مجلة الرسالة/العدد 488/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 488/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 11 - 1942



حول حديث (حديث عيسى بن هشام)

طالعت في العدد (486) من مجلة (الرسالة) الغراء ما دبجه يراع الدكتور زكي مبارك عن (حديث عيسى بن هشام) لمنشئه المرحوم عمي محمد بك المويلحي. وأني أعقب اليوم على مقال الدكتور بدافع الرغبة الصادقة في لفت نظره إلى بعض ملحوظات رأيت من واجبي أن أدلي بها خدمة للحقيقة وللتاريخ

يقول الأستاذ: إن عيسى بن هشام ينسب بالباطل أو بالحق إلى أبيه إبراهيم، تاركاَ القارئ بين الشك واليقين. والأدباء الذين تذوقوا أدب المويلحي الأب والمويلحي الابن يعرفون أن لكل منهما ميزات خاصة في الكتابة. ثم إن المرحوم الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد، وأصحاب المقطم، والمرحوم شوقي بك، وحافظ بك إبراهيم، والشيخ محمد عبده، والبارودي، والشنقيطي، كانوا معاصرين له، فلو أن (عيسى) كان لغير (محمد) لأذاعوا به

والبرهان القاطع بأن عيسى هو من إنشاء محمد لا من إنشاء أبيه ما احتوته الديباجة التالية في العدد 109 من (مصباح الشرق)؛ وقد توقف المرحوم جدي عن متابعة رسالة (مرآة العالم) أو (موسى ابن عصام)، تاركاَ الكلام لعيسى بن هشام قال: (شغل حديث عيسى بن هشام، عن متابعة ما يحكيه موسى بن عصام، فمرت الأشهر والأيام، حتى انقضت مدة العام، وسافر إلى المعرض، وعاد موسى إلى ما انقطع من كلامه، وعدنا إلى ما يدور بينه وبين شيخه وإمامه)

هذا، وقد أشار المرحوم جدي في العدد (107) من (المصباح) عن سفر عمي إلى باريس بالعبارة التالية:

(يسافر محمد المويلحي إلى معرض باريس في يوم الأحد الآتي (10 يونيو سنة 1900)؛ وسينشر (المصباح) ما يوافيه به عيسى بن هشام من غرائب المعرض وعجائبه، بعد الوقوف على إجماله وتفصيله، كما يعلم ذلك من رسالته في صدر الجريدة اليوم: (يعنى حديث عيسى بن هشام)

وجاء في العدد (116) من (المصباح): (هذه الرسالة الأولى من حديث عيسى بن هشام عن زيارة معرض باريس، بعث بها إلينا السيد محمد المويلحي بعد رسالته التي نشرها ف أحد أعدادنا الماضية عن زيارة سمو الجناب العالي الخديوي لجلالة ملكة الإنجليز في بلادها)

كذلك نأخذ على الدكتور مبارك حكمه على محمد بك من أول جلسة جلسها معه عند المرحوم أحمد باشا شفيق، لأن الرجال أسرار، وقيمة الرجل لا تعرف إلا بعد طول المعاشرة.

ولم يعتزل محمد بك الكتابة كلية بعد موت أبيه كما قال الدكتور، وإنما اعتزلها حيناَ من الدهر حين اشتغل مديراَ لإدارة الأوقاف العمومية بعد مديرها أحمد شفيق باشا. ومع كل فقد كان ينتشر في الصحف اليومية المقالات الضافيةفي المناسبات الهامة كما ذكر بنفسه ذلك في المؤيد بتاريخ 9 فبراير سنة 1908 تحت عنوان: (كلمة مفروضة)، وكان الكلام يدور حول منع نصب تمثال (دانتي الإيطالي) في مدينة الإسكندرية. ولا يفوتني ذكر مقالته (صوت من العزلة) التي افتتح بها الأهرام صحيفته في30 ديسمبر سنة 1921 وفيها يذكر محمد بك سبب عزلته ويرحب باتحاد الأحزاب في مصر وما في الاتحاد من عزة للشرق

وفي سنة 1925 طلب منه صاحب جزيرة مشهورة في مصر أن يكتب مقالين في الشهر مختاراَ له لونا معيناَ من السياسة ويأخذ عليهما ثمانين جنيهاَ؛ فأجابه المويلحي الصغير بكلمته المشهورة: (قلم المويلحي لا يباع)

