا ً يسيرا ً. وكتب المأمون على عنوانات كتبه: بسم االله الرحمن الرحيم، فكان أول من أثبتها على عنوانات كتب الخلفاء، وكبر بعد كل صلاة، فبقي ذلك سنة، وحول العلم عند مواقيت الصلاة، ونزع المقاصير من المساجد الجامعة، وقال: هذه سنة أحدثها معاوية. وكان بشر بن الوليد الكندي، قاضي المأمون ببغداد، قد ضرب رجلا ً قرف بأنه شتم أبا بكر وعمر ،وأطافه على جمل، فلما قدم المأمون أحضر الفقهاء، فقال: إني قد نظرت في قضيتك، يا بشر، فوجدتك قد أخطأت ذا خمس عشرة خطيئة، ثم أقبل على الفقهاء، فقال: أ فيكم من وقف على هذا؟ قالوا: وما ذاك، يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا بشر بم أقمت الحد على هذا الرجل قال: بشتم أبي بكر وعمر. قال: حضرك خصومه قال: لا قال فوكلوك؟ قال: لا قال: فللحاكم أن يقيم حد القرفة بغير حضور خصم؟ قال: لا! قال: وكنت تأمن أن يهب بعض القوم حصته، فيبطل الحد؟ قال: لا! قال: فأمهما كافرتان أو مسلمتان؟ قال: بل كافرتان. قال: فيقام في الكافرة حد المسلمة؟ قال: لا! قال: فهبك فعلت هذا بما يجب لأبي بكر وعمر من الحق، أفيشهد عندك شاهدا ً عدل؟ قال: قد زكي أحدهما. قال: فيقام الحد بغير شاهدين عدلين؟ قال: لا! قال: ثم أقمت الحد في رمضان، فالحدود تقام في شهر رمضان؟ قال: لا! قال: ثم جلدته وهو قائم، فالمحدود يقام؟ قال: لا! ثم شبحته بين العقابين، فالمحدود يشبح؟ قال: لا! قال: ثم جلدته عريانا ً، فالمحدود يعرى؟ قال: لا! قال: ثم حملته على جمل، فأطفته، فالمحدود يطاف به قال لا قال ثم حبسته بعد أن أقمت عليه الحد، فالمحدود يحبس بعد الحد؟ قال: لا! قال: لا يراني االله أبوء بإثمك وأشاركك في جرمك، خذوا عنه ثيابه، وأحضروا المحدود ليأخذ حقه منه. فقال له من حضر من الفقهاء: الحمد الله الذي جعلك عاملا بحقوقه، عارفا بأحكامه، تقول الحق، وتعمل به، وتأمر بالعدل، وتؤدب من رغب عنه، إن هذا، يا أمير المؤمنين، حاكم أجد برأيه فأخطأ، فلا تفضح به الحكام، وتك به القضاء. فأمر به، فحبس في داره حتى مات. ورفع جماعة من ولد الحسن والحسين إلى المأمون يذكرون أن فدك كان وهبها رسول االله صلى االله عليه وسلم لفاطمة، وأا سألت أبا بكر دفعها إليها بعد وفاة رسول االله، فسألها أن تحضر على ما ادعت شهودا ً، فأحضرت عليا ً والحسن والحسين وأم أيمن، فأحضر المأمون الفقهاء، فسألهم عن... رووا أن فاطمة قد كانت قالت هذا، وشهد لها هؤلاء، وإن أبا بكر لم يجز شهادم. فقال لهم المأمون: ما تقولون في أم أيمن؟ قالوا: امرأة شهد لها رسول االله صلى االله عليه وسلم بالجنة، فتكلم المأمون ذا بكلام كثير ، ونصهم إلى أن قالوا: إن عليا ً والحسن والحسين لم يشهدوا إلا بحق، فلما أجمعوا على هذا، ردها على ولد فاطمة، وكتب بذلك وسلمت إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد االله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وغزا المأمون بلاد الروم سنة 218، وقد استعد لحصار عمورية، وقال: أوجه إلى العرب، فأتي م من البوادي، ثم أنزلهم كل مدينة افتتحها، حتى أضرب إلى القسطنطينية، فأتاه رسول ملك الروم يدعوه إلى الصلح والمهادنة ودفع الأسرى الذين قبله، فلم يقبل، فلما قرب من لؤلؤة أقبل، فأقام أياما ً وتوفي بموضع يقال له البدندون، بين لؤلؤة وطرسوس، وكانت وفاته يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 218، وسنة ثمان وأربعون سنة وأربعة أشهر، وصلى عليه أخوه أبو إسحاق، ودفن بطرسوس في دار خاقان الخادم، وكانت خلافته منذ يوم سلم عليه بالخلافة في حياة المخلوع إلى أن مات اثنتين وعشرين سنة، ومنذ قتل المخلوع عشرين سنة وخمسة أشهر وخمسة وعشرين يوما ً. وكان الغالب عليه في خلافته ذو الرياستين، ثم جماعة منهم: الحسن بن سهل، وأحمد بن أبي خالد، وأحمد بن يوسف، وكان على شرطة العباس بن المسيب ابن زهير، ثم عزله وولى طاهر بن الحسين، ثم عبد االله بن طاهر، فاستخلف إسحاق بن إبراهيم ببغداد، فوجه إسحاق بأخيه طاهر بن إبراهيم خليفة له على شرطه، وكان على حرسه شبيب بن حميد بن قحطبة، ثم عزله وولاه قومس، واستعمل مكانه هرثمة بن أعين، ثم عبد الواحد بن سلامة الطحلازي قرابة هرثمة، ثم علي بن هشام، ثم قتله وولى عجيف بن عنبسة، وكانت حجابته إلى أحمد ابن هشام وعلي بن صالح صاحب المصلى. وخلف من الولد الذكور ستة عشر ذكرا، وهم: محمد، وإسماعيل، وعلي، والحسن، وإبراهيم، وموسى ،وهارون وعيسى، وأحمد، والعباس، والفضل، والحسين، ويعقوب، وجعفر، ومحمد الأكبر، وهو ابن معللة، وتوفي في حياته، ومحمد الأصغر، وعبيد االله، أمهما أم عيسى بنت موسى الهادي. أيام المعتصم باالله وولي أبو إسحاق محمد بن الرشيد، وأمه أم ولد، يقال لها ماردة، وبايع له القواد والجند الذين كانوا مع المأمون، وبايعه العباس بن المأمون يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 218. وكانت الشمس يومئذ في الأسد ثلاث عشرة درجة وأربعين دقيقة، وزحل في الميزان خمس عشرة درجة وأربعين دقيقة، والمشتري في القوس درجة وعشر دقائق، والمريخ في القوس أربع درجات وخمسا ً وثلاثين دقيقة، وعطارد في الأسد ستا ً وعشرين درجة وعشرين دقيقة راجعا ً، والزهرة في السنبلة ثماني درجات وعشرين دقيقة راجعا ً، والرأس في الحمل عشر دقائق. وامتنع بعض القواد من البيعة لمكان العباس من المأمون، فخرج إليهم العباس من مضربه، فكلمهم بكلام استحمقوه فيه، فشتموه، وبايعوا لأبي إسحاق، وانصرف المعتصم من الثغر يريد العراق، فلما صار بالرقة ولي غسان بن عباد الجزيرة وقنسرين والعواصم، ونفذ إلى بغداد، فقدمها يوم السبت مستهل شهر رمضان، وعلى جنده الديباج المذهب، وأقر عمال المأمون على أعمالهم ثلاثة أشهر، ثم استبدل م. وخرجت المحمرة بالجبل، فقتلوا، وقطعوا الطريق، وأخافوا السبيل، وعرضوا لحاج خراسان، فهزموهم ،وقتلوا منهم جماعة، فوجه المعتصم هاشم بن باتيجور فكانت بينه وبينهم وقعة فهزموا هاشما، فوجه المعتصم إسحاق بن إبراهيم في جيش، واستخلف إسحاق على الشرط أخاه طاهرا ً، ونفذ فواقعهم، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وأقام حتى أصلح البلد بعد أن نالته منهم شدة. وتحرك محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بالطالقان، واتبعه جماعة، فوجه إليه عبد االله بن طاهر بعض عماله، فلما لحقه هرب محمد بن القاسم من الطالقان إلى نيسابور، وذكر أن القوم اعتقلوه، وأنه لم يكن له في ذلك إرادة، فأخذه عبد االله بن طاهر، فحمله إلى المعتصم، فحبسه في قصره فهرب منه ليلة الفطر سنة 219، فطلبوه، فلم يقدروا عليه. ووثب الزط بالبطائح بين البصرة وواسط، فقطعوا الطريق، فوجه إليهم المعتصم أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي، فهزموه، فعقد المعتصم لعجيف في جمادى الأولى سنة 219، فطلبوا الأمان وخرجوا إليه على حكم المعتصم، فأدخلهم بغداد، فأجاز المعتصم لهم الأمان، وأسكنهم خانقين. وسخط المعتصم على الفضل بن مروان وزيره، وبطش بجماعة من أصحابه، واستصفى أموالهم، ووجه الفضل إلى إسحاق بن إبراهيم ببغداد، وأمر بطلب أموالهم، فركب به إلى داره، وأخرج منها مالا عظيما ،ثم نفى، فقال فيه راشد بن إسحاق: يكفيك من غير الأيام ما صنعت حوادث الدهر بالفضل بن مروان وامتحن المعتصم أحمد بن حنبل في خلق القرآن، فقال أحمد: أنا رجل علمت علما، ولم أعلم فيه ذا ، فأحضر له الفقهاء، وناظره عبد الرحمن بن إسحاق وغيره، فامتنع أن يقول إن القرآن مخلوق، فضرب عدة سياط، فقال إسحاق بن إبراهيم: ولني، يا أمير المؤمنين مناظرته فقال شأنك به فقال إسحاق: هذا العلم الذي علمته نزل به عليك ملك، أو علمته من الرجال قال بل علمته من الرجال. قال: شيئا ً بعد شيء، أو جملة؟ قال: علمته شيئا ً بعد شيء. قال فبقي عليك شيء لم تعلمه؟ قال: بقي علي. قال: فهذا مما لم تعلمه، وقد علمكه أمير المؤمنين. قال: فإني أقول بقول أمير المؤمنين. قال: في خلق القرآن فأشهد عليه وخلع عليه، وأطلقه إلى مترله. وخرج المعتصم إلى القاطول في النصف من ذي القعدة سنة 220، فاختط موضع المدينة التي بناها، وأقطع الناس المقاطع، وجد في البناء حتى بنى الناس القصور والدور، وقامت الأسواق، ثم ارتحل من القاطول إلى سر من رأى، فوقف في الموضع الذي فيه دار العامة، وهناك دير للنصارى، فاشترى من أهل الدير الأرض، واختط فيه، وصار إلى موضع القصر المعروف بالجوسق على دجلة، فبنى هناك عدة قصور للقواد والكتاب وسماها بأسمائهم، وحفر الأار في شرقي دجلة وعمر العمارات، ونصبت الدواليب والدوالي على الأار، وحملت النخيل والغروس من سائر البلدان، وكان ابتداء ذلك في سنة 221، وبني القرى، وحمل إليها الناس من كل بلد، وأمرهم أن يعمروا عمارة بلدهم ،وحمل قوما من أرض مصر يعملون القراطيس، فعملوها، فلم يأت في تلك الجودة. واشتدت شوكة بابك، وكان محمد بن البعيث قد شايعه، وعصمة الكردي صاحب مرند في طاعته ، فوجه المعتصم طاهر بن إبراهيم أخا إسحاق بن إبراهيم، عامل البلد، وأمره بمحاربة القوم، فلما قدم البلد كتب ابن البعيث إلى المعتصم يعلمه أنه في الطاعة، وأنه في التدبير على بابك وأصحابه، ثم مكر بعصمة الكردي صاحب مرند، فتزوج ابنته، وصار إليه إلى مرند، ثم دعاه إلى مترله