انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 34/العالم المسرحي والسينمائي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 34/العالم المسرحي والسينمائي

مجلة الرسالة - العدد 34
العالم المسرحي والسينمائي
ملاحظات: بتاريخ: 26 - 02 - 1934



حول أزمة المسرح

بين مديري الفرق والممثلين

تفيض منذ أسابيع انهار الصحف من يومية واسبوعية بالحديث عن المسرح المصري ومشكلته القائمة من سنوات لمحاولة انهاضهوبعثه من جديد، وخلقه خلقاً آخر يقيل من عثرته ويبعث فيه دم الحياة والقوة، ويرفعه من هذه الهوة العميقة، وقد رددت الصحف صدى الشكوى الحارة مما آلت اليه حالة المسرح خاصة في هذا الموسم اذ اغلقتاكثر دور المسراح أبوابها وفض مديرو الفرق فرقهم التمثيلية بعد عمل لم يدم الا اسابيع. وكان الموسم يمتد كل عام اشهراً طويلة وتشتد فيه المنافسة والتشط الحركة، وتمثل عشرات الروايات بين مترجمة او مؤلفة ويقبل الجمهور على الملاعب مرحباً بما يبذل بين يديه من جهد وما يرى من آثار فنيه لها اقيمة ولها خطرها

كنا وكان الحال على ما ذكرنا حتى سنتين او ثلاث فخمدت هذه الجذوة، وفتر هذا النشاط، وانصرفت الجماهير بعضها الىصناديق الليل كما يسمونها في باريس، وبعضها إلى دور السينما، وطالعنا هذا الموسم بما طالعنا به من الكساد وسوء الحال وغلق دور التمثيل ابوابها ولما تكد تبتدئ العمل.

ولم يفت لجنة تشجيع التمثيل في وزارة المعارف ان تتنبه إلى ما وصلت اليه حال المسرح فاسرعت بعقد جلساتها ونشطت للعمل نشاطاً ملحوظاً، وارسلت لمديري الفرق جميعاً تسألهم رأيهم فيما يعيد على المسرح حياته ونهضته. وكان أن اقتراح تاليف فرقة من جميع المشتغلين بالمسرح تمدها الوزارة بالاعانة وتشد ازرها

ويتكاتف الجميع على العمل معاً في سبيل غاية واحدة الا وهي انتشال المسرح والنهوض به.

قبل مديرو الفرق - أو أغلبهم على الأصح - هذا الاقتراح ورحبوا به، وألفت لجنة فرعية من أعضاء لجنة تشجيع التمثيل لتضع بالاتفاق مع مديري الفرق تفاصيل هذا المشروع للبدء في تنفيذه في الحال. وعقدت اجتماعات عدة لذلك، تبودل فيها كثير من الاقتراحات والآراء، وظن في وقت من الأوقات أن الأمور تسير سيرها الطبيعي، وأن المشروع أوشك على التمام. ولكن ظهر أخيراً أن مديري الفرق يعجزون اللجنة بطالباتهم، وأن قبولهم المشروع لم يكن الا تظاهراً منهم بالتمشي مع اللجنة في الاقترح الذي لقي عنده ترحيباً وتشجيعاً على أن يقفوا في منتصف الطريق ويعودوا إلى طلباتهم الاولى من أن توزع الاعانة عليهم كما جرت العادة كل سنة دون قيد أو شرط

فشل مشروع اللجنة إذا أزاء هذا التشبث أو قل هذا التعنت من مديري الفرق الذين رفضوا التعاون معها، ووقفت اللجنة حيرى وإذا بفريق كبير من ممثلي المسرح المشهود لهم بالكفاءة والمقدرة يؤلفون من بينهم اتحاداً ويتقدمون للجنة يعلنون أنهم يرحبون بمشورعها، وإذا كان مديروا الفرق قد ابوا التعاون معها على استعداد للعمل ولا ينقصهم الا أن تعينهم اللجنة وتمدهم بالمال.

