مجلة الرسالة/العدد 584/صفحات مطوية من المصري

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 584/صفحات مطوية من المصري

مجلة الرسالة - العدد 584
صفحات مطوية من المصري
ملاحظات: بتاريخ: 11 - 09 - 1944



الشهاب المنصوري

للأستاذ السيد أحمد خليل

ذلك شاعر آخر من الشعراء المغمورين الذين نشأوا في مصر، وتأثروا بما يجري على أرضها من أحداث، تظهر في أعمالهم الشعرية التي خلفوها خصائص هذه البيئة ومزاياها. ذلك هو الشاعر المعروف بالشهاب المنصوري

ترجمته

يعرف هذا الشاعر بالشهاب المنصوري، وبابن الهائم والمترجمون له يستعملون هاتين الشهرتين. فأما نسبه كاملاً، فهو أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الدائم بن رشيد الدين بن عبد الدائم بن خليفة المعروف بالشهاب المنصوري.

ولد سنة 798هـ ببلدة المنصورة، ونشأ بها، فحفظ القرآن وجوده، وتلقى بعض المبادئ في الفقه والحديث والتفسير والأدب، ثم رحل إلى القاهرة، فعرض كتاب التنبيه على الجمال الأقفهسي المالكي، ثم حفظ الملحة وقد رحل في شبابه مع والده إلى دمشق، ثم عاد إلى القاهرة وعاود البحث في التنبيه على الشرف عيسى الأقفهسي الشافعي، وعرض ألفية ابن مالك على الشمس الجندي وأخذ عنه أشياء من تصانيفه في النحو كالزبدة والفطرة، ولما فرغ من قراءته عليه قال:

ثناؤك شمس الدين قد فاح نشره ... لأنك لم تبرح فتى طيب الأصل

أفاض علينا بحر علمك قطرة ... بها زال عن ألبابنا ظمأ الجهل

وأخذ النحو أيضاً عن البدر حسن القدسي شيخ الشيخونية، وسمع الحديث عن الرشيدي وتنزل في حنابلة الصوفية بالشيخونية وعانى الأدب وطارح الشعراء، وصار بأخرة أوحد شعراء القاهرة حتى كان العز قاضى الحنابلة يقدمه على الكثيرين، وقد حج وامتدح النبي بعدة قصائد، وخمّس البردة ومدح غير واحد من الأعيان، وكان صديقاً للسخاوي، صاحب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، وقد ترجم له ترجمة ضافية، ويقول الشهاب المنصوري يهنئه بمولود له: ليهنك شمس الدين فرعك مشبه ... سجاياك والقطر الشهي من الطخا

وذلك من وجود الإله وفضله ... ففرعك من وجود وأصلك من سخا

ويتفق صاحب شذرات الذهب مع السخاوي في أنه توفي يوم الاثنين سادس جمادى الثانية سنة 887هـ

أخلاقه

يقول السخاوي إنه كان ظريفاً كيسا متواضعاً متقللا قانعاً، ويبدو فيما رأيناه من شعر الشهاب أنه كان ظريف اللسان خفيف الروح يتمثل فيه الخلق المصري الهادئ الوديع مع اليقظة التامة لما يجري حوله من أحداث لا بد أن يشارك فيها جاداً أو مازحاً

شعره

فأما شعره فيصفه صاحب شذرات الذهب بأنه جميعه في غاية الحسن وينقل من ديوان له تلك الأبيات:

شجاك بربع العامرية معهد ... به أنكرت عيناك ما كنت تعهد

ترحل عنه أهله بأهِلة ... بأحداجها غيد من العين خرد

كواكب أتراب حسان كأنها ... برود بأغصان النقي تتأود

كما يقول السخاوي إنه أضحى مشاراً إليه بالشعر في الآفاق، ويحدثنا عن ديوانه أيضاً ويصفه بالكبر، وأنه انتخبه في مجلد وسط قبل أن يموت. والمتتبع لحياة هذا الشاعر يرى أنه قد شارك في جميع ألوان الحياة المصرية في عصره، وأن أداته في ذلك كله كانت الشعر، فهو يهنئ السلاطين بالملك بالشعر ويمدح ويذم ويداعب ويتحسر بالشعر أيضاً، وسننقل في ذلك بعض الحوادث مقرونة بشعره