فحمل عليه وعلى من معه في الشرب، فلما سكروا حملهم في الليل إلى قلعته التي يقال لها شاهي، ثم أنفذهم إلى المعتصم، فأجازه المعتصم، وحباه، وأعطاه، وذلك لأنه أخبر طاهر بن إبراهيم بما كان منه، وسأله أن يبعث إليه الحديد والبغال يحملهم إليه، ففعل ذلك طاهر، فحملهم إلى المعتصم، وكتب إليه بخبرهم، فغلظ المعتصم على إسحاق، وقال: ما أرى عند أخيك شيئا ً ولا أرى الرجلة إلا عند ابن البعيث. ووجه الأفشين حيدر بن كاوس الأسروشني، وعقد له على جميع ما اجتاز به من الأعمال، وحملت معه الأموال وخزائن السلاح، فلما صار الأفشين إلى الجبل أخذ من كان به من الصعاليك والوجوه، فنفذ ،فكانت بينه وبين بابك وقائع، وكان عسكره بموضع يقال له برزند، فصار بموضع يقال له سادراسب فأقام في محاربته حولا حتى كثرت الثلوج، ثم رجع إلى برزند، ثم وجه بخليفته إلى سادراست، وزحف وصير في كل ناحية... وصار يد روذالروذ، فخندق خندقا ً، وبنى سورا ً، وكمن الكمناء، وزحف إلى البذ يوم الخميس لتسع خلون من شهر رمضان سنة 222، فأرسل إليه بابك يسأله أن يكلمه، فوافقه ،وبينهما ر، فعرض عليه الأفشين الأمان، فسأله أن يؤخره يومه ذلك، فقال له: إنما تريد أن تحصن مدينتك، فإن أردت الأمان، فاقطع الوادي. فانصرف واشتدت الحرب، ودخل المسلمون مدينة البذ ،وهرب بابك وستة من أصحابه، وأخرج من كان بالبذ من أسارى المسلمين، فكانوا سبعة آلاف وستمائة. ومضى بابك على بغلة، وقد لبس ثياب الصوف، وكتب الأفشين إلى البطارقة بأرمينية وآذربيجان في طلبه، وضمن لمن جاء به ألف ألف درهم والصفح عن بلادهم، فصار بابك إلى رجل من البطارقة يقال له سهل بن سنباط، فأخذه، وكتب إلى الأفشين بخبره، فأنفذ، فأخذه، وكتب بالفتح وبما كان من تدبيره ،فقريء الفتح، وكتب به إلى الآفاق في... حتى أصلح البلاد، وسار واستخلف منكجور الفرغاني خال ولده. وقدم على المعتصم، وهو بسر من رأى، فتلقاه القواد والناس على مراحل، ودخلها لليلتين خلتا من صفر سنة 223، وبابك بين يديه على الفيل، حتى دخل إلى المعتصم، فأمر بقطع يدي بابك، ورجليه، ثم قتله وصلبه بسر من رأى، ووجه بأخيه عبد االله إلى بغداد، فقتله إسحاق بن إبراهيم، وصلبه على رأس الجسر في الجانب الشرقي من بغداد. وكان الأفشين لما قدم آذربيجان ولي أرمينية محمد بن سليمان الأزدي السمرقندي، فقدمها، وقد خالف سهل بن سنباط بالران، وتغلب عليها، فدخل بلاده، فبايته سهل، فهزمه ووثب محمد بن عبيد االله الورثاني بورثان، فوجه إليه الأفشين منكجور ليحاربه، وتكلم في أمره علي بن يحيى الأرمني، فأمنه المعتصم، فقدم به علي بن يحيى، ثم ولى الأفشين أرمينية محمد بن خالد بخاراخذاه، فلما قدم حارب الصنارية، وصار إلى تفليس، فبره إسحاق بن إسماعيل، ووصله، ثم ولى أرمينية علي بن الحسين بن سباع القيسي، فاستضعفه أهل البلد، حتى كان يسمى اليتيم لضعفه ومهانته، فولى المعتصم خالد بن يزيد أرمينية وناحية من ديار ربيعة، فلما بلغ خبره أرمينية تحصن كل رئيس فيها، واشتد خوفهم منه، وعملوا على العصيان، فكتب منصور بن عيسى السبيعي، صاحب بريد أرمينية، إلى المعتصم بذلك، فرد خالدا ً، وأمر بإقرار علي بن الحسين، فلم يلبث إلا أياما ً حتى شغب الجند عليه ببرذعة، وطلبوا أرزاقهم فقال: ليس لي شيء، والأموال عند أهل البلد، وطالب أهل البلد، فامتنعوا عليه، وتحصنوا في حصوم ثم تراسلوا ،واجتمعوا، فحاصروه ببرذعة، فوجه المعتصم حمدويه بن علي بن الفضل إلى البلد، فصار إلى النشوي ، فخرج إليه يزيد بن حصن في الأمان... فكان لا يهيجهم خوفا ً من أن يعلوا عليه. ودخلت الروم زبطرة سنة 223، فقتلوا وأسروا كل من فيها، وأخرجوهم، فلما انتهى الخبر إلى المعتصم قام من مجلسه نافرا ً ،حتى جلس على الأرض، وندب الناس للخروج، ووضع الإعطاء، وعسكر من يومه بموضع يعرف بالعيون من غربي دجلة، وقدم أشناس التركي على مقدمته، وخرج يوم الخميس لست خلون من جمادى الأولى سنة 223، ودخل أرض الروم، فقصد أرض عمورية، وكانت من أعظم مدائنهم، وأكثرها عدة ورجالا ً، فحاصرها حصارا ً شديدا ً. وبلغ طاغية الروم فزحف في خلق عظيم فلما دنا وجه المعتصم بالأفشين في جيش عظيم، فلقي الطاغية ،وأوقع به وهزمه، وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، فأوفد طاغية الروم من قبله وفدا إلى المعتصم يقول: إن الذين فعلوا بزبطرة ما فعلوا تعدوا أمري، وأنا أبنيها بمالي ورجالي، وأرد من أخذ من أهلها، وأخلي جملة من في بلد الروم من الأسارى، وأبعث إليك بالقوم الذين فعلوا بزبطرة على رقاب البطارقة. وفتحت عمورية يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة 223، فقتل وسبى جميع من فيها وأخذ ياطس خال ملك الروم، وأخرب وأحرق كل ما اجتاز به من بلادهم، وانصرف، فلما صار بإذنه حبس العباس ابن المأمون لما كان بلغه من المعصية والخلاف واجتماع من اجتمع إليه من القواد ،ووجد له مائة ألف وستة عشر ألف دينار، فأمر أن تفرق على الجند، ويؤمروا أن يلعنوه، فأحصوا ،فوجدوا ثمانين ألف مرتزق، فدفع إليهم دينارين دينارين، وتمم ذلك المعتصم من عنده، ودفع العباس إلى الأفشين مقيدا ليسيره، فلما صار بحند رأس توفي، وقيل إن الأفشين أطعمه طعاما كثير الملح في يوم شديد الحر، ومنعه الماء، فحمل إلى منبج، فدفن ا، وسخط المعتصم على عجيف بن عنبسة لأنه كان سبب معصيته، وحمله من أذنة في الحديد الثقيل، في فيه لبود قد خيطت عليه، وفي عنقه غل عظيم، فلما صار بموضع يقال له باعيناثا، على مرحلة من نصيبين، مات، ودفن ا، وسأل ابنه صالح بن عجيف أن لا ينسب إليه، وأن يدعي صالحا المعتصمي، ولعنه، وبرئ منه. وكان المازيار، وهو محمد بن قارن بن بنداد هرمز أصبهبذ طبرستان قد قدم على المأمون، بعد وفاة أبيه وتصيير مملكة طبرستان إلى عمه، فملكه المأمون على مدينتين من مدن طبرستان، وكتب إلى عمه في تسليمهما إليه، وخرج متوجها، فلما بلغ عمه ذلك أغاظه وبلغ منه، فخرج كأنه يتلقاه، وكان مع المازيار مولى لأبيه له دراية، فقال إن عمك لم يخرج في هذه الهيئة إلا ليفتك بك، فإذا قربت منه ،وانفردت عن أصحابك، فإني أدفع إليك الحربة، فضعها في صدره، ففعل ذلك، فقتل عمه، واجتمعت عليه المملكة، وضبط البلد، وكتب إلى المأمون بأن عمه كان مخالفا ً لملكه على البلد. فلما عظم أمره كتب من جيل جيلان أصبهبذ أصبهبذان بشوار خرشاد محمد بن قارن مولى أمير المؤمنين ،ثم ذهب بنفسه أن يقول: موالي أمير المؤمنين، ثم تفاقم أمره حتى أظهر المعصية، وخلع، ويقال إن الأفشين كاتبه، وحمله على الخلع، فوجه المعتصم محمد بن إبراهيم لمحاربته في جيش، فنفذ وكتب إلى عبد االله بن طاهر أن يمده بالجيوش، فحاربه، وألح عليه عبد االله بالبعثة إليه بالجيوش، فحاربه، فقطعوا الأودية والحزونة، وخرج ليلا ً، فوضع يده في يد قرابة لعبد االله، وقدم به سنة 226، فضرب بالسياط حتى مات وصلب إلى جانب بابك. فحدثني محمد بن عيسى قال: قدم بالمازيار، وقد حبس الأفشين في ذلك الوقت، فجمع ابن داود بينه وبين المازيار، وقال له: هذا الأفشين الذي زعمت أنه حملك على المعصية. فقال له الأفشين: واالله إن الكذب بالسوقة لقبيح، فكيف بالملوك؟ واالله ما ينجيك كذبك من القتل، فلا تجعل الكذب خاتمة أمرك. فقال المازيار: واالله ما كتب إلي، ولا راسلني، إلا أن أبا الحارث وكيلي أخبرني أنه لما قدم عليه بره وأكرمه ،فرد الأفشين إلى الحبس، فضرب المازيار حتى قتل. وكان أول سبب حبس الأفشين أن منكجور الفرغاني خال ولد الأفشين وخليفته باذربيجان، خلع هناك ،وجمع إليه أصحاب بابك، وسار إلى ورثان، فقتل محمد بن عبيد االله الورثاني وجماعة من أولياء السلطان ،فقال المعتصم للأفشين: أحضر منكجور! فوجه إليه الأفشين بأبي الساج، المعروف بديوداد، في جيش عظيم، ثم بلغ المعتصم أن منكجور إنما خلع بأمر الأفشين، وأنه إنما وجه إليه بأبي الساج مددا ً له، فوجه محمد بن حماد على البريد، ووجه ببغا التركي، فحارب منكجور، فلما صدقه القتال ضرع منكجور إلى طلب الأمان، فأعطاه الأمان، وقدم به إلى سر من رأى، وقد حبس الأفشين، وكان حبسه في سنة 226، ثم توفي في الحبس، وصلب على باب العامة بسر من رأى عريانا ً، ساعة من ار، ثم أنزل فأحرق بالنار. وكان الغالب على المعتصم أحمد بن أبي دواد الأيادي قاضي القضاة، والفضل ابن مروان الكاتب، ثم غضب على الفضل، فنفاه واستصفى ماله، فغلب عليه محمد بن عبد الملك الزيات، وكان على شرطة إسحاق بن إبراهيم، وعلى حرسه عجيف بن عنبسة، ثم الأفشين، ثم إسحاق بن يحيى بن معاذ وحجبه جماعة من الأتراك منهم: وصيف، وسيما الدمشقي، وسيما الشرابي، ومحمد بن حماد بن دنفيس، وتوفي يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة 227، وصلى عليه ابنه هارون، ودفن في قصره المعروف بالجوسق، وكانت سنة 49 سنة وكانت ولايته ثماني سنين، وخلف من الولد الذكور ستة: هارون الواثق، وجعفر المتوكل، ومحمدا ً، وأحمد، وعليا ً، والعباس. أيام هارون الواثق باالله وولى هارون الواثق باالله بن أبي إسحاق، وأمه أم ولد، يقال لها قراطيس، يوم توفي المعتصم، وهو يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة 227، وكان ذلك من شهور العجم في كانون الآخر، وكانت الشمس يومئذ في الجدي خمس عشرة