لا بر في الحب يا أهل الهوى قسمي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

لا برَّ في الحبِّ يا أهلَ الهوى قسمي

​لا برَّ في الحبِّ يا أهلَ الهوى قسمي​ المؤلف ابن معتوق


لا برَّ في الحبِّ يا أهلَ الهوى قسمي
وَلاَ وَفَتْ لِلْعُلَى إِنْ خُنْتُكُمْ ذِمَمِي
وإن صبوتُ إلى الأغيارِ بعدكمُ
فَلاَ تَرَقَّتْ إِلى هَامَاتِهَا هِمَمِي
وَإِنْ خَبَتْ نَارُ وَجْدِي بِالسُّلُوِّ فَلاَ
وَرَّتْ زِنادِي وَلاَ أَجْرَى النُّهَى حِكَمِي
ولا تعصفرَ لوني بالهوى كمداً
إِنْ لَمْ يُوَرِّدْهُ دَمْعِي بَعْدَكُمْ بِدَمِي
وَلاَ رَشَفْتُ الْحُمَيَّا مِنْ مَرَاشِفِهَا
إِنْ كَانَ يَصْفُو فُؤَادِي بَعْدَ بُعْدِكُمِ
وَلاَ تَلَذَّذْتُ فِي مُرِّ الْعَذَابِ بِكُمْ
إِنْ كَانَ بَعْذُبُ إِلاَّ ذِكْرُكُمْ بِفَمِي
خلعتُ في حبكم عذري فألبسني
تجرّدي في هواكم خلعةَ السقمِ
ما صرتُ بالحبِ بينَ الناسِ معرفةً
حتى تنكّرَ فيكم بالضّنى علمي
لَقَدْ قَضَيْتُمْ بِظُلْمِ الْمُسْتَجِيرِ بِكُمْ
وَيْلاَهُ مِنْ جَوْرِكُمْ يَا جِيرَةَ الْعَلَمِ
أَمَا وَسُودِ لَيَالٍ في غَدَائِرِكُمْ
طالت عليَّ فلم أصبح ولم أنمِ
لولا قدودُ غوانيكم وأنملها
ما هزَّ عطفي ذكرُ البانِ والعلمِ
كلا ولولا الثنايا من مباسمكم
ما شاقني بالثنايا بارقُ الظلمِ
يَا جِيرَةَ الْبَانِ لابِنْتُمْ وَلاَ بَرِحَتْ
تبكي عليكم سوراً أعينُ الدّيمِ
ولا انجلى عنكمُ ليلُ الشبابِ ولا
أفلتمُ يا بدورَ الحيِّ من إضمِ
مَا أَحْرَمَ النَّوْمَ أَجْفَانِي وَحرَّمَهُ
إلا تغيّبكم يا حاضري الحرمِ
غِبْتُمْ فَغَيَّبْتُمُ صُبْحِي فَلَسْتُ أَرَى
إلا بقايا ألمّت فيه من لممي
صَبْراً عَلَى كُلِّ مُرٍّ في مَحَبَّتِكُمْ
يا أملحَ الناسِ ما أحلى بكم ألمي
رِفْقاً بِصَبٍّ غَدَتْ فِيكُمْ شَمَائِلُهُ
مشمولةً منذُ أخذِ العهدِ بالقدمِ
حليفِ وجدٍ إذا هاجت بلابلهُ
ناجى الحمامَ فداوى الغمَّ بالنَّغمِ
يَشْكُو الظَّمَا فَإِذَا مَا مَرَّ ذِكْرُكُمُ
أَنْسَاهُ ذِكْرَ وُرُودِ الْبَان وَالْعَلَمِ
حَيُّ الْهَوَى مَيِّتُ السُّلْوَانِ ذُو كَبِدٍ
مَوْجُودَةٍ أَصْبَحتْ فِي حَيِّزِ الْعَدَمِ
خَافَ الرَّدَى مُنْذُ جَرَّتْ سُودُ أَعْيُنِكُمْ
بيضُ الظبى فاستجارت روحه بكمِ
الله فيها فقد حلّت جواركمُ
والبرُّ بالجارِ من مستحسنِ الشيمِ
لمَّا إليكم ضلالُ الحبِّ أرشدها
ظلَّت لديكم بظلِّ الضَّالِ والسّلمِ
يا حبذا لكَ من عيشِ الشبيبةِ والـ
ـدَّهْرُ الْعَبُوسُ يُرِينَا وَجْهَ مُبْتَسِمِ
