مجلة الرسالة/العدد 702/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 702/البَريدُ الأدبيّ
مات الأمير شكيب ارسلان:
مات الأمير شكيب ارسلان! بهذا هتف الناعي عشية يوم الاثنين الماضي، فوجمت النفوس للنبأ الأليم، وجزع أبناء العروبة لفقد ذلك الرجل العظيم، واستفاضت الحسرات أسىً ولوعة على علم من أعلام البيان العربي، ورسول من رسل الإصلاح الإسلامي، وقف حياته الطويلة الحافلة على الجهاد للحق، والدفاع عن الحرية، حتى غلبه الموت، وهو الذي طالما غلب الأهوال وارتفع على الشدائد والأحداث.
لقد كان الأمير شكيب - رضوان الله عليه - بالفكرة التي يمثلها،
والغاية التي عاش لها، علماً من أعلام تلك المدرسة المنجبة المنتجة
التي وضع أساسها باعث الشرق السيد جمال الدين الأفغاني، وتولى
رعايتها المصلح العظيم الأستاذ الإمام محمد عبده؛ فكان يرى الإسلام
عقيدة جامعة، والعروبة رابطة شاملة، والاحتفاظ بتراث السلف دعامة
لنهوض الخلف، فكان هذا هو جماع الفكرة فيما يكتب وينصح به
ويجاهد له.
كان الأمير شكيب في كل ما يكتب يرعى حق الدين وحق الإصلاح الشامل، وكان يفزع لكل مسألة إسلامية، ويزأر لكل نازلة شرقية، ويجاهد لكل قضية عربية، ويوجه خطابه دائماً إلى أحرار المسلمين، ويهيب بجميع أبناء العروبة. ولقد كان له من طيب الأرومة، ونباهة المحتد، واتساع الثقافة والصلة بالناس ما ارتفع بمكانته، وأسمع بكلمته.
وكان الأمير شكيب في مطلع هذا القرن ينهض بفكرته تحت لواء الخلافة العثمانية، وكان يعمل على توثيق الصلة بين الترك والعرب دائماً، وكان يرجو أن تتمازج الوحدة العربية وما يسمونه بالوحدة الطورانية لتكونا وحدة إسلامية جامعة للصفوف، ومانعة من تلصص الاستعمار الغربي. فلما تقلص ظل الخلافة عن الآستانة، ونزل الهلال عن قصور آل عثمان، وقف الأمير شكيب يدعو العرب للوحدة في وجه الاستعمار والتكاتف ضد الدخ الأجنبي. وفي هذا السبيل كم احتمل رحمه الله ما احتمل من الأحداث الرهيبة حتى قضى عليه ذلك أن يعيش غريباً عن أهله، نائياً عن وطنه، فأمضى النصف الأخير من حياته يطوف آفاق أوربا، وكان يؤثر الإقامة إما في فرنسا لأنها أكثر مقصداً لرجالات العرب، وإما سويسرا لأنها موطن الأحرار. . وعلى أي فقد كان وجوده في أوربا كأنه الديدبان للأمة العربية، فما كانت تمر كلمة في صحيفة أو فكرة في مجالس السياسة تمس الإسلام وتنال من العروبة إلا تصدى لها وكتب في تفنيدها. وكان وهو في مطارح الغربة يملأ الصحف في سائر الأقطار العربية بمقالاته وبحوثه الضافية، وما شغلته مشاغل الحياة وأعباء الغربة عن القراءة والكتابة ونشاط الذهن لحظة.
ومنذ عام أذاعت الصحف ن الأمير في غربته يشكو مرض القلب، وأن كل ما يرجوء عند موته ويتمناه على الله قبل أن يدركه الموت أن يرى والدته التي حرم رؤيتها منذ سنوات، وأنه لا يوصي بشيء إلا أن يدفن رفاته في تراب وطنه. وبعد مشاورات بين رجالات العروبة والسلطات الأجنبية تم الاتفاق على عودة الأمير، فعاد وهو يحمل ثقل الداء المتمكن وأقام بين عشيرته زمناً يغالب الموت حتى غلبه الموت.
مات الأمير شكيب، ولكنه خلف من ورائه سيرة عابرة بالجهاد للحرية، وحياة حافلة بالكفاح للقومية، وتراثاً من الفكر يضن به الزمن على البلى. وليست هذه الكلمة العاجلة العابرة بشيء في جانب ما أسدى وأجدى خدم به القضية العربية والفكرة الإسلامية، فموعدنا بوفائه سلسلة من المقالات نترحم بها لحياته ونعرض فيها لتراثه في الأعداد القادمة من الرسالة إن شاء الله.
محمد فهمي عبد اللطيف
حفلة المجمع اللغوي لاستقبال الأعضاء الجدد:
كانت الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الخميس الماضي موعداً للجلسة العلنية التي عقدها مجمع فؤاد الأول للغة العربية لاستقبال الأعضاء العشرة الذين عينوا به أخيراً.
وقد حضر إلى دار المجمع في الموعد المحدد - عدا الأعضاء القدماء والجدد - طائفة من رجال العلم والأدب، فافتتح الحفل سعادة رئيس المجمع أحمد لطفي السيد باشا بكلمة وجيزة رحب فيها بالأعضاء الجدد، وقال إن أمام المجمع مهام جسيمة ترجو بمعونتهم أن نسير فيها، وأشار إلى أن أعضاء المجمع قد بلغوا الأربعين، وهو أقصى ما يمكن أن تتسع له حجرة الاجتماع، وهو لذلك يذكر الحكومة بضيق مكان المجمع الحالي.
