انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 861/إلى الطائف. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 861/إلى الطائف. . .

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 01 - 1950



مسرحية شعرية

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

النبي العربي في طريقه إلى (الطائف)، وفي صحبته مولاه زيد ابن حارثة - كما يروي المقريزي وابن الأثير المؤرخ وكان الشهر يناير من سنة 620 ميلادية، والثلج الأبيض الناصع يجلل ذرا جبل غزوان، وهو أبرد مكان في الحجاز. وقد شهد هذا العام وفاة اثنين من أعز أنصار النبي: عمه أبى طالب الذي كان يدفع عنه أذى المشركين، وزوجه خديجة أم المؤمنين التي وقفت بجانبه أربعة وعشرين عاماً وستة أشهر. ولم يبق له من أوفى الأوفياء إلا مولاه وربيبه زيد بن حارثة.

زيد:

يا نبي الهدى تلوح لعيني ... قمة كللت ببيض الثلوج

هي في الطائف الذي يتحلى ... بالروابي، ويزدهي بالمروج

قمة أشرفت على السهل والحز ... ن كإشراف شاهقات البروج

قد خرجنا بها إلى الله نبغي ... نصرة في سبيل هذا الخروج

إن في الواحة الخصيبة مأوى ... للمطايا، وراحة للحدوج

محمد:

هيا بنا إلى أشراف ثقيف في (الطائف) ندعوهم إلى الله!

زيد:

الله جارك حين تنتقل ... والله جارك حين ترتحل

يا ضارباً في الصبر أمثلة ... بك في الشدائد يضرب المثل

هان الطريق فسر عليه كما ... سارت على أشواكه الرسل!

هذا سبيلك غير ذي عوج ... حاشاك ما ضلت بك السبل

المشركون عليه ترصدنا ... منهم لحاظ الكيد والمقل

الله جارك لا تخف أحداً ... والله حسبك أيها البطل

هذي (ثقيف) وتلك أربعها ... فلعلها بهداك تمتث طال الطريق على غوايتها ... ومضت بها آباؤها الأول

فلعلها تهفو إليك كما ... تهفو إلى أعطانها الإبل!

وهنا يعرج النبي على جماعة من أشراف ثقيف ويدعوهم إلى الإسلام فيجيبه واحدٌ منهم:

رجل من ثقيف: -

يا راحلاً من بطن مكة يبتغي ... في ذلك الوادي الخصيب فكاكاً

هل جئت تنشر في ثقيف دعوة ... أم جئت ترصد بينها الأملاكا؟!

دعها وما ألفتهُ من آبائها ... واترك لها الأزهار والأشواكا!

هي رحلة لا ترج منها نصرة ... أجهدت في وعث الطريق خطاكا

لو كان ربك مرسلاً أحداً لنا ... أفما رأى من مرسليه سواكا؟؟

وهنا تذهب الجماعة في قهقهة مدوية وترسل ضحكاتها عالية، فيقوم آخر منهم ويقول:

رجل آخر من ثقيف:

إن كنت تحمل حقاً ... رسالة قدسية

فأنت أعظم قدراً ... من أن نرد التحية

وإن تخرصت كذباً ... على إلاه البرية

فأنت أهون شأناً ... من خوضنا في القضية

وتستمر الجماعة الضالة الهازئة في ضحكاتها، وهم يسبون النبي ويرمونه بالحجارة ويصيحون به. فيقوم واحد منهم، ويتجه إلى جماعة من العبيد والسفهاء يغريهم به قائلاً.

ثقفيٌّ ثالث: -

ما بثقيف حاجة ... إلى الدعاوى والكذب

أيقصد المغلوب في ... مكة بيننا الغلب؟

عجيبة منه ... تثير في نفوسنا العجب!

ما للفتى وللرسا ... لات لدينا والكتب

سيفسد الأمر علي ... كم بالحديث والخطب

فما لنا في دينه ... شأن ولا لنا أرب

الخير كل الخير في ... رمان (وج) والعنب نعتصر الخمرة من ... هـ في أباريق الذهب

وهنا يكرر الفتيان والسفهاء هذا البيت الخير، ثم يستمرون في عربدتهم وسخفهم، حتى يلجئوا النبي إلى حائط، وقد أدموا رجليه. . . فحين يرجع عنه السفهاء ويصيبه بعض الاطمئنان يتجه إلى ربه قائلاً.

محمد:

(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، اللهم يا ارحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربي. إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدوٍّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي. ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل بي سخطك! لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة غلا بك).

وهنا يرى عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة ما حل بالرسول فتتحرك الشفقة عليه في قلبيهما، ويدعوان غلامهما النصراني وأسمه (عداس)، قائلين له:

عتبة وشيبة:

عداس خذ عنباً من بعض كرمتنا ... وأعطه - في حنان - ذلك الرجلا!

إنا نرى الجوع يبدو من نواجذه! ... فما تبلغ من زاد ولا أكلا

إن المروءة تأبى أن نجوعه ... وأن يقال: غريب بيننا هزلا. . .!

ثم يذهب (عداس) إلى النبي ويضع طبق العنب بين يديه فيبدأ النبي يلتقط حبة منه قائلاً. بأسم الله. فينظر (عداس) إلى وجهه ثم يقول

عداس:

هذا كلام لم يقل ... هـ الناس في هذا البلد

ولم أكن أسمعه ... ولم يدر لي في خلد. . .!

هذا كلام واحد ... يسبح الله الأحد!

فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلّم

محمد:

ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ عداس:

أنا من (نينوى) وديني دين ... ينتمي للمسيح عيسى بن مريم

محمد:

أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متي؟

عداس:

يونس الصالح بن متي؟ أجبني ... كيف تدري بأمره كيف تعلم؟

محمد:

ذلك أخي كان نبياً، وأنا نبي!

وهنا يكب (عداس) على رأس الرسول يقبلها ويقبل يديه ورجليه، فيراه سيداه عتبة وشيبة، فيقولان له حين يرجع إليهما.

عتبة وشيبة:

ويلك يا عداس ما ... هذا بفعل طيب

ماذا الذي صنعته ... مع الغريب الأجنبي

قبلت منه رأسه ... وزدت تحت الركب

فما الذي أبقيته ... لمجدنا من أدب؟

وما الذي عادلنا ... في قومنا من أرب

عداس:

المجد لله القوي ... والعزيز الأغلب

آمنت أن الضيف هـ ... ذا هو فخر العرب

وأن فيه آية ... تدل أنه النبي. . .

عتبة وشيبة في ذهول:

تدل أنه النبي؟؟ تدل أنه النبي؟؟

محمد عبد الغني حسن