مجلة الرسالة/العدد 706/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 706/الأدب والفنّ في أسبُوع
المجمع اللغوي:
في مستهل الأسبوع المنصرم افتتح مجمع فؤاد الأول للغة العربية دورته الثالثة عشرة بمؤتمر عام جرياً على عادته في افتتاح كل دورة، وقد ألقيت في المؤتمر عدة كلمات وأحاديث تتصل بمهمة المجمع وتتعلق برسالته في خدمة اللغة العربية والنهوض بها.
فتحدث الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا وزير المعارف في كلمة الافتتاح عن المهمة التي يضطلع بها المجمع والتي يصح أن تكون هدفه وغايته فقال: (إن مجمعنا الموقر هو حارس اللغة العربية والقائم عليها، يحرسها ليحافظ على سلامتها، ويقوم عليها ليجعلها ملائمة لحاجات الحياة في عصرنا الحاضر. . . وإنني أعتقد أن مهمة المجامع اللغوية ليست هي الخلق والإبداع، بل هي الإثبات والتسجيل، وعندي أن أعظم المجامع اللغوية نجاحاً هو أكثرها تواضعاً وأقلها ابتكاراً، هو ذلك المجمع الذي يتجنب ما أمكن أن يبتدع لفظاً جديداً أو أن يحيي كلمة ميتة، وإنما يقتصر ما استطاع على إثبات لفظ حي، فهو إنما يقف من الألفاظ عند القائم منها الذي تجري به الألسن ويقع به التفاهم، ثم يعمد بعد المقارنة والمفاضلة والترجيح إلى تسجيل ما اختاره من ذلك، يسجله كما هو أو مع تحوير بسيط قد تقتضيه صناعة اللغة، وليست مهمة التسجيل هذه بالمهمة اليسيرة وإن بدت كذلك في ظاهرها، فهي تقتضي الذوق السليم، والحس المرهف، واليقظة البالغة. . .).
ثم ألقى الدكتور فارس نمر باشا الرئيس النائب كلمة قال فيها: (ولما كان في طليعة أهداف المجمع أن يكون جهده لخير اللغة عاماً بين أبناء اللغة في مختلف البلاد العربية وسواها فقد حرص بمعونة أعضائه في الخارج على أن يعرض أعماله على الهيئات العلمية وجمهرة العلماء في الشام والعراق وغيرهما وهو يتلقى ملاحظاتهم ويدرسها، ومما يدل على أن هذا الغرض قد بدأ يتحقق منه قدر جدير بالاطمئنان أن وزارة العدلية في الحكومة العراقية حين وضعت مشروع قانونها المدني ضمنته بعض ما أقر المجمع من مصطلحات هذا القانون وقبلته في كثير من مواده ونشرت كتيباً خاصاً بما وضع المجمع من مصطلحات القانون المدني. .)
وتحدث من بعده الدكتور منصور فهمي كاتب سر المجمع عن أعمال المجمع ولجانه الدورة الماضية وما استعد به للدورة الحاضرة، وقد عرض في حديثه لصلة المجمع بالحياة العامة فقال: (فأهل العلم والأدب يتصلون بالمجمع ويغتبطون بجهده المشكور، وأهل الصناعة والفن يقدرون ما يصيبهم من عمله الموفور، حتى أهل الفكاهة والدعابة فلرصيدهم على حساب مجمعنا لطيف الفكاهات وطريف التندرات، فالمجمع إذن يتصل بالحياة العامة على اختلاف ألوانها، وله أن يغتبط حين يشهد انتفاع الجادين بجهوده، كما أنه لا يضره أن يتنادر الظرفاء المتفكهون على حسابه، ولعلنا لا ننسى قصة الشاطر والمشطور، وحكاية الأرزيز والعرعور. . .)
وفي نهاية أشار الأستاذ إلى أن مجلة المجمع ستعود للظهور عن قريب، وأن المجمع سيستأنف العمل في معجم فيشر بعد أن انقطع العمل فيه منذ قيام الحرب الماضية.
