انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 510/من شجو الربيع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 510/من شجو الربيع

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 04 - 1943



أغاني غرام

(إلى. . . . . . . . .)

للأستاذ محمود حسن إسماعيل

أنِينُ اللْيلِ يُشْجيِنِي ... وَنَوْحُ الرِّيح يُبْكيِني

هُناكَ صَدىً يُناَدِينِي ... وَرُوحٌ رَفَّ يَدْعُونِي

أأنتِ هُنا. . .؟ أجِيبِينِي!

جَمَالُكِ ذَلِك الْفَاتِك ... إلهٌ شَعَّ مِنْ ذَاتِك

خُذِينِي بَيْنَ رَاحَاتِكْ ... وَطيِري في سَمَاَوَاتِكْ

وَأفْنِينِي، وَأحْيِينِي!

وَسِحْرُكِ يَسْرقُ الآجَالْ ... وَلوْ يَسْكُنَّ طَيْفَ خَيالْ

شَرِبْتُ بكأْسِه الْقتَّالْ ... شَقَاء العُمرِ والأهْوَالْ

وَأَوْهَامَ الْمَجَانِينِ!

عَبَدْتُكِ فْتَنةً كُبْرَى ... عَشِقتُكِ كَرْمَةً سَكْرَى

رَأيْتُكِ هَاَلةً حَيْرَى ... سَمِعْتُكِ نَغْمَةً حرّى

تَهِيجُ دَمِي، وَتَكْزينِي!

سَعِيرُ دَمِي بِكَفَّيكِ ... تَضَرَّعَ وَالِهاً يَبْكِي

وَجاَء لنورِ عَيْنَيْكِ ... يُذِيبُ مَرَارَة الشَّكِّ

أَذِيِبيهَا. . . أَذِيِبِيِني!

أنا الأَشَواقُ في جَسَدِك ... أنَا الِّنيرَانُ في كَبِدك

أنَا الْمَاضي حَرِيقُ يَدِك ... أنَا الآتِي رَحِيقُ غَدِك

وَجُودكِ سِرُّ تَكْويِني. . .

دَعِي أيَّامَنا تَجْرِي ... بما تَهْوَى مِنَ الأَمْر

فإنَّ الدَّهرَ لا يَدْرِي ... غَرَامَ النَّارِ باَلْجْمرِ فَكَيْفَ بَما تُذِيِقيِني؟!

دَعِيني طَيْرَ جَنَّاتِك=أُسبِّحُ في خَمِيلاتك

وأسْبَحُ في صَباَباتِكْ ... هَوى يَجْري بآهاتِكْ

وَيَفْنَى في الرَّياحينِ!

على شَفَتَيْكِ أنْهَارُ ... مُحَرَّمةٌ، وأثْمَارُ

وَفي عَيْنَيْك أسْرَارُ ... وإبْرِيقٌ، وَخَمَّارُ

فَمَالكِ لا تُرَوِّينِي؟!

لِمَنْ إلا لقْيَثاركْ ... يْوَسوسُ مُوَجُْ أنْهَاركْ؟

أنَا الظَّامي لأنْوَارِكْ ... أنَا الْبَاكِي لأزْهَارِكْ

فَلَيْتَ شَذَاكَ يَطْويِنِي!

عَشْقتُكِ. . . وَالْهَوى غَلاّبْ ... نَشِيداً في دَمي يَنْسَاب

فَصَوتُكِ كانَ هَمْسَ رَبَابْ ... وَكانَ حَفيفَ خَمْرٍ ذَابْ

عَلَى كَبدِي ليُشْجِيني!

وَكَنْتِ كزَنْبَقِ الأَسْحَارْ ... شَذَاهُ يُحيِّرُ الأَسْرارْ

إِذا نَاشَدْتُكِ الأَشْعَارْ ... ضَلَلَتُ، وَضَلَّتِ الأوْتَار

بأَيِّ صَدىً تُناَجِينِي!

وَكَنْتِ كآيةٍ عُلْيَا ... شُغِلْتُ بها عَن الُّدنْيَا

تُطِلُّ بِنَورِهَا وَحْياً ... وَتَنْشرُ سِحْرَهَا رُؤيا

عَن الأَهْوالِ تُلْهيِني!

وَكَنْتِ صَلاةَ أَحْزَاني ... وَكَنْتِ مَتَابَ عِصْيَاني

وَكَنْتِ رَبيِعَ أكْوَاني ... إذا مَا الدَّهرُ أظْمَاني

يُعَاندهُ، وَيَسقِينِي!

وَكَنْتِ الشَّجْو والأحلامْ ... وَكَنْتِ الدَّمْعَ والأَسْقَامْ

وَكَنْتِ مَتَاهَة الأَوْهَامْ ... وَكَنْتِ مَضَّلة الأيَّام

تُحيِّرُني وَتَهْديِني! وَكَنْتِ الَخْمرَ والأقْداحْ ... وَكَنْتِ الَّليْلَ وَالإصْبَاحْ

وَكَنْتِ الصَّمْتَ وَالإفْصَاحْ ... وَكَنْتِ على يديَّ جِرَاحْ

أُقلِّبُها فَتُدمِينِي!

وَكَنْتِ الْمَوْجَ والشُّطآنْ ... وَكَنْتِ الجُرحَ والسُّلوانْ

وَكَنْتِ النَّايَ والأَلْحَانْ ... وَكَنْتِ الذِّكْرَ والنسْيَانْ

عَلَيْكِ الدَّهرُ يَطْوينِي!

وَكَنْتِ شُجُنَ أيَّامي ... وَكَنْتِ جُنُونَ أحْلاَمي

وَكَنْتِ غَديِرَ إلهْامي ... وَكَنْتِ هَديرَ أَنْغَامي

يُفجِّرُني ويُبْلِينِي!

وَكَنْتِ عَيَاهِبَ الآفَاقْ ... وَكَنْتِ تَوَهُّجَ الأعَماقْ

وَكَنْتِ تَمرُّدَ الأشواقْ ... وَكَنْتِ تحيُّرَ الإحْدَاقْ

أدُورُ بِهَا فَتُغْوِينِي!

وَكَنْتِ ضُحىً وإشْراقاً ... وَكَنْتِ هَوىً وَأشَواقاً

وَكَنْتِ سَناً وَإبْرَاقاً ... وَكَنْتِ مُنىً وآفَاقاً

بِنَارِ هَوَاكِ تُغْرينِي!

وَكَنْتِ وَكنْتُ. . . ظِلَّيْنِ ... نُرَفْرِفُ في خَمِيليْنِ

نَعِيشُ بقَلْبِ طِفْلِين ... علَى الدُّنْيَا غَرِيَريْنِ

كاطْيارِ البَسَاتِين. . .

وَدَاَرَتْ بالْهَوى الأْحلاَمْ ... فَعَادَ صَبِاهُ نَعْشَ غَرَامْ

وعُدتُ أنُوحُ بالأَنْغَامْ ... كأنِّي مِنْ يَدِ الأيَّام

طُعِنْتُ بَحِدَّ سكِّينِ!!