كتاب الأم - المجلد الرابع3

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

السنة على أن ذلك الحكم على خمسها علمت أن النبي قد أمضى لمن جعل الله له شيئا مما جعل الله له وإن لم نثبت فيه خبرا عنه كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم ذي القربى من الموجف عليه كما علمت أن قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه مما جعل لهم بشهادة أقوى من خبر رجل عن رجل بأن الله عز وجل قد أدى إليه رسوله كما أوجب عليه أداءه والقيام به فقال لي قائل فإن الله تبارك وتعالى جعل الخمس فيما أوجف عليه على خمسة وجعل الكل فيما لا يوجف عليه على خمسة فكيف زعمت أنه إنما للخمسة الخمس لا الكل فقلت له ما أبعد ما بينك وبين من يكلمنا في إبطال سهم ذي القربى أنت تريد أن تثبت لذي القربى خمس الجميع مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وغيرك يريد أن يبطل عنهم خمس الخمس قال إنما قصدت في هذا قصد الحق فكيف لم تقل بما قلت به وأنت شريكي في تلاوة كتاب الله عز وجل ولك فيما زاد لذي القربى فقلت له إن حظي فيه لا يدعوني أن أذهب فيه إلى ما يعلم الله عز وجل أني أرى الحق في غيره قال فما دلك على أنه إنما هو لمن له خمس الغنيمة الموجف عليها خمس الفيء الذي لم يوجف عليه دون الكل قلت أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر قال كانت بنو النضير مما أفاء الله عز وجل على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله خالصا دون المسلمين فقال لست أنظر إلى الأحاديث والقرآن أولى بنا ولو نظرت إلى الحديث كان هذا الحديث يدل على أنها لرسول الله خاصة فقلت له هذا كلام عربي إنما يعني لرسول الله ما كان يكون للمسلمين الموجفين وذلك أربعة أخماس قال فاستدللت بخبر عمر على أن الكل ليس لأهل الخمس مما أوجف عليه قلت نعم قال فالخبر أنها لرسول الله خاصة فما دل على الخمس لأهل الخمس معه قلت لما احتمل قول عمر أن يكون الكل لرسول الله وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين فيما أوجف عليه لرسول الله دون الخمس فكان النبي يقوم فيها مقام المسلمين استدللنا بقول الله عز وجل في الحشر فلله وللرسول ولذي القربى الآية على أن لهم الخمس وأن الخمس إذا كان لهم ولا يشك أن النبي سلمه لهم فاستدللنا إذ كان حكم الله عز وجل في الأنفال واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية فاتفق الحكمان في سورة الحشر وسورة الأنفال لقوم


صفحة : 1354

 موصوفين وإنما لهم من ذلك الخمس لا غيره فقال فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه الكل قلت نعم فلهم الكل وندع الخبر قال لا يجوز عندنا ترك الخبر والخبر يدل على معنى الخاص والعام فقال لي قائل غيره فكيف زعمت أن الخمس ثابت في الجزية وما أخذه الولاة من مشرك بوجه من الوجوه فذكرت له الآية في الحشر قال فأولئك أوجف عليهم بلا خيل ولا ركاب فأعطوه بشيء ألقاه الله عز وجل في قلوبهم قلت أرأيت الجزية التي أعطاها من أوجف عليه بلا خيل ولا ركاب لما كان أصل إعطائها منهم للخوف من الغلبة وقد سير إليهم بالخيل والركاب فأعطوا فيها أهي أقرب من الإيجاف أم من أعطى بأمر لم يسير إليه بالخيل والركاب قال نعم قلت فإذا كان حكم الله فيما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب حتى يكون مأخوذا مثل صلح لا مثل ما أوجف عليه بغير صلح أن يكون لمن سمى كيف لم تكن الجزية وما أخذه الولاة من مشرك بهذه الحال قال فهل من دلالة غير هذا قلت في هذا كفاية وفي أن أصل ما قسم الله من المال ثلاثة وجوه الصدقات وهي ما أخذ من مسلم فتلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء وما غنم بالخيل والركاب فتلك على ما قسم الله عز وجل والفيء الذي لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهل تعلم رابعا قال لا قلت فبهذا قلنا الخمس ثابت لأهله في كل ما أخذ من مشرك لأنه لا يعدو ما أخذ منه أبدا أن يكون غنيمة أو فيئا والفيء ما رده الله تعالى على أهل دينه 
ID ' '   وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 

صفحة : 1355


كيف يفرق ما أخذ من الأربعة الأخماس الفيء غير الموجف عليه 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وينبغي للإمام أن يحصي جميع ما في البلدان من المقاتلة وهم من قد احتلم أو قد استكمل خمس عشرة من الرجال ويحصى الذرية وهم من دون المحتلم ودون خمس عشرة سنة والنساء صغيرهن وكبيرهن ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه في مؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم ثم يعطى المقاتلة في كل عام عطاءهم والذرية ما يكفيهم لسنتهم من كسوتهم ونفقتهم طعاما أو قيمته دراهم أو دنانير ويعطي المنفوس شيئا ثم يزاد كلما كبر على قدر مؤنته وهذا يستوي في أنهم يعطون الكفاية ويختلف في مبلغ العطايا باختلاف أسعار البلدان وحالات الناس فيها فإن المؤنة في بعض البلدان أثقل منها في بعض ولم أعلم أصحابنا اختلفوا في أن العطاء للمقاتلة حيث كانت إنما يكون من الفيء وقالوا في إعطاء الرجل نفسه لا بأس أن يعطي لنفسه أكثر من كفايته وذلك أن عمر بلغ بالعطاء خمسة آلاف وهي أكثر من كفاية الرجل نفسه ومنهم من قال خمسة آلاف بالمدينة لرجل يغزي إذا غزا ليست بأكثر من الكفاية إذا غزا عليها لبعد المغزى وقال هي كالكفاية على أنه يغزي وإن لم يغز في كل سنة وقالوا ويفرض لمن هو أقرب للجهاد أو أرخص سعر بلد أقل ولم يختلف أحد لقيته في أن ليس للمماليك في العطاء ولا للأعراب الذين هم أهل الصدقة واختلفوا في التفضيل على السابقة والنسب فمنهم من قال أساوي بين الناس ولا أفضل على نسب ولا سابقة وإن أبا بكر حين قال له عمر أتجعل الذين جاهدوا في الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم له كمن إنما دخل في الإسلام كرها فقال أبو بكر إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله عز وجل وإنما الدنيا بلاغ وخير البلاغ أو سعه وسوى علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه بين الناس فلم يفضل أحدا علمناه قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا الذي أختار وأسأل الله التوفيق وذلك أني رأيت قسم الله تبارك وتعالى اسمه في المواريث على العدد وقد تكون الإخوة متفاضلي الغناء على الميت والصلة في الحياة والحفظ بعد الموت فلا يفضلون وقسم النبي  لمن حضر الوقعة من الأربعة الأخماس على العدد منهم من يغني غاية الغناء ويكون الفتوح علي يديه ومنهم من يكون محضره إما غير نافع وإما ضرر بالجبن والهزيمة فلما وجدت السنة تدل على أنه إنما أعطاهم بالحضور وسوى بين الفرسان أهل الغناء وغيرهم والرجالة وهم يتفاضلون كما وصفت كانت التسوية أولى عندي والله تعالى أعلم من التفضيل على نسب وسابقة ولو وجدت الدلالة على التفضيل أرجح بكتاب 
 

صفحة : 1356

 أو سنة كنت إلى التفضيل بالدلالة من الهواء في التفضيل أسرع ولكني أقول يعطون على وصفت وإذا قرب القوم من الجهاد ورخصت أسعارهم أعطوا أقل ما يعطي من بعدت داره وغلا سعره وهذا وإن تفاضل عدد العطية من التسوية على معنى ما يلزم كل واحد من الفريقين في الجهاد إذا أراده قال الشافعي رحمه الله تعالى وعليهم أن يغزوا إذا أغزوا ويرى الإمام في إغزائهم رأيه فإذا أغزى البعيد أغزاه إلى أقرب المواضع من مجاهده فإن استغنى مجاهده بعدد وكثر من قربهم أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم ولهذا كتاب غير هذا قال الشافعي رحمه الله تعالى واختلف أصحابنا في إعطاء من دون البالغين من الذرية وإعطاء النساء أهل الفيء فمنهم من قال يعطون معا من الفيء وأحسب من حجتهم أن يقولوا إنا إذا منعناهم الفيء ومؤنتهم تلزم رجالهم كنا لم نعطهم ما يكفيهم وإن أعطينا رجالهم الكفاية لأنفسهم فعليهم مؤنة عيالهم وليس في إعطائهم لأنفسهم كفاية ما يلزمهم فدخل علينا أن لم نعطهم كمال الكفاية من الفيء ومنهم من قال إذا كان أصل المال غنيمة وفيئا وصدقة فالفيء لمن قاتل عليه أو من سوى معهم في الخمس والصدقة لمن لا يقاتل من ذرية ونساء وليسوا بأولى بذلك من ذرية الأعراب ونسائهم ورجالهم الذين لا يعطون من الفيء إذ لا يقاتلون عليه أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال ما أحد إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه إلا ما ملكت أيمانكمأخبرنا إبراهيم بن محمد بن المنكدر عن مالك بن أوس عن عمر نحوه وقال لئن عشت ليأتين الراعي بسر وحمير حقه قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا الحديث يحتمل معاني منها أن يقول ليس أحد يعطى بمعنى حاجة من أهل الصدقة أو بمعنى أنه من أهل الفيء الذين يغزون إلا وله حق في مال الفيء أو الصدقة وهذا كأنه أولى معانيه فإن قال قائل ما دل على هذا قيل قد قال النبي  في الصدقة لا حظ فيها لغني ولا لذي مرة مكتسب وقال لرجلين سألاه إن شئتما إن قلتما نحن محتاجون أعطيتكما إذا كنت لا أعرف عيالكما ولا حظ فيها الغني والذي أحفظه عن أهل العلم أن الأعراب لا يعطون من الفيء ولو قلنا معنى قوله إلا وله في هذا المال يعني الفيء حق كنا خالفنا ما لا نعلم الناس اختلفوا فيه أنه ليس لمن أعطى من الصدقة ما يكفيه ولا لمن كان غنيا من أهل الصدقات الذين يؤخذ منهم في الفيء نصيب ولو قلنا يعني عمر إلا له في هذا المال حق مال الصدقات كنا قد خالفنا ما روى عن النبي  لا حظ فيها لغني وما لا 
 

صفحة : 1357

 نعلم الناس اختلفوا فيه أنه ليس لأهل الفيء من الصدقة نصيب قال الشافعي رحمه الله تعالى وأهل الفيء كانوا في زمان النبي  بمعزل عن الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن الفيء قال والعطاء الواجب من الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال عرضت على النبي  عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني قال نافع فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبدالعزيز فقال هذا الفرق بين المقاتلة والذرية وكتب في أن يفرض لابن خمس عشرة في المقاتلة ومن لم يبلغها في الذرية قال الشافعي رحمه الله تعالى وإن كان المستكمل خمس عشرة سنة أعمى لا يقدر على القتال أبدا أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا لم يفرض له فرض المقاتلة وأعطى بمعنى الكفاية في المقام والكفاية في المقام شبيه بعطاء الذرية لأن الكفاية في القتال للسفر والمؤنة أكثر وكذلك لو كان سالما في المقاتلة ثم عمىأو أصابه ما يعلم أنه لا يجاهد معه أبدا صير إلى أن يعطي الكفاية في المقام قال الشافعي رحمه الله تعالى وإن مرض مرضا طويلا قد يرجى برؤه منه أعطاه عطاء المقاتلة ويخرج العطاء في كل عام للمقاتلة في وقت من الأوقات وأحب إلي لو أعطيت الذرية على ذلك الوقت وإذا صار مال الفيء إلى الوالي ثم مات ميت قبل أن يأخذ عطاءه أعطى ورثته عطاءه وإن مات قبل أن يصير المال الذي فيه عطاؤه لذلك العام إلى الوالي لم تعط ورثته عطاءه وإن فضل من المال فضل بعد ما وصفت من إعطاءه العطاء وضعه الإمام في إصلاح الحصون والإزدياد في السلاح والكراع وكل ما قوى به المسلمين فإن استغنى به المسلمون وكملت كل مصلحة لهم فرق ما بقي منه بينهم كله على قدر ما يستحقون في ذلك المال وإن ضاق الفيء عن مبلغ العطاء فرق بينهم بالغا مابلغ لم يحبس عنهم منه شيئا قال الشافعي رحمه الله تعالى ويعطى من الفيء رزق الحكام وولاة الأحداث والصلات بأهل الفيء وكل من قام بأمر أهل الفيء من وال وكاتب وجندي ممن لا غنى لأهل الفيء عنه رزق مثله فإن وجد من يغني غناءه ويكون أمينا كهو يلي له بأقل مما ولى لم يزد أحدا على أقل ما يحدثه أهل الغناء وذلك أن منزلة الوالي من رعيته بمنزلة والي مال اليتيم من ماله لا يعطي منه علىالغناء على اليتيم إلا أقل ما يقدر عليه قال وإن ولى أحد على أهل الصدقات كان رزقه مما يؤخذ منها لأن له فيها حقا ولا يعطى من الفيء عليها كما لايعطى من الصدقات على الفيء ولا يرزق من الفيء على ولاية 
 

صفحة : 1358

 شيء إلا ما لا صلاح فلا يدخل الأكثر فيمن يرزقه على الفيء وهو يغنيه الأقل وإن ضاق الفيء عن أهله آسى بينهم فيه الخلاف قال الشافعي فاختلف أصحابنا وغيرهم في قسم الفيء فذهبوا به مذاهب لا أحفظ عنهم تفسيرها ولا أحفظ أيهم قال ما أحكي من القول دون من خالفه وسأحكي ما حضرني من معاني كل من قال في الفيء شيء فمنهم من قال هذا المال لله دل على من يعطاه فإذا اجتهد الوالي فأعطاه ففرقه في جميع من سمى له على قدر ما يرى من استحقاقهم بالحاجة إليه وإن فضل بعضهم على بعض في العطاء فذلك تسوية إذا كان ما يعطى كل واحد منهم لسد خلته ولا يجوز أن يعطيه صنفا منهم ويحرم صنفا ومنهم من قال إذا اجتمع المال ونظر في مصلحة المسلمين فرأى أن يصرف المال إلى بعض الأصناف دون بعض فكان الصنف الذي يصرفه إليه لا يستغني عن شيء مما يصرف إليه كان أرفق بجماعة المسلمين صرفه وإن حرم غيره ويشبه قول الذي يقول هذا إن طلب المال صنفان فكان إذا حرمه أحد الصنفين تماسك ولم يدخل عليه خلة مضرة وإن آسى بينه وبين الصنف الآخر كانت على الصنف الآخر مضرة أعطاه الذي فيهم الخلة المضرة كله إذا لم يسد خلتهم غيره وإن منعه المتماسكين كله ثم قال بعض من قاله إذا صرف مال الفيء إلى ناحية فسدها وحرم الأخرى ثم جاء مال آخر أعطاها دون الناحية التي سدها فكأنه ذهب إلى أنه إنما جعل أهل الخلة وأخر غيرهم حتى أفاءهم بعد قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا أعلم أحدا منهم قال يعطى من يعطى من الصدقات ولا يجاهد من الفيء شيء وقال بعض من أحفظ عنه فإن أصابت أهل الصدقات سنة تهلك أموالهم أنفق عليهم من الفيء فإذا استغنوا منعوا من الفيء ومنهم من قال في مال الصدقات هذا القول يزيد بعض أهل الصدقات علىبعض والذي أقول به وأحفظه عمن أرضى ممن سمعت منه ممن لقيت أن لا يؤخر المال إذا اجتمع ولكن يقسم فإذا كانت نازلة من عدو وجب على المسلمين القيام بها وإن غشيهم عدو في دارهم وجب النغير على جميع من غشيه من الرجال أهل الفيء وغيرهم أخبرنا من أهل العلم أنه لما قدم على عمربن الخطاب رضي الله عنه بما أصيب بالعراق قال له صاحب بيت المال ألا أدخله بيت المال قال لا ورب الكعبة لا يؤوي تحت سقف بيت حتى أقسمه فأمر به فوضع في المسجد ووضعت عليه الأنطاع وحرسه رجال المهاجرين والأنصار فلما أصبح غدا مع العباس ابن عبدالمطلب وعبدالرحمن بن عوف أخذ بيد أحدهما أو أحدهما أخذ بيده فلما رأوه 
 

صفحة : 1359

 كشطوا الأنطاع عن الأموال فرأى منظرا لم ير مثله رأى الذهب فيه والياقوت والزبرجد واللؤلؤ يتلألأ فبكى عمر بن الخطاب فقال له أحدهما والله ما هو بيوم بكاء ولكنه يوم شكر وسرور فقال إني والله ما ذهبت حيث ذهبت ولكنه والله ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم ثم أقبل على القبلة ورفع يديه إلى السماء وقال اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا فإني أسمعك تقول سنستدرجهم من حيث لا يعلمون الآية ثم قال أين سراقة بن جعثم فأني به أشعر الذراعين دقيقهما فأعطاه سواري كسرى فقال ألبسهما ففعل فقال الله أكبر ثم قال الحمد للله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن جعثم أعرابيا من بني مدلج وجعل يقلب بعض ذلك بعصا ثم قال إن الذي أدى هذا لأمين فقال له رجل أنا أخبرك أنت أمين الله وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله عز وجل فإذا رتعت رتعوا قال صدقت ثم فرقه قال الشافعي رحمه الله تعالى وإنما ألبسهما سراقة لأن النبي  قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه كأني بك وقد لبست سواري كسرى قال الشافعي رحمه الله تعالى ولم يجعل له إلا سوراين أخبرنا الثقة من أهل المدينة قال أنفق عمر على أهل الرمادة حتى وقع مطر فترحلوا فخرج إليهم عمر راكبا فرسا ينظر إليهم وهم يترحلون بظعائنهم فدمعت عيناه فقال له رجل من بني محارب بن خصفة أشهد أنها انحسرت عنك ولست بابن أمة فقال له ويلك ذاك لو كنت أنفقت عليهم من مالي ومال الخطاب إنما أنفقت عليهم من مال الله عز وجل قال الشافعي رحمه الله تعالى فكل ما صالح عليه المشركون بغير قتال بخيل ولا ركاب فسبيله سبيل الفيء يقسم على قسم الفيء فإن كانوا ما صالحوا عليه أرض ودور فالدور والأرضون وقف للمسلمين تستغل ويقسم الإمام غلها في كل عام ثم كذلك أبدا وأحسب ما ترك عمر من بلاد أهل الشرك هكذا أو شيئا استطاب أنفس من ظهروا عليه بخيل وركاب فتركوه كما استطاب رسول الله  أنفس أهل سبي هوازن فتركوا حقوقهم وحديث جرير بن عبدالله عن عمر أنه عوضه من حقه وعوض امرأة من حقها بميراثها من أبيها كالدليل على ما قلت ويشبه قول جرير بن عبدالله عن عمر لولا أني قاسم مسئول لتركتكم على ما قسم لكم أن يكون قسم لهم بلاد صلح مع بلاد إيجاف فرد قسم الصلح وعوض من بلاد الإيجاف بخيل وركاب 
ID ' '   تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 

صفحة : 1360


باب تقويم الناس في الديوان على منازلهم 
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل إنا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية وروى عن الزهري أن النبي  عرف عام حنين على كل عشرة عريفا قال الشافعي رحمه الله تعالى وجعل النبي  للمهاجرين شعارا وللأوس شعارا وللخزرج شعارا وعقد النبي  الألوية عام الفتح فعقد للقبائل قبيلة قبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالي كذلك لأن في تفريقم إذا أريد والأمر مؤنة عليهم وعلى واليهم وهكذا أحب للوالي أن يضع ديوانه على القبائل ويستظهر على من غاب عنه ومن جهل ممن يحضره من أهل الفضل من قبائلهم قال الشافعي رحمه الله تعالى وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه أجمع على تدوين الديوان فاستشار فقال بمن ترون أبدأ فقال له رجل ابدأ بالأقرب فالأقرب بك قال ذكرتموني بل أبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله  فبدأ ببني هاشم أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن عمر لما دون الدواوين قال بمن ترون أبدأ قيل له ابدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله أخبرنا غير واحد من أهل العلم والصدق من أهل المدينة ومكة من قبائل قريش وغيرهم وكان بعضهم أحسن اقتصاصا للحديث من بعض وقد زاد بعضهم على بعض في الحديث أن عمر لما دون الديوان قال أبدأ ببني هاشم ثم قال حضرت رسول الله  يعطيهم وبني المطلب فإذا كانت السن في الهاشمي قدمه على المطلبي وإذا كانت في المطلبي قدمه على الهاشمي فوضع الديوان على ذلك وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة ثم استوت له بنو عبد شمس ونوفل في جذم النسب فقال عبد شمس إخوة النبي  لأبيه وأمه دون نوفل فقدمهم ثم دعا بني نوفل يتلونهم ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار فقال في بني أسد ابن عبد العزى أصهار النبي  وفيهم أنهم من المطيبين وقال بعضهم وهم من حلف الفضول وفيهم كان النبي  وقد قيل ذكر سابقة فقدمهم على بني عبد الدار ثم دعا بني عبد الدار يتلونهم ثم انفردت له زهرة فدعاها تتلو عبدالدار ثم استوت له بنوتيم ومخزوم فقال في بني تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين وفيهما كان النبي  وقيل ذكر سابقة وقيل ذكر صهرا فقدمهم على مخزوم ثم دعا مخزوما يتلونهم ثم 
 

صفحة : 1361

 استوت له سهم وجمح وعدي بن كعب فقيل له ابدأ بعدي فقال بل أقر نفسي حيث كنت فإن الإسلام دخل وأمرنا وأمر بني سهم واحد ولكن انظروا بني سهم وجمح فقيل قدم بني جمح ثم دعا بني سهم فقال وكان ديوان عدي وسهم مختلطا كالدعوة الواحدة فلما خلصت إليه دعوته كبر تكبيرة عالية ثم قال الحمد لله الذي أوصل إلى حظي من رسول الله  ثم دعا بني عامر ابن لؤي فقال بعضهم إن أبا عبيدة بن الجراح الفهري لما رأى من تقدم عليه قال أكل هؤلاء تدعو أمامي فقال يا أبا عبيدة اصبر كما صبرت أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه فأما أنا وبنو عدي فنقدمك إن أحببت على أنفسنا قال فقدم معاوية بعد بني الحرث ابن فهر ففصل بهم بين بني عبد مناف وأسد بن عبدالعزى وشجر بين بني سهم وعدي شيء في زمان المهدي فافترقوا فأمر المهدي ببني عدي فقدموا على سهم وجمح للسابقة فيهم قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا فرغ من قريش قدمت الأنصار على قبائل العرب كلها لمكانهم من الإسلام قال الشافعي رحمه الله تعالى الناس عباد الله فأولاهم أن يكون مقدما أقربهم بخيرة الله لرسالته ومستودع أمانته وخاتم النبيين وخير خلق رب العالمين محمد عليه الصلاة والسلام قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن فرض له الوالي من قبائل العرب رأيت أن يقدم الأقرب فالأقرب منهم برسول الله  في النسب فإذا استووا قدم أهل السابقة على غير أهل السابقة ممن هم مثلهم في القرابة 
ID ' '   خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 

صفحة : 1362


كتاب الجزية 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون قال الشافعي رحمه الله تعالى خلق الله تعالى الخلق لعبادته ثم أبان جل وعلا أن خيرته من خلقه أنبياؤه فقال تبارك اسمه كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين فجعل النبيين صلى الله عليهم وسلم من أصفيائه دون عباده بالأمانة على وحيه والقيام بحجته فيهم ثم ذكر من خاصته صفوته فقال جل وعز إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين فخص آدم ونوحا بإعادة ذكر اصطفائهما وذكر إبراهيم فقال جل ثناؤه واتخذ الله إبراهيم خليلا وذكر إسمعيل بن إبراهيم فقال عز ذكره واذكر في الكتاب إسمعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ثم أنعم الله عز وجل على آل إبراهيم وعمران في الأمم فقال تبارك وتعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمينذرية بعضها من بعض والله سميع عليم قال الشافعي رحمه الله تعالى ثم اصطفى الله عز وجل سيدنا محمدا  من خير آل إبراهيم وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على محمد  بصفة فضيلته من فضيلة من اتبعه به فقال عز وجل محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا الآية وقال لأمته كنتم خير أمة أخرجت للناس ففضيلتهم بكينونتهم من أمته دون أمم الأنبياء ثم أخبر جل وعز أنه جعله فاتح رحمته عند فترة رسله فقال يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير وقال هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وكان في ذلك ما دل على أنه بعث إلى خلقه لأنهم كانوا أهل كتاب أو أميين وأنه فتح به رحمته وختم به نبوته فقال عز وجل ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وقضى أن أظهر دينه على الأديان فقال عز وجل هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وقد وصفنا بيان كيف يظهره على الدين في غير هذا الموضع 
ID ' '   يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 

صفحة : 1363


مبتدأ التنزيل والفرض على النبي 

 ثم على الناس 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما أنزل الله عز وجل على رسوله  اقرأ باسم ربك الذي خلق قال الشافعي رحمه الله تعالى لما بعث الله تعالى محمدا  أنزل عليه فرائضه كما شاء لا معقب لحكمه ثم أتبع كل واحد منها فرضا بعد فرض في حين غير حين الفرض قبله قال الشافعي رحمه الله تعالى ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما أنزل الله عليه اقرأ باسم ربك الذي خلق ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين فمرت لذلك مدة ثم يقال أتاه جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بأن يعلمهم نزول الوحي عليه ويدعوهم إلى الإيمان به فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب وأن يتناول فنزل عليه يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس فقال يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حين تبلغ ما أنزل إليك ما أمر به فاستهزأ به قوم فنزل عليه فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركينإنا كفيناك المستهزئين قال الشافعي وأعلمه من علمه منهم أنه لا يؤمن به فقال وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاأو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا قرأ الربيع إلى بشرا رسولا قال الشافعي وأنزل الله عز وجل فيما يثبته به إذا ضاق من أذاهم ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولونفسبح بحمد ربك إلى آخر السورة ففرض عليه إبلاغهم وعبادته ولم يفرض عليه قتالهم وأبان ذلك في غير آية من كتابه ولم يأمره بعزلتهم وأنزل عليه قل يا أيها الكافرونلا أعبد ما تعبدون وقوله فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم قرأ الربيع الآية وقوله ما على الرسول إلا البلاغ مع أشياء ذكرت في القرآن في غير موضع في مثل هذا المعنى وأمرهم الله عز وجل بأن لا يسبوا أندادهم فقال عز وجل ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم الآية مع ما يشبهها قال الشافعي ثم أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الحال التي فرض فيها عزلة المشركين فقال وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم مما فرض عليه فقال وقد أنزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها قرأ الربيع إلى إنكم إذا مثلهم 
ID ' '   يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 

صفحة : 1364


الإذن بالهجرة 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وكان المسلمون مستضعفين بمكة زمانا لم يؤذن لهم فيه بالهجرة منها ثم أذن الله عز وجل لهم بالهجرة وجعل لهم مخرجا فيقال نزلت ومن يتق الله يجعل له مخرجا فأعلمهم رسول الله  أن قد جعل الله تبارك وتعالى لهم بالهجرة مخرجا وقال ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة الآية وأمرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم طائفة ثم دخل أهل المدينة في الإسلام فأمر رسول الله  طائفة فهاجرت إليهم غير محرم على من بقي ترك الهجرة إليهم وذكر الله جل ذكره للفقراء المهاجرين وقال ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة قرأ الربيع إلى في سبيل الله قال الشافعي رحمه الله تعالى ثم أذن الله تبارك وتعالى لرسوله  بالهجرة إلى المدينة ولم يحرم في هذا على من بقي بمكة المقام بها وهي دار شرك وإن قلوا بأن يفتنوا ولم يأذن لهم بجهاد ثم أذن الله عز وجل لهم بالجهاد ثم فرض بعد هذا عليهم أن يهاجروا من دار الشرك وهذا موضوع في غير هذا الموضع 
مبتدأ الإذن بالقتال 
قال الشافعي رحمه الله تعالى فأذن لهم بأحد الجهادين بالهجرة قبل أن يؤذن لهم بأن يبتدئوا مشركا بقتال ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال قال الله تعالى أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقديرالذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الآية وأباح لهم القتال بمعنى أبانه في كتابه فقال عز وجل وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم قرأ الربيع إلى كذلك جزاء الكافرين قال الشافعي رحمه الله تعالى يقال نزل هذا في أهل مكة وهم كانوا أشد العدو على المسلمين وفرض عليهم في قتالهم ما ذكر الله عز وجل ثم يقال نسخ هذا كله والنهي عن القتال حتى يقاتلوا والنهي عن القتال في الشهر الحرام بقول الله عز وجل وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة الآية ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد وهي 
ID ' '   وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 