درجة واثنتين وعشرين دقيقة. وتوجه إسحاق بن إبراهيم ساعة بايع إلى بغداد، فسار ليلته أجمع، ووافى بغداد قبل أن يطلع الفجر ،فوكل بالأطراف والسجون، وأحضر القواد والوجوه، فأخذ عليهم البيعة، ووثب عوام الجند والغوغاء بشعيب بن سهل قاضي الجانب الشرقي ببغداد، فانتهبوا داره، فوجه إسحاق جعفر معيشة، وإبراهيم الديرج، وجماعة معهما، فأخرجوا شعيب بن سهل، حتى صاروا به إلى دار إسحاق. وأراد الواثق الحج في هذه السنة، وصحت عزيمته، فتأخر حجه، وأذن لأمه، فخرجت، ومعها جعفر بن المعتصم، فلما صارت بالكوفة توفيت، وأذن الواثق لأخيه جعفر في النفوذ، فنفذ وأقام الحج بالناس وكان أول من عقد له الواثق من قواده أشناس التركي ولاه من بابه إلى آخر عمل المغرب، فوجه عماله، وكتب إلى محمد بن إبراهيم الأغلب بولاية المغرب من قبله، وكان المدبر له أحمد بن الخصيب. وولى الواثق خراسان إيتاخ التركي، والسند وكور دجلة، وكانت السند قد اضطربت، وقتل عمران بن موسى بن يحيى بن خالد عامل السند، فوجه إيتاخ إلى السند عنبسة بن إسحاق الضبي، فقدم البلد، وقد تغلب عليه عدة ملوك، فلما قدمها عنبسة سمعوا وأطاعوا وخرجوا إليه جميعا ً خلا عثمان... فسار إليه عنبسة... فأقام على البلد تسع سنين. ووثب ابن بيهس الكلابي بدمشق في جمع كثير من بطون قيس، ووثب بفلسطين رجل يقال له تميم اللخمي، ويعرف بأبي حرب، ويلقب بالمبرقع، في لخم وجذام وعاملة وبلقين، وصار إلى كورة الأردن ،وخلع قوم من البربر ببرقة، ومعهم قوم من قريش من بني أسيد بن أبي العيص، ووثبوا بعاملهم محمد بن عبدويه بن جبلة، فوجه الواثق رجاء بن أيوب الحضاري، فبدأ بدمشق، فأوقع بابن بيهس، فأسره، وسار إلى فلسطين، فأوقع بتميم اللخمي وأسره وحمله إلى سر من رأى، فوقف بباب العامة، ونودي عليه ، وصار رجاء إلى مصر سنة 228، فترل الجيزة، ثم توجه إلى برقة، فهرب من كان فيها، وظفر بجماعة منهم، فحملهم، ثم انصرف. وتوفي عبد االله بن طاهر بخراسان سنة 230، وهو ابن سبع وأربعين سنة، ومترله منها نيسابور، وكانت ولايته أربع عشرة سنة، وولى الواثق طاهر بن عبد االله، وكان عبد االله بن طاهر قد ضبط خراسان ضبطا ما ضبطه أحد مثله، ودانت له البلاد، واستقامت عليه الكلمة. وكانت بطون قيس قد عاثت في طريق الحجاز، وقطعوا الطريق، حتى تخلف الناس عن الحج، ونصبوا رجلا ً من سليم يقال له عزيزة الخفافي ، وسلموا عليه بالخلافة، فوجه الواثق بغا الكبير سنة 230، وأمره أن يقتل كل من وجده من الأعراب ،فشخص قبل أوان الحج، فاجتمعت قيس من كل ناحية، وأكثرهم بنو سليم ورئيسهم عزيزة، فلقيهم ،فقاتلوه، فقتل منهم خلقا ً عظيما ً، وصلبهم على الشجر، وأسر منهم عالما ً حبسهم في دار يزيد بن معاوية بالمدينة، فنقبوا وخرجوا على أهل المدينة، فوثب عليهم أهل المدينة، فقتلوا عامتهم، وحمل بغا الباقين في الأغلال، ووافى إسحاق بن إبراهيم الموسم في تلك السنة. وسخط الواثق على إبراهيم بن رباح، وكان إبراهيم مقدما ً عنده بمكانه منه، أيام إمرته، فولاه ديوان الضياع، فتشاغل باللهو، وفوض أمره إلى نجاح بن سلمة كاتبه، وإلى يمان بن... النصراني، وتجافيا للناس عن أموال كثيرة، فكثروا عليه عند الواثق، فأمر بقبض ضياعه وأمواله، وصير ما كان إليه إلى عمر بن فرج الرخجي. وكان أحمد بن الخصيب كاتب أشناس التركي، وهو يلي أعمال الجزيرة، والشامات، ومصر، والمغرب، والمدبر لذلك أحمد، فرفع إلى الواثق أنه قد حاز أموالا عظيمة، فسخط عليه، وقبض أمواله وأموال أخيه إبراهيم، وعذبا، وعذبت أمهما. وتوفي أشناس في هذه السنة، فصيرت مرتبته وأكثر أعماله إلى إيتاخ التركي، وتركت ضياعه وأمواله بحالها لولده، ورد القيام ا إلى عبد االله بن صاعد، فلم يزل يقوم ا إلى أن توفي. وانتقضت أرمينية، وتحرك ا قوم من العرب والبطارقة والمتغلبين، وتغلب ملوك الجبال والباب والأبواب على ما يليهم، وضعف أمر السلطان، فولى الواثق خالد بن يزيد بن مزيد، وأمره بالنفوذ، وضم إليه كورا من كور ديار ربيعة، فسار في جيش عظيم، فلما بلغ المتغلبين بتلك البلاد خبره هابوه، وكتب أكثرهم يذكر أنه لم يزل في الطاعة ،ووجهوا بالهدايا، فقال: لا أقبل إلا هدية من جاءني، فزاد ذلك في وحشتهم، وكتب إلى إسحاق بن إسماعيل يأمره أن يقدم عليه، فلم يفعل، فزحف إليه، فكاد أن يعطي إسحاق بيده. واعتل خالد، فأقام أياما ً، ثم مات، فحمل في تابوت إلى دبيل، فدفن فيها، وتفرق أصحابه، فعاد البلد إلى أقبح أحواله، فولى الواثق محمد بن خالد مكان أبيه، فكتب محمد يذكر انصراف أصحاب أبيه وسأل ردهم إليه، فوجه أحمد بن بسطام إلى نصيبين، فضرب، وحبس، وحرق الدور، فاجتمع إلى محمد أصحاب أبيه ومواليه، فحارب الصنارية وإسحاق، حتى أخرجه، وهزمهم، ولم يزل ضابطا للبلد. وامتحن الواثق الناس في خلق القرآن، فكتب إلى القضاة أن يفعلوا ذلك في سائر البلدان، وأن لا يجيزوا إلا شهادة من قال بالتوحيد، فحبس ذا السبب عالما ً كثيرا ً. وكتب طاغية الروم يذكر كثرة من بيده من أسارى المسلمين ويدعو إلى الفداء فأجابه الواثق إلى ذلك ،ووجه بخاقان الخادم... المعروف بأبي رملة والآخر جعفر بن أحمد الحذاء، وكان صاحب الجيش، وولى الثغر أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي، فصاروا إلى موضع يقال له ر اللامس على مرحلتين من طرسوس ،وحضر ذلك الفداء سبعون ألف رامح سوى من ليس معه رمح، وكان أبو رملة وجعفر الحذاء واقفين على قنطرة النهر، فكلما مر رجل من الأسرى امتحنوه في القرآن، فمن قال إنه مخلوق فودي به، ودفع إليه ديناران وثوبان، فبلغ عدة من فودي به خمسمائة رجل وسبعمائة امرأة، وكان هذا في المحرم سنة

 .231

وصار أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي إلى ابن أبي دؤاد في بعض أموره، فرده، فانصرف ذاما له، فجعل يبسط عليه لسانه ويشهد عليه بالكفر، فمال إليه قوم منهم، وهم لا يشكون أن ذلك غضب للدين ،فاشرأبت قلوم للمعصية لسبب القرآن، وخرج قوم، فضربوا بطبل، وصاروا إلى ناحية صحراء أبي السري، فأخذوا، وأقروا عليه، فكتب الواثق إلى إسحاق في إشخاصه، فأشخصه إليه، فكلمه بكلام غليظ، وحضر قوم فشهدوا عليه بشهادات، وامتحنه في القرآن، فأبى أن يقول إنه مخلوق، وشتمه الواثق ،فرد عليه، فضرب عنقه وصلبه بسر من رأى، ووجه برأسه، فنصب ببغداد في الجانب الشرقي. وخرج محمد بن عمرو الشيباني الخارجي بديار ربيعة وأبو سعيد محمد ابن يوسف ا فخرج إليه مع الجند ومحمد بن عمرو في ثلاثمائة، أو أربعمائة من الخوارج فصار إلى سنجار، ثم ازم إلى ناحية الموصل، فتبعه أبو سعيد، فأسره وأدخله نصيبين على بقرة، وحمله... إلى الواثق، فكتب إليه: ما ينبغي أن يقتل، فإنه لن يخرج خارجي ما دام حيا ً، فلم يزل محبوسا ً أيام الواثق. وفرق الواثق أموالا جمة بمكة والمدينة وسائر البلدان على الهاشميين وسائر قريش والناس كافة، وقسم في أهل بغداد قسما ً كثيرة مرة بعد أخرى على أهل البيوتات وعلى عامة الناس، وكثر الحريق ببغداد، وفرق على قوم من التجار أموالا جمة، وبنى لقوم وأسقط ما كان يؤخذ ممن يرد في بحر الصين من العشر. وكان الغالب على الواثق أحمد بن أبي دؤاد، ومحمد بن عبد الملك، وعمر بن فرج الرخجي، وكان على شرطة إسحاق بن إبراهيم، وعلى حرسه إسحاق بن يحيى بن سليمان بن يحيى بن معاذ. واعتل الواثق، واشتدت علته حتى حفر له في الأرض حفير كالتنور ثم سخن بحطب الطرفاء، وصير فيه مرارا ً، وكان يقول في علته: لوددت أني أقلت العثرة، وأني حمال أحمل على رأسي. وقيل له في البيعة لابنه، فقال: لا يراني االله أتقلدها حيا ً وميتا ً. وكان قد انتقل من قصور المعتصم، وبنى له قصرا على شط دجلة يقال له الهاروني، وجعل له دكتين: دكة غربية ودكة شرقية، وكان من أحسن القصور، وكانت وفاته يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة 232، وسنة يومئذ أربع وثلاثون سنة، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشر يوما ً ،وخلف من الولد الذكور ستة: محمدا ً، وعليا ً، وعبد االله، وإبراهيم، وأحمد، ومحمدا ً الأصغر. أيام جعفر المتوكل وبويع جعفر بن المعتصم، وأمه أم ولد يقال لها شجاع، يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة 232، وكان أول من بايعه سيما التركي، المعروف بالدمشقي، ووصيف التركي، وركب إلى دار العامة من ساعته وأمر بإعطاء الجند لثمانية أشهر، وسلم عليه أولاد سبعة خلفاء مجتمعين: منصور بن المهدي ،والعباس بن الهادي، وأحمد بن الرشيد وعبد االله بن الأمين، وموسى بن المأمون وإخوته، وأبو أحمد بن المعتصم وإخوته، ومحمد بن الواثق، وأقر الأمور على ما كانت عليه أربعين صباحا ً، ثم سخط على محمد بن عبد الملك واصطفى أمواله وعذبه حتى مات، وكان يعتد عليه بأمور كثيرة. وكان محمد رجلا ً شديد القسوة، قليل الرحمة، جباها للناس، كثير الاستخفاف م، لا يعرف له إحسان إلى أحد، ولا معروف عنده، وكان يقول: الحياء خنث، والرحمة ضعف، والسخاء حمق فلما نكب لم ير إلا شامت به وفرح بنكبته. وكتب المتوكل إلى علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد في الشخوص من المدينة ،وكان عبد االله بن محمد بن داود الهاشمي قد كتب يذكر أن قوما يقولون إنه الإمام، فشخص عن المدينة ،وشخص