لما عين مثقال الحبشي الساقي في مشيخة الحرم الشريف، وكان مثقال هذا عشير الناس كثير الانهماك على شرب الراح، فمقته السلطان قايتباي وألبسه مشيخة الحرم الشريف لعله يتوب قال فيه الشهاب المنصوري:

يمم ندا كف مثقال فراحته ... فيها لمن أمه جود وإفضال

واعجب له فرعاه الله من رجل ... فيه قناطير خير وهو مثقال وقال في شاهين غزالي الظاهري الرومي، وكان بارع الجمال افتتن به كثير من النساء والرجال، وافر العقل غزير الأدب منهمكا في ملاذ نفسه وشهواتها

قد صاغك الله من لطف ومن كرم ... وزاد حسنك بالإحسان تزيينا

فاخفض جناح الرضا واصطد طيور دعا ... من جو إخلاصنا إن كنت شاهينا

ويلاحظ أنه مولع بالتورية في شعره، فهو يستعمل الشاهين بمعنى الصقر، ومثقال بمعنى المقدار وهما علمان. وذلك أسلوب من أساليب الشعر في ذلك العصر

كما يصف طاعوناً تفشى خطره في الناس فيقول:

يا نعم عيشة مصر ... وبئس ما قد دهاها

لما فشا الطعن فيها ... حاكي السهام وباها

وهو يحارب الأمراء في جشعهم ليحملهم على أن يخرجوا الغلال التي احتكروها فيقول في الأمير يشبك الدوادار لما فعل ذلك:

وظالم منه أتانا الغلا ... يا ويله في الحشر من ربه

فادعوا وقولوا ربنا اطمس على ... أمواله واشدد على قلبه

وهو يتعصب للعلماء فينصر ابن الفارض على البقاعي، كما يرثي العلماء الذين عاصرهم رثاء مفجعاً يدل على ما يكنه لهم في نفسه من احترام وتقدير، فقد كان في مصر في ذلك الوقت سبعة من الشعراء العلماء يحملون اسم الشهاب فماتوا جميعاً وبقي شاعرنا فرثاهم بقصيدة طويلة ذكر طرفاً منها ابن إياس في كتابه بدائع الزهور ومنها:

خلت سماء المعاني من سنا الشهب ... فالآن أظلم أفق الشعر والأدب

تقطب العيش وجهاً بعد رحلة من ... تجاذبوا بالمعاني مركز القطب

فكاهاته

كان شاعرنا يميل إلى الفكاهة العذبة ويحتال لها في شعره بأنواع من البديع كالجناس ونحوه، ويتبين ذلك في الأبيات التالية التي داعب بها صديقه الشاعر عبد الرحمن بن حسن المعروف بكلب العجم وكان يميل إلى الغلمان:

في ملاح لك شتى ... صيف القلوب وشتا

كم ليال مع مليح ... يا محب الدين بتا خده بستان حسن ... حبذا البستان بستا

أنت بالصبيان صب ... لو رأيت البنت بنتا

وقد عرض له في أواخر حياته فالج ألزمه الفراش فانقطع في داره عن الحركة، ولكنه لا ينسى حظه من المداعبة الجميلة إذ يقول في مرضه:

آه يا درهمي ويا ديناري ... ضعت بين الطبيب والعطار

كنت أنسى في وحدتي وشفائي ... من سقامي وصحتي في انكساري

قد حماني الطبيب عن شهواتي ... فاحم يا رب قلبه بالنار

طال شوقي إلى الفواكه والبطيخ ... والجبن واللِّبَا والخيار

أما حديثنا عن ديوانه فسيكون في مقال آخر إن شاء الله.

(جامعة فاروق بالإسكندرية)

السيد احمد خليل