صفحة : 1365


فرض الهجرة 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولما فرض الله عز وجل الجهاد على رسوله  وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحه وأثخن رسول الله  في أهل مكة ورأوا كثرة من دخل في دين الله عز وجل اشتدوا على من أسلم منهم ففتنوهم عن دينهم أو من فتنوا منهم فعذر الله من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وبعث إليهم رسول الله  إن الله عز وجل جعل لكم مخرجا وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يفتن عن دينه ولا يمتنع فقال في رجل منهم توفي تخلف عن الهجرة فلم يهاجر الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم الآية وأبان الله عز وجل عذر المستضعفين فقال إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة إلى رحيما قال الشافعي رحمه الله تعالى ويقال عسى من الله واجبة قال الشافعي ودلت سنة رسول الله  على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلد الذي يسلم بها لأن رسول الله  أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم العباس بن عبد المطلب وغيره إذ لم يخافوا الفتنة وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم 
ID ' '   هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 

صفحة : 1366


أصل فرض الجهاد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولما مضت لرسول الله  مدة من هجرته أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض الله تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضا فقال تبارك وتعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وقال عز وجل إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم الآية وقال تبارك وتعالى وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم وقال عز وجل وجاهدوا في الله حق جهاد وقال فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق وقال عز وجل ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى قدير وقال انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم الآية ثم ذكر قوما تخلفوا عن رسول الله  مم كان يظهر الإسلام فقال لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك الآية فأبان في هذه الآية أن عليهم الجهاد فيما قرب وبعد بعد إبانته ذلك في غير مكان في قوله ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب قرأ الربيع إلى أحسن ما كانوا يعملون وسنبين من ذلك حضرنا على وجهه إن شاء الله تعالى قال الله عز وجل فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله قرأ الربيع الآية وقال إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وقال وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله مع ما ذكر به فرض الجهاد وأوجب على المتخلف عنه 
ID ' '   للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 

صفحة : 1367


من لا يجب عليه الجهاد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى فلما فرض الله تعالى الجهاد دل في كتابه وعلى لسان نبيه  أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد على مملوك أو أنثى بالغ ولا حر لم يبلغ لقول الله عز وجل انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا وقرأ الربيع الآية فكأن الله عز وجل حكم أن لا مال للمملوك ولم يكن مجاهد إلا ويكون عليه للجهاد مؤنة من المال ولم يكن للمملوك مال وقد قال لنبيه  حرض المؤمنين على القتال فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث لأن الإناث المؤمنات وقال عز وجل وما كان المؤمنون لينفروا كافة وقال كتب عليكم القتال وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث وقال عز وجل إذ أمر بالاستئذان وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين وقال وابتلوا اليتامي حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءآنستم منهم رشدا فلم يجعل لرشدهم حكما تصير به أموالهم إليهم إلا بعد البلوغ فدل على أن الفرض في العمل إنما هو على البالغين ودلت السنة ثم ما لم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم على مثل ما وصفت قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله أو عبيدالله عن نافع عن ابن عمر شك الربيع قال عرضت على النبي  يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني قال الشافعي رحمه الله تعالى وشهد مع النبي  القتال عبيد ونساء وغير بالغين فرضخ لهم ولم يسهم وأسهم لضعفاء أحرار بالغين شهدوا معه فدل ذلك على أن السهمان إنما تكون فيمن شهد القتال من الرجال الأحرار ودل ذلك على أن لا فرض في الجهاد على غيرهم وهذا موضوع في موضعه 
ID ' '   تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 

صفحة : 1368


من لهو عذر بالضعف والمرض والزمانة في ترك الجهاد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل في الجهاد ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله الآية وقال ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج قال الشافعي رحمه الله تعالى وقيل الأعرج المقعد والأغلب أنه الأعرج في الرجل الواحدة وقيل نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا وهو أشبه ما قالوا وغير محتمل غيره وهم داخلون في حد الضعفاء وغير خارجين من فرض الحج ولا الصلاة ولا الصوم ولا الحدود ولا يحتمل والله تعالى أعلم أن يكون أريد بهذه الآية إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض قال الشافعي رحمه الله تعالى الغزو غزوان غزو يبعد عن المغازي وهو ما بلغ مسيرة ليلتين قاصدتين حيث تقصر الصلاة وتقدم مواقيت الحج من مكة وغزو يقرب وهو ما كان دون ليلتين مما لم تقصر فيه الصلاة وما هو أقرب من المواقيت إلى مكة قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا كان الغزو البعيد لم يلزم القوي السالم البدن كله إذا لم يجد مركبا وسلاحا ونفقة ويدع لمن تلزمه نفقته قوته إذن قدر ما يرى أنه يلبث وإن وجد بعض هذا دون بعض فهو ممن لا يجد ما ينفق قال الشافعي رحمه الله تعالى نزلت ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا الآية قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا وجد هذا كله دخل في جملة من يلزمه فرض الجهاد فإن تهيأ للغزو ولم يخرج أو خرج ولم يبلغ موضع الغزو أو بلغه ثم أصابه مرض أو صار ممن لا يجد في أي هذه المواضع كان فله أن يرجع وقد صار من أهل العذر فإن ثبت كان أحب إلي ووسعه الثبوت وإذا كان ممن لم يكن لهم قوتهم لم يحل له أن يغزو على الابتداء ولا يثبت في الغزو إن غزا ولا يكون له أن يضيع فرضا ويتطوع لأنه إذا لم يجد فهو متطوع بالغزو ومن قلت له أن لا يغزو فله أن يرجع إذا 
ID ' '   وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 

صفحة : 1369


العذر بغير العارض في البدن 
قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا كان سالم البدن قويه واجدا لما يكفيه ومن خلف يكون داخلا فيمن عليه فرض الجهاد لو لم يكن عليه دين ولم يكن له أبوان ولا واحد من أبوين يمنعه فلو كان عليه دين لم يكن له أن يغزو بحال إلا بإذن أهل الدين قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا كان يحجبه مع الشهادة عن الجنة الدين فبين أن لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا بإذن أهل الدين وسواء كان الدين لمسلم أو كافر وإذا كان يؤمر بأن يطيع أبويه أو أحدهما في ترك الغزو فبين أن لا يؤمر بطاعة أحدهما إلا والمطاع منهما مؤمن فإن قال قائل كيف تقول لا تجب عليه طاعة أبويه ولا واحد منهما حتى يكون المطاع مسلما في الجهاد ولم تقله في الدين قيل الدين مال لزمه لمن هو له لا يختلف فيه من وجب له من مؤمن ولا كافر لأنه يجب عليه أداؤه إلى الكافر كما يجب عليه إلى المؤمن وليس يطيع في التخلف عن الغزو صاحب الدين بحق يجب لصاحب الدين عليه إلا بماله فإذا برئ من ماله فأمر صاحب الدين ونهيه سواء ولا طاعة له عليه لأنه لا حق له عليه بغير المال فلما كان الخروج بعرض إهلاك ماله لديه لم يخرج إلا بإذنه أو بعد الخروج من دينه وللوالدين حق في أنفسهما لا يزول بحال للشفقة على الولد والرقة عليه وما يلزمه من مشاهدتهما لبرهما فإذا كانا على دينه فحقهما لا يزول بحال ولا يبرأ منه بوجه وعليه أن لا يجاهد إلا بإذنهما وإذا كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه في ترك الجهاد وله الجهاد وإن خالفهما والأغلب أن منعهما سخط لدينه ورضا لدينهما لا شفقة عليه فقط وقد انقطعت الولاية بينه وبينهما في الدين فإن قال قائل فهل من دليل على ما وصفت قيل جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي  وأمره النبي  بالجهاد وأبوه مجاهد النبي  فلست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي  وجاهد عبدالله بن عبدالله بن أبي مع النبي  وأبوه متخلف عن النبي  ب أحد ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم ممن لا أشك إن شاء الله تعالى في كراهتهم لجهاد أبنائهم مع النبي  إذا كانوا مخالفين مجاهدين له أو مخذلين قال الشافعي رحمه الله تعالى وأي الأبوين أسلم كان حقا على الولد أن لا يغزو إلا بإذنه إلا أن يكون الولد يعلم من الوالد نفاقا فلا يكون له عليه طاعة في الغزو وإن غزا رجل وأحد أبويه أو هما مشركان ثم أسلما أو أحدهما فأمره بالرجوع فعليه الرجوع عن وجهه ما لم يصر إلى موضع لا طاقة له 
 

صفحة : 1370

 بالرجوع منه إلا بخوف أن يتلف وذلك أن يصير إلى بلاد العدو فلو فارق المسلمين لم يأمن أن يأخذه العدو فإذا كان هذا هكذا لم يكن له أن يرجع للتعذر في الرجوع وكذلك إن لم يكن صار إلى بلاد مخوفة إن فارق الجماعة فيها خاف التلف وهكذا إذا غزا ولا دين عليه ثم ادان فسأله صاحب الدين الرجوع قال الشافعي رحمه الله تعالى وإن سأله أبواه أو أحدهما الرجوع وليس عليه خوف في الطريق ولا له عذر فعليه أن يرجع للعذر وإذا قلت ليس له أن يرجع فلا أحب أن يبادر ولا يسرع في أوائل الخيل ولا الرجل ولا يقف الموقف الذي يقفه من يتعرض للقتل لأنه إذا نهيته عن الغزو لطاعة والديه أو لذي الدين نهيته إذا كان له العذر عن تعرض القتل وهكذا أنهاه عن تعرض القتل لو خرج وليس له أن يخرج بخلاف صاحب دينه وأحد أبويه أو خلاف الذي غزا وأحد أبويه وصاحب دينه كاره وليس على الخنثى المشكل الغزو فإن غزا وقاتل لم يعط سهما ويرضخ له ما يرضخ للمرأة والعبد يقاتل فإن بان لنا أنه رجل فعليه من حين يبين الغزو وله فيه سهم الرجل 
العذر الحادث 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أذن للرجل أبواه في الغزو فغزا ثم أمره بالرجوع فعليه الرجوع إلا من عذر حادث والعذر ما وصفت من خوف الطريق أو جدبه أو من مرض يحدث به لا يقدر معه على الرجوع أو قلة نفقة لا يقدر على أن يرجع يستقل معها أو ذهاب مركب لا يقدر على الرجوع معه أو يكون غزا بجعل مع السلطان ولا يقدر على الرجوع معه ولا يجوز أن يغزو بجعل من مال رجل فإن غزا به فعليه أن يرجع ويرد الجعل وإنما أجزت له هذا من السلطان أنه يغزو بشيء من حقه وليس للسطان حبسه في حال قلت عليه فيها الرجوع إلا في حال ثانية أن يكون يخاف برجوعه ورجوع من هو في حاله أن يكثروا وأن يصيب المسلمين خلة برجوعهم بخروجهم يعظم الخوف فيها عليهم فيكون له حبسه في هذه الحال ولا يكون لهم الرجوع عليها فإذا زالت تلك الحال فعليهم أن يرجعوا وعلى السلطان أن يخليهم إلا من غزا منهم بجعل إذا كان رجوعهم من قبل والد أو صاحب دين لا من علة بأبدانهم فإن أراد أحد منهم الرجوع لعلة ببدنه تخرجه من فرض الجهاد فعلى السلطان تخليته غزا بجعل أو غير جعل وليس له الرجوع في الجعل لأنه حق من حقه أخذه وهويستوجبه وحدث له حال عذر وذلك أن يمرض أو يزمن بإقعاد أو بعرج شديد لا يقدر معه على مشي الصحيح وما أشبه هذا قال الشافعي رحمه الله 
 

صفحة : 1371

 تعالى وإني لأرى العرج إذا نقص مشيه عن مشي الصحيح وعدوه كله عذرا والله تعالى أعلم وكذلك إن رجل عن دابته أو ذهبت نفقته خرج من هذا كله من أن يكون عليه فرض الجهاد ولم يكن للسلطان حبسه عليه إلا في حال واحدة أن يكون خرج إلى فرض الجهاد بقلة الوجود فعليه أن يعطيهم حتى يكون واجدا فإن فعله حبسه وليس للرجل الامتناع من الأخذ منه إلا ان يقيم معه في الجهاد حتى ينقضى فله إذا فعل الامتناع من الأخذ منه وإذا غزا الرجل فذهبت نفقته أو دابته فقفل ثم وجد نفقة أو فاد دابة فإن كان ذلك ببلاد العدو لم يكن له الخروج وكان عليه الرجوع إلا أن يكون يخاف في رجوعه وإن كان قد فارق بلاد العدو فالاختيار له العود إلا أن يخاف فلا يجب عليه العود لأنه قد خرج وهو من أهل العذر فإن كانت تكون خلة برجوعه أو كانوا جماعة أصابهم ذلك وكانت تكون بالمسلمين خلة برجوعهم فعليهم وعلى الواحد أن يرجع إذا كانت كما وصفت إلا أن يخاف إذا تخلفوا أن يقتطعوا في الرجوع خوفا بينا فيكون لهم عذر بأن لا يرجعوا 
تحويل حال من لا جهاد عليه 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا كان الرجل ممن لا جهاد عليه بما وصفت من العذر أو كان ممن عليه جهاد فخرج فيه فحدث له ما يخرج به من فرض الجهاد بالعذر في نفسه وماله ثم زالت الحال عنه عاد إلى أن يكون ممن عليه فرض الجهاد وذلك أن يكون أعمى فذهب العمى وصح بصره أو إحدى عينيه فيخرج من حد العمى أو يكون أعرج فينطلق العرج أو مريضا فيذهب المرض أو لا يجد ثم يصير واجدا أو صبيا فبلغ أو مملوكا فيعتق أو خنثى مشكلا فيبين رجلا لا يشكل أو كافرا فيسلم فيدخل فيمن عليه فرض الجهاد فإن كان ببلده كغيره ممن عليه فرض الجهاد فإن كان قد غزا وله عذر ثم ذهب العذر وكان ممن عليه فرض الجهاد لم يكن له الرجوع عن الغزو دون رجوع من غزا معه أو بعض الغزاة في وقت يجوز فيه الرجوع قال وليس للإمام أن يجمر بالغزو فإن جمرهم فقد أساء ويجوز لكلهم خلافه والرجوع وإن أطاعته منهم طائفة فأقامت فأراد بعضهم الرجوع لم يكن لهم الرجوع إلا أن يكون من تخلف منهم ممتنعين بموضعهم ليس الخوف عليهم بشديد أن يرجع من يريد الرجوع فيكون حينئذ لمن أراد الرجوع أن يرجع وسواء في ذلك الواحد يريد الرجوع والجماعة لأن الواحد قد يخل بالقليل والجماعة لا تخل بالكثير ولذي العذر الرجوع في كل حال إذا جمر وجوزته قدر الغزو وإن أخل بمن معه وكل منزلة قلت 
 

صفحة : 1372

 لا ينبغي لأحد أن يرجع فيها فعلى الإمام فيها أن يأذن في الوقت الذي قلت لبعضهم الرجوع ويمنع في الوقت الذي قلت ليس لهم فيه الرجوع 
شهود من لا فرض عليه القتال 
قال الشافعي رحمه الله تعالى والذين لا يأثمون بترك القتال والله تعالى أعلم بحال ضربان ضرب أحرار بالغون معذورون بما وصفت وضرب لا فرض عليهم بحال وهم العبيد أو من لم يبلغ من الرجال الأحرار والنساء ولا يحرم على الإمام أن يشهد معه القتال الصنفان معا ولا على واحد من الصنفين أن يشهد معه القتال قال الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله هل كان رسول الله  يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهن بسهم فقال قد كان رسول الله  يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ولم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة قال الشافعي رحمه الله تعالى ومحفوظ أنه شهد مع رسول الله  القتال العبيد والصبيان وأحذاهم من الغنيمة قال وإذا شهد من ليس عليه فرض الجهاد قويا كان أو ضعيفا القتال أحذي من الغنيمة كما كان رسول الله  يحذي النساء وقياسا عليهن وخبر النبي  في العبيد والصبيان ولا يبلغ بحذية واحد منهم سهم حر ولا قريبا منه ويفضل بعضهم على بعض في الحذية إن كان منهم أحد له غناء في القتال أو معونة للمسلمين المقاتلين ولا يبلغ بأكثرهم حذية سهم مقاتل من الأحرار وإن شهد القتال رجل حر بالغ له عذر في عدم شهود القتال من زمن أو ضعف بمرض أو عرض أو فقير معذور ضرب له بسهم رجل تام فإن قال من أين ضربت لهؤلاء وليس عليهم فرض القتال ولا لهم غناء بسهم ولت ضرب به للعبيد ولهم غناء ولا للنساء والمراهقين وإن أغنوا وكل ليس عليه فرض القتال قيل له قلنا خبرا وقياسا فأما الخبر فإن النبي  أحذى النساء من الغنائم وكان العبيد والصبيان ممن لا فرض عليهم وإن كانوا أهل قوة على القتال ليس بعذر في أبدانهم وكذلك العبيد لو أنفق عليهم لم يكن عليهم القتال فكانوا غير أهل جهاد بحال كما يحج الصبي والعبد ولا يجزئ عنهما من حجة الإسلام لأنهما ليسا من أهل الفرض بحال ويحج الرجل والمرأة الزمنان اللذان لهما العذر بترك الحج والفقيران الزمنان فيجزئ عنهما عن حجة الإسلام لأنهما إنما زال الفرض عنهما بعذر في أبدانهما وأموالهما متى فارقهما ذلك كانا من أهله ولم يكن هكذا الصبي والعبد في 
 

صفحة : 1373

 الحج قال وكذلك لو لم يكونا كذا والمرأة مثلهما في الجهاد وضربت للزمن والفقير اللذين لاغزو عليم لأن رسول الله  أسهم لمرضى وجرحى وقوم لا غناء لهم على الشهود وأنهم لم يزل فرض الجهاد عليهم إلا بمعنى العذر الذي إذا زال صاروا من أهله فإذا تكلفوا شهوده كان لهم ما لأهله 
من ليس للإمام أن يغزو به بحال 
قال الشافعي رحمه الله تعالى غزا رسول الله  فغزا معه بعض من يعرف نفاقه فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ثم غزا النبي  بني المصطلق فشهدها معه عدد فتكلموا بما حكى الله تعالى من قولهم لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وغير ذلك مما حكى الله عز وجل من نفاقهم ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه قوم منهم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه الله عز وجل شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عز وجل في غزاة تبوك أو منصرفة عنها ولم يكن في تبوك قتال من أخبارهم فقال ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين قال الشافعي رحمه الله تعالى فأظهر الله عز وجل لرسوله  أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم فأخبره أنه كره انبعاثهم فثبطهم إذ كانوا على هذه النية كان فيها ما دل على أن الله عز وجل أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين لأنه ضرر عليهم ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله قرأ الربيع إلى الخالفين قال الشافعي رحمه الله تعالى فيمن شهر بمثل ما وصف الله تعالى المنافقين لم يحل للإمام أن يدعه يغزو معه ولم يكن لو غزا معه أن يسهم له ولا يرضخ لأنه ممن منع الله عز وجل أن يغزو مع المسلمين لطلبته فتنتهم وتخذيله إياهم وأن فيهم من يستمع له بالغفلة والقرابة والصداقة وأن هذا قد يكون أضر عليهم من كثير من عدوهم قال ولما نزل هذا على رسول الله  لم يكن ليخرج بهم أبدا وإذا حرم الله عز وجل أن يخرج بهم فلا سهم لهم لو شهدوا القتال ولا رضخ ولا شيء لأنه لم يحرم أن يخرج بأحد غيرهم فأما من كان على غير ما وصف الله عز وجل من هؤلاء أو بعضه ولم يكن يحمد حاله أو ظن ذلك به وهو ممن لا يطاع ولا يضر ما وصف الله تعالى عن هؤلاء الذين 
 

صفحة : 1374

 وصف الله عز وجل بشيء من أحكام الإسلام إلا ما منعهم الله عز وجل لأن رسول الله  أقرهم على أحكام الإسلام بعد الآية وإنما منعوا الغزو مع المسلمين للمعنى الذي وصف الله عز وجل من ضررهم وصلاة النبي  لم يمنع رسول الله  أحدا أن يصلي عليهم بخلاف صلاته صلاة غيره قال الشافعي وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطعيه من مسلم أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به وإن غزا به لم يرضخ له لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالإسلام كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم أو أكثر إذا كانت أفعاله كأفعالهم أو أكثر ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين بدلالة على عورة عدو أو طريق أو ضيعة أو نصيحة للمسلمين فلا بأس أن يغزي به وأحب إلي أن لا يعطى من الفيء شيئا ويستأجر إجارة من مال لا مالك له بعينه وهو غير سهم النبي  فإن أغفل ذلك أعطى من سهم النبي  ورد النبي  يوم بدر مشركا قيل نعيم فأسلم ولعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام أن يرد المشرك فيمنعه الغزو ويأذن له وكذلك الضعيف من المسلمين ويأذن له ورد النبي  من جهة إباحة الرد والدليل على ذلك والله تعالى أعلم أنه قد غزا بيهود بني فينقاع بعد بدر وشهد صفوان ابن أمية معه حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك قال ونساء المشركين في هذا وصبيانهم كرجالهم لا يحرم أن يشهدوا القتال وأحب إلي لو لم يعطوا وإن شهدوا القتال فلا يبين أن يرضخ لهم إلا أن تكون منهم منفعة للمسلمين فيرضخ لهم بشيء ليس كما يرضخ لعبد مسلم أو لأمرأة ولا صبي مسلمين وأحب إلي لو لم يشهدوا الحرب إن لم تكن بهم منفعة لأنا إنما أجزنا شهود النساء مع المسلمين والصبيان في الحرب رجاء النصرة بهم لما أوجب الله تعالى لأهل الإيمان وليس ذلك في المشركين 
ID ' '   الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 

صفحة : 1375


كيف تفضل فرض الجهاد 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم مع ما أوجب من القتال في غير آية من كتابه وقد وصفنا أن ذلك على الأحرار المسلمين البالغين غير ذوي العذر بدلائل الكتاب والسنة فإذا كان فرض الجهاد على من فرض عليه محتملا لأن يكون كفرض الصلاة وغيرها عاما ومحتملا لأن يكون على غير العموم فدل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه  على أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع أمران أحدهما أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يمنعه والآخر أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية حتى يسلم أهل الأوثان أو يعطى أهل الكتاب الجزية قال فإذا قام بهذا من المسلمين من فيه الكفاية به خرج المتخلف منهم من المأثم في ترك الجهاد وكان الفضل للذين ولوا الجهاد على المتخلفين عنه قال الله عز وجل لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة الآية قال الشافعي وبين إذ وعد الله عز وجل القاعدين غير أولي الضرر الحسنى أنهم لا يأثمون بالتخلف ويوعدون الحسنى بالتخلف بل وعدهم لما وسع عليهم من التخلف الحسنى إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكا ولا سوء نية وإن تركوا الفضل في الغزو وأبان الله عز وجل في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير انفروا خفافا وثقالا وقال عز وجل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما وقال تبارك وتعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين الآية فأعلمهم أن فرض الجهاد على الكفاية من المجاهدين قال الشافعي ولم يغز رسول الله  غزاة علمتها إلا تخلف عنه فيها بشر فغزا بدرا وتخلف عنه رجال معروفون وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته  وقال في غزوة تبوك وفي تجهزه للجمع للروم ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازي في أهله وماله قال الشافعي وبعث رسول الله  جيوشا وسرايا تخلف عنها بنفسه مع حرصه على الجهاد على ما ذكرت قال الشافعي وأبان أن لو تخلفوا معا أثموا معا بالتخلف بقوله عز وجل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما يعني والله تعالى أعلم إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتكم قال ففرض الجهاد على ما وصفت يخرج المتخلفين من المأثم القائم بالكفاية فيه ويأثمون معا إذا تخلفوا معا 
 

صفحة : 1376


تفريع فرض الجهاد 
قال الشافعي قال الله عز وجل قاتلوا الذين يلونكم من الكفار قال ففرض الله جهاد المشركين ثم أبان من الذين نبدأ بجهادهم من المشركين فأعلمهم أنهم الذين يلون المسلمين وكان معقولا في فرض الله جهادهم أن أولاهم بأن يجاهد أقربهم بالمسلمين دارا لأنهم إذا قووا على جهادهم وجهاد غيرهم كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى وكان من قرب أولى أن يجاهد من قربه من عورات المسلمين وأن نكاية من قرب أكثر من نكاية من بعد قال فيجب على الخليفة إذا استوت حال العدو أو كانت بالمسلمين عليهم قوة أن يبدأ بأقرب العدو من ديار المسلمين لأنهم الذين يلونهم ولا يتناول من خلفهم من طريق المسلمين على عدو دونه حتى يحكم أمر العدو دونه بأن يسلموا أو يعطوا الجزية إن كانوا أهل كتاب وأحب له إن لم يرد تناول عدو وراءهم ولم يطل على المسلمين عدو أن يبدأ بأقربهم من المسلمين لأنهم أولى باسم الذين يلون المسلمين وإن كان كل يلي طائفة من المسلمين فلا أحب أن يبدأ بقتال طائفة تلي قوما من المسلمين دون آخرين وإن كانت أقرب منهم من الأخرى إلى قوم غيرهم فإن اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف من بعض فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف أو الأنكى ولا بأس أن يفعل وإن كانت داره أبعد إن شاء الله تعالى حتى ما يخاف ممن بدأ به مما لا يخاف من غيره مثله وتكون هذه بمنزلة ضرورة لأنه يجوز في الضرورة ما لايجوز في غيرها وقد بلغ النبي  عن الحرث بن أبي ضرار أنه يجمع له فأغار النبي  عليه وقربه عدو أقرب منه وبلغه أن خالد بن أبي سفيان بن شح يجمع له فأرسل ابن أنيس فقتله وقربه عدو أقرب قال الشافعي وهذه منزلة لا يتابين فيها حال العدو كما وصفت والواجب أن يكون أول ما يبدأ به سد أطراف المسلمين بالرجال وإن قدر على الحصون والخنادق وكل أمر دفع العدو قبل انتياب العدو في ديارهم حتى لا يبقى للمسلمين طرف إلا وفيه من يقوم بحرب من يليه من المشركين وإن قدر على أن يكون فيه أكثر فعل ويكون القائم بولايتهم أهل الأمانة والعقل والنصيحة للمسلمين والعلم بالحرب والنجدة والأناة والرفق والإقدام في موضعه وقلة البطش والعجلة قال الشافعي فإذا أحكم هذا في المسلمين وجب عليه أن يدخل المسلمين بلاد المشركين في الأوقات التي لا يغرر بالمسلمين فيها ويرجو أن ينال الظفر من العدو فإن كانت بالمسلمين قوة لم أر أن يأتي عليه عام إلا وله جيش أو غارة في بلاد المشركين الذي يلون المسلمين من كل ناحية عامة وإن كان يمكنه في السنة بلا تغرير بالمسلمين 
 