أما سور بابل فلا مبالغة فيه إذا علم الأستاذ مبارك أن المهندس كان يعيش في القرن الثاني قبل المسيح هو أول من جمع في مؤلف واحد وصف عجائب الدنيا السبع بكل ما أوتي من دقة تكون أهلاَ لمهندس. ولم يقصد محمد بك بقوله إن السور يتسع للإحاطة بسبع مدائن كمدينة باريس (في سنة 1900 طبعاً) إلا على الطريقة الحسابية التي سبقه بها في مثل هذه العمليات الحسابية المهندس الفرنسي (لينان باشا) حيث قال: إن حجارة الأهرام تكفي لبناء قناطر محمد علي.

إبراهيم المويلحي

اللغة والتعريب

تحركني كلمة الأستاذ زكريا إبراهيم إلى الرد لأنها تتناول مسألتين جوهرتين: أولاهما مسألة الخطأ والصواب بمناسبة (عثرت به) و (عثرت عليه) وثانيتهما مسألة تعريب الأسماء الأعجمية.

فأما عن (عثرت به) فقد قلت إن المعنى الذي أريد التعبير عنه هو العثور بالشيء أي ملاقاته اتفاقاَ، ولم أرد (العثور عليه) أي الاطلاع الذي يدل على علم ومعرفة وبحث وجهبدة لا أدعيها.

والذي يدهشني هو تفضل هؤلاء العلماء بلفت نظري إلى مختار الصحاح ودوائر المعارف وتراكيب اللغة الإنجليزية وهذه كلها مراجع ما كنت أحلم بوجودها.

وآفة هذه المهازل هي قول بيكون: (العلم الصغير شيء خطر) وهذا طبعاَ لا علاقة له بالعلماء الكبار أمثال الكرملي وزكريا إبراهيم؛ وهما بلا ريب يعلمان أن لغات العالم كلها مجازاة ميتة وأن تلك المجازاة رغم موتها تحتفظ دائماَ بشيء من معناها الحقيقي.

فأنا عندما أقول (عثرت بالشيء) مفسراَ بقولي (وقعت عليه) يكون معنى ذلك أنني اطلعت عليه ولكن مصادقة كما يعثر حافر الجواد بأحد الكنوز. وبذلك أعبر عن المعنى الذي في قلبي تعبيراَ لا تحققه (علي) بما تفيده من إلى غاية وسعي لبلوغها.

ثم إن مسألة الصحة والخطأ في اللغات أصبحت مسألة تافهة لا يحرص عليها في غير مجال التعليم المدرسي. وأما العلم فقد تقدم وأصبحت المناهج تاريخية فترى العلماء اليوم لا يقررون الخطأ والصواب في اللغات وإنما يستقرون الاستعمالات عند كبار الكتاب ويفسرون ما يطرأ على اللغة من تطور. ومن الغريب أن نظل نحن متردين في طرق التفكير التي تخلص منها العالم المتحضر منذ أكثر من قرن. فاللغة العامية ذاتها ليست مجموعة أخطاء، وأنما هي تطور عادي مألوف في كل اللغات. واللغة الفرنسية والإيطالية كذلك ليستا أخطاء اللغة اللاتينية.

وإذن فكلام الكرملي وكلام زكريا إبراهيم حذلقة تافهة ومماحكات لا علاقة لها بمناهج البحث في اللغات التي لم تعد تقريرية في شيء.

وأما عنصر الثبات في اللغة وهو ما يطالب به الأستاذ زكريا حتى لا يصير الأمر فوضى، فذلك مالا أستطيع أنا أن أدخله في اللغة بل ولا المجمع اللغوي نفسه. عنصر الثبات هو استعمال كبار الكتاب لمفردات اللغة وتراكيبها، ثم قراءة مؤلفات كبار الكتاب في المدارس والجامعات لتشيع تلك الاستعمالات. وكل محاولة في غير هذه السبيل لن تجدي شيئاَ.