ثم ألقى الدكتور طه حسين بك بحثاً ضافياً قيما موضوعه (فن من الشعر العربي يتطور بأعين التاريخ)، وليس هذا الفن إلا الرجز الذي ظلمه علماء الشعر وسموه حمار الشعراء، وقد عرض الدكتور الباحث لنشأة هذا الفن، وتاريخه، وتطوره، كما عرض لذكر أعلامه والمبرزين فيه وما كانوا يؤثرون في تعابيرهم وفي تناول موضوعاتهم، وبعد أن استوفى نواحي البحث أهاب بالمجمع وبرجاله أن يقرءوا هذا الفن من الشعر وأن يعنوا بدراسته فانهم سيجدون فيها كنزاً للغة يمكن الانتفاع به واستخدامه في النهوض بالعربية وتوسيع مادتها. .
وألقى بعد ذلك الأستاذ محمد كرد علي بك بحثاً موضوعه (تطور الألفاظ والتراكيب والمعاني)، فأشار إلى عناية العلماء السابقين بهذه الناحية، وما كان من بالغ حرصهم في تحرير اللغة ورعاية التراكيب العربية إبان نهضتهم العلمية، ثم تحدث عن صنيع الكتاب والمترجمين في هذا العصر وما يرتجلونه من التراكيب الأعجمية والتعابير المخالفة لدستور العربية وأرجع ذلك إلى عجلة كتاب الصحافة حيث لا يجدون وقتاً للتروي والتفكير ثم أشار بما يجب من استغلال الكنوز القديمة التي حفظها لنا القدماء في هذا الباب.
وتحدث أخيراً الأستاذ (ماسنيون) نيابة عن إخوانه المستشرقين، فتكلم عن خصائص المعجم العربي فقال: (لقد ألزمنا الطلاب في لجنة تخريج الأساتذة باستعمال المعجمات العربية المحضة كالمنجد وأقرب الموارد والقاموس المحيط واللسان والتاج وبذلك اضطروا أن يسبحوا في البحر المحيط ومحيط المحيط ولا سفينة لنجاتهم من هذه المخاطر إلا بالالتجاء إلى معجم لا أجد الآن منه نموذجاً كاملا وإن كنت أجد صورة ناقصة منه في المخصص لابن سيده وتهذيب الألفاظ لابن السكيت والألفاظ الكتابية للهمذاني وجواهر الألفاظ لقدامة، ولهذا النوع من المعاجم مستقبل عظيم ونحن إليه في حاجة ملحة لتخريج أساتذة العربية في الخارج.)
وكانت كلمة الأستاذ (ماسنيون) ختام المؤتمر.
الأب أنستاس الكرملي:
نعي إلى أبناء الضاد منذ أيام العالم اللغوي الحجة المرحوم الأب أنستاس الكرملي صاحب مجلة (العرب) وعضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية.
ومكانة الأب الكرملي غير منكورة ولا خافية، فقد أمضى حياته الطويلة باحثاً متقصياً موفراً كل جهده ونشاطه لخدمة العربية وفقهها والتوسع بمادتها، وكانت له في هذا جولات واسعة النطاق، ومباحثات قوية عنيفة، وكان للأب أنستاس نظريات في أصول العربية واشتقاقاتها، وكان له في ذلك اتجاه يناقشه فيه غيره من اللغويين ولكنها على أي حال نظريات تشهد بالجهد والتبحر في فهم أسرار العربية والتمكن من فقه اللغات الأخرى.
ولقد كان رحمه الله طول حياته أوفى ما يكون نشاطا وهمة في الدراسة والإنتاج، وكان مناضلا في الطراز الأول فلا يسكت على مناقشة ولا يتغاضى على خطأ، فلاشك أن فقده جاء خسارة للعربية، وأن نعيه قد شق على زملائه خاصة وعلى أبناء الضاد عامة، ولعلنا نجد من فراغ النطاق ما نوفيه به حقه في ترجمة حياته وشرح نظرياته.