صفحة : 1377

 أحببت له أن لا يدع ذلك كلما أمكنه وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عليه عام إلا وله فيه غزو حتى لا يكون الجهاد معطلا في عام إلا من عذر وإذا غزا عاما قابلا غزا بلدا غيره ولا يتابع الغزو على بلد ويعطل من بلاد المشركين غيره إلا أن يختلف حال أهل البلدان فيتابع الغزو على من يخاف نكايته أو من يرجو غلبة المسلمين على بلاده فيكون تتابعه على ذلك وعطل غيره بمعنى ليس في غيره مثله قال وإنما قلت بما وصفت أن رسول الله  لم يخل من حين فرض عليه الجهاد من أن غزا بنفسه أو غيره في عام من غزوة أو غزوتين أو سرايا وقد كان يأتي عليه الوقت لا يغزو فيه ولا يسري سرية وقد يمكنه ولكنه يستجم ويجم له ويدعو ويظاهر الحجج على من دعاه ويجب على أهل الإمام أن يغزوا أهل الفيء يغزوا كل قوم إلى من يليهم من المشركين ولا يكلف الرجل البلاد البعيدة وله مجاهد أقرب منها إلا أن يختلف حال المجاهدين فيزيد عن القريب عن يكفيهم فإن عجز القريب عن كفايتهم كلفهم أقرب أهل الفيء بهم قال ولا يجوز أن يغزو أهل دار من المسلمين كافة حتى يخلف في ديارهم من يمنع دارهم منه قال الشافعي فإذا كان أهل دار المسلمين قليلا إن غزا بعضهم خيف العدو على الباقين منهم لم يغز منهم أحد وكان هؤلاء في رباط الجهاد ونزلهم قال الشافعي وإن كانت ممتنعة غير مخوف عليها ممن يقاربها فأكثر ما يجوز أن يغزى من كل رجلين رجلا فيخلف المقيم الظاعن في أهله وماله فإن رسول الله  لما تجهز إلى تبوك فأراد الروم وكثرت جموعهم قال ليخرج من كل رجلين رجل ومن في المدينة ممتنع بأقل ممن تخلف فيها وإذا كان القوم في ساحل من السواحل كسواحل الشام وكانوا على قتال الروم والعدو الذي يليهم أقوى ممن يأتيهم من غير أهل بلدهم وكان جهادهم عليه أقرب منه على غيرهم فلا بأس أن يغزوا إليهم من يقيم في ثغورهم مع من تخلف منهم وإن لم يكن من خلفوا منهم يمنعون دارهم لو انفردوا إذا صاروا يمنعون دارهم بمن تخلف من المسلمين معهم ويدخلون بلاد العدو فيكون عدوهم أقرب ودوابهم أجم وهم ببلادهم أعلم وتكون دارهم غير ضائعة بمن تخلف منهم وخلف معهم من غيرهم قال ولا ينبغي أن يولي الإمام الغزو إلا ثقة في دينه شجاعا في بدنه حسن الأناة عاقلا للحرب بصيرا بها غير عجل ولا نزق وأن يقدم إليه وإلى من ولاه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال ولا يأمرهم بنقب حصن يخاف أن يشدخوا تحته ولا دخول مطمورة يخاف أن يقتلوا ولا يدفعوا عن أنفسهم فيها ولا غير ذلك من أسباب المهالك فإن فعل ذلك الإمام فقد أساء ويستغفر الله تعالى 
 

صفحة : 1378

 ولا عقل ولا قود عليه ولا كفارة إن أصيب أحد من المسلمين بطاعته قال وكذلك لا يأمر القليل منهم بانتياب الكثير حيث لا غوث لهم ولا يحمل منهم أحدا على غير فرض القتال عليه وذلك أن يقاتل الرجل الرجلين لا يجاوز ذلك وإذا حملهم على ما ليس له حملهم عليه فلهم أن لا يفعلوه قال وإنما قلت لا عقل ولا قود ولا كفارة عليه أنه جهاد ويحل لهم بأنفسهم أن يقدموا فيه على ما ليس عليهم بعرض القتل لرجاء إحدى الحسنيين ألا ترى أني لا أرى ضيقا على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرا أو يبادر الرجل وإن كان الأغلب أنه مقتول لأنه قد بودر بين يدي رسول الله  وحمل رجل من الأنصار حاسرا على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي  بما في ذلك من الخير فقتل 
تحريم الفرار من الزحف 
قال الله تبارك وتعالى يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وقال عز وجل الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين الآية أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين فأنزل الله عز وجل الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين فخفف عنهم وكتب عليهم أن لا يفر مائة من مائتين قال الشافعي وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل وقال الله تعالى إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار الآية فإذا غزا المسلمون أو غزوا فتهيئوا للقتال فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين إلى فئة فإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا عنهم ولا يستوجب السخط عندي من الله عز وعلا لو ولوا عنهم إلى غير التحرف للقتال والتحيز إلى فئة لأن بينا أن الله عز وجل إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه وأن فرض الله عز وجل في الجهاد إنما هو على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدو ويأثم المسلمون لو أطل عدو على أحد من المسلمين وهم يقدرون على الخروج إليه بلا تضييع لما خلفهم من ثغرهم إذا كان العدو ضعفهم وأقل قال وإذا لقي المسلمون العدو فكثرهم العدو أو قووا عليهم وإن لم يكثروهم بمكيدة أو غيرها فولى المسلمون غير متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة رجوت أن لا يأثموا ولا يخرجون والله تعالى أعلم من المأثم إلا بأن لا يولوا العدو دبرا إلا وهم ينوون أحد الأمرين من التحرف إلى 
 

صفحة : 1379

 القتال أو التحيز إلى فئة فإن ولوا على غير نية واحد من الأمرين خشيت أن يأثموا وأن يحدثوا بعد نية خير لهم ومن فعل هذا منهم تقرب إلى الله عز وجل بما استطاع من خير بلا كفارة معلومة فيه قال ولو ولوا يريدون التحرف للقتال أو التحيز إلى الفئة ثم أحدثوا بعد نية في المقام على الفرار بلا واحدة من النيتين كافوا غير آثمين بالتولية مع النية لأحد الأمرين وخفت أن يأثموا بالنية الحادثة أن يثبتوا على الفرار لا لواحد من المعنيين وإن بعض أهل الفيء نوى أن يجاهد عدوا أبدا بلا عذر خفت عليه المأثم ولو نوى المجاهد أن يفر عنه لا لواحد من المعنيين كان خوفي عليه من المأثم أعظم ولو شهد القتال من له عذر في ترك القتال من الضعفاء والمرضى الأحرار خفت أن يضيق على أهل القتال لأنهم إنما عذروا بتركه فإذا تكلفوه فهم من أهله كما يعذر الفقير الزمن بترك الحج فإذا حج لزمه فيه ما لزم من لا يعذر بتركه من عمل ومأثم وفدية قال وإن شهد القتال عبد أذن له سيده كان كالأحرار ما كان في إذن سيده يضيق عليه التولية لأن كل من سميت من أهل الفرائض الذين يجري عليهم المأثم ويصلحون للقتال قال ولو شهد القتال عبد بغير إذن سيده لم يأثم بالفرار على غير نية واحد من الأمرين لأنه لم يكن للقتال ولو شهد القتال مغلوب على عقله بلا سكر لم يأثم بأن يولي ولو شهده مغلوب على عقله بسكر من خمر فولى كان كتولية الصحيح المطيق للقتال ولو شهد القتال من لم يبلغ لم يأثم بالتولية لأنه ممن لا حد عليه ولم تكمل الفرائض عليه ولو شهد النساء القتال فولين رجوت أن لا يأثمن بالتولية لأنهن لسن ممن عليه الجهاد كيف كانت حالهن قال وإذا حضر العدو القتال فأصاب المسلمون غنيمة ولم تقسم حتى ولت منهم طائفة فإن قالوا ولينا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة كانت لهم سهمانهم فيما غنم بعد وإن لم يكونوا مقاتلين ولا ردءا ولو غنم المسلمون غنيمة ثم لم تقسم خمست أو لم تخمس حتى ولوا وأفروا أنهم ولوا بغير نية واحد من الأمرين وادعوا أنهم بعد التولية أحدثوا نية أحد الأمرين والرجعة ورجعوا لم يكن لهم غنيمة لأنها لم تصر إليهم حتى صاروا ممن عصى بالفرار وترك الدفع عنها وكانوا آثمين بالترك قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا ولى القوم غير متحرفين إلى فئة ثم غزوا غزاة أخرى وعادوا إلى ترك الغزاة فما كان فيها من غنيمة شهدوها ولم يولوا بعدها فلهم حقهم منها وإذا رجع القوم القهقري بلا نية لأحد الأمرين كانوا كالمولين لأنه إنما أريد بالتحريم الهزيمة عن المشركين وإذا غزا القوم فذهبت دوابهم لم يكن لهم عذر بأن يولوا وإن ذهب السلاح والدواب وكانوا يجدون شيئا يدفعون به من حجارة أو خشب أو غيرها 
 

صفحة : 1380

 وكذلك إن لم يجدوا من هذا شيئا فأحب إلي أن يولوا فإن فعلوا أحببت أن يجمعوا مع الفعل على أن يكونوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة ولا يبين أن يأثموا لأنهم ممن لا يقدر في هذه الحالة على شيء يدفع به عن نفسه وأحب في هذاكله أن لا يولي أحد بحال إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ولو غزا المشركون بلاد المسلمين كان تولية المسلمين عنهم كتوليتهم لو غزاهم المسلمون إذا كانوا نازلين لهم عليهم أن يبرزوا إليهم قال ولا يضيق على المسلمين أن يتحصنوا من العدو في بلاد العدو وبلاد الإسلام وإن كانوا قاهرين للعدو فيما يرون إذا ظنوا ذلك أزيد في قوتهم ما لم يكن العدو يتناول من المسلمين أو أموالهم شيئا في تحصنهم عنهم فإذا كان واحد من المعنيين ضرر على المسلمين ضاق عليهم إن أمكنهم الخروج أن يتخلفوا عنهم فأما إذا كان العدو قاهرين فلا بأس أن يتحصنوا إلى أن يأتيهم مدد أو تحدث لهم قوة وإن وني عليهم فلا بأس أن يولوا عن العدو ما لم يلتقوا هم والعدو لأن النهي إنما هو في التولية بعد اللقاء قال الشافعي رحمه الله والتحرف للقتال الاستطراد إلى أن يمكن المستطرد الكرة في أي حال ما كان الإمكان والتحيز إلى الفئة أين كانت الفئة ببلاد العدو أو ببلاد الإسلام بعد ذلك أقرب إنما يأثم في التولية من لم ينو واحدا من المعنيين أخبرنا ابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالرحمن ابن أبي ليلى عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله  في سرية فلقوا العدو فحاص الناس حيصة فأتينا المدينة وفتحنا بابها فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال أنتم العكارون وأنا فئتكم أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أنا فئة كل مسلم قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله  قال إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله قال الشافعي لما أتى كسرى بكتاب رسول الله  مزقه فقال رسول الله  يمزق ملكه قال الشافعي وحفظنا أن قيصرا أكرم كتاب النبي  ووضعه في مسك فقال النبي  يثبت ملكه قال الشافعي ووعد رسول الله  الناس فتح فارس والشام فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول رسول الله  ففتح بعضها وتم فتحها في زمان عمر وفتح العراق وفارس قال الشافعي فقد أظهر الله 
 

صفحة : 1381

 عز وجل دينه الذي بعث به رسوله  على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول الله  الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه  وهذا ظهور الدين كله قال وقد يقال ليظهرن الله عز وجل دينه على الأديان حتى لا يدان لله عز وجل إلا به وذلك متى شاء الله تبارك وتعالى قال الشافعي وكانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا مع معايشها منه وتأتي العراق قال فلما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي  خوفها من انقطاع معايشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام فقال النبي  إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده قال الشافعي فلم يكن بأرض العراق كسرى بعده ثبت له أمر بعده قال وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال لهم رسول الله  وقطع الأكاسرة عن العراق وفارس وقيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام قال الشافعي قال النبي  في كسرى يمزق ملكه فلم يبق للأكاسرة ملك قال الشافعي رحمه الله تعالى وقال في قيصر يثبت ملكه فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا أمر يصدق بعضه بعضا 
ID ' '   جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 

صفحة : 1382


الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ 
قال الشافعي رحمه الله تعالى بعث الله عز وجل رسوله  بمكة وهى بلاد قومه وقومه أميون وكذلك من كان حولهم من بلاد العرب ولم يكن فيهم من العجم إلا مملوك أو أجير أو مجتاز أو من لا يذكر قال الله تبارك وتعالى هوالذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته الآية فلم يكن من الناس أحد في أول ما بعث أعدى له من عوام قومه ومن حولهم وفرض الله عز وجل عليه جهادهم فقال وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فقيل فيه فتنة شرك ويكون الدين كله واحدا لله وقال في قوم كان بينه وبينهم شيء فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم الآية مع نظائر لها في القرآن أخبرنا عبدالعزيز بن محمد عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي  قال لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله أخبرنا سفيان بن عبدالملك بن نوفل بن مساحق عن أبي عصام المزني عن أبيه أن النبي  كان إذا بعث سرية قال إن رأيتم مسجدا أوسمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا أخبرنا سفيان عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أليس قال رسول الله  أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله قال أبو بكر هذا من حقها لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله  لقاتلهم عليه قال الشافعي رحمه الله تعالى يعني من منع الصدقة ولم يرتد أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر هذا القول أو ما معناه قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا مثل الحديثين قبله في المشركين مطلقا وإنما يراد به والله تعالى أعلم مشركو أهل الأوثان ولم يكن بحضرة رسول الله  ولا قربه أحد من مشركي أهل الكتاب إلا يهود المدينة وكانوا حلفاء الأنصار ولم تكن أنصار اجتمعت أول ما قدم رسول الله  إسلاما فوادعت يهود رسول الله  ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعة بدر فكلم بعضها بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول الله  فيهم ولم يكن بالحجاز علمته إلا يهودي أو نصراني بنجران وكانت المجوس بهجر وبلاد البربر وفارس نائين عن الحجاز دونهم مشركون أهل أوثان كثير قال 
 

صفحة : 1383

 الشافعي رحمه الله تعالى فأنزل الله عز وجل على رسوله فرض قتال المشركين من أهل الكتاب فقال قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله الآية ففرق الله عز وجل كما شاء لامعقب لحكمه بين قتال أهل الأوثان ففرض أن يقاتلوا حتى يسلموا وقتال أهل الكتاب ففرض أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية أو أن يسلموا وفرق الله تعالى بين قتالهم أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله  كان إذا بعث سرية أو جيشا أمر عليهم قال إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو ثلاث خلال شك علقمة ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن أجابوك فاقبل منهم وأخبرهم أنهم إن فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم وإن اختاروا المقام في دارهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله عز وجل كما يجري على المسلمين وليس لهم في الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الإسلام فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم قال الشافعي حدثني عدد كلهم ثقة عن غير واحد كلهم ثقة لا أعلم إلا أن فيهم سفيان الثوري عن علقمة بمثل معنى هذا الحديث لا يخالفه قال الشافعي وهذا في أهل الكتاب خاصة دون أهل الأوثان وليس يخالف هذا الحديث حديث أبي هريرة أن رسول الله  قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ولكن أولئك الناس أهل الأوثان والذين أمر الله أن تقبل منهم الجزية أهل الكتاب والدليل على ذلك ما وصفت من فرق الله بين القتالين ولا يخالف أمر الله عز وجل أن يقاتل المشركون حتى يكون الدين لله ويقتلوا حيث وجدوا حتى يتوبوا ويقيموا الصلاة وأمر الله عز وجل بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ولا تنسخ واحدة من الآي غيرها ولا واحد من الحديثين غيره وكل فيما أنزل الله عز وجل ثم سن رسوله فيه قال الشافعي ولو جهل رجل فقال إن أمر الله بالجزية نسخ أمره بقتال المشركين حتى يسلموا جاز عليه أن يقول جاهل مثله بل الجزية منسوخة بقتال المشركين حتى يسلموا ولكن ليس فيهما ناسخ لصاحبه ولا ومخالف 
ID ' '   ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 

صفحة : 1384


من يلحق بأهل الكتاب 
قال الشافعي انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله رسوله محمدا  وينزل عليه الفرقان فدانت دين أهل الكتاب وقارب بعض أهل الكتاب العرب من أهل اليمن فدان بعضهم دينهم وكان من أنزل الله عز وجل فرض قتاله من أهل الأوثان حتى يسلم مخالفا دين من وصفته دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان على نبي الله  لتمسك أهل الأوثان بدين آبائهم فأخذ رسول الله  الجزية من أكيدر دومة وهو رجل يقال من غسان أو من كندة وأخذ رسول الله  الجزية من ذمة أهل اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران وفيهم عرب فدل ذلك على ما وصفت من أن الإسلام لم يكن وهم أهل أوثان بل دائنين دين أهل الكتاب مخالفين دين أهل الأوثان وكان في هذا دليل على أن الجزية ليست على النسب إنما هي على الدين وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة أهل التوراة من اليهود والإنجيل من النصارى وكانوا من بني إسرائيل وأحطنا بأن الله عز وجل أنزل كتبا غير التوراة والإنجيل والفرقان قال الله عز وجل أم لم ينبأ بما في صحف موسىوإبراهيم الذي وفى فأخبر أن لإبراهيم صحفا وقال تبارك وتعالى وإنه لفي زبر الأولين قال الشافعي رحمه الله تعالى فكانت المجوس يدينون غير دين أهل الأوثان ويخالفون أهل الكتاب من اليهود والنصارى في بعض دينهم وكان أهل الكتاب اليهود والنصارى يختلفون في بعض دينهم وكان المجوس بطرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين النصارى واليهود حتى عرفوه وكانوا والله تعالى أعلم أهل كتاب يجمعهم اسم أنهم أهل كتاب مع اليهود والنصارى أخبرنا ابن عيينة عن أبي سعد سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال قال فروة بن نوفل الأشجعي على م تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب فقام إليه المستورد فأخذ بلب وقال يا عدو الله تطعن على أبي بكر وعلى أمير المؤمنين يعني عليا وقد أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج علي عليهما فقال ألبدا فجلسا في ظل القصر فقال علي رضي الله تعالى عنه أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وإنما ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا خاف أن يقيموا عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فلما أتوه قال تعلمون دينا خيرا من دين آدم وقد كان آدم ينكح بينيه بناته وأنا على دين آدم ما يرغب بكم عن دينه فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوه حتى قتلوهم فأصبحوا 
 

صفحة : 1385

 وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم فهم أهل كتاب وقد أخذ رسول الله  وأبو بكر وعمر منهم الجزية قال الشافعي رحمه الله تعالى وما روى عن علي من هذا دليل على ما وصفت أن المجوس أهل كتاب ودليل أن عليا كرم الله وجهه ما خبر أن رسول الله  يأخذ الجزية منهم إلا وهم أهل كتاب ولا من بعده فلو كان يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لقال علي الجزية تؤخذ منهم كانوا أهل كتاب أو لم يكونوا أهله ولم أعلم ممن سلف من المسلمين أحدا أجاز أن تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع بجالة يقول ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله  أخذها من مجوس أهل هجر قال الشافعي رحمه الله تعالى وحديث بجالة متصل ثابت لأنه أدرك عمر وكان رجلا في زمانه كاتبا لعماله وحديث نصر بن عاصم عن علي عن النبي  متصل وبه نأخذ وقد روى من حديث الحجاز حديثان منقطعان بأخذ الجزية من المجوس أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر له المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال له عبدالرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله  يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب قال الشافعي رحمه الله تعالى إن كان ثابتا فنفتي في أخذ الجزية لأنهم أهل كتاب لا أنه يقال إذا قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب والله تعالى أعلم في أن تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم قال ولو أراد جميع المشركين غير أهل الكتاب لقال والله تعالى أعلم سنوا بجميع المشركين سنة أهل الكتاب ولكن لما قال سنوا بهم فقد خصهم وإذا خصهم فغيرهم مخالف ولا يخالفهم إلا غير أهل الكتاب أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله  أخذ الجزية من مجوس البحرين وأن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أخذها من البربر قال الشافعي رحمه الله ولا يجوز أن يسأل عمر عن المجوس ويقول ما أدري كيف أصنع بهم وهو يجوز عنده أن تؤخذ الجزية من جميع المشركين لا يسأل عما يعلم أنه جائز له ولكنه سأل عن المجوس إذ لم يعرف من كتابهم ما عرف من كتاب اليهود والنصارى حتى أخبر عن النبي  بأخذه الجزية وأمره بأخذ الجزية منهم فيتبعه وفي كل ما حكيت ما يدل على أنه لا يسعه أخذ الجزية من غير أهل الكتاب 
ID ' '   وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 

صفحة : 1386


تفريع من تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فكل من دان ودان آباؤه أو دان بنفسه وإن لم يدن آباؤه دين أهل الكتاب أي كتاب كان قبل نزول الفرقان وخالف دين أهل الأوثان قبل نزول الفرقان فهو خارج من أهل الأوثان وعلى الإمام إذا أعطاه الجزية وهو صاغر أن يقبلها منه عربيا كان أو عجميا وكل من دخل عليه الإسلام ولا يدين دين أهل الكتاب ممن كان عربيا أو عجميا فأراد أن تؤخذ منه الجزية ويقر على دينه أو يحدث أن يدين دين أهل الكتاب فليس للإمام أن يأخذ منه الجزية وعليه أن يقاتله حتى يسلم كما يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا قال وأي مشرك ما كان إذا لم يدع أهل دينه دين أهل الكتاب فهو كأهل الأوثان وذلك مثل أن يعبد الصنم وما استحسن من شيء ومن يعطل ومن في معناهم ومن غزا المسلمون ممن يجهلون دينه فذكروا لهم أنهم أهل كتاب فهم أهل كتاب سئلوا متى دانوا به وآباؤهم فإن ذكروا أن ذلك قبل نزول الوحي على رسول الله  قبلوا قولهم إلا أن يعلموا غير ما قالوا فإن علموا ببينة تقوم عليهم لم يأخذوا منهم الجزية ولم يدعوهم حتى يسلموا أو يقتلوا وإن علموه بإقرار فكذلك وإن أقر بعضهم أنه لم يدن ولم يدن آباؤه دين أهل الكتاب إلا في وقت يذكرونه يعلم أنه قبل أن ينزل على رسوله  أقررناهم على دينهم وأخذنا منهم الجزية ولا يكون للإمام أخذها إلا أن يقول آخذها منكم حتى أعلم أن لم تدينوا وآباؤكم هذا الدين إلا بعد رسول الله  فإذا علمته لم آخذها منكم فيما أستقبل ونبذت إليكم فإما أن تسلموا وإما أن تقتلوا 1 فإذا أخبرنا من الذين أسلموامنهم قوما عدولا فأثبتوا لنا على هؤلاء الذين أخذت منهم الجزية بقولهم بأن لم يدينوا دين أهل الكتاب بحال إلا بعد نزول الفرقان وإن شهد هؤلاء النفر المسلمون أو اثنان منهم على جماعتهم أن لم يدينوا دين أهل الكتاب إلا في وقت كذا وأن ءاباءهم كانوا يدينون دين أهل الكتاب نبذت إلى من بلغ منهم ولم يدن دين أهل الكتاب إلا في وقت كذا وكان ذلك بعد نزول الفرقان قال ولم ينبذ إلى صغارهم إذ كان آباؤهم دانوا دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان ولو أن هؤلاء النفر العدول شهدوا على أنفسهم أنهم لم يكونوا دانوا دين أهل الكتاب إلا بعد نزول الفرقان كان إقرارا منهم على أنفسهم لا أجعله شهادة على غيرهم ولا أقبل الشهادة على أحد منهم إلا بأن يثبتوها عليه أن الفرقان نزل ولا يدين يدينون دين أهل الكتاب فإذا فعلوا لم أقبل منه الجزية ولو كان آباؤهم من أهل الكتاب لأنه لا يكون دينه دين آبائه إذا بلغ إنما يكون 
 

صفحة : 1387

 مقرا على دين آبائه ما لم يبلغ فلو شهدوا أن أبا رجلين مات على دين أهل الكتاب يهوديا أو نصرانيا وله ابن بالغ مخالف دين أهل الكتاب وابن صغير ونزل الفرقان وهما بتلك الحال فبلغ الصغير ودان دين أهل الكتاب وعاد البالغ إلى دينهم أخذت الجزية من الصغير لأنه كان يقر على دين أبيه ولم يدن بعد البلوغ دينا غيره ولا آخذها من الكبير الذي نزل الفرقان وهو على دين غير دين أهل الكتاب قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال فكان بينا في الآية والله تعالى أعلم أن الذين فرض الله عز وجل قتالهم حتى يعطوا الجزية الذين قامت عليهم الحجة بالبلوغ فتركوا دين الله عز وجل وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم من أهل الكتاب وكان بينا أن الذين أمر الله بقتالهم عليها الذين فيهم القتال وهم الرجال البالغون قال الشافعي رحمه الله تعالى ثم أبان رسول الله  مثل معنى كتاب الله عز وجل فأخذ الجزية من المحتلمين دون من دونهم ودون النساء وأمر رسول الله  أن لا تقتل النساء من أهل الحرب ولا الوالدان وسباهم فكان ذلك دليلا على خلاف بين النساء والصبيان والرجال ولا جزية على من لم يبلغ من الرجال ولا على امرأة وكذلك لا جزية على مغلوب على عقله من قبل أنه لا دين له تمسك به ترك له الإسلام وكذلك لا جزية على مملوك لأنه لا مال له يعطي منه الجزية فأما من غلب على عقله أياما ثم أفاق أو جن ثم أفاق فتؤخذ منه الجزية لأنه يجري عليه القلم في حال إفاقته وليس يخلو بعض الناس من العلة يغرب بها عقله ثم يفيق فإذا أخذت من صحيح ثم غلب على عقله حسب له من يوم غلب على عقله فإن أفاق لم ترفع عنه الجزية وإن لم يفق رفعت عنه من يوم غلب على عقله قال وإذا صولحوا على أن يؤدوا عن أبنائهم ونسائهم سوى ما يؤدون عن أنفسهم فإن كان ذلك من أموال الرجال فذلك جائز وهو وكما ازديد عليهم من أقل الجزية ومن الصدقة ومن أموالهم إذا اختلفوا وغير ذلك مما يلزمهم إذا شرطوه لنا وإن كانوا على أن يؤدوها من أموال نسائهم أو أبنائهم الصغار لم يكن ذلك عليهم ولا لنا أن نأخذه من أبنائهم ولا نسائهم بقولهم 1 فلا شيئا عليك فإن قالت فأنا أؤدي بعد علمها قبل ذلك منها ومتى امتنعت وقد شرطت أن تؤدي لم يلزمنها الشرط ما أقامت في بلادها وكذلك لو تجرت بمالها لم يكن عليها أن تؤدي إلا أن تشاء ولكنها تمنع الحجاز فإن قالت أدخلها 
 

صفحة : 1388

 على شيء يؤخذ مني فألزمته نفسها جاز عليها لأنه ليس لها دخول الحجاز وإذا صالحت على أن يؤخذ من مالها شيء في غير بلاد الحجاز فإن أدته قبل وإن منعته بعد شرطه فلها منعه لأنه لا يبين لي أن على أهل الذمة أن يمنعوا من غير الحجاز ولو شرط هذا صبي أو مغلوب على عقله لم يجز الشرط عليه ولا يؤخذ من ماله وكذلك لو شرط أبو صبي أو المعتوه أو وليهما ذلك عليهما لم يكن ذلك لنا ولنا أن نمنعهما من أن يختلفا في بلاد الحجاز وكذلك يمنع مالهما مع الذي لا يؤدي شيئا عن نفسه ولا يكون لنا منعه من مسلم ولا ذمي يؤدي عن ماله ونمنع أنفسهما قال ولو أن أهل دار من أهل الكتاب امتنع رجالهم من أن يصالحوا على جزية أو يجري عليهم الحكم وأطاعوا بالجزية ولنا قوة عليهم وليس في صلحهم نظر فسألوا أن يؤدوا الجزية عن نسائهم وأبنائهم دونهم لم يكن ذلك لنا وإن صالحوهم على ذلك فالصلح منتقض ولا نأخذ منهم شيئا إن سموه على النساء والأبناء لأنهم قد منعوا أموالهم بالأمان وليس على أموالهم جزية وكذلك لا نأخذها من رجالهم وإن شرطها رجالهم ولم يقولوا من أبنائنا ونسائنا أخذناها من أموال من شرطها بشرطه وكذلك لو دعا إلى هذا النساء والأبناء لم يؤخذ هذا منهم وكذلك لو كان النساء والأبناء أخلياء من رجالهم ففيها قولان أحدهما ليس لنا أن نأخذ منهم الجزية ولنا أن نسبيهم لأن الله عز وجل إنما أذن بالجزية مع قطع حرب الرجال وأن يجري عليهم الحكم ولا حرب في النساء والصبيان إنما هن غنيمة وليسوا في المعنى الذي أذن الله عز وجل بأخذ الجزية به والقول الثاني ليس لنا سباؤهم وعلينا الكف عنهم إذا أقروا بأن يجري عليهم الحكم وليس لنا أن نأخذ من أموالهم شيئا وإن أخذناه فعلينا رده قال وتؤخذ الجزية من الرهبان والشيخ الفاني الزمن وغيره ممن عليه الحكم من رجال المشركين الذين أذن الله عز وجل بأخذ الجزية منهم وإذا صالح القوم من أهل الذمة على الجزية ثم بلغ منهم مولود قبل حولهم بيوم أو أقل أو أكثر فرضي بالصلح سئل فإن طابت نفسه بالأداء لحول قومه أخذت منه وإن لم تطب نفسه فحوله حول نفسه لأنه إنما وجب عليه الجزية بالبلوغ والرضا ويأخذ منه الإمام من حين رضي على حول أصحابه وفضل إن كان عليه من سنة قبلها لئلا تختلف أحوالهم كأن بلغ قبل الحول بشهر فصالحه على دينار كل حول فيأخذ منه إذا حال حول أصحابه نصف سدس دينار وفي حول مستقبل معهم دينارا فإذا أخره أخذ منه في حول أصحابه دينار ونصف سدس دينار 
ID ' '   ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 

