مجلة الرسالة/العدد 889/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 889/الأدب والفنّ في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 889
الأدب والفنّ في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 17 - 07 - 1950



للأستاذ عباس خضر

تكريم الدكتور طه حسين بك

أقام المعلمون على اختلاف هيئاتهم يوم الثلاثاء الماضي احتفالاً كبيراً في ناديهم بالجزيرة لتكريم معالي الدكتور طه حسين بك وزير المعارف.

أخذت طريقي إلى المكان الاحتفال، فما بلغت كبري قصر النيل وهبت علي نسمات النيل الرقيقات حتى أغرتني هذه النسمات بالتمهل، ورعى الله ليالي كنا (نتسكع) فيها على كبري قصر النيل، إذ لا نجد أرحب من أحضانه ولا ألين من أعطافه، وكما بثثنا النيل من بين قضبانه شكوانا، وكم أودعنا الموج آمالا كان حريصاً عليها، فلما بلغنا ما بلغناه منها لم نجده شيئاً.

ويظهر أن مشية الهوينى على ذلك الكبري تستدعي الخواطر وتبعث حديث النفس، هذه جموع المعلمين وغيرهم من المدعوين تتدفق إلى الجزيرة الفيحاء لتكريم طه حسين: قلت لنفسي: ترى لمن التكريم، ألطه حسين ذاته، أم لوزير المعارف؟ قالت نفسي: لكليهما، ألا ترى أن الرجل لم يكرمه أحد قبل أن تقبل عليه الوزارة، وأن هؤلاء المعلمين لم يكرموا وزيراً من قبله، وقد تعددت فيما مضى المناسبات التي كان طه حسين يستحق فيها التكريم قبل ذلك، وتعاقب وزراء لم يصنعوا ما صنع فلم ينهض أحد لتكريم أحد منهم، فالمسألة إذن فيها تفاعل، رجل يستحق التكريم والظروف مهيأة، وأقبلت علي نسمة يظهر أن مثيلاتها كانت تداعب أفكار الفلاسفة، إذ قفز إلى ذهني خاطر لا بأس به. طه حسين يكرم نفسه طول عمره بأدبه وعمله وقد بلغ بذلك ما بلغ، مما يقصر دونه كل تكريم، وهؤلاء المعلمون الذين يكافح هو من أجلهم، وقد أصابوا من كفاحه شيئاً وبقيت آمال في أشياء - يشعرون بواجب العرفان ودافع الوفاء لمعلم قام من بينهم وأنفلت إلى الصفوف الأولى وهو لا يزال يعيش معهم بوجدانه ومشاعره، فهم يكرمون فيه فكرة تتمثل في المعلم المكافح الساهر على مصالحهم وآمالهم في طريق المصلحة العامة والخير العام، وهو نفسه يشارك في هذا التكريم!

وأضم إلى ذلك ما قاله الأستاذ محمد رفعت بك في كلمته بالحفل إذ تساءل: لماذا لم يكرم رجال التعليم طه حسين قبل توليه الوزارة وأجاب بأن هناك نظرية في الاقتصاد السياسي تقول: قد تظهر في السوق عملة زائفة يروج لها أصحابها فتتغلب حيناً على العملة الجيدة التي تكاد تختفي، حتى يجيء الحاكم الحازم فيعيد إليها اعتبارها ويقضي على المزيف. وهذا المثل الذي ضربه رفعت بك يرمز إلى الأطوار الأخيرة التي مرت بها وزارة المعارف، إذ كان بها ناس وجاء غيرهم، ثم رجع الأولون. . .

ومهما يكن من شيء - كما يعبر عميد الأدباء - فهذه حفلة التكريم، وهؤلاء المعلمون على اختلاف معاهدهم وألوان ثقافتهم يجلسون إلى موائد الشاي على أرض النادي المكسوة بالحشائش في تلك الأمسية الجميلة، والموسيقى تصدح. . . ويقف الأستاذ سعد اللبان رئيس النادي فيلقي كلمة ضافية يلم فيها بالنواحي المختلفة لشخصية طه حسين وأدبه وآرائه في إصلاح التعليم ونشره وأعقبه الأستاذ محمود حسن إسماعيل فألقى قصيدة تحدث فيها عن آمال الشعب في التعليم وما كان من المساومة في بيع العلم وشرائه - حديثا شعرياً ممتعاً، وقد حفلت قصيدته بالصور الشعرية الجميلة المطربة حتى خيل للسامعين أنه يحلق بهم في سماء النادي، والحق أنني لم أسمع ولم اقرأ لمحمود شعراً رائعاً كهذه القصيدة، فقد كان في نظري هذه الليلة شاعراً جديداً.

وألقى الأستاذ محمود غنيم قصيدة طلية الديباجة، بدأها بقوله:

أعد يا شعر أحمد من جديد ... يصوغ ثناءه في أبن العميد

وأقسم ما رفعت بذاك طه ... فأين أبن العميد من العميد

وأنا اسأل الأستاذ غنيم: إذا لم تكن رفعت بذاك طه فماذا قلت إذن؟ ولماذا استسلمت للحلية اللفظية التي قضت بأن يكون أبن العميد مثلا؟ إنني أعتقد أن أبن العميد ليس شيئاً إلى جانب أي كاتب من كتاب الدرجة الثانية في هذا العصر. وقد قال الأستاذ في أبيات أخرى إن طه حسين يعيد عصر الرشيد! فهل قصارانا الآن أن نعيد عصر الرشيد؟!

