مجلة الرسالة/العدد 777/الأدب والفن في اسبوع
مجلة الرسالة/العدد 777/الأدب والفنّ في اسبُوع
الثقافة والمثقفون:
هذا هو عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور محمود عزمي بك يوم الثلاثاء الماضي في الاتحاد الثقافي المصري.
تتبع المحاضر مدلول الثقافة في العصور المختلفة حتى العصر الحديث، وانتهى من ذلك إلى تعريف (الثقافة) بأنها الجانب العقلي للحياة الاجتماعية، وأنها تشمل المعارف ذات الأثر العملي النافع في الحياة، فهي شاملة بمعنى أن المثقف هو الذي يأخذ من كل فن بطرف، وهي ذات صبغة حيوية لارتباط المعلومات بالحياة العملية الواقعة.
ولذلك لا يعد الباحث المختص في أي فرع من فروع العلم، أو فن من الفنون، مثقفاً، ما لم يلم ببقية العلوم والفنون إلماماً نافعاً. وأشار المحاضر إلى ما توصف به الثقافة من نحو (الثقافة الفرنسية) أو (الثقافة العلمية) قائلا إن معنى الشمول الذي تدل عليه (الثقافة) لا يتفق مع هذا التخصيص.
وقال إن الكلمة التي كانت تدل على ذلك المعنى الشامل لألوان المعرفة في العصور العربية المتوسطة، هي كلمة (أدب) فقد كلنت تطلق على الشعر والنثر والتاريخ والفقه والتفسير والحديث والفلسفة والمنطق وغير ذلك. ولكن في العصر الحديث أخذت كلمة (أدب) المعنى الفني المعروف. وهنا قص المحا ضر قصة طريفة تدور حول البحث عن كلمة عربية تقابل كلمة (كلتير) الإفرنجية حتى اهتدى إلى (الثقافة) فأطلقت على هذا المعنى. قال: كنا طلبة في باريس من مختلف البلاد العربية في وقت ثار فيه هناك جدل حول معنى الثقافة، فألفنا جمعية أسميناها (جمعية التهذيبات العربية) ولما عدت إلى مصر واشتغلت بالتدريس، كنت أحتاج إلى كثير من الأسماء العربية للمدلولات الحديثة، ودلني بعض الناس إلى كتاب (المخصص) لابن سيده، فاستفدت كثيراً منه، وقيل لي إنه مما ينفع في هذا المجال مؤلفات خريجي دار العلوم الذين تعلموا في بعثات بأوربا، وقرأت هذه المؤلفات ووجدت فيها كثيراً مما أطلب، ومرة وقعت على كتاب لأحدهم وهو الأستاذ حسن توفيق العدل، إسمه (سياسة الفحول في تثقيف العقول) فأمسكت بكلمة (تثقيف) وراجعت بعض المعاجم حتى وجدت في (أساس البلاغة) كلمة (الثقافة) بمعنى طلب العلوم والمعارف، ثم كتبت مقالا بجريدة السياسة عنوانه (الثقافة البيضاء المتوسطة) فعقب عليه الدكتور طه حسين في فصل من فصوله التي كان يكتبها بعنوان (حديث الاربعاء) واستحسن كلمة (الثقافة) ولكن لم يعجبه وصفها بالبيضاء المتوسطة. . ذاهباً إلى أن الإضافة أحسن فيقال (ثقافة البحر الأبيض المتوسط) بدلا من ذلك العنوان. . وبعد ذلك سارت الكلمة حتى الآن. وقال المحاضر إنه رجع إلى مجمع فؤاد الأول للغة العربية وسأل عن مكان كلمة (الثقافة) في أعماله، فقيل له إن المجمع لم يتعرض لها بشيء حتى الآن، سوى ما تضمنته الأصول المعدة للمعجم الوسيط من أن (الثقافة) هي الإلمام بالمعرف المختلفة إلماماً حسناً.
