انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 288/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 288/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 288
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 09 - 01 - 1939



مقدمة ابن خلدون

صدر الجزء الثالث والأخير من مقدمة ابن خلدون باللغة الفرنسية عند الناشر الباريسي (جوتنر) ' ,

وكان قد نقل المقدمة إلى اللغة الفرنسية المستشرق (دي سلان) ونشرها في باريس سنة 1862 - 1868. فوقعت موقعاً حسناً عند أهل العلم والاستشراق حتى إن نسخها نفدت. فأخرجها مرة ثانية ذلك الناشر الباريسي من طريق التصوير الآلي للطبعة الأولى، وكلف المستشرق (جاستون بوتول) بالوقوف على الإخراج وبكتابة مقدمة لها، وبالتعليق عليها وشرح طائفة من الألفاظ الفنية، وتدوين فهرس شامل للفصول والموضوعات، وأسماء الأعلام والبلدان.

ومثل هذا العمل يدل على مكانة ابن خلدون وقدر مقدمته. وهل يغيب عن أحد من المشتغلين بالعلوم الاجتماعية أن ابن خلدون سبق نفراً من فلاسفة الغرب إلى آراء سديدة أو طريفة أو قلابة للمألوف؟ ومن ذلك حديثه قبل (مكيافللي) عن سياسة الملك، وقبل (فيكو) عن فلسفة التاريخ، وقبل (أوجست كونت) عن البحث في الظواهر الاجتماعية، وقبل (دروين) عن مسألة تأثير البيئة. وكل هذا مسلم به متعارف.

وعندي أنه - فوق هذا - سبق (بيكون) حيث قال: بنبذ (التشيعات) للآراء و (روسو) إذ فضل أهل البدو على أهل الحضر أي أهل الفطرة والخشونة على أهل المدنية والرفاهية، وسبق الفلاسفة (الدهريين) للقرن التاسع عشر أمثال (كارل ماركس) و (سبنسر) و (جوبينو) و (تارد) و (دركايم) حين قال (إن الخلق تابع بالطبع لمزاج الحال الذي هو فيه) (ص175، طبعة بيروت سنة 1900). أما (كارل ماركس) منشئ مذهب الاشتراكية المعروف - فقد سبقه ابن خلدون حيث قال (إنما اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم في المعاش) (ص120). وأما (سبنسر) فقد سبقه ابن خلدون في إثبات مبدأين، أولهما: أن العصبية ثم التعاون على المعاش من الأسباب الأولى للاجتماع البشري؛ والثاني: أن هرم الدولة من الدعة والترف.

وأما (جوبينو) فقد سبقه ابن خلدون حيث أشار إلى تأثير خصائص أجيال الخلق ف الحروب والفتوحات. وأما (تارد) - الفيلسوف الفرنسي - فقد سبقه ابن خلدون إذ أعلن (أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده) (ص147). وأما (دركايم) - مؤسس (مدرسة) علم الاجتماع لهذا العهد في فرنسا - فقد سبقه ابن خلدون حين عد وجود الجماعات أمراً واقعاً ملموساً وبصر بالصلة التي بين عدد الجماعة وغنى القطر، وحين ضخم تأثير التعاون والتماسك (ارجع لهذه اللفظة إلى مقالي في مجلة مجمع اللغة العربية الملكي. ج2) وتقسيم العمل ورأي أن البحث الاجتماعي تنبسط أطرافه - من ناحية التاريخ - على جميع أحوال الأمة (مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعته من الأحوال) (ص35). ثم إن بين ابن خلدون و (دركايم) وجهاً آخر من الشبه لا يستخف به، ذلك أن (دركايم) نزه مذهب (أوجست كونت) عن التشيعات للآراء وخلصه من وجوه الاستنباط المحض، وكلنا يعلم أن ابن خلدون عالم موضوعي كما يقولون أي عالم يتدرج من المحسات إلى النظر، ومن الخارجيات إلى الرأي.