صفحة : 1389


الصغار مع الجزية 
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال فلم يأذن الله عز وجل في أن تؤخذ الجزية ممن أمر بأخذها منه حتى يعطيها عن يد صاغرا قال الشافعي وسمعت عددا من أهل العلم يقولون الصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام قال الشافعي وما أشبه ما قالوا بما قالوا لا متناعهم من الإسلام فإذا جرى عليهم حكمه فقد أصغروا بما يجري عليهم منه قال الشافعي وإذا أحاط الإمام بالدار قبل أن يسبي أهلها أو قهر أهلها القهر البين ولم يسبهم أو كان على سبيه بالإحاطة من قهره لهم ولم يغزهم لقربهم أو قلتهم أو كثرتهم وقوته فعرضوا عليه ان يعطوا الجزية على أن يجري عليهم حكم الإسلام لزمه ان يقبلها منهم ولو سألوه أن يعطوها على أن لا يجري عليهم حكم الإسلام لم يكن ذلك له وكان عليه أن يقاتلهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وهم صاغرون بأن يجري عليهم حكم الإسلام قال فإن سألوه أن يتركوا من شيء من حكم الإسلام إذا طلبهم به غيرهم أو وقع عليهم بسبب غيرهم لم يكن له أن يجيبهم إليه ولا يأخذ الجزية منهم عليه فأما إذا كان في غزوهم مشقة أو من بإزائهم من المسلمين ومن ينتابهم عنهم ضعف أو بهم 1 انتصاف فلا بأس أن يوادعوا وإن لم يعطوا شيئا أو أعطوه على النظر وإن لم يجر عليهم حكم الإسلام كما يجوز ترك قتالهم وموادعتهم على النظر وهذا موضوع في كتاب الجهاد دون الجزية 
ID ' '   للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 

صفحة : 1390


مسألة إعطاء الجزية بعد ما يؤسرون 
قال الشافعي وإذا أسر الإمام قوما من أهل الكتاب وحوى نساءهم وذراريهم وأولادهم فسألوه تخليتهم وذراريهم ونسائهم على إعطاء الجزية لم يكن ذلك له في نسائهم ولا أولادهم ولا ما غلب من ذراريهم وأموالهم وإذا سألوه إعطاء الجزية في هذا الوقت لم يقبل ذلك منهم لأنهم صاروا غنيمة أو فيئا وكان له القتل والمن والفداء كما كان ذلك له في أحرار رجالهم البالغين خاصة لأنه رسول الله  قد من وفادى وقتل أسرى الرجال وأذن الله عز وجل بالمن والفداء فيهم فقال فضرب الرقاب حتى اذا أثخنتموهم فشدوا الوثائق فإما منا بعد وإما فداء قال الشافعي ولو كان أسر أكثر الرجال وهوى أكثر النساء والذراري والأموال وبقيت منهم بقية لم يصل إلى أسرهم بامتناع في موضع أو هرب كان له وعليه أن يعطى الممتنعين أحد الجزية والأمان على أموالهم ونسائهم إن لم يكن أحرز من ذلك شيئا فإن أعطاهم ذلك مطلقا فكان قد أحرز من ذلك شيئا لم يكن له الوفاء به وكان عليه أن يقسم ما أحرز لهم وخيرهم بين أن يعطوا الجزية عن أنفسهم وما لم يحرز لهم أو ينبذ إليهم ولو جاء الإمام رسل بعض أهل الحرب فأجابهم إلى أمان من جاءوا عنده من بلد كذا وكذا على أخذ الجزية وخالف الرسل من غزا من المسلمين فافتتحوها وحووا بلادهم نظر فإن كان الأمان كان لهم قبل الفتح وقبل أن يحووا البلاد خلى سبيلهم وكانت لهم الذمة على ما أعطوا ولو أعطوا ذمة منتقصة خلى سبيلهم ونبذ إليهم وإن كان سباؤهم والغلبة على بلادهم كان قبل إعطاء الإمام إياهم ما أعطاهم بمضي عليهم السباء وبطل ما أعطى الإمام لأنه أعطى الأمان من كان رقيقا وماله غنيمة أو فيئا كما لو أعطى قوما حووا أن يرد إليهم أموالهمم لم يكن ذلك له 
ID ' '   خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 

صفحة : 1391


مسأله إعطاء الجزية 
على سكنى بلد ودخوله قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى إنما المشركون نجس الآية قال فسمعت بعض أهل العلم يقول المسجد الحرام الحرم قال الشافعي وبلغني أن رسول الله  قال لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ولا لمشرك أن يدخل الحرم قال وسمعت عددا من أهل العلم بالمغازي يروون أنه كان في رسالة النبي  لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا فإن سأل أحد ممن تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يترك يدخل الحرم بحال فليس للإمام أن يقبل منه على ذلك شيئا ولا أن يدع مشركا يطأ الحرم بحال من الحالات طبيبا كان أو صانعا بنيانا أو غيره لتحريم الله عز وجل دخول المشركين المسجد الحرام وبعده تحريم رسوله ذلك وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها كلها لأن تركهم بسكنى الحجاز منسوخ وقد كان النبي  استثنى على أهل خيبر حين عاملهم فقال أقركم ما أقركم الله ثم أمر رسول الله  بإجلائهم من الحجاز ولا يجوز صلح ذمي على أن يسكن الحجاز بحال قال الشافعي رحمه الله تعالى وأحب إلي أن لا يدخل الحجاز مشرك بحال لما وصفت من أمر النبي  قال ولا يبين لي أن يحرم أن يمر ذمي بالحجاز مارا لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر لأنه قد يحتمل أمر النبي  بإجلائهم عنها أن لايسكنوها ويحتمل لو ثبت عنه لا يبقين دينان بأرض العرب لايبقين دينان مقيمان ولولا أن عمر ولي الخراج أهل الذمة لما ثبت عنده من أن أمر رسول الله  محتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجرا ثلاث لا يقيم فيها بعد ذلك لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا يتخذ ذمي شيئا من الحجاز دارا ولا يصالح على دخولها إلا مجتازا إن صولح أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال الشافعي رحمه الله تعالى فإذا أذن لهم أن يدخوا الحجاز فذهب لهم بها مال أو عرض بها شغل قيل لهم وكلوا بها من شئتم من المسلمين واخرجوا ولا يقيمون بها أكثر من ثلاث وأما مكة فلا يدخل الحرم أحد منهم بحال أبدا كان لهم بها مال أو لم يكن وإن غفل عن رجل منهم فدخلها فمرض أخرج مريضا أو مات أخرج ميتا ولم يدفن بها وإن مات منهم ميت بغير مكة دفن حيث 
 

صفحة : 1392

 يموت أو مرض فكان لا يطيق أن يحمل إلا بتلف عليه أو زيادة في مرضه ترك حتي يطيق الحمل ثم يحمل قال وإن صالح الإمام أحدا من أهل الذمة على شيء يأخذه في السنة منهم مما قلت لايجوز الصلح عليه على أن يدفعوا إليه شيئا فيقبض ما حل عليهم فلا يرد منه شيئا لأنه قد وفى له بما كان بينه وبينه وإن علم بعد مضي نصف السنة نبذه إليهم مكانه وأعلم أن صلحهم لا يجوز وقال إن رضيتم صلحا يجوز جددته لكم وإن لم ترضوه أخذت منكم ما وجب عليكم وهو نصف ما صالحتكم عليه في السنة لأنه قد تم لكم ونبذت إليكم وإن كانوا صالحوا على أن سلفوه شيئا لسنتين رد عليهم ما صالحوه عليه إلا قدر ما استحق بمقامهم ونبذ إليهم ولم أعلم أحدا أجل أحدا من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن فأما سائر البلدان ما خلا الحجاز فلا بأس أن يصالحوا على المقام بهاذ فإذا وقع الذمي حق بالحجاز وكل به ولم أحب أن يدخلها بحال ولا يدخلها لمنفعة لأهلها ولا غير ذلك من أسباب الدخول كتجارة يعطي منها شيئا ولا كراء يكريه مسلم ولا غيره 2 فإن أمر بإجلائه من موضع فقد يمنع من الموضع الذي أجلي منه وهذا إذا فعل فليس في النفس منه شيء وإذا كان هذا هكذا فلا يتبين أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ويمنعون المقام في سواحله وكذلك إن كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا سكناها لأنها من أرض الحجاز وإذا دخل الحجاز منهم رجل في هذه الحالة فإن كان تقدم إليه أدب وأخرج وإن لم يكن تقدم إليه لم يؤدب وأخرج وإن عاد أدب وإن مات منهم ميت في هذه الحال بمكة أخرج منها وأخرج من الحرم فدفن في الحل ولا يدفن في الحرم بحال لأن الله عز وجل قضى أن لايقرب مشرك المسجد الحرام ولو أنتن أخرج من الحرم ولو دفن بها نبش مالم ينقطع وإن مات بالحجاز دفن بها وإن مرض في الحرم أخرج فإن مرض بالحجاز يمهل بالإخراج حتى يكون محتملا للسفر فإن احتمله أخرج قال وقد وصفت مقدمهم بالنجازات بالحجاز فيما يؤخذ منهم وأسأل الله التوفيق وأحب إلى أن لا يتركوا بالحجاز بحال لتجارة ولا غيرها قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وكان معقولا أن الجزية شيء يؤخذ في أوقات وكانت الجزية محتملة للقليل والكثير قال الشافعي وكان رسول الله  المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد فأخذ رسول الله  جزية أهل اليمن دينارا في كل سنة أو قيمته من المعافري وهي الثياب وكذلك روى أنه أخذ من أهل 
 

صفحة : 1393

 أيلة ومن نصارى مكة دينارا عن كل إنسان قال وأخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة ولا أدري ما غاية ما أخذ منهم وقد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار وأخذها من أكيدر ومن مجوس البحرين لا أدري كم غاية ما أخذ منهم ولم أعلم أحدا قط حكى عنه أنه أخذ من أحد أقل من دينار أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسمعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز أن النبي  كتب إلى أهل اليمن إن على كل إنسان منكم دينارا أو قيمته من المعافري يعني أهل الذمة منهم أخبرني مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد لا أحفظه غير أنه حسن أن النبي  فرض على أهل الذمة من أهل اليمن دينارا كل سنة قلت لمطرف بن مازن فإنه يقال وعلى النساء أيضا فقال ليس أن النبي  أخذ من النساء ثابتا عندنا قال الشافعي وسألت محمد بن خالد وعبدالله بن عمرو بن مسلم وعدة من علماء أهل اليمن فكل حكى عن عدد مضوا قبلهم كلهم ثقة أن صلح النبي  لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة ولا يثبتون أن النساء كن فيمن تؤخذ منه الجزية وقال عامتهم ولم يأخذ من زروعهم وقد كانت لهم الزروع ولا من مواشيهم شيئا علمناه وقال لي بعضهم قد جاءنا بعض الولاة فخمس زروعهم أو أرادها فأنكر ذلك عليه وكل من وصفت أخبرني أن عامة ذمة أهل اليمن من حمير قال الشافعي سألت عددا كثيرا من ذمة أهل اليمن مفترقين في بلدان اليمن فكلهم أثبت لي لا يخلف قولهم أن معاذا أخذ منهم دينارا على كل بالغ وسموا البالغ الحالم قالوا كان في كتاب النبي  مع معاذ إن على كل حالم دينارا أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث أن النبي  ضرب على نصراني بمكة يقال له موهب دينارا كل سنة وأن النبي  ضرب على نصارى أيلة ثلثمائة دينار كل سنة وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا ولا يغشوا مسلما أخبرنا إبراهيم عن إسحق بن عبدالله أنهم كانوا يومئذ ثلثمائة فضرب النبي  يومئذ ثلثمائة دينار كل سنة قال الشافعي فإذا دعا من يجوز أن تؤخذ منه الجزية إلى الجزية على ما يجوز وبذل دينارا عن نفسه كل سنة لم يجز للإمام إلا قبوله منه وإن زاده على دينار ما بلغت الزيادة قلت أو كثرت جاز للإمام أخذها منه لأن اشتراط النبي  على نصارى أيلة في كل سنة دينارا على كل واحد والضيافة زيادة على الدينار وسواء معسر البالغين من أهل الذمة 
 

صفحة : 1394

 وموسرهم بالغا ما بلغ يسره لأنا نعلم أنه إذا صالح أهل اليمن وهم عدد كثير على دينار على المحتلم في كل سنة أن منهم المعسر فلم يضع عنه وأن فيهم الموسر فلم يزد عليه فمن عرض دينارا موسرا كان أو معسرا قبل منه وإن عرض أقل منه لم يقبل منه لأن من صالح رسول الله  لم نعلمه صالح على أقل من دينار قال فالدينار أقل ما يقبل من أهل الذمة وعليه إن بذلوه قبوله منه عن كل واحد منهم وإن لم يزد ضيافة ولا شيئا يعطيه من ماله فإن صالح السلطان أحدا ممن يجوز أخذ الجزية منه وهو يقوى على الأبدى على أقل من دينار أو على أن يضع عمن أعسر من أهل دينه الجزية أو على أن ينفق عليهم من بيت المال فالصلح فاسد وليس له أن يأخذ من أحد منهم إلا ما صالحه عليه إن مضت مدة بعد الصلح توجب عليه بشرطه شيئا وعليه أن ينبذ إليهم حتى يصالحوه صلحا جائزا وإن صالحوه صالحا على دينار أو أكثر فأعسر واحد منهم بجزيته فالسلطان غريم من الغرماء ليس بأحق بماله من غرمائه ولا غرماؤه منه قال الشافعي رحمه الله تعالى وإن فلسه لأهل دينه قبل أن يحول الحول عليه ضرب مع غرمائه بحصة جزيته لما مضى عليه من الحول وإن قضاه الجزية دون غرمائه كان له ما لم يستعد عليه غرماؤه أو بعضهم فإذا استعدى عليه بعضهم فليس له أن يأخذ جزيته دونهم لأن عليه حين استعدى عليه أن يقف ماله إذا أقر به أو ثبت عليه ببينة فإن لم يستعد عليه كان له أخذ جزيته منه دونهم لأنه لم يثبت عليه حق عنده حين أخذ جزيته وإن صالح أحد من أهل الذمة على ما يجوز له فغاب الذمي فله أخذ حقه من ماله وإن كان غائبا إذا علم حياته وإن لم يعلم حياته سأل وكيله ومن يقوم بماله عن حياته فإن قالوا مات وقف ماله وأخذ ما استحق فيه إلى يوم يقولون مات فإن قالوا حي وقف ماله إلا أن يعطوه متطوعين الجزية ولا يكون له أخذها من ماله وهو لا يعلم حياته إلا أن يعطوه إياها متطوعين أو يكون بعلم ورثته كلهم وأن لا وارث له غيرهم وأن يكونوا بالغين يجوز أمرهم في مالهم فيجيز عليهم إقرارهم على أنفسهم لأنه أن مات فهو مالهم قال الشافعي رحمه الله تعالى وإن أخذ الجزية من ماله لسنتين ثم ثبت عند أنه مات قبلهما رد حصة ما لم يستحق وكان عليه أن يحاص الغرماء فإن كان ما يصيبه إذا حاصصهم في الجزية عليه أقل مما أخذ رده عليهم وإن كان ورثته بالغين جائزي الأمر فقالوا مات أمس وشهد شهود أنه مات عام أول فسأل الورثة الوالي أن يرد عليهم جزيته سنة لم يكن على الوالي أن يردها عليهم لأنهم يكذبون الشهود بسقوط الجزية عنه بالموت ولو جاءنا وارثان فصدق أحدهما الشهود 
 

صفحة : 1395

 وكذبهم الآخر فكانا كرجلين شهد لهما رجلان بحقين فصدقهما أحدهما ولم يصدقهما الآخر فتجوز شهادتهما للذي صدقهما وترد للذي كذبهما وكان على الإمام أن يرد نصف الدينار على الوارث الذي صدق الشهود ولا يرد على الذي كذب الشهود قال الشافعي وإن أخذنا الجزية من أحد من أهلها فافتقر كان الإمام غريما من الغرماء ولم يكن له أن ينفق من مال الله عز وجل على فقير من أهل الذمة لأن مال الله عز وجل ثلاثة أصناف الصدقات فهي لأهلها الذين سمى الله عز وجل في سورة براءة والفيء فلأهله الذين سمى الله عز وجل في سورة الحشر والغنيمة فلأهلها الذين حضروها وأهل الخمس المسلمين في الأنفال وكل هؤلاء مسلم فحرام على الإمام والله تعالى أعلم أن يأخذ من حق أحد من المسلمين فيعطيه مسلما غيره فكيف بذمي لم يجعل الله تبارك وتعالى له فيما تطول به على المسلمين نصيبا ألا ترى أن الذمي منهم يموت فلا يكون له وارث فيكون ماله للمسلمين دون أهل الذمة لأن الله عز وجل أنعم على المسلمين بتخويلهم ما لم يكونوا يتخولونه قبل تخويلهم وبأموال المشركين فيئا وغنيمة قال الشافعي ويروون أن النبي  جعل على نصارى أيلة جزية دينار على كل إنسان وضيافة من مر بهم من المسلمين وتلك زيادة على الدينار قال الشافعي فإن بذل أهل الذمة أكثر من دينار بالغا ما بلغ كان الازدياد أحب إلي ولم يحرم على الإمام مما زادوه شيء وقد صالح عمر أهل الشام على أربعة دنانير وضيافة أخبرنا مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير ومع ذلك إرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام قال الشافعي وقد روى أن عمر ضرب على أهل الورق ثمانية وأربعين وعلى أهل اليسر وعلى أهل الأوساط أربعة وعشرين وعلى من دونهم اثنى عشر درهما وهذا في الدرهم أشبه بمذهب عمر أنه عدل الدراهم في الدية اثنى عشر درهما بدينار أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحق عن حارثة بن مضر أن عمر بن الخطاب فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مرض أو مطر أنفق من ماله قال الشافعي وحديث أسلم ضيافة ثلاثة أيام أشبه لأن رسول الله  جعل الضيافة ثلاثا وقد يكون جعلها على قوم ثلاثا وعلى قوم يوم وليلة ولم يجعل على آخرين ضيافة كما يختلف صلحه لهم فلا يرد بعض الحديث بعضا 
ID ' '   العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 

صفحة : 1396


بلاد العنوة 
قال الشافعي وإذا ظهر الإمام على بلاد أهل الحرب ونفى عنها أهلها أو ظهر على بلاد وقهر أهلها ولم يكن بين بلاد الحرب التي ظهر عليها وبين بلاد الإسلام مشرك أو كان بينه وبينهم مشركون لا يمنعون أهل الحرب الذين ظهروا على بلادهم وكان قاهرا لمن بقي محصورا ومناظرا له وإن لم يكن محصورا فسأله أولئك من العدو أن يدع لهم أموالهم على شيء يأخذه منهم فيها أو منها قل أو كثر لم يكن ذلك له لأنها قد صارت بلاد المسلمين وملكا لهم ولم يجز له إلا قسمها بين أظهرهم كما صنع رسول الله  بخيبر فإنه ظهر عليها وهو في عدد المشركون من أهلها أكثر منهم وقربها مشركون من العرب غير يهود وقد أرادوا منعهم منه فلما بان له أنه قاهر قسم أموالهم كما يقسم ما أحرز في بلاد المسلمين وخمسها وسألوه وهم متحصنون منه لهم شوكة ثابتة أن يؤمنهم ولا يسبي ذراريهم فأعطاهم ذلك لأنه لم يظهر على الحصون ومن فيها فيملكها المسلمون ولم يعطهم رسول الله  ذلك فيما ظهر عليه من الأموال إذ رأى أن لا قوة بهم على أن يبرزوا عن الحصون لمنع الأموال وكذلك لم يعطهم ذلك في حصن ظهر فيه بصفية بنت حيي وأختها وصارت في يديه لأنه ظهر عليه كما ظهر على الأموال ولم يكن لهم قوة على منعه إياه قال الشافعي رحمه الله تعالى وهكذا كل ما ظهر عليه من قليل أموال المشركين أو كثيره أرض أو دار أو غيره لا يختلف لأنه غنيمة وحكم الله عز وجل في الغنيمة أن تخمس وقد بين رسول الله  أن الأربعة الأخماس لمن أوجف عليها بالخيل والركاب وإن ظهر المسلمون على طرف من أطراف المشركين حتى يكون بهم قوة على منعه من المشركين وإن لم ينالوا المشركين فهو بلد عنوة يجب عليه قسمه وقسم أربعة أخماسه بين من أوجف عليه بخيل وركاب إن كان فيه عمارة أو كانت لأرضه قيمة قال الشافعي رحمه الله تعالى وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الإمام ولم يقسمه فوقفه المسلمون أو تركه لأهله رد حكم الإمام فيه لأنه مخالف للكتاب ثم السنة معا فإن قيل فأين ذكر ذلك في الكتاب قيل قال الله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الآية وقسم رسول الله  الأربعة الأخماس على من أوجف عليه بالخيل والركاب من كل ما أوجف عليه من أرض أو عمارة أو مال وإن تركها لأهلها اتبع أهلها بجميع ما كان في أيديهم من غلتها فاستخرج من أيديهم وجعل أجر مثلهم فيما قاموا عليه فيها وكان لأهلها أن يتبعوا الإمام بكل ما فات فيها لأنها 
 

صفحة : 1397

 أموالهم أفاتها قال فإن ظهر الإمام على بلاد عنوة فخمسها ثم سأل أهل الأربعة الأخماس ترك حقوقهم منها فأعطوه ذلك طيبة به أنفسهم فله قبوله إن أعطوه إياه يضعه حيث يرى فإن تركوه كالوقف على المسلمين فلا بأس أن يقبله من أهله وغير أهله بما يجوز للرجل أن يقبل به أرضه وأحسب عمر بن الخطاب إن كان صنع هذا في شيء من بلاد العنوة إنما استطاب أنفس أهلها عنها فصنع ما وصفت فيها كما استطاب النبي  أنفس من صار في يديه سبي هوازن ب حنين فمن طاب نفسا رده ومن لم يطب نفسا لم يكرهه على أخذ ما في يديه 
بلاد أهل الصلح 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى فإذا غزا الإمام قوما فلم يظهر عليهم حتى عرضوا عليه الصلح على شيء من أرضهم أو شيء يؤدونه عن أرضهم فيه ما هو أكثر من الجزية أو مثل الجزية فإن كانوا ممن تؤخذ منهم الجزية وأعطوه ذلك على أن يجري عليهم الحكم فعليه أن يقبله منهم وليس له قبوله منهم إلا على أن يجري عليهم الحكم وإذا قبله كتب بينه وبينهم كتابا بالشرط بينهم واضحا يعمل به من جاء بعده وهذه الأرض مملوكة لأهلها الذين صالحوا عليها على ما صالحوا على أن يؤدوا عنها شيئا فهي مملوكة لهم على ذلك وإن هم صالحوه على أن للمسلمين من رقبة الأرض شيئا فإن المسلمين شركاؤهم في رقاب أرضهم بما صالحوهم عليه وإن صالحوا على أن الأرض لهم وعليهم أن يؤدوا كذا من الحنطة أو يؤدوا من كل ما زرعوا في الأرض كذا من الحنطة لم يجز حتى يستبين فيه ما وصفت فيمن صالح على صدقة ماله وإذا صالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين فلا بأس أن يصالحهم على ذلك ويجعلوا عليهم خراجا معلوما إما شيء مسمى يضمنونه في أموالهم كالجزية وإما شيء مسمى يؤدى عن كل زرع من الأرض كذا من الحنطة أو غيرها إذا كان ذلك إذا جمع مثل الجزية أو أكثر ولا خير في أن يصالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين وأنهم إن زرعوا شيئا من الأرض فللمسلمين من كل جريب أو فدان زرعوه مكيلة معلومة أو جزء معلوم لأنهم قد يزرعون فلا ينبت أو يقل أو يكثر أو لا يزرعون ولا يكونون حينئذ صالحوه على جزية معلومة ولا أمر يحيط العلم أنه يأتي كأقل الجزية أو يجاوز ذلك وأهل الصلح أحرار إن لم يظهر عليهم ولهم بلادهم إلا ما أعطوه منها وعلى الإمام أن يخمس ما صالحوا عليه فيدفع خمسه إلى أهله وأربعة أخماسه إلى أهل الفيء فإن لم يفعل ضمن في ماله ما استهلك عليهم منه كما وصفت في بلاد العنوة وعلى الإمام أن يمنع أهل 
 

صفحة : 1398

 العنوة والصلح لأنهم أهل جزية كما وصفته يمنع أهل الجزية 
الفرق بين نكاح من تؤخذ منه الجزية وتؤكل ذبائحهم 
قال الشافعي رحمه الله تعالى حكم الله عز وجل في المشركين حكمان فحكم أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يسلموا قال وأحل الله عز وجل نساء أهل الكتاب وطعامهم فقيل طعامهم ذبائحهم فاحتمل إحلال الله نكاح نساء أهل الكتاب وطعامهم كل أهل الكتاب وكل من دان دينهم واحتمل أن يكون أراد بذلك بعض أهل الكتاب دون بعض فكانت دلالة ما يروى عن النبي  ثم ما لا أعلم فيه مخالفا أنه أراد أهل التوارة والإنجيل من بني إسرائيل دون المجوس فكان في ذلك دلالة على أن بني إسرائيل المرادون بإحلال النساء والذبائح والله تعالى أعلم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولم أعلم مخالفا في أن لا تنكح نساء المجوس ولا تؤكل ذبائحهم فلما دل الإجماع على أن حكم أهل الكتاب حكمان وأن منهم من تنكح نساؤه وتؤكل ذبيحته ومنهم من لا تنكح نساؤه ولا تؤكل ذبيحته وذكر الله عز وجل نعمته على بني إسرائيل في غير موضع من كتابه وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم كان من دان دين بني إسرائيل قبل الإسلام من غير بني إسرائيل في غير معنى من بني إسرائيل أن ينكح لأنه لا يقع عليهم أهل الكتاب بأن آباءهم كانوا غير أهل الكتاب ومن غير نسب بني إسرائيل فلم يكونوا أهل كتاب إلا بمعنى لا أهل كتاب مطلق فلم يجز والله تعالى أعلم أن ينكح نساء أحد من العرب والعجم غير بني إسرائيل دان دين اليهود والنصارى بحال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبدالله بن دينار عن سعد الجاري أو عبدالله بن سعيد مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم قال الشافعي رحمه الله تعالى فمن كان من بني إسرائيل يدين دين اليهود والنصارى نكح نساؤه وأكلت ذبيحته ومن نكح نساؤه فسبى منهم أحد وطىء بالملك ومن دان دين بني إسرائيل من غيرهم لم تنكح نساؤه ولم تؤكل ذبيحته ولم توطأ أمته وإذا لم تنكح نساؤهم ولم توطأ منهم أمة بملك اليمين 1 لم تنكح منهم امرأة قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن كان الصابئون والسامرة من بني إسرائيل ودانوا دين اليهود والنصارى فلأصل التوراة ولأصل الإنجيل نكحت نساؤهم وأحلت ذبائحهم وإن خالفوهم في فرع من دينهم لأنهم فروع قد يختلفون بينهم وإن خالفوهم في أصل التوراة لم تؤكل ذبائحهم ولم تنكح نساؤهم قال الشافعي وكل من 
 

