مجلة الرسالة/العدد 743/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 743/البَريدُ الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 743
البَريدُ الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 29 - 09 - 1947



تفرعن، فرعون:

خمنت (الاثنان) الغراء في الجزء ذي الرقم (692) - 15 سبتمبر سنة 1947 - أن الفعل (تفرعن) هو من كلام العوام، فأنزلته في تضاعيف عباراتها في مقالة من مقالاتها وسط أقواس أربع أو أهلة معرفة قراءها بما فعلت أن المقام اقتضى استعمال هذا الفعل على عاميته مبالغة في التبيين واستقصاء، وإنها بحالة لعلمية. فإن كانت (الاثنان) خمنت ما خمنته أو استيقنته فلتعلم - غير مأمورة - أن (تفرعن) فعل صحيح فصيح وعربي بحت قد نجلته العربية من (الجزيرة) ولو وضعته في مصر أو في الشام أو في العراق أو في المغرب الأقصى ما أنكرناه ولتقبلناه بقبول حسن كما تقبلنا سواه، وهي العربية المتبحبحة المتصرفة في كلامها، ولها لأئمتها أن يتصرفوا ولا يقفوا. وإنه لما جاء (فرعون) اسمه إلى (الجزيرة) وتحدث الأقوام بما تحدثوا به اشتق منه (التفرعن) و (الفرعنة) ولم يسلم هو فراح (فرعون) عند العرب صفة صرفوه فيها ومنعوه علماً فـ (كل عادت متمرد فرعونٌ) كما في اللسان والتاج، وفي الأساس: (فيه فرعنة، قال: وقد يكون مرة ذا فرعنهْ.

وقد تفرعن علينا فلان، وما هو إلا فرعونٌ من الفراعنة، ومن المجاز: تفرعن البنات إذا طال وقوى).

وخير لغاته هي ما نطق بها (الكتاب) أي بكسر الفاء وفتح العين، وحكى ابن خالويه عن الفرّاء (فرعون) بضم العين وفتحها، وهي لغة نادرة كما في التاج.

والاشتقاق من أسماء الأعلام في الجاهلية والإسلام كثير.

وقد يغنى فعل أخذ من اسم عن كلام طويل، فمن ذلك ما أورده الإمام الزمخشري في (أساس البلاغة): (وتجاحظ فلان في كلامه) وما ذكره في شرح لإحدى مقاماته:

(ابن الفرات هو علي بن محمد بن الفرات وزير المقتدر، وكان كريماً سخياً سرياً يتبرمك في أيام وزارته).

وهذان الفعلان (تجاحظ وتبرمك) المأخوذان من ذبنك الاسمين فيهما من المعاني ما فيهما، والأمثلة من هذا القبيل جمة.

ذكرني (الاثنان وفرعون) بخبر في (روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار) وبأبيات لأمير الشعراء (أحمد شوقي) - رحمه الله - في قصيدة عظيمة عبقرية. جاء في الروض:

(حضر مجلس (الإمام) الأعمش قوم ليسمعوا الحديث، فقال: ما اليوم؟

فقال رجل منهم: الاثنين. فقال (الإمام) الأعمش: الإثنان، أرجعوا فأعربوا كلامكم ثم اطلبوا الحديث).

قال أمير الشعراء:

زمان الفرد يا (فرعون) ولى ... ودالت دولة المتجبرينا

وأصبحت الرعاة بكل أرض ... على حكم الرعية نازلينا

(فؤاد) أجل بالدستور دنيا ... وأشرف منك بالإسلام دينا

السهمي

أدب العروبة في الميزان:

كانت الجولة الأخيرة للأستاذ على متولي صلاح بين دفتي الأثر القيم لجامعة أدباء العروبة تعقباً لآثار ثلاثة من شعرائها، كاتب هذه السطور، والأستاذين العوضي الوكيل وطاهر محمد أبى فاشا.

وأحب أن أناقش ما جاء في ثنايا مقاله من هنات أخذها عليَّ مشكوراً في رفق وهوادة.

يقول الأستاذ (أما أن يترك الشاعر الموضوع الأصلي إلى الحديث عن نفسه وعن عاطفته في أمر لا علاقة للموضوع به فذلك ما نأخذه على الشاعر). وقد استشهد على ذلك بقصيدتي في الفيوم، قائلا إنني لم أسق (من تاريخها الحافل أو ماضيها المجيد شيئاً) وإنني (سردت على الناس قصة غرام شخصي في غزل أخاطب به حبيبة بعينها). .

أما أنني جانبت الموضوع في مهرجان الفيوم فهذا ما يصعب أن أوافقه عليه. .

فإن موضوع الفيوم متعدد الجوانب، متشعب الاتجاهات. (والتاريخ الحافل والماضي المجيد) أحد هذه الجوانب. ورياض الفيوم وجناتها مضطرب واسع الخيال الشاعر. .