بشر فارس

مكتب النشر العربي بدمشق

إلى جانب الجماعات التي تعنى في دمشق بالشؤون الاجتماعية والعلمية، عصبة من الشباب قامت منذ أعوام خمسة بتأسيس مكتب لنشر الثقافة والعلم أسمته (مكتب النشر العربي)؛ وتأسيس مكتب ليس له من غاية إلاّ خدمة الثقافة والعلم، ونشرهما بين الأوساط بأقوم الطرق وأكثرها فائدة ومنفعة، عمل شاق وعسير، في بلد، الثقافة فيه ضائعة حقوقها بين الذين يدعونها والذين يهملون شأنها، ويتجاهلون وجودها.

ولقد قام المكتب منذ تأسيسه إلى الآن، بنشر آثار ودراسات مختلفة لطائفة من المفكرين والأدباء سواء المتقدمون منهم والمعاصرون، فنشط بعمله هذا الحركة الفكرية في المدينة، وبرهن على أن الثقافة قيمتها عالية لا تبخس، وقدرها محفوظ لا يذل، مهما بلغ من إهمال الناس شأنها، وجور الظروف عليها.

لست أريد إسرافاً في المديح خشية الوقوع في غلو أو مبالغة، ولا أريد أيضاً الاقتصادية خوفاً من هضم بعض ما لهذا المكتب من حقوق علينا، ولكن ما أريد هو إيفائه حقه كاملاً غير منقوص، ورفعه إلى المرتبة التي تستحقها جهود مؤسسيه ومساعيهم، فإن عملاً كعملهم لا يكافأ بجزاء غير راحة الضمير، ولا يقابل بتشجيع غير تشجيع الخلق القوي الرصين، ثم لا تستفزه حوافز غير حافز النفس ورغبتها في خدمة العلم لتعزيز شأنه ورفع مستواه، لعمل جدير حقاً بالإعجاب وأهل للتقدير.

ومن الآثار الفلسفية والعلمية التي قام المكتب بطبعها ونشرها، هذه الآتية: المنقذ من الضلال للغزالي، حي بن يقظان لابن طفيل، وقد قدم لهذين الكتابين بمقدمة ضافية مع شرح لآرائهما الدكتوران جميل صليبا وكامل عياد. ثم مجموعة من المحاضرات كان قد أذاعها في الراديو الدكتور طه حسين بمصر، فجمعها المكتب وطبعها تحت اسم: الحياة الأدبية في جزيرة العرب. ثم من أفلاطون إلى ابن سينا، ودرس وتحليل ابن سينا مع منتخبات من فلسفته للدكتور صليبا أنيتا، وقواعد التحديث لجمال الدين القاسمي، ثم أصول المحاكمات وعلم المالية للعلامة فارس الخوري، وغير هذه كثير منه ما هو مطبوع ومنه ما هو قيد الطبع.

فلك طرزي

توثيق الصلات الثقافية بين مصر وأمم الشرق

اجتمعت في الأسبوع الماضي لجنة توثيق الصلات الثقافية بين مصر وأمم الشرق برياسة صاحب العزة وكيل وزارة المعارف، وقد عرض على اللجنة خلاصة آراء الحكومات التي قبلت الفكرة، عدا السودان وتونس والجزائر، فلم تصل منها ردود بعد، وأشار إلى أن بعض الحكومات تساءلت عن معنى توحيد الثقافة، وهل يقصد منه فرض ثقافة معينة على بقية الأمم، وما هي المسائل التي تبحث في المؤتمر المزمع عقده.

وبعد أن درست اللجنة الفكرة العامة، قررت تأليف لجنة فرعية قوامها: محمد فهيم بك مراقب التعليم الثانوي المساعد، ومحمد قاسم بك عميد دار العلوم، والأستاذ علي الجارم بك المفتش الأول للغة العربية، والأستاذ نجيب حتاتة مراقب التعليم الأولي المساعد، والدكتور أحمد عبد السلام الكرداني بك ناظر معهد التربية.

