مجلة المقتبس/العدد 83/ترعة السويس وتجارة الشرق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 83/ترعة السويس وتجارة الشرق

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 1 - 1913



عرف أن التجارة أول نشأتها لم تتجاوز البحر المتوسط بل حصرت في سواحل فينيقية وبلاد الكلدان والعربية وغيرها من بلاد المشرق أيام توفرت لديها المعارف والعلوم وأينعت فيها ثمار الصنائع والفنون حتى صارت محط رحال التجارة بين المشارق والمغارب وزينة الأموال وموارد الخيرات والمكاسب ويهرع إليها الفاتحون من كل فج وصوب ليشاطروها الأرباح العظيمة ويسلبوها الصنائع العجيبة ويتهافت عليها الغزاة تهافت الفراش عَلَى السراج ولكنهم ما كانوا ينتفعون بذلك بل كان تهافتهم وبالاً عليهم في كل آن.

وبقيت شآبيب المرابح والخيرات تنهل عَلَى الشرقيين فتتدفق عليهم سيول الثراءِ من سحاب الكد والجد إلى أن نظر إليهم الزمان بعين ملؤها الحسد فألهم الإفرنج أن يكتشفوا طريقاً جديداً إلى الهند فآل الأمر إلى فاسكودي غاما ذلك الرجل العظيم الذي وجد طريقاً حول رأس الرجاء الصالح وحوّل بذلك المشروع جانباً كبيراً من تجارة الهند والصين ليسقي به ربوع الغرب فارتشفت من معينه إنكلترا وإسبانيا والبرتقال وهولاندة حتى عمت الفائدة أغلب أقسام أوربا وبقي للشرقيين من ذاك الوقت جزء يسير من التجارة يطرد بطريق حلب ودمشق ومصر نظراً لما كانوا يملون أنفسهم من المخاوف والأخطار ويركبون الغرر والأهوال في طريقهم حول رأس الرجاء الصالح أو أفريقية واخذ يتزايد يوماً فيوماً إلى أن فتحت ترعة السويس سنة 1869 عَلَى يد دي لسبس المهندس الفرنسوي الشهير فدار بذلك دولاب التجارة وعم نفعها العالم غير أنها مع كثرة منافعها إليه ما كانت لتخلو من مضار للسلطنة التي فتحت فيها وذابت مهج رجالها في حفر رمالها وعطلت من أجلها تجارتها بل كانت منفعتها لمن قاوم أشد المقاومة ألا وهي السلطنة الإنكليزية التي استأثرت بأكثر فوائدها.

أجل إن فتح تلك الترعة كان سبباً من أهم الأسباب لتوسيع تجارة العالم وامتدادها لكن الذين باشروا ذلك المشروع ومابدوا فيه عرق القربة قد قلب لهم الدهر ظهر المجن وتبدل نعيمهم بالبؤس كما يشهد لهم بذلك شرقي سورية وأسفل العراق ومدينة حلب التي كانت مركز المواصلات التجارية بين أوربا والهند فقد فقدت واردات تجارتها وعكس ذلك البصرة إذ صار لها بطريق السويس أوسع الأبواب لتصدير حاصلاتها كما تدل الآثار عَلَى ذلك.

كان طريق فاسكودي غاما إلى الهند حول رأس الرجاء الصالح طريقاً خطراً يتجرع فيه المسافرون كأس الضيم وتقتحم فيه السفن قحم الهلكات حتى كانت تتراخى مدة السفن الذاهبة إلى الهند فكانت تقضي في سفرها أكثر السنة ولم يكن وصولها معروفاً حق المعرفة ولذلك أجبرت التجار أن تخزن جانباً كبيراً من البضائع في مخازنها حذراً من أن لا يكون في مخازنها ما يفي بالمطلوب إذا ما أُعيقت السفينة عن الوصول إليهم في الوقت المعين. أما الآن وقد صارت مدة السفر ثلاثين يوماً لا غير فاستغنى التجار عن المخازن الكبيرة وابتدأت تطلب بضائعها من الشرق وهي عَلَى يقين من وصولها في الوقت المعين وزد عَلَى ذلك فإن نقل الحنطة من الهند واللحم من أوستراليا وزيلندا الجديدة لم يكن ممكناً قبل فتح الترعة أما الآن فقد صار من أوسع أبواب التجارة.