يحيى ابن هرثمة معه حتى صار إلى بغداد، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، وركب إسحاق بن إبراهيم لتلقيه، فرأى تشوق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته، فأقام إلى الليل ودخل به في الليل ،فأقام ببغداد بعض تلك الليلة، ثم نفذ إلى سر من رأى. وى المتوكل الناس عن الكلام في القرآن، وأطلق من كان في السجون من أهل البلدان، ومن أخذ في خلافة الواثق، فخلاهم جميعا ً، وكساهم، وكتب إلى الآفاق كتبا ً ينهى عن المناظرة والجدال فأمسك الناس. وسخط على عمر بن فرج الرخجي وعلى أخيه محمد، وكان محمد بن فرج عامل مصر إذ ذاك، فوجه كتابا في حمله، وقبضت أموالهما، وكان ذلك في سنة 233، وكان عمر محبوسا ً ببغداد ومحمد محبوسا ً بسر من رأى فأقاما سنتين. واعتل أحمد بن أبي دؤاد من فالج، فولى المتوكل ابنه محمدا ً، المعروف بأبي الوليد، مكانه، وفي ذلك الوقت... قال أبو العيناء: قد حبس لأنه بطل لسانه، فكان لا يتكلم. وسخط المتوكل على الفضل بن مروان، وقبض ضياعه وأمواله، ونفاه، ثم رضي عنه فرده. وسخط على أحمد بن خالد، المعروف بأبي الوزير، فاستصفى أمواله في سنة 234، ثم رضي عنه. ولما سخط المتوكل على الكتاب قال لإسحاق بن إبراهيم: انظر لي رجلين أحدهما لديوان الخراج والآخر لديوان الضياع، فقال: هما عندي يحيى بن خاقان، وموسى بن عبد الملك بن هشام، وكان يحيى محبوسا ً قبل إسحاق بأموال كان يطلب ا من ولايته فارس، وموسى محبوس أيضا ً، فأحضرهما فولى يحيى بن خاقان ديوان الخراج، وموسى ديوان الضياع وأمر المتوكل أن يسلم على ابنه محمد بالإمرة، ويدعى له على المنابر، فكتب بذلك إلى الآفاق، وذلك في ذي القعدة سنة 234. واستأذن إيتاخ التركي في الحج في هذه السنة، فأذن له، فخرج في أحسن زي، واتصل بالمتوكل إنه كان على إيقاع الحيلة به، فلما لم يمكنه ذلك طلب الحج، فكتب إلى جعفر بن دينار، المعروف بالخياط، وكان عامل اليمن، بالمصير إلى مكة، وأن يأخذ إيتاخ بتعجيل الانصراف، فلما صار إلى مكة وافاه جعفر ،فانصرف إلى العراق، ووجه إليه سعيد بن صالح الحاجب، فلقيه بالكوفة، فلما قرب من بغداد تلقاه إسحاق فأمره بترع السواد والسيف والمنطقة وأدخله بغداد في قباء أبيض وعمامة بيضاء، حتى صار به إلى قصر خزيمة الذي على رأس الجسر، فحبسه وقيده، وقبضت ضياعه وأمواله، وبعث بسليمان بن وهب ،وقدامة بن زياد كاتبيه، وبابنه منصور إلى بغداد، حتى جمع بينه وبينهم فبكتوه ووبخوه بما كان منه، وأمر ابنه منصور أن يبصق في وجهه، فأبى، وقال لأمير المؤمنين عبيد يأمرهم بما أحب. فأقام عدة أيام ثم مات ،فطرح في دجلة. وقبض ما كان لهرثمة بن النصر عامل مصر لما تأدى إلى المتوكل من مكاتبته إيتاخ ، ومطابقته إياه، وصير ما كان إلى إيتاخ من أعمال مصر إلى أبي إسحاق، ولما بلغ عنبسة بن إسحاق عامل إيتاخ على السند الخبر سار إلى العراق، فولى المتوكل مكانه هارون بن أبي خالد، ولم يعرض لعنبسة. وتوفي الحسن بن سهل في هذه السنة، وكان قد لزم مترله قبل ذلك، فلم يكن يتصرف في شيء من أمور السلطان. وكان محمد بن البعيث متغلبا ً على ناحية من آذربيجان يقال لها مرند فنافره حمدويه بن علي عامل آذربيجان، ثم... فحمله إلى باب السلطان، فلما قدم رفع على حمدويه بن علي، فضرب حمدويه وأخذ بأموال رفعت عليه، وخلى سبيل ابن البعيث، فأقام شهورا، وهرب من سر من رأى إلى مرند، وجمع إليه من كان بناحيته من الصعاليك، وأظهر المعصية والخلاف، فأخرج حمدويه بن علي من الحبس، وولى البلد، فسار إليه، فحاربه فقتله. وقوي أمر ابن البعيث، فوجه إليه زيرك التركي فحاربه، ثم وجه إليه عتاب بن عتاب، وكان البلد إلى بغا الصغير فأقام يحاربه شهورا ً، ثم أعطاه الأمان، فلما صار إليه حمله إلى باب السلطان، فحبس في يد إسحاق، وذلك سنة 235، فأقام في الحبس قليلا ً ومات، وحمل يحيى بن رواد أيضا ً، فصير له اسم وقيادة. وفي هذه السنة أمر المتوكل بلبس أهل الذمة الطيالسة العسلية وركوم البغال والحمير بركب الخشب والسروج التي فيها الأكر، وأن لا يركبوا الخيل والبراذين ويصيروا على أبوام خشبا ً فيها صورة الشياطين. وبايع المتوكل بولاية العهد من بعده لابنه محمد ثم لابنيه أبي عبد االله المعتز باالله، وإبراهيم المؤيد باالله ،وأحضر وجوه الناس من كل بلد إلى سر من رأى، فأعطاهم على البيعة الجوائز، وأعطى الجند لعشرة أشهر ،ووجه الخطباء ليخطبوا بذلك. وحج محمد المنتصر في هذه السنة، ومعه أم المتوكل، ووقف بالناس في الموسم، فكان محمود الأخلاق في طريقه... إلى كل واحد من ولاة العهد ناحية من الأرض، فصير إلى المنتصر مصر والمغرب، وكاتبه أحمد بن الخصيب، وصير إلى أبي عبد االله المعتز باالله خراسان والجبل، وكاتبه أحمد بن إسرائيل، وصير إلى إبراهيم المؤيد الشامات وأرمينية وآذربيجان وكاتبه محمد بن علي المعروف، وأمر المتوكل في هذا الوقت ألا يستعان بأحد من أهل الذمة في شيء من عمل السلطان، وأن دم الكنائس والبيع المحدثة، ومنعوا من العمارة، وكتب بذلك في الآفاق. وتوفي إسحاق بن إبراهيم، فصير إلى ابنه محمد ما كان إليه من أعمال خراج طساسيج السواد وأعمال مصر وكور دجلة وغير ذلك وزيادة أعمال... وفارس، وخلع عليه سبعة أيام في كل يوم سبع خلع، وعقد له ألوية كثيرة، وكان عنده بأفضل مترلة وأقر محمد عمال أبيه، وكان كاتبه على الخراج علي بن عيسى بن أزداد ترود، وعلى الرسائل ميمون بن إبراهيم، وعلى المظالم إسحاق ابن يزيد قرابة هارون بن جيغويه ووجه إلى فارس بالحسين بن إسماعيل مكان عمه محمد بن إبراهيم ،وأمره أن يعذبه حتى يستخرج الأموال التي صارت إليه، فعذب حتى مات، وكان عبد الواحد بن يحيى ،المعروف بحوط، قرابة الطاهر، على خراج مصر ومعاوا، فأقره محمد بن إسحاق على جنده. وأقام محمد بعد أبيه سنة، ثم توفي، فصير مكانه عبد االله بن إسحاق على الشرط فقط، وأشخص كتاب محمد بن إسحاق الذين كانوا كتاب أبيه إلى باب المتوكل، فضرب عماله ،وأشخص علي بن عيسى كاتب إسحاق بن إبراهيم على طساسيج السواد من سر من رأى، فولاه ديوان الخراج الأعظم، فأقام عليه شهرين، ثم صرفه وولى أحمد بن محمد بن مدبر مكانه، واستصفيت أموال الحسين وإسماعيل ابنيه ، وأخذ أحمد بن محمد بن مدبر عماله على طساسيج السواد، فصالحهم على أموال عظيمة، وولى أحمد بن محمد بن مدبر سبعة دواوين ديوان الخراج، والضياع، والنفقات الخاصة، والعامة، والصدقات، والموالي ،والغلمان، والجند، والشاكرية، فوفر أموالا ً عظيمة. وقدم محمد بن عبد االله بن طاهر إلى بغداد من خراسان سنة 237، فصير إليه ما كان إلى إسحاق بن إبراهيم وصيرت أعمال مصر إلى عنبسة بن إسحاق الضبي من قبل المنتصر فلم يقم بمصر إلا شهورا ً حتى أناخت الروم على دمياط في خمسة وثمانين مركبا، فقتلوا خلقا ً من المسلمين، وأحرقوا ألفا ً وأربعمائة مترل، وكان رئيس القوم يقال له فطوتاريس وسبوا من المسلمات ألفا ً وثمانمائة وعشرين امرأة، ومن نساء القبط ألف امرأة، ومن اليهود مائة امرأة، وأخذ السلاح الذي كان بدمياط والسقط، وارب الناس ،فغرق في البحر نحو ألفين، وأقاموا يومين وليلتين، ثم انصرفوا. وسخط المتوكل على محمد بن الفضل، كاتب ديوان التوقيع، لأمر وقف عليه منه، فصير مكانه عبيد االله بن يحيى بن خاقان، ورفعه وأعلى مرتبته ومحله، وولاه، وأمره أن يكتب: مولى أمير المؤمنين، وكان ولاؤه في الأزد، وأمره أن يأمر كتاب الدواوين أن يؤرخوا الكتب باسمه، فاستعفاه من ذلك، غير أنه كان يولي عمال الخراج والضياع والبريد والمعاون والقضاة في جميع الدنيا، ولم يكن لأحد معه عمل، وكان مع ذلك محمودا عند الناس، وصير أباه على المظالم، ثم مات، فصير مكانه عمه عبد الرحمن. وسخط المتوكل على محمد بن أحمد بن أبي دؤاد وعلى أبيه فولى يحيى ابن أكثم التميمي قضاء القضاة ،وقبضت ضياع ابن أبي دؤاد وأمواله، وأحضر إلى بغداد، فلم يقم إلا قليلا ً حتى مات... أكابر ولده ،وأقام يحيى قليلا ً، ثم ولى مكانه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي. وخرج المتوكل إلى مدينة السلام سنة 238، فترل الشماسية في المضارب، ثم دخل بغداد فشقها حتى خرج إلى المدائن للترهة. واضطرب أمر أرمينية، وتحرك ا جماعة من البطارقة وغيرهم، وتغلبوا على نواحيهم، فولى المتوكل أبا سعيد محمد بن يوسف، فخرج متوجها إلى البلد، ودعا بثيابه فلبسها، ودعا بفرد خفه فلبسه، وسقط ميتا من غير علة، فولى المتوكل ابنه يوسف، فخرج حتى صار إلى البلد، وكاتب البطارقة، فأجابه بعضهم ، وخرج بقراط بن أشوط إليه على الأمان، فحمله إلى المتوكل و... فحاربه بنوان بن أليف فقتله، وفسد البلد فوجه المتوكل بغا الكبير، فلما صار بارزن أتاه موسى بن زرارة المتغلب علي بدليس في الأمان ، فقيده وحمله إلى المتوكل ثم صار إلى موضع يقال له الباق، فيه أشوط بن حمزة فحاصره ثم آمنه، وحمله إلى سر من رأى، فضربت عنقه على باب العامة، وصلب. وكتب إلى إسحاق بن إسماعيل المتغلب بتفليس أن يقدم عليه، فكتب إليه أنه لم يخرج يدا ً من طاعة السلطان، فإن أراد الأموال أمده ا، وإن أراد الرجال أنفذهم إليه، وإن القدوم لا يمكنه، فزحف إليه فحاربه وظفر به، فضرب عنقه، وحمل رأسه إلى السلطان، وزحف إلى الصنارية، فحارم، فهزموه