صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/74

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الحلم

الحلم وصغيرة قبل أن يحدث بينه وبين أحد أمرا في خصومة أو قطيعة، وقد يستكثر عليه أن يصفعه صانع، فلا يقتص لنفسه حتى يسأل أباه ويترقب الجواب منه، فإذا كان الرجل يرتضي من معاذيره أن يقوده ابن سمية فينقاد؛ لأنه لم يجد حوله رجلا رشيدا، فليس بالكثير أن يؤمر بمراجعة أبيه في شتم شاتم وضرب ضارب، وهو في مقتبل الشباب قبل الولاية وقبل الخلافة. ولسنا نفهم من ذلك أن معاوية كان في حكم القاصر في شبابه وكهولته، ولكننا نفهم أن أباه كان يعرفه، وكان يعرف أنه لا يحتكم إلى طبيعة تغضب من الأمور بمقاديرها. حدث صاحب العقد الفريد في الجزء الأول عن أبي حاتم عن العتبي قال: «قدم معاوية من الشام وعمرو بن العاص من مصر على عمر بن الخطاب، فأقعدهما بين يديه وجعل يسائلهما عن أعمالهما إلى أن أعترض عمرو في حديث معاوية، فقال له معاوية: أعملي تعيب وإلي تقصد؟! هلم تخبر أمير المؤمنين عن عملي وأخبره عن عملك، قال عمرو: فعلمت أنه بعملي أبصر مني بعمله، وأن عمر أول هذا الحديث حتى يصير إلى آخره، فأردت أن أفعل شيئا أشغل به عمر عن ذلك، فرفعت يدي فلطمت معاوية، فقال معاوية: إن أبي أمرني ألا أقضي أما دونه، فأرسل عمر إلى أبي سفيان، فلما أتاه ألقى له وسادة، وقال: قال رسول الله : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، ثم قص عليه ما جرى بين عمرو ومعاوية، فقال: لهذا بعثت إلي؟ أخوه وابن عمه، وقد أتى غير كبير، وقد وهبت ذلك له ،» وصاحب العقد على هواه الأموي - يسوق هذه القصة في سياق الثناء، ولسنا نفهم من ذلك أن أباه كان يعرف، وكان يعرف أنه لا يحتكم إلى طبيعة تغضب من الأمور بمقاديرها، وأنه إذا غضب يتغاضب بالرأي والاختيار فيخطئه التقدير وموقفه مع حجر وأصحابه ظاهرة نفسية معهودة في الطبائع التي تصدم، فتقبل الصدمة وتحذر من الاندفاع، ولكنها إذا تركت بلا صدمة تردها لم تعرف حدود الارتداد، ولا تأبى أن تستسلم للاندفاع. تلك الظاهرة من مورثات طبيعة المطاردة في الإنسان وفي الحيوان أو السبع من قبله ... فقد علم المراقبون لطبائع الحيوان أن المطاردة عنده تقوم على حركات متتابعة، ولا تقوم على حركة واحدة، فإذا لمح الحيوان من خصمه أنه يجفل منه أخذ في الهجوم، وإذا

عدا خصمه أمامه أخذ في العدو ورأءه، وإذا أدركه ولم يجد منه مقاومة تمادى في صرعه

72