وقد أدرك كثيرون من رجال عظماء العالم كرعمسيس ونخو ودارا هتاسب وبطليموس ونابليون وغيرهم مكانة تلك الترعة التجارية فحفر رعمسيس الثاني سنة 1300 ق. م ترعة وصل بها فرع النيل البلوسي بالبحر الأحمر وما كانت تصلح إلا لتسريب المياه وربما كان ذلك مقصده الأكبر. وعزم نحو سنة 600 ق. م عَلَى تتميمها لولا ما أنبأه العرافون أن بحفرها ينتفع بها أعداء بلاده وما قرره أيضاً مهندسوه من أن مياه البحر الأحمر أعلى من سطح مصر فخاف عندئذ عَلَى بلاده وتوقف عن حفرها بعد ما أهلك فيها نحو 20000 نفس من المصريين. ثم اشتغل بها دارا هشتاسب وبطليموس الثاني كما أنبأنا التاريخ فحفرا تلك الترعة وبقيت إلى أن ردمتها الرمال قبل أيام طريانوس فأصلحها في القرن الثاني وعادت الرمال فردمتها مرة أخرى إلى فتوح العرب من سنة 638 إلى 640 فأصلحها عندئذ عمرو بن العاص قائد جيوش عمر بن الخطاب وسماها ترعة أمير المؤمنين. ثم طمها بعده الخليفة المنصور أبو جعفر ثاني الخلفاء العباسيين ليقطع الطعام عن محمد بن عبد الله حينما خرج عليه في المدينة فبقيت مطمورة من ذلك الحين إلى أن احتفرها الحاكم بأمر الله من الخلفاء الفاطميين في مصر وجعلها صالحة للملاحة حتى ردمتها الرمال مرة أخرى وبقيت الآثار تدلنا عَلَى ذلك.

ثم جاء نابليون إلى مصر ورأى آثار تلك الترعة فجال في خاطره أن يحتفرها فيقدر عندئذ أن ينقل جنوده إلى الهند فيجبر الإنكليز عَلَى الخروج من تلك الديار وهكذا عرض مشروعه هذا عَلَى المهندس المسيو لوبير ووقع فغيما وقعت به المصريون من قبل وقال أن سطح البحر الأحمر أعلى من سطح البحر المتوسط بعشرة أمتار فإذا فتحت الترعة خشي من طغيان الماء. فبقيت المسألة عَلَى بساط البحث إلى أن قضت الأحوال بخروج نابليون من مصر فسقط طبعاً مشروعه وخرج وهو يردد هذه الكلمات: إن هذا العمل العظيم لم يقدر لي عمله ولعل الدولة العثمانية تسترجع عظمتها يوماً ما بإتمامه.

وظل مهندسو ذلك العصر يعتقدون بارتفاع سطح البحر الأحمر عن البحر المتوسط إلى أن قام المهندس الفرنساوي الشهير بوردالو سنة 1864 وقرر ألا فرق بين ارتفاع البحرين فأنفذت فرنسا وإنكلترا والنمسا لجنة مؤلفة من المسيو تلايوت والمستر ستيفنس والسينيور بخرلي فتحقق الأمر عندئذ غير أن المهندس الإنكليزي لم يستصوب لسياسة فتح تلك الترعة ولخوفه انهيال الرمال عليها وخسارة الهند بذلك المشروع فعاد إلى وطنه وأضعف عزيمة مواطنيه فأثر فيهم كلامه وعدلوا عن إنشائها.

وبقيت تلك المسألة موضوع البحث إلى أن قضت الأمور بأن يتم هذا المشروع الخطير عَلَى يد دي لسبس المهندس الفرنساوي بد أن استقرى طويلاً ووقف عَلَى فحوى ما ارتآه المهندسون في ذلك المشروع وعرف أن تجارة البلاد تتضاعف بها كل عشر سنوات. وهكذا آلى عَلَى نفسه بأن يفتح تلك الترعة فألف شركة غنية تحت عنوان (شركة ترعة السويس العامة) لتقوم لهذا العمل فذهب إلى الآستانة للسعي في هذا المشروع فلم يلق هناك إلا ما يميت الآمال ويثبط العزائم وهذا آب إلى بلاده خجلاً وبقي مدة في وطنه إلى أن بلغه تولية سعيد باشا عَلَى مصر سنة 1854 فأسرع إليه إذ كانت بينهما صداقة متينة العرى وأقنعه بوجوب فتح تلك الترعة التي بها يتوسع نطاق التجارة وتجر مصر ذيول الثراء فأثر فيه كلامه واقتنع بما قاله دي لسبس وعقد امتيازاً مع تلك الشركة يليه اثنا عشر بنداً أهمها أن مدة الامتياز 99 سنة تبتدئ من يوم فتح الترعة وعند انتهاء المدة تستلم الحكومة جميع أعمال الشركة فتقوم مقامها في كل عمل وأضيف لهذا البند بأن يجوز للشركة إطالة المدة أو تجديد الامتياز بشرط أن تزيد ما تدفعه للحكومة من صافي الأرباح وأنها (أي الحكومة) تأخذ 15 في المئة من صافي الأرباح عدا ربحها من الأسهم التي تكون لها والخمسة والثمانين الباقية من المائة يعطى منها 75 للمساهمين و10 في المئة للمؤسسين ثم أن الشركة تعين بالاتفاق مع الحكومة المصرية ما يؤخذ عَلَى السفن من رسم المرور من الترعة ويجري هذا الرسم عَلَى سفن جميع الدول بلا تمييز.

