انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 744/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 744/البريدُ الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 10 - 1947



حول جدل في الجامعة:

تعرض صاحب رسالة (الفن القصصي في القرآن الكريم) في كلمته المنشورة بعدد الرسالة الماضي لرأى الأستاذ أحمد أمين بك في هذه الرسالة، فرأينا أن ننشر رأي الأستاذ كاملا بنشر تقريره الذي قدمه إلى عميد كلية الآداب وهذا نصه:

حضرة صاحب العزة عميد كلية الآداب.

تحية واحتراماً.

قرأت الرسالة المقدمة من محمد أفندي خلف الله لنيل الدكتوراه وموضوعها (الفن القصصي في القرآن) والتي تفضلتم فأحلتموها على لقراءتها وإبداء الرأي فيها.

وقد وجدتها رسالة ليست عادية بل هي رسالة خطيرة أساسها أن القصص في القرآن عمل فني خاضع لما يخضع له الفن من خلق وابتكار من غير التزام لصدق التاريخ والواقع وأن محمداً فنان بهذا المعنى.

وعلى هذا الأساس كتبت كل الرسالة من أولها إلى آخرها وأرى أن من الواجب أن أسوق بعض أمثلة توضح مرامي كاتب الرسالة وكيفية بنائها.

يرى أن القصة في القرآن لا تلتزم الصدق التاريخي وإنما تتجه كما يتجه الأديب في تصوير الحادثة تصويراً فنياً بدليل التناقض في رواية الخبر الواحد.

مثل أن البشري بالغلام كانت لإبراهيم أو لامرأته. بل تكون القصة مخلوقة مثل: وإذا قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت. . . الخ ص 14 وما بعدها.

الإجابة عن الأسئلة التي كان يوجهها المشركون للنبي ليست تاريخية ولا واقعة وإنما هي تصوير لواقع نفسي عن أحداث مضت أو أعرقت في القدم سواء كان ذلك الواقع النفسي متفقاً مع الحق والواقع أم مخالفاً له 28.

وربما كانت مسألة الجن التي تصور رأي الجاهليين في تسمع الجن لأخبار السماء ميداناً من الميدان القصصي.

(ابن الخياط)

والقرآن يقرر أن الجن تعلم بعض الشيء. ثم لما تقدم الزمن قرر القرآن أنهم لا يعلمون شيئاً 29 والمفسرون مخطئون حين يأخذون الأمر مأخذ الجد 30 الأنبياء أبطال (ولدوا في البيئة وتأدبوا بآدابها وخالطوا الأهل والعشيرة وقلدوهم في كل ما يقال ويفعل وآمنوا بما تؤمن به البيئة من عقيدة ودانوا بما تدين به من رأي وعبدوا ما يعبد من إله ص 37.

تصوير أخلاق الأمم كبني إسرائيل ليس بضروري أن يكون واقعياً بل يصح أن يكون تصويراً فنياً يلاحظ الواقع النفسي أكثر من صدق القضايا. . . الخ ص 75.

القصة هي العمل الأدبي الذي يكون نتيجة تخيل القاص لحوادث وقعت من بطل لا وجود له أو لبطل له وجود، ولكن الحوادث التي ألمت به لم تقع أصلا أو وقعت ولكنها نظمت على أساس فني إذ تقدم بعضها وأخر بعضها أو حذف بعضها وأضيف إلى الباقي بعض آخر أو بولغ في تصويرها إلى حد يخرج بالشخصية التاريخية عن أن تكون حقيقة إلى ما يجعلها في عداد الأشخاص الخيالية وهذا قصدنا في هذا البحث من الدراسة القرآنية 81.

أخطأ الأقدمون في عد القصص تاريخاً 83.

منهجه هو معالجة القصة من حيث هي أدب ويعنى بذلك خلق الصور والابتكار والاختراع (84) ولذلك لا مانع من اختلاف تصوير الشخصية الواحدة في القرآن 85.

وجود القصة الأسطورية في القرآن 89.

ولعل قصة موسى في الكهف لم تعتمد على أصل من واقع الحياة 89 بل ابتدعت على غير أساس من التاريخ.

والقرآن عمد إلى بعض التاريخ الشعبي للعرب وأهل الكتاب ونشره نشراً يدعم غرضه 93 كقصة ذي القرنين.

