شاب رأسي ولات حين مشيب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

شابَ رأسي ولات حينَ مَشيبِ

​شابَ رأسي ولات حينَ مَشيبِ​ المؤلف ابن الرومي


شابَ رأسي ولات حينَ مَشيبِ
وعجيبُ الزمان غَيْرُ عَجِيبِ
فاجعلي موضعَ التعجُّب من شَيْ
بِيَ عُجْباً بفَرْعك الغِرْبيبِ
قد يشيبُ الفتى وليس عجيباً
أن يُرى النورُ في القضيب الرطيبِ
ساءها أنْ رأتْ حبيباً إليها
ضاحكَ الرأسِ عن مفَارقَ شِيبِ
فدَعَتْهُ إلى الخُضاب وقالت
إنَّ دفنَ المَعيبِ غيرُ معيبِ
خَضَبت رأسَهُ فبات بتَبْري
حٍ وأضحى فظلَّ في تأنيبِ
ليس ينفكُّ من مَلامة زارٍ
قائلٍ بعد نظرتَيْ مُستريب
ضلةً ضلةً لمن وعَظَتْهُ
غِيَرُ الدهر وهْو غيرُ مُنيب
يدَّري غِرَّةَ الظباء مُريغاً
صَيْدَ وحْشيِّها وصَيْدَ الرَّبيب
مُولَعاً موزَعاً بها الدهر يرْمي
ها بسهم الخضاب غيرَ مصيب
عاجزٌ واهنُ القُوى يتعاطى
صبغةَ الله في قناع المشيب
رامَ إعجابَ كل بيضاءَ خود
بسواد الخضاب ذي التعجيب
فتضاحكْنَ هازئاتٍ وماذا
يُونِقُ البِيضَ من سوادٍ جَليب
يا حليفَ الخضاب لا تخدع النف
س فما أنت للصِّبا بنسيب
ليس يجدي الخضابُ شيئاً من النف
ع سوى أنه حِدادُ كئيب
فاتَّخذْهُ على الشباب حداداً
وابكِ فيه بعَبْرة ونَجيب
وفتاةٍ رأت خضابي فقالت
عَزَّ دَاءُ المشيب طِبَّ الطبيب
خاضبُ الشيب في بياضٍ مُبين
حين يبدو وفي سوادٍ مريب
يا لها من غَريرة ذاتِ عينٍ
غيرِ مغرورة بشيبٍ خَضيب
وحقيقٌ لعورة الشيب أن تب
دوَ للغِرِّ غيرِ ذي التدريب
لهفَ نفسي على القناع الذي مَح
حَ وأُعقِبْتُ منه شرَّ عَقيب
مَنَعَ العينَ أن تَقرَّ وقرت
عينُ واشٍ بنا وعينُ رقيب
شان ديباجةَ الشبابِ وأزرى
بقوامٍ له ولينِ عسيبِ
نفَّر الحِلْمَ ثم ثنَّى فأمسى
خَبَّبَ العِرْسَ أيَّما تخبيب
شَعَرٌ ميتٌ لذي وَطَرٍ حيْ
يٍ كنارِ الحريق ذاتِ اللهيب
في قناعٍ من المشيبِ لَبيسٍ
ورداءٍ من الشباب قشيب
وأخو الشيب واللُّبانة في البِي
ض بحالٍ كقَتْلة التغبيب
مَعَهُ صبوةُ الفتى وعليه
صَرْفة الشيخ فهْو في تعذيب
يُطَّبَى للصِّبا فيُدْعى مجيباً
وهو يدعو وما لَه من مجيب
ليس تنقادُ غادةٌ لهواهُ
وهو ينقادُ كانقيادِ الجَنيب
ظلمتني الخطوبُ حتى كأني
ليس بيني وبينها من حَسيب
سلبتْني سوادَ رأسِي ولكن
عوّضتْني رياشَ كلِّ سليب
عوّضتني أخا المعالي عليّاً
عِوَضٌ فيه سلوة للحَريب
خُرَّمِيٌّ من الملوك أديبٌ
لم يزل ملجأً لكل أديب
يستغيثُ اللهيفُ منه بمدعوْ
وٍ لدى كل كَرْبة مستجيب
أَرْيَحيٌّ له إذا حَمَدَ الكزْ
زُ بَنانٌ تذوبُ للمستذيب
يتلقَّى المُدفَّعينَ عن الأب
بواب بالبشر منه والترحيب
لو أبى الراغبون يوماً نداهُ
