صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/142

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
- ۱۲۸ -


نزل إنجلترا وقابل كثيراً من عظمائها ، منهم توماس كارليل ، وقد حدثه « السيد » طويلا في محمد صلى الله عليه وسلم، ولعله كان لذلك أثر محمود في كتابة «كارليل » الفصل البديع عن محمد البطل في كتابه « الأبطال » ، وأخذ « السيد » يدرس نظم التربية فى إنجلترا، ولفت نظره تربية الإنجليز للشعب أكثر مما لفت نظره تربيتهم للخاصة من المتعلمين . لقد دون إعجابه بخادمة المنزل تقرأ وتكتب ، وبربة المنزل لها رأى فى السياسة العامة . وبالحوذى يقرأ الجريدة ويحتفظ بها ليتم قراءتها عند انتظار راكب ، ونادى إذ ذاك بفكرته المتغلبة على ذهنه قائلا : « إن الذين يريدون إصلاح الهند الحقيقى يجب أن يجعلوا نُصب أعينهم نقل العلوم والفنون والآداب الأوربية إلى لغة البلاد الأصلية ، وأحب أن يُكتب هذا الرأى بأحرف كبيرة جدا على جبال الهملايا لتذكره الأجيال القادمة . إن تقدم الغربيين إنما جاء من أنهم عالجوا الآداب والعلوم بلغتهم ، ولو كانت العلوم والفنون تعلم في إنجلترا باللغة اللاتينية أو اليونانية أو العربية أو الفارسية لظلوا جاهلين جهل الهند ، فما لم نهضم العلوم والفنون وتتمثلها بلغتنا فسنظل في حالتنا السيئة »

ولعل قارئ هذا يطفر ذهنه - إذا قرأ هذا النداء - إلى حالة البلاد العربية ، ويقول كما قال «السيد أحمد»: مالم تتوحد اللغة العربية والعامية في الأمم العربية وتنتقل العلوم والفنون إلى لغة الناس التي يتكلمون بها في بيوتهم وشوارعهم ومعاملاتهم وسمرهم ، فلا أمل في إصلاح حقيقى . ورحم الله أستاذي «على بك فوزى» فقد زرته فى الآستانة وجلست معه جلسات طويلة ، أستفسر فيها عن ثورة تركيا ونتائجها ومحاسنها ومساويها ، فقال لي مرة : حبذا لو تعلتم التركية لا لأن أدبها رفيع المقام ، ولكن لتروا كيف استخدم الأتراك لغتهم وآدابهم لإصلاح عقولهم وشؤونهم » . وعقّب على ذلك فقال : « لا أمل في إصلاح مصر مادام هناك لغة للعلم ، ولغة للكلام ، فإما أن ترقى لغة الكلام ، وإما أن تنحط