صحا القلب لولا نسمة تتخطر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

صحا القلب لولا نسمة ٌ تتخطر

​صحا القلب لولا نسمة ٌ تتخطر​ المؤلف ابن نباتة المصري


صحا القلب لولا نسمةٌ تتخطر
ولمعةُ برق بالغضا تتسعّر
وذكر جبين البابلية إذ بدا
هلال الدجى والشيء بالشيء يذكر
سقى الله أكناف الغضا سائل الحيا
وإن كنت أسقى أدمعاً تتحدر
وعيشاً نضا عنه الزمانُ بياضه
وخلفه في الرأس يزهو ويزهر
تغير ذاك اللون مع من أحبه
ومن ذا الذي يا عزّ لا يتغير
و كان الصبي ليلاً وكنت كحالمٍ
فيا أسفي والشيبُ كالصبح يسفر
يعللني تحت العمامة كتمه
فيعتاد قلبي حسرة حين أحسر
و ينكرني ليلي وما خلت أنه
إذا وضع المرء العمامةَ ينكر
ألا في سبيل الله صوم عن الصبي
وقلب على عهد الحسان مفطر
تذكرت أوطانَ الوصالِ فأشهبٌ
من الدمع في ميدان خدي وأحمر
إذا لم تفض عيني العقيق فلا رأت
منازله بالوصل تبهى وتبهر
و إن لم تواصل غادة السفح مقلتي
فلا عادها عيشٌ بمغناه أخضر
ليالي تجني الحسن في أوجه الدمى
وتجني على أجسامها حين تنظر
يؤثر في خد المليحة لحظها
وإن كان في ميثاقها لا يؤثر
رأيت الصبي مما يكفر للفتى
ذنوباً اذا كان المشيب يكفر
إذا حل مبيضّ المشيب بعارضٍ
فما هو الا للمدامعِ ممطر
كأني لم أتبع صبي وصبابة
خليع عذارٍ حيثما همت أعذر
و لم أطرق الحي الخصيب زمانه
يقابلني زهرٌ لديه ومزهر
و غيداء أما جفنها فمونث
كليلٌ وأما لحظها فمذكَّر
يروقك جمعُ الحسن في لحظاتها
على أنه بالجفنِ جمعٌ مكسر
من الغيد تحتف الظبا بحجابها
ولكنها كالبدر في الماء يظهر
يشفّ وراء المشرفية خدها
كما شفَّ من دون الزجاجة مسكر
و لا عيبَ فيها غير سحر جفونها
وأحبب بها سحارة حين تسحر
إذا جردت من بردها فهي عبلةٌ
وان جرَّدت ألحاظها فهي عنبر
إذا خطرت في الروض طاب كلاهما
فلم يذرِ من أزهى وأشهى وأعطر
خليلي كم روضٍ نزلت فناءه
وفيه ربيعٌ للنزيل وجعفر
و فارقته والطير صافرةٌ به
وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
إلى أعينٍ بالماء نضاخة الصفا
اذا سدَّ منها مسخرٌ جاش منخر
نداماي من خودٍ وراح وقينة
ثلاث شخوصٍ كاعبات ومعصر
قضيت لبانات الشبيبة والهوى
وطوَّلت حتى آن أني أقصر
و رب طموح العزم ادماء جسرة
يظل بها عزمي على البيد يجسر
طوت بذراعي وخدها شقة الفلا
وكفّ الثريا في دجى الليل يشبر
ومد جناحي ظلها آلقُ الضحى
فشدت كما شد النعام المنفر
بصم الحصى ترمي الحداة كأنما
تغار على محبوبها حين يذكر
إذا ما حروف العيس خطت بقفرةٍ
غدت موضع العنوانِ والعيس أسطر
فلله حرفٌ لاترام كأنها
لوشك السرى حرف لدى البيد مضمر
تخطت بنا أرض الشام إلى حمى
به روضة ريا الجنان ومنبر
إلى حرم الأمن المنيع جواره
اذا ظلت الأصوات بالروع تجأر
إلى من هو التبر الخلاص لناقدٍ
غداة الثنا والصفوة المتخير
نبيٌّ أتم الله صورة فخره
وآدم في فخاره يتصور
نظيم العلى والافق ما مد طرسه
ولا الزهر الا والكواكب تنثر
و لا لعصا الجوزاء في الشهب آية
مجرّ الدجى من تحتها يتفجر
نبي له مجد قديم وسؤدد
صميمٌ وأخبارٌ تجل وتخبر
تحزم جبريل لخدمة وحيه
وأقبل عيسى بالبشارة يجهر