وفي 17 تشرين الثاني سنة 1869 فتحت الترعة لمرور المراكب فاجتازها خمسون سفينة باحتفال عظيم أعد فيه إسماعيل باشا معدات عظيمة ودعا إليه ملوك أوربا وأمراءها فصرف لذلك الاحتفال أموالاً طائلة كانت سبباً من أهم الأسباب لتأخر صندوق الحكومة المصرية في ذلك الحين. وهكذا ابتدأت الشركة ورأس مالها 200. 000. 000 فرنك مؤلفة من 400. 000 سهم سعر السهم 500 فرنك بعد ما تعددت عليها المعاكسات وتوقفت عن العمل مدة سنتين وحكموا بتلك المسألة إمبراطور فرنسا في ذلك العهد فرجع الأمر إلى من يقوم به وعادت الشركة للعمل بهمة ونشاط ونجحت نجاحاً عظيماً لم تنجحه قط شركة مساهمة مثلها.

وبعد فإن ما أنفقه إسماعيل باشا عَلَى الاحتفال عند فتح الترعة 100. 000. 000 فرنك وهو السبب الأكبر الذي بعثه عَلَى بيه حصة مصر من أسهم السويس وهكذا سنة 1875 قد باع إسماعيل باشا تلك الأسهم وعددها 76602 من الأسهم ثمن السهم 500 فرنك فأسرع الكولونل ستانتن قنصل إنكلترا في مصر واشترها باسم الحكومة الإنكليزية بقيمة أربعة ملايين جنيه التي قدر ثمنها سنة 1906 بإحدى وثلاثين مليوناً من الجنيهات.

وهنا يجاب أن يضاف اقتراح الشركة للحكومة ألا وهو أن تعطي الشركة للحكومة المصرية أربعة ملايين من الجنيهات مقابلة إطالة امتيازها وأن تقسطه أقساطاً أقساطاً يكون آخرها سنة 1912 وأن تعطيها أيضاً أربعة في المئة من صافي ربحها السنوي في العشر سنوات الأولى من سنة 1912 إلى سنة 1930 وستة في المئة في العشر سنوات الثانية وثمانية في المئة في العشر سنوات الثالثة وعشرة في المئة في العشر سنوات الرابعة و12 في المئة في المدة الباقية للامتياز أي سنة 1961 إلى سنة 1968 ثم تعطيها نصف صافي ربحها السنوي مدة الأربعين سنة التي يطال فيها الامتياز ولكن إذا قلَّ الربح سنة من السنين عن مئة مليون فرنك فالشركة تأخذ أيضاً أن ربحها 50 مليوناً والباقي للحكومة وإذا صادف في سنة من السنين أيضاً أن ربحها 50 مليوناً فالشركة تأخذ الربح كله ولا تتداخل الحكومة فيه.

ونظراً لما صار للحكومة من قسم الأرباح قد سمح لها أن يكون في الشركة عضوان نائبان عن الحكومة فيها وهكذا انتخبت الحكومة نائبين عناه يمثلانها في الشركة.

وهذا بيان عدد البواخر التي مخرت الترعة في كل سنة منذ فتحها إلى سنة 1908 وبيان الرسوم التي حصلتها الشركة في كل سنة.

سنة عدد البواخرالرسوم المحصلة بالفرنكات

186910 54460

1870486 5. 159. 327

1871762 8. 993. 732

18721075 16. 407. 591

18731173 22. 897. 319

18741264 24. 859. 383

18751494 28. 886. 302

18761457 29. 974. 998

18771663 32. 774. 344

18781593 31. 098. 229

18791477 29. 686. 060

18802026 39. 840. 487

18812727 5. 174. 352

18823198 60. 545. 882

18833307 65. 847. 812

18843284 62. 378. 115

18853624 62. 207. 439

18863100 56. 527. 390

18873137 57. 862. 370

18883440 64. 832. 273 18893425 66. 167. 579

18903389 66. 984. 000

18913207 83. 422. 101

18923559 74. 452. 436

18933341 70. 667. 361

18943352 73. 776. 827

18953434 78. 103. 717

18963209 79. 569. 994

18972986 72. 830. 545

18983503 85. 294. 769

18993607 91. 318. 772

19003441 90. 623. 608

19013699 100. 386. 397

19023708 103. 720. 020

19033761 103. 620. 268

19044237 115. 818. 479

19054116 113. 866. 796

19063975 108. 161. 896

19074267 116. 000. 096

19083795 108. 413. 410

بيروت

حبيب جرجي كحالة