اللغة كائن حي لا يقنن له وأكبر دليل على صحة ما أقول هو أن المجمع اللغوي لم يستطيع شيئاَ في هذا الباب ولن يستطيع. وأنا أشكر الأستاذ زكريا إبراهيم إذ نبهني ونبه زملائي أساتذة الجامعة إلى وجوب ترجمة أسماء الأعلام كما ينطق بها أهلها. فهذا لا ريب مبدأ سليم ولكن على شرط أن نعرف كيف كان ينطق بها أولئك الأهل. ونحن لسوء الحظ لا نعرف ذلك دائماَ. ولقد ثار الأستاذ زكريا على أساتذة الجامعة وثار الأب الكرملي لأننا نعرف أحياناَ عن الإنجليزية والفرنسية مع أنني أستطيع أن أؤكد لهذين العالمين أننا نعرف مبادئ اللغات الأندو أوربية وبخاصة اللاتينية واليونانية، ولكننا مع ذلك نؤثر أن نترجم عن اللغات الحديثة لأننا لسنا على ثقة من نطق هاتين اللغتين، وهما لغتان ميتتان، والعلماء مختلفون في نطقهما الآن أشد الاختلاف. وأنا وإن كنت لا أستطيع أن أدخل هنا في التفاصيل إلا أنني أضرب لذلك مثلاَ باسم الخطيب الروماني الشهير فهذا الاسم ينطقه اليوم علماء الإنسانيات الإيطاليون (شيشرو) كأنه لفظ من ألفاظ اللغة الإيطالية الحديثة. والفرنسيون كذلك ينطقونه (شيشرو) والإنجليز (كيكرو) فأيها أصح؟

نعم لقد ماتت في السنين الأخيرة دعوة كان من أكبر زعمائهم العالم الفرنسي إلى محاولة النطق نطقاَ تاريخياَ أي نطقاَ يقارب النطق القديم يستنتجونه من بعض الكتابات الصوتية القديمة ومن العناصر الموسيقية في الشعر ومن نتائج علم الأصوات التاريخي وتطور نطق الحروف المختلفة كما يستعينون بآراء العالم إرزم ومحاولاته في هذه السبيل، أقول إن ذلك كله قد كان، ولكن هذه المحاولات لم تنجح. ولا يزال علماء كل بلد في أوربا ينطقون اللاتينية واليونانية كأنهما من لغاتهم. وإذن فنحن حتى في هاتين اللغتين مضطرون إلى أن نتخير نطقاَ نأخذه عن علماء أحد هذه البلاد. وذلك إلى أن يستقر النطق أسس ثابتة مقبولة من الجميع

ويزيد الأمر تعقيداَ أن مسألة تعريب الأسماء لا يمكن أن يكون وفقاَ لقرارا ت يصدرها المجمع اللغوي أو الأستاذان الكرملي وزكريا إبراهيم، وإنما الأمر أمر استعمال: استعمال كبار الكتاب الذين لهم من الشهرة ما يجعل تعريبهم يذيع بين الناس

خذ لذلك مثلاَ ما استقر عليه العرف في فرنسا منذ القرن السابع عشر تجد أن أسماء الأعلام الشهيرة التي تتداولها الألسن قد أعطيت صيغة فرنسية، ولذلك يقولون فرجيل وهومير وسوفوكل واوربيد وإشهل. وأما الأسماء التي لا ترد إلا على ألسنة الخواص من العلماء فقد تركت لها صيغتها اللاتينية واليونانية، ولذلك يقولون: كورينلوس نبوس وإبيكوس وبيوس ومورسكوس ومن إليهم

وإذن فالأمر أعقد مما ظن الأستاذ زكريا إبراهيم. وأساتذة الجامعة يؤلمهم أن يبلبلوا أذهان القراء. ولكن ما الحيلة والمسائل معقدة؟ أليس من الأجدى علينا وعليكم أن تتركونا نتحسس السبل ونجاهد حتى نصل إلى تعريب سهل قريب مستساغ نرجو معه أن تنتشر الألفاظ التي نفضلها فتنحل المشاكل ويرتفع اللبس؟ ثم أليس من الخير أن نعرب عن إحدى اللغات المنتشرة في بلادنا بدلاً من التعريب عن لغات قديمة لا يعدو من يعرفها من مواطنينا الذين نكتب لهم عدد الأصابع؟

محمد مندور

سبب مجهول من أسباب اختلاف القراءات

المعروف أن أقوى سبب لاختلاف القراءات يرجع إلى اختلاف اللهجات العربية، فجاء الأذن بقراءة القرآن على الفصيح من تلك اللهجات، ولم تتعين قراءته باللغة التي نزل بها وهي لغة قريش، تيسراَ على غيرها من القبائل العربية