فمن ذا يضاهيه وجبريل خادمٌ
لمقدمه العالي وعيسى مبشر
تهاوي لمأتاه النجوم كأنها
تشافه بالخدّ الثري وتعفر
و ينضب طام من بحيرة ساوة
ولم لا وقد فاضت بكفيه أبحر
نبي له الحوضان هذا أصابعٌ
تفيض وهذا في القيامة كوثر
و عن جاهه الناران هذي بفارس
تبوخ وهذي في غدٍ حين نحشر
اذا ما تشفعنا به كف غيظها
وقالت عبارات الصراط لنا اعبروا
تنقل نوراً بين أصلاب سادة
فلله منه في سما الفضل نير
به أيد الطهر الخليلي فانتحت
يداه على الأصنام تغزو وتكسر
و من أجله جيء الذبيحان بالفدى
وصين دمٌ بين الدماء مطهر
وردت جيوش الفيل عن دار قومه
فلله نصلٌ قبل ما سلّ ينصر
و لما أراد الله إظهار دينه
بدا قمراً والشرك كالليل يكفر
فجلى الدجى واستوثق الدين واضحاً
وقام بنصر الله داعٍ مظفر
بخوف السطا بالرعب ينصر والظبا
وداني الحيافي اليسر والعسر يهمر
عزائم من لا يختشي يوم غزوه
ردىً وعطاً من ليس للفقر يحذر
علا عن محاكاة الغمام لفضله
وكيف يحاكيه الخديم المسخر
يظلله وقت المسير وتارة
يشير اليه بالبنان فيمطر
ألم تر أن القطر في الغيم فارسٌ
اذا برزت آلاؤه يتقطر
هو البحر فياض الموارد للورى
ولكنه العذبُ الذي لا يكدّر
فمن لي بلفظ جوهري قصائد
تنظم حتى يمدح البحرَ جوهر
و هيهات أن تحصى بتقدير مادحٍ
مناقبُ في الذكر الحكيم تقرر
اذا شعراء الذكر قامت بمدحه
فما قدرُ ماتنشي الأنام وتشعر
نبي زكا أصلاً وفرعاً واقبلت
اليه أصولٌ في الثرى تتجرر
و خاطبه وحش المهامة آنساً
اليه وما عن ذلك الحسن منفر
له راحةٌ فيها على البأس والندى
دلائلُ حتى في الجماد تؤثر
فبينا العصا فيها وريقُ قضيبها
اذا هو مشحوذُ الغرارين أبتر
كذا فليكن في شكرها وصفاتها
يدٌ بينَ أوصاف النبيين تشكر
سخت ومحت شكوى قتادة فاغتدت
بها العينُ تجري إذ بها العين تجبر
لعمري لقد سارت صفات محمدٍ
كذاك النجوم الزاهرات تسير
أرى معجز الرسل انطوى بانطوائهم
ومعجزه حتى القيامة ينشر
كبير فخار الذكر في الخلق كلما
تلا قارئٌ أو قيل الله أكبر
هو المرتفي السبع الطباق إلى مدىً
لجبريل عنه موقفٌ متأخر
هو الثابت العليا على كل مرسل
بحيث له في حضرة القدس محضر
هو المصطفى والمقتفى لا مناره
يحط ولا أنواره تتكوّر
إليك رسول الله مدت مطالبي
على أنها أضحت على الغور تقصر
خلقت شفيعاً للانام مشفعاً
فرجواك في الدارين أجدى وأجدر
ولي حالتا دنيا وأخرى أراهما
يمران بي في عيشةٍ تتمرر
حياة ولكن بين ذلٍ وغربةٍ
فلا العز يستجلي ولا البين يفتر
و عزم إلى الأخرى يهم نهوضه
ولكنه بالذنب كالظهر موقر
تصبرت في هذا وذاك كأنني
من العجز والبوسى قتيلٌ مصبر
و ها أنا ذا أبلغت عذري قاصداً
وأيقنت أن النجح لا يتعذر
عليك صلاة الله في كل منزل
تعبر عن سرّ الجنان وتعبر
و آلك والصحب الذين عليهمُ
تحل حبا مدحٍ ويعقد خنصر
بجاهك عند الله أقبلت لائذاً
فكثرت حاجاتي وجاهك أكثر
و نظمت شعري فيك تزهى قصيدةٌ
على كل ذي بيتٍ من الشعر يعمر
معظمة المعنى يكرر لفظها
فيحلو نباتيّ الكلامِ المكرر
دنت من صفات الفضل منك وانها
لتفضل ما قالته طيُّ وبحتر
و ما ضرها اذ كان نشر نسيمها
رخآء اذا ما لم يكن فيه صرصر