وفلوه، فانصرف عنهم منهزما ً، وتتبع من كان أعطاه الأمان، فأخذهم، وهرب منهم جماعة، وكاتبوا صاحب الروم وصاحب الخزر وصاحب الصقالبة، واجتمعوا في خلق عظيم، وكتب بذلك إلى المتوكل فندب للبلد محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني، فلما قدم سكن المتحركون، وجدد لهم الأمان. ووثب أهل حمص سنة 240، وأخرجوا عاملهم، وكان أبا المغيث موسى ابن إبراهيم، فخرج إلى حماة ،فوجه المتوكل عتاب بن عتاب ومحمد بن عبدويه بن جبلة وصير محمدا ً عامل البلد، فسكنهم وأقام بديارهم عدة شهور، ثم وثبوا فشغبوا عليه، فسكنهم ومكر م، فأخذ جماعة من وجوههم وأوثقهم في الحديد، فحملوا إلى باب المتوكل، ثم ردوا إليه، فضرم بالسياط حتى ماتوا، وصلبهم على أبواب منازلهم، وتتبع رجال الفتنة فأفناهم. وولى المتوكل أحمد بن محمد خراج دمشق والأردن، وذلك أن كتاب الدواوين احتالوا عليه لخوفهم منه ،وقالوا: إن البلد يحتاج أن يعدل، ولا يقوم بالتعديل إلا من ولي ديوان الخراج، فتوجه سنة 240 يعدل دمشق والأردن، وحمل كل أرض ما تستحقه. وتوفي هارون بن أبي خالد عامل السند سنة 240، وكتب عمر بن عبد العزيز السامي المنتمي إلى سامة بن لؤي وهو صاحب البلد هنالك، يذكر أنه إن ولي البلد قام به وضبطه، فأجابه إلى ذلك، فأقام طول أيام المتوكل. ووجه طاغية الروم برسل وهدايا، وكانت يسيرة، فبعث إليه بأضعافها، ووجه شنيفا الخادم وكان يقوم بإمنائه، فعقد له على الفداء، فقدم طرسوس سنة 241، وعامل الثغور أحمد بن يحيى الأرمني، وخرج إلى القنطرة اللامس، فنادى بالأسرى، وكان قد حمل من كل بلد من فيه من أسرى الروم، واشترى عبيد النصارى. وبنى المتوكل قصورا ً أنفق عليها أموالا ً عظاما ً منها: الشاة، والعروس، والشبداز، والبديع ،والغريب، والبرج، وأنفق على البرج ألف ألف وسبعمائة ألف دينار. وكان انقضاض الكواكب ليلة الخميس مستهل جمادى الآخرة سنة 241، ولم تزل تنقض من أول الليل إلى طلوع الفجر وكانت الزلازل بقومس ونيسابور وما والاها سنة 242، حتى مات بقومس خلق كثير ،ونالتهم رجفة يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من شعبان، فمات فيها زهاء مائتي ألف، وخسف بعده مدن بخراسان، ونال أهل فارس في هذا الشهر شعاع ساطع من ناحية الفلروم ورهج أخذ بإكظام الناس، فمات الناس والبهائم، واحترقت الأشجار، ونال أهل مصر زلزلة عمت حتى اضطربت سواري المسجد، ودمت البيوت والمساجد، وذلك في ذي الحجة من هذه السنة. وعزم المتوكل على المسير إلى دمشق، ووصف له برد هوائها، وكان محرورا، فكتب إلى أحمد بن محمد بن مدبر يأمره باتخاذ القصور وإعداد المنازل، وكتب في إصلاح الطريق، وإقامة المنازل والمرافد، وسار من سر من رأى يوم الإثنين لعشر بقين من ذي القعدة سنة 243، ونزل دمشق يوم الأربعاء لثمان بقين من صفر سنة 244، فترل تلك القصور، فأقام ثمانية وثلاثين يوما ً. وبلغه عن بعض الموالي من الأتراك أمر كرهه، فشخص عن دمشق إلى العراق، ولم يسافر في ولايته غير هذه السفرة إلا في نزهة، ولم ير في سفرته هذه شيئا ً، ولا نظر في مصلحة أحد. وأصابت الشام كله زلازل حتى ذهبت اللاذقية وجبلة، ومات عالم من الناس، حتى خرج الناس إلى الصحراء، وأسلموا منازلهم وما فيها، واتصل ذلك شهورا من سنة 245. وانتقل المتوكل إلى موضع يقال له الماحوزة على ثلاثة فراسخ من قصر سر من رأى وبنى هناك مدينة سماها الجعفرية، وحفر فيها را من القاطول، ونقل الكتاب والدواوين والناس كافة إليها، وبنى فيها قصرا لم يسمع بمثله، وذلك في المحرم سنة 246. وسخط على نجاح بن سلمة الكاتب وكان أغلب كتابه عليه بعد عبيد االله بن يحيى، وكان لا يزال يتنضخبأموال الناس، فسلمه إلى موسى بن عبد الملك بن هشام صاحب ديوان الخراج، وإلى الحسن بن مخلد بن الجراح صاحب ديوان الضياع، وكانا قد ضمناه بألفي ألف دينار، فعذبه موسى بن عبد الملك أياما ً ، فتوفي في يده، فقبضت ضياعه ودوره وأمواله، وكان ذلك في ذي القعدة سنة 246. وكان المتوكل قد جفا ابنه محمدا ً المنتصر فأغروه به، ودبروا على الوثوب عليه، فلما كان يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة 247 دخل جماعة من الأتراك منهم: بغا الصغير وأوتامش صاحب المنتصر، وباغر وبغلو ويريد وواجن وسعلفة وكنداش وكان المتوكل في مجلس خلوة، فوثبوا عليه، فقتلوه بأسيافهم، وقتلوا الفتح بن خاقان معه. وكانت خلافة المتوكل أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أيام، وسنة اثنتين وأربعين سنة، ودفن في قصره المعروف بالجعفري الذي كان سماه الماحوزة، وكان الغالب عليه الفتح بن خاقان، وعبيد االله بن يحيى الكاتب، وكان صاحب شرطة إسحاق بن إبراهيم، وبعده محمد بن إسحاق، وبعده محمد ابن عبد االله بن طاهر، وكان صاحب حرسه إسحاق بن يحيى بن معاذ، وبعده رجاء بن أيوب، ثم سليمان بن يحيى بن معاذ، وكان حجابه وصيفا ً وبغا. أيام محمد المنتصر وبويع محمد المنتصر بن جعفر المتوكل وأمه أم ولد يقال لها حبشية رومية في الليلة التي قتل فيها أبوه وهي ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال سنة 247، وكانت الشمس يومئذ في العقرب خمس عشرة درجة واثنتين وخمسين دقيقة، والقمر في الميزان ستا ً وعشرين درجة وأربع دقائق، وزحل في السنبلة إحدى وعشرين درجة وعشرين دقيقة، والمشتري في الثور درجتين وخمسا وثلاثين دقيقة، والمريخ في القوس خمسا ً وعشرين درجة ودقيقتين، والزهرة في العقرب درجتين وخمسا ً وعشرين دقيقة، وعطارد في العقرب ثلاث درجات واثنتين وعشرين دقيقة، وأحضر أخويه أبا عبد االله المعتز باالله وإبراهيم المؤيد فأخذ عليهما البيعة وعلى جميع من حضر من الناس، وركب إلى دار العامة، وأعطى الجند رزق عشرة أشهر، وانصرف من الجعفري إلى سر من رأى، وأمر بتخريب تلك القصور، فنقل الناس عنها، وعطل تلك المدينة، فصارت خرابا ً، ورجع الناس إلى منازلهم بسر من رأى، وخلع أخويه المعتز والمؤيد وأشهد عليهما بخلعهما أنفسهما، ونقل أحمد بن محمد بن المدبر عن الشامات إلى مصر، وفرقت أعمال الشامات على جماعة. وكان الغالب عليه أوتامش وأحمد بن الخصيب، وكانت خلافته ستة أشهر، وتوفي يوم السبت لأربع خلون من شهر ربيع الآخر سنة 248، وكانت سنة خمسا ً وعشرين سنة وستة أشهر. أيام أحمد المستعين وبويع أحمد بن محمد بن المعتصم في اليوم الذي توفي فيه المنتصر وهو يوم السبت لأربع خلون من شهر ربيع الآخر، وكانت الشمس يومئذ في الجوزاء خمس عشرة درجة وإحدى عشرة دقيقة، وزحل في السنبلة ست عشرة درجة وسبع دقائق، والمشتري في الجوزاء خمس عشرة درجة، والمريخ في الجوزاء ثلاث درجات وسبعا وعشرين دقيقة، والزهرة في السرطان أربع عشرة درجة واثنتين وعشرين دقيقة ،وعطارد في السرطان أربع درجات واثنتين وعشرين دقيقة ولم يكن يؤهل للخلافة ولكنه لما توفي المنتصر استوحش الأتراك من ولد المتوكل وخشوا سوء العاقبة، فأشار عليهم أحمد بن الخصيب أن يبايعوا أحمد بن محمد بن المعتصم فبايعوه وأنكر بعض القواد البيعة وجرى بين الأتراك والأبناء منازعات حتى تحاربوا ثلاثة أيام، ثم ضعف أمر الأبناء، وفرق المستعين في الناس أموالا كثيرة، واستقامت أموره، وغلب على أمره أوتامش التركي وشجاع بن القاسم كاتب أوتامش وأحمد بن الخصيب حتى لم يبق لأحد معهم أمر ،ثم تحامل الأتراك على أحمد بن الخصيب فسخط المستعين عليه، ونفاه إلى المغرب بعد أربعة أشهر من ولايته فحمل في البحر إلى أقريطش ثم حمل إلى القيروان. ولم يكن أصحاب المستعين لأحد أخوف منهم لصاحب خراسان وتوفي طاهر بن عبد االله بن طاهر في رجب سنة 248، وهو ابن أربع وأربعين سنة فأفرخ روعهم، ودبروا أن يخرجوا محمد بن عبد االله من العراق إلى خراسان فقال له المستعين أن ينفذ إلى خراسان فقال: إن أخي قد أوصى إلى ابنه ولا آمن أن يكون في خروجي فساد البلد. فكتب المستعين إلى محمد بن طاهر بن عبد االله ابن طاهر بولاية خراسان مكان أبيه وخرج أبو العمود الشاري بديار ربيعة في هذه السنة، فوجه إليه المستعين بلكاجور الفرغاني ،فواقعه، فقتله، وفرق جمعه. ولما توفي طاهر وولى محمد ابنه، وكان يوم ولي حدث السن، تحرك قوم بخراسان من الشراة وغيرهم، وكثر الشراة حتى كادوا أن يغلبوا على سجستان فقام يعقوب بن الليث ،ويعرف بالصفار من أهل البأس والنجدة فسأل محمد بن طاهر أن يأذن له في الخروج إلى الشراة وجمع المطوعة، فأذن له في ذلك، فسار إلى سجستان فنفى من ا من الشراة ثم زحف إلى كرمان ففعل كذلك حتى نقى البلاد منهم، فعظم شأنه، فكتب المستعين إلى محمد أن يوليه كرمان فأقام ا وأحسن أثره في البلاد. ووثب بالأردن رجل من لخم، فطلبه صاحب الأردن فصار إلى ناتليق وهرب، فقام مكانه رجل من عماله يعرف بالقطامي وكثف جمعه، فجبى الخراج وكسر جيشا بعد جيش أنفذهم إليه صاحب فلسطين فلم تزل هذه حاله حتى قدم مزاحم بن خاقان التركي في جمع من الأتراك وغيرهم ففرق جمعهم، ونفاهم عن البلاد. ووثب أهل حمص بعاملهم كيدر بن عبد االله الأشروسني فخرج إليهم في جماعة من الجند فهزموهم، ولحقبحماة وقتلوا من الجند جماعة وصلبوهم، فولى المستعين عبد الرحمن بن حبيب الأزدي حمص فخرج متوجها إليها، فلما كان على أربع مراحل منها توفي، فولى الفضل بن قارن الطبري فقدم