مجلة الرسالة/العدد 201/رسالة النقد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 201/رسَالة النقد

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 05 - 1937



إسماعيل المفترى عليه

تأليف القاضي بيير كربتيس

وترجمة الأستاذ فؤاد صروف

للأستاذ الغنيمي

- 4 -

نحب أن نبدأ هذه الكلمة بالإشارة إلى غلطة هامة من أغلاط الفصل الثالث وهي قول الأستاذ صروف إن إسماعيل كان (يستقبل ولديه وأحدهما الآن رئيس المجلس الخاص والآخر وزير المالية والحربية والأشغال العمومية، وبذلك جعل لإسماعيل ولدين وهو غير صحيح، وجعل واحداً منهما رئيس المجلس المخصوص، وجعل الثاني وزيراً للمالية والحربية والأشغال العمومية مجتمعة، فهل تأكد الأستاذ صروف حين كتب ذلك أن وزارات المالية والحربية والأشغال كانت كلها مجتمعة لوزير واحد من أبناء إسماعيل؟ إذا كان البحث قد دله ذلك فأراد أن يصحح قول المؤلف فلماذا لم يشر إلى ذلك صراحة وإذا لم يكن فلماذا غير قول المؤلف

, ,

ولو كانت وزارات المالية والحربية والأشغال العمومية اجتمعت كلها لوزير واحد من أبناء إسماعيل لما قال المؤلف بصيغة الجمع ولعله ظن أن لفظ لا يستعمل إلا للإشارة إلى اثنين ونحن نقول إنه للإشارة للجمع كما يستعمل للإشارة إلى المثنى.

ننتقل بعد ذلك للفصل الرابع فنقول إن حظه من الحذف والتغيير كحظ الفصول الثلاثة السابقة. ولقد أحصينا فيه أكثر من خمسين غلطة مختلفة الأنواع نكتفي بذكر أمثلة منها:

(1) قال المؤلف يصف موقف وزارة الخارجية البريطانية من مشروع قناة السويس:

, ,

لم يترجم الأستاذ صروف هذه العبارة كلها إلا بقوله: (وعليه شرعت وزارة الخارجي البريطانية في تحريض الباب العالي واستفزاز همته) وأين هذا من قول المؤلف (وكذلك أخذت دوننج استريت تضغط على الباب العالي مدفوعة إلى ذلك بهذا الباعث الذي ذكرناه وإن كانت في الوقت نفسه قد بقيت مخلصة كل الإخلاص لإسماعيل لأن العمل الذي قامت به يتفق مع خططهما المشتركة

(2) وقال المؤلف عن فرديناند دلسبس:

ولكن الأستاذ صروف أغفل الجملتين وأولاهما على الأقل ذات معنى جديد لم يشر إليه من قبل وهو إن حبه فرنسا مما يشرفه ويعلي من قدره.

(3) وقال المؤلف يصف الوزير المصري نوبار باشا:

,

فقال الأستاذ صروف مترجماً هذه العبارة (على أن نوبار باشا لم يكن ممن يسهل إهانتهم وعدم الاعتداد بهم، وبذلك أضاف من عنده لفظ الإهانة وهو عمل لا يليق وحذف في نظير إضافتها الجملة الثانية كأن المترجم يجوز له إذا أضاف من عنده عبارة أن يحذف في نظير ذلك عبارة أخرى. ومعنى العبارة الإنجليزية: (أن الوزير المصري لم يكن ممن يسهل إغفالهم (أو الاستهانة بأمرهم إذا شاء) من غير أن يقابلوا هذا العمل بمثله فلم يسعه إلا أن يهاجم خصومه كما هاجموه).

(4) وقال المؤلف:

. .

فترجم الأستاذ صروف هذا كله بقوله (وعليه)

(5) وقال المؤلف يصف ما لقيه إسماعيل من الصعاب في موقفه بين فرنسا وإنجلترا:

. .