فَيَا رَعَى اللهُ سُكَّانَ الْحِمَى وَحَمَى
حيَّ الحجونِ وحيَّاهُ بمنسجمِ
وَحَبَّذَا بِيضُ لَيْلاَتٍ بِسَفْحِ مِنىً
كانت قصاراً فطالت منذُ بينهمِ
أَكْرِمْ بِهِمْ مِنْ سَرَاةٍ في شَمَائِلِهِمْ
قد صيَّروا كلَّ حرٍّ تحتَ رقِّهمِ
رُمَاةُ غُنْجٍ لأسْبَابِ الرَّدَى وُسِمُوا
باسمِ السّهام وسمّوها بكحلهمِ
صبحُ الوجوهِ مصابيحٌ تظنّهمُ
زَرُّوا الْجُيُوبَ عَلَى أَقْمَارِ لَيْلِهِمِ
إِذا اكْتَسَى اللَّيْلُ مِنْ لأْلاَئِهِمْ ذَهَباً
أجرى السرابَ لجيناً فوقَ أرضهمِ
كَأَنَّ أُمَّ نُجُومِ الأُفْقِ مَا وَلَدَتْ
أنثى ولاذكراً إلا بحيّهمِ
أو أنَّ نسرَ الدّجى بيضاتهُ سقطت
لِلأْرْضِ فَاسْتَحْضَنَتْهَا في خُدُورِهِمِ
لانت كلين القنا قاماتهم وحكت
أَجْفَانُ بِيضِهمِ أَجْفَانَ بِيضِهِمِ
تَقَسَّمَ الْبَأْسُ فِيهِمْ والْجَمَالُ مَعاً
فَشَابَهَ الْقِرْنُ مِنْهُمْ قَرْنَ شَمْسِهِمِ
تناطُ حمرُ المنايا في حمائلهم
وسُورُهَا كائِنات في جفونِهِمِ
مُفَلَّجَاتٌ ثَنَايَاهُمْ حَوَاجِبُهُمْ
مقرونةٌ بالمنايا في لحاظهمِ
كُلُّ الْمَلاَحَةِ جُزْءٌ مِنْ مَلاَحَتِهِمْ
أصلُ كلِّ ظلامٍ من فرعهمِ
وَأطُولَ ليلي وَوَيْلِي في ذَوَائِبِهِمِ
وَرِقَّتِي وَنُحُو لي في خُصُورِهِمِ
إنَّ النّفوسَ التي تقضي هوىً وجوىً
فِيهِمْ لأَوْضَحُ عُذْراً مِنْ وجوهِهِمِ
غُرٌّ عَنِ الدُّرِّ لَمْ تَفْضُلْ مَبَاسِمَهُمْ
إلا سجايا رسولِ اللهِ ذي الكرمِ
مُحَمَّدٍ أَحْمَدَ الْهَادِي الْبَشِيرِ وَمَنْ
لَوْلاَهُ في الْغَيِّ ضَلَّتْ سَائِرُ الأُمَمِ
مُبَارَكُ الإِسْمِ مَيْمُونٌ مَآثِرُهُ
عَمَّتْ فآثارُهَا بِالْغَوْرِ وَالأَكَمِ
طَوْقُ الرِّسَالَةِ تَاجُ الرُّسْلِ خَاتِمُهُمْ
بَلْ زِينَةٌ لِعِبَادِ اللهِ كُلِّهِمِ
نورٌ بدا فاجلى همُّ القلوبِ بهِ
وزالَ ما في وجوهِ الدّهرِ من غممِ
لَوْ قَابَلَتْ مُقْلَةَ الْحِرْبَاءِ طَلْعَتُهُ
ليلاً لردَّ إليها الطّرفَ وهوَ عمي
تَشْفِي مِنَ الدَّاءِ والْبَلْوَاءِ نِعْمَتُهُ
وَتَنْفُخُ الرُّوحَ في الْبَالِي مِنَ الرِّمَمِ
كم أكمهٍ برئت عيناهُ إذ مسحت
من كفّهِ ولكم بالسّيفِ قدُّ كمي
وكم لهُ بسنينِ الشّهبِ عارفةٌ
قَدْ أَشْرَقَتْ في جِبَاهِ الأَلْيُلِ الدُّهُمِ
لطفٌ من اللهِ لو خُصَّ النّسيمُ بما
فِيهِ مِنَ اللُّطْفِ أَحْيَا مَيِّتَ النَّسَمِ
على السّمواتِ فيهِ الأرضُ قد فخرت
وَالْعُرْبُ قَدْ شَرُفَتْ فيهِ عَلَى الْعَجَمِ
سرّت بمولدهِ أمُّ القرى فنشا
في حجرها وهو طفلٌ بالغُ الحلمِ