البلد، فتلقاه أهله بالسمع والطاعة وشكوا قبح ما كان يعاملهم به كيدر فدخل المدينة، فأقام أياما ً، والبلد ساكن، ثم بلغه ام يريدون الوثوب عليه، فأخذ جماعة منهم فضرب أعناقهم. ونفى المستعين عبيد االله بن يحيى إلى مكة ثم نفاه منها إلى برقة وكان ذلك في أول سنة 249. ووثب الجند بسر من رأى مرة بعد أخرى ،وتحاربوا وتحاملوا على أوتامش وقالوا: أخذ أرزاقنا وأزال مراتبنا وخرجت عصبة من الأتراك والموالي إلى الكرخ فخرج إليهم أوتامش ليسكنهم، فقتلوه، وقتلوا كاتبه شجاع بن القاسم وذلك في شهر ربيع الآخر سنة 249 وبت دورهما، فوقع ذلك بموافقة المستعين وكتب إلى الآفاق بلعنه. ووجه المستعين جعفرا ً الخياط لغزو الصائفة سنة 249، ومعه عمر بن عبد االله الأقطع عامل ملطية فلما دخل إلى بلاد الروم استأذنه عمر أن يوغل، وكان في ثمانية آلاف، فأحاط به العدو، فأصيب هو ومن معه في رجب سنة 249. وولى المستعين علي بن يحيى الأرمني أرمينية في هذه السنة، وكان أمرها قد اضطرب، فصار إلى ميافارقين وأغارت الروم وتوسطت بلاد المسلمين فاجتمع قوم من أهل ذلك البلد إلى علي بن يحيى فكلموه في لقاء الروم، ورفعوه فخرج معهم، فلقي عسكر الروم فقاتل قتالا ً شديدا ً، فقتل، وأخذ الروم بدنه، وعدوه فتحا ً عظيما ً لما كان قد أشجاهم. ووثب أهل حمص بالفضل بن قارن الطبري عاملهم في هذه السنة، واستجاشوا عليه بإحياء كلب ، فتحصن منهم بقصر خالد بن يزيد بن معاوية وقد كان جدده فحاصروه وغاله من كان معه وأسلمه ،فأخذوه وذبحوه وصلبوه على باب الرستن ولما قتلوه خافوا عامل دمشق فزحفوا إليه، وهو نوشرى بن طاجيل التركي فوجه إليهم بعسكر من البابكية وغيرهم، فهزموهم، وانصرفوا إلى حمص. ووجه المستعين موسى بن بغا الكبير في ستة آلاف من الموالي إلى حمص فلما بلغها خرج إليه رجل يقال له دابر العفار في خلق عظيم من كلب وغيرهم، فحاربه، فكانت عليهم، ودخل موسى حمص عنوة وأباحها ثلاثة أيام، فانتهبت، وطرحت النار في منازلها، فانتهبت أموال التجار وكان الواثب بحمص غطيف بن نعمة الكلبي. ووثب أيضا ً بالمعرة المعروف بالقصيص، وهو يوسف بن إبراهيم التنوخي فجمع جموعا من تنوخ، وصار إلى مدينة قنسرين فتحصن ا، فلم يزل ا حتى قدم محمد المولد، مولى أمير المؤمنين فاستماله واستمال غطيف بن نعمة وصار إليه، ثم وثب بغطيف بن نعمة فقتله وهرب القصيص فصار إلى جبل الأسود واجتمعت قبائل كلب بناحية حمص على الامتناع على المولد فسار إليهم فواقعهم، فكانت عليهم، ثم وثبوا عليه، فهزموه، وقتلوا خلقا ً عظيما ً من أصحابه، وانصرف إلى حلب في فله، ورجع القصيص إلى قنسرين، وجرت بينه وبين كلب محاربة وعزل المولد وولي أبو الساج الأشروسني وكتب إلى القصيص يؤمنه وصير إليه الطريق والبذرقة ثم ولاه اللاذقية ونحوها. وكان يحيى بن عمر بن أبي الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى فأتى بعض الولاة في حاجة، فلقيه بما لا يحب، فخرج إلى الكوفة واجتمع إليه الناس، فوثب بالكوفة وفتح الحبس، وأطلق من كان فيه، وأخرج عامل الكوفة وقوي أمره، وكثر أتباعه، فوجه المستعين رجلا ً من الأتراك يقال له كلكاتكين ووجه محمد بن عبد االله بن طاهر بالحسين بن إسماعيل قرابته، وزحف يحيى بن عمر في خلق عظيم وجماعة كثيرة، فالتقوا بموضع يقال له شاهي، بين الكوفة وبغداد لثلاث عشرة بقيت من رجب سنة 249، فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً، ثم ازم أصحاب يحيى عنه، وقتل في المعركة وحمل رأسه إلى محمد بن عبد االله بن طاهر فوضع بين يديه في ترس ودخل الناس يهنئونه، فقال له رجل من بني هاشم: إنك لتهنأ بما لو كان رسول االله صلى االله عليه وسلم حاضرة لعزي به. ووثب جند فارس في هذه السنة بعاملهم الحسين بن خالد فشغبوا عليه، ووثبوا على مال قد حمل فأخذوا أرزاقهم منه، وكان رئيسهم علي بن الحسين بن قريش البخاري وكانت فارس مضمومة إلى محمد بن عبد االله بن طاهر فلما بلغه الخبر ولى عبد االله بن إسحاق فشخص إليها في عدة وعدد فلما قدمها أعطاه الجند الطاعة وكان قصده ابن قريش فناله بالمكروه، ثم رضي عنه، وولاه محاربة قوم من الخوارج بناحية الفرش والروذان وهو الحد بين فارس وكرمان فصار ابن قريش إلى ناحية إصطخر وكاتب الجند وأعلمهم أنه على الوثوب بعبد االله بن إسحاق فأنجدوه على ذلك لسوء سيرة عبد االله فيهم، ومنعه إياهم أرزاقهم ورجع علي بن الحسين فوثب به، وأخرجه من مترله، وانتهب أمواله ومتاعه، وأمروا علي بن الحسين عليهم، وانصرف عبد االله إلى بغداد فوجه محمد بن عبد االله بن نصر بن حمزة الخزاعي فلما قدم تألف علي بن الحسين فلم يصلح، وأقام منافرا له في ناحية من كور فارس. ووثب إسماعيل بن يوسف الطالبي بناحية المدينة لسبب كان بينه وبين الوالي ا، وتحامل عليه في وقف كان له، وجمع لفيفا ً من الأعراب، ثم نفذ إلى ناحية الروحاء فأخذ مالا ً للسلطان وكان حمل من بعض المواضع، ثم صار إلى مكة وجعفر بن الفضل، المعروف ببشاشات العامل ا، فواقعه، فهزم بشاشات ودخل مكة وأقام ثلاثا، ثم دفع إلى المزدلفة وصبح منى وقد ارب الناس، ودخل من كان مع ابن يعقوب مكة فقدر أهلها ام أصحاب إسماعيل فلقوهم بالسيوف فقتلوا منهم مقتلة عظيمة. وأقبل إسماعيل إلى مكة فمنعه أهل مكة من الدخول ،فوضع أصحابه السيوف فيهم، حتى دخل وطاف وسعى، ورجع وطاف، ثم صار إلى منى وكان بمكة رجل يقال له محمد بن حاتم على نفقات المصانع فقالليعقوب: اقلع ما على دروندي البيت والعتبة من الذهب والفضة، وأعطه الناس. وحارب إسماعيل! فقلع ذلك الذهب، وأقام إسماعيل بمنى أيام منى، ثم انصرف.... وغلت الأسعار ببغداد وبسر من رأى حتى كان القفيز بمائة درهم، ودامت الحرب، وانقطعت الميرة، وقلت الأموال فجرت السفراء بينهم سنة 252، فدعا المستعين إلى الصلح على أن يخلع نفسه ويسلم الأمر إلى المعتز ويصير إلى بلد فيقيم فيه آمنا على نفسه وولده، على أن يدفع إليه مال معلوم وضياع تقيمه، فأجيب إلى ذلك، وخلع نفسه، وبايع محمد بن عبد االله وكتب المستعين كتاب الخلع على نفسه وأشهد بذلك، وصار إلى واسط بأمه وولده وسائر أهله ليجعلها دار مقامه. أيام المعتز باالله وبويع أبو عبد االله المعتز باالله بن المتوكل، وأمه أم ولد يقال لها قبيحة، بسر من رأى، يوم الخميس لسبع خلون من المحرم سنة 252 وكتب إلى جميع العمال يذكر ما تقدم من العقد لإبراهيم المؤيد ويأمرهم بالدعاء له بعده وبايع عمال البلاد للمعتز لما علموا مبايعة محمد بن عبد االله بن طاهر ومن ببغداد وتوقف ابن مجاهد صاحب شمشاط وعيسى بن شيخ في فلسطين ويزيد ابن عبد االله في مصر وعمران بن مهران بإصبهان. ووجه المعتز حاتم بن زريك إلى شمشاط فأوقع بابن مجاهد وأهلها، وأخذه وجماعة من وجوهها إلى آمد وضرب أعناقهم. زحف نوشرى بن طاجيل التركي عامل دمشق إلى عيسى بن شيخ فزحف إليه عامل فلسطين عيسى فالتقيا بالأردن وكانت بينهما حروب صعبة قتل فيها ابن نوشرى، وازم الجند عن عيسى فتركوه وحده، فازم إلى فلسطين فحمل منها ما قدر عليه، وسار إلى مصر ودخل نوشرى الرملة. ووجه المعتز برجل من الأتراك إلى مصر بالبيعة فاحتبسه يزيد بن عبد االله عامل مصر بالعريش أياما ً، ثم أذن له في الدخول، وبايع هو ومن بحضرته وعيسى بن شيخ للمعتز. ووجه المعتز برجل من الأتراك يقال له محمد بن المولد إلى فلسطين لما انتهى إليه خبر عيسى بن شيخ وما كان بينه وبين النوشري فلما صار محمد بن المولد بحمص وقد كان تغلب عليها غطيف الكلبي دعاه إلى الطاعة وأعطاه الأمان فأجابه، فلما صار في يده ضرب عنقه، فوثبت به كلب من كل جانب، فهزموه. وصار محمد بن المولد إلى فلسطين فلما قدمها انصرف النوشري عنها. وصار عيسى بن شيخ من مصر مستعدا، فلما وافى فلسطين نزل قصرا كان بناه بين رملة ولد ولم يمكن ابن المولد فيه فرصة، وحذر كل واحد منهما من صاحبه، ثم انصرفا جميعا ً إلى العراق. ووجه مزاحم بن خاقان إلى ملطية وقد ظهر فيها الروم عدة مرار، ووثب بمصر رجل من كنانة يقال له جابر ويعرف بأبي حرملة... فوجهه إلى أسفل الأرض وقام هو موضعه، فكثف جمعه وجبى الخراج. وكان صفوان العقيلي قد وثب بديار مضر في أيام المستعين على ما ذكرنا من أمره، ودعا للمعتز وحارب محمد بن داود المعروف بابن الصغير فلما استقامت الكلمة، وبايع من كان بالرافقة من العمال كتب محمد بن الأشعث الخزاعي صاحب البريد بديار مضر إلى المعتز يذكر سوء مذهب صفوان وأنه منطو على المعصية فوجه إليه المعتز بسيما الصعلوك ليحمله إلى بابه، وكان قد تحرك بحران في ذلك الوقت رجلا ًن أحدهما من ولد أبي لهب والآخر أموي، ودعا كل واحد منهما إلى نفسه، فبدأ سيما ما حتى أخذهما، ثم صار إلى الرافقة وقد وثب صفوان العقيلي على محمد بن الأشعث الخزاعي فقتله، فلقي سيما ابن عبدوس فكانت بينهما وقعات، ثم دعا ابن عبدوس إلى الصلح على أن يولي بلده، ويدفع إليه تسعمائة ألف درهم. وأقام موسى بن بغا مذان ووجه خليفة له إلى ناحية الكوكبي بن الأرقط فكانت بينهما وقعات، وزحف موسى إلى عمران بن مهران المتغلب بإصبهان فحاربه، ثم انصرف، واستخلف على البلد، ورجع إلى همذان. وتوفي محمد بن عبد االله بن طاهر ببغداد في ذي القعدة سنة 253 وكتب المعتز إلى عبيد االله بن عبد االله بن طاهر بولايته