كان هذا هو الموقف الطبيعي الذي لا يمكن أن يكون للممثلين غيره ومديرو الفرق قوم لديهم من المال ما يقوم بالأود ويسد الحاجة، ولأغلبهم من موارد العيش غير العلم في المسرح ما يجعلهم لا يحسون ضيقاً إن لم يكفل لهم كثيراً من الرفاهية والنعيم؛ ولكن الممثلين حالهم يختلف عن هذا كل الاختلاف فمهنتهم هي كل شيء لهم؛ ومنها موردهم الوحيد الذي يعيشون عليه وهم واسرهم ومن يلوذ بهم من الاهل والزوج والولد. لذلك كان من الطبيعي جداً وقد تخلف مديرو الفرق عن العمل أن يتقدم الممثلون؛ والاولون؛ والآخرون المجموع والكثرة، ورحبت اللجنة بهذا الأتحاد ووعدته بالمعونة وشد الأزور إذا توفرت فيه أشياء حددتها اللجنة كما طلبت من أفراده ضمن ما طلبت ان يتخذوا لهم مسرحاً خاصاً للعمل عليه.

ويسرنا أن أفراد هذا الاتحاد حققوا كثيراً مما طلبته اللجنة وانهم مجدون في تحقيق الباقي مما لم تسعف به الظروف المؤاتية وضيق الوقت، واتصالهم باللجنة مستمر وقد يكتب لمشروعه النجاح والتوفق وهو ما نؤمله ونرجوه مخلصين.

على أن الصحف طالعتنا هذا الأسبوع بنبأ اتحاد اجديد ألفه فريق آخر من الممثلين يقولون أن عددهم يبلغ المائة أو يزيد. وتقدم الاتحاد الجديد إلى اللجنة بما تقدم به اتحاد الذي يسبقه وما ندري ما سيكون موقف اللجنة حاله، ولكن ظروف تكوين هذا الاتحاد وجملة عارضة جاءت في نشرته الاولى وبعض ما أحاطه من ملابسات لا تخفى على الاعين المتنبهة الفاحصة، كل هذا يجعل الاتحاد الجديد مشكوكاً في جديته وفي الغرض الذي قام من أجله، فاذا قلنا أنه تألف للكيد للاتحاد الأول، وان يد مديري الفرق ليست غريبة عنه، لعلنا لا نكون مخطئين، ولعلنا لا نكون قد جاوزنا كثيراً حقيقة الامر والسر فيه.

على أن هذا لا يهمنا في الواقع كثيراً وان كان يؤلمنا ان نرى زملاء بعضهم حرباً على بعض، ولو حسنت النيات وتصافت النفوس لانضم أفراد الأتحاد الثاني إلى زمالائهم الذين كانوا قبلهم اتحاداً، ولما كان ثمت معنى لهذه التفرقة التي لن يكون لها اثر من نفع ان لم تنبت الفشل وتبذر الشقاق والخصام.

على أننا لم نكتب كلمتنا لنقف من الممثلين موقف الواعظ الناصح، فليتدبروا شأنهم على النحو الذي يحلو لهم، ولكن نريد أن نقول للجنة، لجنة تشجيع التمثيل، أن ليس في تنحيي مديري الفرق ما يجد من جهودها او يدفع بها إلى الفشل مادام أن الممثلين قد تقدموا للعمل مجدين مخلصين، وامامها السبيل واضحة إن أرادت أن تكون نواة صالحة للعمل المسرحي الحق، وفي وسعها أن تشرف على العمل وتشترط به من الشروط والقيود ما يحقق رغباته وينهض بمشروعها إلى الغاية التي تنشدها وننشدها جميعاً. وها هي فرصة سانحة تعرض لها فلعلها تنتهزها في حزم وعزم، ولعلها أخيراً لا تحجم عن العمل الجدي الصريح، وثمت بارقة من أمل لعل فيها الخير ولعل في ثناياها تحقيق أملنا الواسع في اقالة عثرة المسرح.

محمد على حماد