صفحة : 1399

 كان من بني إسرائيل تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم بدينه اليهودية والنصرانية حل ذلك منه حيثما كان محاربا أو مهادنا أو معطيا للجزية لا فرق بين ذلك غير أني أكره للرجل النكاح ببلاد الحرب خوف الفتنة والسباء عليه وعلى ولده من غير أن يكون محرما والله تعالى أعلم قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن ارتد من نساء اليهود إلى النصرانية أو من نساء النصارى إلى اليهودية أو رجالهم لم يقروا على الجزية ولم ينكح من ارتد عن أصل دين آبائه وكذلك إذا ارتدوا إلى مجوسية أو غيرها من الشرك لأنه إنما أخذ منهم على الإقرار على دينهم فإذا بدلوه بغير الإسلام حالت حالهم عما أخذ إذن بأخذ الجزية منهم عليه وأبيح من طعامهم ونسائهم 
تبديل أهل الجزية دينهم 
قال الشافعي رحمه الله تعالى أصل ما نبني عليه أن الجزية لا تقبل من أحد دان دين كتابي إلا أن يكون آباؤه أو هو دان ذلك الدين قبل نزول القرآن وتقبل من كل من يثبت على دينه ودين آبائه قبل نزول القرآن ما ثبتوا على الأديان التي أخذت الجزية منهم عليها فإن بدل يهودي دينه بنصرانية أو مجوسية أو نصراني دينه بمجوسية أو بدل مجوسي دينه بنصرانية أو انتقل أحد منهم من دينه إلى غير دينه من الكفر مما وصفت أو التعطيل أو غيره لم يقتل لأنه إنما يقتل من بدل دين الحق وهو الإسلام وقيل إن رجعت إلى دينك أخذنا منك الجزية وإن أسلمت طرحناها عنك فيما يستقبل ونأخذ منك حصة الجزية التي لزمتك إلى أن أسلمت أو بدلت وإذا بدلت بغير الإسلام نبذنا إليك ونفيناك عن بلاد الإسلام لأن بلاد الإسلام لا تكون دار مقام لأحد إلا مسلم أو معاهد ولا يجوز أن نأخذ منك الجزية على غير الدين الذي أخذت منك أولا عليه ولو أجزنا هذا أجزنا أن يتنصر وثني اليوم أو يتهود أو يتمجس فنأخذ منه الجزية فيترك قتال الذين كفروا حتى يسلموا وإنما أذن الله عز وجل نأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد  وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعد رسول الله  فإن كان له مال بالحجاز قيل وكل به ولم يترك يقيم إلا ثلاثا وإن كان له بغير الحجاز لم يترك يقيم في بلاد الإسلام إلا بقدر ما يجمع ماله فإن أبطأ فأكثر ما يؤجل إلى الخروج من بلاد الإسلام أربعة أشهر لأنه أكثر مدة جعلها الله تعالى لغير الذميين من المشركين وأكثر مدة جعلها رسول الله  لهم قال الله تبارك وتعالى براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين قرأ الربيع إلى غير معجزي الله فأجلهم النبي  ما أجلهم الله من أربعة أشهر قال الشافعي 
 

صفحة : 1400

 رحمه الله تعالى فإذا لحق بدار الحرب فعلينا أن نؤدي إليه ماله وليس لنا أن نغنمه بردته عن شرك إلى شرك لما سبق من الأمان له فإن كانت له زوجة وولد كبار وصغار لم يبدلوا أديانهم أقرت الزوجة والولد الكبار والصغار في بلاد الاسلام وأخذ من ولده الرجال الجزية وإن ماتت زوجته أو أم ولده ولم تبدل دينها وهي على دين يؤخذ من أهله الجزية أقر ولدها الصغار وإن كانت بدلت دينها وهي حية معه أو بدلته ثم ماتت أو كانت وثنية وله ولد صغار منها ففيهم قولان أحدهما أن يخرجوا لأنه لا ذمة لأبيهم ولا أمهم يقرون بها في بلاد الاسلام والثاني لا يخرجون لما سبق لهم من الذمة وإن بدلوا هم قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا قلت في زوجته وولده الصغير وجاريته وعبده ومكاتبه ومدبره أقره في بلاد الإسلام فأراد إخراجهم وكرهوه فليس ذلك له وآمره فيمن يجوز له بيعه من رقيقه أن يوكل به أو يبيعه وأوقف مالا إن وجدت له وأشهد عليه أنه ملكه للنفقة على أولاده الصغار وزوجته ومن تلزمه النفقة عليه وإن لم أجد له شيئا فلا ينشأ له وقف ونفيته بكل حال عن بلاد الإسلام إن لم يسلم أو يرجع إلى دينه الذي أخذت عليه منه الجزية وإذا مات قبل إخراجه ورثت ماله من كان يرثه قبل أن يبدل دينه لأن الكفر كله ملة واحدة ويورث الوثني الكتابي والمجوسي وبعض الكتابيين بعضا وإن اختلفوا كما الإسلام ملة قال الشافعي رحمه الله تعالى جماع الوفاء بالنذر وبالعهد كان بيمين أو غيرها في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود وفي قوله تعالى يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا وقد ذكر الله عز وجل الوفاء بالعقود بالأيمان في غير آية من كتابه منها قوله عزوجل وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها قرأ الربيع الآية وقوله يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق مع ما ذكر به الوفاء بالعهد قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا من سعة لسان العرب الذي خوطبت به وظاهره عام على كل عقد ويشبه والله تعالى أعلم أن يكون أراد الله عز وجل أن يوفي بكل عقد نذر إذا كانت في العقد لله طاعة ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية فإن قال قائل ما دل على ما وصفت والأمر فيه كله مطلق ومن أين كان لأحد أن ينقض عهدا بكل حال قيل الكتاب ثم السنة صالح رسول الله  قريشا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم فأنزل الله تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن ففرض الله عز وجل عليهم أن لا ترد النساء وقد أعطوهم رد من 
 

صفحة : 1401

 جاء منهم وهن منهم فحبسهن رسول الله  بأمر الله عز وجل وعاهد رسول الله  قوما من المشركين فأنزل الله عز وجل عليه براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين الآية وأنزل كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا الآية فإن قال قائل كيف كان النبي  صالح أهل الحديبية ومن صالح من المشركين قيل كان صلحه لهم طاعة لله إما عن أمر الله عز وجل بما صنع نصا وإما أن يكون الله تبارك وتعالى جعل له أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل قضاءه عليه فصاروا إلى قضاء الله جل ثناؤه ونسخ رسول الله  فعله بفعله بأمر الله وكل كان لله طاعته في وقته فإن قال قائل وهل لأحد أن يعقد عقدا منسوخا ثم يفسخه قيل له ليس له أن يبتدىء عقدا منسوخا وإن كان ابتدأه فعليه أن ينقضه كما ليس له أن يصلي إلى بيت المقدس ثم يصلي إلى الكعبة لأن قبلة بيت المقدس قد نسخت ومن صلى إلى بيت المقدس مع رسول الله  قبل نسخها فهو مطيع لله عز وجل كالطاعة له حين صلي إلى الكعبة وذلك أن قبلة بيت المقدس كانت طاعة لله قبل أن تنسخ ومعصية بعد ما نسخت فلما قبض رسول الله  تناهت فرائض الله عز وجل فلا يزاد فيها ولا ينقض منها فمن عمل منها بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص وعليه أن يرجع عن المعصية وهذا فرق بين نبي الله وبين من بعده من الولاة في الناسخ والمنسوخ وفي كل ما وصفت دلالة على أن ليس للإمام أن يعقد عقدا غير مباح له وعلى أن عليه إذا عقده أن يفسخه ثم تكون طاعة الله في نقضه فإن قيل فما يشبه يشبه هذا قيل له هذا مثل ما قال رسول الله  من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه وأسر المشركون امرأة من الأنصار وأخذوا ناقة النبي  فانطلقت الأنصارية على ناقة النبي  فنذرت إن نجاها الله عز وجل عليها أن تنحرها فذكر ذلك للنبي  فقال لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم قال الشافعي رحمه الله تعالى يعني والله تعالى أعلم لا نذر يوفى به فلما دلت السنة على إبطال النذر فيما يخالف المباح من طاعة الله عز وجل دل على إبطال العقود في خلاف ما يباح من طاعة الله جل وعز ألا ترى أن نحر الناقة لم يكن معصية لو كانت لها فلما كانت لرسول الله  فنذرت نحرها كان نذرها معصية بغير إذن مالكها فبطل عنها عقد النذر وقال الله 
 

صفحة : 1402

 تبارك وتعالى في الأيمان لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين وقال رسول الله  من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه فأعلم أن طاعة الله عز وجل أن لا يفي باليمين إذا رأى غيرها خيرا منها وأن يكفر بما فرض الله عز وجل من الكفارة وكل هذا يدل على أنه إنما يوفي بكل عقد نذر وعهد لمسلم أو مشرك كان مباحا لا معصية لله عز وجل فيه فأما ما فيه لله معصية فطاعة الله تبارك وتعالى في نقضه إذا مضى ولا ينبغي للإمام أن يعقده نقض العهد بلا خيانة قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين قال الشافعي نزلت في أهل هدنة بلغ النبي  عنهم شيء استدل به على خيانتهم قال الشافعي فإذا جاءت دلالة على إن لم يوف أهل هدنة بجميع ما هادنهم عليه فله أن ينبذ إليهم ومن قلت له أن ينبذ إليه فعليه إن يلحقه بمأمنه ثم له أن يحاربه كما يحارب من لا هدنة له قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن قال الإمام أخاف خيانة قوم ولا دلالة له على خيانتهم من خبر ولا عيان فليس له والله تعالى أعلم نقض مدتهم إذا كانت صحيحة لأن معقولا أن الخوف من خيانتهم الذي يجوز به النبذ إليهم لا يكون إلا بدلالة على الخوف 1 ألا ترى أنه لو لم يكن بما يخطر على القلوب قبل العقد لهم ومعه وبعده من أن يخطر عليها أن يخونوا فإن قال قائل فما يشبهه قيل قول الله عز وجل واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع فكان معلوما أن الرجل إذا عقد على المرأة النكاح ولم يرها فقد يخطر على باله أن تنشز منه بدلالة ومعقولا عنده أنه إذا أمره بالعظة والهجر والضرب لم يؤمر به إلا عند دلالة النشوز وما يجوز به من بعلها ما أبيح له فيها 
ID ' '   صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 

صفحة : 1403


نقض العهد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا وادع الإمام قوما مدة أو أخذ الجزية من قوم فكان الذي عقد الموادعة والجزية عليهم رجلا أو رجالا منهم لم تلزمهم حتى نعلم أن من بقي منهم قد أقر بذلك ورضيه وإذا كان ذلك فليس لأحد من المسلمين أن يتناول لهم مالا ودما فإن فعل حكم عليه بما استهلك ما كانوا مستقيمين وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم أو نقضت منهم جماعة بين أظهرهم فلم يخالفوا الناقض بقول أو فعل ظاهر قبل أن يأتوا الإمام أو يعتزلوا بلادهم ويرسلوا إلى الإمام إنا على صلحنا أو يكون الذين نقضوا خرجوا إلى قتال المسلمين أو أهل ذمة للمسلمين فيعينون المقاتلين أويعينون على من قاتلهم منهم فللإمام أن يغزوهم فإذا فعل فلم يخرج منهم إلى الإمام خارج مما فعله جماعتهم فللإمام قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم كانوا في وسط دار الإسلام أو في بلاد العدو وهكذا فعل رسول الله  ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم الصلح بالمهادنة فنقض ولم يفارقوه فسار إليهم رسول الله  في عقر دارهم وهي معه بطرف المدينة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنم أموالهم وليس كلهم اشترك في المعونة على النبي  وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الغادرين منهم إلا نفر فحقن ذلك دماءهم وأخزز عليهم وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل كان للإمام قتال جماعتهم كما كان يقاتلهم قبل الهدنة قد أعان على خزاعة وهم في عقد النبي  ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي  قريشا عام الفتح بغدر النفر الثلاثة 1 وترك الباقون معونة خزاعة فإن خرج منهم خارج بعد مسير الإمام والمسلمين إليهم إلى المسلمين مسلما أحرز له الإسلام ماله ونفسه وصغار ذريته وإن خرج منهم خارج فقال أنا على الهدنة التي كانت وكانوا أهل هدنة لا أهل جزية وذكر أنه لم يكن ممن غدر ولا أعان قبل قوله إذا لم يعلم الإمام غير ما قال فإن علم الإمام غير ما قال نبذ إليه ورده إلى مأمنه ثم قاتله وسبى ذريته وغنم ماله إن لم يسلم أو يعط الجزية إن كان من أهلها فإن لم يعلم غير قوله وظهر منه ما يدل على خيانته وختره أو خوف ذلك منه نبذ إليه الإمام وألحقه بمأمنه ثم قاتله لقول الله عز وجل وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء قال الشافعي رحمه الله تعالى نزلت والله تعالى أعلم في قوم أهل مهادنة لا أهل جزية وسواء ما وصفت فيمن تؤخذ منه الجزية أو لا تؤخذ إلا أن من لا تؤخذ منه الجزية إذا عرض الجزية لم يكن للإمام أخذها 
 

صفحة : 1404

 منه على الأبد وأخذها منه إلى مدة قال وإن أهل الجزية ليخالفون غير أهل الجزية في أن يخاف الإمام غير أهل الجزية فلا يكون له أن ينبذ إليهم بالخوف والدلالة كما ينبذ إلى غير أهل الجزية حتى ينكشفوا بالغدر أو الامتناع من الجزية أو الحكم وإذا كان أهل الهدنة ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية فخيف خيانتهم نبذ إليهم فإن قالوا نعطي الجزية على أن يجري علينا الحكم لم يكن للإمام إلا قبولها منهم وللإمام أن يغزو دار من غدر من ذي هدنة أو جزية يغير عليهم ليلا ونهارا ويسبيهم إذا ظهر الغدر والامتناع منهم فإن تميزوا أو يخالفهم قوم فأظهروا الوفاء وأظهر قوم الامتناع كان له غزوهم ولم يكن له الإغارة على جماعتهم وإذا قاربهم دعا أهل الوفاء إلى الخروج فإن خرجوا وفى لهم وقاتل من بقي منهم فإن لم يقدروا على الخروج كان له قتل الجماعة ويتوقى أهل الوفاء فإن قتل منهم أحدا لم يكن فيه عقل ولا قود لأنه بين المشركين وإذا ظهر عليهم ترك أهل الوفاء فلا يغنم لهم مالا ولا يسفك لهم دما وإذا اختلطوا فظهر عليهم فادعى كل أنه لم يغدر وقد كانت منهم طائفة اعتزلت أمسك عن كل من شك فيه فلم يقتله ولم يسب ذريته ولم يغنم ماله وقتل وسبى ذرية من علم أنه غدر وغنم ماله 
ما أحدث الذين نقضوا العهد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا وادع الإمام قوما فأغاروا على قوم موادعين أو أهل ذمة أو مسلمين فقتلوا أو أخذوا أموالهم قبل أن يظهروا نقض الصلح فللإمام غزوهم وقتلهم وسباؤهم وإذا ظهر عليهم ألزمهم بمن قتلوا وجرحوا وأخذوا ماله الحكم كما يلزم أهل الذمة من عقل وقود وضمان قال وإن نقضوا العهد وآذنوا الإمام بحرب أو أظهروا نقض العهد وإن لم يأذنوا الإمام بحرب إلا أنهم قد أظهروا الامتناع في ناحيتهم ثم أغاروا أو أغير عليهم فقتلوا أو جرحوا وأخذوا المال حوربوا وسبوا وقتلوا فإن ظهر عليهم ففيها قولان أحدهما لا يكون عليهم قود في دم ولا جرح وأخذ منهم ما وجد عندهم من مال بعينه ولم يضمنوا ما هلك من المال 1 ومن قال هذا قال إنما فرقت بين هذا وقد حكم الله عز وجل بين المؤمنين بالقود وزعمت أنك تحكم بين المعاهدين به ويجري على المعاهدين ما يجري على المؤمنين قلت استدلالا بالسنة في أهل الحرب وقياسا عليهم ثم ما لم أعلم فيه مخالفا فإن قال فأين قلت قتل وحشي حمزة بن عبدالمطلب يوم أحد ووحشي مشرك وقتل غير واحد من قريش غير واحد من المسلمين ثم أسلم بعض من قتل فلم يجعل رسول الله  على قاتل منهم قودا وأحسب ذلك لقول الله عز وجل قل 
 

صفحة : 1405

 للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف يقال نزلت في المحاربين من المشركين فكان المحاربون من المشركين خارجين من هذا الحكم وما وصفت من دلالة السنة ثم أسلم طليحة وغيره ثم ارتدوا وقتل طليحةوأخوه ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بعد ما أظهر طليحة وأخوه الشرك فصارا من أهل الحرب والامتناع قال الشافعي رحمه الله تعالى ورجم رسول الله  يهوديين موادعين زنيا بأن جاءوه ونزل عليه فإن جاءوك فاحكم بينهم بما أنزل الله فلم يجز إلا أن يحكم على كل ذمي وموادع في مال مسلم ومعاهد أصابه بما أصاب ما لم يصر إلى إظهار المحاربة فإذا صار إليها لم يحكم عليه بما أصاب بعد إظهارها والامتناع كما لم يحكم على من صار إلى الإسلام ثم رجع عنه بما فعل في المحاربة والامتناع مثل طليحة وأصحابه فإذا أصاوا وهم في دار الإسلام غير ممتنعين شيئا فيه حق لمسلم أخذ منه وإن امتنعوا بعده لم يزدهم الامتناع خيرا وكانوا في غير حكم الممتنعين ثم ينالون بعد الامتناع دما ومالا أولئك إنما نالوه بعد الشرك والمحاربة وهؤلاء نالوه قبل المحاربة قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أن مسلما قتل ثم ارتد وحارب ثم ظهر عليه وتاب كان عليه القود وكذلك ما أصاب من مال مسلم أو معاهد شيئا وكذلك ما أصاب المعاهد والموادع لمسلم أو غيره ممن يلزم أن يؤخذ له ويخالف المعاهد المسلم فيما أصاب من حدود الله عز وجل فلا تقام على المعاهدين حتى يأتوا طائعين أو يكون فيه سبب حق لغيرهم فيطلبه وهكذا حكمهما معاهدين قبل يمتنعان أو ينقضان والقول الثاني أن الرجل إذا أسلم أو القوم إذا أسلموا ثم ارتدوا وحاربوا أو امتنعوا وقتلوا ثم ظهر عليهم أقيد منهم في الدماء والجراح وضمنوا الأموال تابوا أو لم يتوبوا ومن قال هذا قال ليسوا كالمحاربين من الكفار لأن الكفار إذا أسلموا غفر لهم ما قد سلف وهؤلاء إذا ارتدوا حبطت أعمالهم فلا تطرح عنهم الردة شيئا كان يلزمهم لو فعلوه مسلمين بحال من دم ولا قود ولا مال ولا حد ولا غيره ومن قال هذا قال لعله لم يكن في الردة قاتل يعرف بعينه أو كان فلم يثبت ذلك عليه أو لم يطلبه ولاة الدم قال الربيع وهذا عندي أشبههما بقوله عندي في موضع آخر وقال في ذلك إن لم تزده الردة شرا لم تزده خيرا لأن الحدود عليهم قائمة فيما نالوه بعد الردة 
ID ' '   ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 

صفحة : 1406


ما أحدث أهل الذمة الموادعون مما لا يكون نقضا 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أخذت الجزية من قوم فقطع قوم منهم الطريق أو قاتلوا رجلا مسلما فضربوه أو ظلموا مسلما أو معاهدا أو زنى منهم زان أو أظهر فسادا في مسلم أو معاهد حد فيما فيه الحد وعوقب عقوبة منكلة فيما فيه العقوبة ولم يقتل إلا بأن يجب عليه القتل ولم يكن هذا نقضا للعهد يحل دمه ولا يكون النقض للعهد إلا بمنع الجزية أو الحكم بعد الإقرار والامتناع بذلك ولو قال أؤدي الجزية ولا أقر بحكم نبذ إليه ولم يقاتل على ذلك مكانه وقيل قد تقدم لك أمان بأدائك للجزية وإقرارك بها وقد أجلناك في أن تخرج من بلاد الإسلام ثم إذا خرج فبلغ مأمنه قتل إن قدر عليه وإن كان عينا للمشركين على المسلمين يدل على عوراتهم عوقب عقوبة منكلة ولم يقتل ولم ينقض عهده وإن صنع بعض ما وصفت من هذا أو ما في معناه موادع إلى مدة نبذ إليه فإذا بلغ مأمنه قوتل إلا أن يسلم أو يكون ممن تقبل منه الجزية فيعطيها لقول الله عز وجل وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء الآية قال الشافعي رحمه الله تعالى وأمر في الذين لم يخونوا أن يتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم في قوله إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم الآية 
ID ' '   هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 

صفحة : 1407


المهادنة 
قال الشافعي فرض الله عز وجل قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وقال لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فهذا فرض الله على المسلمين قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم وقد كف رسول الله  عن قتال كثير من أهل الأوثان بلا مهادنه إذ انتاطت دورهم عنهم مثل بني تميم وربيعة وأسد وطىء حتى كانوا هم الذين أسلموا وهادن رسول الله  ناسا ووادع حين قدم المدينة يهودا على غير ما خرج أخذه منهم قال الشافعي وقتال الصنفين من المشركين فرض إذا قوى عليهم وتركه واسع إذا كان بالمسلمين عنهم أو عن بعضهم ضعف أو في تركهم للمسلمين نظر للمهادنة وغير المهادنة فإذا قوتلوا فقد وصفنا السيرة فيهم في موضعها قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين أو طائفة منهم لبعد دارهم أو كثرة عددهم أو خلة بالمسلمين أو بمن يليهم منهم جاز لهم الكف عنهم ومهادنتهم على غير شيء يأخذونه من المشركين وإن أعطاهم المشركون شيئا قل أو كثر كان لهم أخذه ولا يجوز أن يأخذوه منهم إلا إلى مدة يرون أن المسلمين يقوون عليها إذا لم يكن فيه وفاء بالجزية أو كان فيه وفاء ولم يعطوا أن يجري عليهم الحكم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئا بحال على أن يكفوا عنهم لأن القتل للمسلمين شهادة وأن الإسلام أعز من ان يعطي مشرك على أن يكف عن أهله لأن أهله قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق إلا في حال واحدة وأخرى أكثر منها وذلك أن يلتحم قوم من المسلمين فيخافون أن يصطلموا لكثرة العدو وقلتهم وخلة فيهم فلا بأس أن يعطوا في تلك الحال شيئا من أموالهم على أن يتخلصوا من المشركين لأنه من معاني الضرورات يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها أو يؤسر مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس أن يفدي لأن رسول الله  فدى رجلا من أصحابه أسره العدو برجلين أخبرنا عبدالوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله  فدى رجلا برجلين 
ID ' '   للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 

صفحة : 1408


المهادنة على النظر للمسلمين 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قامت الحرب بين رسول الله  وقريش ثم أغارت سراياه على أهل نجد حتى توقى الناس لقاء رسول الله  خوفا للحرب دونه من سراياه وإعداد من يعد له من عدوه بنجد فمنعت منه قريش أهل تهامة ومنع أهل نجد منه أهل نجد المشرق ثم اعتمر رسول الله  عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة فسمعت به قريش فجمعت له وجدت على منعه ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله  فتداعوا الصلح فهادنهم رسول الله  إلى مدة ولم يهادنهم على الأبد لأن قتالهم حتى يسلموا فرض إذا قوى عليهم وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ونزل عليه في سفره في أمرهم إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال ابن شهاب فما كان في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد أخرجت الناس فلما أمنوا لم يتكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك ثم نقض بعض قريش ولم ينكر عليه غيره إنكارا يعتد به عليه ولم يعتزل داره فغزاهم رسول الله  عام الفتح مخفيا لوجهه ليصيب منهم غرة قال الشافعي رحمه الله تعالى وكانت هدنة قريش نظرا من رسول الله  للمسلمين للأمرين اللذين وصفت من كثرة جمع عدوهم وحدهم على قتاله وإن أرادوا الدخول عليهم وفراغه لقتال غيرهم وأمن الناس حتى دخلوا في الإسلام قال فأحب للإمام إذا نزلت بالمسلمين نازلة وأرجو أن لا ينزلها الله عز وجل بهم إن شاء الله تعالى مهادنة يكون النظر لهم فيها ولا يهادن إلا إلى مدة ولا يجاوز بالمدة مدة أهل الحديبية كانت النازلة ما كانت فإن كانت بالمسلمين قوة قاتلوا المشركين بعد انقضاء المدة فإن لم يقو الإمام فلا بأس أن يجدد مدة مثلها أو دونها ولا يجاوزها من قبل أن القوة للمسلمين والضعف لعدوهم قد يحدث في أقل منها وإن هادنهم إلى أكثر منها فمنتقضة لأن أصل الفرض قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية فإن الله عز وجل أذن بالهدنة فقال إلى الذين عاهدتم من المشركين وقال تبارك وتعالى إلا الذين عاهدتم فلما لم يبلغ رسول الله  بمدة أكثر من مدة الحديبية لم يجز أن يهادن إلا على النظر للمسلمين ولا تجاوز قال وليس للإمام أن يهادن القوم من المشركين على النظر إلى غير مدة هدنة مطلقة فإن الهدنة المطلقة على الأبد وهي لا تجوز لما وصفت ولكن يهادنهم على أن الخيار إليه حتى إن شاء أن ينبذ إليهم فإن رأى نظرا 
 

صفحة : 1409

 للمسلمين أن ينبذ فعل فإن قال قائل فهل لهذه المدة أصل قيل نعم افتتح رسول الله  أموال خيبر عنوة وكانت رجالها وذراريها إلا أهل حصن واحد صلحا فصالحوه على أن يقرهم ما أقرهم الله عز وجل ويعملون له وللمسلمين بالشطر من الثمر فإن قيل ففي هذا نظر للمسلمين قيل نعم كانت خيبر وسط مشركين وكانت يهود أهلها محالفين للمشركين وأقوياء على منعها منهم وكانت وبئة لا توطأ إلا من ضرورة فكفوهم المؤنة ولم يكن بالمسلمين كثرة فينزلها منهم من يمنعها فلما كثر المسلمون أمر رسول الله  بإجلاء اليهود عن الحجاز فثبت عند عمر ذلك فأجلاهم فإذا أراد الإمام أن يهادنهم إلى غير مدة هادنهم على أنه إذا بدا له نقض الهدنة فذلك إليه وعليه أن يلحقهم بما منهم فإن قيل فلم لا يقول ما أقركم الله عز وجل قيل للفرق بينه وبين رسول الله  في أن أمر الله عز وجل كان يأتي رسول الله  بالوحي ولا يأتي أحدا غيره بوحي قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن جاء من المشركين يريد الإسلام فحق على الإمام أن يؤمنه حتى يتلو عليه كتاب الله عز وجل ويدعوه إلى الإسلام بالمعنى الذي يرجو أن يدخل الله عز وجل به عليه الإسلام لقول الله عز وجل لنبيه  وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه الآية قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن قلت ينبذ إليه أبلغه مأمنه وإبلاغه مأمنه أن يمنعه من المسلمين والمعاهدين ما كان في بلاد الإسلام أو حيث يتصل ببلاد الإسلام وسواء قرب ذلك أم بعد قال الشافعي ثم أبلغه مأمنه يعني والله تعالى أعلم منك أو ممن يقتله على على دينك 1 ممن يطيعك لا أمانة من غيرك من عدوك وعدوه الذي لا يأمنه ولا يطيعك فإذا أبلغه الإمام أدنى بلاد المشركين شيئا فقد أبلغه مأمنه الذي كلف إذا أخرجه سالما من أهل الإسلام ومن يجري عليه حكم الإسلام من أهل عهدهم فإن قطع به بلادنا وهو أهل الجزية كلف المشي ورد إلا أن يقيم على إعطاء الجزية قبل منه وإن كان ممن لا يجوز فيه الجزية يكلف المشي أو حمل ولم يقر ببلاد الإسلام وألحق بمأمنه وإن كانت عشيرته التي يأمن فيها بعيدة فأراد أن يبلغ أبعد منها لم يكن ذلك على الإمام وإن كان له مأمنان فعلى الإمام إلحاقه بحيث كان يسكن منهما وإن كان له بلدا شرك كان يسكنهما معا ألحقه الإمام بأيهما شاء الإمام ومتى سأله أن يجيره حتى يسمع كلام الله ثم يبلغه مأمنه وغيره من المشركين كان ذلك فرضا على الإمام ولو لم يجاوز به موضعه الذي استأمنه منه رجوت أن يسعه 
 