سيفٌ بهِ نسخُ التوراةُ قد نُسخَت
وآيةُ السَّيفِ تمحو آيةَ القلمِ
يَغْشَى الْعِدَا وَهْوَ بَسَّامٌ إِذَا عَبَسُوا
والموتُ في ضحكات الصارمِ الخذمِ
يفترُّ للضّربِ عن إيماضِ صاعقةٍ
وَلِلنَّدَى عَنْ وَمِيضِ الْعَارِضِ الرَّذِمِ
إِذَا الْعَوَالِي عَلَيْهِ بِالْقَنَا اشْتَبَكَتْ
ظَنَنْتَ فِي سَرْجِهِ ضِرْغَامَةَ الأُجُمِ
قد جلَّ عن سائرِ التشبيهِ مرتبةً
إذ فوقهُ ليسَ إلا الله في العظمِ
شَرِّفْ بِتُرْبَتِهِ الْعِرْنِينَ مُنْتَشِعاً
فَشَمُّ تُرْبَتِهِ أَوْفَى مِنَ الشَّمَمِ
هُوَ الْحَبِيبُ الَّذي جُنِّنْتُ فِيهِ هَوىً
يا لائمي في هواهُ كيفَ شئتَ لمِ
أرى مماتي حياتي في محبّتهِ
ومحنتي وشقائي أهنأ النّعمِ
أَسْكَنْتُهُ بِجَنَانِي وَهْوَ جَنَّتُهُ
فأثلجت فيه أحشائي على ضرمِ
عَيْناً تُهَوِّمُ إِلاَّ بَعْدَ زَوْرَتِهِ
عَدِمْتُهَا وَفُؤَاداً فِيهِ لَمْ يَهِمِ
واهاً على جرعةٍ من ماءِ طيبةَ لي
يُبَلُّ في بَرْدِهَا قَلْبٌ إِليهِ ظَمِي
للهِ روضةُ قدسٍ عندَ منبرهِ
تعدُّها الرُّسلُ من جنّاتِ عدنهمِ
حَدِيقَةٌ آسُهَا التَّسْبيحُ نَرْجِسُهَا
وَسْنَى عُيُونِ السَّهَارَى في قِيَامِهِمِ
تَبْدُو حَمَائِمُهَا لَيْلاً فَيُؤْنِسُهَا
رَجْعُ الْمُصَلِّينَ في أَوْرَادِ ذِكْرِهِمِ
قَدْ وَرَّدَتْ أَعْيُنُ الْبَاكِينَ سَاحَتَهَا
ونوَّرت جوّها نيرانُ وجدهمِ
كفى لأهلِ الهوى شبَّاكه شبكاً
فكم بهِ طائراتٌ من قلوبهمِ
نبيُّ صدقٍ بهِ غرُّ الملائكِ لا
تَنْفَكُّ طَائِفَةً مِنْ أَمْرِ رَبِّهِمِ
وَالرُّسْلُ لَمْ تَأْتِهِ إِلاَّ لِتَكْسِبَ مِنْ
سَنَاهُ أَقْمَارُهُمْ نُوراً لِتِمِّهمِ
فِيهِ بَنُو هَاشِمٍ زَادُوا سَناً وَعُلاً
فكانَ نوراً على نورٍ لشبهممِ
أُصُولُ مَجْدٍ لَهُ في النَّصْرِ قَدْ ضَمِنُوا
وُصُولَهُمْ للأعادِي فِي نُصُولِهِمِ
زهرٌ إلى ماءِ علياءٍ بهِ انتسبوا
أَمْسَوْا إِلَى الْبَدْرِ وافَى الشُّهْبَ بِالرُّجُم
مَنْ مِثْلُهُمْ وَرَسُولُ اللهِ وَاسِطَةٌ
لِعِقْدِهِمْ وَسِرَاجٌ في بُيُوتِهِمِ
ما زالَ فيهم شهابُ الطورِ متّقداً
حتى تولّد شمساً من ظهورهمِ
قد كان سراً فؤادٌ الغيبِ يضمرهُ
فضاقَ عنهُ فأضحى غير مكتتمِ
هواهُ ديني وإيماني ومعتقدي
وحبُّ عترتهِ عوني ومعتصمي
ذُرّيَّةٌ مِثلُ مَاءِ الْمُزْنِ قَدْ طَهُرُوا
وطهّروا فصفت أوصاف ذاتهمِ
أَئِمَّةٌ أَخَذَ اللهُ الْعُهُودَ لَهَمْ
عَلَى جَمِيعِ الوَرَى مِنْ قَبْلِ خَلْقِهِمِ
قَدْ حَقَّقَتْ سُورَةُ الأحْزَابِ ما جَحَدَتْ