على ما كان أخوه يتولاه من الشرطة وسائر الأعمال وكانت سن محمد يوم مات أربعا وأربعين سنة، ثم وجه طاهر بن محمد بن عبد االله بن طاهر صاحب خراسان سليمان بن عبد االله عمه، لما بلغه اضطراب الأحوال وغلبة وصيف وبغا وغيرهما من الأتراك على أمر الخلافة فيقال إن المعتز كتب إليه في ذلك فصار سليمان إلى بغداد في خلق كثير من جند خراسان ثم دخل إلى سر من رأى والناس لا يشكون في أنه سيغلب، فخلع عليه ودبر وصيف وبغا أن ينحياه، فأمر بالرجوع إلى بغداد فقدمها يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة 254. وأغزى بغا عيسى بن شيخ إلى جند فلسطين ورصده الأتراك ليقتلوه بابن نوشرى الذي كان قتله بالأردن فخرج مستترا في يوم مطير في خيل جريدة حتى فام وصار إلى فلسطين فوجد ا أموالا قد حملت من مصر فاحتبسها وفرض فروضا من العرب وجمع إليه خلقا من ربيعة، وصاهر إلى كلب، وابتنى خارج مدينة الرملة حصنا سماه الحسامي. ولما كثر الاضطراب تأخرت أموال البلدان ونفد ما في بيوت الأموال فوثب الأتراك بكرخ سر من رأى فخرج إليهم وصيف ليسكنهم، فرموه فقتلوه وحزوا رأسه في سنة 253 وتفرد بغا بالتدبير، ثم تحرك صالح بن وصيف واجتمع إليه أصحاب أبيه فصار في مترلته وضعف أمر المعتز حتى لم يكن له أمر ولا ي. وانتقضت الأطراف، وخرج بديار ربيعة رجل من الشراة يقال له مساور بن عبد الحميد، ويعرف بأبي صالح من بني شيبان، ثم صار إلى الموصل فطرد عاملها وسار حتى قرب من سر من رأى ونزل في المحمدية ثلاثة فراسخ من قصور الخليفة فدخل القصر وجلس على الفرش، ودخل الحمام وندب له المعتز قائدا وجيشا بعد قائد وجيش وهو يهزمهم، حتى كثف جمعه، واشتدت شوكته. وتوفي مزاحم بن خاقان لخمس خلون من المحرم سنة 254 وصار مكانه ابن له يقال له أحمد فلم يقم إلا أياما ً حتى اشتدت به العلة، وتوفي، وكانت ولايته ثلاثة أشهر، وتوفي في شهر ربيع الآخر وصار على البلد أرخوز ابن أولغ طرخان التركي. وتوفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب بسر من رأى يوم الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة 254 وبعث المعتز بأخيه أحمد بن المتوكل فصلى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد فلما كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجتهم، فرد النعش إلى داره فدفن فيها، وسنة أربعون سنة، وخلف من الولد الذكور اثنين: الحسن وجعفر. وتنكر المعتز لبغا وآثر صالحا وبابكباك وصير إلى بابكباك أعمال المعاون بمصر فولاها بابكباك من قبله أحمد بن طولون فقدم أحمد بن طولون الفسطاط في شهر رمضان سنة 254. وبلغ المعتز أن بغا قد عزم على الوثوب به، فدبر على قتله، فلما بلغه ذلك هرب فصار إلى ناحية الموصل وهو يقدر أن أكثر الأتراك وغيرهم يستلحقونه، فلم يلحقه أحد، فانصرف راجعا في زورق، فأخذه أصحاب المسالح وكوتب المعتز بخبره فأمر بضرب عنقه، فضربت عنقه، وبت داره، ونفى ابنه فارس إلى المغرب في سنة 254. ولما خاف المعتز وثوب الأتراك أشخص من كان بسر من رأى من الهاشميين من أولاد الخلافة وغيرهم إلى بغداد لئلا يخلس الأتراك أحدا ً منهم. وتلاحى أحمد بن طولون وأحمد بن المدبر وهو عامل الخراج بمصر وأفسد بينهما شقير الخادم المعروف بأبي صحبة فكان شقير يتولى البريد وضياعا من ضياع الأقطار، وما يستعمل للسلطان من المتاع وإليه ينسب الدبيقي الشقيري وكتب كل واحد منهما في صاحبه فنصر بابكباك أحمد بن طولون. وكان بابكباك الغالب على أمر الخليفة وأعانه الحسن بن مخلد بن الجراح وأبو نوح عيسى بن إبراهيم بن نوح فكتب بعزل بن المدبر وتولية رجل من أهل مصر يقال له محمد بن هلال فتولى الخراج وقبض ابن طولون على ابن المدبر فقيده، وألبسه جبة صوف، ووقفه في الشمس، فأقام ذه الحال ثلاثة أشهر. وقوى أمر يعقوب بن الليث الصفار فسار إلى فارس وا علي بن الحسين ابن قريش متغلب، فهزم جيشه وأسره وتغلب على فارس. ووثب صالح بن وصيف التركي على أحمد بن إسرائيل الكاتب وزير المعتز وعلى الحسن بن مخلد صاحب ديوان الضياع وعلى عيسى بن إبراهيم بن نوح وعلي بن نوح فحبسهم وأخذ أموالهم وضياعهم وعذم بأنواع العذاب، وغلب على الأمر، فهم المعتز بجمع الأتراك ثم دخل إليه، فأزاله من مجلسه، وصير في بيت. وأخذ رقعته بخلع نفسه وتوفي بعد يومين، وصلى عليه المهتدي وكان ذلك في يوم الثلاثاء لثلاث بقين من رجب سنة 552 وكانت ولايته من يوم بويع إلى يوم خلع فيه نفسه أربع سنين وتسعة أشهر ،ومنذ خلع المستعين وبايع له من ببغداد ثلاث سنين وسبعة أشهر، وكانت سنة اثنتين وعشرين سنة ،وخلف من الولد الذكور ثلاثة: عبد االله ومحمدا والمهتدي. أيام محمد المهتدي بن هارون الواثق باالله واجتمع القواد على أنه ليس في أولاد الخلفاء أفضل ولا أعقل من محمد بن الواثق وأمه أم ولد يقال لها قرب وكان ممن أشخص إلى بغداد في أيام المعتز فشخص، فلما قدم بايعوه فاجتمعت كلمتهم عليه ، وكانت البيعة له يوم الثلاثاء لثلاث بقين من رجب سنة 255 وجلس للناس يوم الخميس بعد أن بويع له، وذكر في الكتب خلع المعتز نفسه وسماه خالع نفسه وظهرت من المهتدي سيرة حسنة ومذاهب محمودة وجلس للمظالم بنفسه، وباشر الأمور بجسمه، ووقع في القصص بخطه وأبطل الملاهي وقدم أهل العلم وأقام يلبس اليوم الواحد لبسة، فتقيم عليه أياما ً كثيرة لا يغيرها وكان صالح وبابكباك الغالبين عليه وأخرج صالح أحمد بن إسرائيل وعيسى ابن إبراهيم بن نوح من الحبس إلى باب العامة فضربا حتى ماتا ،وأفلت الحسن ابن مخلد ورد أحمد بن المدبر إلى خراج مصر فأقام تسعين يوما ً، ثم ورد كتاب بابكباك إلى أحمد بن طولون بإزالة ابن المدبر ورد النظر إلى محمد بن هلال ففعل ذلك. ووثب أهل حمص بمحمد بن إسرائيل، فخرج هاربا، ولحقه ابن عكار فكانت بينهما وقعة قتل فيها ابن عكار، ورجع ابن إسرائيل على البلد، وأخرج قبيحة أم المعتز، وأبا أحمد وإسماعيل ابني المتوكل، وعبد االله بن المعتز إلى مكة، ثم ردوا إلى العراق. وكتب إلى جميع المتحركين والمتغلبين بالأمان، وكتب إلى عيسى بن شيخ الربعي بمثل ذلك، وأمره بحمل ما قبله من أموال مصر وغيرها فامتنع فكتب إلى ابن طولون بالمسير إليه، فسار إليه، فلما صار بالعريش ورد عليه الكتاب بالانصراف، فانصرف، ولم يلق حربا، ولقي ابن شيخ أماجور التركي، عامل دمشق ،فهزمه أماجور وقتل ابنه منصورا ً، ورجع ابن شيخ، فحمل عياله إلى صور وتحصن ا. ووثب رجل من الطالبيين يقال له إبراهيم بن محمد من ولد عمر بن علي، ويعرف بالصوفي، بناحية صعيد مصر، ووثب أيضا ً في تلك الناحية رجل يقول إنه عبد االله بن عبد الحميد بن عبد االله بن عبد العزيز بن عبد االله بن عمر بن الخطاب، فحارب السلطان، وقوي أمر صاحب البصرة، وصار إلى الأبلة فأخرا ،ووقعت بين أهل البصرة العصبية، حتى أحرق بعضهم منازل بعض. وتنكر المهتدي للأتراك، وعزم على تقديم الأبناء فلما علموا بذلك استوحشوا منه، وأظهروا الطعن عليه، فأحضر جماعة منهم، فضرب أعناقهم، وفيهم بابكباك رئيسهم، فاجتمع الأتراك وشغبوا، فخرج إليهم المهتدي في السلاح معلقا في عنقه المصحف، واستنفر العامة، وأباحهم دماءهم وأموالهم، وب منازلهم، فتكاثر الأتراك عليه، وافترقت عنه العامة حتى بقي وحده وأصابته عدة جراح، ومر منصرفا ً حتى دخل دار رجل من القواد يقال له أحمد بن جميل، ولحقوه، فأخذوه، فحملوه على دوابه وجراحاته تنطف دما ً، فدعوه إلى أن يخلع نفسه فأبى ومات بعد يومين، وكانت وفاته يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 256، وكانت خلافته سنة إلا أحد عشر يوما ً. أيام أحمد المعتمد على االله وبويع أحمد المعتمد على االله بن جعفر بن المتوكل في اليوم الذي قتل فيه المهتدي، وهو يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 256، ومن شهور العجم في حزيران وكانت الشمس يومئذ في الأسد سبعا وعشرين درجة وثمانيا وعشرين دقيقة، والقمر في الدلو ثماني درجات واثنتين وعشرين دقيقة، وزحل في القوس خمسا ً وعشرين درجة وثلاثين دقيقة راجعا ً، والمريخ في الأسد ثلاث درجات وأربعين دقيقة والزهرة في الأسد درجة وأربعا ً وأربعين دقيقة، وعطارد في الجوزاء تسع درجات وثلاثا ً وثلاثين دقيقة. وصير المعتمد عبيد االله بن يحيى بن خاقان وزيرا ً، وقلده أموره، وكتب بالبيعة إلى الآفاق، فبايع بخراسان محمد بن طاهر بن عبد االله بن طاهر، وبكور الفرات مالك بن طوق التغلبي، وبديار مضر وديار ربيعة وجند قنسرين أبو الساج بن ديوداد الأسروشني وبمصر أحمد بن طولون التركي، وامتنع عيسى ابن شيخ بن الشليل الربعي من البيعة بفلسطين، فوجه برجل من الأتراك في سبعمائة تركي يقال له أماجور، فقدم أماجور دمشق، وزحف عيسى بن شيخ إليه من فلسطين، حتى أناخ بباب دمشق، فحاصره، ولما اشتد الحصار بدمشق خرج أماجور وأصحابه من المدينة واتبعه ابن لعيسى بن شيخ يقال له منصور، وخليفة له يقال له ظفر بن اليمان ويعرف بأبي الصهباء، فحمل عليهما أماجور وأصحابه، فقتل منصور بن عيسى بن شيخ، وأسر المعروف بأبي الصهباء، فضرب عنقه، وصلب، وانصرف عيسى بن شيخ إلى الرملة. وزحف الخارج بالبصرة المدعي إلى آل أبي طالب، واسمه علي بن محمد، إلى الأبلة، فنهبها وأخرا وأحرقها بالنار، وتوجه إليه سعيد