وقصة إبليس من نوع الخلق الفني الذي يتشبث فيه القرآن بالواقع 106 عناصر القصة هي العناصر الفنية والأدبية التي اتخذ منها الفنان مادته التركيبية والتي أعمل فيها خياله وسلط عليها عقله ونالها بالتغيير والتبديل حتى أصبحت وكأنها مادة جديدة بما بث فيها من روحه، وكذلك القصص في القرآن والبحث عن المصادر في القصص القرآني على هذا الأساس.

يجب ألا يزعجنا لأنه الواقع العملي في حياة كل الفنون والآداب ص 118 وطبق هذا المبدأ تطبيقاً واسعاً.

فالقرآن كل يغير في العناصر ليجعلها ملائمة للبيئة ولطبيعة الدعوة ص 125. . . وما تمسك به الباحثون من المستشرقين ليس سببه جهل محمد بالتاريخ. . . بل قد يكون ذلك من عمل الفنان الذي لا يعنيه الواقع التاريخي ولا الحرص على الصدق العقلي، وإنما ينتج عمله ويبرز صوره بما ملك من الموهبة الفنية والقدرة على الابتكار والاختراع والتغيير والتبديل) ص 136.

ومن هذا القبيل خلق صور الجن والملائكة 137.

تدرج القصص في القرآن كما يتدرج أدب كل أديب، فالأدباء يلتمسون المتعة واللذة في كل أمر فني يعرض لهم ثم يتقدمون خطوة فيبغون الاستمتاع واللذة بالمحاولات الأولى التي تقوم على التقاليد والمحاكاة ثم يكون التخلف شيئاً فشيئاً والدخول في ميدان التجارب الخاصة ومظاهر ذلك النسخ والتدرج بالتشريع 169 الخ.

ومن ذلك كله نرى أن المسألة - كما قلت - خطيرة ومن المتوقع أن يكون لها صدى كبير سبق أن حدث لأقل من هذا.

فالمسألة في نظري يجب أن يفصل فيها رجال الجامعة المسؤولون قبل أن يفصل فيها الأساتذة قراء الرسالة من ناحيتها التفصيلية والشكلية. وتفضلوا بقبول فائق احترامي.

أحمد أمين

إلى خلف الله العامري

يا (أستاذ. .)!

لقد أغمدت سيفي، ولويت وجهي عن الميدان، لأنك أصبحت أعزّ عليّ، من أن أجرد في وجهك سيفاً، أو أثير عليك حرباً، وكيف وأنت رجل خيّر فاضل (لست من الشرّ في شيء، وإن هان) وأنت تنصف من نفسك، وتنال منها ما لا يناله الخصم العنيد، وتكتب عنها بقلمك ما لا يكتبه العدو اللدود، وكيف وقد صرت أستاذي. . . تعلمت منك أشياء كنت أجهلها. .

تعلمت منك كيف يكون العذر أقبح من الذنب، حين قرأت لك ما كتبت تعتذر به من ذنبك، وتعلمت كيف يفهم بعض (العلماء!) من الكلام ما لا تدل عليه ألفاظه ولا يفيده نظمه، ولا يمكن أن يخطر على بال كاتبه. وكيف تبلغ (الفطنة. . .) ببعض (الأذكياء. . .) أن يريد أحدهم الشيء فينطق بضدّه، ويعمد إلى تبرئه نفسه فيوبقها.

قلت لا فضّ الله فمك، وسلّمك:

(والآن نستطيع أن ننتقل إلى الجو القرآني، لنبحث ما في قصصه من أشياء تاريخية، وقبل البدء ننظر في اعتراض قد يستثار ذلك لأن ما قررناه من صلة بين التاريخ والقصة يعتمد على ظاهرات في القصص لوحظت حديثاً وقررت على أنها بعض التقاليد الأدبية التي تصور ما للقاص من حرية والقرآن أقدم من هذه الملاحظات للظواهر وهذه المقررات للتقاليد على أنها لو كانت قديمة لا تلزم القرآن في شيء إذ لكل قاص مذهبه وطريقته ولكل خالق حريته في الخلق والابتكار ولن يقرر ما في القرآن من قيم إلا واقع أدبي ألتزمه القرآن نفسه أو على أقل تقدير حرص عليه وهو قول له وجاهته فيما نعتقد ثم هو يلزمنا أن نبحث طريقة القرآن من واقعة العملي).