صفحة : 1410


مهادنة من يقوى على قتاله 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا سأل قوم من المشركين مهادنة فللإمام مهادنتهم على النظر للمسلمين رجاء أن يسلموا أو يعطوا الجزية بلا مؤنة وليس له مهادنتهم إذا لم يكن في ذلك نظر وليس له مهادنتهم على النظر على غير الجزية أكثر من أربعة أشهر لقول الله عز وجل براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين إلى قوله إن الله بريء من المشركين ورسوله الآية وما بعدها قال الشافعي رحمه الله تعالى لما قوى أهل الإسلام أنزل الله عز وجل على رسوله  مرجعه من تبوك براءة من الله ورسوله فأرسل بهذه الآيات مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقرأها على الناس في الموسم وكان فرضا أن لا يعطي لأحد مدة بعد هذه الآيات إلا أربعة أشهر لأنها الغاية التي فرضها الله عز وجل قال وجعل النبي  لصفوان بن أمية بعد فتح مكة بسنين أربعة أشهر لم أعلمه زاد أحدا بعد أن قوي المسلمون على أربعة أشهر قال الشافعي رحمه الله تعالى فقيل كان الذين عاهدوا النبي  قوما موادعين إلى غير مدة معلومة فجعلها الله عز وجل أربعة أشهر ثم جعلها رسوله كذلك وأمر الله تبارك وتعالى نبيه  في قوم عاهدهم إلى مدة قبل نزول الآية أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم ما استقاموا له ومن خاف منه خيانة نبذ إليه فلم يجز أن يستأنف مدة بعد نزول الآية وبالمسلمين قوة إلى أكثر من أربعة أشهر لما وصفت من فرض الله عز وجل فيهم وما فعل رسول الله  قال ولا أعرف كم كانت مدة النبي  ومدة من أمر أن يتم إليه عهده إلى مدته قال ويجعل الإمام المدة إلى أقل من أربعة أشهر إن رأى ذلك وليس بلازم له أن يهادن بحال إلا على النظر للمسلمين ويبين لمن هادن ويجوز له في النظر لمن رجا إسلامه وإن تكن له شوكة أن يعطيه مدة أربعة أشهر إذا خاف إن لم يفعل أن يلحق بالمشركين وإن ظهر على بلاده فقد صنع ذلك النبي  بصفوان حين خرج هاربا إلى اليمن من الإسلام ثم أنعم الله عز وجل عليه بالاسلام من قبل أن تأتي مدته ومدته أشهر قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن جعل الإمام لمن قلت ليس له أن يجعل له مدة أكثر من أربعة أشهر فعليه أن ينبذ إليه لما وصفت من أن ذلك لا يجوز له ويوفيه المدة إلى أربعة أشهر لا يزيده عليها وليس له إذا كانت مدة أكثر من أربعة أشهر أن يقول لا أفي لك بأربعة أشهر لأن الفساد إنما هو فيما جاوز الأربعة الأشهر الهدنة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلما أو 
 

صفحة : 1411

 مشركا قال الشافعي رحمه الله تعالى ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله  هادن قريشا عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضا وأن من جاء قريشا من المسلمين مرتدا لم يردوه عليه ومن جاء إلى النبي  بالمدينة منهم رده عليهم ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلما إلى غير المدينة في بلاد الإسلام والشرك وإن كان قادرا عليه ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئا من هذا الشرط وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم إنا فتحنا لك فتحا مبينا فقال بعض المفسرين قضينا لك قضاء مبينا فتم الصلح بين النبي  وبين أهل مكة على هذا حتى جاءته أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط مسلمة مهاجرة فنسخ الله عز وجل الصلح في النساء وأنزل الله تبارك وتعالى إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإمانهن الآية كلها وما بعدها قال الشافعي رحمه الله تعالى ويجوز للإمام من هذا ما روى أن رسول الله  فعل في الرجال دون النساء لأن الله عز وجل نسخ رد النساء إن كن في الصلح ومنع أن يرددن بكل حال فإذا صالح الإمام على مثل ما صالح عليه رسول الله  أهل الحديبية صالح على أن لا يمنع الرجال دون النساء الرجال من أهل دار الحرب إذا جاء أحد من رجال أهل دار الحرب إلى منزل الإمام نفسه وجاء من يطلبه من أوليائه خلى بينه وبينهم بأن لايمنعه من الذهاب به وأشار على من أسلم أن لا يأتي منزله وأن يذهب في الأرض فإن أرض الله عز وجل واسعة فيها مراغم كثيرة وقد كان أبو بصير لحق بالعيص مسلما ولحقت به جماعة من المسلمين فطلبوهم من النبي  فقال إنما أعطيناكم أن لا نؤيهم ثم لا نمنعكم منهم إذا جئتم ونتركهم ينالون من المشركين ما شاءوا قال الشافعي رحمه الله وإذا صالح الإمام على أن يبعث إليهم بمن كان يقدر على بعثه منهم ممن لم يأته لم يجز الصلح لأن رسول الله  لم يبعث إليهم منهم بأحد ولم يأمر أبا بصير ولا أصحابه بإتيانهم وهو يقدر على ذلك وإنما معنى رددناه إليكم لم نمنعه كما نمنع غيره وإذا صالحهم على أن لا يمنعهم من نساء مسلمات جئنه لم يجز الصلح وعليه منعهم منهن لأنهن إن لم يكن دخلن في الصلح بالحديبية فليس له أن يصالح على هذا فيهن وإن كن دخلن فيه فقد حكم الله عز وجل أن لا ترجعوهن إلى الكفار ومنع رسول الله  من جاءه من النساء وهكذا من جاءه من معتوه أو صبي هاربا منهم لم تكن له التخلية بينه وبينهم لأنهما يجامعان النساء في أن لا يمنعا معا 
 

صفحة : 1412

 ويزيدان على النساء أن لا يعرفا ثوابا في أن ينال منهما المشركون شيئا ولا يرد إليهم في صبي ولا في معتوه شيئا كما لا يرد إليهم في النساء غير المتزوجات شيئا لأن الرد إنما هو في المتزوجات قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن جاءه من عبيدهم مسلما لم يرده إليهم وأعتقه بخروجه إليه وفي إعطائهم القيمة قولان أحدهما أن يعطوها ذكرا أو أنثى لأن رقيقهم ليس منهم ولهم حرمة الإسلام فإن قال قائل فكيف لا يكون منهم قيل فإن الله عز وجل يقول وأشهدوا ذوي عدل منكم فلم يختلف المسلمون أنها على الأحرار دون المماليك ذوي العدل ولا يقال لرقيق الرجل هم منك إنما يقال هم مالك وإنما يرد عليهم القيمة بأنهم إذا صولحوا أمنوا على أموالهم ولهم أمان فلما حكم الله عز وجل بأن يرد نفقة الزوجة لأنها فائتة حكم بأن يرد قيمة المملوك لأنه فائت وما رددنا عليهم فيه من النفقة قلنا أن نأخذ منهم إذا فات المسلمين إليهم مثله وما لم نعطهم فيه شيئا من الأحرا الرجال أو غير ذوات الأزواج لم نأخذ منهم شيئا إذا فات المسلمين إليهم مثله لأن الله عز وجل إنما حكم بأن يرد إليهم العوض في الموضع الذي حكم للمسلمين بأن يأخذوا منهم مثله والقول الثاني لا يرد إليهم قيمة ولا يأخذ منهم فيمن فات إليهم من رقيق عينا ولا قيمة لأن رقيقهم ليسوا منهم ولا يجوز للإمام إذا لم يصالح القوم إلا على ما وصفت أن يمكنهم من مسلم كان أسيرا في أيديهم فانفلت منهم ولا يقضي لهم عليه بشيء ولو أقر عبدهم أنهم أرسلوه على أن يؤدي إليهم شيئا لم يجز له أن يأخذه منه لهم ولم يخرج المسلم بحسبه لأنه أعطاهموه على ضرورة هي أكثر الإكراه وكل ما أعطى المرء على الإكراه لم يلزمه قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أن أسيرا في بلاد الحرب أخذ منهم مالا على أن يعطيهم منه عوضا كان بالخيار بين أن يعطيهم مثل مالهم إن كان له مثل أو مثل قيمته إن لم يكن له مثل أو العوض الذي رضوا به وإن كان في يده رده إليهم بعينه إن لم يكن تغير وإن كان تغير رده ورد ما نقصه لأنه أخذه على أمان وإنما أبطلت عنه الشرط بالإكراه والضرورة فيما لم يأخذ به عوضا وهكذا لو صالحنا قوما من المشركين على مثل ما وصفت فكان في أيديهم أسير من غيرهم فانفلت فأتانا لم يكن لنا رده عليهم من قبل أنه ليس منهم وأنهم قد يمسكون عن قتل وتعذيب من كان منهم إمساكا لا يمسكونه عن غيره 
ID ' '   سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 

صفحة : 1413


أصل نقض الصلح فيما لا يجوز 
قال الشافعي رحمه الله تعالى حفظنا أن رسول الله  صالح أهل الحديبية الصلح الذي وصفت فخلى بين من قدم عليه من الرجال ووليه وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة مهاجرة فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما وأخبر أن الله عز وجل نقض الصلح في النساء وحكم فيهن غير حكمه في الرجال وإنما ذهبت إلى أن النساء كن في صلح الحديبية بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح لم يعط أزواجهن فيهن عوضا والله تعالى أعلم قال الشافعي وذكر بعض أهل التفسير أن هذه الآية نزلت فيها إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن قرأ الربيع الآية ومن قال إن النساء كن في الصلح قال بهذه الآية مع الآية التي في براءة قال الشافعي رحمه الله تعالى وبهذه الآية مع الآية فر براءة قلنا إذا صالح الإمام على ما لا يجوز فالطاعة نقضه كما صنع رسول الله  في النساء وقد أعطى المشركين فيما حفظنا فيهن ما أعطاهم في الرجال بأن لم يستثنين وأنهن منهم وبالآية في براءة وبهذا قلنا إذا ظفر المشركون برجل من المسلمين فأخذوا عليه عهودا وأيمانا بأن يأتيهم أو ببعث إليهم بكذا أو بعدد أسرى أو مال فحلال له أن لا يعطيهم قليلا ولا كثيرا لأنها أيمان مكره وكذلك لو أعطى الإمام عليه أن يرده عليهم إن جاءه فإن قال قائل ما دل على ذلك قيل له لم يمنع رسول الله  أبا بصير من وليه حين جاءاه فذهبا به فقتل أحدهما وهرب الآخر منه فلم ينكر ذلك عليه رسول الله  بل قال قولا يشبه التحسين له ولا حرج عليه في الإيمان لأنها أيمان مكره وحرام على الإمام أن يرده إليهم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أراد هو الرجوع حبسه وكذلك حرام على الإمام أن يأخذ منه شيئا لهم مما صالحهم عليه وكذلك إن أعطاهم هذا في عبد له أو متاع غلبوا عليه لم يكن للإمام أن يأخذ منه الشيء 1 يعطونه إياه فيأخذه الإمام برد السلف أو مثله أو قيمته إن لم يكن له مثل لو أعطوه إياه بيعا فهو بالخيار بين أن يرده إليهم إن لم يكن تغير أو يعطيهم قيمته أو الثمن لأنه مكره حين اشتراه وهو أسير فلا يلزمه ما اشترى وللإمام أن يعطيهم منه ما وجب لهم عليه بما اشتراه قال الشافعي رحمه الله تعالى وبهذا قلنا لو أعطى الإمام قوما من المشركين الأمان على أسير في أيديهم من المسلمين ثم جاءوه لم يحل له إلا نزعه من أيديهم بلا عوض لما وصفت من خلاف حال الأسير وأموال المسلمين في أيدي المشركين 2 ما أعطى النبي  أهل الحديبية من رد رجالهم الذين هم أبناؤهم 
 

صفحة : 1414

 وإخوانهم وعشائرهم الممنوعين منهم ومن غيرهم أن ينالوا بتلف فإن ذهب ذاهب إلى رد أبي جندل بن سهيل إلى أبيه وعياش بن أبي ربيعة إلى أهله بما أعطاهم قيل له آباؤهم وأهلوهم أشفق الناس عليهم وأحرص على سلامتهم وأهلهم كانوا سيقونهم بأنفسهم مما يؤذيهم فضلا عن أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف أوأمر لا يحملونه من عذاب وإنما نقموا منهم خلافهم دينهم ودين آبائهم فكانوا يتشددون عليهم ليتركوا دين الإسلام وقد وضع الله عز وجل عنهم المأثم في الإكراه فقال إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ومن أسر مسلما من غير قبيلته وقرابته فقد يقتله بألوان القتل ويبلوه بالجوع والجهد وليس حالهم واحدة ويقال له أيضا ألا ترى أن الله عز وجل نقض الصلح في النساء إذا كن إذا أريد بهن الفتنة ضعفن عند عرضها عليهن ولم يفهمن فهم الرجال أن التقية تسعهن في إظهار ما أراد المشركون من القول وكان فيهن أن يصيبهن أزواجهن وهن حرام فأسرى المسلمين في أكثر من هذا الحال إلا أن الرجال ليس ممن ينكح وربما كان في المشركين من يفعل فيما بلغنا والله سبحانه وتعالى أعلم الصلح في المؤمنات قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن قرأ الربيع الآية قال الشافعي وكان بينا في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن يرددن إلى دار الكفر وقطع العصمة بالإسلام بينهن وبين أزواجهن ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن ولم يسلم أزواجهن من المشركين وكان بينا فيها أن يرد على الأزواج نفقاتهم ومعقول فيها أن نفقاتهم التي ترد نفقات اللائي ملكوا عقدهن وهي المهور إذا كانوا قد أعطوهن إياها وبين أن الأزواج الذين يعطون النفقات لأنهم الممنوعون من نسائهم وأن نساءهم المأذون للمسلمين بأن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن لأنه لا إشكال عليهم في أن ينكحوا غير ذوات الأزواج إنما كان الإشكال في نكاح ذوات الأزواج حتى قطع الله عز وجل عصمة الأزواج بإسلام النساء وبين رسول الله  أن ذلك بمضي العدة قبل إسلام الأزواج فلا يؤتى أحد نفقته من امرأة فاتت إلا ذوات الأزواج وقد قال الله عز وجل للمسلمين ولا تمسكوا بعصم الكوافر فأبانهن من المسلمين وأبان رسول الله  أن ذلك بمضي العدة فكان الحكم في إسلام الزوج الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان قال واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا يعني والله تعالى أعلم أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام أوتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله الله عز وجل حكما بينهم 
 

صفحة : 1415

 ثم حكم لهم في مثل ذا المعنى حكما ثانيا فقال عز وعلا وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم والله تعالى أعلم يريد فلم تعفوا عنهم إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا كأنه يعني من مهورهن إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها مائة حسبت مائة المسلم بمائة المشرك المشرك فقيل تلك العقوبة قال الشافعي رحمه الله تعالى ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى يعطي المشرك ما قاصصناه به من مهر امرأته للمسلم الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير ذلك ولو كان للمسلمة التي تحت مشرك أكثر من مائة رد الإمام الفضل عن المائة إلى الزوج المشرك ولو كان مهر المسلمة ذات الزوج المشرك مائتين ومهر امرأة المسلم الفائتة إلى الكفار مائة ففاتت امرأة مشركة أخرى قص من مهرها مائة وليس على الإمام أن يعطي ممن فاتته زوجته من المسلمين إلى المشركين إلا قصاصا من مشرك فاتت زوجته إلينا وإن فاتت زوجة المسلم مسلمة أو مرتدة فمنعوها فذلك له وإن فاتت على أي الحالين كان فردوها لم يؤخذ لزوجها منهم مهر وتقتل إن لم تسلم إذا ارتدت وتقر مع زوجها مسلمة 
تفريع أمر نساء المهادنين 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من دار الحرب إلى موضع الإمام من دار الإسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض وإذا طلبها زوجها بنفسه أو طلبها غيره بوكالته منعها وفيها قولان أحدهما يعطي العوض والعوض ما قال الله عز وجل فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا قال الشافعي رحمه الله تعالى ومثل ما أنفقوا يحتمل والله تعالى أعلم ما دفعوا بالصداق لا النفقة غيره ولا الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه قال الشافعي رحمه الله تعالى فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها بمائتين فأعطاها مائة ردت إليه مائة وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين ردت إليه خمسون لأنها لم تأخذ منه من الصداق إلا خمسين وإن نكحها بمائة ولم يعطها شيئا من الصداق لم نرد إليه شيئا لأنه لم ينفق بالصداق شيئا ولو أنفق من عرس وهدية وكرامة لم يعط من ذلك شيئا لأنه تطوع به ولا ينظر في ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه أن نقصها منه لأن الله عز وجل أمر بأن يعطوا مثل ما أنفقوا ويعطي الزوج هذا الصداق من سهم النبي  من الفيء والغنيمة دون ما سواه من المال لأن رسول الله صلى الله عليه 
 

صفحة : 1416

 وسلم قال ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم يعني والله تعالى أعلم في مصلحتكم وبأن الأنفال كانت تكون عنه وأن عمر روى أن النبي  كان يجعل فضل ماله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن ادعى الزوج صداقا وأنكره الإمام أو جهله فإن جاء الزوج بشاهدين من المسلمين أو شاهد حلف معه أعطاه وإن لم يجد شاهدا إلا مشركا لم يعطه بشهادة مشرك وينبغي للإمام أن يسأل المرأة فإن أخبرته شيئا وأنكر الزوج أو صدقته لم يقبله الإمام وكان على الإمام أن يسأل عن مهر مثلها في ناحيتها ويحلفه بأنه دفعه ثم يدفعه إليه وقل قوم إلى ومهورهم معروفة ممن معهم من المسلمين الأسرى والمستأمنين أو الحاضرين لهم أو المصالح عليهم لم يكن معهم مسلمون منها قال الشافعي رحمه الله تعالى وإن أعطاه المهر على واحد من هذه المعاني بلا بينة ثم أقام عنده شاهدا أنه أكثر مما أعطاه رجع عليه بالفضل الذي شهدت له به البينة ولو أعطاه بهذه المعاني أو ببينة ثم أقر عنده أنه أقل مما أعطاه رجع عليه بالفضل وحبسه فيه ولم يكن هذا نقضا لعهده وإن لم يقدم زوجها ولا رسوله بطلبها حتى مات فليس لورثته فيما أنفق من صداقها شيء لأنه لو كان حيا فلم يطلبه لم يعطه إياه وإنما جعل له ما أنفق إذا منع ردها إليه وهو لايقال له ممنوع ردها إليه حتى يطلبها فيمنع ردها إليه وإن قدم في طلبها فلم يطلبها إلى الإمام حتى مات كان هكذا وكذلك لو لم يطلبها إلى الإمام حتى طلقها ثلاثا أو ملكها أن تطلق نفسها ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها لم يكن له عوض لأنه قد قطع حقه فيها حتى لو أسلم وهي في عدة لم تكن له زوجة فلا يرد إليه المهر من امرأة قد قطع حقه فيها بكل حال وكذلك لو خالعها قبل أن يرتفع إلى الإمام لأنه لو أسلم ثبت الخلع وكانت بائنا منه لا يعطى من نفقته شيء من امرأة قطع أن تكون زوجة له بحال ولو طلقها واحدة يملك الرجعة ثم طلب العوض لم نعطه حتى يراجعها فإن راجعها في العدة من يوم طلقها ثم طلبها أعطي العوض لأنه لم يقطع حقه في العوض لا يكون قطعه حقه في العوض إلا بأن يحدث طلاقا لو كانت ساعتها تلك أسلمت وأسلم لم يكن له عليها رجعة ولو كانت المرأة قدمت غير مسلمة كان هذا هكذا قال ولو قدمت مسلمة وجاء زوجها فلم يطلبها حتى ماتت لم يكن له عوض لأنه إنما يعاوض بأن يمنعها وهي بحضرة الإمام ولو كانت المسألة بحالها فلم تمت ولكن غلبت على عقلها كان لزوجها العوض ولو قدم الزوج مسلما وهي في العدة كان أحق بها ولو قدم يطلبها مشركا ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت 
 

صفحة : 1417

 زوجته ورجع عليه بالعوض فأخذ منه إن كان أخذه ولو طلب العوض فأعطيه ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها ثم أسلم فله العوض لأنها قد بانت منه بالإسلام في ملك النكاح ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض لأنه إنما ملكها بعقد غيره وإن قدمت امرأة من بلاد الإسلام أو غيرها حيث ينفذ أمر الإمام ثم جاء زوجها يطلبها إلى الإمام لم يعط عوضا لأنها لم تقدم عليه وواجب على كل من كانت بين ظهرانيه من المسلمين أن يمنعها زوجها ومتى ما صارت إلى دار الإمام فمنعها منه فله العوض ومتى طلبها زوجها وهي في دار الإمام فجاء زوجها فلم يرفعها إلى الإمام حتى تنحت عن دار الإمام لم يكن له عوض لأنه إنما يكون له العوض بأن تقيم في دار الإمام ومتى طلبها بعد موتها أو مغيبها عن دار الإمام فلا عوض له ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت استتيبت فإن تابت وإلا قتلت فإن قدم زوجها بعد القتل فقد فاتت ولا عوض وإن قدم قبل أن ترتد فارتدت وطلبها لم يعطها وأعطى العوض واستتيبت فإن تابت وإلا قتلت وإن قدم وهي مرتدة قبل أن تقتل فطلبها أعطي العوض وقتلت مكانها ومتى طلبها فقد استوجب العوض لأن على الإمام منعه منها وإن قدمت وطلبها الزوج ثم قتلها رجل فعليه القصاص أو العقل ولزوجها العوض وكذلك لو قدم وفيها الحياة لم تمت وإن كان يرى أنها في آخر رمق لأنه يمنعها في هذه الأحوال إلا أن تكون جنى عليها جناية فصارت في حال لا تعيش فيها إلا كما تعيش الذبيحة فهي في حال الميتة فلا يعطى فيها عوضا وإذا كان على الإمام منعه إياها في هذه الأحوال بأن تكون في حكم الحياة كان له العوض ولا يستوجب العوض بحال إلا أن يطلبها إلى الإمام أو وال يخلفه ببلده فإن طلبها إلى من دون الإمام من عامة أو خاصة الإمام أو وال ممن لم يوله الإمام هذا فهذا لا يكون له به العوض ومتى وصل إلى الإمام طلبه بها وإن لم يصل إليه فله العوض وإن ماتت قبل أن تصل إلى الإمام ثم طلبها إليه فلا عوض له وإن كانت القادمة مملوكة متزوجة رجلا حرا أو مملوكا أمر الإمام باختيار فراق الزوج إن كان مملوكا وإن كان حرا فطلبها أو مملوكا فلم تختر فراقه حتى قدم مسلما فهي على النكاح وإن قدم كافرا فطلبها فمن قال تعتق ولا عوض لمولاها لأنها ليست منهم فلا عوض لمولاها ولا لزوجها كما لا يكون لزوج المرأة المأسورة فهم من غيرهم عوض ومن قال تعتق ويرد الإمام على سيدها قيمتها فلزوجها العوض إذا كان حرا وإن كان مملوكا فلا عوض له إلا أن يجتمع طلبه وطلب السيد فيطلب هو امرأته بعقد النكاح والسيد المال مع طلبه فإن انفرد أحدهما دون الآخر فلا عوض له وإن كان هذا بيننا وبين أحد من أهل 
 

صفحة : 1418

 الكتاب فجاءتنا امرأة رجل منهم مشركة أو امرأة غير كتابي وهذا العقد بيننا وبينه فطلبها زوجها لم يكن لنا منعه منها إذا كان الزوج القادم أو محرما لها بوكالته إذا سألت ذلك وإن كان الزوج القادم فطلبها زوجها وأسلمت أعطيناه العوض وإن لم تسلم دفعناها إليه ولو خرجت امرأة رجل منهم معتوهة منعنا زوجها منها حتى يذهب عتهها فإذا ذهب فإن قالت خرجت مسلمة وأنا أعقل ثم عرض لي فقد وجب له العوض وإن قالت خرجت معتوهة ثم ذهب هذا عني فأنا أسلم منعناها منه وإن طلبها يومئذ أعطيناه العوض وإن لم يطلبها فلا عوض له قال الشافعي رحمه الله تعالى وإن خرجت إلينا منهم زوجة رجل لم تبلغ وإن عقلت فوصفت الإسلام منعناها منه بصفة الإسلام ولا يعطى حتى تبلغ فإذا بلغت وثبتت على الإسلام أعطيناه العوض إذا طلبها بعد بلوغها وثبوتها على الإسلام فإن لم يطلبها بعد ذلك لم يكن له عوض من قبل أنه لا يكمل إسلامها حتى تقتل على الردة إلا بعد البلوغ ولو جاءتنا جارية لم تبلغ فوصفت الإسلام وجاء زوجها وطلبها فمنعناه منها فبلغت ولم تصف الإسلام بعد البلوغ فتكون من الذين أمرنا إذا علمنا إيمانهن أن لا ندفعهن إلى أزواجهن فمتى وصفت الإسلام بعد وصفها الإسلام والبلوغ لم يكن له عوض وكذلك إن بلغت معتوهة لم يكن له عوض والقول الثاني أن له العوض في كل حال منعناها منه بصفة الإسلام وإن كانت صبية وإذا جاء زوج المرأة يطلبها فلم يرتفع إلى الإمام حتى أسلم وقد خرجت امرأته من العدة لم يكن له عوض ولا على امرأته سبيل لأنه لا يمنع من امرأته إذا أسلم إلا بانقضاء عدتها ولو كانت في عدتها كانا على النكاح وإنما يعطي العوض من يمنع امرأته ولو قدم وهي في العدة ثم أسلم ثم طلبها إلى الإمام خلى بينه وبينها فإن لم يطلبها حتى ارتدت بعد إسلامه ثم طلب العوض لم يكن له لأنه لما أسلم صار ممن لا يمنع امرأته فلا يكون له عوض لأني أمنعها منه بالردة فإن لحق بدار الحرب مرتدا فسأل العوض لم يعطه لما وصفت ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت ثم طلب منها الإسلام الأول ويمنع منها بالردة وإن رجعت إلى الإسلام وهي في العدة فهو أحق بها وإن رجعت بعد مضي العدة والعصمة منقطعة بينها فلا عوض وكل وصفت فيه العوض في قول من رأى أن يعطى العوض وفيه قول ثان لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض ولو شرط الإمام برد النساء كان الشرط منتقضا ومن قال هذا قال إن شرط رسول الله  لأهل الحديبية إذ دخل فيه أن يرد من جاءه منهم وكان النساء منهم كان شرطا صحيحا فنسخه الله ثم رسوله لأهل 
 

صفحة : 1419

 الحديبية ورد عليهم فيما نسخ منه العوض ولما قضى الله ثم رسوله  أن لا ترد النساء لم يكن لأحد ردهن ولا عليه عوض فيهن لأن شرط من شرط رد النساء بعد نسخ الله عز وجل ثم رسوله لها باطل ولا يعطى بالشرط الباطل شيء قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن قال هذا لم يرد مملوكا بحال ولا يعطيهم فيه عوضا وأشبهها أن لا يعطوا عوضا والآخر كما وصفت يعطون فيه العوض ومن قال هذا لا نرد إلى أزواج المشركين عوضا لم يأخذ للمسلمين فيما فات من أزواجهم عوضا وليس لأحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة أو رجل بأمر الخليفة لأنه يلي الأموال كلها فمن عقده غير خليفة فعقده مردود وإن جاءت فيه امرأة أو رجل لم يرد للمشركين ولم يعطوا عوضا ونبذ إليهم وإذا عقد الخليفة فمات أو عزل واستخلف غيره فعليه أن يفي لهم بما عقد لهم الخليفة قبله وكذلك على والي الأمر بعده إنفاذه إلى انقضاء المدة فإن انقضت المدة فمن قدم من رجل أو امرأة لم يرده ولم يعط عوضا وكانوا كأهل دار الحرب قدم علينا نساؤهم ورجالهم مسلمين فنقبلهم ولا نعطي أحدا عوضا من امرأته في قول من أعطى العوض فإن هادناهم على الترك سنة فقدمت علينا امرأة رجل منهم وكان الذين هادنونا من أهل الكتاب أو ممن دان دينهم قبل نزول الفرقان وأسلموا في دارهم أو أعطوا الجزية ثم جاءونا يطلبون رجالهم ونساءهم قيل قد انقضت الهدنة وخير لكم دخولكم في الإسلام وهؤلاء رجالكم فإن أحبوا رجعوا وإن أحبوا أقاموا وإن أحبوا انصرفوا ولو نقضوا العهد بيننا وبينهم لم يعطوا عوضا من امرأة رجل منهم ولم يرد إليهم منهم مسلم وهكذا لو هادنا قوما هكذا وأتانا رجالهم فخلينا بين أوليائهم وبينهم ثم نقضوا العهد كان لنا إخراجهم من أيديهم وعلينا طلبهم حتى نخرجهم من أيديهم لأنهم تركوا العهد بيننا وبينهم وسقط الشرط وهكذا لو هادنا من لا تؤخذ منه الجزية في كل ما وصفته إلا أنه ليس لنا أن نأخذ الجزية وإذا هادنا قوما رددنا إليهم ما فات إلينا من بهائم أموالهم وأمتعتهم لأنه ليس في البهائم حرمة يمنعن بها من أن نصيرها إلى مشرك وكذلك المتاع وإن صارت في يد بعضنا فعليه أن يصيرها إليهم ولو استمتع بها استهلكها كان كالغصب يلزمه لهم ما يلزم الغاصب من كراء إن كان لها وقيمة ما هلك منها في أكثر ما كانت قيمته 
ID ' '   وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 