أَعْدَاؤُهُمْ وَأَبَانَتْ وَجْهَ فَضْلِهِمِ
كفاهمُ ما بعمى والضّحى شرفاً
والنُّورِ والنَّجْمِ مِنْ آي أتَتْ بِهِمِ
سلِ الحواميم هل في غيرها نزلت
وهل أتى هل أتى إلّا بمدحهمِ
أكارمٌ كرمت أخلاقهم فبدت
مِثْلَ النُّجُومِ بِماءٍ في صَفَائِهِمِ
أطايبٌ يجدُ المشتاقُ تربتهم
ريحٌ تدلُّ على ذاتيِّ طيبهمِ
كَأَنَّ مِنْ نَفَسِ الرَّحْمنِ أَنْفُسَهُمْ
مخلوقةٌ فهو مطويٌّ بنشرهمِ
يَدْرِي الْخَبِيرُ إذَا مَا خَاضَ عِلْمَهُمُ
أيُّ البحورِ الجواري في صدورهمِ
تَنَسَّكُوا وَهُمُ أُسْدٌ مُظَفَّرَةٌ
فاعجب لنسكٍ وفتكٍ في طباعهمِ
عَلَى الْمَحَارِيبِ رُهْبَانٌ وإِنْ شَهِدُوا
حَرْباً أَبَادُوا الأَعادِي في حِرَابِهِمِ
أينَ البدورَ وإن تمَّت سنىً وسمت
مِنْ أَوْجُهٍ وَسَمُوهَا في سُجُودِهِمِ
وأين ترتيلُ عقدِ الدّارِ من سورٍ
قَدْ رَتَّلُوهَا قِيَاماً في خُشُوعِهِمِ
إِذَا هَوَى عَيْنٍ تَسْنِيمٍ يَهُبُّ بِهِمْ
تَدَفَّقَ الدَّمْعُ شَوْقاً مِنْ عُيُونِهِمِ
قاموا الدّجى فتجافت عن مضاجعها
جنوبهم وأطالوا هجرَ نومهمِ
ذَاقُوا مِنَ الْحُبِّ رَاحاً بالنُّهَى مُزِجَتْ
فأَدْرَكُوا الصَّحْوَ في حَالاَتِ سُكْرِهِمِ
تبصّروا فقضوا نخباً وما قبضوا
لذا يُعدُّون أحياءً لموتهمِ
سيوفُ حقٍّ لدين الله قد نصروا
لا يَطْهُرُ الرِّجْسُ إِلاَّ في حُدُودِهِمِ
تالله ما الزهرُ غِبَّ القطرِ أحسنَ من
زهرِ الخلائقِ منهم حينَ جودهمِ
همُ وإياهُ ساداتي ومستندي الـ
ـأَقْوَى وَكَعْبَةُ إِسْلاَمِي وَمُسْتَلَمِي
شُكْراً لآلاَءِ رَبِّي حَيْثُ أَلْهَمَنِي
وَلاَهُمُ وَسَقَانِي كَأْسَ حُبِّهِمِ
لقد تشرّفتُ فيهم محتِداً وكفى
فخراً بأنّي فرعاً من أصولهمِ
أَصبحْتُ أُعْزَى إِلَيْهِمْ بِالنِّجَارِ عَلَى
أَنَّ اعْتِقَادِيَ أَنِّي مِنْ عَبِيدِهِمِ
يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ خُذْ بِيَدِي
فَقَدْ تَحَمَّلْتُ عِبْئاً فِيهِ لَمْ أَقُمِ
أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِمَّا قَدْ جَنَيْتُ عَلَى
ويا خجلي منهُ ويا ندمي
إن لم تكن لي شفيعاً في المعادِ
فمن يجيرني من عذابِ الله والنّقمِ
مولايَ دعوةُ محتاجٍ لنصرتكم
مِمَّا يَسُوءُ وَمَا يُفْضِي إِلَى التُّهَمِ
تَبْلَى عِظَامِي وَفِيهَا مِن مَوَدَّتِكُمْ
هوً مقيمٌ وشوقٌ غيرُ منصرمِ
مَا مَرَّ ذِكْرُكمُ إِلاَّ وَالْزَمَنِي
نَثْرَ الدُّمُوعِ وَنَظْمَ الْمَدْحِ في كَلِمِي
عليكم صلواتُ اللهِ ما سكرت
أرواحُ أهلِ التُّقى في راح ذكرهمِ