لدعاهُمْ إليه بالترهيب
رُبَّ أُكرومةٍ له لم تَخَلْها
قبلَهُ في الطباع والتركيب
غَرَّبتهُ الخلائقُ الزُّهْرُ في النا
س وما أوحشتْهُ بالتغريب
يَهَبُ النائلَ الجزيلَ مُعيراً
طَرفَهُ الأرضَ ناكتاً بالقضيب
يتَّقي نظرة المُدلِّ بجدوا
هُ ويَعْتَدُّها من التثريب
بعد بشرٍ مُبَشِّرٍ سائليه
بأمانٍ لهم من التخييب
حَبّبَتْ كفُّه السؤالَ إلى النا
س جميعاً وكان غير حبيب
ما سعى والسعاةُ للمجد إلا
سبقَ المُحْضِرينَ بالتقريب
لو جرى والرياحُ شأْواً لأَضْحَى
جريُها عند جريه كالدَّبيب
من رآه رأى شواهد تُغْني
عن سماعِ الثناء والتجريب
فيه من وجهه دليلٌ عليه
مُخبِرٌ عن ضَريبةٍ ذات طيب
حَكم اللهُ بالعلا لعَليٍّ
وبحق النجيب وابن النجيب
فَلْيمُتْ حاسدوهُ همّاً وغمّاً
ما لحُكْم الإله منْ تعقيب
جِذْلُ سلطانِه المحكَّك في الخَطْ
ب وعَذْقُ الجُناة ذو الترحيب
والنصيحُ الصريحُ نُصحاً إذا ما
جمعوا بين رائبٍ وحليب
والذي رأيُهُ لأسلحة الإب
طالِ مثلُ الصِّقال والتذريب
عنه تمضي ولو تعدّته أضحت
من كليلٍ مُفَلَّلٍ وخَشيب
مِدْرَهُ الدين والخلافة ذو النص
ح عن الحَوْزتين والتذبيب
فَلَّ بالحجة الخُصومَ وبالكي
د زُحوفَ العِدا ذوي التأليب
رُبَّ مَغنىً لحزب إبليسَ أخلا
هُ فأمسى وما به مِنْ عَريبِ
دَمَّرتْ أهلَهُ مكائدُ كانت
لأُسودِ الطغاةِ كالتقشيب
رتّبتهُ الملوكُ مرتبةَ المِدْ
رِه لا مُخطئينَ في الترتيب
قَيِّمٌ قوَّمَ الأمورَ فعادتْ
قيِّماتٍ به من التحنيب
واستنابَ الخطوب حتى أنابت
وبما لا تُنيبُ للمُستنيب
عندُهُ للثَّأَي طِبابٌ من التد
بير يَعْيَ به ذوو التطبيب
لَوْذعِيٌّ له فؤادٌ ذكي
ماله في ذكائه من ضَريب
يَقظٌ في الهَناتِ ذو حركات
لسكون القلوب ذاتِ الوجيب
ألمَعِيٌّ يرى بأولِ ظنٍّ
آخرَ الأمر من وراء المغيب
لا يُرَوِّي ولا يُقَلِّبُ كفاً
وأكُفُّ الرجالِ في تقليب
يُدرِكُ الطِّلْبَ بالبديهة دون ال
عَقْبِ قبل التصعيد والتصويب
حازمُ الرأي ليس عن طول تجري
بٍ لبيبٌ وليس عن تلبيب
وأريبٌ فإنْ مُرِيغو نَداه
خادَعُوه رأيتَ غيرَ أريب
يتغابَى لهم وليس لمُوقٍ
بل لِلُبٍّ يفوقُ لبَّ اللبيب
ثابتُ الحالِ في الزلازل مُنْها
لٌ لسُؤّالهِ انهيالَ الكثيب
ليِّنٌ عِطفُه فإنْ رِيمَ منه
مَكْسَر العود كان جِدَّ صليب
مَفْزعٌ للرُّعاةِ مرعىً خصيبٌ
لرعاياهُمُ وفوقَ الخصيبِ
في حِجاهُ وفي نداهُ أمانَا
نِ من الخوف والزمانِ الجديب
فحِجاهُ لكل يومٍ عصيبٍ
ونداهُ لكل عام شَصيب
أحسنتْ وصفَهُ مساعيهِ حتى
أفحمتْ كلَّ شاعرٍ وخطيب
بل حَذَوا حَذْوَها فراحوا يريحو
ن من القولِ كلَّ معنى غريب
قد بلونا خلاله فَحمِدْنا