ثم ألقى الأستاذ أحمد أمين بك كلمة المجمع في استقبال الأعضاء الجدد، فبدأ ببيان ما تدل عليه كلمة (مجمع) وذكر تعريف كاتب إنجليزي للمجمع بأنه هيئة متعاونة غرضها تهذيب وترقية الأدب والعلم والفن، يدعوها إلى ذلك العشق الخالص لغرضها. وأشار الأستاذ بكلمة (عشق الغرض) وأثرها في الإنتاج، وقال أن هذا العشق لم يكن بعيداً عنا نحن الشرقيين فقد قامت منا أفراد بما تقوم به المجامع كالأزهري وابن منظور، وذكر أن أمام المجمع مشاكل لا بد أن يجد لها حلولا، وأن له غايات ومطالب، منها وضع معجم واف بحاجات العصر، ومعجم تاريخي مطول، وأن يكون المجمع محكمة عليا للإنتاج الأدبي في العالم العربي، وأن يكون حارساً على اللغة ليشرف على ما يكتب في الصحف وما يستعمل من ألفاظ وأساليب، وأن يستحث الحكومة والأغنياء على التبرع بالمال لتشجيع الأدباء على الإنتاج. وقال إنه وجهت إلى المجمع نقود كثيرة من أن نتاجه قليل أو أنه يختار ألفاظاً لم يستسغها الجمهور؛ ودفع بأن طبيعة المجمع دائماً طبيعة محافظة، وأن طبيعة العلماء تميل إلى التدقيق والبطء، وتفضل النتاج الصحيح القليل على النتاج الكثير في غير نضج، وبأن ليس للمجمع استقلال مالي يشعره بالحرية في العمل. ثم رحب بالأعضاء الجدد وعرف كلا منهم بكلمة قصيرة. ومن الطريف أنه قال بعد ذلك (هذا - أيها السادة - عرض سريع لهذه العشرة الطيبة) فضحك الحاضرون من كلمة (العشرة الطيبة).
ثم قام الدكتور إبراهيم مدكور، فألقى كلمة الأعضاء الجدد فأشاد بفضل المجمع وبين حاجة البلاد إليه؛ وشكر هيئة المجمع على الحفاوة به وبزملائه الجدد، وقال أن المجمع يمتاز بخصائص ثلاثة: عمل صامت، وتعاون صادق، واعتدال وحكمة. ثم أفاض في الحديث عن قوانين علم اللغات المقارن التي من أهمها أن اللغات جميعها تخضع لقانون السير والحركة والتغير والتحول إلى أن قال) إن اللغات في حركة مستمرة، فمن العبث أن تعترضها ونقف في طريقها، أو أن نفرض عليها قوالب جامدة لا تلبث أن تخرج عليها. وإن الصورة المثالية القديمة التي كانت تفرض اللغات لا يقرها العلم المعاصر ولا يقول بها وأصبح يدعو إلى مثالية أخرى عملية ونافعة فاللغة المثالية هي التي تصدر عن روح والعصر وتتمشى مع حاجاته ومطالبه، على أخضر صورة وأوضح مظهر).
وبهذه المناسبة نذكر أن عدد أعضاء المجمع وقت إنشائه سنة 1932 كان عشرين عضواً، وفي سنة 1940 زاد عشرة فصاروا ثلاثين، وفي 28 نوفمبر الماضي صدر مرسوم بتعيين عشرة جدد هم: الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا، والدكتور إبراهيم بيومي مدكور، والدكتور عبد الوهاب عزام بك، والدكتور أحمد زكي بك، والدكتور محمد شرف بك، وزكي المهندس بك، والدكتور مصطفى نظيف، والشيخ محمود شلتوت، ومحمد فريد أبو حديد بك، والشيخ عبد الوهاب خلاف.
وكنا نأمل أن نرى بين هؤلاء الأعضاء الذين عينوا أخيراً بعض أبناء الأمم الشقيقة، وخاصة غير الممثلة في المجمع كفلسطين وفيها الأستاذ محمد إسعاف الشاشيني، وهو - كما يعلم الجميع - من أعلام العصر في اللغة والأدب.
(ع. ح. خ)
مجلة الأزهر في عهدها الجديد:
الرسالات الروحية مجال واسع للدرس العميق؛ والتحليل الدقيق؛ والإسلام ينال من عناية هذه الدراسات المختلفة في جميع اللغات حظاً غير منقوص والأزهر، وهو القوام على رعاية الرسالة الإسلامية؛ الذائد عنها؛ الممهد لها السب ل في غمرة هذا الزحام المتضاعف من الدعاية الذهبية التي تناهض تلك الرسالات؛ وأمضى سلاح في يد تلك المذاهب ما ترمي به عن قوس الصحافة، لذلك كانت الجهود المبذولة لترقية مجلة الأزهر وتدعيمها تقابل بالتأييد، وتحف بالتشجيع. وقد جاءت - المجلة - حاملة خلاصة مصفاة لتلك الدراسات التي تتناول الجوانب الخليقة بالتناول من تلك الرسالة الخالدة؛ وهذه نفحة من نفحات الأستاذ الأكبر الذي مكنته حياته العلمية النشيطة من الوقوف على ثقافة الجامعات الأوربية وأنظمتها وأهدافها؛ وهذا خير ما تطلبه الحياة الجامعية الأزهرية. وتتجلى فيها أيضاً من مجهودات الأستاذ الباحث الموفق - فريد بك وجدي - رئيس تحريرها ومدير دفتها، حتى تستطيع أن تؤدي رسالتها في خدمة الشرق والإسلام.
محمد عبد الحليم أبو زيد