وعهد إلى تلك اللجنة فحص ردود الحكومات والإحاطة بمشاكل التعليم العامة في مصر وفي البلدان الشرقية، وأن تعد برنامجاً لهذه الدراسات يقوم على تفصيل أغراض المؤتمر، واقتراح بإنشاء مكتب دائم على غرار مكاتب المؤتمرات الدولية.

ويظهر أن الفكرة الغالبة هي عقد المؤتمر في فترات متباعدة إلا إذا دعت الظروف والمشاكل التعليمية فيعقد سنوياً.

وقد استقر الرأي على أن يطلق على اللجنة اسم (لجنة بحث وسائل توثيق الصلات الثقافية بين البلاد الشرقية ودراسة أهم مشكلات التعليم فيها).

ولعل في هذه التسمية ما يوضح الغرض الذي يرمي إليه المشروع.

تأبين الأستاذين السكندري ونللينو في مجمع اللغة

يقيم مجمع فؤاد الأول للغة العربية حفلة تأبين للأستاذين المرحومين الشيخ أحمد السكندري والسنيور نللينو، في الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم الجمعة 13 من الشهر الحاضر بدار الأوبرا الملكية.

وسيشهد الحفل مندوب من قبل صاحب الجلالة الملك ويخطب فيها الدكتور هيكل باشا وزير المعارف ورئيس المجمع الأعلى والدكتور توفيق رفعت باشا رئيس المجمع والدكتور منصور فهمي بك، والأستاذ ليتمان ثم ينشد الأستاذ علي الجارم بك قصيدة.

ويرد عليهم الأستاذ عمر الإسكندري بكلمة شكر، ويعقبه وزير إيطاليا المفوض وتنتهي الحفلة في الساعة السابعة مساء.

إنشاء أكاديمية علمية في كابل

من أنباء كابل أن المعارف العامة في أفغانستان أخذت تخطو خطوات واسعة بفضل الجهود التي تبذلها حكومتها وبحسن الإرشادات التي يقدمها الملك محمد ظاهر شاه الذي يبذل كثيراً من الجهود لنشر الثقافة الإسلامية والعلوم العصرية في البلاد، وبفضل أعمال السردار محمد نعيم خان وزير المعارف الذي عرف بجده ونشاطه.

ولقد فكرت وزارة المعارف في تخريج جيل صحيح ينهض بمهام البلاد السياسية والاقتصادية المقبلة، وذلك بتعليمهم وتثقيفهم وفق برنامج خاص في أكاديمية خاصة. وهاهي ذي الأكاديمية قد افتتحت باسم (أكاديمية العلوم السياسية) وحضر حفلة الافتتاح الوزراء وكبار الموظفين وعلى رأسهم صاحب المعالي الفيلد مارشال السردار شاه محمود خان وزير الحربية.

وأعضاء الأكاديمية هم من المتطوعين من طبقة الشباب المثقفين، والأمل وطيد في نجاح هذه الأكاديمية في إعداد شبان أكفاء لإدارة شئون البلاد السياسية والاقتصادية في المستقبل.

تمثال للنبي موسى

من أخبار لندن أن الأستاذ فرويد اليهودي النمساوي الذي أخرج من ألمانيا والموجود الآن في لندن، طلب النحات اليهودي الهنجاري لمبادا لمهمة هي صنع تمثال نصفي للنبي موسى الذي قام الأستاذ فرويد كما يقال بدرس شخصيته درساً دقيقاً على قواعده السيكولوجية. وقد وصل هذا الأستاذ بعلمه أن شكل موسى عليه السلام يجب أن يكون مصرياً، وعلى هذا الشكل سيعمل لمبادا التمثال.

ونحن وإن كنا نعلم أن هذه ليست أول مرة يعمل فيها تمثال للنبي موسى، إلا أننا نعجب للاتجاه الجديد الذي نحاه الأستاذ فرويد من وجوب تمصير هذا التمثال. والمعروف أن موسى كليم الله ولد في مصر وكانت مهمته منذ ولادته تحرير قومه الذين أذلهم المصريون وعلموا على تشتيتهم.

