مجلة الرسالة/العدد 27/من طرائف الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 27/مِن طرائف الشّعر

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 01 - 1934



وصف القلب

وهي قطعة من عبقريات الوصف ورائعة للعالم الشاعر الأستاذ احمد الزين

مَن لقلبٍ بين الجوانِح عانِى ... جَمَع اليأسَ والمنى في مكانِ

شاعر في الضلوع يَخفق بالمع ... نى فيعيا عنه بيانُ اللسّان

كم خيالٍ له يضيق به اللف ... ظُ فيسمو إليه بالخفقان

وأمانيَّ فيه كالزَّهر منها ... ما ذَوَى والقليلُ في رَيَعان

فهو راثٍ لما ذَوَى من أماني ... هـ ومستبشرٌ بباقي الأماني

باكياً شجوَه وآناً نراه ... يتغنى بأعذب الألحان

فهو كالعُود في يد الدّهر يشدو ... بالذي شاء دهرهُ من أغاني

قَطَعَ العيشَ بين خوفٍ وأمنٍ ... ورجاءٍ ناءٍ وآخَرَ داني

فتراه حينا يَلجّ به الوج ... دُ وحينا يلوذ بالسُّلوان

وتراه يَسيل كالماء لطفا ... وتراه كالنار في الثَّوَران

صامتٌ وهو لا يِني عن حديثٍ ... مطمئنٌ في ثَوْرَةِ البرْكان

يا لسلطاِنه القويَِّ ولا شَيْ ... ء عليه في الأرض ذو سلطان

لا تلمني إذا تبعتُ هواه ... هو بعضي وآخِذٌ بعِناني

كم حداني إلى هوًى لم يَدَعني ... فيه أُصِغي لفكرتي وَجناني

قادني للهوى ولو كان يدري ... ما يلاقيه في الهوى لنهاني

لَجَّ فيه فكان شرّا عليه ... ليتني قد عصيته إذ عصاني

عَصَفَ الحُبُّ بالقلوب فقلب الْ ... لَيْث في حرِبه كقلب الجبان

مُضْغةٌ في الضلوع يؤلمها المَسُّ ... غدت نهبةً لصَرف الزّمان

فوق موجِ الآلام تذهب حَيْرَى ... كسفين تسرِى بلا رُبّان

فهي بين الأحزان تفَنَى ويحييها ... خيالُ التعليل والنَّسيان

جَل من صاغَها مُيولا وأهوا ... ءً ولم يَعْدُ طينةَ الإنسان

وبَرها من الملائكُ نُورا ... تتراءى في صورة الجُثْ فهي بين الضّلوعِ لا تملأ الكفَّ ... وفيها صحيفةُ الأكوان

موعظة الغاب!

للأستاذ خليل هنداوي

رحتُ للغاب، عليِّ أتسلى ... عن حظوظ ساءت بمرأى الغاب

هائم الروح في ضواحيه، ناس ... حزني، حاسد طيور الروابي

تملأ الجو بالغناء، ونفسي ... لحنها لحن شقوة واكتئاب

والأزاهير ناشرات شذاها ... في ربيع من الهوى والشباب

قلت يا روحيَ الكئيب تعزَّىْ ... واستراح، يا فؤاد، بعد العذاب

وانف عني يا غاب بعض شقائي ... وأرِحْ عانياً من الأتعاب

قال ليْ الغاب وهو يسخر مني ... والصدى كان منه رجع جوابي:

(أنا أشكو الذي تشكَّيت منه ... من قضاء يرمي بِزرُق الحراب)

(لا سلام - كما تصورت - عندي ... كلنا في تنازع وغلاب)

(لا يغرنْك ما ترى من سكون! ... ضمَّ هذا الكون كل اضطراب)

(ذاك معنى الحياة في كل صُقع ... من لحوم النعاج قوتُ الذئاب)

(لا تغرنْك زهرة في ربوعي ... تتسامى فوَّاحة الاطياب)

(لا يغرنْك طائر راح يشدو ... في الروابي بلحنه المطراب)

(فارتقب! هل ترى يُتمّ غناه؟ ... والقضاء القاسي له في ارتقاب)

(لو تأملتَ في ربوعي لأبصر ... ت نضالا في الطير والأعشاب)

(كم زهور راحت ضحايا زهور! ... وعقاب فريسة لعقاب؟)

(فصراع الحياة فوق التراب ... وصراع الحياة تحت التراب)

قلت يا غاب! ما رأيتك تشكو ... أنت راض عن القضاء المرابي

قال هل تنفع الشكاة فأشكو ... قَدر لا يرى طريق الصواب!

فتعلم مثلي السكوت فأني ... قاهر بالسكوت كل مصاب

أعطه ما يريد، فهو عنيد ... لا يُداري، وفز ببعض الرغاب عدتُ والهم عالق بفؤادي ... عدت والغاب زاد في أوصابي

فتراني - إذا رأيت - صموتاً ... فتخال الهناء ملء إهابي

غير أني واريت بالصمت همي ... وبقلبي دفنت صمت الغاب

دير الزور

خليل هنداوي