فترجم الأستاذ صروف ذلك بقوله (وكان سمو الخديو. . . مضطراً إلى السير بحكمة بين رغبات فرنسا التي كانت تدافع عن امتياز دلسبس) نحن لا نحتم على الأستاذ أن يترجم إلى قراء العربية ولا نحتم عليه أن يشير إليهما إشارة بسيطة في هامش الكتاب، ولو فعل لجمل بذلك ترجمته لأن القصص اليوناني القديم أصبح قصصاً عالمياً ولا مانع من أن يشار إليه في الكتب العربية، ولكننا كنا ننظر منه أن يترجم العبارة الأخيرة التي وصف بها المؤلف الامتياز. ولو قال (وكان على الوالي أن يتبين طريقه بين ثلاث قوى شديدة الخطر أولها فرنسا التي كانت تناضل عن امتياز أسس على الصداقة القوية بين سعيد ودلسبس فكان لذلك مجحفاً بحق مصر. . . الخ

15

لم ير الأستاذ صروف في هذه العبارة ما يستحق الترجمة وإلا فلماذا أغفلها؟

(7) وقال المؤلف مشيراً إلى بيع حصة مصر في أرباح القناة

قيل في ترجمة هذه العبارة من أولها إلى آخرها (وكان المسيو بلنيير والماجور بارنج هما الموكول إليهما تصريف الأمور في مصر عندما جمعت مصر) فهل هذا هو كل ما قاله المؤلف، أو أن الباقي لا يستحق أن يترجم؟

(8) ومن العبارات التي اقتضت أو لخصت بعض معانيها كل الفقرة الواردة في ص61 من كتاب الأستاذ صروف وفي ص59 من الأصل الإنجليزي. وقد تركت من هذا التلخيص عدة معان. ولما كان إيراد الأصل والترجمة يشغل نحو صحيفة من صحف الرسالة فأنّا نكتفي بالإشارة إليها ليرجع إليها القارئ إن شاء

(9) ثم نرجو أن ينظر القارئ معنا إلى العبارة الإنجليزية الآتية والى ترجمة الأستاذ صروف ليرى الفرق بين المعنيين قال المؤلف

, , , - , ,. .

وقال الأستاذ صروف في ترجمتها (ولو أدركها يومئذ ما أتهم إسماعيل بأنه لم يترك لمصر عند تنزله عن العرش أية حصة من أرباح ترعة السويس. والشيء الوحيد الذي كان يحق لملنر أن يفعله هو أن يقف بيانه وعارضته على أن. . .) أن الجملة الأخيرة في هذه العبارة وهي قول الأستاذ صروف (والشيء الوحيد الذي كان يحق لملنر أن يفعله) بعيدة كل البعد عن الأصل الإنجليزي الذي معناه (ونظن أنه لو وجه نظره إلى ذلك لوقف بيانه وعارضته على إثبات أن. . .) ويظهر أن الأستاذ صروف قد فاته أن هذه الجملة هي جواب ثان للشرط الوارد في أول الجملة الأولى وهي ولو نبه اللورد ملنر إلى ذلك أو ولو أدركها كما يقول المترجم. فليس هناك إذن شيء يحق لملنر أن يفعله.

(10) وهذه الغلطة نفسها أي عدم انتباه الأستاذ صروف إلى وجود جواب شرط ثالث جعله يقطع الجملة الآتية من سابقاتها ويغير معناها تغييراً كلياً قال (على أن الهفوة التي ارتكبتها تلك اللجنة في مارس سنة 1880 كانت عظيمة جداً إلى حد أنها لم تجد مناصاً من إلقاء اللوم على الخديو المعزول) مع أن معنى هذه العبارة الحقيقي: (ولو وجه نظره إلى ذلك لحاول من غير شك محاولة جدية أن يلقي اللوم على الأمير المنفي لأن الغلطة التي ارتكبت في مارس سنة 1880 كانت غلطة شنيعة) ولذلك قلنا في مقالنا الأول إن إدراك العلاقة القائمة بين الجمل الإنجليزية شرط أساسي للترجمة الصحيحة.

(11) وإلى القارئ مثال صغير من عدم التدقيق. قال المؤلف على لسان إسماعيل

فأضاف الأستاذ لفظ والأرجح في ترجمته لهذه العبارة مع أن المؤلف يقول (إن هذه الأسهم لن تدر على أي ريح) بصيغة التأكيد. إن لفظاً واحداً يزيد أو ينقص يكفي في بعض الأحيان لتغيير المعنى.

(12) قال المؤلف ينتقد عمل المراقبة الثنائية

, ,

فلم ير الأستاذ في هذا المعنى شيئاً يصح أن يترجم

(13) قال الأستاذ في ص65 من الترجمة (وعند ما أرغم ذلك العاهل على التنزل عن عرشه في سنة 1879 كان الماجور يارنج هو المراقب البريطاني العام وصاحب السلطة المطلقة في لجنة المراقبة الثنائية.)