انتهى بنصه وفصه، وألفاظه وحروفه، واحلف لقد قرأنه خمس مرات متتاليات فلم أفهم المراد منه، لأنه أرفع من أن يصل إليه فهمي، أو يطوله علمي.

ولقد كنا في الكفر بالدين وحده، فصرنا الآن في الكفر بالدين، والكفر بالعربية! أفبمثل هذا الأسلوب تريد أن تكتب عن القرآن؟ أن هذه هي البلاغة الجديدة، التي هبط بها الروح (الأمين) على قلب أستاذك نبيّ البيان في آخر الزمان.

هذا كلامك، لا يفهمه الناس، فهل تفهم أنت كلامهم؟ لنَرهْ: نقلت من تفسير المنار قوله: (إن الله أنزل القرآن هدى وموعظة، وجعل قصص الرسل فيه عبرة وتذكرة، لا تاريخ شعوب ومدائن، ولا تحقيق وقائع ومواقع).

فلم تفهم منه إلا أن القرآن ليس بكتاب تاريخ، وإذا كان يروي أخبار الماضين، ولم يكن تاريخاً فما هو إلا قصة، كقصص اسكندر دوماس وتوفيق الحكيم، ودوماس لا يؤخذ من قصصه التاريخ، لأنه لم يكتبها له، ولم يحرص فيها على حقائقه فقصص القرآن كذلك.

أرأيت؟ فلماذا تتعب نفسك فيما لم تخلق له؟ وهل تظن أنك تفهم كلام الله، وأنت لم تفهم كلام (عبدِه)؟

ثم قلت: على أن هذه المسألة (أي مسألة كون قصص القرآن صحيحاً أو أسطورة) قديمة - ومن أجلها عد الأصوليون القصص القرآني من المتشابه - ولقد نتج عن ذلك طريقتان في التفسير طريقة الخلف، أما الأولون فيذهبون إلى أن كل ما ورد في القصص القرآني من أحداث قد وقع وأما الآخرون فلا يلتزمون هذا (أي لا يقولون بأن كل ما ورد في القصص القرآني من أحداث قد وقع) وعلى طريقتهم جرى الأستاذ الإمام).

مسكين أنت يا أيها الأستاذ الإمام، لقد صرت عند هذا (العامري) إماماً في تكذيب القرآن، وفي الكفر بالرحمن، ومساكين أنتم يا أيها الأصوليون. .

وكل شيء إلا الأصول من فضلك! مالك وللأصول؟ ولماذا تهرف بما لا تعرف حتى تطلق الألسنة بغيبتك؟ ومن قال لك إن الأصوليين يعدون القصص من المتشابه؟ وهبهم قالوه أفتدري أنت ما المتشابه؟ وفي أي كتاب رأيت هذا؟ ومن أي عالم سمعته؟ أو ما كان خيراً لك لو اشتغلت فيما تحسن؟ وتركت لغيرك التدليل على أن قصص القرآن أساطير كأساطير هوميروس، وروايات كروايات دوماس، ما دام غرضك كما تقول (غرضاً دينياً هو تخليص القرآن من مطاعن الملاحدة والمستشرقين)؟ ولا والله، ما غرضك إلا (الشهرة. . .)، ولن أكون عوناً لك عليها بعد اليوم!

علي الطنطاوي

هل كان معاوية كاتب وحي؟

ذكرت في كتابي (أبطال الفتح الإسلامي) في ترجمة الإمام علي كرم الله وجهه أن كتبة النبي كانوا ثلاثة وأربعين منهم أبو سفيان وابناه معاوية ويزيد وقد سرد هذه الأسماء كثير من المؤرخين كابن كثير وغيره، ولكن ابن أبي الحديد، ذكر في شرحه لنهج البلاغة أن ما عليه المحققون أن معاوية بن أبي سفيان لم يكن من كتبة الوحي، بل كان هو وربيعة التميمي لا يكتبان للنبي إلا مكاتبات الملوك ورؤساء القبائل. أما كتبة الوحي فكانوا علي بن أبي طالب وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم)

المنصورة

محمود نصير