انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 919/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 919/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 02 - 1951



رحلة في وجوه الناس

صحراء العجائب

(إلى أصحاب الوجوه المستعارة. . .)

للأستاذ محمود حسن إسماعيل

تجولت في صحراء تلك العجائب ... وفي سرها المطموس حول الحواجب

وعوذت نفسي قبل أن أبدأ السري ... لعلي أنجو من سموم العقارب

وقلت لعل الله ينصر رحلتي ... فأغنم صيداً نافراً لحقائبي

وألقيت أشراكي لها وحبائلي ... وسرت كحاو هام بين الخرائب

وتعويذتي الكبرى سكون يحوطه ... تربص شيخ مل طول التجارب

أمانك ربي! ذلك الوجه ربوة ... تغنى بها الأطيار من كل جانب

تكاد تنادي العاشقين إلى الهوى ... وتجري لهم أسحارها في المغارب

مزنرة الأغصان بالعطر والندى ... وهمس الصبا في مرعشات الترائب

وتخفي دروباً في الظلال لئيمة ... بها الريح ما أبقت حذاراً لهائب

عداد الحصى فيها أفاع حيية ... كريمات صب الموت فوق المعاطب

تجود به سما نضيراً معطراً ... تدير به النجوى خدود الكواعب

وتجريه ضحاك الردى، كل بسمة ... تهب مع الساق بسهم وضارب

وقفت طويلاً عند أعتاب روضها ... وناديت رب الكون. . ما ذاك صاحبي!

أجرني! فهذا الوجه كم صدت سره ... ولو كان معصوماً بغدر الغياهب

فلم ألقى إلا آدمياً يسوقه ... بجنبيه ذئب مستعار المخالب.

ووجه به وجهان: وجه مقنع ... بآخر مدسوس بزي العناكب

يجاري وجوه الناس في كل نظرة ... ويسرب في إيمائها كالثعالب

ذليل لما يصغي إليه، فسمعه ... خطام ذلول في حبال كواذب

ترى طرفه عبداً لعينيك ضارعاً ... على أي حال من فنون التخاطب تنوح فيعوي، أو تصيخ فيمحى ... ويصبح شيئاً من سكون المحارب

برت آية البهتان جلدة وجهه ... مطايا رياء لا تضيق براكب

إذا قيل هذا الصخر ماء. . رأيته ... يردد للينبوع شوق السباسب

وأن قيل هذا الماء نار. . رأيته ... عليها مجوسياً عريق المذاهب

وإن قيل تلك النار فجر. . رأيته ... أذان مصل هز سمع الكواكب

وإن قيل هذا الفجر قبر رأيته ... من الثكل يستجدي دموع النوادب

تلاشي بلا موت، وأودي بلا ردي ... لعل بهذا النعش بعض المكاسب. .

أمانك ربي منه! هذا منافق ... أخف لقاء منه وجه المصائب

إذا انفردت بالله أبعاد نفسه ... - وهيهات - يلقاه يزهو المحارب

وأن مر جلاب الفتات، رأيته ... بلا أي ذنبن في سرابيل تائب

تقوس وأستخذى على الزور ظهره ... وكبر لا لله، بل للرغائب

فخلت صلاة لم يحن بعد وقتها ... وظلاً من الأوثان فوق المناصب. .

ووجه سراب البيد يخشى ظنونه ... فيزور عن رؤياه خوف العواقب

يمر به مر الظنون كأنه من الذعر صدق مر في وجه كاذب

وتمعن في نجواه عرافة الضحى ... فتنكت في خط على الرمل خائب

يعلم أجواز الفلا كيف تصطفى ... لظلمائها ود الرياح الحواصب

تعمى على مرآته، فهو صوبها ... رؤى صد إطي الزجاجة هارب

يخادع حتى نفسه، فطريقها ... بجنبيه جب قاعه في الجوانب

تهدج، واستحيا، وهوم، واختفى=بجفنين سعاءين تحت المسارب

لمحت فلاه من بعيد، فصرصرت ... بسمعي رياح الخاتل المتثائب

فقلت: معاذ الله ضعف وقدرة ... وليل ضياء فيه فجر غياهب!. .

ووجه دعى الأفق، لا شأن عنده ... بما حط في أعماقه من مثالب

طغى فوقه ضب الغرور، فأنفه ... كرمت طير كفنت بالطحالب

يشيح فضاء الله خزياً لحمقه ... وتعوي له حزناً شقوق الجنادب

تورم، وانقدت من الصدر نفسه ... فلم يبقى منه غير تل المناكب وغير سطور فوق كثبان وجهه ... نشين من البهتان أقدس كاتب. .

ووجه سألت الله لا مر ثانياً ... ولا اتجهت يوماً غليه مذاهبي. .

به سحنة الواشي، لها سبع أعين ... وسبع آذان، وسبع حقائب

يطل كركب من بني الجن ظامي ... يحدج في نبع من الماء ناضب

ويصغي كحارس مشى في ترابهم ... دبيب من الأوهام طامي الكتائب

وتزحف كالثعبان آفاق سمعه ... لتستل ما تبغيه من كل صاحب

جزوع إلى الأسرار، يلعق طيفها ... كذئب غريب الغاب، حيران، ساغب

وينبش في غيب العباد، فلا ترى ... له نظرة إلا برفش وحطاب

سألت له الرحمن. . قبراً كوجهه ... تعيث به الآثام في كل جانب. . .

محمود حسن إسماعيل