رحمه الله رحمة واسعة وعوض العربية فيه خيراً.
حروف عربية جديدة:
تحدثت الأنباء الواردة من (نيويورك) بأن السيد نصري خطار قد ابتدع طرازاً جديداً من الحروف العربية، ووضع لهذه الحروف قواعد لاستعمالها في الطباعة والآلات الكاتبة، وأن شركة الآلات الصناعية قد قررت استعمالها فعلا في آلاتها الكاتبة.
وقد تحدث الأستاذ الخطار نفسه عن مميزات هذه الحروف فقال: إنها ترجع إلى تسهيل القراءة عل المبتديء، والاقتصاد العظيم في تكاليف الطبع، وتصغير الكتابة دون الإخلال بشرط الوضوح.
ومن المعروف أن مسألة الحروف العربية مثار ضجة كبيرة في دوائر المجمع اللغوي منذ عام، وقد وضعت في ذلك رسائل وكتب، ومن قبل كانت هذه المسألة مثار مناقشة طويلة ومجال اقتراحات متعددة من علماء العربية وخاصة من المستشرقين. ففيهم من يريد أن يختصر المسألة من أقرب طريق، فيقترح استعمال الحروف اللاتينية مكان العربية دفعة واحدة، وفيهم من يقترح تحوير الحروف العربية وتهذيبها حتى تفي بالحاجة.
والطريقة التي آثرها السيد الخطار هي تحوير الحروف العربية إلى ما يشبه اللاتينية في الشكل وكتابتها منفصلة، ومن المعروف أن الحروف العربية في الخط الكوفي وفي الخط النبطي، كانت تكتب منفصلة، فطريقة الانفصال قديمة، وطبيعة الحروف العربية بشكلها الراهن لا تستعصي على الانفصال، فلا ندري لماذا آثر الأستاذ الخطار ذلك التحوير فيها إلى ما يشبه الحروف اللاتينية، وهو تحوير ستكون المشقة به أكثر من الفائدة منه.
الواقع أن المسألة ليست مسألة تشابك الحروف وانفصالها، وليس بنا من حاجة إلى ذلك التحوير في هيئة الحروف التي ألفناها واعتادتها أنظارنا، وإنما العناء يأتي من قواعد الكتابة العربية وتعقدها في استعمال الهمزة والألف اللينة وغير ذلك مما يضجر علماء العربية أنفسهم، فهلا تكاتف علماء العربية على تذليل هذه المسألة فإن ذلك يكون أجدى وأنفع؟!
هل استفاد الأدب من الحرب؟
هذا موضوع مناظرة، أقامتها جماعة الفكر العربي في الأسبوع الماضي، وأيد الرأي فيها الدكتور زكي مبارك والآنسة روحية القليني المتخرجة في كلية الآداب وعارضه الأستاذ علي الجندي والآنسة زينب عبد الحميد.
وموضوع المناظرة جدير بالبحث والدرس، لأنه يمس ناحية كان لها أثرها الظاهر والباطن في الأدب وفي الاتجاه الفكري، ولكن تبادل الكلام بين المتناظرين جرى على الشأن الدارج في مناظراتنا ومحاضراتنا وهو حب الغلبة، والتأثير على الجماهير بالعبارات الضخمة والكلمات الرنانة والنوادر الفكاهية ومن ثم نستطيع أن نقول إن هذه المناظرة لم تصل إلى الحقيقة في الموضوع، والواقع أن الوصول إلى الحقيقة في هذا الموضوع يقتضي بحثا للعوامل النفسية والاتجاهات الفكرية التي كانت نتيجة للحرب وللظروف التي فرضتها على المجتمع وهذا كله أعمق من أن تكشف عنه مناظرة كلامية في ناد.
