مجلة الرسالة/العدد 848/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 848/البَريدُ الأدَبيَ

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 10 - 1949



سلف ولا خلف:

كتب الأستاذ الكبير الزيات في رثاء صديقه المازني يقول: (فإذا أضيف إلى ذلك أن المازني كان أحد الكتاب العشرة الذين يكتبون لغتهم عن علم، ويفهمون أدبها عن ثقة، ويعالجون يبانها عن طبع، وأن هؤلاء العشرة البررة متى خلت أمكنتهم في الأجل القريب أو البعيد، فلن يخلفهم في هذا الزمن الثائر الحائر العجلان من يحمل عنهم أمانة البيان، ويبلغ بعدهم رسالة الأدب، أدركنا فداحة الخطب الذي نزل بالأمة العربية يوم توفي هذا الكاتب العظيم).

وهذا كلام سداه ولحمته الحق والأنصاف، وأن كان يعبر عن خيبة الأمل في الجيل الناشئ، ويصور الواقع المؤلم في هذا الزمن الثائر الحائر العجلان.

مات شوقي، وتبعه حافظ، فقال الناس خسرت مصر شاعرين عظيمين، وليس فيها من يخلفهما، ولكن هذا القول عز على بعض الشعراء، وآلمهم. فراح المرحوم أحمد الكاشف يدفعه بقوة، ويصيح:

قالوا قضى اشعر بعد الشاعرين ولم ... يعمر بمثلهما ميدانه الخالي

ولست وحدي له في مصر بعدهما ... فمصر ملأى بأشباهي وأمثالي

ولكنها كانت صيحة مكابر في الواقع المر، ولم يجد هذا الشاعر في مصر كثيراً ولا قليلاً من أشباهه وأمثاله، فأين مكان الشاعرين في ميدان الشعر ظل خالياً، وازداد ميدان الشعر فراغاً يموت الجارم ومطران، ولم تجد مصر من يشغل هذا الفراغ الهائل من شعرائها، وكان أكثر هؤلاء الشعراء كالفقاقيع ساعة وجودهما هي ساعة عدمها كما يقول الرافعي رحمه الله.

ومات الرافعي فقال المعجبون بفنه وعلمه ونبوغه، قضى كاتب العربية، وخلا مكانه في دولة الأدب، وهيهات أن يكون منه عوض، ولكن بعض القائلين رأى في تلاميذه ما يبشر بخير، وما يقوي الأمل في أن يكون من الرافعي عوض، لكن الزمن أيقظهم من أحلامهم اللذيذة، وردهم إلى الحقيقة المرة، ولم تظفر دولة الأدب العربي بخلف للرافعي العظيم.

في الشباب شعراء كثيرون، وكتاب أكثر، ولكن أين النابغة العبقري الذي تقول أنه سيخسف شوقي أو الرافعي؟!

نحن لا ننكر أن فيهم من يؤلف الكتب، ومن يكتب المقالة، ومن يقرض الشعر، ولكن بين هؤلاء وبين شيوخهم في الأدب مراحل بعيدة الأطراف، فليس فيهم من يكتب بأسلوب الزيات، ولا من يؤلف بعقلية أحمد أمين، ولا من يجود تجويد طه حسين.

على أن الداء الدوي في هؤلاء الشباب، الغرور، والادعاء، والتنفج، والتكذب، وهو - في رأيي - ما عاقهم، ويعوقهم، عن بلوغ الغاية، والوصول إلى الهدف، فإذا عاش المازني ومات، متواضعاً، فاخفض الجناح (وما كنت تراه يوماً ذاهباً بنفسه، ولا متبجحاً بعلمه، ولا مباهياً بعمله) كما يقول الزيات، فإن عندنا من الشباب من هو عند نفسه (شاعر الدنيا) ومن هو (نموذج وحده في الآداب العربية، وستطفر به الآداب إلى عليين) وحسبنا أن ننظر في ديوان هذا الشاعر الصغير الذي لم يسمع به إلا أصدقاؤه، فتراه يقول:

قد صغت شعراً لو بعثت بدره ... للخلد لاستبقت إليه الحور

كم عز آبده على طلابه ... وكم ابتغاه متوّج وأمير

لم تُنْشِ أحرفه اللغاتُ وإنما ... صنع الجمال حروفه والنور

ولا نعدم في الكتاب كثيرين من أمثال هؤلاء، فهذا الكاتب الصغير الذي لم تعرف الصحف اسمه إلا منذ شهور (أرسى قواعد النقد على أسس سليمة) وذاك الخامل المجهول (لا يتطاول النقد إلى آثاره) وهكذا غرور وإدعاء، ووقاحة، وتخلف.

وفي الشبان طائفة لا يكتبون، وإنما هم أصداء لبعض كتاب الغرب، يفكرون بتفكيرهم ويكتبون بأساليبهم، وينهجون منهجهم في كل شيء، فلا ترى لهم شخصية فيما يطالعونك به وإنما هم عالة على أولئك الكتاب، ينقلون عنهم، فيصرحون حيناً، ويدلسون في أحيان كثيرة، ويخدع الناشئون بهم، ويظنونهم من كبار النقاد، ومن عباقرة الفن، وكل ما لهم من فضل - إن كان - أنهم يمحزقون على الشادين في الأدب ويوهمونهم أنهم أساتذة الجيل، وأن الكتاب جميعاً كبيرهم وصغيرهم يعترفون بفضلهم ويخطبون ودهم، وفي الحق أنهم يفقدون صفة الحياء، فهم يرفعون أصواتهم عالية بأنهم خلقوا للفن وخُلق الفن لهم، فإذا ساء حظك وجلست معهم رأيت ما شئت من باب جهل قد فتحوه - كما يقول الجرجاني -

وإن تعجب فعجب أمر هؤلاء الشبان الذين قصرت خطاهم وطالت ألسنتهم، فهم لا يزالون يدعون أن الطريق مسدود، وأن هؤلاء الشيوخ هم الذين سدوه عليهم، وما علموا - أرشدهم الله إلى الصواب - أن الجواد الأصيل يتخطى العقبات الكئاد، ليصل إلى الغاية، فإذا غلبته العوائق، ووقف دون غايته رأى الناس في وجهه وفي أَعضائه وفي شياته ما يدل على أنه أصيل، أصيل!

