كان شفيق لم يزل مختلي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

كانَ شَفيقٌ لم يَزَل مُختَلي

​كانَ شَفيقٌ لم يَزَل مُختَلي​ المؤلف إلياس أبو شبكة


كانَ شَفيقٌ لم يَزَل مُختَلي
في الجِهَةِ اليُسرى من الهَيكَلِ
يُسائِلُ القَلبَ فَلا يَنطِقُ
وَالقَلبُ سِرٌّ في الهَوى يَخفِقُ
فَمذ رَأى فُلَّتَهُ الذاوِيَه
غَلواءَ ذاتَ الكبدِ الدامِيه
قالَ أَفِق يا حُبُّ من هَجعِتك
فَسيِّدُ الآلامِ في بيعَتِك
ثُمَّ دَنا مِنها وَفي مُقلَتِه
دَمعٌ يَطوفُ الحُبُّ في مَوجَتِه
فَاِنتَفَضَت غَلواءُ من ذُعرِها
وَثارَت الأَنفاسُ في صَدرِها
فَقالَ عَفواءً هذِهِ أَدمُعي
تَشفَعُ يا غَلواءُ بي فَاِشفَعي
تَحمِلُ موجاتِها من دَمي
حَديثَ حُبٍّ لَم يَرِد من فَمِ
أَمامَ هذا الهَيكَلِ الأَطهَرِ
أَمامَ عَينِ البائِسِ الأَكبَرِ
وَهذِهِ الأَشِعَّةِ الذائِبَه
من فِلذَةِ الغَزالَةِ الشاحِبَه
أَمام أَوجاعي أَمامَ الأَلَم
أَمام هذا الضُعفِ هذا السَقَم
أَطرَحُ قَلبي لِلهَوى مجمَرَه
فَغَمغَمَت غَلواءُ ما اكفَرَه
وَحَدَّقَت حيناً إِلى المَغرَمِ
وَقَلبُها في صَدرها المظلِمِ
ثمَّ أَمالَت عَينها الساهِيَه
عن عَينه الكَئيبَة الباكِيَه
فَقالَ لا لا تُعرِضي فَالشَقا
أَرادَ يا غَلواءُ أَن أُخلَقا
فَأَيُّ سِرٍّ في دُجاكِ استَتَر
تُفشيهِ عَيناكِ لِهذي الصُوَر
وَلَم يَكَد يَصمُتُ حَتّى سَجَد
قُدسُ الهَوى ما ذَلَّ فيه أَحد
كَأَنَّ في مُقلَتها هَيكَلَه
يَرى عَلَيهِ سَيِّدَ الجَلجَله
وَقالَ غَلواءُ هنا مَعبَدي
في صَدرِك المُنطَفىءِ الموقَدِ
وَصادَفَت مُقلَتُهُ المَذبحا
عَلَيهِ ذَيلٌ من شُعاعِ الضُحى
قالَ اِشهَدي إِنَّ الهَوى يَشهَدُ
يا صورَةً لِمَريَمٍ تُعبَدُ
الحُبُّ نيرانٌ تُنيرُ السَما
فَتُرسِلُ النورَ لنا كُلَّما
أَشِعَّةٌ من مُقلَةِ الخالِقِ
تَذوبُ في الاِكبادِ من حالِقِ
وَاللَهُ ما أَبدَعَ قَلبَ البَشَر
حَتّى يَظَلَّ خامِداً كَالحَجَر
قالَ لَها قَلبُكِ ما أَفجَعَه
أَلِلَّهَ ما أَقساهُ ما أَوجَعَه
أَوَدُّ أَن أَحني لَهُ أَضلُعي
قَوساً من الحُبِّ فَيَبقى مَعي
أَوَدُّ أَن أَفرُشَ عَينَيَّ لَه
هذا دَمعي أَوَدُّ ان يَأكُلَه
لَيسَ الهَوى يا أُختَ روحي سوى
قُربانَةِ الاِرواحِ لَيسَ الهَوى
وَغادَرتُهُ في اسمىً موغِلِ
من مُشكِلٍ يُزَجى الى مُشكِلِ
فَقالَ هذا الحُبُّ من أَنزَلَه
فَرَنَّ في مِسمَعِهِ المهزَلَه