المواضع والأمكنة في المعلقات:
تنشر جريدة (البلاد السعودية) بحثا مسلسلا للأستاذ محمد بن بلهيد يحقق فيه أسماء المواضع والأمكنة في المعلقات، ويدل على مواقعها القديمة وما صار لها من الأسماء الحديثة.
وهذا بحث جليل مفيد، يحتاج إليه أبناء العربية في دراسة الشعر الجاهلي. ومن الواجب أن يعمم هذا البحث في جميع الأقطار العربية وأن يحرر تحريراً علمياً ليرجع إليه الباحثون، فقد درجت الجامعات والمعاهد في دراسة الشعر الجاهلي على الاكتفاء بالإشارة إلى المواضع والأمكنة في ذلك الشعر بأنها (أسماء أمكنة) وكفى، ومن المعروف أن الأمكنة لم تزل في مكانها، وإن كانت أسماؤها قد تغيرت، فمن الواجب أن يكون بين يدي الباحثين تعريف لتلك الأمكنة في مواقعها وأسمائها الحديثة.
وبهذه المناسبة نقول إن أبناء العربية يجهلون مواقع البلاد العربية ولا يتحققون من أسمائها الحديثة ومعالمها الظاهرة على حين أن الرحالة الأجانب قد اردوا هذه الأماكن وقاموا بتحقيقها، وألفوا عنها الكتب والبحوث الضافية، ومن الأسف أن كثيرا من أبناء العربية يرجعون إلى تلك الكتب والبحوث فينقلون الأماكن والأسماء عنها محرفة، مما يؤدي إلى الخلط وتوسيع الشقة في التضليل.
الفن الروسي:
تهتم المفوضية الروسية في القاهرة بتعريف المصريين بالفن الروسي وإطلاعهم على نماذجه ولوحاته، وقد سبق أن أقامت أيام الحرب معرضاً بجمعية المهندسين عرضت فيه لوحات فنية لمشاهير الفنانين الروسيين تمثل المواقع الحربية والقواد البارزين في الجيش الأحمر وأخيراً أقامت المفوضية معرضاً بمدارس الليسيه عرضت فيه رسوماً وصوراً للتماثيل التذكارية ومعالم الثقافة والعمارة في الاتحاد السوفيتي كما عرضت مجموعة فنية للحيوانات البرية والبحرية استلفتت الأنظار وحازت التقدير والإعجاب.
وحسنا فعلت المفوضية فان المصريين أشد ما يكونون حاجة إلى التعريف بالفن الروسي، وخاصة بعد أن اتجهت مصر إلى الأدب الروسي وأقبل الأدباء على نقل روائعه إلى جانب ما ينقلون من روائع الأدب العالمي.
الشاعر الدباغ:
أقيمت أخيراً في يافا حفلة تأبين للمرحوم الشاعر إبراهيم الدباغ ولقد كانت يافا موطن الدباغ مولداً، وهي موطن أسرته وذوبه، ولكنه وفد على مصر في صدر شبابه لطلب العلم، وبين ربوعها تفتحت عبقريته ونضجت شاعريته، وقد آثرها بالإقامة إلى آخر حياته، وفي أرضها وورى جثمانه.
أجل، لقد عاش الدباغ لمصر بشعره وفنه، وفيها غنى بمقطوعاته وهزج بقصائده، وكانت له صلات وثيقة برجال الأدب والصحافة، وجولات واسعة في الأندية والمحافل، ثم ألمت به محنة المرض المعضل فاعتكف في مسكنه، ثم وافاه الموت، فنسى كما ينسى كل شيء في مصر!!
ليت شعري أين أصدقاء الدباغ في مصر، وأين أحباؤه وأصفياؤه، أين الذين منحهم فنه وشعره مديحاً وإشادة فضنوا عليه حتى بحفلة تأبين في مصر دلالة وفاء وحفظ للجميل وتقدير للأدب والفن؟!
الجاحظ