وما كان أجدر بالأستاذ فرويد من أن يواصل أبحاثه في علم النفس ليصلح ما أثبتت التجاريب خطأ الكثير منها ولا سيما فيما يتعلق بنظرية الفضيلة والرذيلة.

الذهب من رمال البحر.

غادر سويسرا نهائيّاً الكيماوي المعروف الأستاذ دونيكوفسكي الذي يدعي انه اخترع طريقة لاستخراج الذهب من رمال البحر. ويتجه بنظره الآن إلى جزر الفيليبين حيث يؤسس شركة رأس مالها أربعون ألف فرنك لاستخراج الذهب من رمال البحر بالرغم مما صادفه من الحظ العاثر في فرنسا وبلجيكا قبل سويسرا.

والمعروف أن العرب اشتغلوا كثيراً بالكيمياء وحاولوا مراراً تحويل المعادن، ومع كونهم فشلوا في هذا المضمار فإن آخر التجارب الكيميائية أثبتت صدق نظريتهم في إمكان تحويل المعادن بصرف النظر عما يتكلفه هذا العمل من التكاليف.

أما استخراج الذهب من رمال البحر فهذه مسألة أشبه بحلم قد يشابه حلم العرب وقد لا يشابهه، لأن الذهب إذا وجد بشكل عروق في الصخر والحجر في مناطق دون أخرى فإن العثور عليه كذرات رفيعة في الرمال لا يحتاج إلى المصاعب الهائلة التي يصادفها الباحثون عن الذهب في باطن الأرض.

ومن الغريب أن المصريين الأقدمين عرفوا كيف يبحثون عنه وكيف يستخرجونه، ولا تزال مناجمهم القديمة موضع إعجاب الجيولوجيين من أبناء هذا الجيل.

ولعلنا نسمع من الأستاذ الدكتور حسن صادق بك المدير العام لمصلحة المساحة كلمة في هذا الموضوع.

اكتشاف مدافن أثرية مهمة.

اكتشفت أخيراً مدافن واقعة على طول الطريق بين روما والمعرض الدولي الذي سيقام في وبكاستلفوزانو بالقرب من أوسينا حيث توجد آثار كركالا.

ويعود تاريخ هذه المدافن إلى القرن الأول بعد المسيح، وقد وجدت فيه جملة زهريات من الصفرة وجانب كبير من العملة الفضية وعقود ودبابيس وأدوات للزينة من بينها عقد ثمين من الزبرجد واللؤلؤ والذهب.

ووجود مثل هذه المجموعة القيمة يساعد كثيراً على تاريخ العصر الذي وجدت فيه فضلاً عن قيمتها الأثرية.

جماعة الفقيرية ويوغا بالهند.

وصل في أواخر ديسمبر الماضي إلى بمباي الضابط الفرنسي الدكتور بينيه موفداً من الحكومة الفرنسية للقيام بتحقيق علمي في الأسس والأصول التي قامت عليها أعمال جماعة الفقيرية ويوغا.

والأمل معقود على أن هذا التحقيق العلمي سيكون أوفى ما تم أجراؤه حتى الآن فتنكشف لنا الأسرار العجيبة التي يجريها (الفقراء) كالسير على اللهب، وأنواع الرقص والرياضة البدنية الخارقة التي تقوم بها جماعة يوغا والتي يقال إنهم يتعلمونها في معبد خاص في بمباي لا يسمح بالدخول إليه إلا لأفراد هذه الجماعة.

في أكاديمية الفنون والآداب الأمريكية.

انتخب الكاتب الألماني توماس فان عضواً فخرياً في أكاديمية الفنون والآداب في أمريكا.

وقد قال فان ديك بروكسس المؤلف المعروف الذي اقترح هذا الانتخاب (إن توماس فان ربما كان أكبر مدافع في الوقت الحاضر عن الأفكار التي تقوم عليها أسس حضارتنا).