تصوير الكاتب لغير بيئته:
نشط الأستاذ محمود تيمور بك أخيراً في الكتابة عن القضايا والمذاهب الأدبية، ومن ذلك ما يشرته له مجلة (الاستديو) في عددها الأخير بعنوان (هل يحيا القصاص حياة أبطاله؟) وقد تعرض في هذا المقال لاتصال الفنان ببيئته وغير بيئته وأثر ذلك في فنه، وقال (ولبعض النقاد عذرهم فيما يرتأون من أن القاص يجب أن يكون قد مارس حياة الصعلكة مثلا ليجيد التصوير لشخصية الصعلوك، وأن يكون قد عاش عيشة الفلاح ليتحدث عن نفسية الفلاح) ثم قال: (على أن هذه الفكرة في وجاهتها وأصالتها، وفي صدق أمثلتها، ليست كل الرأي في هذا الصدد؛ ولا يمكن أن تكون هي الحتم اللزام الذي لا سبيل غيره إلى تجويد وإتقان؛ فقد يكفي أن يخالط الفنان طبقة من الناس، ولوناً من الحياة، نوعاً من المخالطو قل أو كثر، فسرعان ما يتأثر بهذه الطبقة وذلك اللون، وسرعان ما يجد في هذا التأثر مدرجة لإجادة الوصف والتعبير، تسعفه الفطنة، وتمده البصيرة، ويحلق به الخيال في الآفاق والأعماق).
وقال أيضاً: (ومن الطريف أن في صميم الميدان الأدبي أمثلة تثبت عكس ما يراه النقاد من أن ابن البيئة أولى من يجيد تصويرها، فقد يكون الفنان نزاعاً إلى نوع من الحياة غير الذي يحياه، طلاعاً إلى جديد من العيش، وإن كان أدنى من عيشه، وأحفل بالمشقة والكبد؛ فيبعثه الحرمان والنزوع إلى تمثل تلك الحياةالمنشودة والاستمتاع بها في عالم الخيال، ومن ثم يستبين تعبيره قوياً حياً يصور بيئة غير بيئته، وطبقة غير طبقته، وحياة غير حياته).
ولك أن تلاحظ أن ذلك ينطبق على الأستاذ تيمور نفسه، لما يشيع في قصصه من تصوير ألوان من الناس بعيدة عن حياته في طبقته، فهو إذ يفصل القول في هذه القضية، إنما يصدر عن إحساس وتجربة. على أنني أضيف إلى ما بينه، أن الفنان الذي يطرأ على بيئة جديدة يسترعي انتباهه فيها ما يراه الفنان المقيم بها أمراً عادياً لا يستحق الالتفات، لطول الألفة والمعاشرة
مثال:
ثم أريد من تلك الفقرات التي نقلتها من كتابة تيمور أن تكون مثالا لتعليق (الرسالة) على ما كتبه الدكتور الأهواني بالعدد الماضي عن أسلوب تيمور، ولعله يرى أن هذه الكتابة أقرب إلى (ترسل الجاحظ) منها إلى كثير مما يكتبه بعض الكتاب في هذه الأيام. . . وهي كتابة تيمور التي عدَّ الدكتور من مزاياها أن تبعدنا عن ترسل الجاحظ!. .
معرض الكتاب للطفل والناشيء:
أقامت وزارة المعارف بدار خدمة الشباب (7 - شارع سليمان باشا) (معرض الكتاب للطفل والناشيء) وهو يضم مجموعات من الكتب العربية والإنجليزية والفرنسية والأمريكية الخاصة برياض الأطفال والمدارس الابتدائية والثانوية، وقد شاهدت بينها مجموعة لابأس بها من الكتب الأدبية العامة (غير المدرسية) وقد ضمها المعرض لأنها مقررة للقراءة الأدبية في مكتبات المدارس الثانوية؛ والمعرض بطبيعة الحال لا يضم كل الكتب المؤلفة للطفل والناشيء، وإنما يحتوي على كثير منها، ولاسيما الكتب غير العربية، والمعروض منها هو المستعمل بمصر في المدارس المصرية أو الأجنبية، ومع هذا فإن القسم العربي أقل من كل قسممن الأقسام الأخرى، ولم يعجبني أن تأخذ هذه الأقسام صدارة المكان، فقد كان يجب أن يقدم القسم العربي مهما كان حظه من الكمية والمادة والمظهر.