وما الذي يزعجك يا سيدي من أن يتكفل النثر (بالجانب التاريخي الحافل والماضي المجيد) تاركا للشعر أن يصور جمال الطبيعة في الفيوم، وأنا أحيل الأستاذ متولي على قصيدتي مرة أخرى ليقتنع بأنني لم أشذ قيد أنملة عند تناول الموضوع من هذه الناحية.

أما عن قصيدتي في المنصورة، فالمنصورة كما يسميها أستاذنا الكبير الزيات صاحب الرسالة بلد السحر والفتنة والجمال فلا تثريب على الشاعر من أن يتأثر بهذه الأجواء الساحرة الفاتنة على أنني لم أفرط في قصيدة المنصورة في الاستطراد في ذكر (الناحية التاريخية والماضي المجيد).

ثم ليسمح لي الأستاذ أن أتحداه في غير هاتين القصيدتين وموضوعهما من الشعر كما قدمت - أن يذكر بيتاً واحداً خارجاً عن الموضوع في سائر القصائد الأخرى في الكتاب.

أما أنني أتغزل في حبيبة بعينها، فليتفضل الأستاذ بمراجعة ما تحت يده من دواوين الشعراء في عصور الأدب العربي وأنا الزعيم له بأنه سيجدهم جميعاً مفهومين جداً وهم يتغزلون في واحدة بعينها وأن الأدب العربي لم يسجل عليهم في هذا الصدد عيباً أو نقيصة. أما بقية المآخذ فسأجمل الرد عليها إجمالا.

فعدم علم الأستاذ بكيفية نثر الطيور للأزهار فوق الروابي فلست مسئولا عنه فقد رأيتها بعيني رأسي وعليه أن يغشى إحدى جنات المنصورة ليرى ما رأيت أما أن كلمة أنس الأماني عامية ولا معنى لها فحينما يحرمه الله تحقيق أمنية له - لا قدر - ثم يشاء له تحقيقها حينئذ سيستشعر أنس هذه الأمنية لقلبه وعواطفه - أما أن البيت:

أقضي الليالي أنات مرددة ... والشاهدان عليَّ النجم والسهد

لا يكون السهد شاهداً مع النجم وهي حالة يعانيها من كتبت عليه المحنة فلم لا تكون هذه الحالة نفسها شاهداً؟

أما المفاضلة بين (غزالة) و (بغداد) وبين (الدسوقي) و (الرشيد) فقد فهمها منهما غريباً لا يتسق مع ما ترمي إليه الأبيات من تشبيه يلتقي فيه البلدان والرجلان عند هدف التمجيد والتكريم والإشادة بمن يعمل على رفع شأن الأدب ورعاية الشعر.

أما أن كلمة (ملياً) في البيت:

يا لواء الفاروق عشت مليا ... نحن نفدي لواءه المقصودا

كان الأولى أن يكون موضعها (دواما) لأن معنى الأولى الزمن الطويل بدليل الآية (واهجرني مليا) فلعل الأستاذ يوافقني على أن كلمة (مليا) تنساق في الجرس أكثر من (دواما) والزمن الطويل لا تلتمس له النهاية التي حددها الأستاذ متولي، أما المأخذان الأخيران في عم تأتي حر العطش من الري العذب في البيت:

فاسقنيها في ربيع الزمن ... خمرة من ريها العذب أوامي

وعدم تصور حباء اللذع وأنه لا يكون إلا في الخير لا في اللذع البيت:

قلبي الذي بات يصلي منك جمرته ... وقد حبته بلذع دونه سقر

فحر العطش يتأتى من الري العذب من هذه الخمرة التي تغري دائماً بالعلل والنهل فكلما روى الشارب ظمئ.

أما أن العطاء لا يكون في اللذع فلذع القلوب واكتواؤها بنار الحب شيء يلذ العاشقين يتمنونه ويغرمون به.

بقى أن أعقب على مآخذ للأستاذ الناقد على نتاج الجامعة الذي يقول أنه ضئيل ويسير وهو مأخذ يدعو إلى الدهشة والعجب فما الذي كان يتوقعه الأستاذ من مجهود للجامعة أضخم من هذا في عامها الأول فقد افتتحت الجامعة فروعاً عدة في مختلف أنحاء القطر شهدتها جموع كثيرة وأذاعها الأثير على سائر أقطار الشرق والعروبة ثم أخرجت الجامعة للناس كتاباً قيما يضم الرائع من الشعر والنفيس من النثر للأساتذة العقاد، ناجي، غنيم، رامي الخ.

أما اقتراح الأساتذة على معالي رئيس الجامعة في تعديل تشكيل هذه الجامعة وإقصاء بعض القائمين بأمر الدعاية والعمل لها، فقد أعلن معالي الرئيس غير مرة أن هؤلاء القائمين بالنشاط الموفور لخدمة الجامعة ليسوا من كبار الكتاب أو الشعراء في البلد وإنما هم أناس قدموا أنفسهم وأوقاتهم لخدمة الجامعة ونشر أغراضها ومبادئها مستمدين العون من قادة الفكر والبيان في مصر وسائر أقطار العروبة.

أحمد عبد المجيد الغزالي