في كلية الآداب بالإسكندرية

تألفت في كلية الآداب فرع الإسكندرية جماعة أدبية بإشراف الأستاذ أحمد الشايب أستاذ الأدب العربي بالكلية، ونظمي لوقا أفندي وكيلاً، وحنفي محمود أفندي سكرتيراً، ومحمد أحمد الطويل أفندي أميناً للصندوق، وعبد العليم ناصر أفندي، والآنسة سميرة ياقوت والسيد يعقوب بكر أفندي أعضاء. وهم يكونون اللجنة الإدارية.

والغرض من هذه الجماعة العناية بالثقافة الأدبية بطرق الخطابة والمحاضرات والمناظرة والمسابقات الأدبية والتمثيل والموسيقى الخ.

والمحاضرة الأولى ألقيت أمس، في منتصف الساعة الخامسة بعد الظهر بدار الكلية باستانلي. وكان موضوعها: (بين دانت وملتون وأبي العلاء) لنظمي لوقا جرجس أفندي وكيل الجماعة.

التاريخ في سير أبطاله

ننشر ابتداء من العدد القادم للأستاذ محمود الخفيف طائفة من التراجم لعظماء التاريخ قديمة وحديثة في الشرق والغرب؛ وسيتوخى في هذه التراجم أن تلم بالتاريخ وتعنى بإبراز حوادثه، جرياً على المذهب الحديث مذهب دراسة التاريخ في سير أبطاله، كما ستكون تلك التراجم بحيث لا تعدو الواحدة ثلاث مقالات أو أربعاً. . . وسنبدأ بتقديم ترجمة محمد شريف باشا بطل الحركة القومية والدستورية في مصر الحديثة.

وفاة عالم طبيب من أخبار لندن أن الدكتور باردسول الذي اشتغل بمرض التدرن الرئوي ومن الذين مهدوا السبيل إلى مكافحته مات في أواخر ديسمبر الفائت.

يوم طرابلس في العراق

بناء على عزم إيطاليا على إسكان الإيطاليين في طرابلس الغرب وبناء على ما يعانيه السكان العرب هناك من ظلم الاستعمار وقسوته قرر نادي المثنى في العاصمة إقامة حفلة كبرى يوم الجمعة القادم الموافق 30 الجاري في الساعة السابعة مساء يخصها بنصرة طرابلس الغرب.

إلى العالم الإسلامي كافة وإلى المصريين خاصة

لا تزال دول الاستعمار مسترسلة في سياستها الظالمة نحو البلاد العربية والإسلامية، مستخفة بشعور المسلمين غير حاسبة لهم حساباً، فتعتدي على حقوقهم، وتغتصب ديارهم، وتهين شعائرهم.

ولا يكاد ينقضي وقت دون أن نسمع بنكبة نزلت ببلد إسلامي، فبينما نحن نعالج قضية فلسطين المقدسة التي طغى فيها الاستعمار إذا بنكبة أخرى قد انقضت على طرابلس الغرب، إذ يريد الطليان بعد أن حرقوا الأخضر واليابس فيها، ودوّخوا أهلها وأفقروهم واستعبدوهم وأذلوهم، يريدون أن يجهزوا عليهم فيجعلوا من بلادهم جزءاً من الوطن الطلياني، ولا يزال يطن بآذاننا ما نشروه على العالم في خطب ساستهم، وبكل الطرق من أن إيطاليا أصبحت صديقة المسلمين والعرب وأنها تحميهم وتحمي ديارهم ومقدساتهم.