والغرض من هذا المعر ض أن يقف الزائرون من رجال التعليم والمؤلفين والناشرين والآباء والأمهات - على مدى ما وسلت إليه كتب الأطفال والناشئين. وقد رأيت المعرض زاخراً بعدد كبير من السيدات (الأجنبيات) يتأملن ويتصفحن باحثات عن الغذاء العقلي لأولادهن، وأرسلت البصر في جوانب المكان فلم تقع عيني على امرأة مصرية. . وليس ذلك لاحتجابها، فقد رفع الحجاب؛ ولا لاحتشامها، فهي في السينما
الطبيعة بين الشعر والعلم: ألقى الدكتور محمد حسين هيكل باشا يوم الجمعة الماضي محاضرة بنادي رابطة خريجي معاهد فرنسا وبلجيكا وسويسرا، كان موضوعها (الطبيعة بين الشعر والعلم) استهلها ببيان أنه سيتحدث حديثاً قوامه رواية مشاهد وليس القصد منه التفكير في نظريات أو مذاهب وآراء. ثم بدأ بالحديث عن (مساقط النياجرا) التي تقع بين أمريكا وكندا، فقال إنها من عجائب الدنيا السبع، ومناظرها بما يحيط بها من حدائق من أجمل مناظر الدنيا، ومن عجيب أمرها أن المقبل عليها لا يبهره أول ما تقع عليه عينه من مشاهدها، ولكن كلما أنعم الناظر في مفاتنها أحاط بها وتجلت له عظمة الطبيعة على نحو يعجز عن وصفه أبلغ الكتال وأقدر الشعراء. وحول هذه الساقط جنات فسيحة متدرجة في الارتفاع بحيث يرى الإنسان المساقط من أي مكان فيها. ومما يزيدها جمالاً بالليل ما يسلط عليها من الأشعة الكهربية الملونة؛ وكل ذلك قد جعل منها بحق (جنة شهر العسل) وهنا ساق هيكل باشا دعابة قال فيها إنه عندما زار هذه المساقط لم يكن مثل الكثيرين الذين يقضون فيها شهر العسل، لأن الذي كان يرافقه إنما هو الأستاذ جورج حبيب سكرتير فني مجلس الشيوخ. . ولذلك لم يكن تأثيرها الشعري فيه بالغاً، وإنما راعه كثيراً، عناية أهل تلك الجهات باستخدام العلم في تجميلها والانتفاع بها، فأنشأوا مهابط كهربية (عكس المصاعد) تهبط إلى عمق خمسين متراً في الأرض، فإذا نزل النازل لبس ثياباً من الجلد لأنه يكون قريباً من مستوى رشاش الماء، فيستمتع بمنظر لا مثيل له؛ وبالقرب من المساقط محطة كهربية قةتها حوالي 175 حصاناً كلها مستمدة من مياه المساقط التي تنحدر إليها في جوف الأرض. ثم قال: هناك يشعر الإنسان بقوة الطبيعة وعظمة العلم. قلت في نفسي وقد شهدت المساقط والمحطة الكهربية: أيهما أبدع وأروع سحر الطبيعة أو عقل الإنسان، الطبيعة كما هي أو بعد تهذيب الإنسان لها وتلسطه عليها؟ أعتقد أن علم الإنسان حين يختلط بالطبيعة وحين يندمج فيها، هو بعض هذه الطبيعة، كالصخور التي تتغير أوضاعها بفعل الطبيعة، فالإنسان قوة من قوى الطبيعة.
ثم انتقل هيك باشا إلى (الريفيرا) فتحدث عن جمالها واقتران العلم بالشعر هناك أيضاً، وقال إن زرقة البحر الأبيض المتوسط جميلة في الإسكندرية ومرس مطروح، وفي غيرهما، ولكنها لا تبدو رائعة أخاذة كما تبدو على ساحل (الريفرا) الممتد من مرسيليا إلى جنوة. ثم قال: منذ ثماني عشرة سنة زرت الأقصر، وركبت الباخرة منها إلى أسوان ثم من أسوان إلى القاهرة، وكنت من خلال الرحلة أشعر بالرضى والطمأنينة لجمال النيل وزرقة مائه ولما كنت أستشعره من الآثار المصرية القديمة القائمة على شواطئه، ولكن هل استطعنا أن نخلق على شط النيل (جنة لشهر العسل؟) ونحن نخطر فوق مياهه فهل ارتقينا (بالإنسان) المقيم في واديه إلى مرتبة الإنسان؟ لا أزال أذكر منظراً رأيته مكرراً في تلكم الرحلة، الفلاح يزرع قطعة من الأرض يقتات منها هو وعياله، ينقل الماء إليها من النيل بوساطة رجل عند المجرى يرفع الماء إى ثان، والثاني يرفعه إلى ثالث، والرابع يوزعه على الزرع. ولاشك أن الحال لم تتغير إلى الآن، وقد بلغنا عن طريق العلم ما بلغنا في معرفة طرق رفع المياه، ولكن لم نستخدمه في راحة هؤلاء الناس. . أليس مما يجرح القلب أن نهمل هؤلاء الناس وندعهم يشقون؟ أليس واجباً أن نعمل وأن ننشر آراءنا في الناس؟ أقول هذا وأنا أعترف أني من المسئولين عن التقصير في هذا المجال. . .