غَيْبَها حمدَ ذائقٍ مُستطيب
فانتجعنا به الحيا غَير ذي الإقْ
لاعِ والبحرَ غيرَ ذي التنضيب
ما زجرنا وقد صرفنا إليه
أوجُهَ العِيسِ بارحاً ذا نعيب
يَمَّمَتْهُ بنا المطايا فأفْضَتْ
من فضاءٍ إلى فضاءٍ رحيب
خُلْقٌ منه واسعٌ وفِناءٌ
لم يَرُعْها به هديرٌ كليب
طاب لليَعْملاتِ إذ يَمَّمتْهُ
وصْلُهُنَّ البكورَ بالتأويب
لم يكن خَفْضُها أحبَّ إليها
من رسيم إليه بعد خبيب
ثِقةً إنَّهُنَّ يلقينَ مرعىً
فيه نَيٌّ لكل نِضْوٍ شَزيب
أيُّهذا المُهيبُ بي وبشعري
لستُ ممن يُجيب كل مُهيب
رفعَ الله رغبتي عن عطايا
كَ وما لِلعُقاب والعندليب
ثَوَّبَتْ بي إلى عليِّ معالي
هِ فلبَّيتُ أوّل التثويب
مَاجِدٌ حاربَ الحوادثَ دوني
بنَدى حاتمٍ وبأسِ شَبيبِ
ليَ في جاههِ مآربُ كانت
لابنِ عمرانَ في عصاهُ الشعيبِ
وإذا حزَّ لي منَ المال عُضْواً
أرَّب العضوَ أيَّما تأريب
أصبح الباذلَ المسبِّبَ لا زا
ل مَليّاً بالبذلِ والتسبيب
ساجلَتْ جاهَهُ سحائبُ عُرفٍ
من يَمينَيْهِ دائماتُ الصَّبيب
قلت إذ جاد باللُّهى قبل سَعْي
صادقٍ منه غير ذي تكذيب
يا رِشاءً تَخْضَلُّ منه يد الما
تحِ قبل انغماسِهِ في القليب
بَضَّ لي من نداكَ قبل استقائي
بكَ رِيِّي وفَضْلَةٌ للشريب
ذاك شيءٌ من الرِّشاءِ غريبٌ
يا ابنَ يحيى ومنك غيرُ غريب
ما أُراني إذا خبطتُ بدَلْوي
جُمَّةَ الماءِ بالقليل النصيب
لا لَعَمْري وكيف ذاك وقبل ال
متْحِ روَّيْتَني بسَجْلٍ رغيب
بل أُراني هناك لا شك أغدو
ويَدي منكَ ذاتُ بطنٍ عشيب
بأبي أنتَ من جليلٍ مَهيبٍ
مَطْلِبُ العُرْفِ منه غيرُ مهيب
طنَّبَ المجدَ بالمكارم والبي
تَ بنصبِ العماد والتطنيب
من يُلَقَّبْ فإن أسماءك الأس
ماءُ يشغلنَ موضعَ التلقيب
من جوادٍ وماجدٍ وكريمٍ
وزعيمٍ وسيدٍ ونقيب
تَبَّ من يرتجي لَحَاقك في المج
دِ وما مُرتجيكَ في تتبيب
أعجز الطالبيكَ شأوٌ بعيدٌ
لكَ أدركْتَهُ بعُرفٍ قريب
هاكها مِدحةً يُغنَّي بها الرُّكْ
بانُ ما أرزمَتْ روائمُ نيبِ
نَظمَ الفكرُ دُرهَّا غير مثقو
بٍ إذا الدُّر شِينَ بالتشعيب
لم يَعِبْها سوى قوافٍ تشاغل
نَ عن المدح فيك بالتشبيب
ولراجيكَ قبلها كلماتٌ
هُذِّبتْ فيك أَيَّما تهذيب
يُطرِبُ السامعينَ أيسرُ ما في
ها وإن أنشدت بلا تطريب
سَوَّدتْ فيك كلَّ بيضاء تسوي
داً تراه العقولُ كالتذهيب
لو يُناغِي بَيانُها العُجْمَ يوماً
عرَّبَ العُجمَ أيَّما تعريب
وهْي مما أفاد تأديبُك الفا
ضلُ واهاً لذاك من تأديب
كم ثواب أَثَبْتَنيه عليها
كنتَ أولى به من المستثيب
مُنعِماً نُعْمَيَيْنِ نُعمى مفيد
أدباً نافعاً ونُعمى مثيب
منك جاءت إليك يحدو بها الوُدْ
دُعلى رغبةٍ بلا ترغيب