بن صالح، فواقعه بنهر أبي الخصيب. ووردت كتب المعتمد إلى أحمد بن طولون عامل مصر، يأمره برد أعمال الخراج إلى أحمد بن محمد بن المدبر، وكان محبوسا في يده، ومحمد بن هلال يتولى الخراج، فاخرج يوم السبت لسبع ليال بقين من ذي القعدة سنة 256، وتولى الخراج، وكان حبسه تسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما ً. وفي هذه السنة تنازع قوم من بني هلال وقوم من أهل مكة في الموقف بعرفات، فقتل قوم من هؤلاء وقوم من هؤلاء، وكان صاحب الموسم الحسين بن إسماعيل الطاهري، فأقام الحج للناس أحمد بن إسماعيل بن يعقوب الملقب كعب البقر. وتوفي بابكباك التركي، فصير المعتمد ما كان إليه من أعمال مصر وغيرها إلى يارجوج التركي وكتب يارجوج التركي إلى أحمد بن طولون التركي، عامل مصر، بإقراره على ما كان يتولى. وولى المعتمد محمد بن هرثمة بن أعين برقة، فقدم الفسطاط في شهر ربيع الآخر سنة 257، ونفذ إلى برقة. ووجه المعتمد بالحسين الخادم، المعروف بعرق الموت، إلى عيسى بن شيخ، وقد تغلب على فلسطين ، بأمان على نفسه وماله وولده، والصفح عما كان منه، وتوليته أرمينية، ففعل ذلك وشخص من البلد في جمادى الآخرة سنة 257، وسلم ما كان في يده إلى أماجور التركي، ولم يرد من الأموال درهما ً واحدا ً. وكانت في السماء نار عظيمة أخذت من المشرق إلى المغرب ثم أجلت وتلتها هدة شديدة وزلزلة، وكان ذلك مع طلوع الفجر لثمان بقين من رجب، ومن شهور العجم في حزيران. وحمل أحمد بن طولون ما كان حاصلا في بيت المال بمصر إلى أمير المؤمنين المعتمد، فكان مبلغه ألفي ألف ومائة ألف درهم، وقاد الخيل، وحمل الطراز والخيش والشمع، ووازنه بنفسه حتى يسلمه إلى أماجور التركي، وأشهد به عليه، وانصرف إلى الفسطاط. وكتب المعتمد باالله إلى أحمد بن طولون بولاية الإسكندرية مكان إسحاق ابن دينار بن عبد االله، فشخص أحمد بن طولون إلى الإسكندرية في شهر رمضان سنة 257. وولى أحمد المعتمد باالله أحمد بن محمد بن المدبر خراج الشامات، وصرفه عن خراج مصر، وولى خراج مصر أحمد بن محمد شجاع، المعروف بابن أخت الوزير، فقدم الفسطاط في شهر رمضان من هذه السنة ،وعزل شقيرا الخادم، المعروف بأبي صحبة، عن البريد بمصر، وولى مكانه أحمد بن الحسين الأهوازي، فقدم في شوال من هذه السنة. وفي هذه السنة وجه أحمد بن طولون رجلا ً من الأتراك يقال له ماطعان في ألف فارس مع حاج مصر وأمره أن يدخل المدينة ومكة في السلاح والتعبية، ويفعل مثل ذلك بعرفات، وفعل ذلك ووافى عرفات بالأعلام والطبول والسلاح. وفي هذه السنة دخل المدعي البصرة وب وحرق المسجد الجامع، وتوجه إليه رجل من الأتراك يقال له محمد المولد، فلما بلغه الخبر انصرف، ولم يلقه. وفي هذه السنة بدا أمر المعروف بأبي عبد الرحمن العمري، وأظهر رأسه لمحاربة أصحاب السلطان، ولقي شعبة بن حركان صاحب أحمد بن طولون، فحاربه بأسوان. وفي هذه السنة وقعت عصبية بفلسطين بين لخم وجذام، فتحاربوا حربا أخذت من الفريقين، وفيها حج بالناس الفضل بن العباس بن الحسن بن إسماعيل ابن العباس بن محمد. وخرج أحمد بن محمد بن المدبر من الفسطاط متوجها إلى الشامات في المحرم سنة 258، فقام بالشامات، وقصد مدينة دمياط وتولى أعمال الخراج. وفي هذه السنة دخل محمد المولد التركي البصرة، وأخرج المدعي إلى آل أبي طالب وأصحابه عنها، ورجع قوم، فلم يجدوا مترلا ً يسكن. وفي هذه السنة وثب جند برقة بحمد بن هرثمة بن أعين عامل المعونة، فأخرجوه عنها فا... رو إلى الفسطاط، وفيها أخرج أحمد بن طولون الطالبيين من مصر إلى المدينة، ووجه معهم من ينفذهم، وكان خروجهم في جمادى الآخرة، وتخلف رجل من ولد العباس بن علي وأراد أن يتوجه إلى المغرب، فأخذه أحمد بن طولون، وضربه مائة وخمسين سوطا، وأطافه بالفسطاط. وفيها وقع الوباء بالعراق، فمات خلق من الخلق، وكان الرجل يخرج من مترله، فيموت قبل أن ينصرف ،فيقال إنه مات ببغداد في يوم واحد اثنا عشر ألف إنسان، وفيها زاد أبو أيوب أحمد بن محمد بن أخت الوزير، عامل خراج مصر، في المسجد الجامع بمصر في آخر المسجد. وفيها توجه أبو أحمد بن المتوكل على االله إلى المدعي إلى آل أبي طالب، الخارج بالبصرة، في جمع كثيف ،وكان العسكر والزاد والسلاح في السفن، فوقعت النار في السفن، فاحترقت وانصرف أبو أحمد راجعا ً. وفيها أخذ أحمد بن طولون على الجند والشاكرية والموالي وسائر الناس البيعة لنفسه على أن يعادوا من عاداه، ويوالوا من والاه، ويحاربوا من حاربه من الناس جميعا ً. وفيها غزا الصائفة محمد بن علي بن يحيى الأرمني، وقدم شنيف الخادم مولى المتوكل للفداء، فاجتمعوا بنهر اللامس، ففادوا وشرطوا للروم هدنة أربعة أشهر، وكان ذلك في شهر رمضان سنة 258. وفيها قتل يارجوج التركي بسر من رأى وبويع لأحمد بن الموفق بن المتوكل ولقب بالمعتضد، بولاية العهد، وصير إليه أعمال يارجوج، من مصر وغيرها، فدعى له على منابر مصر. وحج بالناس الفضل بن العباس، ونال أهل البادية زلازل ورياح وظلمة... ممن كان حول المدينة من بني سليم وبني هلال وغيرهم من بطون قيس وسائر أهل البلد، فهربوا إلى المدينة وإلى مكة يستجيرون بقبر رسول االله صلى االله عليه وسلم وبالكعبة، وأحضروا متاعا ً من متاع الحاج الذين قطعوا عليهم الطريق ،وذكروا أنه هلك منهم خلق عظيم في البادية، وكان ذلك في سنة 259. وفيها تغير ماء نيل مصر حتى صار يضرب إلى الصفرة، وأقام على هذه الحال أياما ً، ثم رجع إلى ما كان عليه. وفي هذه السنة مات أبو صحبة شقير الخادم وابن مطهر الصنعاني صاحب بريد مصر.

الفهرس آدم عليه السلام 2 شيث بن آدم 3 أنوش بن شيث 4 قينان بن أنوش 4 مهلائيل بن قينان 4 يرد بن مهلائيل 5 أخنوخ بن يرد 5 متوشلح بن أخنوخ 6 لمك بن متوشلح 6 نوح عليه السلام 7 سام بن نوح 9 أرفخشد بن سام 9 شالح بن أرفخشد 9 عابر بن شالح 10 فالغ بن عابر 10 أرغو بن فالغ 11 ساروغ بن أرغو 11 ناحور بن ساروغ 11 تارخ بن ناحور 12 إبراهيم عليه السلام 13 إسحاق بن إبراهيم 16 يعقوب بن إسحاق 16 ولد يعقوب 17 موسى بن عمران 18 أنبياء بني إسرائيل وملوكهم بعد موسى 27 داود 30 سليمان بن داود 33 رحبعم بن سليمان والملوك بعده 36 ملوك السريانيين 48 ملوك الموصل ونينوى 49 ملوك بابل 49 ملوك الهند 50 اليونانيون 57 ملوك اليونانيين والروم 88 ملوك الروم 90 ملوك الروم المتنصرة 94 ملوك فارس 97 المملكة الثانية من أردشير بابكان 98 ممالك الجربى 110 ملوك الصين 110 ملوك مصر 113 ممالك البربر والأفارقة 116 ممالك الحبشة والسودان 117 مملكة البجة 117 ملوك اليمن 119 ملوك الشأم 126 ملوك الحيرة من اليمن 127 حرب كندة 133 ولد إسماعيل بن إبراهيم 136 أديان العرب 158 حكام للعرب 160 أزلام العرب 161 شعراء العرب 163 أسواق العرب 167 مولد رسول االله 170 الفجار 175 حلف الفضول 176 بنيان الكعبة 177 المبعث 178 الإسراء 181 النذارة 181 مهاجرة الحبشة 182 حصار قريش لرسول االله وخبر الصحيفة 183 وفاة القاسم ابن رسول االله 184 ما نزل من القرآن بمكة 184 وفاة خديجة وأبي طالب 186 عرض الرسول نفسه على القبائل 186 قدوم الأنصار مكة 187 خروج رسول االله من مكة 188 قدوم رسول االله المدينة 189 افتراض الصوم والصلاة 190 ما نزل من القرآن بالمدينة ونزل عليه 190 وقعة بدر العظمى 191 وقعة أحد 192 وقعة بني النضير 194 وقعة الخندق 194 وقعة بني قريظة 195 وقعة بني المصطلق 196 غزوة الحديبية 196 وقعة خيبر 197 فتح مكة 198 وقعة حنين 201 غزاة مؤتة 203 الغزوات التي لم يكن فيها قتال 203 الأمراء على السرايا والجيوش 205 وفود العرب الذين قدموا على رسول االله صلى االله عليه وسلم 212 كتاب النبي 212 أزواج رسول االله 215 مولد إبراهيم ابن رسول االله 216 خطب رسول االله ومواعظه 218 حجة الوداع 229 الوفاة 231 صفة رسول االله 233 المشبهون برسول االله 234 نسب الرسول وأمهاته إلى إبراهيم 234 تسميه من ولدنه من الفواطم 236 خبر سقيفة بني ساعدة 237 أيام أبي بكر 240 أيام عمر بن الخطاب 247 أيام عثمان بن عفان 262 خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 272 خلافة الحسن بن علي 296 أيام معاوية بن أبي سفيان 297 وفاة الحسن بن علي 302 أيام يزيد بن معاوية 313 مقتل الحسين بن علي 314 أيام معاوية بن يزيد بن معاوية 321 أيام مروان بن الحكم 321 أيام عبد الملك بن مروان 330 أيام الوليد بن عبد الملك 339 أيام سليمان بن عبد الملك 346 أيام عمر بن عبد العزيز 351 وفاة علي بن الحسين 352 أيام يزيد بن عبد الملك 356 أيام هشام بن عبد الملك بن مروان 360 وفاة أبي جعفر محمد بن علي 362 أيام الوليد بن يزيد 369 أيام يزيد بن الوليد بن عبد الملك 371 أيام إبراهيم بن الوليد 372 أيام مروان بن محمد 372 أيام أبي العباس السفاح 379 أيام أبي جعفر المنصور 389 أيام المهدي 406 أيام موسى بن المهدي 413 أيام هارون الرشيد 414 وفاة موسى بن جعفر 419 أيام محمد الأمين 431 أيام المأمون 437 وفاة الرضا علي 443 أيام المعتصم باالله 455 أيام هارون الواثق باالله 459 أيام جعفر المتوكل 462 أيام أحمد المستعين 469 أيام المعتز باالله 472 أيام محمد المهتدي بن هارون الواثق باالله 475 أيام أحمد المعتمد على االله 476 الفهرس 480