صفحة : 1420


إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية 

كتب بسم الله الرحمن الرحيم 
هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة كذا وكذا لفلان بن فلان النصراني من بني فلان الساكن بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا إنك سألتني أن أؤمنك وأهل النصرانية من أهل بلد كذا وأعقد لك ولهم ما يعقد لأهل الذمة على ما أعطيتني وشرطت لك ولهم وعليك وعليهم فأجبتك إلى أن عقدت لك ولهم علي وعلى جميع المسلمين الأمان ما استقمت واستقاموا بجميع ما أخذنا عليكم وذلك أن يجري عليكم حكم الإسلام لا حكم خلافه بحال يلزمكموه ولا يكون لكم أن تمتنعوا منه في شيء رأيناه نلزمكم به وعلى أن أحدا منكم إن ذكر محمدا  أو كتاب الله عز وجل أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين ونقض ما أعطى عليه الأمان وحل لأمير المؤمنين ماله ودمه كما تحل أموال أهل الحرب ودماؤهم وعلى أن أحدا من رجالهم إن أصاب مسلمة بزنا أو اسم نكاح أو قطع الطريق على مسلم أو فتن مسلما عن دينه أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال أو دلالة على عورة المسلمين وإيواء لعيونهم فقد نقض عهده وأحل دمه وماله وإن نال مسلما بما دون هذا في ماله أو عرضه أو نال به من على مسلم منعه من كافر له عهد أو أمان لزمه فيه الحكم وعلى أن نتتبع أفعالكم في كل ما جرى بينكم وبين مسلم فما كان لا يحل لمسلم مما لكم فيه فعل رددناه وعاقبناكم عليه وذلك أن تبيعوا مسلما بيعا حرا ما عندنا من خمر أو خنزير أو دم ميتة أو غيره ونبطل البيع بينكم فيه ونأخذ ثمنه منكم إن أعطاكموه ولا نرده عليكم إن كان قائما ونهريقه إن كان خمرا أو دما ونحرقه إن كان ميتة وإن استهلكه لم نجعل عليه فيه شيئا ونعاقبكم عليه وعلى أن لا تسقوه أو تطعموه محرما أو تزوجوه بشهود منكم أو بنكاح فاسد عندنا وما بايعتم به كافرا منكم أو من غيركم لم نتبعكم فيه ولم نسألكم عنه ما تراضيتم به وإذا أراد البائع منكم أو المبتاع نقض البيع وأتانا طالبا له فإن كان منتقضا عندنا نقضناه وإن كان جائزا أجزناه إلا أنه إذا قبض المبيع وفات لم يرده لأنه بيع بين مشركين مضى ومن جاءنا منكم أو من غيركم من أهل الكفر يحاكمكم أجريناكم على حكم الإسلام ومن لم يأتنا لم نعرض لكم فيما بينكم وبينه وإذا قتلتم مسلما أو معاهدا منكم أو من غيركم خطأ فالدية على عواقلكم كما تكون على عواقل المسلمين وعواقلكم قراباتكم من قبل 
 

صفحة : 1421

 آبائكم وإن قتله منكم رجل لا قرابة له فالدية عليه في ماله وإذا قتله عمدا فعليه القصاص إلا أن تشاء ورثته دية فأخذونها حالة ومن سرق منكم فرفعه المسروق إلى الحاكم قطعه إذا سرق ما يجب فيه القطع وغرم ومن قذف فكان للمقذوف حد حد له وإن لم يكن حد عزر حتى تكون أحكام الإسلام جارية عليكم بهذه المعاني فيما سمينا ولم نسم وعلى أن ليس لكم أن تظهروا في شيء من أمصار المسلمين الصليب ولا تعلنوا بالشرك ولا تبنوا كنيسة ولا موضع مجتمع لصلاتكم ولا تضربوا بناقوس ولا تظهروا قولكم بالشرك في عيسى بن مريم ولا في غيره لأحد من المسلمين وتلبسوا الزنانير من فوق جميع الثياب الأردية وغيرها حتى لا تخفى الزنانير وتخالفوا بسروجكم وركوبكم وتباينوا بين قلانسكم وقلانسهم بعلم تجعلونه بقلانسكم وأن لا تأخذوا على المسلمين سروات الطرق ولا المجالس في الأسواق وأن يؤدي كل بالغ من أحرار رجالكم غير مغلوب على عقله جزية رأسه دينارا مثقالا جيدا في رأس كل سنة لا يكون له أن يغيب عن بلده حتى يؤديه أو يقيم به من يؤديه عنه لا شيء عليه من جزية رقبته إلى رأس السنة ومن افتقر منكم فجزبته عليه حتى تؤدى عنه وليس الفقر بدافع عنكم شيئا ولا ناقض لذمتكم 1 عن ما به فمتى وجدنا عندكم شيئا أخذتم به ولا شيء عليكم في أموالكم سوى جزيتكم ما أقمتم في بلادكم واختلفتم ببلاد المسلمين غير تجار وليس لكم دخول مكة بحال وإن اختلفتم بتجارة على أن تؤدوا من جميع تجاراتكم العشر إلى المسلمين فلكم دخول بلاد المسلمين إلا مكة والمقام بجميع بلاد المسلمين كما شئتم إلا الحجاز فليس لكم المقام ببلد منها إلا ثلاث ليال حتى تظعنوا منه وعلى أن من أنبت الشعر تحت ثيابه أو احتلم أو استكمل خمس عشرة سنة قبل ذلك فهذه الشروط لازمة له إن رضيها فإن لم يرضها فلا عقد له ولا جزية على أبنائكم الصغار ولا صبي غير بالغ ولا مغلوب على عقله ولا مملوك فإذا أفاق المغلوب على عقله وبلغ الصبي وعتق المملوك منكم فدان دينكم فعليه جزيتكم والشرط عليكم وعلى من رضيه ومن سخطه ولكم نبذنا إليه ولكم أن نمنعكم وما يحل ملكه عندنا لكم ممن أرادكم من مسلم أو غيره بظلم بما نمنع به أنفسنا وأموالنا ونحكم لكم فيه على من جرى حكمنا عليه بما نحكم به في أموالنا وما يلزم المحكوم في أنفسكم فليس علينا أن نمنع لكم شيئا ملكتموه محرما من دم ولا ميتة ولا خمر ولا خنزير كما نمنع ما يحل ملكه ولا نعرض لكم فيه إلا أنا لا ندعكم تظهرونه في أمصار المسلمين فما ناله من مسلم أو غيره لم نغرمه ثمنه لأنه محرم ولا ثمن لمحرم ونزجره عن العرض لكم فيه فإن عاد أدب بغير 
 

صفحة : 1422

 غرامة في شيء منه وعليكم الوفاء بجميع ما أخذنا عليكم وأن لا تغشوا مسلما ولا تظاهروا عدوهم عليهم بقول ولا فعل عهد الله وميثاقه وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من الوفاء بالميثاق ولكم عهد الله وميثاقه وذمة فلان أمير المؤمنين وذمة المسلمين بالوفاء لكم وعلى من بلغ من أبنائكم ما عليكم بما أعطيناكم ما وفيتم بجميع ما شرطنا عليكم فإن غيرتم أو بدلتم فذمة الله ثم ذمة فلان أمير المؤمنين والمسلمين بريئة منكم ومن غاب عن كتابنا ممن أعطيناه ما فيه فرضيه إذا بلغه فهذه الشروط لازمة له ولنا فيه ومن لم يرض نبذنا إليه شهد قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن شرط عليهم ضيافة فإذا فرغ من ذكر الجزية كتب أثر قوله ولا شيء عليكم في أموالكم غير الدينار في السنة والضيافة على ما سمينا فكل من مر به مسلم أو جماعة من المسلمين فعليه أن ينزله في فضل منازله فيما يكنه من حرا وبرد ليلة ويوما أو ثلاثا إن شرطوا ثلاثا ويطعمه من نفقة عامة أهله مثل الخبر والخل والجبن واللبن والحيتان واللحم والبقول المطبوخة ويعلفه دابة واحدة تبنا أو ما يقوم مقامه في مكانه فإن أقام أكثر من ذلك فليس عليه ضيافة ولا علف دابة وعلى الوسط أن ينزل كل من مر به رجلين وثلاثة لا يزيد عليهم ويصنع لهم ما وصفت وعلى الموسع أن ينزل كل من مر به ما بين ثلاثة إلى ستة لا يزيدون على ذلك ولا يصنعون بدوابهم إلا ما وصفت إلا أن يتطوعوا لهم بأكثر من ذلك فإن قلت المارة من المسلمين يفرقهم وعدلوا في تفريقهم فإن كثر الجيش حتى لا يحتملهم منازل أهل الغنى ولا يجدون منزلا أنزلهم أهل الحاجة في فضل منازلهم وليست عليهم ضيافة فإن لم يجدوا فضلا من منازل أهل الحاجة لم يكن لهم أن يخرجوهم وينزلوا منازلهم وإذا كثروا وقل من يضيفهم فأيهم سبق إلى النزول فهو أحق به وإن جاءوا معا أقرعوا فإن لم يفعلوا وغلب بعضهم بعضا ضيف الغالب ولا ضيافة على أحد أكثر مما وصفت فإذا نزلوا بقوم آخرين من أهل الذمة أحببت أن يدع الذين قروا القرى ويقري الذين لم يقروا فإذا ضاق عليهم الأمر فإن لم يقرهم أهل الذمة لم يأخذ منهم ثمنا للقرى فإذا مضى القرى لم يؤخذوا به 1 إذا سبأ لهم المسلمون ولا يأخذ المسلمون من ثمار أهل الذمة ولا أموالهم شيئا بغير إذنهم وإذا لم يشترطوا عليهم ضيافة فلا ضيافة عليهم وأيهم قال أو فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد وأسلم لم يقتل إذا كان ذلك قولا وكذلك إذا كان فعلا لم يقتل إلا أن يكون في دين المسلمين إن فعله قتل حدا أو قصاصا فيقتل بحد أو قصاص لا نقض عهد وإن فعل ما وصفنا وشرط أنه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ولكنه قال أتوب وأعطى الجزية كما 
 

صفحة : 1423

 كنت أعطيها أو على صلح أجدده عوقب ولم يقتل إلا أن يكون فعل فعلا 2 يوجب القصاص بقتل أو قود فأما ما دون هذا من الفعل أو القول وكل قول فيعاقب عليه ولا يقتل قال الشافعي رحمه الله فإن فعل أو قال ما وصفنا وشرط أنه يحل دمه فظفرنا به فامتنع من أن يقول أسلم أو أعطي جزية قتل وأخذ ماله فيئا 
الصلح على أموال أهل الذمة 
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال فكان معقولا في الآية أن تكون الجزية غير جائزة والله تعالى أعلم إلا معلوما ثم دلت سنة رسول الله  على مثل معنى ما وصفت من أنها معلوم فأما ما لم يعلم أقله ولا أكثره ولا كيف أخذ من أخذه من الولاة له ولا من أخذت منه من أهل الجزية فليس في معنى سنة رسوله  ولا نوقف على حده ألا ترى إن قال أهل الجزية نعطيكم في كل مائة سنة درهما وقال الوالي بل آخذ منكم في كل شهر دينارا لم يقم على أحد هذا ولا يجوز فيها إلا أن يستن فيها بسنة رسول الله  فنأخذ بأقل ما أخذ رسول الله  فلا يكون لوال أن يقبل أقل منه ولا يرده لأن رسول الله  أخذها معلومة ألا ترى أنه أخذها دينارا وازداد فيها ضيافة فأخذ من كل إنسان من أهل اليمن دينارا ومن أهل أيلة مثله وأخذ من أهل نجران كسوة وأعلمني علماء من أهلها أنها تتجاوز قيمة دينار ولم يجز في الآية إلا أن تكون على كل بالغ لا على بعض البالغين دون بعض من أهل دين واحد فلا يجوز والله تعالى أعلم أن تؤخذ الجزية من قوم من أموالهم على معنى تضعيف الصدقة بلا ثنى عليهم فيها وذلك أن ذلك لو جاز كان منهم من لا مال له تجب فيه الصدقة وإن كان له مال كثير من عروض ودور كغلة وغيرها فيكونون بين أظهرنا مقرين على دينهم بلا جزية ولم يبح هذا لنا ولا أن يكون أحد من رجالهم خليا من الجزية ويجوز أن يؤخذ من الجزية على ما صالحوا عليه من أموالهم تضعيف صدقة أو عشر أو ربع أو نصف أو نصف أموالهم أو أثلاثها أو ثنى أن يقال من كان له منكم مال أخذ منه ما شرط على نفسه وشرطوا له ما كان يؤخذ منه في السنة تكون قيمته دينارا أو أكثر فإذا لم يكن له ما يجب فيه ما شرط أو هو أقل من قيمة دينار فعليه دينار أو تمام دينار وإنما اخترت هذا أنها جزية معلومة الأقل وأن ليس منهم خلى منها قال ولا يفسد هذا لأنه شرط يتراضيان به لا بيع بينهما فيفسد بما تفسد به 
 

صفحة : 1424

 البيوع كما لم يفسد أن يشترط عليهم الضيافة وقد تتابع عليهم فتلزمهم وتغب فلا تلزمهم بإغبابها شيء قال ولعل عمر أن يكون صالح من نصارى العرب على تضعيف الصدقة وأدخل هذا الشرط وإن لم يحك عنه وقد روى عنه أنه أبى أن يقر العرب إلا على الجزية فأنفوا منها وقالوا تأخذها منا على معنى الصدقة مضعفة كما يؤخذ من العرب المسلمين فأبى فلحقت منهم جماعة بالروم فكره ذلك وأجابهم إلى تضعيف الصدقة عليهم فصالحه من بقي في بلاد الإسلام عليها فلا بأس أن يصالحهم عليها على هذا المعنى الذي وصفت من الثنى 
كتاب الجزية على شيء من أموالهم 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وإذا أراد الإمام أن يكتب لهم كتابا على الجزية بشرط معنى الصدقة كتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لفلان بن فلان النصراني من بني فلان الفلاني من أهل بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أنك سألتني لنفسك وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أن أعقد لك ولهم علي وعلى المسلمين ما يعقد لأهل الذمة على ما شرطت عليك وعليهم ولك ولهم فأجبتك إلى ما سألت لكم ولمن رضي ما عقدت من أهل بلد كذا على ما شرطنا عليه في هذا الكتاب وذلك أن يجري عليكم حكم الإسلام لا حكم خلافه ولا يكون لأحد منكم الامتناع مما رأيناه لازما له فيه ولا مجاوزا به ثم يجري الكتاب على مثل الكتاب الأول لأهل الجزية التي هي ضريبة لا تزيد ولا تنقص فإذا انتهى إلى موضع الجزية كتب على أن من كان له منكم إبل أو بقر أو غنم أو كان ذا زرع أو عين مال أو تمر يري فيه المسلمون على من كان له منهم فيه الصدقة أخذت جزيته منه الصدقة مضعفة وذلك أن تكون غنمه أربعين فتؤخذ منه فيها شاتان إلى عشرين ومائة فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة أخذت فيها أربع شياه إلى مائتين فإذا زادت شاة على مائتين أخذت فيها ست شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة وتسعة وتسعين فإذا بلغت أربعمائة أخذ فيها ثمان شياه ثم لا شيء في الزيادة حتى تكمل مائة ثم عليه في كل مائة فيها شاتان ومن كل منكم ذا بقر فبلغت بقره ثلاثين فعليه فيها تبيعان ثم لاشيء عليه في زيادتها حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين فعليه فيها مسنتان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها أربعة أتبعة ثم لا شيء في زيادتها إلى ثمانين فإذا بلغتها ففيها أربع مسنات ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ تسعين فإذا بلغتها ففيها ستة أتبعة ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة فإذا بلغتها فعليه فيها مسنتان 
 

صفحة : 1425

 وأربعة أتبعة ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع مسنات وتبيعان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ست مسنات ثم يجري الكتاب بصدقة البقر مضعفة ثم يكتب في صدقة الإبل فإن كانت له إبل فلا شيء فيها حتى تبلغ خمسا فإذا بلغتها فعليه فيها شاتان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع شياه ثم لا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمس عشرة فإذا بلغتها فعليه فيها ست شياه ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ثمان شياه ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ابنتا مخاض فإن لم يكن فيها ابنتا مخاض فابنا لبون ذكران وإن كانت له ابنة مخاض واحدة وابن لبون واحد أخذت بنت المخاض وابن اللبون ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستا وثلاثين فإذا بلغتها فعليه فيها ابنتا لبون ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستا وأربعين فإذا بلغتها فعليه فيها حقتان طروقتا الجمل ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ إحدى وستين فإذا بلغتها ففيها جذعتان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستا وسبعين فإذا بلغتها ففيها أربع بنات لبون ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ إحدى وتسعين فإذا بلغتها ففيها أربع حقاق ثم ذلك فرضها حتى تنتهي إلى عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة طرح هذا وعدت فكان في كل أربعين منها ابنتا لبون وفي كل خمسين حقتان وإذا لم يوجد في مال من عليه الجزية من الإبل السن التي شرط عليه أن تؤخذ في ست وثلاثين فصاعدا فجاء بها قبلت منه وإن لم يأت بها فالخيار إلى الإمام بأن يأخذ السن التي دونها ويغرمه في كل بعير لزمه شاتين أو عشرين درهما أيهما شاء الإمام أخذه به وإن شاء الإمام أخذ السن التي فوقها ورد إليه في كل بعير شاتين أو عشرين درهما أيهما شاء الإمام فعل وأعطاه إياه وإذا اختار الإمام أن يأخذ السن العليا على أن يعطيه الإمام الفضل أعطاه الإمام أيهما كان أيسر نقدا على المسلمين وإذا اختار أن يأخذ السن الأدنى ويغرم له صاحب الإبل فالخيار إلى صاحب الإبل فإن شاء أعطاه شاتين وإن شاء أعطاه عشرين درهما ومن كان منهم ذا زرع يقتات من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن أو أرز أو قطنية لم يؤخذ منه فيه شيء حتى يبلغ زرعه خمسة أوسق يصف الوسق في كتابه بمكيال يعرفونه فإذا بلغها زرعه فإن كان مما يسقي بغرب ففيه العشر وإن كان مما يسقي بنهر أو سيح أو عين ماء أو نيل ففيه الخمس ومن كان منهم ذا ذهب فلا جزية عليه فيها حتى تبلغ ذهبه عشرين مثقالا فإذا بلغتها فعليه فيها دينار نصف العشر وما 
 

صفحة : 1426

 زاد فبحساب ذلك ومن كان ذا ورق فلا جزية عليه في ورقه حتى تبلغ مائتي درهم وزن سبعة فإذا بلغت مائتي درهم فعليه فيها نصف العشر ثم ما زاد فبحسابه وعلى أن من وجد منكم ركازا فعليه خمساه وعلى أن من كان بالغا منكم داخلا في الصلح فلم يكن له مال عند الحول يجب على مسلم لو كان له فيه زكاة أو كان له مال يجب فيه على مسلم لو كان له الزكاة فأخذنا منه ما شرطنا عليه فلم يبلغ قيمة ما أخذنا منه دينارا فعليه أن يؤدي إلينا دينارا إن لم نأخذ منه شيئا وتمام دينار إن نقص ما أخذنا منه عن قيمة دينار وعلى أن ما صالحتمونا عليه على كل من بلغ غير مغلوب على عقله من رجالكم وليس ذلك منكم على بالغ مغلوب على عقله ولا صبي ولا امرأة قال ثم يجري الكتاب كما أجريت الكتاب قبله حتى يأتي على آخره وإن شرطت عليهم في أموالهم قيمة أكثر من دينار كتبت أربعة دنانير كان أو أكثر وإذا شرطت عليهم ضيافة كتبتها على ما وصفت عليهم في الكتاب قبله وإن أجابوك إلى أكثر منها فاجعل ذلك عليهم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا بأس فيهم وفيمن وقت عليهم الجزية أن يكتب على الفقير منهم كذا ولا يكون أقل من دينار ومن جاوز الفقر كذا لشيء أكثر منه ومن دخل في الغنى كذا لأكثر منه ويستوون إذا أخذت منهم الجزية هم وجميع من أخذت منه جزية مؤقتة فيما شرطت لهم وعليهم وما يجري من حكم الإسلام على كل وإذا شرط على قوم أن على فقيركم دينارا وعلى من جاوز الفقر ولم يلحق بغنى مشهور دينارين وعلى من كان من أهل الغنى مشهور أربعة دنانير جاز وينبغي أن يبينه فيقول وإنما أنظر إلى الفقر والغنى يوم تحل الجزية لا يوم عقد الكتاب فإذا صالحهم على هذا فاختلف الإمام ومن تؤخذ منه الجزية فقال الإمام لأحدهم أنت غني مشهور الغنى وقال بل أنا فقير أو وسط فالقول قوله إلا أن يعلم غير ما قال ببينة تقوم عليه بأنه غني لأنه المأخوذ منه وإذا صالحهم على هذا فجاء الحول ورجل فقير فلم تؤخذ منه جزيته حتى يوسر يسرا مشهورا أخذت جزيته دينارا على الفقر لأن الفقر حاله يوم وجبت عليه الجزية وكذلك إن حال عليه الحول وهو مشهور الغنى فلم تؤخذ جزيته حتى افتقر أخذت جزيته أربعة دنانير على حاله يوم حال عليه الحول وإن لم توجد له إلا تلك الأربعة الدنانير فإن أعسر ببعضها أخذ منه ما وجد له منها واتبع بما بقي دينا عليه وأخذت جزيته ما كان فقيرا فيما استأنف دينارا لكل سنة على الفقر ولو كان في الحول مشهور الغنى حتى إذا كان قبل الحول بيوم افتقر أخذ جزيته في عامه ذلك جزية فقير وكذلك لو كان في حوله فقيرا فلما كان قبل الحول 
 

صفحة : 1427


الضيافة مع الجزية 
قال الشافعي رحمه الله تعالى لست أثبت من جعل عمر عليه الضيافة ثلاثا ولا من جعل عليه يوما وليلة ولا من جعل عليه الجزية ولم يسم عليه ضيافة بخبر عامة ولا خاصة يثبت ولا أحد الذين ولوا الصلح عليها بأعيانهم لأنهم قد ماتوا كلهم وأي قوم من أهل الذمة اليوم أقروا أو قامت على أسلافهم بينة بأن صلحهم كان على ضيافة معلومة وأنهم رضوها بأعيانهم ألزموها ولا يكون رضاهم الذي ألزموه إلا بأن يقولوا صالحنا على أن نعطي كذا ونضيف كذا وإن قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح لم ألزمهموه وأحلفهم ما ضيفوا على إقرار بصلح وكذلك إن أعطوا كثيرا أحلفتهم ما أعطوه على إقرار بصلح فإذا حلفوا جعلتهم كقوم ابتدأت أمرهم الآن فإن أعطوا أقل الجزية وهو دينار قبلته وإن أبوا نبذت إليهم وحاربتهم وأيهم أقر بشيء في صلحه وأنكره منهم غيره ألزمته ما أقربه ولم أجعل إقراره لازما لغيره إلا بأن يقولوا صلحنا على أن نعطي كذا ونضيف كذا فأما إذا قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح فلا ألزمهموه قال ويأخذهم الإمام بعلمه وإقرارهم وبالبينة إن قامت عليهم من المسلمين ولا نجيز شهادة بعضهم على بعض وكذلك نصنع في كل أمر غير مؤقت مما صالحوا عليه وفي كل مؤقت لم يعرفه أهل الذمة بالإقرار به وإذا أقر قوم منهم بشيء يجوز للوالي أخذه ألزمهموه ما حيوا وقاموا في دار الإسلام وإذا صالحوا على شيء أكثر من دينار ثم أرادوا أن يمتنعوا إلا من أداء دينار ألزمهم ما صالحوا عليه كاملا فإن امتنعوا منهم حاربهم فإن دعوا قبل أن يظهر على أموالهم وتسبى ذراريهم إلى أن يعطوا الإمام الجزية دينارا لم يكن للإمام أن يمتنع منهم وجعلهم كقوم ابتدأ محاربتهم فدعوه إلى الجزية أو قوم دعوه إلى الجزية بلا حرب فإذا أقر منهم قرن بشيء صالحوا عليه ألزمهموه فإن كان فيهم غائب لم يحضر لم يلزمه وإذا حضر ألزم ما أقربه مما يجوز الصلح عليه وإذا نشأ أبناؤهم فبلغوا الحلم أو استكملوا خمسة عشر سنة فلم يقروا بما أقربه آباؤهم قيل إن أديتم الجزية وإلا حاربناكم فإن عرضوا أقل الجزية وقد أعطى آباؤهم أكثر منها لم يكن لنا أن نقاتلهم إذ أعطوا أقل الجزية ولا يحرم علينا أن يعطونا أكثر مما يعطينا آباؤهم ولا يكون صلح الآباء صلحا على الأبناء إلا ما كانوا صغارا لا جزية عليهم أو نساء لا جزية عليهن أو معتوهين لا جزية عليهم فأما من لم يجزي لنا إقراره في بلاد الإسلام إلا على أخذ الجزية منه فلا يكون صلح أبيه ولا غيره صلحا عنه إلا برضاه بعد البلوغ ومن كان سفيها بالغا محجورا عليه منهم صالح عن نفسه بأمر وليه فإن لم يفعل وليه وهو 
 

صفحة : 1428

 معا حورب فإن غاب وليه جعل له السلطان وليا يصالح عنه فإن أبى المحجور عليه الصلح حاربه وإن أبى وليه وقبل المحجور عليه جبر وليه أن يدفع الجزية عنه لأنها لازمة إذا أقربها لأنها من معنى النظر له لئلا يقتل ويأخذ ماله فيئا وإذ كان هذا هكذا وكان من صالحهم ممن مضى من الأئمة بأعيانهم قد ماتوا فحق الإمام أن يبعث أمناء فيجمعون البالغين من أهل الذمة في كل بلد ثم يسألونهم عن صلحهم فما أقروا به مما هو أزيد من أقل الجزية قبله منهم إلا أن تقوم عليهم بينة بأكثر منه ما لم ينقضوا العهد فيلزمه منهم من قامت عليه بينة ويسأل عمن نشأ منهم فمن بلغ عرض عليه قبول ما صالحوا عليه فإن فعل قبله منه وإن امتنع إلا من أقل الجزية قبل منه بعد أن يجتهد بالكلام على استزادته ويقول هذا الصلح أصحابك فلا تمتنع منه ويستظهر بالاستعانة بأصحابه عليه وإن أبى إلا أقل الحزية قبله منه فإن اتهم أن يكون أحد منهم بلغ ولم يقر عنده بأن قد استكمل خمس عشرة سنة أو قد احتلم ولم يقم بذلك عليه بينة مسلمون أقل من يقبل في ذلك شاهدان عدلان كشفه كما كشف رسول الله  بني قريظة فمن أنبت قتله فإذا أنبت قال له إن أديت الجزية وإلا حاربناك فإن قال أنبت من اني تعالجت بشيء تعجل إنبات الشعر لم يقبل منه ذلك إلا أن يقوم شاهدان مسلمان على ميلاده فيكون لم يستكمل خمس عشرة فيدعه ولا يقبل لهم ولا عليهم شهادة غير مسلم عدل ويكتب أسماءهم وحلاهم في الديوان ويعرف عليهم ويحلف عرفاءهم لايبلغ منهم مولود إلا رفعه إلى واليه عليهم ولا يدخل عليهم أحد من غيرهم إلا رفعوا إليه فكلما دخل فيهم أحد من غيرهم ممن لم يكن له صلح وكان ممن تؤخذ منه الجزية فعل به كما وصفت فيمن فعل وكلما بلغ منهم بالغ فعل به ما وصفت قال الشافعي رحمه الله تعالى وإن دخل من له صلح ألزمته صلحه ومتى أخذ منه صلحه رفع عنه أن تؤخذ عنه في غير بلده فإن كان صالح على دينار وقد كان له صلح قبله على أكثر أخذ منه ما بقي من الفضل على الدينار لأنه صالح عليه وإن كان صلحه الأول على دينار ببلده ثم صالح ببلد غيره على دينار أو أكثر قيل له إن شئت رددنا عليك الفضل كما صالحت عليه أولا إلا أن يكون نقض العهد ثم أحدث صلحا فيكون صلحه الآخر كان أقل أو أكثر من الصلح الأول ومتى مات منهم ميت أخذت من ماله الجزية بقدر مامر عليه من سنته كأنه مر عليه نصفها لم يؤدها يؤخذ نصف جزيته وإن عته رفع عنه الجزية ما كان معتوها فإذا أفاق أخذتها منه من يوم أفاق فإن جن فكان يجن ويفيق لم ترفع الجزية لأن هذا ممن تجري عليه الأحكام في حال إفاقته وكذلك 
 

