انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 770/من رباعيات عثمان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 770/من رباعيات عثمان

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 04 - 1948



للأستاذ عتمان حلمي

حانتي

هذه حانَتي وهذا مكاني ... لستُ أنساها وإنْ نسَياني

كم ليال أطلقتُ فيها للهْوى ... ومراحي مع الشباب عناني

ملكتني روحٌ تعربدُ في رو ... حي فما يستقُّر منها كياني

كلما جَلجلتْ بنفسي لم أم ... لك رقيبي على يدي ولساني

كنتُ إنْ أقبل المساءُ كأني ... بي روحٌ قد مسها روحُ جنَّ

ظامئاً لا أُكادُ أُروى بغير ال ... كأس في ركن هادئ مطمئن

كلما قلت هاتها أقبل السا ... قي بكأس تثير روح التمني

فتعاطيتها وليس بنفسي ... غاية قبل شربها أن أُثَنى

طفرت نشوتي بأول كاس ... طفرات من وحشتي لا ئتناسى

فإذا بي ألقيتُ عن سر نفسي ... حجباً من تزمتي واحترامي

وإذا بي نسيتُ ما آد قلبي ... من أسى جاثم ومن وسواس

ولقد تصلحُ النفوس إذا ما ... عولجت من همومها بالتناسي

ثم ناديت أيُّهذا الساقي ... ثنِّ من بعدها بكأس دهاق

هاتها لي فلا رفيق سواها ... فهي نعم الرفيق بين الرفاق

فمضى ثم جاَءني وبنفسي ... من سُعار كلهفة المشتاق

وبكأس أُكادُ أقرأ فيها ... آيةً من بدائع الأذواق

فطغت نشوتي وطار وقاري ... وانجلت بهجتي وغاض ازوراري

فلقد خفَّ كلُّ ما كان بيني ... من قُيود وبين نشوانَ جاري

طوت الحُمر كل ما حال بالأن ... فس عن حمقها من الأستار

فتعرت عن الحفاظ فما تف ... رق بين الإعلان والإسرار

ثم جاءً الساقي بكأس سواها ... بلغتْ نشوتي بها مُنتهاها

زلزلتْ كل ما استقام بنفسي ... من نهاها كما استثارت هواه وبدت لي الأشياء في عين صفوى ... راقصات في أي صفو تناهى

كلما شمشع الصفا بنفسي ... زادها النور بهجة وجلاها

ما يكاد الساقي يروحُ بكاس ... منه حتى يعود منه بكاس

دار مثل الطاحون رأسي واعو ... جَّ لساني وأسرعت أنفاسي

وتراخت مفاصل كلما حا ... ولتُ نهضاً لم ألق لي أيّ باس

ثم ناديت هات أخرى وقد ود ... عتُ من بعدها رجائي ويأسي

ثم جاء الساقي بغير نداء ... كاظما سوء نفسه الشوهاءِ

حاملاً كأسه التي لست أدري ... عدها لو أردت دون عناءِ

ولعمري وقد نسيت وجودي ... كيف بي ذكر أتفه الأشياء

هات أخرى لعنت يا أيها الخن ... زير واطلب ما شئته من عطاء

عتمان حلمي