برحت إلى الشوق المبرح من قلبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

برِحتُ إلى الشّوق المبرِّح من قلبي

​برِحتُ إلى الشّوق المبرِّح من قلبي​ المؤلف لسان الدين الخطيب


برِحتُ إلى الشّوق المبرِّح من قلبي
وسلَّمتُ أمري في الغرام إلى رَبي
وصانَعت الحاظ الظِّباء بمُهجتي
فما قبِلَت سِلمي ولا تركت حَربي
إذا لامَ قلبي في الهَوى عيني التي
جنَتْ صرفت عني الملامَ إلى قلبي
فلا تنكروا أن هزَّتِ الريحُ منكبي
وأذهلني وَجْدي عن الأهْل والصَّحب
ففي سكْرةِ الصَّهباء ما تعلمونَه
فكيفَ إذا انضافَتْ إلى سكرةِ الحُب
وبي من ظِباء الإنس رائقةَ الحُلى
وهبْتُ لها نفسي وملَّكتها لُبي
صبوْتُ وما قلبي بأوَّل من صبا
لناطقَةِ القُرْطين صامتَةِ القُلْب
إذا ما رنَتْ غارت بألحاظها الظِّبا
ومهما انثنَتْ غصَّت منعَّمَةِ القُضْب
شكوتُ لها داء الهوى فاشتكَتْ به
فأبكي لها من حُبِّها وهي من حُبي
خليلي جرَّبت الهوى وخبرْتُهُ
فمُلِّيت علماً منه بالسهل والصعبِ
وما عرفتْ نفسي ألذَّ من اللّقا
وأندى على الأكبادِ من ساعةِ القُرْب
وأحلى من العُتبى وأشهى من الرِّضا
إذا جاءَ من بعدِ القطيعَةِ والعتْب
سأذهبُ في اللذاتِ ملء أعنتي
وأُركضُ خيل اللهو في طلقٍ رحْب
وإنَّ ودادي في الخليفةِ يوسُفٍ
يكفِّرُ عند الله ما كان من ذنبِ
سلالَةِ أنصارِ الهُدى وحُماتهِ
ووارث حزبِ الله ناهيك من حِزْب
محيًّا كمثل الشمسِ في رَوْق الضُّحى
وكفٍّ كما حُدِّثت عن واكف السُّحب
يصاحبُه التوفيقُ في كل وِجهةٍ
ويقدمُ منه الجيْشَ جيشٌ من الرُّعب
به نظم الله الشّتاتَ فأصبحت
نفوسُ البرايا وهي آمنةُ السِّرب
فدامَ قريرَ العين في ظلِّ عيشةٍ
تُنيف معاليهِ على رُتبِ الشُّهْب
ولا برِحْت أيامُهُ وزمانُه
مآثرُها تحيا بها دولَةُ العرب