صفحة : 1429

 إن مرض فذهب عقله أياما ثم عاد إنما ترفع عنه الجزية إذا ذهب عقله فلم يعد وأيهم أسلم رفعت عنه الجزية فيما يستقبل وأخذت لما مضى وإن غاب فأسلم فقال أسلمت من وقت كذا فالقول قوله مع يمينه إألا أن تقوم بينة بخلاف ما قال قال الربيع وفيه قول آخر أن عليه الجزية من حين غاب إلى أن قدم فأخبرنا أنه مسلم إلا أن تقوم له بينة بأن إسلامه قد تقدم قبل أن يقدم علينا بوقت فيؤخذ بالبينة قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أسلم ثم تنصر لم تؤخذ الجزية وإن أخذت ردت وقيل إن أسلمت وإلا قتلت وكذلك المرأة إن أسلمت وإلا قتلت قال يبين وزن الدينار والدنانير التي تؤخذ منهم وكذلك صفة كل ما يؤخذ منهم وإن صالح أحدهم وهو صحيح فمرت به نصف سنة ثم عته إلى آخر السنة ثم أفاق أو لم يفق أخذت منه جزية نصف السنة التي كان فيها صحيحا ومتى أفاق استقبل به من يوم أفاق سنة ثم أخذت جزيته منه لأنه كان صالح فلزمه الجزية ثم عته فسقطت عنه وإن طابت نفسه أن يؤديها ساعة أفاق قبلت منه وإن لم تطب لم يلزمها إلآ يعج الحول وإذا عتق العبد البالغ من أهل الذمة أخذت منه الجزية أو نبذ إليه وسواء أعتقه مسلم أو كافر 
الضيافة في الصلح 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أقر أهل الذمة بضيافة في صلحهم ورضوا بها فعلى الإمام مسألتهم عنها وقبول ما قالوا أنهم يعرفونه منها إذا كانت زيادة على أقل الجزية ولا تقبل منهم ولا يجوز أن يصالحهم عليها بحال حتى تكون زيادة على أقل الجزية فإن أقروا بأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين يوما وليلة أو ثلاثا أو أكثر وقالوا ما حددنا في هذا حدا ألزموا أن يضيفوا من وسط ما يأكلون خبزا وعصيدة وإداما من زيت أو لبن أو سمن أو بقول مطبوخة أو حيتان أو لحم أو غيره أي هذا تيسر عليهم وإذا أقروا بعلف دواب ولم يحددوا شيئا علفوا التبن والحشيش مما تحشاه الدواب ولا يبين أن يلزموا حبا لدواب ولا ما جاوز أقل ما تعلفه الدواب إلا بإقرارهم ولا يجوز بأن يحمل على الرجل منهم في اليوم والليلة ضيافة إلا بقدر ما يحتمل أن احتمل واحدا أو اثنين أو ثلاثة ولا يجوز عندي أن يحمل عليه أكثر من ثلاثة وإن أيسر إلا بإقرارهم ويؤخذ بأن ينزل المسلمين الذين يضيفهم حيث يشاء من منازله التي ينزلها السفر التي تكن من مطر وبرد وحر وإن لم يقروا بهذا فعلى الإمام أن يبين إذا صالحهم كيف يضيف الموسر الذي يبلغ يسره كذا ويصيف ما يضيف من الطعام والعلف وعدد من يضيفه من المسلمين وعلى الوسط الذي يبلغ 
 

صفحة : 1430

 ماله عدد كذا من الأصناف وعلى من عنده فضل عن نفسه وأهل بيته عدد كذا واحدا أو أكثر منه ومنازلهم وما يقرى كل واحد منهم ليكون ذلك معلوما إذا نزل بهم الجموع ومرت الجيوش فيؤخذون به ويجعل ذلك كله مدونا مشهودا عليه به ليأخذه من وليهم من ولاته بعده ويكتب في كتابهم أن كل من كان معسرا فرجع إلى ماله حتى يكون موسرا نقل إلى ضيافة المياسير 
الصلح على الاختلاف في بلاد المسلمين 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا أحب أن يدع الوالي أحدا من أهل الذمة في صلح إلا مكشوفا مشهودا عليه وأحب أن يسأل أهل الذمة عما صالحوا عليه مما يؤخذ منهم إذا اختلفوا في بلاد للمسلمين فإن أنكرت منهم طائفة أن تكون صالحت على شيء يؤخذ منها سوى الجزية لم يلزمها ما أنكرت وعرض عليها إحدى خصلتين أن لا تأتي الحجاز بحال أو تأتي الحجاز على أنها متى أتت الحجاز أخذ منها ما صالحها عليه عمر وزيادة إن رضيت به وإنما قلنا لا تأتي الحجاز لأن رسول الله  أجلاها من الحجاز وقلنا تأتيه على ما أخذ عمر أن ليس في إجلائها من الحجاز أمر يبين أن يحرم أن تأتي الحجاز منتابة وإن رضيت بإتيان الحجاز على شيء مثل ما أخذ عمر أو أكثر منه أذن لها أن تأتيه منتابة لا تقيم ببلد منه أكثر من ثلاث فإن لم ترض منعها منه وإن دخلته بلا إذن لم يؤخذ من مالها شيء وأخرجها منه وعاقبها إن علمت منعه إياها ولم يعاقبها إن لم تعلم منعه إياها وتقدم إليها فإن عادت عاقبها ويقدم إلى ولاته أن لا يجيزوا بلاد الحجاز إلا بالرضا والإقرار بأن يؤخذ منهم ما أخذ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وإن زادوه عليها شيئا لم يحرم عليه فكان أحب إلي وإن عرضوا عليه أقل منه لم أحب أن يقبله وإن قبله لخلة بالمسلمين رجوت أن يسعه ذلك لأنه إذا لم يحرم أن يأتوا الحجاز مجتازين لم يحل إتيانهم الحجاز كثير يؤخذ منهم ويحرمه قليل وإذا قالوا نأتيها بغير شيء لم يكن ذلك للوالي ولا لهم ويجتهد أن يجعل هذا عليهم في كل بلد انتابوه فإن منعوا منه في البلدان فلا يبين لي أن له أن يمنعهم بلدا غير الحجاز ولا يأخذ من أموالهم وإن اتجروافي بلد غير الحجاز شيئا ولا يحل أن يؤذن لهم في مكة بحال 1 وإن أتوها على الحجاز أخذ منهم ذلك وإن جاءوها على غير شرط لم يكن له أن يأخذ منهم شيئا وعاقبهم إن علموا نهيه عن إتيان مكة ولم يعاقبهم إن لم يعلموا قال الشافعي رحمه الله تعالى وينبغي أن يبتدئ صلحهم على البيان من جميع ما وصفت ثم يلزمهم ما صالحوا عليه فإن أغفلهم منعهم الحجاز كله فإن دخلوه بغير صلح لم يأخذ منهم شيئا ولا يبين 
 

صفحة : 1431

 لي أن يمنعهم غير الحجاز من البلدان قال ولا أحسب عمر بن الخطاب ولا عمر بن عبدالعزيز أخذ ذلك منهم إلا عن رضا منهم بما أخذ منهم فاخذه منهم كما تؤخذ الجزية فأما أن يكون ألزمهموه بغير رضا منهم فلا أحسبه وكذلك أهل الحرب يمنعون الإتيان إلى بلاد المسلمين بتجارة بكل حال إلا بصلح فما صالحوا عليه جاز لمن أخذه وإن دخلوا بأمان وغير صلح مقرين به لم يؤخذ منه شيء من أموالهم وردوا إلى مأمنهم إلا أن يقولوا إنما دخلنا على أن يؤخذ منا فيؤخذ منهم وإن دخلوا بغير أمان غنموا وإذا لم يكن لهم دعوى أمان ولا رسالة كانوا فيئا وقتل رجالهم إلا أن يسلموا أو يؤدوا الجزية قبل أن نظفر بهم إن كانوا ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية وإن دخل رجل من أهل الذمة بلدا أو دخلها حربي بأمان فأدى عن ماله شيئا ثم دخل بعد لم يؤخذ ذلك منه إلا بأن يصالح عليه قبل الدخول أو يرضى به بعد الدخول فأما الرسل ومن ارتاد الإسلام فلا يمنعون الحجاز لأن الله عز وجل يقول لنبيه  وإن أحد المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله وإن أراد أحد من الرسل الإمام وهو بالحرم فعلى الإمام أن يخرج إليه ولا يدخله الحرم إلا أن يكون يغني الإمام فيه الرسالة والجواب فيكتفي بهما فلا يترك يدخل الحرم بحال 
ID ' '   القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 

صفحة : 1432


ذكر ما أخذ عمر رضي الله تعالى عنه من أهل الذمة 
قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال كنت عاملا مع عبدالله بن عتبة على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكان يأخذ من النبط العشر قال الشافعي رحمه الله تعالى لعل السائب حكى أمر عمر أن يأخذ من النبط العشر في القطنية كما حكى سالم عن أبيه عن عمر فلا يكونان مختلفين أو يكون السائب حكى العشر في وقت فيكون أخذ منهم مرة في الحنطة والزيت عشرا ومرة نصف العشر ولعله كله بصلح يحدثه في وقت برضاه ورضاهم قال الشافعي رحمه الله تعالى لست أحسب عمر أخذ ما أخذ من النبط إلا عن شرط بينه وبينهم كشرط الجزية وكذلك أحسب عمر بن عبدالعزيز أمر بالأخذ منهم ولا يأخذ من أهل الذمة شيئا إلا عن صلح ولا يتركون يدخلون الحجاز إلا بصلح ويحدد الإمام فيما بينه وبينهم في تجاراتهم وجميع ما شرط عليهم أمرا يبين لهم وللعامة ليأخذهم به الولاة غيره ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد المسلمين تجارا فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا وإن دخلوا بأمان وشرط أن يأخذ منهم عشرا أو أكثر أو أقل أخذ منهم فإن دخلوا بلا أمان ولا شرط ردوا إلى مأنهم ولم يتركوا يمضون في بلاد الإسلام ولا يؤخذ منهم شيء وقد عقد لهم الأمان إلا عن طيب أنفسهم وإن عقد لهم الأمان على دمائهم لم يؤخذ من أموالهم شيء إن دخلوا بأموال إلا بشرط على أموالهم أو طيب أنفسهم قال الشافعي رحمه الله تعالى وسواء كان أهل الحرب بين قوم يعشرون المسلمين إن دخلوا بلادهم أو يخمسونهم لا يعرضون لهم في أخذ شيء من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم أو صلح يتقدم منهم أو يؤخذ غنيمة أو فيئا إن لم يكن لهم ما يأمنون به على أموالهم لأن الله عز وجل أذن بأخذ أموالهم غنيمة وفيئا وكذلك الجزية فيما أعطوها أيضا طائعين وحرم أموالهم بعقد الأمان لهم ولا يؤخذ إذا أمنوا إلا بطيب أنفسهم بالشرط فيما يختلفون به وغيره فيحل به أموالهم قال الشافعي رحمه الله تعالى وينبغي للإمام أن يحدد بينه وبين أهل الذمة جميع ما يعطيهم ويأخذ منهم ويرى أنه ينوبه وينوب الناس منهم فيسمى الجزية وأن يؤديها على ما وصفت ويسمى شهرا تؤخذ منهم فيه وعلى أن يجري عليهم حكم الإسلام إذا طلبهم به طالب أو أظهروا ظلما 
 

صفحة : 1433

 لأحد وعلى أن لا يذكروا رسول الله  إلا بما هو أهله ولا يطعنوا في دين الإسلام ولا يعيبوا من حكمه شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ويأخذوا عليهم أن لا يسمعوا المسلمين شركهم وقولهم في عزير وعيسى عليهما السلام وإن وجدوهم فعلوا بعد التقدم في عزير وعيسى عليهما السلام إليهم عاقبهم على ذلك عقوبة لا يبلغ بها حدا لأنهم قد أذن بإقرارهم على دينهم مع علم ما يقولون ولا يشتموا المسلمين وعلى أن لا يغشوا مسلما وعلى أن لا يكونوا عينا لعدوهم ولا يضروا بأحد من المسلمين في حال وعلى أن نقرهم على دينهم وأن لا يكرهوا أحدا على دينهم إذا لم يرده من أبنائهم ولا رقيقيهم ولا غيرهم وعلى أن لا يحدثوا في مصر من أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعا لضلالاتهم ولا صوت ناقوس ولا حمل خمر ولا إدخال خنزير ولا يعذبوا بهيمة ولا يقتلوها بغير ذبح ولا يحدثوا بناء يطيلونه على بناء المسلمين وأن يفرقوا بين هيآتهم في اللباس والمركب وبين هيآت المسلمين وأن يعقدوا الزنانير في أوساطهم فإنها من أبين فرق بينهم وبين هيآت المسلمين ولا يدخلوا مسجدا ولا يبايعوا مسلما بيعا يحرم عليهم في الإسلام وأن لا يزوجوا مسلما محجورا إلا بإذن وليه ولا يمنعوا من أن يزوجوه حرة إذا كان حرا ما كان بنفسه أو محجورا بإذن وليه بشهود المسلمين ولا يسقوا مسلما خمرا ولا يطعموه محرما من لحم خنزير ولا غيره ولا يقاتلوا مسلما مع مسلم ولا غيره ولا يظهروا الصليب ولا الجماعة في أمصار المسلمين وإن كانوا في قرية يملكونها منفردين لم يمنعهم إحداث كنيسة ولا رفع بناء ولا يعرض لهم في خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وجماعاتهم وأخذ عليهم أن لا يسقوا مسلما أتاهم خمرا ولا يبايعوه محرما ولا يطعموه ولا يغشوا مسلما وما وصفت سوى ما أبيح لهم إذا ما انفردوا قال وإذا كانوا بمصر للمسلمين لهم فيه كنيسة أو بناء طائل كبناء المسلمين لم يكن للإمام هدمها ولا هدم بنائهم وترك كلا على ما وجده عليه ومنع من إحداث الكنيسة وقد قيل يمنع من البناء الذي يطاول به بناء المسلمين وقد قيل إذا ملك دارا لم يمنع مما لا يمنع المسلم قال الشافعي رحمه الله تعالى وأحب إلي أن يجعلوا بناءهم دون بناء المسلمين بشيء وكذلك إن أظهروا الخمر والخنزير والجماعات وهذا إذا كان المصر للمسلمين أحيوه أو فتحوه عنوة وشرطوا على أهل الذمة هذا فإن كان فتحوه على صلح بينهم وبين أهل الذمة من ترك إظهار الخنزير والخمر وأحداث الكنائس فيما ملكوا لم يكن له منعهم من ذلك وإظهار الشرك أكثر منه ولا يجوز للإمام أن يصالح أحدا من أهل الذمة على أن ينزله من بلاد المسلمين منزلا يظهر فيه جماعة ولا كنيسة ولا ناقوسا إنما يصالحهم على ذلك في 
 

صفحة : 1434

 بلادهم التي وجدوا فيها ففتحها عنوة أو صلحا فأما بلاد لم تكن لهم فلا يجوز هذا له فيها فإن فعل ذلك أحد في بلاد بملكه منعه الإمام منه فيه ويجوز أن يدعهم أن ينزلوا بلدا لا يظهرون هذا فيه ويصلون في منازلهم بلا جماعات ترتفع أصواتهم ولا نواقيس ولا نكفهم إذا لم يكن ذلك ظاهرا عما كانوا عليه إذا لم يكن فيه فساد لمسلم ولا مظلمة لأحد فإن أحد منهم فعل شيئا مما نهاه عنه مثل الغش لمسلم أو بيعه حراما أو سقيه محرما أو الضرب لأحد أو الفساد عليه عاقبه في ذلك بقدر ذنبه ولا يبلغ به حدا وإن أظهروا ناقوسا أو اجتمعت لهم جماعات أو تهيئوا بهيئة نهاهم عنها تقدم إليهم في ذلك فإن عادوا عاقبهم وإن فعل هذا منهم فاعل أو باع مسلما بيعا حراما فقال ما علمت تقدم إليه الوالي وأحلفه وأقاله في ذلك فإن عاد عاقبه ومن أصاب منهم مظلمة لأحد فيها حد مثل قطع الطريق والفرية وغير ذلك أقيم عليه وإن غش أحد منهم المسلمين بأن يكتب إلى العدو لهم بعورة أو يحدثهم شيئا أرادوه بهم وما أشبه هذا عوقب وحبس ولم يكن هذا ولا قطع الطريق نقضا للعهد ما أدوا الجزية على أن يجري عليهم الحكم 
ما يعطيهم الإمام من المنع من العدو 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وينبغي للامام أن يظهر لهم أنهم إن كانوا في بلاد الإسلام أو بين أظهر أهل الإسلام منفردين أو مجتمعين فعليه أن يمنعهم من أن يسبيهم العدو أو يقتلهم منعه ذلك من المسلمين وإن كانت دارهم وسط دار المسلمين وذلك أن يكون من المسلمين أحد بينهم وبين العدو فلم يكن في صلحهم أن يمنعهم فعليه منعهم لأن منعهم منع دار الإسلام دونهم وكذلك إن كان لا يوصل إلى موضع هم فيه منفردون إلا بأن توطأ من بلادهم شيء كان عليه منعهم وإن لم يشترط ذلك لهم وإن كانت بلادهم داخلة ببلاد الشرك ليس بينها وبين بلاد الإسلام شرك حرب فإذا أتاها العدو لم يطأ من بلاد الإسلام شيئا ومعهم مسلم فأكثر كان عليه منعهم وإن لم يشترط ذلك لهم لأن منع دارهم منع مسلم وكذلك إن لم يكن معهم مسلم وكان معهم مال لمسلم فإن كانت دارهم كما وصفت متصلة ببلاد الإسلام وبلاد الشرك إذا غشيها المشركون لم ينالوا من بلاد الإسلام شيئا وأخذ الإمام منهم الجزية فإن لم يشترط لهم منعهم فعليه منعهم حتى يبين في أصل صلحهم أنه لا يمنعهم فيرضون بذلك وأكره له إذا اتصلوا كما وصفت ببلاد الإسلام أن يشترط أن لا يمنعهم وأن يدع منعهم ولا يبين أن عليه منعهم فإن كان أصل صلحهم أنهم قالوا لا تمنعنا ونحن نصالح المشركين بما شئنا لم يحرم عليه إن يأخذ الجزية منهم على هذا وأحب إلي لو 
 

صفحة : 1435

 صالحهم على منعهم لئلا ينالوا أحدا يتصل ببلاد الإسلام فإن كانوا قوما من العدو دونهم عدو فسألوا أن يصالحوا على جزية ولا يمنعوا جاز للوالي أخذها منهم ولا يجوز له أخذها بحال من هؤلاء ولا غيرهم إلا على أن يجري عليهم حكم الإسلام لأن الله عز وجل لم يأذن بالكف عنهم إلا بأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام فمتى صالحهم على أن لا يجري عليهم حكم الإسلام فالصلح فاسد وله أخذ ما صالحوه عليه في المدة التي كف فيها عنهم وعليه أن ينبذ إليهم حتى تصالحوا على أن يجري عليهم الحكم أو يقاتلهم ولا يجوز أن يصالحهم على هذا إلا أن تكون بهم قوة ولا يجوز أن يقول آخذ منكم الجزية إذا استغنيتم وأدعها إذا افتقرتم ولا أن يصالحهم إلا على جزية معلومة لا يزاد فيها ولا ينقص ولا أن يقول متى افتقر منكم مفتقر أنفقت عليه من مال الله تعالى قال ومتى صالحهم على شيء مما زعمت أنه لا يجوز الصلح عليه وأخذ عليه منهم جزية أكثر من دينار في السنة رد الفضل على الدينار ودعاهم إلى أن يعطوا الجزية على ما يصلح فإن لم يفعلوا نبذ إليهم وقاتلهم ومتى أخذ منهم الجزية على أن يمنعهم فلم يمنعهم إما بغلبة عدوله حتى هرب عن بلادهم وأسلمهم وإما تحصن منه حتى نالهم العدو فإن كان تسلف منهم جزية سنة أصابهم فيها ما وصفت رد عليهم جزية ما بقي من السنة ونظر فإن كان ما مضى من السنة نصفها أخذ منه ما صالحهم عليه لأن الصلح كان تاما بينه وبينهم حتى أسلمهم فيومئذ انتقض صلحه وإن كان لم يتسلف منهم شيئا وإنما أخذ منهم جزية سنة قد مضت وأسلمهم في غيرها لم يرد عليهم شيئا ولا يسعه إسلامهم فإن غلب غلبة فعلى ما وصفت وإن أسلمهم بلا غلبة فهو آثم في إسلامهم وعليه أن يمنع من آذاهم وإذا أخذ منهم الجزية أخذها بإجمال ولم يضرب منهم أحدا ولم ينله بقول قبيح والصغار أن يجري عليهم الحكم لا أن يضربوا ولا يؤذوا ويشترط عليهم أن لا يحيوا من بلاد الإسلام شيئا ولا يكون له أن يأذن لهم فيه بحال وإن أقطعه رجلا مسلما فغمره ثم باعهموه لم ينقض البيع وتركهم وإحياءه لأنهم ملكوه بأموالهم وليس له أن يمنعهم الصيد في بر ولا بحر لأن الصيد ليس بإحياء موات وكذلك لا يمنعهم الحطب ولا الرعى في بلاد المسلمين لأنه لا يملك 
ID ' '   يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 

صفحة : 1436


تفريع ما يمنع من أهل الذمة 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا كان علينا أن نمنع أهل الذمة إذا كانوا معنا في الدار وأموالهم التي يحل لهم أن يتمولوها مما نمنع منه أنفسنا وأموالنا من عدوهم إن أرادهم أو ظلم ظالم لهم وأن نستنقذهم من عدوهم لو أصابهم وأموالهم التي تحل لهم لو قدرنا اسنتقذناهم وما حل لهم ملكه ولم نأخذ لهم خمرا ولا خنزيرا فإن قال قائل كيف تستنقذهم وأموالهم التي يحل لهم ملكها ولا نستنقذ لهم الخمر والخنزير وأنت تقرهم على ملكها قلت إنما منعتهم بتحريم دمائهم فإن الله عز وجل جعل في دمائهم دية وكفارة وأما منعي ما يحل من أموالهم فبذمتهم وأما ما أقررتهم عليه فمباح لي بأن الله عز وجل أذن بقتالهم حتى يعطوا الجزية فكان في ذلك دليل على تحريم دمائهم بعد ما أعطوها وهم صاغرون ولم يكن في إقراري لهم عليها معونة عليها ألا ترى أنه لو امتنع عليهم عبد أو ولد من الشرك فأرادوا إكراههم لم أقرهم على إكراهه بل منعتهم منه وكما لم أكن بإقرارهم على الشرك معينا لهم بإقراهم عليه ولا بمنعهم من العدو معينا عليه فكذلك لم يمكن إقرارهم على الخمر والخنزير عونا لهم عليه ولا أكون عونا لهم على أخذ الخمر والخنزير وإن أقررتهم على ملكه فإن قال فلم لم تحكم لهم بقيمته على من استهلكه قلت أمرني الله عز وجل أن أحكم بينهم بما أنزل الله ولم يكن فيما أنزل الله تبارك وتعالى ولا ما دل عليه رسول الله  المنزل عليه المبين عن الله عز وجل ولا فيما بين المسلمين أن يكون للمحرم ثمن فمن حكم لهم بثمن محرم حكم بخلاف حكم الإسلام ولم يأذن الله تعالى لأحد أن يحكم بخلاف حكم الإسلام وأنا مسئول عما حكمت به ولست مسئولا عما عملوا مما حرم عليهم مما لم أكلف منعه منهم ومن سرق لهم من بلاد المسلمين أو أهل الذمة ما يجب فيه القطع قطعته وإذا سرقوا فجاءني المسروق قطعتهم وكذلك أحدهم إن قذفوا وأعزر لهم من قذفهم وأؤدب لهم من ظلمهم من المسلمين وآخذ لهم منه جميع ما يجب لهم مما يحل أخذه وأنهاه عن العرض له وإذا عرض لهم بما يوجب عليه في ماله أو بدنه شيئا أخذته منه وإذا عرض لهم بأذى لا يوجب ذلك عليه زجرته عنه فإن عاد حبسته أو عاقبته عليه وذلك مثل أن يهريق خمرهم أو يقتل خنازيرهم وما أشبه هذا فإن قال قائل فكيف لا تجيز شهادة بعضهم على بعض وفي ذلك إبطال الحكم عنهم قيل قال الله عز وجل واستشهدوا شهيدين من رجالكم وقال ممن ترضون من الشهداء فلم يكونوا من رجالنا ولا ممن نرضى من الشهداء فلما وصف الشهود منا دل على أنه 
 

صفحة : 1437

 لا يجوز أن يقضي بشهادة شهود من غيرنا لم يجز أن نقبل شهادة غير مسلم وأما إبطال حقوقهم فلم نبطلها إلا إذا لم يأتنا ما يجوز فيه وكذلك يصنع بأهل البادية والشجر والبحر والصناعات لا يكون منهم من يعرف عدله وهم مسلمون فلا تجوز شهادة بعضهم على بعض وقد تجري بينهم المظالم والتداعي والتباعات كما تجري بين أهل الذمة ولسنا آثمين فيما جنى جانيهم ومن أجاز شهادة من لم يؤمر بإجازة شهادته أثم بذلك لأنه عمل نهى عن عمله فإن قال فإن الله عز وجل يقول شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت قرأ الربيع إلى فيقسمان بالله فما معناه قيل والله تعالى أعلم قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حبان قال بكير قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قوله تبارك وتعالى اثنان ذوا عدل منكم الآية أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميمي والآخر يماني صحبهما مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية 1 وبز ورقة فمرض القرشي فجعل وصيته إلى الداريين فمات وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولباء الميت وجاء ببعض ماله وأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين إن صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه قالا لا قالوا فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى رسول الله  فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت إلى آخر الآية فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة أمر النبي  فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السموات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به وأنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين فلما حلفا خلى سبيلهما ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا اشتريناه منه في حياته وكذبا فكلفا البينة فلم يقدروا عليها فرفعوا ذلك إلى رسول الله  فأنزل الله عز وجل فإن عثر يقول فإن اطلع على أنهما استحقا إثما يعني الداريين أي كتما حقا فآخران من أولياء الميت يقومان مقامهما من الذي استحق عليهما الأوليان فيقسمان بالله فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين هذا قول الشاهدين أولياء الميت ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها يعني الداريين والناس أني يعودوا لمثل ذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى يعني من كان في 
 

صفحة : 1438

 مثل حال الداريين من الناس ولا أعمل الآية تحتمل معنى غير حمله على ما قال وإن كان لم يوضح بعضه لأن الرجلين اللذين كشاهدي الوصية كانا أميني الميت فيشبه أن يكون إذا كان شاهدان منكم أو من غيركم أمينين على ما شهدا عليه فطلب ورثة الميت أيمانهما أحلفا بأنهما أمينان لا في معنى الشهود فإن قال فكيف تسمى في هذا الموضع شهادة قيل كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة وإنما معنى شهادة بينكم أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى والله تعالى أعلم فإن قال قائل فكيف لم تحتمل الشهادة قيل ولا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أو ردت ولا يجوز أن يكون إجماعهم خلافا لكتاب الله عز وجل ويشبه قول الله تبارك وتعالى فإن عثر على أنهما استحقا إثما يوجد من مال الميت في أيديهما ولم يذكرا قبل وجوده أنه في أيدهما فلما وجد ادعيا ابتياعه فأحلف أولياء الميت على مال الميت فصار مالا من مال الميت بإقرارهما وادعيا لأنفسهما شراءه فلم تقبل دعواهما بلا بينة فأحلف وارثاه على ما ادعيا وإن كان أبو سعيد لم يبينه في حديثه هذا التبيين فقد جاء بمعناه قال الشافعي رحمه الله تعالى وليس في هذا رد اليمين إنما كانت يمين الداريين على إدعاء الورثة من الخيانة ويمين ورثة الميت على ما ادعى الداريان مما وجد في أيديهما وأقرا أنه للميت وأنه صار لهما من قبله وإنما أجزنا رد اليمن من غير هذه الآية فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم فذلك والله تعالى أعلم أن الأيمان كانت عليهم بدعوى الورثة أنهم اختانوا ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم أن هذا كان للميت وادعائهم شراءه منه فجاز أن يقال أن ترد أيمان تثنى عليهم الأيمان بما يجب عليهم إن صارت لهم الأيمان كما يجب على من حلف لهم وذلك قول الله والله تعالى أعلم يقومان مقامهما يحلفان كما أحلفا وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية بناسخة ولا منسوخة لأمر الله عز وجل بإشهاد ذوي عدل منكم ومن نرضى من الشهداء 
ID ' '   يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 

صفحة : 1439