ولقد كانت مصر ولا تزال تبني سياسة دفاعها القومي عن حدودها الغربية على اعتبار أن ما وراء هذه الحدود مسكون بقبائل عربية لها في داخل حدودنا المصرية بنو عمومة وخئولة من نفس هذه القبائل أو من عصباتها، وأن الإسلام يوثق أواصر السكان بين البلدين وإن اختلفت تبعيتهما. فالدفاع الذي ترى كل أمة من أول واجباتها الاستعداد له في زمن السلم من جميع الوجوه، وعلى كل ما يتوقع من الاحتمالات، إنما كان ينظر إليه في مصر من جهة حدودها الغربية من الجهة العسكرية فقط. أما وقد صدر أخيراً القانون الإيطالي بجعل ولايات لوبيا الأربع جزءاً لا يتجزأ من مملكة إيطاليا، فقد أصبح واجباً علينا أن ننظر إلى ذلك من الوجهة الجغرافية والجنسية أيضاً، ولاسيما أن الإيطاليين قد وجهوا عنايتهم إلى إنشاء مستعمرات لهم - حتى في الأجزاء الفقيرة التربة من لوبيا - فلم يبق عند أحد شك في أن هنالك برنامجاً عسكرياً له علاقة كبيرة بما وراء طرابلس وبرقة شرقاً وغرباً.

إن البواخر الإيطالية حملت إلى القطر الطرابلسي الشقيق في أواخر أكتوبر الماضي ألفاً وثمانمائة أسرة إيطالية تقدر نفوسها بعشرين ألفاً. فأسكنت الحكومة منهم ألفاً ومائتي عائلة في جهة طرابلس وستمائة عائلة في جهة برقة. وهذه أول دفعة من خمسة ملايين نسمة إيطالية تقرر نقلها إلى طرابلس الغرب. وقد خصصت حكومة روما لهذه الهجرة في ميزانية وزارة أفريقية مائة مليون فرنك في كل سنة لبناء القرى واستنباط المياه وإصلاح الأراضي للإيطاليين. وكان في طرابلس قبل مجيء هؤلاء نحو مائة ألف عائلة إيطالية غير الجنود ومن ينظم إلى سلك الحكومة، وهؤلاء وأولئك تحميهم الحكومة بقوتها. وقد أخذت لهم 147 ألف فدان من أفضل أراضي لوبيا دون ثمن، وأجلت العرب عن أراضيهم الخصبة في برقة الحمراء، ونقلتهم إلى الأراضي المجدبة الممتدة إلى الوادي الفارغ جنوباً وإلى المرج شرقاً وإلى شاطئ البحر شمالاً وهي أرض قليلة الآبار تزرع على المطر. أما برقة الحمراء التي تمتد من شطوط مدينة بني غازي إلى ما وراء المرج في الجنوب وتشمل الجبل الأخضر كله إلى ما وراء مدينة درنة في الجهة الشرقية، فانتزعت من أيدي أصحابها الشرعيين وهم العرب وأعطيت للمغتصبين من المستعمرين الذين جيء بهم من إيطاليا ليكونوا جيران مصر إلى الأبد، وليتاخموها في السلم والحرب، وأصبح الجبل الأخضر والأراضي الخصبة جميعاً محرَّماً دخولها على أبناء العرب.

وقد أصبح المصريون متاخمين لجهات ليست من أوطان إخوانهم عرب برقة الذين يشتركون معهم في اللغة والدين، بل لجهات ستكون عما قريب مسكونة كلها بإيطاليين، وعليهم من الآن أن ينظروا إليها كما ينظر الفرنسي إلى حدوده الألمانية والألماني إلى حدوده الفرنسية.

وإذا كانت إيطاليا لا تتورع عن إزعاج العالم الإسلامي بهذه المظالم وهي تمد عينيها إلى تونس، فماذا يكون حالها مع المسلمين إذا جاء وقت لا يهمها فيه أن تنشر دعايتها الاستعمارية بينهم عن طريق محطات إذاعاتها اللاسلكية وما إلى ذلك.

لذلك نهيب بالمصريين وحكومتهم خاصة وبالعالم الإسلامي كافة أن يفكروا في مصير طرابلس الغرب التي يوشك أن يجلى عنها جميع أهلها العرب إلى أراضي الجنوب المحرقة حيث يقضى عليهم فيها كما قضي على ستين ألفاً من سكان الجبل الأخضر لاقوا حتفهم في الصحراء قبل بضع سنوات، هذا فضلاً عما يلحق كرامة الإسلام بسلب هذا الوطن من حظيرته وتحويله إلى بقعة إيطالية.

الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين

الدكتور عبد الحميد سعيد