على الشبان أن يجاهدوا، وأن يصبروا على لأواء الجهاد، وعليهم ألا يتعجلوا الشهرة، وألا تكون أكبر همهم. ثم عليهم أن يسهروا الليالي الطوال يطالعون ويدرسون ويفهمون، وعسى أن يكون فيهم بعد ذلك من يؤدي الأمانة، ولو أيسر أداء، أما إذا ظلوا على حالهم التي تراهم عليها، يحاربهم الزمن، ويعجل فأننا نترحم على دولة الأدب بعد هؤلاء العشرة، أطال الله في أعمار من بقي منهم، وهدى الشباب إلى الجادة.

علي العماري

مسابقات مجمع فؤاد الأول للغة العربية لتشجيع الإنتاج الأدبي

سنة 1950 - 1951:

قرر مجمع فؤاد الأول للغة العربية توزيع جوائز لتشجيع الإنتاج الأدبي على النحو الآتي:

أولاً - تخصص مائتا جنيه لكل فرع من الفروع الآتية على أن يكون المتسابق من أدباء وادي النيل وحدهم.

(أ) قصة اجتماعية أو تاريخية، جيدة الموضوع والأسلوب باللغة العربية الفصحى، بحيث لا يقل عدد صفحاتها عن مائتي صفحة من القطع المتوسط الذي لا تنقص كلمات الصفحة منه عن 180 كلمة.

(ب) إنتاج شعري باللغة العربية الفصحى لا يقل عن 1000 بيت من الشعر في موضوعات متنوعة: في الاجتماع أو وصف الطبيعة أو تحليل العواطف أو نحو ذلك.

(جـ) بحث مستوفي مبتكر في موضوع لغوي أو أدبي يسير على المنهج العلمي الحديث وتظهر فيه شخصية الباحث، ولا يقل عدد صفحاته عن مائتي صفحة من القطع المتوسط الذي لا تنقص كلمات الصفحة فيه عن 18 كلمة.

ثانياً: تخصص لأدباء وادي النيل وغيره جائزة قدرها مائتا جنيه لمن يترجم لابن سينا ترجمة وافية دقيقة تصور حياته ونواحيه الفلسفية والعلمية والأدبية في أسلوب رائق بحيث لا ينقص عدد الصفحات عن مائتي صفحة من القطع المتوسط الذي لا تقل كلمات الصفحة منه عن 180 كلمة.

وعلى الراغبين في الحصول على هذه الجوائز أن يرسلوا إلى المجمع أربعة نسخ مطبوعة أو مكتوبة على الآلة الكاتبة كتابة واضحة من الموضوع المقدم للحصول على الجائزة قبل أول أكتوبر سنة 1950.

وللمتبارين أن يذكروا أسمائهم أو يختاروا أسماء مستعارة، وعليهم أن يكتبوا عنوانهم واضحة وأن يوقعوا على كل نسخة يقدمونها.

ولا يجوز أن يدخل مسابقات المجمع الأدبية من سبق أن أجازه المجمع على إنتاج له فرع المسابقة المتقدم إليه، ولا أن يعاد تقديم أي إنتاج أدبي سبق أن قدم للمجمع أو لأية مباراة عامة في غير المجمع، أو لمناقشة عامة للحصول على لقب أو درجة علمية.

ويشترط في الموضوع المقدم لكل هذه المسابقات ألا يكون قد طبع قبل سنة 145، وسيحتفظ المجمع بنسخة من كل ما يقدم إليه من الإنتاج الفائز وغيره. وترسل الموضوعات بعنوان لجنة الأدب بمجمع فؤاد الأول للغة العربية شارع قصر العيني 110 القاهرة.

أين مكتبة الأقصر؟

استفهام إنكاري يجول بخاطري كلما استعرضت شؤون هذه المدينة العظيمة وبسطت يدي صفحاتها المشرقة وتأملت تاريخها الحافل بالمجد وذكرياتها المليئة بالفخار وإني لأعجب كثيراً كيف تبقى هذه المدينة بلا مكتبة عامة يرتادها محبو العلم ويلجأ إليها الباحثون سواء أكانوا سائحين أم أبناء المدينة وسكانها؟ وإذا كانت الحكومة تأخذ بكل الوسائل الممكنة لتجميل الأقصر وتحسين مناظرها فلا مندوحة إذا عن إنشاء مكتبة عامة بها لأن ذلك من ألزم وسائل تجميلها وهو عنوان على مبلغ حضارتها الحديثة وآية على سلامة شعور أهلها ومبلغ حسهم بالجمال الروحي ومدى تذوقهم لهذه المعاني السامية ولست أدري والله لمن أتوجه بالرجاء لتحقيق هذه الرغبة، وحسبي الرسالة وأثرها في الرأي العام.

(الأقصر) علي إبراهيم القنديلي