انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 598/إليها. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 598/إليها. . .

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 12 - 1944



للأستاذ علي محمود طه

(. . . وقرأ قصيدتها فراعه ذلك الروح الشاعر الثائر

المضطرب في محيط من العذاب والألم. . . وأدرك سر هذه

الخواطر الحزينة الباكية. . . وأحس أنه المتهم، وهو البريء

الذي لم يكفر بهذا الحب، ولم يخل قلبه من ألمه. . . فمد إليها

ذراعيه يخاطبها بهذه القصيدة):

لا تتركي زورقَنا المُجْهَدَا ... يجري به اليأسُ ويمضي العذابْ

لا تُسلمِي مجدافه للردى ... فالشاطئ الموعودُ وشْكَ اقتراب

سّيان أرغى الموجُ أم أزبدا ... لن نحنيَ الرأسَ أمام الصعاب

هذي يدي! مدِّي إليها يدا ... نقتحم النوَء ونطوِ العباب!

نادَي بروحي منكِ روحٌ شرودْ ... لبَّيكِ يا رُبَّانتي الهاتفه

شرائع الناس بهذا الوجودْ ... أعجزُ من أنْ تقهرَ العاطفة

وَددِتُ لو حطَّمتُ هذه القيودْ ... وجئتُ ألقاكِ على العاصفة

يُضيء وجهينا بريق للرعود ... فنثني بالنظرة الخاطفة

وحدِك أنتِ الآن؟ إِنَّا هنا ... روحانِ شبَّا في ظلال الكفاحْ

شراعُنا الخفّاق لن يَسْكُنَا ... لليأس مهما مَزْقَتْهُ الرياح

ونجمُنَا ما زال طلْقَ السَّنَى ... يُطالع الأفْقَ ويَلْقَى البطاح

إذا الغواشي السُّودُ مرَّتْ بنا ... ألَقى لنا الضوَء َوَمَّد الجناح

حُبُّكِ رُبَّانُ الهدى والسلامْ ... ما لان للأخطار أو أذعنا

لا تَنْزِعِي من قبضتيهِ الزمام ... ولا يَرُعْ قلبكِ هذا الضنى

كم ثار نوءٌ وتدجَّى ظلام ... وهذه أنتِ وهذا أنا

إنّا بلونا الهولَ باسم الغرام ... جنباً لجنبٍ، ورجونا المنى! ثِقِي بملاَّحكِ في المأزقِ ... إني أنا ابن الموج والعاصفاتْ

ألشعَرَاتُ البيضُ في مفرقي ... تُنْبِيكِ عن أياميَ الخاليات

آثارُ عمر مُرعدٍ مُبْرق ... تعصف فيه أروعُ الحادثات

ما كدَّرتْ من روحيَ المشرقِ ... تلك الليالي القُلَّبْ المظلمات

حبيبتي من أيِّ قلبٍ حزينْ ... وأيِّ روحٍ عبقريِّ الألمْ

وأيِّ وادٍ للأسى أو معين ... فجرَّتِ لحناً من أرقِّ النغم؟

وَصَفْتِ فيه زهرة (الْجُوِرجين) ... حارسةَ المْيتِ بوادي العَدَم

وَخِلْنِهَا كالكأس ذات الرنين ... بَّراقةً فيها الردى يبتسِم؟!

بكيتِ بالدمع السخين الذريفْ ... على غرام خِلْتِهِ قد مضى

وأبصرت عيناكِ ظلَّ الخريف ... يُجللُ الأرضَ ويغشىَ الغضا

تخضبُ كفَّاه النضيرَ الوريفَ ... وَرْساً، وتُدْمِي الزنبقَ الأبيضا

وتُخرس الطير بليلٍ شغيف ... يروعُ فيه القلبَ أن ينبضا!

هذا الخريفُ الْجَهُنم تمشي خُطاهْ ... على الربيع الذَّابلِ المحتَضرْ

كآبةٌ تحجبُ أُفْقَ الحياهْ ... سحابةً تخنقُ ضوء القمرْ

أختاهُ! هذا الحبُّ غَضُّ صِباهْ ... أيُّ عذابٍ صاغ هذي الصورْ؟

لم يَبْرجِ الشاطئَ، إنِّي أراهْ ... كعهدهِ في الموعد المنتظر!

كان حديثُ القَدَرِ المبهَم ... مثارَ هذا الخاطر المفزعِ

برغم قلبي: صحتُ لا تُقدمي؟ ... وكان ما كان فلم تسمعي

أشفقتُ أن تَشْقَىْ وأن تألمي ... معي، فناشدتُكِ أن ترجعي

لكنْ أبى الحبُّ فلم تأثم ... وكان أن أَبْقَى، وتَبَقىْ معي!

أكانَ حُلْمَا أم قضاءً دعا؟ ... ماذا يُفيد العاشقين الحذرْ؟

شئنا فلم تقدرْ وعدنا معاً ... يا أختَ روحي ذاك حكم القدرْ!

لم ندَّخِرْ جهداً ولا أدمعاً ... ولا دماً، ما نحن إلاَّ بشرْ!!

ما أمجد الحبَّ وما أروعا ... إذا تحدى العاشقان الخطرْ!

الجبُّ ما زالَ، وهذا سناهُ ... يُلهبُ حتى الشعلةَ الخامدة تذوي الأزاهير وتذوي الشفاه ... وهو ربيعُ الأنفسِ الواجِده

قلوبنا منه تُصيبُ الحياه ... وتستمدُّ منه النَّضْرةَ الخَالدة

إذا أصعناه فوا رحمتاه ... لنا، وبؤسَي لليد الجاحده!

(هو)