ثم تحدث الأستاذ محمد رفعت بك المستشار الفني لوزارة المعارف، ويظهر أنه قدر أن المقام مقام بلاغة وبيان، فاصطنع السجع في كلمته ليجاري بها في الحلبة، ولكن الأستاذ رجل مفكر وأسلوبه سهل ولا بأس به؛ فما كان أغناه عن ذلك السجع!

وبعد ذلك وقف معالي الدكتور طه حسين بك فأرتجل كلمته التي بدأها بقوله: أيها الزملاء، وأريد بالزملاء الوزراء والمعلمين، فأنا منكم منذ عهد بعيد؛ وأنا وزير في هذه الأيام فكلكم جميعاً زملاء. ثم تحدث عن فضل رفعة رئيس الوزراء والوزراء في تقرير مجانية التعليم قائلاً إن الفضل الأول لتوجيهات جلالة الملك؛ وقال أنه يذيع سراً من أسرار الوزارة، هو أن الميزانية كما تعلمون ضيقة ومطالب الإصلاح كثيرة. ووزير المالية من شأنه أن يظهر الفقر والبؤس لزملائه كلما طلبوا إليه شيئاً. وقد أدى واجبه هذا نحو وزارة المعارف وخيل لوزير المعارف أن الحكومة مفلسة غداً أو بعد غد. وكان وزير المعارف قد وعد المعلمين بأن يسعى في إجابة مطالبهم، فوقف من فقر الوزير موقف الشاك أولاً والمتحدي ثانياً وقال له: إن كانت الدولة فقيرة فالمعلمون أشد منها فقراً. وأشتد الخلاف بين الوزيرين. فقلت له إن لم يبدأ الوزير بإنصاف المعلمين فسأستقيل؛ وأخيراً حل المشكلة رجلان أحدهما بكرمه وصفاء قلبه وحبه للخير، والآخر بلباقته وحرصه على التوفيق، أما الأول فهو رفعة مصطفى النحاس باشا؛ وأما الثاني فهو معالي فؤاد سراج الدين باشا

ومما قاله معاليه أيضاً: يريدني الأستاذ سعد اللبان على أن أفسر ما وصلت إليه من الانتصار على المصاعب، وأعترف مخلصاً وأقسم بين يدي الله أنني ما اعتقدت يوماً أنني انتصرت على شيء، وإذا كنتم تظنون ذلك فمرد هذا إلى أمرين اثنين؛ أولهما أنني لا أومن بأن لي حظاً من عظمة أو مجد؛ والثاني أن لي أصدقاء يدفعونني إلى حيث ترونني الآن.

وختمت الحفلة بكلمة طيبة من معالي فؤاد سراج الدين باشا.

مرتبة الشرف الأولى:

أشرت في عدد سابق إلى مسألة (الدكتوراه) التي منحت لقرينة عميد كلية الآداب مع مرتبة الشرف الأولى، فأثار ذلك حملة الدكتوراه من كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول. ولهذه المسألة قصة انتهت إلى حل.

أما القصة فيحكيها لنا هؤلاء الثائرون إذ يقولون إن اللجنة التي ناقشت رسالة السيدة التي قدمتها للحصول على الدكتوراه قررت منحها هذه الدرجة مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بأن تطبعها الجامعة على نفقتها واعتبارها من الرسائل التي تتبادلها الجامعة مع الجامعات الأخرى، وليس في قانون الكلية أن ترفق الدرجة بمرتبة الشرف الأولى، وجرى العمل على أن تمنح درجة ممتاز باعتبارها أكبر تقدير؛ فمنح درجة الشرف الأولى معناه أن درجة (ممتاز فقط) أقل منزلة؛ ومن تمام القصة أن السيدة عينت مدرسة في قسم التأريخ بالكلية، وقد أقترح تعيينها أستاذ بالقسم لا رئيس القسم وكان هذا من مواضع الاعتراض، ولما عرض الاقتراح على مجلس الكلية وكان رئيس المجلس هو عميد الكلية زوج السيدة طلب منه بعض الأعضاء أن يتنحى عن الرئاسة وعن عضوية المجلس، فلم يفعل، وصدر القرار بتعيينها.

واجتمع حملة الدكتوراه ثائرين، وأقترح بعضهم أن يأتي كل منهم بشهادته؛ ويحرقوا الشهادات في فناء الجامعة، وقدموا احتجاجات، ورتبوا الأمر على أن يرفعوا القضية إلى مجلس الدولة

ولكن جاء الحل على يد مجلس الجامعة الذي كان معروضاً عليه أن يوافق على ما قرره مجلس الكلية من منح السيدة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأول. . . الخ. قرر المجلس حذف (مرتبة الشرف الأولى) فبقيت درجة (ممتاز) نهاية التقدير كما كانت عليه الحال من قبل.

وبذلك انتهى الاعتراض القانوني على منح الدرجة، أما مسألة التعيين فما أظن الاعتراض فيها عدا الترشيح من غير رئيس القسم، قائماً إلا على ما أريد للعميد من التحرج، فليس في القانون أن يتنحى الرئيس عن الرياسة والعضو عن العضوية، لأن أمر تعيين زوجته معروض على المجلس، ولكن العميد لم يقبل وجهة نظر من أرادوه على التحرج، ولزوجته بغي الخير.

عباس خضر