وكلمة كان في هذه الجملة كلمة مشئومة أفسدت المعنى لأن تارنج لم يكن مراقباً عاماً وقت خلع إسماعيل والمؤلف يقول:

. . 1879

ولقد كان عدم الدقة في ترجمة كلمة هو السبب في هذا الخطأ التاريخي

(14) قال المؤلف تعليقاً على التهم التي وجهها ملنر إلى إسماعيل باشا فترجم الأستاذ صروف ذلك بقوله:

فهذا القول يدل على أن للمسألة وجهة أدبية. والمعنى الحقيقي لهذه العبارة هو (أن هذا الاتهام يطرح الأمور المالية جانباً ويضع أمامنا مسألة أخلاقية)

(15) يشير المؤلف في ص65 في الأصل الإنجليزي إلى ما استخلصه إسماعيل من شركة القناة وما أنفق من مال للدفاع عن الفلاح ويقول أنه لو وجد ناقد لكتاب لورد ملنر لتجلت للناس حقيقة هذا العمل المجيد.

ولو وجد هذا الناقد أيضاً للفت نظر الناس إلى أن استرداد ستين ألف هكتار من أرض مصر الزراعية من براثن شركة القناة لم يكن من الأعمال المزرية. . . الخ)، ولكن الأستاذ صروف قد فاتته هنا أيضاً ارتباط الجمل بعضها وإن الجملة السابقة هي أيضاً جواب شرط ثان للجملة التي قبلها في آخر الفقرة السابقة

فقال في ترجمتها (وكان يجدر باللورد ملنر أن يذكر حسنة أخرى من حسنات إسماعيل وهي استنقاذه ستين ألف هكتار من الأراضي الزراعية من بين مخالب الشركة وهي مجمدة لا يجوز إغفالها) والفرق شاسع بين ما قاله المؤلف وما قاله الأستاذ صروف لأن المؤلف يقول:

نقول مرة أخرى أن إدراك العلاقة بين الجمل شرط أساسي للترجمة الصحيحة.

(15) 16 , 000 , 000 , 10 , 000 , 000

هذه المسألة الحسابية لم يعن الأستاذ بترجمتها

(16) وإلى القارئ مثل من الاضطراب في العبارة يحار بسببه القارئ في فهم المعنى. قال الأستاذ صروف:

(فإذا نظرنا إلى ذلك الامتياز باعتبار الأراضي الخصبة الآهلة بالسكان التي نشأت على ضفافها وباعتبار أنها تقوم بحاجات المدن ومقتضيات الري كانت قيمتها أعظم مما قدرت به يومئذ بحيث إذا أردنا أن نحكم على إسماعيل من وجهة علاقته بشركة السويس حكماً منصفاً لم يكن لنا بد من تقدير هذه القيمة. على أن محاسبتنا لإسماعيل في هذا المقام هي من الوجه الأدبي، وعليه فيكاد يكون من المعتذر تقدير الخدمة التي أسداها ذلك العاهل إلى بلاده.

أيدري القارئ حقيقة ما يريد أن يقوله المؤلف. أنه يريد أن يقول: (وهذا الامتياز وهو حق الشركة في أن تورد الماء إلى مجتمع غني كبير العدد مطرد النماء ليستخدمه في حاجات المدن وفي شؤون الري، هذا الامتياز يساوي الآن أضعاف المبلغ الذي يقوم به. ولو كنا نريد أن نضع أمام القارئ الحساب الختامي لعلاقة إسماعيل المالية بقناة السويس لوجب علينا أن نضع بدل هذا القدر المجهول رقماً حقيقياً معلوماً، لكن بحثنا الآن مقصور على تلك الآثار التي لا تدركها الحواس والتي تسمى بالعوامل الأخلاقية، فإذا نظرنا إلى المسألة من هذه الوجهة كان من المستحيل أن نغلو في تقدير فضل إسماعيل في الاحتفاظ بهذا المرفق العام الخطير خالصاً لمصر).

ونكتفي بهذا عن ذكر العبارة الإنجليزية لأنها طويلة تشغل كثيراً من فراغ هذه الصفحات القليلة التي تسمح لنا بها هذه المجلة. ونحن نؤكد للقراء أن هذه الترجمة الأخيرة تكاد تكون ترجمة حرفية للأصل الإنجليزي.

(16) قال المؤلف عن النزاع القائم في الولايات المتحدة بين مصلحة الأمة والمصالح المكتسبة لشركات الاحتكار

فترجم الأستاذ صروف ذلك بقوله (فالكفاح ضدها هو كفاح في سبيل الخير العام) والمؤلف يقول: أن (الكفاح القائم هناك كفاح بين الصالح العام والحقوق المكتسبة)

نكتفي اليوم بهذا القدر لنبدأ بذكر أغلاط الفصل الخامس في العدد القادم إن شاء الله

(الغنيمي)