من طرف المجالس:
اعتدت أن ألقي بعض الأصدقاء يوماً من الأسبوع بمشرب في القاهرة، وكثيراً ما أجد هناك من لا أرتاح إلى مجلسه، فأعتبر ذلك ضريبة للقاء الأصدقاء!
وذات يوم أقيل علينا صديق من غيبة طويلة، ففرحنا به وشاعت البهجة في نفوسنا لقدومه. وبينما نحن نمرح ونمزح إذا (ضريبة تصاعدية) تفرض علينا في شخص صاحب يأبى إلا أن يكون شاعراً، قد أعد قصيدة طويلة من الشعر (الوسط) فنغص علينا بإلقائها على أسماعنا. . . والبلوى بهذا الصاحب أنه لا عيب فيه إلا شعره الذي يحرص على ألا تفوتنا بدائعه! فلو أنه ممن لا تقتضي صحبته المودة لسهل التخلص من الإنصات لإنشاده. .
أفضيت بأمر هذا الشاعر إلى الأستاذ كامل كيلاني، فابتسم ثم قال: ألا تعرف أني قلت في مثله أبياتاً منها:
فزكاة صحبته سماع قصيدة ... أبياتها قد زلزلت زلزالا
فإذا أبيت فقد عققت صداقة ... وإذا رضيت فقد حملت جبالا
أوربا فقط: دعت رابطة (مصر - أوربا) إلى حفلة ساهرة يوم الخميس الماضي بالنادي اليوناني الذي تتخذه مقراً مؤقتاً لها، أو هكذا تقول. . فقد كان كل ما في الحفلة التي دعت إليها (رابطة مصر - أوربا) أوربيا، كان هناك موسيقى أوربية وغناء أوربي. أما مصر، وهي الشطر الأول من اسم الرابطة، فلم يكن يدل عليها هناك إلا طربوش رئيس الرابطة المصري. وكانت الرابطة قد دعت قبل هذه الحفلة بنحو أسبوع إلى سماع محاضرة لأحد الأجانب باللغة الفرنسية، ولم تدع مرة إلى محاضرة عربية، فلماذا لم يسموها (رابطة أوربا) من غير إقحام مصر المسكينة. .؟
هل رابطة (مصر - أوربا) اتحاد مصري انجليزي آخر.؟
التأليف المسرحي:
عانت الفرقة المصرية في العام المنصرم أزمة في التأليف المسرحي فلم تقدم في هذا الموسم من الروايات المؤلفة الجديدة سوى رواية واحدة هي (الناصر) لعزيز أباظة باشا، وباقي ما قدمته إما مترجم أو مقتبس أو مؤلف قديم. ولم يبد إلى الآن ما يد على انفراج هذه الأزمة، على رغم ما قيل من اعتماد مبالغ من المال لتشجيع التأليف للمسرح.
ومما يدل على ذلك ان لجنة ترقية التمثيل العربي، لما أرادت أن تكمل هذا النقص في وضع برنامج الفرقة في الموسم القادم، قالت إن الظروف الحاضرة لا تسعف الفرقة بالمسرحيات التي تؤدي رسالة الأدب المسرحي الرفيع على الوجه الأكمل، وهي لذلك ترى ضرورة الاستعانة بالمسرحيات القديمة التي سبق أن أخرجتها الفرقة القومية وأحرزت النجاح. ومن هذه المسرحيات (مجنون ليلى وكليوبترا) لشوقي، و (قيس ولبنى والعباسة والناصر) لعزيز أباظة، و (حواء الخالدة) لمحمود تيمور، وتقدم مع هذه الروايات مسرحيات مترجمة سبق إخراجها وتمثيلها أيضاً.
وقد انكشفت الضجة التي ثارت حول المسرح في أواخر هذا العام، عن انضمام يوسف وهبي إلى الفرقة المصرية، أما تزويد الفرقة بمؤلفات مسرحية جديدة فلا تزال بإزائه علامتا أسف واستفهام. .
العباس