ولكن هناك سبباَ آخر لم يذكروه في أسباب اختلاف القراءات، مع أن من هذه القراءات ما يظهر غاية الظهور أنه راجع إليه، ولا يظهر أنه راجع إلى اختلاف اللهجات، وذلك نحو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ففي بعض القراءات (فتثبتوا) بدل (فتبينوا) ولاشك أن مثل هذا في القراءات وهو كثير لا يظهر إرجاعه إلى اختلاف اللهجات، وأنما يظهر إرجاعه إلى ما كانت عليه الكتابة العربية قبل اختراع النقط والشكل فيها، لأن مثل هذا يقف القارئ فيه متحيراَ، فلا بد أن يرجع إلى النبي في قراءته، وقد يكون بعيداَ عنه فيتعذر رجوعه إليه، فقضت رأفة الله أن يقرأ القرآن بما يحتمله من ذلك تيسراَ على المسلمين في عصر الوحي، وثقة بملكة العربي في ذلك الوقت. ولعل النبي كان يعين أمثال تلك المواضع، أو كانت ترد إليه فيقر ما يراه منها. ومما يظهر حمله على ذلك أيضاَ قوله تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها أباه) فقد قرأ الحسن وحماد الرواية (وعدها أباه) بالباء، وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن الكريم، فإذا كنت أصبت في حملها على ذلك السبب فهو من فضل الله، وقد يكون الصواب في غير ما رأيت من ذلك، والعصمة لله وحده

عبد المتعال الصعيدي

(الرسالة): أشرنا إلى هذا الرأي بإيجاز في كتابنا (تاريخ

الأدب العربي)

الشاعر المظلوم

الأستاذ الدكتور زكي مبارك

عددت على شاعرنا (إسماعيل صبري باشا) أن اشترك في (عام الكف) مع أنه مدح الشيخ أحمد الزين!

كذلك جاء مقالك الأخير بالرسالة الذي تحلل به المويلحي في فقرة جعلت عنوانها (الأديب المضطهد) فأوحيت إلي بهذا العنوان

ومدح الشاعر صبري باشا للشيخ أحمد الزين له قصة رواها على ملأ من كرام العلماء والأدباء إمامٌ من أئمة الأدب والعلم والفضل هو شيخناَ مصطفى عبد الرازق باشا يجب إيرادها إنصافاَ للشاعر الغائب:

كان ذلك منذ عامين، وبيت عبد الرازق بعابدين على عهدك به في ليلة من ليا لي رمضان؛ ولم يكن الشيخ احمد الزين وطائفة من أصدقائه غائبين عن هذه الجلسة، وجرى ذكر الشعر والشعراء وصلتهم بالنحو واللغة فقال الدكتور هيكل باشا: لعل الشاعر إسماعيل صبري باشا لم يكن واسع المحصول اللغوي سعة تحميه من التورط أحياناَ في بعض الأخطاء. فالتقت الشيخ مصطفى عبد الرازق باشا يدفع غيبة صديقه صبري باشا فقال له هيكل باشا: لقد أسمعني بعضهم شعراَ له جاء فيه كلمة (خلاق) بمعنى خلق وهي ليست كذلك فيما يقول الشيوخ! فقال عبد الرازق باشا - والشيخ احمد الزين حاضر - إنني أنكرت ذلك أيضا، فلما لقيت صبري باشا لم أكتمها عنه فكان جوابه: إن الشيخ الزين رجل مثابر علي الود، فلما هم بطبع ديوانه سألني أبياتاَ فلم تسعفني القريحة. ولما تكرر منه الطلب لم يسعني إلا أن أقول له - وهو شاعر أيضا - اصنع أبياتا لنفسك على لساني. فلما أهدي إلي ديوانه قرأتها كما قرأتموها، وصبرت على ما لم تصبروا عليه

وأقول: إنك يا دكتور - وأنت ذواقة - حين تقرأ الأبيات لا ريب تنكر نسبتها إلى سائر شعر صبري باشا، أو تتردد طويلاَ جداَ على الأقل. وهاهي ذي ليشترك معك ومعي قراء الرسالة في الحكم:

إذا كنت يا زين زين الأدب ... فأن كتابك زين الكتب

قلائد طوقت جيد البيا ... ن بهن وحليت جيد العرب

خلائق تزري بنفع الرياض ... إذا ضحكت من بكاء السحب

وما المرء إلا (خلاق) كريم ... وليس بما قد حوى من نشب

(المجمع اللغوي)

علي فوده